تقریر بحث سیدنا الاستاد المرجع الدینی الاکبر الایه العظمی الحاج السید حسین الطباطبائی البروجردی فی القبله، الستر و الساتر، مکان المصلی

اشارة

سرشناسه : بروجردی، حسین، 1340 - 1253

عنوان و نام پديدآور : تقریر بحث سیدنا الاستاد المرجع الدینی الاکبر الایه العظمی الحاج السید حسین الطباطبائی البروجردی فی القبله، الستر و الساتر، مکان المصلی/ تقریر علی پناه الاشتهاردی

مشخصات نشر : قم: جماعه المدرسین بقم، موسسه النشر الاسلامی، 1416ق. = 1374.

مشخصات ظاهری : ج 2

فروست : (موسسه النشر الاسلامی التابعه لجماعه المدرسین بقم؛ 767، 768)

شابک : بها:15000ریال(دوره کامل)

يادداشت : عربی.

يادداشت : عنوان دیگر: تقریر بحث سماحه آیه الله العظمی السید البروجردی قدس سره.

یادداشت : کتابنامه

عنوان دیگر : تقریر بحث سماحه آیه الله العظمی السید البروجردی قدس سره.

عنوان دیگر : تقریر بحث سماحه آیه الله العظمی السید البروجردی قدس سره

موضوع : نماز

موضوع : فقه جعفری -- قرن 14

شناسه افزوده : اشتهاردی، علی پناه، محرر

شناسه افزوده : جامعه مدرسین حوزه علمیه قم. دفتر انتشارات اسلامی

رده بندی کنگره : BP186 /ب47ت7 1374

رده بندی دیویی : 297/353

شماره کتابشناسی ملی : م 75-5478

الجزء الأول

[مقدمة المؤسسة]

بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ

الحمد للّٰه ربّ العالمين، و الصلاة و السلام على أشرف الأنبياء و المرسلين أبي القاسم محمد المصطفى و على آله الطيبين الطاهرين، و اللعن الدائم على أعدائهم أجمعين.

و بعد، فلا يخفى على ذوي العلم و الفضيلة ما للتقريرات التي يسطّرها الكمّل من أهل التحقيق و التدقيق من دور مهمّ في عكس آراء الفقهاء و المجتهدين و نقل أنظارهم الاستدلالية في حقلي الفقه و الأصول، و التي أتعبوا نفوسهم الشريفة و بذلوا أعزّ ما عندهم في سبيل تحصيلها و تنقيحها حتى أضحت مراجعة كتب التقريرات إحدى الوسائل و الطرق لتقييم مدى أعلمية الفقيه المقرّر له، و قد عرفت الحوزات الشيعية بهذا الفنّ من التصنيف، و على ضوئه يمنح المقرّرين عادة درجة الاجتهاد من أساتذتهم في علمي

الفقه و الأصول.

و الكتاب- الماثل بين يديك- هي تقريرات فقهية لمباحث فقيه الطائفة و مرجع وقته آية اللّٰه العظمى السيد البروجردي نوّر اللّٰه مضجعه كتبها و قرّرها نخبة الأساتذة المحقّقين العلّامة المدقّق آية اللّٰه الحاج الشيخ علي پناه الاشتهاردي دامت بركاته.

و وفاء للعهد الذي اتّخذته المؤسّسة على عاتقها في إحياء علوم أهل البيت صلوات اللّٰه عليهم أجمعين و خدمة الحوزات العلميّة تلقّت مشروع طبع و نشر هذه التقريرات بالقبول، سائلة اللّٰه جلّ شأنه للمقرّر المفضال و لها التوفيق لإحياء تراث آل محمّد عليه و عليهم السلام إنه وليّ التوفيق.

مؤسّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين بقم المشرفة

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 4

[مقدمة المقرر]

بسم اللّٰه الرحمن الرحيم الحمد للّٰه الولي الحميد الحكيم المجيد الفعال لما يريد و الصلاة و السلام على من بعثه من الأنبياء و المرسلين الذين ختمهم ببعث سيد المرسلين و الذي تمّم به مكارم الأخلاق ما كان محمّد أبا أحد من رجالكم و لكن رسول اللّٰه و خاتم النبيين.

و على وصيه و وزيره الذي هو بمنزلة هارون من موسى الا انه لا نبي بعده، اعنى ابن عمه و صهره على بن أبي طالب (ع) أول الأئمة، ثم على أولاده المعصومين المظلومين المطهرين من الأرجاس لا سيما امام العصر و خليفة الماضين الحجة بن الحسن العسكري عليه و على أجداده الطيبين الطاهرين صلوات المصلين.

و بعد فهذا هو تقرير بحث سيد الفقهاء و المجتهدين الذي الزمان بمثله لعقيم، سيدنا الأستاذ الأعظم و الطود العظيم العالي المرجع الديني العام في زمانه الحاج آقا حسين الطباطبائي البروجردي قدس سره الشريف من بحث القبلة و الستر و الساتر و شرائط لباس المصلي.

و الحمد للّٰه رب العالمين

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 5

[كتاب الصلاة]

فصل في القبلة «1»

[الجهة الأولى في قبلة القريب]
اشارة

و يشترط في الصلاة استقبال القبلة بالضرورة من الدين بحيث لم يختلف (يخالف خ) فيه أحد من العامّة و الخاصّة، بل الاستقبال الى قبلة ما في العبادة الخاصّة كان مرسوما قبل الإسلام في الأديان السابقة و كان قبلة اليهود بيت المقدس، و عمل النصارى اليوم هكذا، و لكن يظهر من بعض الكتب أنّ قبلتهم كان في أوّل الأمر مشرق الشمس و لا يخفى أنّ من الأمور المسلّمة التاريخيّة، أنّ النبي صلّى اللّٰه عليه و آله كان يصلّى في بدو الأمر قريبا من ستّة عشر أشهر بعد الهجرة إلى طرف بيت المقدس و كان ذلك قبل غزوة بدر بشهرين، ثمّ أمر بعد ذلك بالتوجّه نحو الكعبة.

و يستفاد من بعض الآيات أنّ من المعرفات لنبيّنا صلّى اللّٰه عليه و آله المذكورة في كتب اليهود و النصارى، الصلاة الى الكعبة، و أن النبي صلّى اللّٰه عليه و آله كان منتظر للأمر من اللّٰه تعالى بالتوجّه نحوها و كيف كان.

فقد قال اللّٰه تعالى قَدْ نَرىٰ تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمٰاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضٰاهٰا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرٰامِ وَ حَيْثُ مٰا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ الآية «2».

قوله تعالى فَلَنُوَلِّيَنَّكَ يحتمل أن يكون من الولاية بمعنى السلطنة

______________________________

(1) قد وقع الشروع في هذا البحث في 19 ذي القعدة الحرام 69 ه ق

(2) سورة البقرة، الآية: 144.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 6

و كون الشخص صاحبا لأمر فمعناه حينئذ، نجعلك صاحبا لقبلة إلخ، أو من (ولّي) إذا تبع فمعناه حينئذ نجعلك تابعا لقبلة فكأنّه بتوجيهه في كل موضع إلى أمر يتابعه و ذلك الأمر أمامه، و هذا أظهر.

و قال تعالى وَ مِنْ حَيْثُ

خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرٰامِ وَ حَيْثُ مٰا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ لِئَلّٰا يَكُونَ لِلنّٰاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ «1».

الشطر جاء بمعنى النصف و الجانب، و المناسب هنا هو الثاني، و قوله تعالى لِئَلّٰا يَكُونَ إلخ يدل على ما ذكرنا من أنّ من المعرّفات لنبيّنا صلّى اللّٰه عليه و آله، المذكورة في كتب اليهود و النصارى، الصلاة الى الكعبة هذا كلّه فيما يتعلّق بتاريخ الكعبة.

و أمّا ما هو المتعلّق بالبحث الفقهي من جهتين (الجهة الأولى) في أنّ القبلة هل هي المسجد الحرام أو الكعبة، و على الثاني فيقال:

لا ينافي ذكر المسجد الحرام في الآية، لأنّ النبي صلّى اللّٰه عليه و آله حين أمر بالتوجّه نحوه كان صلى اللّٰه عليه و آله في المدينة الطيّبة، و التوجّه من البعيد نحوه يستلزم التوجّه نحوها.

أمّا الأخبار الواردة في هذا الباب فنقول: يظهر من أكثرها أنّ القبلة هي الكعبة و في هذه الأخبار عبّر كثيرا ما بالكعبة، و في بعضها عبّر بالبيت و هو الكعبة أيضا كما قال اللّٰه تعالى جَعَلَ اللّٰهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرٰامَ قِيٰاماً لِلنّٰاسِ «2».

(فمنها) ما رواه الشيخ (ره) بإسناده، عن على بن الحسن الطاطري عن ابن أبي حمزة (يعني محمّدا- ئل)، عن معاوية بن عمّار، عن أبي

______________________________

(1) سورة البقرة، الآية: 149، 150، 144.

(2) سورة المائدة، الآية: 92.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 7

عبد اللّٰه عليه السلام، قال: قلت له: متى صرف رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه و آله إلى الكعبة؟ قال: بعد رجوعه من بدر «1».

و بإسناده عنه أيضا، عن وهيب، عن أبي بصير، عن أحدهما عليهما السلام (في حديث) قال: قلت: اللّٰه أمره أن يصلّى الى البيت المقدس؟ قال: نعم الا ترى أنّ

اللّٰه يقول وَ مٰا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهٰا إِلّٰا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ الآية «2» ثمّ قال: انّ بنى عبد الأشد أتوهم و هم في الصلاة و قد صلّوا ركعتين الى بيت المقدس فقيل لهم:

انّ نبيّكم صرف الكعبة فتحول النساء مكان الرجال و الرجال مكان النساء و جعلوا الركعتين الباقيتين إلى الكعبة فصلّوا صلاة واحدة إلى قبلتين فلذا سمّى مسجدهم مسجد القبلتين «3».

و عن معاوية بن عمّار، قال: قلت لأبي عبد اللّٰه عليه السلام: متى صرف رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه و آله إلى الكعبة؟ قال: بعد رجوعه من بدر و كان يصلّى الى بيت المقدس سبعة عشر شهرا ثمّ أعيد إلى الكعبة «4».

الى غير ذلك من الروايات التي عبّر فيها بلفظ الكعبة فراجع

______________________________

(1) الوسائل باب 2، حديث 1 من أبواب القبلة، ج 3 ص 215.

(2) سورة البقرة، الآية: 143، و تمام الآية مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلىٰ عَقِبَيْهِ وَ إِنْ كٰانَتْ لَكَبِيرَةً إِلّٰا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللّٰهُ وَ مٰا كٰانَ اللّٰهُ لِيُضِيعَ إِيمٰانَكُمْ إِنَّ اللّٰهَ بِالنّٰاسِ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ.

(3) الوسائل باب 2، حديث 2 من أبواب القبلة.

(4) الوسائل باب 2، حديث 4 من أبواب القبلة.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 8

الوسائل «1»، هذا و لكن في بعض الروايات أنّ الكعبة قبلة لمن في المسجد، و المسجد قبلة لمن في الحرم، و الحرم قبلة لمن هو خارج عنه.

مثل ما رواه الشيخ أبو جعفر الطوسي رحمه اللّٰه، بإسناده، عن محمّد بن أحمد بن يحيى، عن الحسن بن الحسين، عن عبد اللّٰه بن محمّد الحجال، عن بعض رجاله، عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام: انّ اللّٰه تعالى جعل الكعبة قبلة لأهل المسجد، و جعل المسجد قبلة لأهل

الحرم، و جعل الحرم قبلة لأهل المسجد، و جعل المسجد قبلة لأهل الحرم، و جعل الحرم قبلة لأهل الدنيا «2».

و بإسناده، عن أبي العباس ابن عقدة، عن الحسين بن محمّد ابن حازم، عن تغلب بن الضحاك، عن بشر بن جعفر (حفص خ ل) الجعفي (أبي الوليد خ)، عن جعفر بن محمّد عليهما السلام، قال:

سمعته يقول: البيت قبلة لأهل المسجد، و المسجد قبلة لأهل الحرم، و الحرم قبلة للناس جميعا.

و روى الصدوق رحمه اللّٰه مرسلا مثل الأوّل «3».

و مقتضى هذه الروايات أنّ المصلّى في الحرم إلى نقطة من المسجد الحرام تصح صلاته و ان علم بعدم توجّه إلى الكعبة، و كذلك المصلّى من خارج الحرم إلى نقطة من الحرم تصح صلاته و ان علم بعدم توجّهه إلى الكعبة أو الى المسجد بل مع كونها خلفه كما يمكن أنّه قد يتّفق، مع أنّه لم يلتزم به أحد من الفقهاء حتى القائلين بما تضمنه هذه الروايات،

______________________________

(1) راجع الوسائل باب 2، 3، 4 من أبواب القبلة، ج 3 ص 215 الى 222.

(2) الوسائل باب 3 حديث 1 من أبواب القبلة ج 3، ص 220.

(3) الوسائل باب 3 حديث 2- 3 من أبواب القبلة ج 3، ص 220.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 9

في الفرضين.

فحينئذ يمكن أن يقال: كونها معرض عنها عند الأصحاب هذا.

مضافا الى إرسال رواية ابن الحجال و ضعف رواية ابن عقدة لكونه عاميّا فالأرجح أنّ القبلة هي الكعبة فقط.

ثمّ لا يخفى أنّ المراد بكونها قبلة هو التوجّه الى هذا الموضع و ما يحاذيه من الفوق أو التحت بحيث لو صلّى فوق جبل كان ارتفاعه أكثر من ارتفاع الكعبة و كان توجّهه الى الفضاء الذي فوق الكعبة

كانت صلاته صحيحة، كما يدل عليه ما رواه الشيخ (ره) بإسناده، عن الطاطري، عن محمّد بن أبي حمزة، عن عبد اللّٰه بن سنان، قال: سأله رجل، قال:

صلّيت فوق أبى قبيس العصر فهل يجزى ذلك و الكعبة تحتي؟ قال: نعم انّها قبلة من موضعها الى السماء «1».

فرعان
(الأوّل) حجر إسماعيل (على نبيّنا و آله و عليه السلام) هل هو داخل في الكعبة أم لا؟

الظاهر لا، لتبادر غيره منها من دون الحجر.

(الثاني) هل المعتبر التوجّه بتمام أجزاء بدنه إليها أم يكفي خصوص الوجه؟

وجهان من أنّ المأمور به بالتوجّه إليها بمقتضى قوله تعالى فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ «2» هو الوجه، فيكفي هو خاصّة، و من أنّ تولية الوجه يمكن أن يكون كناية عن توجّه الشخص بجميع مقاديم بدنه الى

______________________________

(1) الوسائل باب 18، حديث 1 من أبواب القبلة، ج 3 ص 247.

(2) سورة البقرة، الآية 144- 150.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 10

الكعبة، لأنّ توجّه الوجه إلى القبلة على وضعه الطبيعي يستلزم توجّه سائر المقاديم كذلك، و بالعكس إذا كانت المقاديم متوجّهة على وضعها الطبيعي إلى جهة غير القبلة يكون الوجه أيضا بالطبع- متوجّها اليه، و صرف الوجه إليها خلاف الوضع الطبيعي، فلذا عبّر عن التوجّه بمقاديم الشخص بتولية الوجه في قوله تعالى فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضٰاهٰا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرٰامِ إلخ «1»، فلو كانت تولية الوجه كافية لزم الحكم بصحّة صلاة من توجّه الى غير القبلة، و لكن حوّل وجهه إليها- مع عدم الالتزام بذلك.

و يتفرّع عليه أنّه لو صلّى في المسجد متوجّها الى زاوية الكعبة بحيث لم يكن بتمامه متوجّها إليها، بل كان كتفه الأيمن أو الأيسر مثلا غير محاذ للكعبة (فعلى الأوّل) يصح و (على الثاني) لا.

و لكن يمكن أن يستشكل ما وجّه به القول بعدم الكفاية بأنّه و ان كان تولية الوجه عبارة عمّا ذكر من كونه كناية عن التوجّه بجميع مقاديم البدن، لكن كون المكفى عنه عبارة عن جميع المقاديم حتى المقاديم التي لا تكون محاذية للوجه كالكتف الأيمن أو الأيسر، فغير مسلّم.

نعم القدر المتيقّن منها المفهوم من تولية الوجه، توجّه الشخص بالمقاديم التي تكون محاذية، أمّا غيرها فلا و لا أقلّ من أنّ اعتبارها مشكوك

و الأصل عدمه.

فحينئذ، فهل المعتبر التوجّه بتمام الوجه أم يكفي التوجه ببعضه؟

وجهان من كون الوجه محدّب الشكل غير مستوى السطح فلا يمكن اتصال جميع الخطوط الخارجة منه الى الشي ء المتوجّه اليه، على نحو

______________________________

(1) سورة البقرة، الآية: 144.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 11

الموازاة و المساواة فلا يمكن توجّه الإنسان بتمام وجهه إليها أو الى غيرها من الأجسام بحيث يخرج من وجهه خطوط حدثت من مبدئها على الوجه زوايا قوائم و كانت متوازية و تتصل تلك الخطوط بالجسم المتوجّه اليه.

و على هذا فان كان المعتبر من التوجّه إلى القبلة، التوجّه بتمام الوجه بهذا المعنى فهو غير معقول فلا بدّ أمّا من القول بانّ المعتبر، التوجّه ببعض الوجه بحيث يحدث من مبدأ الخطوط الخارجة من ذلك البعض زوايا قوائم «1» و أمّا من القول بانّ المعتبر التوجّه بتمام الوجه و المقاديم المحاذية لها عرفا، و ما ذكر من خروج الخطوط الخارجة المتوازية مع كون الزوايا التي تحدث على الوجه من مبدأ تلك الخطوط غير قائمة، غير معتبر في الإطلاق العرفي.

الجهة الثانية في قبلة البعيد
اشارة

هل قبلة البعيد مكّة المكرّمة بعينها، أو الكعبة كذلك، أو الجهة؟

أقوال، فقيل بالأوّل استنادا الى أخبار ضعيفة السند غير منجبرة بعمل الأصحاب بحيث يكشف عن صدورها أو صدور بعضها عن المعصوم عليه السلام، أو عن وجود نصّ معتبر.

و قيل بالثاني استنادا الى الأخبار الواردة في القبلة المعبّر، بلفظ الكعبة و قد مرّ بعضها.

و المشهور هو الأخير و هو الحق، يدل عليه قوله تعالى وَ مِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرٰامِ «2» حيث أمر اللّٰه تعالى

______________________________

(1) و لا يخفى أنّه لا يمكن ظاهرا استفادة هذا المعنى منه (قده)

(2) سورة البقرة، الآية: 150.

تقرير بحث

السيد البروجردي، ج 1، ص: 12

بتولية الوجه نحوه و كأنّ مورد الآية للبعيد فإنّه فرض الخروج من مكّة و أمر بجعل الوجه قبال المسجد الحرام الذي أريد به الكعبة- كما تقدّم بيانه.

و حيث أنّ الوجه محدب الشكل لا يكون جميع خطوطه الخارجة الواصلة إلى الكعبة متوازية، فإذا خرج منه خطوط عديدة فيمكن أن يصل بعضها إليها إذا كان مواجها لجهتها، بل يمكن الدعوى القطعيّة بوصول بعضها إليها.

بيانه أنّ رأس الإنسان كرويّ الشكل تقريبا- لا تحقيقا-، فإذا قسّمت الدائرة التي هي محيطة بالرأس و الخطّين المارّين على محيط الدائرة، المتقاطعين في مركزها وجدتها منقسمة إلى أقسام أربعة متساوية و إذا فرضت دائرة أعظم من الدائرة التي هي محيطة بالرأس وجدت أعظم منها من حيث المحاذاة، و هكذا الى أن تفرض دائرة عظيمة محيطة بالكعبة بحيث تكون الكعبة في مركزها، يكون كلّ ربع من الصغيرة محاذيا لربع من العظيمة.

فإذا فرضنا الكعبة في واحد من الأقسام الأربعة و يكون الشخص مواجها لتلك الجهة، يكون وجهه الذي هو بمقدار ربع دائرة رأسه محاذيا لربع تلك الدائرة الصغيرة إليها و المفروض كون الكعبة واقعا في ذلك الربع فلا محالة يصل أحد الخطوط الخارجة من الوجه إلى الكعبة.

نعم كلّما كان الإنسان المواجه أبعد يكون اتصال الخطوط أقل.

و من هنا يمكن أن يقال: انّ الجسم كلّما ازداد الإنسان عنه بعدا ازدادت محاذاته ضيقا يعنى محاذاته الحقيقيّة التي عبارة، عن اتصال الخطوط كما هو المحسوس، لا أنّه ازدادت سعة كما اشتهر، نعم

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 13

يصير المرئي بسبب البعد أصغر و السرّ في صيرورته أصغر ما ذكرنا أيضا، فكلّما صار المواجه أبعد تكون المحاذاة المرئيّة أكثر.

فتحصّل أنّ البعيد لا

يلزم أن يكون بتمام وجهه محاذيا الكعبة و متوجّها الى عينها بل لا يمكن ذلك عادة.

مع أنّه لا دليل عليه الّا الآيات و الأخبار الواردة في لزوم الاستقبال بالوجه و هو يحصل بما ذكرنا فلو لزم الاستقبال الى العين لنبّهوا عليهم السلام، و لأوجبوا تعلّم الهندسة و قواعد الأسطرلاب على المصلّين.

بل مقتضى كون المسألة محل ابتلاء لعامة المسلمين في كثير من التكاليف المتوجّهة إليهم كالصلاة الواجبة، بل و المندوبة في الجملة، و حل الذبائح و عدم جواز التخلّي إليها و وجوب دفن المسلمين إليها و أمثال ذلك ممّا يوجب معرفة القبلة و لو مقدّمة، كون الأخبار الواردة عنهم عليهم السلام متواترة، مع عدم نقل خبر واحد عنهم عليهم السلام فضلا عن المتواتر.

و هذا أعنى كون الوجه محدّبا و اتّصال بعض الخارجة إلى الكعبة هو السّر في الاكتفاء بالجهة.

لأنّ الاستقبال هو المأمور به و هو أمر عرفيّ و ان لم يصل الخط الخارج إليها، بل و ان علم عدمه كما يظهر من الجواهر.

و لأنّ العرف يفهمون من قوله تعالى فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ الآية ذلك بالنسبة إلى البعيد كما يظهر من مصباح الفقيه الهمداني (ره) و ان كان موجّهين أيضا الّا أنّ ما ذكرناه أوجه لمعلوميّة الملاك حينئذ.

و على ما ذكرنا ينطبق ما رواه زرارة في الصحيح، عن أبى جعفر عليه السلام من أنّ ما بين المشرق و المغرب قبلة «1» بعد سؤاله عن حد

______________________________

(1) الوسائل باب 9، حديث 2 من أبواب القبلة، ج 3 ص 227.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 14

القبلة.

و كذا صحيحة معاوية بن عمّار «1»، بناء على أن يكون المراد ما بين مشرق أوّل الجدي و مغربه، و ان كان المراد ما

بين مشرق الاعتدال و مغربه يكون قبلة، يكون جهة القبلة بمقدار نصف الدائرة فحينئذ يقيّد بغير العامّة.

لما رواه الكليني رحمه اللّٰه، عن أحمد بن إدريس، عن محمّد بن يحيى، عن محمّد بن أحمد بن يحيى، عن أحمد بن الحسن، عن عمرو ابن سعيد، عن مصدق بن صدقة، عن عمّار الساباطي، عن أبى عبد اللّٰه عليه السلام، رجل صلّى على غير القبلة فيعلم و هو في الصلاة قبل أن يفرغ من صلاته؟ قال: ان كان متوجّها فيما بين المشرق و المغرب فليحوّل وجهه القبلة ساعة يعلم، و ان كان متوجّها الى دبر القبلة فليقطع الصلاة ثمّ يحوّل وجهه إلى القبلة ثمّ يفتتح الصلاة «2».

دلّت الرواية على أن ما بين المشرق قبلة لغير العالم بها و أمّا للعالم فلا، و لذا أمر عليه السلام بالتحويل من ما بينهما إلى القبلة ساعة يعلم و السائل أيضا فرض أنّ الصلاة الى ما بينهما صلاة الى غير القبلة، فكأنّ بطلان الصلاة في صورة العمد و العلم كان مفروغا عنه عنده، فلذا سأل عن صورة الجهل و الغفلة.

و المراد «3» من قوله عليه السلام: (دبر القبلة)- بقرينة جعله

______________________________

(1) راجع الوسائل باب 14، حديث 1 من أبواب القبلة، ج 3 ص 228

(2) الوسائل باب 10، حديث 4 من أبواب القبلة، ج 3، ص 229.

(3) و سيأتي الإشكال فيه من الأستاذ دام ظلّه بقوله: و كيف كان ان كان المراد إلخ.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 15

مقابلا للصلاة- الى ما بين المشرق و المغرب، هو غير القبلة يعني إذا كان صلّى الى غير القبلة إلخ.

فيعلم أنّ الصلاة الى ما بينها صلاة القبلة، غاية الأمر، بغير العالم بها.

و كيف كان ان كان

المراد ممّا بين المشرق و المغرب في صحيحة زرارة و معاوية بن عمّار هو المكان الذي لا يطلع فيه الشمس في تمام السنة ينطبق مع ما ذكرناه من كونه ربع الدائرة تقريبا المطابق لربع الرأس تقريبا، و ان كان المراد هو المشرق و المغرب العرفيّين، فبعد تقيّدها برواية عمّار ينطبق عليه فتأمّل جدا.

و يؤيّد ما ذكرناه من كون قبلة البعيد، الجهة لا العين، الأخبار الآمرة بالصلاة إلى أربع جهات مع التحيّر، فإن الصلاة الى أربع جهات ليست بعنوان التعبّد- كما سيأتي إن شاء اللّٰه تعالى- بل لتحصيل العلم بإتيان المكلّف به فيظهر منها أنّ العلم يحصل بأربع صلوات على تقدير كون القبلة في أي جهة من الجهات الأربع.

و يؤيّده أيضا، بل يدل عليه العلامات المذكورة لتعيينها لمن لا يعلم القبلة، مثل جعل الجدي خلف المصلّى كما يدل عليه ما رواه الشيخ (ره) بإسناده عن الطاطري، عن جعفر بن سماعة، عن علاء بن رزين، عن محمّد بن مسلم، عن أحدهما عليهما السلام، قال: سألته عن القبلة فقال: ضع الجدي في قفاك و صلّه «1».

و ما رواه الصدوق (ره) مرسلا، قال: قال رجل للصادق عليه السلام: انّى أكون في السفر و لا أهتدى الى القبلة بالليل، فقال:

______________________________

(1) الوسائل باب 5، حديث 1 من أبواب القبلة ج 3 ص 222.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 16

أ تعرف الكوكب الذي يقال له جدي؟ قلت: نعم، قال: اجعله على يمينك و إذا كنت في طريق الحج فاجعله بين كتفيك «1».

و الظاهر انّه ان كان المراد من القضاء في الرواية الأولى مقدار ما قابل الوجه من الخلف فحينئذ ينطبق مع بعض البلاد الغربيّة للعراق، كالموصل فيكون القبلة نقطة الجنوب، و

ان كان المراد ما بين الكتف الأيمن و الأيسر فيشمل أكثر البلاد العراقيّة، و هو الأظهر لكون محمّد بن مسلم من أهل الكوفة و قبلة الكوفة منحرفة عن نقطة الجنوب الى طرف المغرب.

و هذه العلامة- مضافا الى عدم كونها قطعيّة المراد- لا تفيد بنفسها القطع بعين الكعبة على تقدير المعلوميّة، لأنّ في الجدي اختلافا في كونه من السيّارات أو الثابتات.

فقد نقل المحقّق الأردبيلي (ره) عن خاله أنّه وضع القصبة محاذية للجدي في أوّل الليل و لم يتغيّر الى آخر الليل «2».

فيدل هذا النقل على عدم كونه متحرّكا، و لكن تقييد جماعة علاميّته بأنّه علامة في حالة جعل الجدي حالة غاية انخفاضه و ارتفاعه خلف المنكب الأيمن، يدل على تحرّكه، مع أنّ في معنى المنكب أيضا اختلافا في أنّه هل هو المفصل بين الكتف و العنق أم المفصل بين الكتف و العضد و لازم الأوّل، الانحراف من الجنوب الى المغرب قليلا و لازم الثاني، الانحراف المذكور كثيرا، فمع ذلك كيف يدّعى أنّ قبلة

______________________________

(1) الوسائل باب 5، حديث 2، من أبواب القبلة، ج 3 ص 222.

(2) راجع مجمع الفائدة الطبعة الثانية، ج 2، ص 72 الى 73 نشر جامعة المدرّسين بقم.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 17

البعيد هي العين فهل يمكن ذلك.

مع أنّ العلامتين الأخريين اللتين ذكرهما الأصحاب لأهل العراق مخالفتان للعلامة الأولى، فإنّ إحديهما جعل المشرق على اليسار و المغرب على اليمين فعلى تقدير ارادة الاعتداليين منهما، يصير نقطة الجنوب، و على تقدير ارادة مطلق المشرق و المغرب يلزم الانحراف كثيرا الى المشرق تارة و الى المغرب اخرى و ثانيتهما جعل الشمس على الحاجب الأيمن عند الزوال مع أنّ لازمها، الانحراف عن نقطة الجنوب

إلى نقطة المشرق قليلا.

فمع اختلاف نفس هذه العلامات الثلاثة مع اتحاد ذي العلامة يكشف عن الاكتفاء بالجهة.

اللّٰهمّ الّا أن يحمل على اختلاف البلاد العراقيّة كحمل الأولى على البلاد الغربيّة و حمل الثانية على أوساط العراق، و مع ذلك لم يبق للثالثة ما يناسبها فإنّه ليس في العراق بلد كان قبلته منحرفا إلى نقطة المشرق كما لا يخفى على الماهر الخبير المتتبّع.

مسألة 1: لو فقدت الأمارات الموجبة للعلم بالجهة
اشارة

كالعلامات الثلاثة المذكورة آنفا، للعراقي مثلا، فهل يجب تحصيل الظنّ أولا ثمّ الصلاة الى أربع جهات، أم يجب ذلك ابتداء، أم يتخيّر بين الجهات؟

وجوه.

و الأخبار في المسألة على طوائف ثلاثة (منها) ما يدلّ على وجوب التحرّي مثل ما رواه محمّد بن يعقوب الكليني رحمه اللّٰه، عن محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن حماد، عن حريز، عن زرارة، عن أبى

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 18

جعفر عليه السلام قال: يجزى التحري أبدا إذا لم يعلم أين وجه القبلة «1».

(و منها) ان المتحيّر يصلّى حيث شاء من الجهات، مثل صحيحة ابن أبى عمير، عن بعض أصحابنا، عن زرارة، قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عن قبلة المتحيّر؟ قال: يصلّى حيث يشاء «2».

و صحيحة زرارة و محمّد بن مسلم، عن أبى جعفر عليه السلام أنه قال: يجزى المتحيّر أبدا أينما توجّه إذا لم يعلم أين وجه القبلة «3».

(و منها) ما يدل على وجوب الصلاة الى أربع جوانب على المتحيّر، مثل مرسلة خداش (خراش- ئل) عن أبى عبد اللّٰه عليه السلام، قال:

قلت له: جعلت فداك: انّ هؤلاء المخالفين علينا، يقولون: إذا أطبقت السماء علينا أو ظلمت فلم نعرف السماء كنّا و أنتم سواء في الاجتهاد، فقال: ليس كما يقولون، إذا كان كذلك فليصلّ إلى

أربع جوانب (وجوه- ئل) «4» قول الراوي إذا أطبقت إلخ مشعر أيضا لما ذكرنا من أنّ الرجوع الى العلامات يفيد القطع بالجهة، فإنّ إيراد المخالفين على أصحاب الأئمّة عليهم السلام كان بعد فرض عدم ما يوجب القطع و أنّهم مثلنا في الاكتفاء بالظن فأجاب عليه السلام بما أجاب دفعا للإيراد.

و من نقل عن الشهيد (ره) انّ العلامات انّما هي مفيدة للظنّ بالنسبة إلى العين و أمّا بالنسبة إلى الجهة فمفيدة للقطع.

______________________________

(1) الوسائل باب 6، حديث 1، من أبواب القبلة: ج 3 ص 223.

(2) الوسائل باب 8، حديث 3، من أبواب القبلة: ج 3 ص 226.

(3) الوسائل باب 8، حديث 2، من أبواب القبلة: ج 3 ص 226.

(4) الوسائل باب 8، حديث 5، من أبواب القبلة: ج 3 ص 226.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 19

و كيف كان فبناء على إطلاق مرسلة خداش تكون دالّة على وجوب التكرار و يدل عليه مرسلة الكليني رحمه اللّٰه فإنّه بعد نقل مرسلة ابن أبى عمير المتقدّمة قال: و روى انّه يصلّى الى أربع جوانب «1»، و مرسلة الصدوق رحمه اللّٰه قال: و روى فيمن لا يهتدى إلى القبلة في مفازة أنّه يصلّى الى أربع جوانب «2» بناء على أنّ المراد من عدم الاهتداء، التحيّر و قوله عليه السلام: (في مفازة) مشعر أيضا لما مر مرارا حيث أنّه عليه السلام فرض عدم الاهتداء في مفازة و الّا فالبلدان بسبب معروفيّة مشرقها و مغربها- تعرف قبلتها.

إذا عرفت هذه الروايات فنقول: انّ الظاهر عدم المعارضة بين روايات التحري و روايات المتحيّر لعدم صدق المتحيّر عرفا على الظان الحاصل ظنّه بالتحري، مضافا الى أنّ جعل حكم المتحيّر- و هو التخيير- للظان بعيد

من الشرع، لأنّ العمل بالظن عند انسداد باب العلم مركوز عند العقلاء، فالتخيير من الشارع و اختيار طرف المرجوح من المكلّف ترجيح للمرجوح على الراجح كما لا يخفى.

و على تقدير التعارض فروايات المتحيّر في مورد الظنّ قد أعرض عنها الأصحاب نعم التعارض واقع بين روايات التحري و مرسلة خداش فإنّها كالصريح في أنّ الظنّ لا يكتفى به، بل يجب تحصيل العلم- و لو إجمالا- بوقوع المكلّف، و لكنّها مع إرسالها و مجهوليّة خداش و من قبله و عدم جابر لها، معرض عنها عند الأصحاب فإنّهم أفتوا قديما و حديثا بجواز العمل بالتحري، بل قال بعضهم بوجوبه، فالترجيح

______________________________

(1) الوسائل باب 8، حديث 4 من أبواب القبلة: ج 3 ص 226.

(2) الوسائل باب 8، حديث 1، من أبواب القبلة: ج 3 ص 225.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 20

لروايات التحرّي، بل ليس من الترجيح لعدم حجّية ما قابلها لو لا المعارض كما هو المناط في المتعارضين.

كما أنّ التعارض واقع أيضا بين المرسلتين و بين ما دلّ على أنّ المتحيّر يصلّى حيث شاء، كمرسلة ابن أبي عمير عن زرارة و لكنّ المرسلتين مورد تسالم الفقهاء فتوى لتكون المرسلة معرض عنها فتسقط عن الحجّية.

فرع الظاهر عدم جواز الاكتفاء بأقل مراتب الظنّ،

بل يجب تحصيله بقدر الوسع كما يدل عليه قوله عليه السلام: (اجتهد رأيك) «1» و قوله عليه السلام: (تعمد القبلة بجهدك) «2»، كما لا يخفى.

و على كلّ حال فهل يجب تحصيل الظنّ معيّنا أم يجوز الاكتفاء و العمل بالعلم الإجمالي كالصلاة إلى أربع جهات؟ وجهان مبنيّان على انّ الامتثال التفصيلي و لو ظنّها هل هو مقدم على الامتثال الإجمالي و لو علما أم لا؟ و قد قرر في الأصول.

و كيف كان فلا إشكال

في جواز العمل به بناء على وجوب تحصيله أوّلا لورود التعبد و ان كان مقتضى القاعدة عدم حجّية الظنّ.

مسألة 2- لو لم يتمكّن من تحصيل الظنّ،

لا إشكال في لزوم الصلاة الى أربعة جوانب و عدم سقوط شرطيّة الاستقبال كما استظهرناه

______________________________

(1) راجع الوسائل باب 6 حديث 2 من أبواب القبلة: ج 3 ص 223.

(2) راجع الوسائل باب 6 حديث 3 من أبواب القبلة: ج 3 ص 223 مع اختلاف في التعبير.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 21

من المرسلتين و حينئذ فهل هذا الحكم تعبّد من الشرع أم يكون موافقا للقاعدة لكونه موجبا للقطع بالامتثال؟ الظاهر الثاني لفهم العرف ذلك و هو الذي ذكرنا من أنّه مؤيّد لما اخترناه من كفاية الجهة و عدم وجوب استقبال عين الكعبة، من جهة أنّ الصلاة الى الجوانب الأربع انّما هي لفرض الدائرة المارّة على القبلة على أقسام أربعة متساوية بحيث تكون القبلة في ربعها فإذا علم بالجهة يأتي بالصلاة إليها فقط و الّا يأتي بالأربع.

و لا حاجة الى تجشم أن يقال: انّ الاكتفاء بها باعتبار أنّه جاهل بل قد توسّع له في القبلة و جعل ما بين المشرق و المغرب قبلة كي يرد عليه حينئذ بأنّ لازم ذلك جواز الاكتفاء بثلاث جوانب فيجاب بأنّه كذلك في الناسي و الساهي دون الجاهل، فلعلّ فيه خصوصيّة تقتضي وجوب الصلاة الى أربع جهات.

فإنّه «1» على ما ذكرناه يكون الصلاة الى أربعة جوانب بمقتضى القاعدة.

مسألة 3- لو لم يتمكّن الّا الى جهة واحدة يتخيّر الى أى جهة شاء

بمقتضى حكم العقل، مضافا الى حمل الروايات الدالّة على التخيير للمتحيّر، على غير المتمكّن.

(ان قلت): مقتضى القاعدة عدم سقوط شرطيّة الاستقبال و لزوم الصلاة الى أربع جهات.

(قلت): حيث أنّا وجدنا- بعد التتبّع مراعاة الشارع للوقت إذا دار الأمر بينه و بين سائر الشروط كالطهارة المائيّة، و طهارة

______________________________

(1) تعليل لقوله (قده): و لا حاجة إلخ.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 22

اللباس،

و ستر العبورة، و سقوط جملة من الأجزاء كالحمد، و السورة و ذكر الركوع و السجود في بعض الموارد فلم يوجب الشارع الصلاة قضاءا مع إحراز هذه الشرائط و الأجزاء، بل أوجب الصلاة و أسقطها فكشف «1» أنّ مراعاة الوقت أهمّ في نظره من غيره.

ففي المقام أيضا يمكن أن يقال بسقوط شرطيّة الاستقبال و وجوب الصلاة أداء، فإذا كان وظيفة المصلّى ذلك يتحقّق الامتثال بإتيان صلاة واحدة فيسقط الأمر.

نعم لو أخّر عمدا الى أن لا يتمكّن الّا الى جهة واحدة، فهل له الاكتفاء بالواحدة أم لا؟ فقد يقال: بوجوب الصلاة الى أربع جهات لكون تأخيره معصية و المفروض تمكّنه من الصلاة الى القبلة و لو قضاءا فتجب.

و لكن يمكن أن يقال بعدم اللزوم هنا أيضا فإنّه و ان أخّرها عمدا الّا أنّه امّا مأمورا بالصلاة المأمور بها أم لا؟ فعلى الأوّل لا وجه لعدم الكفاية بعد فرض كونها مأمورا بها، و الثاني مفروض العدم عند القائل بعدم الكفاية و أمّا مسألة العصيان و ان كان المشهور بين المتأخّرين ذلك الّا أنّه لا دليل عليه، فانّا لا نجد للعصيان وجها الّا كونه مخالفة للأمر، فبعد تأخيره امّا أن يدعى بتحقيقه بمخالفة الأمر الصلاتي فالمفروض عدم المخالفة بالنسبة إليها و امّا بمخالفة الأمر الآخر فالمفروض عدمه.

مسألة 4- لو تمكّن من الصلاة الى أزيد من جانب و أقلّ من أربع

فهل يجوز الاكتفاء بالصلاة الواحدة إلى الجهة الواحدة أم يجب بمقدار ما يتمكّن؟ وجهان بل قولان، قد يقال بعدم الوجوب زائدا على الجهة الواحدة لعدم وجوب المقدمة العلميّة لفرض سقوط وجوب ذيها و هو

______________________________

(1) جواب لقوله دام ظلّه: حيث انّا وجدنا إلخ.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 23

العلم بإتيان الواجب لعدم التمكّن بالفرض فيسقط المقدّمة أيضا.

و هذا القول نشأ

من توهّم أنّ تحصيل العلم واجب مستقل غير أصل الواجب فيترتّب عليه ما ذكر و ليس كذلك بل الواجب الصلاة الى القبلة فبمقتضى حكم العقل تجب عليه إلى أربع جوانب إذا تمكّن و مع عدم التمكّن يحكم العقل بلزوم الإتيان مهما أمكن بحيث لو أخلّ بالمقدار الممكن و تصادف مخالفته للواقع لم يكن معذورا.

(و بعبارة أخرى) كما أن العقل يحكم في صورة عدم التمكّن الّا من جهة واحدة بتقدم ما هو راجح في نظره بحيث لو أتى بالمرجوح و خالف الواقع لا يستحق العقاب، فكذا إذا كان تحقّق الرجحان بإتيان الصلاة الى أزيد من جهة واحدة و لو لم يتمكّن من تحصيل العلم.

و الحاصل أن إتيان الصلاة الى الجهتين الممكنتين مثلا بالفرض أقوى احتمالا للمطابقة مع الواقع من الإتيان بالجهة الواحدة فيتعيّن بحكم العقل، فيتبين أنّ الأقوى وجوب الإتيان بمقدار التمكّن.

مسألة 5- هل يجب إتيان جميع محتملات الأولى كالظهر و المغرب أوّلا ثمّ بمحتملات الثانية
اشارة

كالعصر و العشاء أم يجوز الاكتفاء بإتيان الاولى ثمّ الثانية إلى تلك الجهة و هكذا الى أن يتم؟ وجهان (من) أنّ الثانية مترتّبة على الأولى فما لم يحرز الإتيان بالأولى لا يجوز الشروع في الثانية فكان مردّدا في توجّه التكليف بالثانية إليها.

(و بعبارة اخرى) أنّ الترديد في الأولى من جهة واحدة و هو الاستقبال، و في الثانية من جهتين، الاستقبال و حصول الترتيب، و الجهة الأولى بملاحظة عدم تمكّنه من العلم التفصيلي بها ساقطة بهذا المقدار و يكفى تحصيلها إجمالا، بخلاف الجهة الثانية فإنّه متمكّن منها

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 24

تفصيلا بأن يأتي بالأولى إلى تمام الجهات المحتملة، ثمّ بالثانية.

(و من) أنّ الترديد الحاصل من ناحية وجوب الترتيب لا يكون أزيد من الترديد الحاصل من ناحية تردّد القبلة، فإنّ الصلاة الأولى

مثلا ان كانت إلى القبلة كانت الصلاة الثانية أيضا إليها و يحصل الترتيب و الّا، فلا يصح الأولى أيضا و هكذا الى أن يأتي بها الى جميع الجهات المحتملة فيحصل له العلم بإتيان كلتيهما مترتّبتين إلى القبلة.

فمقتضى القاعدة هو الوجه الثاني و ان كان الأحوط هو الأوّل.

و قد يقال باستصحاب عدم وقوع الأولى قبل الإتيان بأربع جهات.

(و فيه) أنّه كان المراد بالاستصحاب ترتّب عدم جواز الشروع في الثانية ففيه انّه ليس حكما تكليفيّا حتّى يترتّب عليه، بل هو بمعنى عدم وقوع الثانية صحيحة على تقدير كونها هي القبلة و ان كان المراد من عدم وقوع الثانية عدم وقوع العصر فليس من آثاره الشرعيّة بل هو كحكم العقل بأنّه لم يحصل المترتّب عليه فتأمّل.

فروع
(الأوّل) بناء على ما قوينا الوجه الثاني لا يجوز الإتيان على نحو الاختلاف

بأن يأتي بالأولى مثلا إلى جهة و الثانية الى غير تلك الجهة لعدم إحراز الترتيب حينئذ.

(الثاني) بناء على ما قوينا سابقا من كون القبلة للبعيد هي الجهة المنطبقة على ربع الدائرة المحيطة بالكعبة

لا يلزم في مقام الإتيان بالصلاة إلى الجهات المتعدّدة ان تقع إلى نقطة واحدة، بل يجوز و لو كان منحرفا يسيرا في الجهة إلى إحدى الجهات، بل و كذا على القول الآخر في فرض الجهل بالقبلة أو الغفلة و النسيان فانّ المقام من قبيل الأوّل.

(الثالث) لو لم يتمكّن من إتيان الصلوات الثمانية،

فهل يرد النقص على الأولى أو الثانية أو التخيير؟ وجوه لا وجه للأخير نعرفه، نعم

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 25

الوجهان الأوّلان مبنيّان على أنّ الوقت المختصّ للعصر، هل هو في مقام عدم التمكّن بالعلم التفصيلي من إحراز الشرائط مقدارا يتمكّن معه إحرازها إجمالا، أم هو بمقدار أربع ركعات مطلقا، غاية الأمر سقوط اشتراط الاستقبال إذا لم يتمكّن؟ وجهان.

(ان قلت) يمكن أن يكون الوجه في التخيير إجمال رواية داود بن فرقد، الدالّة على وقت الاختصاص هل هو على الوجه الأوّل أو الأخير؟

(قلت): على تقدير الإجمال يرجع الى إطلاقات الأدلّة الدالّة على أنّه إذا زالت الشمس دخل الوقتان الّا أنّ هذه قبل هذه فيحكم بوجوب تقديم الظهر.

و كيف كان فالأظهر لزوم إيراد النقص على الثانية، لأنّ المستفاد من مرسلة داود المتقدّمة في بيان الأوقات هو اختصاص مقدار أدائها شرعا بحسب الجعل الاوّلى و هو أربع ركعات في الحضر و اثنتان في السفر.

و لا فرق فيما ذكرنا بين التمكّن من أداء سبع صلوات مثلا لو كان المحتملات في جميع الجوانب، أو أقلّ حتّى لو تمكّن من أداء ثلاث صلوات يأتي بالظهر الى جهتين و بالعصر إلى جهة واحدة.

(الرابع) لو أتى بالصلاة إلى جهة أو جهتين ثمّ علم أو ظنّ أنّ ما أتى به كان الى القبلة معيّنا أو مردّدا

فلا يجب الإتيان ببقيّة الجهات قطعا، فهل يجب الإعادة أم لا؟ الظاهر لا، لأنّه لا يعتبر العلم بكون هذه الجهة حين العمل قبلة.

و توهّم أن قصد القربة غير متحقّق حين العمل فلا بدّ من الإعادة (مدفوع) بانّ قصد التقرّب يكفى فيه كون احدى هذه إلى القبلة و المفروض

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 26

أنّ ما قصده كان في ضمن هذه الصلاة أو الصلاتين.

مسألة 6- لا فرق فيما ذكرنا- من التكاليف في صورة العلم و الظنّ و التحيّر- بين الصلوات اليوميّة و غيرها

كالآيات و القضاء و المنذورة.

نعم يمكن أن يقال «1»: انّ صلاة الجمعة و العيدين، بل و الاستسقاء، خارجة عن حكم التحيّر و يكون التكليف فيه التخيير لأنّ وضع الصلوات المذكورة لا تقتضي تعدّد الصلوات.

مسألة 7- هل الحكم المذكور للمتحيّر في أصل الصلاة، جار في قضاء الأجزاء المنسيّة كالتشهّد و السجدة الواحدة أم لا

مثلا إذا علم بعد الفراغ من الرابعة أنّه نسي التشهّد في إحدى الصلوات الأربع، فإذا علم أنّه من الجهة المعيّنة بعينها قضاه الى تلك الجهة فقط.

و ان لم يعلم فهل يجب عليه أربع تشهّدات أم لا؟ وجهان مبنيّان على جريان قاعدة الفراغ و عدمه، (من) انّ العلم الإجمالي لا أثر له على تقدير كون المنسي في الجهات الثلاث الّتي تكون الى غير القبلة فهو غير منجّز على كلّ تقدير.

______________________________

(1) يمكن أن يقال: بعدم فرض التحيّر في الثلاثة الأولى، لأنّ المصلّي لها امّا الإمام عليه السلام أو نائبه الخاص أو العام، و على التقادير جهة القبلة معلومة لهم بحسب العادة و على تقدير فرض التحيّر لا وجه لإخراجه إلّا الاستبعاد، غاية ما يقال: انّ لها جهتين جهة سياسة اجتماعية و جهة عبادة و ذلك لا يقتضي خروجها عن قاعدة العلم الإجمالي المقتضى للتكرار فتأمّل.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 27

(و من) أنّ ظاهر الأدلّة الدالّة على وجوب الإتيان إلى أربع جهات المؤيّدة لحكم العقل، وجوب إتيانها على ما هي عليها من الاحكام و المفروض أنّ منها تنجيز التكليف لو وقعت ظرفا للعلم و لا يبعد هذا الوجه «1».

نعم الإشكال في كيفيّة إتيان التشهّد المنسيّ إلى الجهات مع وقوع المنافي على تقدير كون المنسي من غير الأخيرة بما يكون منافيا عمدا و سهوا كالاستدبار فيشكل الحكم بصحّة الصلاة بمجز و إتيان التشهّد الى الجهات المتعدّدة.

فالأحوط الإتيان بثلاث صلوات و كفاية تشهّد واحدة،

لأنّ المنسي.

ان كان من الأخيرة فتصحّ الصلاة و تجزى واقعا ان كانت واقعة إلى القبلة الواقعيّة و الّا كانت احدى الصلوات الثلاث مجزية، و ان كانت من غير الأخيرة، فامّا ان يقع الفعل بين المنسي و المنسي منه بواحدة أو باثنتين أو بثلاث، و على كلّ تقدير تكون الصلاة واحدة كانت أم اثنتين أم ثلاث باطلة فلا حاجة حينئذ إلى ضمّ التشهّد للصلاة الباطلة فيكفي التشهّد الواحد و اعادة الصلوات الثلاث.

و أمّا سجود السهو فوجوب جريان حكم المتحيّر لا يخلو من شائبة إشكال، لأنّ أصل اشتراط الاستقبال فيها محلّ كلام و اشكال لعدم دليل واضح له، بل مقتضى قوله عليه السلام: يسجد سجدتي السهو هو أنّه يأتي بهما على حالته التي هو عليها من الاستقبال و الطهارة و سائر الشرائط في وجوب تسرية الحكم إلى صورة التحيّر غير معلوم الاعتبار، نعم

______________________________

(1) مضافا الى ما أفاده دام ظلّه يمكن أن يقال: انّ أدلّة قاعدة الفراغ منصرفة عن أمثال هذه الفروض.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 28

مراعاة الاحتياط مطلوبة.

و لا اشكال هنا في وجوب إتيان السجود إلى أربع جهات، لأنّ الفصل بينها و بين الصلاة غير مضرّ بصحّة الصلاة و لو كان عمدا.

مسألة 8- لو علم بعد الوقت أو قبله بعد إتيان الأربع بعدم صحّة إحديهما إمّا بترك الركوع أو السجدتين معا في ركعة واحدة،

فإن علم بعينها أعادها و الا ففي جريان قاعدة الفراغ بالنسبة إلى الصلاة الواقعيّة و عدمه وجهان (من) أنّ الشك بالنسبة إلى الصلاة الواقعيّة بدوي فيحتمل صحّتها فيجري قاعدة الفراغ و المفروض عدم تأثير العلم الإجمالي على تقدير كون ترك الركوع مثلا في تنجّز التكليف و (من) انّه يعلم بعدم إتيان ما هو وظيفته بحكم العقل.

(و بعبارة أخرى) لا يصدق عليه أنّه فرغ و مضى فلا يشمله قوله عليه السلام: كلّما مضى

من صلاتك و طهورك فامضه كما هو «1».

و قوله عليه السلام: (انّما الشك إذا كنت في شي ء لم تجزه) «2».

و قوله عليه السلام: (هو حين العمل اذكر منه حين يشك) «3».

(و بعبارة ثالثة) كما أنّ العقل يحكم بلزوم إتيان الأربع أوّلا كذلك يحكم فعلا به، لعدم إحراز إتيان ما هو الواقع، و بالجملة قاعدة الفراغ حاكمة على الاستصحاب في صورة الشكّ في الإتيان لا بالنسبة إلى القطع بعدمه.

مسألة 9- لو أتى بواحدة من الأربع ثم شك بعد الإتيان،

في أنّه أتى إلى القبلة الواقعيّة أم لا يجب عليه الإتيان بثلاث صلوات إلى بقيّة الجهات الثلاث، و أمّا لو علم بعد إتيانها غافلا عن القبلة أنّه

______________________________

(1) الوسائل باب 42 حديث 6 من أبواب الوضوء، ج 1 ص 331.

(2) الوسائل باب 42 حديث 2 من أبواب الوضوء، ج 1 ص 331.

(3) الوسائل باب 42 حديث 3 من أبواب الوضوء، ج 1 ص 331.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 29

أتى إليها واقعا صحّت صلاته و ان كان لم يعلم حين الإتيان أنّه أتى بها الى القبلة الواقعيّة، لأنّه لا دخل للعلم بالقبلة في تحقّق الامتثال.

مسألة- 10- لو ظنّ القبلة إلى جهة فصلّى إليها ثمّ حصل له الظنّ إلى جهة أخرى

فهل يجب إعادة الأولى أم لا؟ وجهان مبنيّان على تحقّق الترتيب و عدمه (من) كون الإتيان بمقتضى الأمر الظاهري مجزيا فيحصل الترتيب (و من) ان الظنّ بأن الجهة الأخرى قبلة مستلزم للظن بعدم الإتيان بالأولى و هو امارة تعبّدا فيثبت لوازمه، فكما أنّه إذا حصل له العلم بكون المأتي بها الى غير القبلة فكذا في صورة الظن، فالأحوط لو لم يكن أقوى اعادة الاولى لإحراز الترتيب.

مسألة 11- لا إشكال في وجود المراتب الثلاث للامتثال في مسألة القبلة

(أحدهما) العلم التفصيلي (ثانيها) التحري (ثالثها) العلم الإجمالي، و لا إشكال أيضا في جواز الاكتفاء بالثاني عند عدم التمكّن من الأوّل، و عدم لزوم العمل بالعلم الإجمالي و في تقدم الأوّل على الثاني و أمّا تقدم الثاني على الثالث ففيه وجهان بل قولان قد مرت الإشارة إليهما.

إنّما الكلام و الاشكال في أنّه هل هنا مرتبة أخرى مقدمة على الأخيرين أم لا؟ كما قد يتراءى من كلمات جماعة من الفقهاء أنّه إذا لم يتمكّن من العلم التفصيلي يرجع الى الأمارات الشرعيّة أم لا؟

و التحقيق أن يقال: انّ ما قيل: أنّه أمارة شرعيّة كجعل الجدي خلفه أو بين المنكبين ليس فيه تعبّد شرعي، بل من باب أنّه أحد مصاديق ما يفيد الظنّ، مضافا الى عدم ورود خبر غير الجدي، فالتعبير بالرجوع إلى الأمارات الشرعيّة ليس في محلّه.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 30

نعم قد يقال: بكون قبلة المسلمين، و محاريب مساجدهم و وضع قبورهم في مقابرهم من العلامات.

و لكن فيه أيضا أنّه ليس لنا دليل خاصّ تعبّدي بكونها أمارات شرعيّة، نعم في صورة الجهل، الأمور المذكورة تفيد الظنّ قطعا، و يتفرع عليه عدم تقدّمها على الظنّ الحاصل للمكلّف على خلافها فالمناط- في صورة عدم حصول العلم- حصول الظنّ بأيّ طريق.

فحينئذ

النزاع في أنّه إذا كان أخبار صاحب الدار مثلا مخالفا للظنّ الحاصل للمصلّي في غير ناحية الأخبار هل يلزم العمل بالأوّل أو الثاني أو التخيير فإنّه على ما ذكرنا يعمل بظنّه قطعا.

مسألة- 12- لا اشكال و لا كلام في وجوب الإعادة إذا صلّى منحرفا عن القبلة عمدا،
اشارة

و أمّا إذا انحرف عنها غير عامد ففيه تفصيل منشأه الأخبار الواردة عن الأئمّة الأطهار عليهم السلام فلا بدّ من نقل بعضها أوّلا تيمّنا.

فنقول روى الصدوق عليه الرحمة، بإسناده، عن معاوية بن عمّار أنّه سئل الصادق عن الرجل يقوم في الصلاة ثمّ ينظر بعد ما فرغ فيرى أنّه قد انحرف عن القبلة يمينا أو شمالا فقال له قد مضت صلاته و ما بين المشرق و المغرب قبلة «1».

و في الرواية جهات من البحث (الاولى هل المراد من السؤال كون السائل ظانا بالقبلة ثمّ بان خطأه أو يشمل ما إذا كان عالما بها فيرى خطأه أو يعلم النسيان و الغفلة أيضا.

(الثانية) هل المراد من الانحراف انحراف ما بين المشرق

______________________________

(1) الوسائل باب 10، حديث 1، من أبواب القبلة: ج 3 ص 288.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 31

و المغرب فقط كما هو ظاهر الجواب، بل صريح التعليل أم يحتمل شموله لهما و للاستدبار؟

(الثالثة) هل المراد من مضيّ الصلاة فضيلتها في الوقت و خارجه أم يختصّ بأحدهما، و حيث أنّ استقصاء البحث في الجهات المذكورة يتوقّف على ملاحظة الأخبار الواردة فلا بدّ من ذكرها أوّلا.

فنقول- بعون اللّٰه تعالى-: انّها على أقسام أربعة:

(الأوّل) ما يدل على وجوب الإعادة على من صلّى على غير القبلة مطلقا مثل ما رواه الشيخ رحمه اللّٰه بإسناده، عن قاسم بن الوليد، قال:

سألته عن رجل تبيّن له و هو في الصلاة أنه على غير القبلة، قال:

يستقبلها إذا ثبت ذلك و ان

كان فرغ منها فلا يعيدها «1».

و مثل ما رواه أيضا بإسناده، عن محمّد بن على بن محبوب عن أحمد، عن الحسين (بن سعيد- ئل)، عن فضالة عن ابان، عن زرارة عن أبى جعفر عليه السلام قال: إذا صلّيت على غير القبلة فاستبان لك قبل أن تصبح أنّك صلّيت على غير القبلة فأعد صلاتك «2».

و مثل ما رواه الصدوق (ره) أيضا بإسناده إلى زرارة عن أبى جعفر عليه السلام، قال: قال أبو جعفر عليه السلام: لا تعاد الصلاة الّا من خمسة، الطهور، و الوقت، و القبلة، و الركوع، و السجود «3».

(الثانية) التفصيل بين التحري و عدمه بعدم وجوب الإعادة في الأوّل مطلقا و عدمه في الثاني مطلقا، مثل ما رواه محمّد بن يعقوب

______________________________

(1) الوسائل باب 10، حديث 3 من أبواب القبلة: ج 3 ص 228.

(2) الوسائل باب 9، حديث 1 من أبواب القبلة: ج 3 ص 227.

(3) الوسائل باب 21، حديث 3 من أبواب القبلة: ج 3 ص 230.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 32

الكليني (ره)، عن على بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبى عمير، عن حماد، عن الحلبي، عن أبى عبد اللّٰه عليه السلام في الأعمى يؤم القوم و هو على غير القبلة، قال: يعيد و لا يعيدون فإنّهم قد تحروا «1».

(الثالثة) التفصيل بين ما إذا كان الانحراف الى ما بين اليمين و اليسار و غيره بعدم وجوب الإعادة في الأوّل مطلقا و وجوبه في الثاني مطلقا، مثل صحيحة معاوية بن عمّار المتقدّمة «2».

و موثقة عمّار، عن أبى عبد اللّٰه عليه السلام: رجل صلّى على غير القبلة فيعلم و هو في الصلاة قبل أن يفرغ من صلاته، قال: ان كان متوجّها فيما

بين المشرق و المغرب فليحوّل وجهه إلى القبلة ساعة يعلم، و ان كان متوجّها الى دبر القبلة فليقطع الصلاة ثمّ يحوّل وجهه إلى القبلة ثمّ يفتتح الصلاة «3».

و رواية حسين بن علوان المرويّة في قرب الاسناد، عن جعفر بن محمّد عن ابنه عن على عليهم السلام أنّه كان يقول من صلّى على غير القبلة و هو يرى أنّه على القبلة ثمّ عرف بعد ذلك فلا اعادة عليه إذا كان فيما بين المشرق و المغرب «4».

(الرابعة) التفصيل بين الوقت و خارجه بوجوب الإعادة في الأوّل مطلقا و عدمه في الثاني مطلقا، مثل ما رواه الصدوق رحمه اللّٰه بإسناده عن عبد الرحمن بن أبى عبد اللّٰه عن أبى عبد اللّٰه عليه السلام أنّه سئل الصادق عليه السلام عن رجل أعمى صلّى على غير القبلة، فقال: ان كان

______________________________

(1) الوسائل باب 11 حديث 7 من أبواب القبلة: ج 3 ص 231.

(2) الوسائل باب 10 حديث 1 من أبواب القبلة: ج 3 ص 230.

(3) الوسائل باب 10 حديث 4 من أبواب القبلة: ج 3 ص 230.

(4) الوسائل باب 10 حديث 5 منها.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 33

وقت فليعد و ان كان قد مضى الوقت فلا يعد، قال: و سألته عن رجل صلّى و هي مغيّمة ثمّ تجلّت فعلى أنّه صلّى على غير القبلة، فقال: ان كان في وقت فليعد و ان كان قد مضى الوقت فلا يعد «1».

و قريب منها ما رواه الشيخ رحمه اللّٰه، عن عبد الرحمن بن أبى عبد اللّٰه (تارة) بواسطة فضالة بن أيّوب (و أخرى) بواسطة أبان بن عثمان مع إسقاط صدر الحديث الراجع إلى الأعمى «2».

و لا يبعد أن يكون أصل الرواية

واحدة رواها الصدوق و الشيخ رحمهما اللّٰه، و حيث انّ رواية الصدوق مأخوذة من كتاب عبد الرحمن بن أبى عبد اللّٰه بمقتضى اعترافه رحمه اللّٰه في أوّل كتابه الفقيه و تكون مشتملة على الزيادة فاللازم العمل بمقتضاها، و ليكن على ذكر منك ينفعك بعد (ان شاء اللّٰه).

و صحيحة يعقوب بن يقطين قال: سألت عبدا صالحا عن رجل صلّى في يوم غيم سحاب على غير القبلة ثمّ طلعت الشمس و هو في وقت أ يعيد الصلاة إذا كان قد صلّى على غير القبلة و ان كان قد تحرى القبلة بجهده أ تجزيه صلاته؟ فقال: يعيد ما كان في وقت، فإذا ذهب الوقت فلا اعادة عليه «3».

و نظيرها مكاتبة محمّد بن الحصين عن العبد الصالح «4».

و رواية سليمان بن خالد، قال: قلت لأبي عبد اللّٰه عليه السلام:

______________________________

(1) الوسائل باب 11، حديث 8 من أبواب القبلة: ج 3 ص 231.

(2) الوسائل باب 11، حديث 1، 5 من أبواب القبلة: ج 3 ص 231.

(3) الوسائل باب 11، حديث 2 من أبواب القبلة: ج 3 ص 230.

(4) الوسائل باب 11، حديث 4 من أبواب القبلة: ج 3 ص 230.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 34

الرجل يكون في نفر من الأرض في يوم غيم فيصلّى لغير القبلة ثمّ يصبح فيعلم أنّه صلّى لغير القبلة كيف يصنع؟ قال: ان كان في وقت فليعد صلاته، و ان كان مضى الوقت فحسبه اجتهاده «1».

و مثل ما رواه الصدوق رحمه اللّٰه بإسناده، عن أبى بصير، عن أبى عبد اللّٰه عليه السلام قال: الأعمى إذا صلّى لغير القبلة، فإن كان في وقت فليعد و ان كان قد مضى الوقت فلا يعد «2».

و عن النهاية لشيخ

الطائفة رحمه اللّٰه، قال: قد رويت رواية في انّ من صلّى الى استدبار القبلة ثمّ علم بعد خروج الوقت وجب عليه إعادة الصلاة «3» و هذا هو الأحوط و عليه العمل.

إذا عرفت هذا فنقول: لا إشكال في لزوم تخصيص الطائفة الأولى إنّما الكلام و الاشكال في كون المخصّص هو الطائفة الثالثة أو الرابعة بمعنى الحكم بالتفصيل بين الانحراف اليسير الغير البالغ الى اليمين أو الى اليسار و بين غيره فلا يجب الإعادة، سواء كان في الوقت أو خارجة أو الحكم بالتفصيل بين الوقت و خارجه ففي الوقت تجب الإعادة سواء كان الانحراف يسيرا أم كثيرا؟ وجهان بل قولان نسب الى صاحب الحدائق مستظهرا ذلك مضافا الى كونه مقتضى الجمع بين الأخبار المتعارضة من كلمات القدماء أيضا لأنّهم لم يذكروا في هذه المسألة الّا التفصيل بين الوقت و خارجه و لم يتعرّضوا لحكم الانحراف اليسير.

لكن يرد عليه (أوّلا) أنّ مقتضى الجمع العرفي هو العكس فإنّ

______________________________

(1) الوسائل باب 11، حديث 6 من أبواب القبلة: ج 3 ص 230.

(2) الوسائل باب 11، حديث 9 من أبواب القبلة: ج 3 ص 231.

(3) الوسائل باب 11، حديث 10 من أبواب القبلة: ج 3 ص 231.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 35

الظاهر خصوصا في صحيحة معاوية بن عمار «1» انّ علّة عدم وجوب الإعادة في الانحراف اليسير انّ ما بين المشرق و المغرب، امّا قبلة- بناء أعلى كون هذه الأدلّة واردة على أدلّة اشتراط الاستقبال أو بحكم القبلة- بناء على كونها حاكمة عليها.

و الحاصل انّ للحكم بعدم وجوب الإعادة في الانحراف اليسير خصوصيّة تعرف من الأخبار الدالّة على ذلك، و امّا بناء على ما ذكره صاحب الحدائق لا يكون

لهذه الخصوصيّة دخل في الحكم و هو ظاهر التفصيل و هذا بخلاف العكس، فإنّه يمكن أن يكون لعدم وجوب الإعادة علّتان، (أحدهما) كون الصلاة واقعة بين اليمين و اليسار الذي هو قبلة أو بحكم (القبلة (ثانيهما) خروج الوقت هذا كلّه في مقام الإثبات أمّا مقام الثبوت فيمكن أن يكون الوجه في عدم الوجوب في الانحراف كون ما بين المشرق و المغرب بالنسبة إلى البعيد الجاهل و المعتقد على الخلاف قبلة، و في خارج الوقت سقوط اشتراط الاستقبال لعدم قدرته على إحرازه حينئذ.

(و ثانيا) عدم تسلم عدم تعرض القدماء لتلك المسألة، فانّ مرادهم في قولهم: من صلّى على غير القبلة هو اليمين و اليسار و الاستدبار مثلا، لأنّ الانحراف الى ما بين اليمين و اليسار كان غير مضرّ في صدق القبلة أمّا مطلقا أو الجاهل و الغافل.

فتحصّل أنّ الأقوى عدم وجوب الإعادة في الانحراف اليسير و لو كان في الوقت.

هذا كلّه بالنسبة إلى الجهتين الأخيرتين من الجهات الثلاث التي

______________________________

(1) راجع الوسائل باب 10، حديث 1 من أبواب القبلة.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 36

أشرنا إليها.

و أمّا الجهة الأولى فالظاهر من رواية عبد الرحمن بن أبى عبد اللّٰه، عن أبى عبد اللّٰه عليه السلام- المرويّة بطريق الصدوق- «1» هو الاختصاص بمعقد الخلاف لا شمولها للغافل و الجاهل، لأنّه فرض السؤال في الصلاة في يوم غيم و هو ظاهر عدم تمكّنه من تشخيص القبلة على سبيل القطع فصلّى مجتهدا ظانّا و كان اجتهاده خطأ.

و كذا رواية يعقوب بن يقطين، بل صرّح في رواية سليمان بن خالد بذلك حيث قال عليه السلام: (و ان كان مضى الوقت فحسبه اجتهاده) «2».

و الحاصل أنّه لا يشمل الأدلّة صورة النسيان

و الغفلة كما سيأتي مفصّلا، لأنّها ظاهرة في خطإ اجتهاده، نعم لا فرق فيه بين الموجب للظنّ أو للعلم فتحصل أنّه ان كان انحرافه فيما بين المشرق و المغرب لا يجب الإعادة مطلقا و ان كان الى اليمين أو اليسار أو الاستدبار فبأنّ خطأه في الوقت يجب الإعادة و ان كان في خارجه لا تجب في اليمين أو اليسار.

و أمّا إذا كان الى الدبر فهل تجب الإعادة أم لا؟ قولان ذهب الى الأوّل الشيخ المفيد عليه الرحمة في المقنعة، و الشيخ الطوسي رحمه الهّٰل في التهذيب و الاستبصار و النهاية و المبسوط، و سالّار بن عبد العزيز في المراسم، و الشيخ ابن أبى المجد الحلبي في إشارة السبق، و الى (الثاني) السيّد المرتضى عليه الرحمة في الناصريّات، و ابن الجنيد من

______________________________

(1) راجع الوسائل باب 11، حديث 8 من أبواب القبلة: ج 3 ص 231.

(2) راجع الوسائل باب 11 حديث 2 من أبواب القبلة: ج 3 ص 231.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 37

القدماء- على المحكي في المختلف، و ابن إدريس (ره) في السرائر، و المحقّق في المعتبر، و العلّامة في المختلف، و جماعة من المتأخّرين.

و يمكن أن يكون نظر القائلين بالأوّل إلى الرواية التي نقلها الشيخ عليه الرحمة بقوله: قد رويت أنّ من صلّى الى استدبار القبلة ثمّ علم بعد خروج الوقت وجب عليه إعادة الصلاة و هذا هو الأحوط و عليه العمل «1» (انتهى).

و إليها أشار السيّد (ره) و ابن إدريس (ره) أيضا، و عدم علمهما بناء على أصلهما لا يضرّ.

و مخالفة ابن الجنيد (ره)- مع أنّا لم نحرز مقدار فقاهته و اطلاعه بالأخبار، و مع عدم وجود الجوامع الأربعة عنده إلّا

الكافي، و مع وجود هذه بهذا المضمون الذي ذكره الشيخ (ره) في هذه الجوامع، غير مضرّة بعد عمل جمع من أصحابنا الفقهاء الذين يعتمد عليهم.

و الاشكال بأنّها مرسلة، مدفوع بانجبارها بعمل الأصحاب و لا يلزم في الانجبار، الاستناد كما قرّر في محلّه مع أنّ الشيخ (ره) قد استند في النهاية.

كما انّ الاشكال بمعارضتها لإطلاق الأدلّة الدالّة على وجوب الإعادة مطلقا على التفصيل المذكور، مدفوع أيضا بكونها أخصّ منها من وجهين (أحدهما) ظهور الخطأ بعد الوقت (ثانيهما) ظهور الاستدبار.

(بقي إشكال) و هو أنّ الشيخ رحمه اللّٰه في الخلاف و الاستبصار قد استدلّ لهذا الحكم برواية عمار- المتقدّمة- عن أبى عبد اللّٰه عليه السلام «2» و لذا جعل المحقّق رحمه اللّٰه في المعتبر و العلامة رحمه اللّٰه

______________________________

(1) الوسائل باب 11 حديث 10 من أبواب القبلة: ج 3 ص 231.

(2) راجع الوسائل باب 10 حديث 4 من أبواب القبلة: ج 3 ص 229.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 38

في المختلف هذه الرواية سندا لفتوى الشيخ (ره).

و كيف كان ففي الرواية وجهان (أحدهما) وجوب الإعادة كما هو ظاهر الشيخ (ره) في النهاية في أنّها رواية مستقلّة، و المفروض انجباره و عدم معارضتها فيجب العمل بمقتضاها (ثانيهما) عدم وجوبها لتصريح الشيخ رحمه اللّٰه في الخلاف و الاستبصار بل التهذيب- على الظاهر- بكون مستند الحكم رواية عمار المتقدمة.

قال في الخلاف: من اجتهد في القبلة و صلّى إلى واحدة من الجهات ثمّ بان له أنّه صلّى الى غيرها و الوقت باق، أعاد الصلاة على كلّ حال، و ان كان قد خرج الوقت فان كان استدبر القبلة أعاد الصلاة و في أصحابنا من يقول بعدم الإعادة (الى أن قال): و من

قال: لا اعادة عليه و ان صلّى الى استدبارها عوّل على عموم هذه الأخبار، و من قال:

يعيدها خصّها بما رواه عمّار الساباطي عن أبى عبد اللّٰه عليه السلام (انتهى موضع الحاجة).

و قال في الاستبصار- بعد ذكر الأخبار المفصّلة و رواية عمر بن يحيى و معمّر بن يحيى الدالّتين على وجوب الإعادة مطلقا-: ما لفظه:

الوجه في هذين الخبرين أن نحملها على أنّه كان قد صلّى الى استدبار القبلة، فإنّه يجب عليه إعادتها، سواء كان الوقت باقيا أم منقضيا يدل على ذلك ما رواه محمّد بن يعقوب، عن أحمد بن إدريس، عن محمّد ابن أحمد بن يحيى، عن أحمد بن الحسن بن على بن فضال، عن عمرو ابن سعيد، عن مصدق بن صدقة عن عمّار الساباطي عن أبى عبد اللّٰه عليه السلام و ذكر الرواية.

ثمّ أنّ المراد بالاستدبار هو مقدار الربع المقابل للقبلة و لا يختص

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 39

بالنقطة المقابلة لنقطة الجنوب كما قيل.

ثمّ أنّه قد يقال: بأنّه على تقدير كون عبارة النهاية رواية مستقلّة، يحمل على أنّه مع غير القبلة بقرينة رواية عمّار حيث أنّه قوبل فيها ما بين المشرق و المغرب، مع «1» دبر القبلة.

و فيه (أوّلا) عدم استقامة هذا الحمل في رواية عمّار (و ثانيا) عدم صحّة قياس عبارة النهاية عليها فإنّه قد صرّح فيها بالاستدبار و ليس فيها قرينة مقابلة.

فروع

لو صلّى الى غير القبلة ناسيا فهل تجب الإعادة مطلقا أو لا مطلقا أو التفصيل بين كونه ما بين المشرق و المغرب؟ وجوه أمّا إذا كان بين المشرق و المغرب فسيأتي فيه الكلام ان شاء اللّٰه تعالى و أمّا غيره (فتارة) يبحث فيه مع قطع النظر عن الأدلّة

الخاصّة (و اخرى) معه، (فعلى الأوّل) نقول: مقتضى القاعدة وجوب الإعادة لعدم أمر ظاهري من قبل الشرع كي يقتضي الاجزاء و المشروط يعدم عند انتفاء شرطه مطلقا الّا ما خرج بالدليل.

(ان قلت): يكفي في الدليل حديث الرفع الدالّ على رفع الآثار (قلت) أوّلا يمكن أن يقال باختصاصه برفع خصوص المؤاخذة كما أجاب بذلك العلّامة عليه الرحمة في المختلف (و ثانيا) نقول بعدم دلالته الّا على الآثار المترتّبة على الأمور الوجوديّة، فانّا و ان لم نقل باختصاصه برفع

______________________________

(1) متعلّق بقوله: قوبل.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 40

خصوص المؤاخذة بملاحظة أنّ المتبادر منه رفع الآثار بالنسبة إلى الأفعال التي مقتضى طبع المكلّف إتيانها بجميع شرائطها و أجزائها فإذا لم يأت بها كذلك فلا بدّ من أن يكون منشأ ذلك أحد الأمور الغير العاديّة من الخطأ و الجهل و الاضطرار و الإكراه و النسيان.

لكن لا ينافي ذلك عدم استفادة آثار الأمور العدميّة و المفروض فيما نحن فيه أنّه لم يأت بشي ء إلّا الأفعال الغير المعنويّة بعنوان الصلاة فلا وجه للتمسك بحديث الرفع.

توضيح ذلك أنّ المكلّف إذا طرأ عليه أحد الطواري من الخطأ و غيره امّا أنّ يفعل ما يلزم تركه أو يترك ما يلزم فعله (فعلى الأوّل) أمّا من يكون فعله مبغوضا ذاتيّا أو مفسدا لفعل آخر مشروط صحته بعدم هذا الفعل (و على الثاني) أيضا (امّا) ان يكون تركه مبغوضا ذاتيّا أو شرطا لصحّة فعل آخر مشروط صحّته بوجود هذا الشي ء فالأقسام أربعة.

فالأوّل كشرب الخمر، و الثاني كالتكلّم في الصلاة، و الثالث كترك الصلاة، و الرابع كترك بعض الأجزاء أو الشرائط فمعنى الرفع في (ما لا يعلمون) أنّ الأمور الوجوديّة التي إذا وجدت يترتب عليها

آثار في صورة العلم بها قد رفعت عند عدم العام امّا بنفسها أن كانت هي التكاليف من الوجوبات و التحريمات و بأحكامها ان كانت موضوعات ذات أحكام و في (اضطروا اليه) و (ما استكرهوا عليه) أنّ الأمور التي وجدت في الخارج و كان يترتب عليه آثار مع قطع النظر عن الاضطرار و الإكراه قد رفعت تلك الآثار معهما.

و الشاهد على ما ذكرنا وجود (ما) الموصولة التي هي إشارة إلى الموجود و هذا بخلاف النسيان، فان الظاهر بدلالة الاقتضاء رفع آثار

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 41

النسيان.

ففيما كان من قبيل القسمين الأوّلين فمعنى الرفع فيهما رفع آثاره التكليفيّة و الوضعيّة ان كانت، بخلاف الأخيرين فإنّه ليس لهما أثر تكليفي فإنّ ترك الصلاة نسيانا ليس له أثر إلّا استحقاق العقاب على ترك المنسي من حيث أنّه يمكن أن يعاقب عليه و لو لأجل وجوب الحفظ، و أمّا وجوب الإتيان فليس أثرا لهذا الترك، بل لأنّه لم يفعل ما أمر به، و كذلك ترك الصلاة لفقد أحد الأجزاء أو الشرائط ليس له الّا أثر واحد و هو عدم العقاب، و أمّا وجوب الإتيان ثانيا فليس من الآثار الشرعيّة كما لا يخفى بل التعبير بالإعادة مجاز.

نعم قد يقال: أنّ دخالة الجزء في الجزئيّة أو الشرط في الشرطيّة مرفوعة في صورة النسيان مثلا و فيه تأمّل.

(و ثالثا) على تقدير التسليم يخصّص صحيحة زرارة عن أبى جعفر عليه السلام: لا تعاد الصلاة الّا من خمس، الطهور، و الوقت، و القبلة، و الركوع، و السجود «1» فانّ ظاهرها، الاختصاص بصورة النسيان لا عمومها للعمد و غير كما قيل و لا ظهورها للناسي و الجاهل مطلقا.

توضيحه انّ التعبير بالإعادة انّما هو

فيما إذا أتى بشي ء بمقتضى طبعه ثمّ بان له ترك شي ء من الأجزاء أو الشرائط بطروّ الطواري من السهو و غيره فعند ذلك يحسن السؤال عن وجوب الإعادة و عدمه، و يحسن بهما، و الّا فالعامد في الترك لم يأت بشي ء حتى يقال تجب الإعادة أو لا تجب، و كذا الجاهل بالجهل المركب.

نعم يمكن أن يستفاد منها أنّ الجاهل القاصر إذا ترك شيئا من

______________________________

(1) الوسائل باب 9، حديث 1 من أبواب القبلة: ج 3 ص 227.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 42

الأجزاء و الشرائط غير هذه الخمسة بحيث لا يحتمل شرطيّة غير ما أتى به حين العمل كان كالناسي على اشكال فيه.

فتحصل أن مقتضى القاعدة الأوّليّة و قاعدة لا تعاد وجوب الإعادة على ناسي القبلة.

نعم قد يقال بعدم الوجوب استنادا إلى رواية أبي بصير «1» و إطلاق رواية عبد الرحمن بن أبى عبد اللّٰه «2» (و فيه) أنّه لا دلالة في رواية أبي بصير، و قد مرّ بيان عدم جواز التمسّك بإطلاق الثانية بعد احتمال كونها هي الرواية التي نقلها الصدوق (ره) الدالّة على اختصاص الحكم بما إذا اجتهد و أخطأ بمناسبة سؤاله عنه عليه السلام ذلك في عدم غيم (و بعبارة أخرى) التمسّك بالإطلاق انّما يصح فيما إذا أحرز الإطلاق ففي ما نحن فيه لم يحرز ذلك لما ذكرناه.

هذا كلّه فيما إذا كان الانحراف الى اليمين و اليسار.

و أمّا إذا كان فيما بينهما فظاهر قوله عليه السلام في صحيحتي زرارة و معاوية بن عمّار «3»، و كذا في رواية أبي هاشم الجعفري عن الرضا عليه السلام في كيفيّة الصلاة على المصلوب «4» أنّ ما بين المشرق و المغرب قبلة، شموله للناسي و

الغافل أيضا من باب العموم حتّى بالنسبة إلى العامد.

______________________________

(1) لاحظ الوسائل باب 11، حديث 9 من أبواب القبلة: ج 3 ص 231

(2) لاحظ الوسائل باب 11، حديث 3- 5- 8 من أبواب القبلة جلد 3، ص 231.

(3) لاحظ الوسائل باب 10 حديث 1، 2 من أبواب القبلة: ج 3 ص 228.

(4) راجع الوسائل باب 35 حديث 1 من أبواب صلاة الجنازة: ج 2 ص 12

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 43

و بهذا المضمون قد روى العامّة أيضا بسندين، عن أبي هريرة عن النبي صلّى اللّٰه عليه و آله و كذا في موّطإ ابن مالك، عن النافع، عن عمر روى بهذا المضمون و ان كانت الرواية الأخيرة مرفوعة لأنّ النافع يروى عن ابن عمر لا عن عمر فروايته عن عمر مرفوعة، و موقوفة أيضا لعدم اتصال السند الى المعصوم عليه السلام «1».

و لكن المقصود تأييد الروايات الخاصّة بها، و لكنّها بإطلاقها غير معمولة عند الأصحاب بل لم يتعرّضوا لهذه المسألة بخصوصها كما عن الحدائق، بل بناء على ما احتملنا في كون ما بين المشرق و المغرب قبلة، من كون المراد من المشرق و المغرب مشرق أوّل الجدي و مغربه أيضا، لم يلتزم الأصحاب.

فالأوجه حملها بقرينة رواية عمّار المعمول بها عندهم- متأيّدة- برواية حسين بن علوان- المروية من قرب الاسناد «2» و برواية محمّد بن محمّد بن الأشعث، عن إسماعيل بن موسى بن جعفر، عن موسى بن جعفر، عن أبيه، عن أبيه عليهم السلام «3»- على غير العامد.

و أمّا ما احتمله العامّة من أنّ المراد مشرق أوّل الجدي و مغرب أوّل السرطان ليوافق قبلة المدينة الطيّبة، فهو راجع الى عدم العمل بمضمون الحديث لعدم الشاهد لهذا

المعنى، مضافا الى أنّه من قبيل حمل كلام المعصوم على بيان الموضوع دون الحكم فكأنّه صلّى اللّٰه عليه و آله قال: ان أردتم أن تعرفوا قبلة المدينة الطيّبة فاعلموا إنّها واقعة

______________________________

(1) يعنى النبي صلى اللّٰه عليه و آله.

(2) الوسائل باب 10، حديث 5 من أبواب القبلة: ج 3 ص 229.

(3) المستدرك باب 7، حديث 1 من أبواب القبلة: ج 3 ص 184.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 44

بين مشرق أوّل الجدي و مغرب أوّل السرطان و هو كما ترى «1».

مسألة 13- لا إشكال في جواز التنفل في السفر راكبا الى غير القبلة،
اشارة

و كذا ماشيا كما لا إشكال في جوازه كذلك في الحضر أيضا.

و انّما الكلام و الاشكال في جوازه كذلك مستقرا على الأرض، سواء كان في السفر أو الحضر، و النص و الفتوى متطابقان في الأوّلين إلّا ما شدّ في الثاني، و أمّا الثالث فقد اختلفوا على قولين.

فقد نسب الى المشهور عدم الجواز و ان لم تتحقّق الشهرة، و قيل بالجواز فيه أيضا، بل هو المتراءى من كلام المحقّق عليه الرحمة في الشرائع و قد يتوهّم أنّ وجوب الاستقبال ينافي ندبيّة النوافل بنفسها (و فيه) أنّ الوجوب هنا يراد به الشرطي بمعنى أنّه هل يشترط في صحّتها أم لا لا التكليفي المستلزم للعقاب على الترك.

و قد يقال: بأنّ الأخبار الدالّة على جواز التنفل الى غير القبلة في حال عدم الاستقرار دالّة عليه في حال الاستقرار بطريق أولى (و فيه) ما لا يخفى.

و قد استدلّ لعدم الاشتراط بأمور

(أحدها) أصالة البراءة (و فيه) أنّ أدلّة البراءة غير جارية في المندوبات، أمّا الدليل العقلي لها فواضح لعدم العقاب قطعا على تركها كي يحكم بعدم الاشتراط بقاعدة قبح العقاب بلا بيان، و أمّا النقلي فالظاهر أنّ مضمون تلك البراءة التوسعة على المكلّفين بعدم الوجوب أو الحرمة، و هي هنا حاصلة باعتبار جواز تركها رأسا.

______________________________

(1) يمكن أن يقال بوقوع نظيره في قوله عليه السلام ضع الجدي خلف المنكب الأيمن، فإنّه بيان لقبلة أهل العراق.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 45

(الثاني) أصالة العدم (و فيه) أنّه ان كان المراد منها أصالة البراءة الأصليّة الراجعة الى الأصل الأزليّ فلا دليل على اعتبارها، و ان كان المراد استصحاب عدم الاشتراط فالحالة السابقة غير محرزة.

(الثالث) الروايات الدالّة على جواز النافلة في جوف الكعبة دون الفريضة و ليس الّا

لعدم اشتراط القبلة فيها بخلاف الفريضة (و فيه) أنّ الأظهر جواز الفريضة في جوفها لما تقدّم من كفاية الاستقبال بالنسبة إلى جزء منها، و لذا يصح صلاة الفريضة على سطحها إذا بقي منه جزء يسير يستقبل اليه و لا يلزم الصلاة على نحو الاستلقاء ليكون محاذيا الى البيت المعمور.

(الرابع) إطلاق الروايات الواردة في جوازها أينما توجّهت (و فيه) أنّه لا إطلاق فيها، فإنّ أكثرها واردة في خصوص النوافل في السفر راكبا و بعضها في الحضر ماشيا.

و استدلّ للاشتراط بأمور أيضا (أحدها) توقيفيّة العبادات و لم يرد من الشرع جوازها كذلك (و فيه) أنّ توقيفيّة العبادات حتّى في الأجزاء و الشرائط بعد ثبوت أصلها، غير ثابتة فتأمّل.

(الثاني) قوله عليه السلام في الصحيحة: (لا تعاد الصلاة الّا من خمس)- و عدّ منها- القبلة فإنّه بإطلاقه يشمل النافلة أيضا (و فيه) أنّ التعبير بالإعادة مشعر بأنّ المراد ما له مقتض لها عند تخلّف بعض المذكورات «1».

(الثالث) عدم معهوديّة فعل النافلة بين المسلمين الى غير القبلة

______________________________

(1) مضافا الى أنّ الإعادة لا تطلق قطعا في النوافل المبتدئة فالدليل أخصّ من المدّعى كما لا يخفى.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 46

اختيارا (و فيه) أنّه لا دليل على الاشتراط، نعم هو دالّ على كونه أفضل الفردين.

(الرابع) قوله عليه السلام في صحيحة زرارة: (لا صلاة الّا الى القبلة، قلت: أين حدّ القبلة؟ قال: ما بين المشرق و المغرب قبلة، فان صلّى في يوم غيم أو في غير الوقت يعيد) «1».

و قد أورد عليه بأمور

(الأوّل) انصرافها الى الفريضة (و فيه) أنّه لا انصراف لها لعدم مسبوقيّته بالسؤال.

(الثاني) ظهور ذيلها- و هو قوله عليه السلام (فان صلّى في يوم غيم إلخ)- في الفريضة فيوجب انصراف صدرها

إليه أيضا، لأنّ ظاهر قوله عليه السلام: (يعيد) هو الوجوب مع أنّ النافلة ليست كذلك (و فيه) أوّلا أنّ مجرد ظهور ذيل كلام في فرد خاصّ لا يوجب انصراف الصدر اليه فيعمل- بمقتضى الصدر- على إطلاقه و ان كان وجوب الإعادة مختصّا بالفريضة في صورة تخلّف الشرط (و ثانيا) أنّ قوله عليه السلام: (يعيد) يعنى بالإعادة على ما هي عليها ففي الفريضة تجب و في النافلة لا تجب.

(الثالث) أنّ المراد من قوله عليه السلام: (لا صلاة) نفى الافراد النوعيّة لا نفى الطبيعة و المفروض أنّه قد خرج نوع النافلة و لو في الجملة قطعا فلا يجوز التمسّك بعمومه بعد خروجه لعدم عموم له بالنسبة إلى أحوال تلك الأنواع و بالنسبة إلى أحوال أفراد تلك الأنواع، بل العموم بالنسبة الى الأفراد النوعيّة (و فيه) أنّ ظاهر (لا) الواقعة على الجنس نفى الحقيقة و الماهيّة بلحاظ انطباق الأفراد عليها معنى أنّ الأفراد الموجودة في الخارج لا تكون أفرادا لتلك الماهيّة الّا بأن تكون إلى القبلة

______________________________

(1) الوسائل باب 9، حديث 2 من أبواب القبلة: ج 3 ص 227.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 47

و توهّم أنّه حينئذ لا يمكن التخصيص «1» و قد خصّص بالنافلة في الجملة قطعا (مدفوع) بانّ نفى الطبيعة نفى أفرادها الخارجيّة بما هي تلك الطبيعة فلا مانع من ورود النفي على الطبيعة و يراد به نفى أفرادها و حينئذ فالتخصيص قد ورد على الأفراد لا الطبيعة كي يكون مناقضا لنفيها.

(ان قلت): قد قررتم في الأصول أنّ أداة النفي قد وضعت لنفى مدخولها، فلذا لا يمكن تقيده بقيد آخر غير المنفيّ الذي هو مدخول لفظة (لا) فلا يمكن أن يراد بقوله: (لا رجل

في الدار الرجل العالم) و استفادة القيد من دليل آخر و لازم ذلك عدم جواز تقيد قوله عليه السلام:

(لا صلاة إلخ) بالصلاة الغير النافلة لعين ما ذكرنا، و هذا بخلاف الإثبات، فلا مانع من تقييد قوله- مثلا-: (أعتق رقبة) بقوله- في دليل آخر: (أعتق رقبة مؤمنة) لاستعمال كل من المطلق في الموضوع له اللغوي.

(قلت): ما ذكرناه في الأصول لا ينافي ما هنا، فانّا قلنا هناك:

أنّ الفرق بين الإثبات و النفي احتياج الأوّل- في إثبات إطلاقه- إلى مقدمات الحكمة بخلاف الثاني، فإنّ أدوات النفي الداخلة على الجنس تدل بوضعها اللغوي عليه لا أنّها تكون صريحة و ناصّة في ذلك كي ينافي التخصيص فتأمّل جدا.

فالظاهر تماميّة الاستدلال بهذه الصحيحة لقول المشهور، فالأحوط ذلك لو لم يكن مراعاة الاستقبال في حال الاستقرار.

و أمّا في غير حال الاستقرار فيجوز تركه مطلقا سفرا كان أو حضرا،

______________________________

(1) الواو حاليّة.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 48

ماشيا كان أم راكبا.

و لا يلزم الاستقبال حينئذ في حال تكبيرة الإحرام كما قيل استنادا الى ما رواه الشيخ (ره) بإسناده عن الحسين بن سعيد، عن عبد الرحمن ابن أبى نجران، قال: سألت أبا الحسن عليه السلام عن الصلاة بالليل في السفر في المحمل قال: إذا كنت على غير القبلة فاستقبل القبلة ثمّ كبر و صلّ حيث ذهب بك بعيرك، قلت: جعلت فداك في أوّل الليل؟

فقال عليه السلام: إذا خفت الفوت في آخره «1».

لأنّها محمولة على الاستحباب لتصريح الرواية الأخرى بعدم لزوم الاستقبال حتّى في حال التكبير مثل ما رواه الكليني (ره)، عن محمّد بن يحيى عن أحمد بن محمّد، عن محمّد بن سنان، عن عبد اللّٰه بن مسكان، عن الحلبي أنّه سأل أبا عبد اللّٰه

عليه السلام عن صلاة النافلة على البعير و الدابّة؟ فقال: نعم حيث كان متوجّها و كذلك فعل رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه و آله، قلت: على البعير و الدابّة؟ قال: حيث ما كنت متوجها، قلت:

أستقبل القبلة إذا أردت التكبير؟ قال: لا و لكن تكبّر حيث ما كنت متوجّها و كذلك فعل رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه و آله «2».

مسألة 14- لا يجوز صلاة الفريضة على الراحلة إلّا عند الضرورة
اشارة

و لا يسقط الاستقبال أيضا على تقدير الضرورة إليها إلّا في حال الضرورة كما أنّ في سائر الشرائط لا يسقط شي ء منها الّا عندها و الأخبار المستفيضة «3» المعمول بها دلّت على جوازها

______________________________

(1) الوسائل باب 15 حديث 13 من أبواب القبلة: ج 13 ص 241.

(2) الوسائل باب 5 حديث 6، 7 من أبواب القبلة: ج 3 ص 240.

(3) راجع الوسائل باب 15 و بعض أخبار باب 16 من أبواب القبلة: ج 3 صفحة: 239 الى 244.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 49

كذلك «1».

فروع

إذا صارت النافلة مفروضة بعنوان آخر طار عليها كالنذر و غيره أو الفريضة صارت مستحبّة كالمعادة، فهل يبقى حكمها على ما هي عليه (من) جواز الأوّل على الراحلة و لو اختيارا، و عدم جواز الثاني عليها في غير خال الضرورة؟ وجهان بل قولان فهنا مسألتان.

(الاولى) في حكم النافلة مثلا (الثانية) في حكم المعادة مثلا:

أمّا الأولى فقد يقال بتعارض روايتي عبد الرحمن بن أبى عبد اللّٰه عن أبى عبد اللّٰه عليه السلام قال: لا يصلّى على الدابّة الفريضة إلّا مريض يستقبل به القبلة و يجزيه الكتاب و يضع بوجهه في الفريضة على ما أمكنه من شي ء و يومئ في النافلة إيماء «2» و عبد اللّٰه بن سنان قال: قلت لأبي عبد اللّٰه عليه السلام: أ يصلّي الرجل شيئا من المفروض راكبا؟ فقال: لا الّا من ضرورة «3».

مع رواية على بن جعفر، عن أخيه موسى بن جعفر، قال: سألته عن رجل جعل للّٰه عليه أن يصلّى كذا و كذا، هل يجزيه ذلك على دابّته و هو مسافر؟ قال: نعم «4».

______________________________

(1) يعنى عند الضرورة.

(2) الوسائل باب 14، حديث 1 من أبواب القبلة: ج

3 ص 236.

(3) الوسائل باب 14، حديث 4 من أبواب القبلة: ج 3 ص 236 و نحوه حديث 7.

(4) الوسائل باب 14، حديث 6 من أبواب القبلة: ج 3 ص 236.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 50

فإنّ «1» الأولى عامّة من حيث المفروض بالأصل أو بالعارض، خاصة من حيث عدم شمولها لغير حال الضرورة، و الثانية عامّة من حيث الضرورة و عدمها، خاصّة من حيث عدم المفروض بالأصل فيتقدم إطلاق الأوّلين عليها.

و يرد عليه (أوّلا) عدم إطلاق الأوّلين بالنسبة إلى المفروض بالعارض و (ثانيا) ضعفه بالنسبة إلى إطلاق الثالثة و عمومها للضرورة و غيرها (و ثالثا) اخصّيتهما منها لأنّه من الممكن كون حكم النافلة- و هو جواز إتيانها على الراحلة مطلقا اختيارا أو اضطرارا- معلوما عند على بن جعفر و كان سؤاله عن خصوص هذه المسألة المفروضة فأجاب عليه السلام بجريان حكم النافلة بعد عروض الوجوب أيضا.

و يؤيّدها ذكرناه أنّ ظاهر الأدلّة الدالّة على عدم جواز إتيان الفريضة في غير حال الضرورة على الراحلة هو الطبائع التي هي أوّلا و بالذات فريضة (و بعبارة أخرى) هذا الحكم من ضروريّات هذه الطبيعة بأي عنوان كان، كما أنّ حكم النافلة ترتّب على نفس الطبيعة التي معنونة أوّلا و بالذات بالنافلة و ان صارت بالعرض فريضة.

و يؤيّده أيضا أنّ عنوان الفريضة في المسألة المفروضة لا يحمل على النافلة بما هي صلاة، بل بما انّ العمل بالنذر واجب فصارت مصداقا له «2» و ظاهر الأدلّة الدالّة على عدم جواز الفريضة على الرّاحلة اختيارا هو أنّ الفريضة بما هي صلاة مفروضة بعنوان الأوّليّة الذاتيّة، حكمها كذا و كذا مثلا و كذا القول في طرف النافلة.

______________________________

(1) بيان التعارض.

(2) الواو الحاليّة.

تقرير

بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 51

فلا يبعد القول بان حكم النافلة المنذورة حكم مطلق النوافل.

لكنّ الأحوط عدم إتيانها في غير حال الضرورة على الراحلة.

و قد يقال بضعف سند رواية على بن جعفر بوجود أحمد بن محمّد العلوي و لم يرد توثيق في حقّه (و فيه) أنّ الرواية قد نقلت بسندين (أحدهما) صحيح «1».

و بما ذكرنا أخيرا يظهر حكم المسألة الثانية أعني صلاة المعادة فإنّ الظاهر بقاء حكمها و هو عدم جواز إتيانها على الراحلة إلّا للضرورة «2».

الحمد للّٰه أوّلا و آخرا و ظاهرا و باطنا اللّٰهمّ صلّ على محمّد و آل محمّد مورخة 24 ربيع الأوّل 1370 ه ق و لنذكر ان شاء اللّٰه بحث الستر و الساتر و أحكام لباس المصلّى ان شاء اللّٰه تعالى و اللّٰه العالم بحقائق الأمور أقلّ الطلبة على پناه اشتهاردى

______________________________

(1) هكذا قال سيّدنا الأستاذ مدّ ظله و لكن لم نجد سندا آخر لها بعد التتبع في مظانه فتتبع و اللّٰه العالم.

(2) الى هنا استفدته أيضا من مجلس بحث سيّدنا الأستاذ الأكبر الآية البروجردي أدام اللّٰه بركات وجوده.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 52

فصل في الستر و الساتر و لباس المصلّي

اشارة

بسم اللّٰه الرّحمن الرّحيم الحمد للّٰه ربّ العالمين، و الصّلاة و السّلام على خير خلقه محمّد و آله الطّاهرين، و لعنة اللّٰه على أعدائهم أجمعين إلى يوم الدّين.

اللباس على قسمين: ستر و غير ستر، و الكلام في الأوّل، اما في مقدار ما يجب على الرجل أو المرأة، و كلّ منهما اما ان يبحث في حكمه التكليفي أو الوضعي بمعنى اشتراطه في صحة الصلاة.

فهنا أربع مسائل
(الأولى): في مقدار الستر الذي يجب على الرجل تكليفا.

و القدر المتيقّن المتّفق عليه بين العامّة و الخاصّة هو ستر العورتين المعبّر عنهما في آية الغضّ ب (الفروج).

نعم المشهور بين العامة وجوب ستر ما بين السرّة و الركبة، و عن ابن حنيفة: وجوب ستر السرّة و الركبة.

لكن المشهور بين الإمامية هو الاقتصار على وجوب ستر العورتين

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 53

و هو الموافق لظاهر قوله تعالى قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصٰارِهِمْ وَ يَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذٰلِكَ أَزْكىٰ لَهُمْ إِنَّ اللّٰهَ خَبِيرٌ بِمٰا يَصْنَعُونَ «1» فان الفروج و ان لم يكن معناها اللغوي هو القبل و الدبر لكن العرف يفهمون ذلك.

و إطلاق الآية يشمل وجوب الحفظ عن الصغير و الكبير و الرجال و النساء بل المجانين إذا ميّزوا العورة عن غيرها، و مع عدم التميز أصلا فحكمه حكم الصبي الغير المميّز في عدم وجوب التحفظ عنها.

كما ان إطلاقها يشمل العلم بوقوع نظر الغير إليها أو الظن بل و الاحتمال و بالجملة شامل لكل ما كان معرضا لوقوع نظره إليها.

نعم لا بأس بكشفها مع العلم بعدم بوقوع نظر الناظر المحترم فان ظاهر الآية الشريفة و ان كان شمولها لصورة العلم بالعدم أيضا الّا انها بضميمة قوله عليه السلام في بعض الروايات: كلّ ما في القرآن من حفظ الفرج فهو من الزنا

الّا هذه الآية فإنها للحفظ من أن ينظر إليها «2» تصير مختصة بصورة وقوع النظر إليها و لو كان بنحو المعرضية.

فما عن الجواهر من وجوب الستر إذا كان الاحتمال مرجوحا، محلّ نظر فان المناط على ما ذكرنا انه المستفاد من الآية كونها معرضا لوقوع نظر الغير سواء كان علما أو ظنا أو احتمالا متساويا أو مرجوحا و لا فوق أيضا بمقتضى إطلاقها بين ما يستر العورة به من اللباس و غيره من الطين و الورق.

و ما عن بعض العامة من وجوب ستر العورة مطلقا و لو مع العلم بعدم وقوع النظر استنادا الى وقوع نظر الملائكة و الجنّ، فلا دليل له

______________________________

(1) سورة النور، الآية: 30.

(2) الوسائل باب 1 حديث 3 من أبواب أحكام الخلوة ج 1 ص 212.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 54

بل ظاهر الآية دليل عليه كما لا يخفى.

هذا كلّه بالنسبة إلى وجوب الستر، اما بالنسبة إلى حرمة النظر إليها، فعن الأخفش «1» أن (من) في (من أبصارهم) زائدة، و ردّ بأن زيادة من في الإثبات شاذة فلا تحمل الآية عليها، فهي تبعيضية، فامّا ان يكون المراد هو التبعيض في الإبصار أو المبصر، فان كان الأوّل يكون المعنى: غضّوا بعض أبصاركم، فيكون كناية عن الابصار العمدي و على الثاني يكون المعنى: غضّوا أبصاركم عن بعض المبصرات، (فامّا) ان تحمل بقرينة الجملة الثانية أعني (وَ يَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ) على الغض عن العورة و هو مقتضى البلاغة أيضا، (و اما) ان تصير مجملة مع قطع النظر عن الروايات، و على اىّ تقدير تكون ناصّة في حرمة النظر الى العورتين.

(الثانية): في مقدار وجوب الستر على المرأة،
اشارة

و البحث أيضا في مقامين: الأوّل في حرمة الكشف على المرأة، الثاني: في حرمة النظر

على الرجل.

قال اللّٰه تعالى وَ قُلْ لِلْمُؤْمِنٰاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصٰارِهِنَّ وَ يَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَ لٰا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلّٰا مٰا ظَهَرَ مِنْهٰا وَ لْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلىٰ جُيُوبِهِنَّ وَ لٰا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلّٰا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبٰائِهِنَّ أَوْ آبٰاءِ بُعُولَتِهِنَّ

______________________________

(1) يطلق على ثلاثة من كبار علماء النحو: الأوّل: أبو الخطاب عبد الحميد بن عبد المجيد الهجري أستاذ سيبويه و الكسائي و أبي عبيدة و كان تلميذ أبي عمرو بن العلاء و كان إمام أهل العربية و لقي الأعراب و أخذ عنهم و هو أوّل من فسّر الشعر كل بيت، و هو الأخفش الأكبر (و الثاني) أبو الحسن سعيد بن مسعدة المجاشعي البخلى صاحب المصنفات تلميذ الخليل و هو الأوسط، (و الثالث) أبو الحسن على بن سليمان و هو الأصغر، و الأخفش إذا أطلق فهو الأوسط (الكنى و الألقاب ج 3 ص 16).

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 55

أَوْ أَبْنٰائِهِنَّ أَوْ أَبْنٰاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوٰانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوٰانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوٰاتِهِنَّ أَوْ نِسٰائِهِنَّ أَوْ مٰا مَلَكَتْ أَيْمٰانُهُنَّ أَوِ التّٰابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجٰالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلىٰ عَوْرٰاتِ النِّسٰاءِ، وَ لٰا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مٰا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَ تُوبُوا إِلَى اللّٰهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ. «1»

وجه دلالة الآية على الحكمين أعني حرمة كشف العورة و حرمة نظر الغير إليها: ما تقدم في الآية الاولى، و اما دلالتها على حرمة كشف ما عدا العورة: (فتارة) يبحث في مدلول نفس الآية الشريفة (و اخرى) بضميمة غيرها من الآيات الأخر (و ثالثة) بضميمة الروايات الواردة في تفسيرها، و غيرها.

فنقول: معنى قوله تعالى لٰا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلّٰا مٰا ظَهَرَ مِنْهٰا حرمة إبداء الزينة مطلقا الّا الزينة الظاهرة

بنفسها كالثياب التي يلبسنها فوق الألبسة كالإزار «2» و الملحفة «3» و نحوهما ممّا يعبّر عنه بالفارسية ب: چادر.

و لما كان المتعارف بين العرب- كما لعله الآن أيضا- ظهور

______________________________

(1) سورة النور، الآية: 31.

(2) و قد تكرر في الحديث ذكر الإزار بالكسر (الى ان قال): و في كلام البعض من أهل اللغة: الإزار بالكسر شامل لجميع البدن (مجمع البحرين).

(3) الملحفة بكسر الميم و فتح الحاء المهملة واحدة الملاحف التي يلتحف و منه الحديث المرأة بدرع و ملحفة (مجمع البحرين).

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 56

الجيب و مقدار من الصدر و كان قوله تعالى إِلّٰا مٰا ظَهَرَ مِنْهٰا شاملا لجميع ذلك نبّه سبحانه بقوله تعالى وَ لْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلىٰ جُيُوبِهِنَّ على حرمة كشف «1» ذلك عليهنّ.

و اما تكرار قوله تعالى وَ لٰا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ فلأجل انّ الأوّل في مقام بيان ما يجب ستره عليهنّ، و الثاني في مقام بيان من يجب سترهنّ عنه.

فتحصل: ان المستفاد من ظاهر الآية الشريفة هو وجوب ستر كلّما يصدق عليه الزينة سواء كانت باطنة كالكحل و السوار و الخضاب أو ظاهرة كالثياب الّا ما ظهر.

و اما الوجه و الكفّان

فلا دلالة فيها على جواز كشفهما، نعم قد ورد في تفسير قوله تعالى مٰا ظَهَرَ أمران:

(أحدهما): ما عن ابن مسعود و هو الثياب الظاهرة و الكحل و السوار.

(ثانيهما): ما عن ابن عباس و هو الوجه و الكفان.

و قد ورد بطريق الخاصّة أيضا عن أهل بيت العصمة عليهم السلام ما يوافق كلا التفسيرين «2» لكن التفسير الأوّل مؤيّد بأمور:

(أحدهما): قوله تعالى وَ لٰا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مٰا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ حيث أطلق سبحانه على ما يظهر بضرب الأرجل على

______________________________

(1) متعلّق بقوله: (نبّه).

(2) الوسائل باب 109

من أبواب مقدمات النكاح ج 14 ص 145.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 57

الأرض الزينة، فإنه من المعلوم ان ما يظهر بضربها عليها ليس الّا الثياب.

(ثانيها): قوله تعالى أيضا يٰا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوٰاجِكَ وَ بَنٰاتِكَ وَ نِسٰاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ الآية «1» حيث أمر سبحانه نبيّه بان يقول لهنّ: ادنين جلابيبكن.

و عن الزمخشري في الكشاف: يقال للمرأة: أدنى عليك ثوبك يراد به أرخيه و اسدليه، و لفظة (ادنى) إذا تعدت بنفسه معناها الدنو و القرب، و إذا تعدت ب (على) يكون معناها الإرخاء و الإسدال و المعنى حينئذ: يحب عليهنّ إسدال الجلباب، و لا فائدة في هذا الإسدال إلّا ستر الوجه.

و وجه التأييد انّه موافق لما نقل عن ابن مسعود «2» فان تفسيره لا ينافي وجوب ستر الوجه بخلاف ما نقل عن ابن عباس «3».

(ثالثها): قوله تعالى خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ «4» و قد فسر الزينة التي يجب أخذها باللباس، و المسجد كناية عن الصلاة و المعنى- بناء عليه- صلّوا ساترا لا عاريا.

فتحصّل ان ما نقل عن ابن مسعود مؤيد بالآيات الأخر، مضافا الى كون كشف الوجه مستنكرا عرفا فكأن ما نقل عن ابن عباس معرض عنه

______________________________

(1) سورة الأحزاب، الآية 59.

(2) المفسر للزينة بالثياب الظاهرة و الكحل و السوار.

(3) المفسر لها بالوجه و الكفين.

(4) سورة الأعراف، الآية: 31.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 58

عند العرف.

هذا كلّه في المستفاد من الآيات اما مطلقا أو بضميمة تفسيرها في الجملة.

و اما الروايات فننقل ما دلّت على ان المرأة عورة

و العورة- و لو بملاحظة ظاهر الحمل- شاملة لجميع بدن المرأة فنقول- بعون اللّٰه تعالى-:

قال العلّامة: جسد المرأة البالغة الحرّة عورة بلا خلاف بين كلّ من يحفظ عنه العلم لقول النبي

صلّى اللّٰه عليه و آله: المرأة عورة، رواه الجمهور، و قال الترمذي «1» أنّه حديث حسن، (انتهى).

و روى الكليني عن على بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير عن هشام بن سالم، عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام قال: قال رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و آله: النساء عيّ و عورة فاستروا العورة بالبيوت و استروا العيّ بالسكوت «2» و روى الشيخ في المجالس، عن جماعة، عن أبى المفضل، عن جعفر بن محمد بن جعفر بن الحسن، عن موسى بن عبد اللّٰه الحسنى عن جدّه موسى بن عبد اللّٰه، عن أبيه، عبد اللّٰه بن الحسن و عمّه إبراهيم و الحسن ابني الحسن، عن أمّهم فاطمة بنت الحسين، عن أبيها، عن جدّها على بن أبي طالب عليه السلام عن النبي صلى اللّٰه عليه و آله

______________________________

(1) صحيح الترمذي ج 1 باب 18 من أبواب الرضاع عن عبد اللّٰه عن النبي صلى اللّٰه عليه [و آله] و سلّم قال: المرأة عورة، فإذا خرجت استشرفها الشيطان، هذا حديث حسن صحيح غريب (انتهى).

(2) الوسائل باب 24 حديث 4 من أبواب مقدمات النكاح ج 14 ص 43.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 59

قال: النساء عيّ و عورات فداووا عيّهنّ بالسكوت و عوراتهنّ بالبيوت «1».

و روى الكليني، عن على بن إبراهيم، عن هارون بن مسلم، عن مسعدة بن صدقة، عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام: لا تبدءوا النساء بالسلام و لا تدعوهنّ بالطعام فإنّ النبي صلى اللّٰه عليه و آله قال: النساء عيّ و عورة، فاستروا عيّهنّ بالسكوت و عوراتهنّ بالبيوت «2» و عن عدة من أصحابنا، عن احمد بن محمد، عن سماعة

بن مهران عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام قال: اتقوا اللّٰه في الضعيفين، يعنى بذلك اليتيم و النساء، و انما هنّ عورة «3».

و عنهم، عن احمد بن محمد بن خالد، عن نوح بن شعيب رفعه قال: قال أبو عبد اللّٰه عليه السلام: كان علي بن الحسين إذا أتاه ختنه على ابنته أو على أخته بسط له رداء ثم أجلسه، ثم يقول: مرحبا بمن كفى المؤمنة و ستر العورة «4» و في المستدرك: الجعفريات: أخبرنا محمد، أخبرنا موسى قال: حدثنا أبي، عن أبيه، عن جده على بن الحسين، عن أبيه، عن علي عليهم السلام قال: قال رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و آله: النساء عورة فاحبسوهنّ بالبيوت و استعينوا عليهنّ بالعرى «5».

______________________________

(1) الوسائل باب 24 حديث 6 من أبواب مقدمات النكاح ج 15 ص 43.

(2) الوسائل باب 31 حديث 6 من أبواب مقدمات النكاح ج 15 ص 173.

(3) الوسائل باب 88 حديث 2 من أبواب مقدمات النكاح ج 15 ص 121.

(4) الوسائل باب 24 حديث 3 من أبواب مقدمات النكاح ج 15 ص 42.

(5) المستدرك ج 2 باب 21 حديث 1 من أبواب مقدمات النكاح ص 536.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 60

و بهذا الاسناد عن جعفر بن محمد، عن أبيه عليهما السلام: ان فاطمة بنت رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و آله دخل عليها علي عليه السلام و به كآبة شديدة فقالت: ما هذه الكآبة؟

فقال: سألنا رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و آله عن مسألة لم يكن عندنا جواب لها.

فقالت: و ما المسألة؟

قال عليه السلام: سألنا رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و آله عن المرأة ما هي؟

قلنا: عورة.

قال صلى اللّٰه عليه و آله: فمتى

تكون أدنى من ربّها؟ فلم نعلمه.

قالت: ارجع اليه فأعلمه ان ادنى ما تكون من ربّها ان تلزم قعر بيتها، فانطلق فأخبر النبي صلى اللّٰه عليه و آله، فقال: ما ذا من تلقاه يا علي، فأخبره ان فاطمة أخبرته، فقال: صدقت فاطمة بضعة منّي.

و رواهما السيد فضل اللّٰه الراوندي في نوادره بإسناده عنه صلى اللّٰه عليه و آله «1».

دعائم الإسلام عن رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و آله انه قال: اتقوا اللّٰه في النساء، فإنهنّ عيّ و عورة و انكم استحللتموهنّ بأمانة اللّٰه و هنّ عندكم عوان فادرأوا عيّهنّ بالسكوت و واروا عوراتهنّ بالبيوت «2»، (انتهى ما في المستدرك).

______________________________

(1) المستدرك باب 21 حديث 2 من أبواب مقدمات النكاح ج 2 ص 536.

(2) المصدر، الحديث 3.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 61

و بالجملة كون النساء عورة ممّا اتّفق عليه الكلّ، و لذا تمسكوا في مسألة وجوب ستر المرأة بدنها- الّا ما استثنى- بهذا الحديث المروي عن النبي صلى اللّٰه عليه و آله بطريق العامة، و قد سمعت قول العلّامة في المنتهى حيث قال: و هو قول كلّ من يحفظ عنه العلم.

فضعف السند- ان كان- مجبور بعمل الأصحاب و تمسكهم به بالخصوص هذا من حيث السند.

و اما من حيث الدلالة، فالظاهر المتبادر من لفظة (العورة) بما هي، السوأتان، و ان كان معناه اللغوي كلّما يستحيى منه، لكن المعنى العرفي مقدم على المعنى اللغوي عند الإطلاق و هنا قد حملت لفظة العورة على المرأة فيراد أحد المعاني الثلاثة:

(اما) التشبيه البليغ و هو مشاركة المشبّه به للمشبّه في أشهر أوصافها على نحو شديد و هو هنا وجوب التستر، فكأنها لشدة هذا الحكم فيها صارت كأنّها نفس العورة، فكما انّ

العورة يجب سترها فكذا المرأة، و بعبارة أخرى: الأحكام الثابتة للسوأتين ثابتة لها فإنها عورة أيضا، (و اما) لكونها ذات عورة فسمّى الجزء باسم كلّه.

(و اما) لكونها ذات عورة فسمّى الجزء باسم كلّه.

(و اما) لكونها يستحيى منها لا من وجودها بما هي هي، بل لاحتفافها بحركات أو أفعال يستحيي منها فكان الاستحياء منها.

لكن يرد على الثاني: انه خلاف الظاهر، بل لا وجه لهذا الكلام أصلا، فإن كونها ذات عورة لا يختص بها، بل الرجل أيضا كذلك فتخصيصها بهذه الخصوصية لغو.

و على الثالث: انّه سبك مجاز من مجاز فإنه تجوّز أوّلا بحمل العورة عليها ثم تجوّز انها باعتبار اشتمالها على أفعال و حركات يستحيى منها فكان الاستحياء منها.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 62

مضافا الى كون أفعالها و حركاتها يستحيى منها ممنوع فحينئذ يتعيّن الأوّل أعني إرادة التشبيه البليغ.

و الحاصل ان هذا الحديث يدلّ بظاهره على كون المرأة بتمام بدنها عورة فإخراج بعض المواضع يحتاج الى دليل، و خروج الوجه و الكفين في خصوص الصلاة لا يستلزم ذلك، فان المخرج هناك في شرطيتها لصحة الصلاة كما سيأتي إن شاء اللّٰه تعالى، و هنا في عدم وجوب التستر، بل كون الوجه منشأ لتحريك الشهوة حين النظر إليه أتم تحريك بل توجّه ذوي الشهوة إليه أكثر كما لا يخفى.

فهذا الحديث أقوى ما يستدلّ به على وجوب ستر المرأة جميع بدنها حتى الوجه.

(ان قلت): قوله عليه السلام في بعض تلك الأخبار المتقدمة:

(فاستروا عوراتهن بالبيوت) مع عدم وجوب ابقائهن في البيوت دليل على عدم وجوب سترهن أيضا، بل هو حكم استحبابي و لا سيّما قد فرع على كونهن عورة الأمر الاستحبابي مع كون تفريع الأمر الوجوبي أولى كما لا

يخفى.

(قلت): تجويز مرتبة من الستر، لا ينافي حرمة مرتبة اخرى فوقها و ثبوت عدم وجوب ابقائهنّ في البيوت لا يلازم عدم وجوب سترهن أصلا بل هذا التفريع أيضا دليل على ما ذكرنا لان المعنى انكم لم تقدروا ان تستروا عوراتهن في جميع الحالات و الأزمان لاشتغالكم بالكسب و التجارة لتنظيم أمر المعاش، و لكن تقدرون على سترهن بالبيوت بان تأمروهنّ أن يلزمن البيوت كي يسترن و يحفظن من العاهات و الآفات.

و يؤيّد ما ذكرناه بل يدلّ عليه ما في المجمع للطبرسي- ره- في

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 63

سورة النور بعد قوله تعالى وَ الْقَوٰاعِدُ مِنَ النِّسٰاءِ اللّٰاتِي لٰا يَرْجُونَ نِكٰاحاً فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنٰاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيٰابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجٰاتٍ بِزِينَةٍ «1» فإنه قال: اى غير قاصدات بوضع ثيابهن إظهار زينتهنّ، بل يقصدن به التخفيف عن أنفسهنّ فإظهار الزينة في القواعد و غيرهن محظور.

و اما الشابات فإنّهنّ يمنعن من وضع الجلباب و الخمار و يؤمرن بلبس اكثف الجلباب لئلّا تصفهن ثيابهنّ ثم قال: و قد روى عن النبيّ صلّى الهّٰر عليه و آله: انّه قال للزوج ما تحت الدرع و للابن و الأخ ما فوق الدرع، و لغير ذي محرم أربعة أثواب: درع «2» و خمار «3» و جلباب «4» و إزار «5» (انتهى).

وجه التأييد أو الدلالة ان ظاهر هذه الرواية انّ المرأة تحتاج إلى أربعة أثواب:

(فالدرع): ما يستر من المنكب الى القدمين.

______________________________

(1) سورة النور، الآية: 60.

(2) درع المرأة قميصها (مجمع البحرين).

(3) قوله تعالى وَ لْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ الى مقانعهنّ جمع خمار و هي المقنعة سميت بذلك لأن الرأس يخمّر بها أي يغطى و كلّ شي ء غطيته فقد خمرته (مجمع البحرين).

(4) قوله تعالى يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ

مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ، الجلابيب جمع جلباب و هو ثوب واسع أوسع من الخمار و دون الرداء تلويه المرأة على رأسها و تبقى منه ما ترسلها على صدرها، و قيل: الجلباب الملحفة و كلّ ما يستتر به من كساء أو غيره، (مجمع البحرين).

(5) و في كلام البعض من أهل اللغة: الإزار بالكسر ثوب شامل لجميع البدن (مجمع البحرين).

________________________________________

بروجردى، آقا حسين طباطبايى، تقرير بحث السيد البروجردي، 2 جلد، دفتر انتشارات اسلامى وابسته به جامعه مدرسين حوزه علميه قم، قم - ايران، اول، 1416 ه ق

تقرير بحث السيد البروجردي؛ ج 1، ص: 64

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 64

(و الخمار): ما يستر الرأس و الشعر و العنق و الأذنين و ما حاذاهما.

(و الجلباب): ما يلفّ على الرأس.

(و الإزار): ما يستر من الرأس إلى القدم.

و بضميمة الآية المتقدمة، و هي قوله تعالى يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ، يثبت ان هذه الأثواب الأربعة تستر جميع بدنها و هو الموافق لكونها عورة كما تقدم.

هذا كلّه مضافا الى ارتكاز ذلك بين المسلمين بحيث يرى مستنكرا عندهم.

و لعله لذا لم يرد في خصوص وجوب ستر الوجه و حرمة كشفه من الأصحاب و الأئمة عليهم السلام سؤالا و جوابا، فان بناء الأصحاب في نوع الاحكام على السؤال عمّا لا يدل عليه ظاهر القرآن الكريم أو اختلف فيه العامة.

و الاستدلال على جواز الكشف بسيرة المسلمين في صدر الإسلام ناش من عدم التتبع في أحوالهم قبل نزول آية الحجاب أو بعده.

فإن آية الحجاب قد نزلت في مقارب السنة الثامنة من الهجرة و لم يعلم كون حالهم بعد نزولها كحالهم قبل نزولها.

بل في بعض ما يدلّ على كمال احتجابهم، كما عن أم سلمة زوجة النبي صلى اللّٰه عليه

و آله انها كانت عنده صلى اللّٰه عليه و آله حفصة و ميمونة، فدخل ابن أم مكتوم و كان اعمى فأمرهما صلى اللّٰه عليه و آله بالاحتجاب، فقالتا: إنّه أعمى، فقال: أ فعمياوان أنتما؟ أ لستما

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 65

تبصرانه؟ قالت أمّ سلمة: ان هذا كان بعد نزول آية الحجاب «1».

و يؤيد ما ذكرنا أيضا الأخبار الدالة على انه لا ينبغي للمرأة ان تنكشف عند اليهودية و النصرانية معللا ذلك بأنهنّ يصفن لأزواجهن «2» فإنها مشعرة بأنّ إطلاق الرجال على عورات النساء قبيح فاللازم تسترها حذرا من ذلك.

هذا كلّه في الوجه و الكفين أو القدمين أيضا على وجه.

و اما وجوب ستر ما عداها فهو من المسلمات بين جميع فرق الإسلام

و المسلمين بل هو من ضروريات الإسلام بحيث يعدّ من تفوّه بجوازه خارجا عمّا جاء به النبي صلى اللّٰه عليه و آله و معارضا له صلى اللّٰه عليه و آله في أصل الرسالة.

فما تعارف في زماننا هذا «3» من التكشّف بحيث يرى العضد و الساق و الصدر بل و الفخذ من المرأة بمرأى و منظر من الناس، فهو خارج عن العمل بقانون الإسلام، أعاذنا اللّٰه من تسويلات الشيطان من الانس و الجان.

و اما الأمر الثاني: و هو عدم جواز النظر الى وجه الأجنبية مطلقا

سواء كان مع الريبة و عدمها، فالأخبار الدالّة عليه كثيرة جدا «4» حتى

______________________________

(1) الوسائل باب 119 حديث 14 من أبواب مقدمات النكاح، الى قوله: تبصرانه، ج 14 ص 172.

(2) الوسائل باب 98 من أبواب مقدمات النكاح ج 14 ص 132.

(3) و هو من سنة 1314 من الهجرة الشمسية إلى سنة 1357 منها طلوع حكومة الجمهورية الإسلامية.

(4) الوسائل باب 104 الى باب 113 من أبواب مقدمات النكاح ج 14 ص 138 الى 149.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 66

ورد انّه زنا العين حتى لو قيل بعدم وجوب ستر المرأة وجهها فهو لا ينافي القول بحرمة النظر، فإنه لا ملازمة بينهما كما في الرجال حيث لا يجب عليهم التستّر مع حرمة النظر عليهنّ الى أبدانهم.

و هل الوجه على تقدير جواز الكشف و النظر هو الوجه الواجب غسله في الوضوء

أم موكول الى العرف؟ وجهان، بل قولان.

(الثالثة): في وجوب الستر على الرجل بمعنى كونه شرطا لصحة الصلاة

دون الوجوب التكليفي لو لم يكن هناك ناظر محترم.

و قبل بيان مقدار الستر لا بدّ من بيان الفرق بين الستر التكليفي و الستر الصلاتي، و هو من وجوه:

(الأوّل): كفاية الأوّل و سقوط التكليف بكلّ ما يحصل به الستر و لو بالحشيش أو الورق أو الطين بخلاف الثاني، فإنه لا يكفى ذلك الّا اضطرارا.

(الثاني): كفاية الأوّل بأيّ وجه حفظ ما يجب ستره عن الناظر و لو لم يلاصق الساتر البدن فان المقصود محفوظيته من الناظر- كما سيأتي إن شاء اللّٰه- بخلاف الثاني لاشتراط صدق اللباس.

(الثالث): عدم وجوب الأوّل الّا مع العلم بوجود الناظر المحترم أو الظن أو كان معرضا لذلك، بخلاف الثاني، فإنه يجب و لو كان قاطعا بعدم وجوده.

و لا اشكال بل لا خلاف بين المسلمين في وجوب ستر العورتين القبل و الدبر للصلاة إلّا عن بعض العامة، ذاهبا إلى انه حكم تكليفي لا شرط لصحة الصلاة.

و هو محجوج بالإجماع على خلافه فلا تحتاج المسألة الى مزيد

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 67

استدلال.

و يؤيّده أيضا بل يدل عليه الاخبار الواردة في صلاة العاري الذي سيأتي إن شاء اللّٰه تعالى حكمه.

و لا يجب على الرجل ستر ما عداهما على المشهور بين الخاصة خلافا للمشهور بين العامة و النادر من الخاصة حيث ذهبوا الى وجوب ستر ما بين السّرة و الركبة، بل عن أبي حنيفة- في أحد قوليه- وجوب ستر السرّة و الركبة أيضا، و لا دليل على المدّعى.

(الرابعة): في وجوب الستر على المرأة في حال الصلاة،
اشارة

فيجب عليها ستر جميع بدنها الّا ما استثنى و هو شرط في صحة صلاتها أيضا و هو متفق عليه أيضا بين المسلمين لاتفاقهم على انّ المرأة عورة و العورة يجب سترها.

مضافا الى الأخبار الواردة في أن

المرأة تصلى في ثوبين: درع و خمار.

فروى محمد بن يعقوب الكليني، عن محمد بن يحيى، عن احمد بن محمد، عن على بن الحكم، عن العلاء بن رزين، عن محمد بن مسلم قال: رأيت أبا جعفر عليه السلام يصلى في إزار واحد و ليس بواسع قد عقده على عنقه، فقلت له: ما ترى للرجل يصلى في قميص واحد؟

فقال: إذا كان كثيفا فلا بأس، و المرأة تصلى في الدرع و الضفة «1» إذا كان (الدرع، خ ل) كثيفا يعني إذا

______________________________

(1) الضفة الفعلة الواحدة منه (الى ان قال): و ضفة النهر و يكسر، جانبه، و ضفتا الوادي أو الحيزوم و يكسر جانباه، و ضفة البحر ساحله (القاموس) و كان المراد هنا ثوب له جانبان فقط المعبر عنه في الفارسية ب (جلزقه) و اللّٰه العالم.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 68

كان ستيرا «1».

و عنه، عن أحمد، عن الحسين بن سعيد، عن عثمان بن عيسى عن ابن مسكان، عن ابن أبي يعفور، قال: قال أبو عبد اللّٰه عليه السلام:

تصلي المرأة في ثلاثة أثواب: إزار و درع و خمار، و لا يضرها بان تقنع بالخمار، فان لم تجد فثوبين تتّزر بأحدهما و تقنع بالآخر، قلت: فان كان درع و ملحفة ليس عليها مقنعة؟ فقال: لا بأس إذا تقنعت بملحفة فان لم تكفها تلبسها طولا «2» و روى الشيخ بإسناده، عن حسين بن سعيد، عن ابن أبي عمير عن عمر بن أذينة، عن زرارة قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عن اذنى ما تصلى فيه المرأة؟ قال: درع و ملحفة تنشرها على رأسها و تجلّل بها «3».

و عنه، عن صفوان، عن عبد الرحمن بن الحجاج، عن أبي الحسن عليه السلام:

قال: ليس على الإماء ان تتقنعن في الصلاة و لا ينبغي للمرأة أن تصلى في ثوبين «4».

و عنه، عن ابن أبى عمير، عن جميل بن دراج، قال: سألت أبا عبد اللّٰه عليه السلام عن المرأة تصلّي في درع و خمار؟ فقال: يكون عليها ملحفة تضمها عليها «5».

______________________________

(1) أورد صدره في الوسائل باب 22 حديث 1، و ذيله في باب 28 حديث 7 من أبواب لباس المصلى ج 3 ص 282- 294.

(2) الوسائل باب 28 حديث 8 من أبواب لباس المصلى ج 3 ص 295

(3) الوسائل باب 28 حديث 9، منها.

(4) الوسائل باب 28 حديث 10، منها.

(5) الوسائل باب 28 حديث 11، منها.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 69

و روى الصدوق رحمه اللّٰه بإسناده، عن يونس بن يعقوب، انه سأل أبا عبد اللّٰه عليه السلام عن الرجل يصلّى في ثوب واحد؟ قال:

نعم، قال: قلت: فالمرأة؟ قال: لا، و لا يصلح للحرّة إذا حاضت الّا الخمار الّا ان لا تجده «1» و غيرها من الأخبار.

ثم لا يخفى انه لو لا الإجماع على اشتراط ستر بدنها لا دلالة لهذه الاخبار على ذلك، لا غاية ما تدل هي عليه، صحة الصلاة إذا كان لها ثوبان، و اما الاشتراط فلا.

مواضع الاستثناء من وجوب الستر
(الأوّل): الوجه،

و لا خلاف بين أحد من فقهاء الإسلام في استثنائه إلّا عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن هشام «2» فأوجب سترها.

و هو مردود بل يستحب كشفها وجهها و يدلّ عليه ما رواه الشيخ رحمه اللّٰه بإسناده، عن الحسين بن سعيد، عن الحسن، عن زرعة، عن

______________________________

(1) الوسائل باب 28 حديث 4 من أبواب لباس المصلي ج 3 ص 294.

(2) أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحرث بن هشام

بن المغيرة المخزومي قيل: ان اسمه محمد و الأصح ان اسمه كنيته، روى عن أبيه و عمار بن ياسر البدري و ابن مطيع، و روى عنه الحكم بن عتيبة و الزهري و عمر بن دينار، و كان اعمى استصغر يوم الجمل فرد من جيش البصرة مات 94 بالمدينة، شذرات الذهب ج 1 ص 104، و تذكرة الخواص ج 1 ص 59، و مرآة الجنان ج 1 ص 189.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 70

سماعة، قال: سألته عن المرأة تصلّى و هي متنقبة؟ قال: إذا كشفت عن موضع السجود فلا بأس به، و ان تسفرت فهو أفضل «1».

نعم لو كان هناك ناظر محترم، فالظاهر عدم جواز الكشف، لكن لو عصت صحت صلاتها و ان كانت قد أعانت على الإثم على القول بعدم وجوب سترها وجهها.

و هل المراد من الوجه، الوجه الوضوئى أو هو موكول الى العرف أو هو مشكوك فيرجع الى القواعد الأخر من البراءة أو الاشتغال؟ وجوه.

(من) تحديد الشرع الوجه بما دار عليه الإبهام و الوسطى كما في صحيحة زرارة «2» و المفروض استثناء الوجه بلسان الشرع فيحمل عليه.

و (من) عدم الملازمة بينهما، مضافا الى عدم ورود صحيحة زرارة المشار إليها في مقام بيان حد الوجه، بل لما كان في زمن الباقر أو الصادق عليهما السلام بين المخالفين اختلاف في المراد من الوجه الذي أمر اللّٰه ان يغسل في الوضوء و كان المشهور بينهم انه من وتد «3» إحدى الأذنين إلى وتد الأخرى بل عن بعضهم دخول نفس الأذنين أيضا في الوجه، بيّن عليه السلام ان ما هو الواجب غسله ليس خارجا عما دار عليه الإبهام و الواسطي فالصحيحة واردة في بيان نفى ما

راموه لا في مقام بيان معنى الوجه بقول مطلق، فليس لها إطلاق في مقام بيان أصل الوجه كي يتفرع ترتب الآثار المترتبة عليه في سائر الموارد مثل

______________________________

(1) الوسائل باب 35 ذيل حديث 6 من أبواب لباس المصلى ج 3 ص 307.

(2) الوسائل باب 17 حديث 1 من أبواب الوضوء ج 1 ص 283.

(3) الوتدان في الأذنين اللذان في باطنهما كأنه و قد قاله الجوهري (مجمع البحرين).

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 71

الشجاج الواردة على الوجه في باب الديات مثلا، فاللازم الرجوع الى الأدلّة.

فنقول: ليس في نوع الأخبار الدالة على ستر المرأة استثناء الوجه بل لما كان السؤال عن ان المرأة تصلّى في كم ثوبا، فأجابوا عليهم السلام بأنّها تصلّى في ثوبين درع و خمار، و الدرع و ان كان يستعمل فيما يلبسه الرجال في الحروب الّا انه إذا نسب إلى المرأة يكون بمعنى القميص، و هو ثوب يستر من المنكب الى القدمين، و الخمار و المقنعة ما يستر الرأس و لازم ذلك مكشوفية الوجه.

و لكن لما لم يكن مقدار ساترية الخمار معلوما بل هو مختص بالشعر أو به و بالصدغين و الأذنين، فلا جرم يشكّ في شرطية ستر ما عدا الوجه الوضوئى.

و القاعدة في الشك فيها- و ان كانت هي البراءة عقلا و نقلا كما هو التحقيق- الّا انه لما كانت الشبهة موضوعيّة و هي تحتاج الى تتبع تام في إحراز مقدار ساترية الخمار في ذلك الزمان و لم نتفحص كما هو حقه كان الاحتياط هو المتعيّن.

نعم قد يقال: بدلالة ما رواه الصدوق رحمه اللّٰه بإسناده، عن الفضيل، عن أبى جعفر عليه السلام قال: صلّت فاطمة عليها السلام في درع و خمارها على

رأسها ليس عليها أكثر ممّا وارت به شعرها و أذنيها «1»، على جواز «2» كشف الصدغين، بل و العنق أيضا على وجه.

______________________________

(1) الوسائل باب 28 حديث 1 من أبواب لباس المصلّى.

(2) متعلّق بقوله قدّس سره: (بدلالة).

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 72

و فيه ان الظاهر انه عليه السلام في مقام بيان عدم وجوب أكثر من ثوبين لا في مقام بيان جواز مكشوفيّة وجهها.

و بعبارة أخرى: ليس عليه السلام في مقام بيان ما يجب ستره و ما لا يجب كي يتمسك بها بالنسبة إلى ما لا تسمية فيها هنا.

مضافا الى عدم كون طريق «1» الصدوق رحمه اللّٰه الى الفضيل صحيحا و كونه مشتركا بين الثقة و غيره، و عدم ثبوت كونه فضيل بن يسار «2».

هذا كلّه في الوجه، و اما الشعر فالظاهر وجوب ستره أيضا عليها لظاهر الروايات الدالة على ان المرأة تصلّى في درع و خمار و المفروض ان الخمار يستر الشعر بحسب المتعارف.

نعم في الشعر الزائد المرخي إلى الأسفل تأمل و الأحوط ستره لعدم إحراز مقدار الخمار في ذلك الزمان كي يتمسك بالبراءة في الزائد كما مرّ في الوجه.

(و اما التمسّك) لعدم وجوب ستر الشعر أصلا برواية محمد بن مسلم المتقدّمة عن أبي جعفر عليه السلام قال: المرأة تصلى في الدرع

______________________________

(1) طريق الصدوق الى الفضيل كما في المشيخة هكذا: و ما كان فيه عن الفضيل بن يسار فقد رويته، عن محمد بن موسى بن المتوكل رضى اللّٰه عنه، عن على بن الحسين السعدآبادي، عن احمد بن أبي عبد اللّٰه البرقي، عن أبيه عن ابن أبي عمير عن عمر بن أذينة عن الفضيل بن يسار.

(2) لاحتمال كونه الفضيل بن الزبير الأسدي أو الفضيل

بن شريح فإنها أيضا من أصحاب الباقر عليه السلام، راجع تنقيح المقال ج 2 ص 13- 14 من باب الفاء.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 73

و المقنعة إذا كان الدرع كثيفا حيث قيّد عليه السلام الدرع بكونه ستيرا.

(فمدفوع): بأنها و ان كانت كذلك على رواية الكليني رحمه اللّٰه الّا انها على رواية الصدوق في الفقيه كلمة (الدرع) بعد قوله عليه السلام: (إذا كان) ليست بموجودة فيحمل إرجاع الضمير الى كليهما بتقدير (ما ذكر) «1» مثلا، و هو شائع في استعمال القرآن الكريم و أشعار العرب.

هذا مضافا الى استلزام ذلك عدم اشتراط ستر بشره أيضا في اللاتي ليست على رءوسهنّ شعور، مع ان القائل غير ملتزم بذلك.

و مضافا الى احتمال كون المتعارف قسمين، ستر و غير ستر، بخلاف الخمار و المقنعة لاحتمال كونها سترا بحسبه فلذا قيّد عليه السلام في الأوّل دون الثاني.

(الثاني): من المواضع المستثناة: الكفان

و هو قول العامّة أيضا الّا من احمد بن حنبل و داود الظاهري.

و اما الخاصّة فهو المشهور بينهم بل ادعى الإجماع إلى زمن صاحب الحدائق رحمه اللّٰه و يدل عليه أيضا الأخبار الدالة على ان المرأة تصلّى في درع و خمار حيث ان المتعارف خروج الكفين عن الدرع.

مضافا الى انهن يحتجن في مقام رفع الاحتياجات الى بروز اليدين.

و ما استند اليه صاحب الحدائق على وجوب ستر الكفين من كون المتعارف في زماننا كون الأكمام واسعة بحيث تستر اليد أيضا، فممنوع بعدم الملازمة بين زماننا و زمان صدور الاخبار، و التمسّك بأصالة عدم

______________________________

(1) يعنى يقدّر لفظة (ما ذكر).

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 74

التغيير، مدفوع بانتقاضها بتمسّك من تقدم على صاحب الحدائق كابن إدريس و المحقّق و العلّامة و غيرهم بتلك

الروايات فيكشف من ذلك عدم صحة ما ادعاه صاحب الحدائق رحمه اللّٰه.

و مضافا الى استمرار ذلك بين المسلمين.

(الثالث): من المواضع المستثناة: القدمان،

أما العامّة فلا شهرة بينهم، بل هم على قولين، و اما الخاصّة فالاستثناء هو المشهور بينهم و لكن عن جماعة منهم الشيخ رحمه اللّٰه في المبسوط، التعبير في مقام الاستثناء بظهور (بظهر خ ل) القدمين، و عن الجواهر ان علّة ذلك التعبير كونه موردا للاحتياج فان الباطن مستور بالأرض.

و لا يبعد ذلك و ان كان يمكن ان يقال: بان التعبير بذلك لكون الباطن كان واجب الستر عندهم.

و عن العلّامة في التذكرة: ان القدمين ليستا بعورة فلا يجب سترهما، و ذلك لاحتياجهن الى إبرازهما عند المشي سيّما المتعارف في ذلك الزمان من كونهن حافيات.

و فيه ما لا يخفى، فالمناط وجود المخصّص بعد عموم كون بدنها عورة و المقتضى ما ورد من العمومات، و كيف كان فلا إشكال في استثناء ظهر القدمين، و اما باطنهما ففيه وجهان:

مسألة- 1-: ما ذكرنا من وجوب الستر بالنسبة إلى الرأس انما هو في الحرّة البالغة

و اما الأمة و الحرّة الغير البالغة فلا يجب عليهما ستر رأسهما كما أشير إليه في خبر يونس بن يعقوب بقوله عليه السلام:

لا يصلح للحرة إذا حاضت الّا الخمار، الى آخره، «1».

______________________________

(1) الوسائل باب 28 قطعة من حديث 4 من أبواب لباس المصلى و فيه: الّا ان لا تجده، ج 3 ص 295.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 75

و قوله عليه السلام في خبر أبي البختري، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن علي عليهم السلام قال: إذا حاضت الجارية فلا تصلى إلّا بخمار «1».

و عن النبي صلى اللّٰه عليه و آله: (ثمانية لا يقبل اللّٰه لهم صلاة- منهم- المرأة المدركة تصلّي بغير خمار) «2».

حيث انه عليه السلام قيّد في هذه الاخبار المرأة بكونها بالغة صريحا أو كناية بل و صرّح في جملة من الاخبار بعدم وجوب الستر على

الأمة مطلقا.

مسألة- 2-: هل يجب على المرأة ستر باطن فمها و أسنانها و باطن شفتيها

كما عن كشف الغطاء أم لا؟ الظاهر الثاني، لعدم الدليل عليه و انصراف الاخبار عن ذلك مضافا الى احتياجها عند القراءة الى فتح الفم.

مسألة- 3-: الظاهر عدم الدليل على وجوب ستر حجم العورة

في الرجل و المرأة.

مسألة- 4-: إذا لم يجد المصلى ثوبا يستر به عورتيه،
اشارة

فبعد القطع بعدم سقوط الصلاة عنه و وجوبها على العاري أيضا، فهل يجب عليه الصلاة عاريا قائما مطلقا أم جالسا مطلقا أم التفصيل بين وجود الناظر و عدمه، فعلى الأوّل جالسا و على الثاني قائما؟

ثم على التقادير هل يجب عليه الركوع و السجود كما في سائر الأوقات أم يومئ لهما؟

______________________________

(1) الوسائل باب 28 حديث 13 من أبواب لباس المصلى ج 3 ص 294.

(2) الوسائل باب 28 حديث 6 من أبواب لباس المصلى ج 3 ص 294.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 76

فهنا مقامان
(الأوّل) في تعيين وظيفة العاري من حيث القيام و القعود.
اشارة

(الثاني) في تعيينها من حيث الإيماء و عدمه.

فنقول- بعون اللّٰه-: اما الأوّل فمنشأ الاختلاف، اختلاف

الأخبار و هي على طوائف ثلاثة:
(الأولى): ما يدل على لزوم القيام مطلقا،

مثل ما رواه الشيخ رحمه اللّٰه بإسناده عن محمد بن على بن محبوب، عن العمركي البوفكي عن على بن جعفر، عن أخيه موسى عليه السلام، قال: سألته عن الرجل قطع عليه أو غرق متاعه فبقي عريانا و حضرت الصلاة كيف يصلّى؟ قال:

ان أصاب حشيشا يستر به عورته أتمّ الصلاة بالركوع و السجود، و ان لم يصب شيئا أومأ و هو قائم «1».

و بإسناده، عن احمد بن محمد، عن الحسن بن محبوب، عن عبد اللّٰه بن سنان، قال: أبو عبد اللّٰه عليه السلام عن رجل ليس معه الّا سراويل «2» قال يخل التكة منه فيطرحها على عاتقه و يصلّى و قال:

______________________________

(1) الوسائل باب 56 حديث 1 من أبواب لباس المصلى ج 3 ص 326.

(2) أقول: في الاستدلال بها على لزوم القيام على العاري نظر واضح، إذ لم يفرض فيها ان المصلّى عار، بل فرض انه لم يكن له غير السراويل، (و توهّم) ان قوله عليه السلام: و لم يكن معه ثوب عام شامل لنفى جميع الثياب حتى ما هو ساتر للعورة (مدفوع) بأنه عليه السلام في مقام بيان ما يجعل على العاتق، و لذا قال عليه السلام: يخلّ التكة (بند شلوار) فيطرحها على عاتقه فاستدرك عليه السلام حينئذ بعدم الحاجة الى التكة ان كان معه سيف في غير الفرض الذي هو فرض وجود السراويل الذي يستر به عورته، فتأمل جيدا، (على پناه).

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 77

و ان كان معه سيف و ليس معه ثوب فليتقلّد السيف و يصلّى قائما «1».

و بإسناده عن الحسين بن عبد اللّٰه، عن

أحمد بن محمد، عن أبيه عن محمد بن على بن محبوب، عن الحسين، عن الحسن، عن زرعة، عن سماعة، قال: سألته عن رجل يكون في فلاة من الأرض فأجنب و ليس معه الّا ثوب فأجنب فيه و ليس يجد الماء، قال: يتيمّم و يصلّى عريانا قائما يومئ إيماء «2».

(الثانية): ما يدلّ على وجوب الجلوس مطلقا،

مثل ما رواه الكليني عن على بن إبراهيم، عن أبيه، عن حماد بن عيسى، عن حريز بن عبد اللّٰه عن زرارة، قال: قلت لأبي جعفر عليه السلام: رجل خرج من سفينة عريانا أو سلب ثيابه و لم يجد شيئا يصلى فيه؟

فقال: يصلّى إيماء و ان كانت امرأة جعلت يدها على فرجها و ان كان رجلا وضع يده على سوأته، ثم يجلسان فيومئان إيماء و لا يسجدان و لا يركعان فيبدو ما خلفهما تكون صلاتهما إيماء برؤسهما، قال: و ان كانا في ماء أو بحر لجّي لم يسجدا عليه و موضوع عنهما التوجّه فيه يوميان في ذلك إيماء، رفعهما توجه و وضعهما توجه «3».

______________________________

(1) الوسائل باب 53 حديث 2 من أبواب لباس المصلى ج 3 ص 329.

(2) الوسائل باب 46، حديث 1، من أبواب النجاسات ج 2 ص 1068.

(3) الوسائل باب 50 حديث 6، من أبواب لباس المصلّى ج 3 ص 327.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 78

و ما رواه الشيخ رحمه اللّٰه بإسناده عن الحسين بن سعيد، عن النصر بن سويد، عن عبد اللّٰه بن سنان، عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام قال: سألته عن قوم صلّوا جماعة و هم عراة؟ قال: يتقدمهم الامام بركبتيه يصلى بهم جلوسا و هو جالس «1».

و عن الحميري- في قرب الاسناد- عن سندي محمد، عن أبي البختري، عن جعفر

بن محمد، عن أبيه عليهما السلام، انه قال: من غرقت ثيابه فلا ينبغي ان يصلى حتى يخاف ذهاب الوقت يبتغى ثيابا فان لم يجد صلى عريانا جالسا يومئ إيماء يجعل سجوده اخفض من ركوعه، الحديث «2».

و ما رواه الشيخ بإسناده، عن الحسين بن سعيد، عن محمد بن الحسين، عن عبد اللّٰه بن جبلة، عن إسحاق بن عمّار، قال: قلت لأبي عبد اللّٰه عليه السلام: قوم قطع عليهم الطريق و أخذ ثيابهم فبقوا عريانا و حضرت الصلاة، فكيف يصنعون؟ فقال: يتقدمهم امامهم فيجلس و يجلسون خلفه فيومئ إيماء بالركوع و السجود و هم يركعون و يسجدون على وجوههم «3».

و رواية سماعة- على نقل الكليني رحمه اللّٰه.

و ما رواه الشيخ رحمه اللّٰه أيضا بإسناده عن محمد بن يحيى، عن محمد بن عبد الحميد، عن سيف بن عميرة، عن منصور بن حازم، عن محمد ابن على الحلبي، عن أبى عبد اللّٰه عليه السلام في رجل أصابته جنابة

______________________________

(1) الوسائل باب 51 حديث 1 من أبواب لباس المصلى ج 3 ص 328.

(2) الوسائل باب 52 حديث 1 من أبواب لباس المصلى ج 3 ص 328.

(3) الوسائل باب 51 حديث 1 من أبواب لباس المصلى ج 3 ص 328.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 79

و هو بالفلاة و ليس عليه الّا ثوب واحد و اصابه (ب خ) ثوبه منى؟ قال:

يتيمّم و يطرح ثوبه فيجلس مجتمعا فيصلى و يومى إيماء «1».

و دلالة رواية (جماعة العراة) «2» على هذا القسم بعد القطع بعدم الفرق بين المنفرد و غيره في هذا الفرض، كما انّه لا فرق في هذا الحكم بين الامام و المأموم.

(الثالثة): ما يدل على التفصيل بين وجود الناظر و عدمه،

مثل ما رواه الشيخ رحمه اللّٰه، عن محمد بن

على بن محبوب، عن يعقوب بن يزيد، عن ابن أبي عمير، عن ابن مسكان، عن بعض أصحابه، عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام في الرجل يخرج عدوانا فتدركه الصلاة؟ قال: يصلّى عريانا قائما ان لم يره أحد، فإن رآه أحد صلّى جالسا «3».

و عن البرقي، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن محمد بن أبي حمزة، عن عبد اللّٰه بن مسكان، عن أبي جعفر عليه السلام، في رجل عريان ليس معه ثوب؟ قال: ان كان حيث لا يراه أحد فليصلّ قائما «4».

و مثل مرسلة ابن مسكان، ما عن نوادر الراوندي، على ما في المستدرك «5».

هذا بحسب الأخبار، و اما الأقوال، فعن السيد المرتضى رحمه اللّٰه وجوب القيام مطلقا و تبعه ابن إدريس- على ما هو ببالي- «6».

______________________________

(1) الوسائل باب 46 حديث 4 من أبواب لباس المصلى ج 2 ص 1068.

(2) إشارة إلى رواية عبد اللّٰه بن سنان المتقدمة، باب 52 حديث 1.

(3) الوسائل باب 50 حديث 1 من أبواب لباس المصلّى ج 3 ص 326.

(4) الوسائل باب 50 حديث 7 من أبواب لباس المصلى ج 3 ص 327.

(5) المستدرك ج 1 ص 205 باب 34 حديث 1 من أبواب لباس المصلى.

(6) يحتمل كون الترديد من الأستاذ الأعظم «ره» و ان يكون منى في مقام التقرير.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 80

و لكن المشهور هو التفصيل، و استدلّ المحقّق في المعتبر للسيّد رحمه اللّٰه برواية زرارة «1».

و اما العامّة: فعن الشافعي و مالك وجوب القيام مطلقا، و عن احمد بن حنبل و ابن حنيفة وجوب القعود، و عن ابن جريح، التخيير على ما في المعتبر.

و الحقّ قول المشهور للرواية المفصلة بين ان يراه أحد، و

بين ان لم يره أحد، و هي و ان كانت مرسلة الّا ان المرسل لما كان عبد اللّٰه ابن مسكان، و هو من أجلّاء الطائفة المحقّة، و من الجماعة الذين صرّح الكشي بإجماع الطائفة على تصحيح ما يصح عن جماعة، مع كون العمل بها مشهورا بين الإمامية، الموجب لجبران ضعف سندها، لا مانع من العمل على طبقها، و حمل روايات القيام على عدم وجود الناظر المحترم و القعود على وجوده.

و استند الشافعي، و مالك على ما في المعتبر بقول النبي صلّى اللّٰه عليه و آله: صلّ قائما فان لم تستطع فجالسا «2».

و احمد الى ما روى، عن عبد اللّٰه بن عمر انّ قوما انكسرت سفينتهم فخرجوا عراة؟ قال: يصلّون جلوسا يؤمنون إيماء «3» و لم يخالفه أحد من الصحابة.

و الأوّل مردود بما روى عن الأئمة الأطهار عليهم السلام.

______________________________

(1) راجع الوسائل باب 50 حديث 6 من أبواب لباس المصلى ج 3 ص 327.

(2) صحيح البخاري ج 1 باب إذا لم يطق قاعدا الى آخره، ج 1 ص 171 من كتاب الصلاة طبع بمبئى و تمامه: فان لم تستطع فعلى جنب.

(3) لم نعثر عليها

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 81

و الثاني: بما في المعتبر بعدم حجيّة قول الصحابي في فتواه و مجرد عدم إنكار الباقين لا يثبت الإجماع، و لو سلّمناه، فسكوت الباقين غير حجّة لاحتمال عدم الرضا.

و جواب علم الهدى و من تبعه يعرف بما نقلناه من مرسلة ابن مسكان المفصلة المعمول بها لدى المشهور كما قلناه.

و بالجملة، الأمر دائر بين مراعاة أحد الشرطين في صورة وجود الناظر المحترم:

(امّا) الستر بأن يجلس ليستر دبره بالأليين و قبله بالفخذين.

و (اما) القيام و عدم الستر كذلك، و

بعد تحكيم مرسلة ابن مسكان على الطائفتين المذكورتين من الأخبار، يعرف ان المناط محفوظية عورتيه خصوصا القبل لمستورية الدبر حال القيام بالأليتين أيضا.

و هل يراعى في هذه الصورة مع مراعاة محفوظية العورة عن الناظر، شرطية الستر للصلاة أيضا أم لا؟ وجهان.

و لكن يمكن ان يستفاد من الأمر بالقيام عند عدم وجوب الناظر عدم مراعاة الشرطية حينئذ، و لكنه أيضا لا يدل عليه، لإمكان الاكتفاء في صورة القيام بمستورية الدبر بالأليين، و القبل بالفخذين.

فتأمل كما سيجي ء ان شاء اللّٰه تعالى ان الستر ببعض أجزاء البدن من مراتب الستر الصلاتي كما هو أحد الأقوال الآتية في ذلك هذا كلّه في المقام الأوّل.

و اما المقام الثاني: و هو كفاية الإيماء و عدمها،
اشارة

فظاهر رواية عبد اللّٰه بن سنان في مسألة تقلّد السيف «1»

______________________________

(1) الوسائل باب 50 حديث 4 من أبواب لباس المصلى ج 3 ص 327.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 82

و في جماعة العراة «1»، و رواية إسحاق بن عمّار «2» بالنسبة إلى المأمومين، و مرسلة أيّوب بن نوح «3» و ظاهر مرسلة ابن مسكان «4» هو الركوع و السجود على النحو المتعارف.

و صريح صحيحة على بن جعفر «5» و رواية سماعة «6»، و رواية زرارة «7» و رواية أبي البختري «8» و رواية إسحاق بن عمار بالنسبة الى الامام «9» و رواية محمد بن على الحلبي «10»، هو وجوب الإيماء و لكن عبد اللّٰه بن سنان «11» و مرسلة ابن مسكان ليستا في مقام البيان من هذه الحيثية و رواية أيوب بن نوح، مرسلة مضافا الى إبهام الواسطة من أيوب بن نوح و أبي عبد اللّٰه عليه السلام.

فيبقى المعارضة بين صحيحة على بن جعفر و رواية إسحاق بن

______________________________

(1) الوسائل باب 51 حديث 1

من أبواب لباس المصلى ج 3 ص 327.

(2) المصدر، الحديث 2.

(3) الوسائل باب 50 حديث 2 من أبواب لباس المصلى ج 3 ص 327.

(4) المصدر، حديث 3.

(5) المصدر، الحديث 1.

(6) الوسائل باب 36 حديث 1 من أبواب النجاسات ج 2 ص 1068.

(7) الوسائل باب 50 حديث 6 من أبواب لباس المصلى ج 3 ص 327.

(8) الوسائل باب 52 حديث 1 من أبواب لباس المصلى ج 3 ص 328.

(9) الوسائل باب 51 حديث 2 من أبواب لباس المصلى ج 3 ص 328.

(10) الوسائل باب 46 حديث 4 من أبواب النجاسات ج 2 ص 1069.

(11) و ليعلم ان ذكر هذه الروايات لما كان مكررا لم نتكرّر محل ذكرها فراجع ما بيّناه سابقا.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 83

عمار، و الثانية، و ان قال المحقق في المعتبر انها حسنة إلّا أن الاولى صحيحة مضافا الى شهرتها و تأيّدها بسائر الروايات كرواية زرارة و رواية أبي البختري و رواية سماعة بالنسبة إلى المأمومين فهي مقدمة على الثانية من هذه الوجوه.

فالأقوى هو القول بوجوب الإيماء مطلقا، سواء كان قائما كما عند وجود الناظر أم قاعدا كما عند عدمه.

(ان قلت): رواية سماعة دالة على وجوب الركوع و السجود بالنسبة الى الامام، و رواية (صحيحة، خ ل) على بن جعفر مطلقة، فيمكن القول بالتفصيل بين المنفرد و المؤتم.

(قلت): لا شبهة في ان العرف لا يفرّق بينهما، فان وصف المأموميّة ليس له خصوصيّة توجب الركوع و السجود، و كذا خصوصية الانفراد ليس له خصوصيّة توجب الإيماء، (فإمّا) يجب الإيماء مطلقا أو الركوع و السجود مطلقا، و حيث ان رواية الإيماء أصحّ سندا و أشهر عملا كانت متيقّنة في مقام الترجيح، و لعلّه

لذا قال بعض الأفاضل من المتأخرين: بأن القول بوجوب الركوع و السجود مطلقا خلاف الإجماع و التفصيل بين المنفرد و المأموم غير ممكن.

(ان قلت): رواية زرارة تدلّ على وجوب القيام للقراءة و عدم وجوبه مطلقا لا للركوع و لا للسجود.

و أيضا ظاهرها وجوب وضع اليد على عورته رجلا كان المصلّى أو امرأة.

(قلت): الظاهر منها بعد تخلية الذهن عن الأمور الموجبة لانحراف الفهم انه عليه السلام أمر بوجوب الجلوس، و الإيماء للركوع

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 84

و السجود، و الصلاة إيماء كانت معهودة بين المسلمين في الموارد العديدة مثل حال الغرق، و الجهاد، و عدم وجدان الساتر فلا يحتاج الى التقييد بقوله: (يومئ في ركوعه و سجوده).

و حيث كان مفتى العراق في زمان زرارة «1» أبا حنيفة و كان زرارة أيضا عراقيا و اشتهر فتوى أبي حنيفة بين أهل العراق، أراد زرارة من سؤاله هذا من المعصوم عليه السلام تحصيل الحكم الواقعي فأجاب عليه السلام بما أجاب عليه السلام.

و ليس فيها دلالة على وجوب القيام ثم الجلوس للركوع و السجود فان الظاهر ان قوله عليه السلام: يصلّى إيماء في صدر الرواية جواب إجمالي، و جوابه التفصيلي يعرف من قوله عليه السلام: نعم يجلسان و يوميان، الى آخره.

و اما قوله «2» عليه السلام: فان كان امرأة وضعت يدها على فرجها و ان كان رجلا وضع يده على سوأته، فيمكن ان يكون المراد ان وظيفة العاري بما هو هو، تصادف الناظر المحترم ذلك، لا بما هو مصلّ.

بقي هنا سؤالات
(الأوّل): ما الفرق بين الامام و المأموم في صلاة الجماعة؟

حيث

______________________________

(1) فإن زرارة مات سنة مائة و خمسين بعد وفاة أبي عبد اللّٰه الصادق «ع» بسنتين، تنقيح المقال ج 1 ص 439، و توفى أبو حنيفة سنة

150، و قبره ببغداد، في تبصرة خيزران (الكنى و الألقاب ج 1 ص 52).

(2) جواب لقول المستشكل: و أيضا ظاهرها وجوب وضع اليد، إلخ.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 85

أمر عليه السلام في رواية إسحاق بن عمّار الامام بالإيماء و المأموم بالركوع و السجود، مع ان المفروض أمنهم عن الناظر المحترم كما يعرف ذلك من امره عليه السلام بالركوع.

و قد يتوهّم- كما عن كشف اللثام للفاضل الهندي «1» رحمه اللّٰه- ان المراد من قوله عليه السلام: يركعون و يسجدون على وجوههم انهم يركعون و يسجدون على الوجه الذي أمروا بالركوع و السجود و هو الإيماء.

لكنّه مدفوع: بان مقابلة قوله عليه السلام: (فيومئ إيماء بالركوع و السجود) مع قوله عليه السلام: (و هم يركعون و يسجدون) ينادي بأعلى صوته بان الامام لما لم يكن مأمونا من الناظر- و لو كان هو المأموم- صار مأمورا بالإيماء، و هذا بخلاف المأموم لمأمونيتهم و لو عن وقوع نظر بعضهم الى بعض.

(و الإيراد) على أصل الإشكال بأنه اجتهاد في مقابلة النصّ لورود النصّ في بيان الفرق، (مدفوع): بانا لما استفدنا من النصّ كون وجوب الجلوس لأجل عدم الأمن و وجوب القيام لأجل الأمن من الناظر و علمنا بعدم الفرق من هذه الحيثيّة بين الامام و المأموم، فلا جرم يقع الإشكال في توجيه هذا النص فلا يكون الإيراد اجتهادا في مقابلة النص

______________________________

(1) هو الشيخ الأجلّ تاج المحقّقين و الفقهاء و فخر المداقين و العلماء بهاء الدين محمد بن الحسن بن محمد الأصبهاني وحيد عصره و أعجوبة دهره مروج الأحكام صاحب كشف اللثام عن قواعد الأحكام الذي حكى عن صاحب الجواهر رحمه اللّٰه انه كان له اعتماد عجيب فيه و

في فقه مؤلفه (الى ان قال): توفي في فتنة الافاغنة بأصبهان سنة 1137 و دفن بمقبرة تخت فولاد (انتهى موضع الحاجة، الكنى و الألقاب ج 3 ص 8).

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 86

بل هو نصّ في مقابل نصّ فكأنّ النصين متعارضان.

(السؤال الثاني): انه عليه السلام لم أمر في صحيحة على بن جعفر بوجوب القيام المفروض أمنه عن الناظر المحترم،

و أمر عليه السلام في رواية إسحاق بن عمّار بالجلوس مع ذلك الفرض المذكور و لو بقرينة أمره عليه السلام بالركوع و السجود الجلوسى فلو لا كونهم مأمونين ما أمر عليه السلام بهما قطعا لكون حفظ العورتين عن الناظر المحترم أهمّ من الركوع أو السجود الاختياري كما هو المستفاد من مرسلة ابن مسكان المتقدمة.

(السؤال الثالث): انه عليه السلام لم أمر بالإيماء في صحيحة على ابن جعفر مع كون المصلي مأمونا عن الناظر

و لو بقرينة امره بالقيام الذي هو وظيفة المأموم، و أمر عليه السلام في رواية إسحاق بن عمّار بالركوع و السجود مع كونهم غير مأمونين عن الناظر المحترم و لو بقرينة أمره عليه السلام بالجلوس.

و لا مدفع لهذه السؤالات إلّا طرح رواية إسحاق بن عمار لكونها غير معمول عليها بهذه الخصوصيات.

مضافا الى إمكان القدح في سندها «1» أيضا باعتبار ان الغالب كون الراوي عن عبد اللّٰه بن جبلة غير محمد بن الحسين و عدم معهودية

______________________________

(1) و سندها كما في التهذيب هكذا: الحسين بن سعيد، عن محمد بن الحسين، عن عبد اللّٰه بن جبلة، عن إسحاق بن عمّار- راجع الوسائل باب 51 حديث 2 من أبواب لباس المصلى ج 3 ص 328.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 87

العكس فيمكن ان يقال: بإرسالها بايهام الواسطة فتأمل «1».

و هذا بخلاف صحيحة على بن جعفر لقوّتها سندا و شهرتها بين الأصحاب و كونها معمولا بها عندهم بحيث لو لم تكن صحيحة أيضا لقدّمناها عليها.

فالأقوى: هو العمل بالصحيحة و الحكم بوجوب القيام عند الأمن عن الناظر المحترم، سواء كان منفردا أو مأموما أو اماما، و وجوب الجلوس عند عدم الأمن مطلقا، لو لم يكن ناظر في أحد الطرفين و لو كان في الطرف الآخر موجودا.

مسألة-: لا إشكال في ان للستر التكليفي مراتب:

الاولى: الستر باللباس.

الثانية:

الستر بالحشيش.

الثالثة: الستر بالطين و نحوه.

الرابعة: الستر ببعض أجزاء البدن، بمعنى ان التكليف ينتقل معينا عند عدم المتقدم إلى المتأخر و ان كان في ابتداء الأمر يكفي كلّ واحد من هذه المراتب اختيارا أيضا و عدم العقوبة على ترك أصل الستر و لا اشكال فيه.

انما الاشكال و الكلام في ان هذه المراتب هل هي ثابتة للستر الصلاتي أيضا كما هي كافية من حيث الحكم التكليفي، أم هو بين الأولين و الأخيرين، أم يسقط الستر بعد عدم وجود الأولين أو الثلاثة الأولى؟

وجوه أربعة.

______________________________

(1) يمكن ان يكون إشارة الى ان مجرد الغلبة في أمثال المقام لا ينافي إمكان الوقوع بالعكس، و اللّٰه العالم.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 88

التحقيق ان يقال: ان المستفاد من أدلة الستر في الموارد العديدة الجزئية هو وجوب الستر بعنوان انه ستر و بما هو هو لا بعنوان آخر، فاللازم عدم الفرق بين المراتب الأربع إلّا الرابعة فإنها غير كافية بخلاف الثلاثة الأولى.

نعم يمكن ان يقال: بعدم وجوب الثالثة أيضا بملاحظة استلزامها للحرج بسبب التكليف بطلى الطين و نحوه مع الاحتياج النوعي في غير وقت الصلاة الى غسل موضعه فيكون حرجا.

و ان كان عنوانا آخر غير عنوان الستر كالتزيّن باللباس مثلا كما قد يستفاد من قوله تعالى يٰا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ «1» حيث انه عبّر عن ستر العورة- كما فسّرها به المفسّرون- بالزينة، فاللازم سقوط الأخير عن الشرطية مطلقا.

فحيث انه لا يكون في الروايات الّا الدرع و القميص و الإزار و نحوها من الألبسة، و قد قلنا: انها لا تدل على اعتبار كون وجوبها بمقدار تستر العورة لو لا الإجماع على اعتبار ستر العورتين في الرجل و جميع

البدن في المرأة إلّا ما استثنى في المرأة و لا دليل هنا على اعتبار عنوان الستر بما هو هو.

يمكن «2» ان يقال: بعدم الترتيب بين الأوليين و سقوط المرتبة الثالثة للحرج و عدم ترتب ثمرة فقهيّة على الرابعة اختيار و لو قلنا: انها من مراتب الستر الصلاتي لأنها عند وجود غيرها من المراتب الأخر غير كافية و عند عدمها تكفى مطلقا، سواء قلنا في الصورتين الأوليين انهما من مراتب الستر أم لا.

______________________________

(1) الأعراف، 31.

(2) بمنزلة الجواب لقوله: فحيث المتضمّنة لمعنى (لمّا).

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 89

هنا فرعان
(الأوّل): لو وجد ساترا لا يكفي إلّا لإحدى العورتين،

فامّا ان تكون كافية لإحداهما معينة أو لا؟ فان كان الأوّل و كان كافيا لستر القبل، فمقتضى القاعدة على تقدير وجود الناظر الى الدبر، لزوم الصلاة جالسا إيماء، و على تقدير عدمه لزومها قائما إيماء سواء كان هناك ناظر في طرف الدبر أم لا لوجود الستر له بالفرض.

و اما لو كان لأحدهما الغير المعيّن بمعنى كفايته اما للدبر أو للقبل، ففي تقديم الأوّل أو الثاني أو التخيير وجوه، لا دليل يعتدّ به على إثبات أحدهما.

(الثاني): لو صلى عاريا مضطرا ثم وجد الساتر في أثناء الصلاة
اشارة

فاما ان يكون وجدان الساتر في آخر الوقت بحيث لو قطع صلاته و استأنفها لم يدركها في وقتها و لو بركعة، أو لا يكون كذلك.

و على الأوّل: اما ان نقول: ان الستر ببعض أجزاء البدن من مراتب الستر الصلاتي أو لا.

فان قلنا: بكون الستر ببعض الأجزاء (كما تقدم أنه المرتبة الرابعة) من مراتب الستر الصلاتي و كان وظيفته هو الجلوس أو القيام و كان قبله مستورا بالفخذين و دبره بالأليين و وجد الساتر في الأثناء فالظاهر صحة صلاته من غير فرق بين سعة الوقت و ضيقه إذا ستر عورته بلا فصل بعد التمكن منه و لم يحتج الى فعل المنافي.

لأنه «1» لم يكن فاقدا له في حال من أحوال الصلاة، نعم كان

______________________________

(1) تعليل لقوله: فالظاهر صحة صلاته.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 90

فاقدا للقيام و الركوع و السجود في بعض الصلاة و المفروض قيام القعود و الإيماء مقامهما في تلك الحالة.

و ان لم نقل بذلك أو كان وظيفته القيام و لم يمكن ستر القبل بالفخذين، ففي الصحة و لو مع بقاء الوقت أو التفصيل بين سعة الوقت و ضيقه بالصحة في الثاني مع سترها في بقية الصلاة و

البطلان في الأوّل اشكال.

نعم لو احتاج الستر الى فعل المنافي فلا يجوز في سعة الوقت بل يجب عليه الاستيناف و في الموارد المشكوكة هل مقتضى الأصل البراءة أو الاشتغال؟ التحقيق كما ثبت في محلّه، هو الأوّل.

لكن الكلام في انه هل ثبت في مسألة الستر عموم يتمسك به في الموارد المشكوكة أم لا؟ قد يقال: بدلالة رواية محمد بن مسلم المتقدمة حيث سئل الإمام عليه السلام فيها عن ان الرجل يصلّى في ثوب واحد؟

فقال: لا بأس إذا كان كثيفا اى ستيرا «1».

و كذا دلالة رواية على بن جعفر المتقدمة حيث سئل فيها أبا الحسن عليه السلام عن وظيفة العاري الذي غرق متاعه أو سلب متاعه فأجاب عليه السلام بأنّه ان لم يجد شيئا يستر به عورته، الى آخره «2» حيث عبّر فيها في مقام بيان المسألة بستر العورة الذي هو شرط صحة الصلاة.

لكن يرد على الأوّل أنها وردت لبيان حكم آخر للعلم بعدم

______________________________

(1) الوسائل باب 22 حديث 1 و باب 28 حديث 7 من أبواب لباس المصلى ج 3 ص 283، 294، نقل بالمعنى فراجع.

(2) الوسائل باب 50 حديث 1 من أبواب لباس المصلى ج 3 ص 326.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 91

اشتراط الصلاة بلبس الستر الواحد الذي هو القميص على ما هو القدر المتيقّن و هو ساتر بحسب المتعارف، من المنكب الى نصف الساق.

و يرد على الثاني: انها في مقام بيان حكم العاري الذي لا يجد شيئا يستر عورته.

بل يمكن ان يقال: بعدم دلالتها على اشتراط صحة الصلاة بالستر أصلا لإمكان كون الستر للمحافظة عن الناظر المحترم.

و على فرض الدلالة فلا إطلاق فيها كي تكون حجّة في الموارد المشكوكة.

و بالجملة: الظاهر عدم

ورود دليل لفظي دالّ على اشتراط ستر العورة بما هو ستر العورة، و السؤالات الواردة في الروايات، واردة في مقام بيان حكم آخر كما ذكرناه.

و لكن هنا كلام

يمكن به إثبات العموم، و هو أن يقال: ان كل حكم كان مغروسا في أذهان المتشرعة سواء كانوا من الخواصّ أو العوّام بحيث لم يحتاجوا في أصله إلى السؤال و لم يبيّنه الأئمة عليهم السلام هل هو بمنزلة عموم العام الذي صدر عن المعصوم عليه السلام؟

(و بعبارة أخرى): كما ان الصادع بالشرع إذا صدر منه عام لفظي و لكن كان أصل الحكم في الجملة مفروغا عنه بين المسلمين، أم لا؟

الذي يمكن ان يقال: هو انه- بعد التتبّع و السبر التام في أدلّة حجية الحجج من الظواهر و خبر الثقة و الإجماع المنقول

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 92

و الشهرة في وجه و أدلّة حجية أصالة البراءة- يعلم ان المناط فيها هو بناء العقلاء الراجع الى حكم العقل كما قرّر في محله.

فحينئذ نقول: كما انهم يتمسّكون بالعموم الوارد عن المعصوم عليه السلام بنقل الرواة بواسطة أو بوسائط في الموارد المشكوكة، كذلك يتمسّكون بالحكم الذي صدر من الشارع و لو لم يحفظ بعين لفظه الدال عليه، و لكن أخذ الخلف عن السلف و هكذا الى يومنا هذا مثلا.

و كما ان بناءهم على ورود الخاص في الموارد الجزئية في القسم الأوّل فكذا في القسم الثاني.

و كما يرون أنفسهم محتاجة إلى السؤال في الموارد المشكوكة هناك، فكذا هنا.

بل يمكن ان يقال: ان التمسك بالقسم الثاني أقوى، لاحتياج الأوّل إلى التتبّع في أحوال الرجال بخلاف الثاني.

فحينئذ يحتاج في الخروج عن الحكم الثابت بالمغروسيّة و تلقّى العلماء بالقبول، الى المخصّص و المقام من هذا

القبيل، فان اشتراط صحة الصلاة بالستر و لو لم يرد لفظ خاص في مقام بيان أصل الاشتراط لكن مغروسيّة الحكم في أذهان المتشرعة بحيث لا يحتاجون إلى السؤال عن أصله، و هكذا في كلّ زمان الى ان يصل الى زمان المعصوم عليه السلام بل الصادع بالشرع تكشف عن صدوره و صيرورته بمنزلة العموم.

نعم يمكن ان يقال: بأنه إجماع و هو دليل لبّى يكتفى فيه بالقدر المتيقّن عند الشك في مصداقه كما هو متداول في الألسنة.

و لكن من كثر تجاربه و كمل علمه يمكن له ان يصدق الأوّل.

و كيف كان، فعلى الأوّل يصير الأصل في مسألة الستر الشرطيّة إلّا ما

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 93

خرج بالدليل، و على الثاني الأصل البراءة الّا ما ثبت على خلافها.

و يتفرّع على ما ذكرناه المسألة المتقدمة التي استشكلنا فيها فراجع.

مسائل

(الاولى): لو صلّى عاريا ناسيا من أوّل الشروع.

(الثانية): هذه الصورة، و تذكّر في أثناء الصلاة.

(الثالثة): لو كان عالما بكون ثوبه غير ساتر للعورة باعتبار كونه مخروقا ثم نسي و صلّى و تذكّر بعد الصلاة.

(الرابعة): الصورة مع التذكّر في الأثناء.

(الخامسة): لو لم يعلم قبل الصلاة كون ثوبه غير ساتر ثم علم بعد الصلاة.

(السادسة): الصورة مع التفاته في الأثناء.

(السابعة): لو لم يعلم انه في الصلاة و صلّى مكشوف العورة ثم توجه انّه في الصلاة أو تذكر بعدها انه كان في الصلاة.

(الثامنة): لو كشف عورته في أثناء الصلاة من غير اختياره ثم ستره بلا فصل بدون فعل المنافي.

(التاسعة): في جميع صور التفاته في أثناء الصلاة اما ان يحصل له العلم بعدم مكشوفيّة عورته بسبب آخر أو قبله بحيث لا يحتاج الى مضى زمان يتخلّل بين العلم و الستر.

إذا عرفت الفروع

فنقول: مع قطع النظر عن الدليل الخارجي

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 94

يمكن التمسّك بالعموم بناء عليه، و بالبراءة بناء على عدم استكشاف.

العموم ممّا ذكر، هذا.

و لكن قد يدّعى وجود الدليل بحيث يشمل جميع هذه الصور التي ذكرناها، و هو من وجوه:

(الأوّل): قاعدة لا تعاد الصلاة الّا من خمس: الطهور و الوقت و القبلة و الركوع و السجود، المرويّة بطريق صحيح عن أبى جعفر الباقر عليه السلام «1».

(الثاني): ما رواه الشيخ محمد بن الحسن الطوسي، بإسناده عن محمد بن على بن محبوب، عن محمد بن احمد، عن العمركي البوفكي عن على بن جعفر، عن أخيه موسى بن جعفر عليهما السلام، قال: سألته عن الرجل صلّى و فرجه خارج و هو لا يعلم هل عليه اعادة أو ما حاله؟

قال: لا اعادة عليه و قد تمّت صلاته. «2»

(الثالث): حديث الرفع المعروف «3».

اما الأوّل: فقبل بيان الدلالة لا بأس ان نبيّن مقدار دلالته على الاختصار، فنقول: قد ادّعى بعض مشايخنا المعاصرين انّه يشمل الناسي و الجاهل بقسميه، و العامد و العالم، و بعضهم اقصر عن ذلك، و قال:

بشمول القاعدة لغير العالم اما هو فلا، و الحق ان يقال: ان الموارد التي تحتاج في السؤال عن الإعادة و عدمها انما هي قبل العمل باعتباره عروض العوارض التي يحتمل المكلف مع عروضها صحة العمل و بطلانه

______________________________

(1) الوسائل باب 9 حديث 1 من أبواب القبلة ج 3 ص 227.

(2) الوسائل باب 27 حديث 1 من أبواب لباس المصلّى ج 3 ص 293.

(3) الوسائل باب 30 حديث 2 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ج 5 ص 345.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 95

كالنسيان و الغفلة.

و اما العالم

باجزاء العمل و شرائطه فهو لا يحتاج إلى السؤال عن الإعادة و عدمها، بل يجب عليه تحصيل هذا المركب بحكم العقل فليس موردا لتوهّم وجوب الإعادة و عدمها.

و هكذا الحال في الجاهل مع التفاته الى جهله فهو انما يسأل عن كيفيّة العمل من حيث الشرائط و الاجزاء دون الإعادة و عدمها لوجوب تعلم الأمور المتعلقة بإتيان هذا المركب.

نعم إذا كان غير ملتفت الى جهله و لم يخطر بباله ان الشي ء الفلاني أيضا شرط أو جزء يمكن ان يقال: بشمولها له لكثرة السؤال من أهل العرف عن حكم مثل هذا الشخص من حيث الإعادة و عدمها و كذا العوارض الطارية من غير اختيار المكلّف من النسيان و الاضطرار.

فتحصّل ان القاعدة غير شاملة للعامد العالم، و الجاهل الملتفت، هذا كلّه من حيث حالات المكلف.

و اما الخلل الواقع في الصلاة من ناحية الأمور المعتبرة في الصلاة وجودا و عدما كالشرائط و الأجزاء وجودا، و الموانع عدما فنقول:

لا إشكال في شمولها لجميع الاجزاء و الشرائط بقرينة المستثنيات، فإن الثلاثة الأول من الشرائط و الأخيرين من الاجزاء مع اشتراك النوعين في دخالتهما في أصل تحقق المركب.

و هل تشمل الموانع أيضا بمعنى ان العرف كما يفهم من الصحيحة عدم وجوب الإعادة عند تخلل ما هو وجوده دخيل، كذلك يفهم عدم وجوبها عند وجود ما بوجوده مخلّ، أم لا؟

يمكن ان يقال: بعدم شمولها لها باعتبار ان المستثنى منه حينئذ

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 96

يصير متعددا و لا جامع بين ما هو بوجوده دخيل و ما هو بوجوده مخلّ فشمولها للموانع محلّ تأمل.

هذا بالنسبة إلى النقيصة.

و اما بالنسبة إلى الزيادة فالظاهر إرجاعها اما الى النقصان باعتبار انّ الجزء مقيد بعدم

الزيادة فإذا زاد لم يأت بالجزء.

و اما بالنسبة إلى المانعيّة بمعنى كونه محدودا بحدّ إذا تجاوز عنه يكون مانعا لتحقّق الجزء بمعنى ترتب اثر الجزء عليه.

إذا عرفت هذا فنقول: لا إشكال في شمولها للصور التي علم بالكشف بعد مستوريّة العورة بسبب آخر بحيث لم يكن في زمان علمه مكشوف العورة في زمان، و هي جميع صور العلم بالخلاف بعد الصلاة و بعض صور العلم في أثنائها.

و كذا تشمل صحيحة علي بن جعفر الصور التي تشملها قاعدة لا تعاد.

(لا يقال): ان مورد الصحيحة على الظاهر علم المصلى بالمكشوفيّة بعد الصلاة لا في أثنائها.

(فإنه يقال): إذا كان مكشوفيّة العورة في الصلاة كلّها غير مضرة للصّحة تكون المكشوفيّة في بعض اجزائها كذلك قطعا، لعدم مدخلية المكشوفية في الجميع بما هو جميع في الحكم بالصحة كما لا يخفى وجهه.

و سؤال على بن جعفر عن هذا الفرد- اعنى عن المكشوفية في جميع الصلاة- لكونه هو الفرد الشائع المتعارف المبتلى به عند الناس و الّا فسائر الأفراد نادرة الوقوع.

و السرّ فيه ان هذا الشرط يمتاز عن سائر شروط الصّلاة- كالطهارة

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 97

من الحدث أو الخبث، و تخلّف القبلة و نحوها- بعدم اختصاص الداعي على إيجاده لخصوص الصلاة بل الدواعي العقلائية لغير الصلاة أيضا ثابتة كالستر للمحفوظيّة من الحرّ و البرد، و من الناظر المحترم، و كونه مستنكرا عرفا.

بخلاف ساتر الشروط، فإنه لو لا الصلاة لم يكن داع لإيجادها فمع قطع النظر عن كون سائر الفروض نادرا لم يكن ريب في شمولها لجميع الفروض بمعنى انه لو علم بعد إتمامها كونه مكشوف العورة يصحّ صلاته على جميع التقادير كما ان وجه شمول قاعدة لا تعاد لها

كذلك.

و كذا يصح لو علم في الأثناء بعد مستوريّة عورته بإلقاء الغير ثوبا عليه، فإنه ما لم يعلم فصلاته صحيحة و المفروض- بعد العلم- عدم انكشاف عورته.

و انما الكلام و الاشكال فيما إذا علم في الأثناء و توقف سترها على مضيّ زمان فحينئذ لا ريب أيضا في الصحة التأهلية للأجزاء السابقة المأتي بها و كذا الأجزاء اللّاحقة بعد ستر العورة الّا ان الأجزاء المتوسطة بلا شرط.

(لا يقال): ان أمر الشارع بهذه الصلاة مع علمه بالتفات المكلّف في أثناء الصلاة دليل على صحة هذه الصلاة و الّا لزم لغويّة الأمر بالنسبة الى هذه الصلاة.

(فإنه يقال): هذا إذا كان الكلام مسوقا لبيان خصوص هذا الفرد، و اما إذا كان مسوقا لبيان الحكم مطلقا أو كان ظاهرا في غير هذا الفرد كصحيحة على بن جعفر المتقدمة حيث ان ظاهرها التفات المصلّى بعد الصلاة فلا يلزم اللغوية.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 98

(و بعبارة أخرى): يكفي في خروج الأمر عن اللغوية ترتيب آثار الصحة و لو في بعض الافراد.

و بالجملة يقع الإشكال في كلّ مورد صدق انه مكشوف لعورة حال الصلاة و صدق هذا المعنى في حال اشتغاله بفعل أو قول متعلق بالصلاة.

و اما إذا لم يكن مشغولا بشي ء فهل يعود نفس السكوت عن الفعل أو القول جزء من الصلاة أم لا؟ وجهان مبينان على ان الصلاة هل هي عبارة عن مجموع الافعال و الأقوال المترتبة بعضها على بعض بحيث لو لم يوجد آخرها لم توجد الصلاة و بمجرد الاشتغال لا يعد مصليا، غاية الأمر صدق الصلاة باعتبار اشتغاله بإتيان البقيّة و عدم فراغه منها كالخطيب ما دام مشغولا بالخطبة، يصدق هذا الوصف العنواني باعتبار اشتغاله بالخطابة، لا

انه في كل جزء جزء من آنات سكوته خطيب أيضا و بالحقيقة لا يكون الصلاة في حال من الأحوال موجودا، لان الاجزاء توجد و تنصرم، أو هي عبارة عن حالة خضوع العبد بين يدي المولى، و الأقوال و الأفعال الأخر وظائف أخر فيها.

(و بعبارة أخرى): وجودها و تحقّقها بأوّل جزء منها فتبقى بالوجود البقائى لا الحدوثى كما هو المتفاهم العرفي حيث يعدّ أهل العرف من اشتغل بها بمجرد التكبيرة الأولى المسمّاة بتكبيرة الإحرام مصليا و لو سكت عن الأذكار و الافعال.

و لعله الى هذا أشير في قوله تعالى وَ قُومُوا لِلّٰهِ قٰانِتِينَ «1» حيث انه عبّر عن الصلاة بنفس القيام.

______________________________

(1) سورة البقرة، الآية 238.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 99

و عليه حينئذ يكون حال سكوته عن الذكر أيضا مصليا فيكون مكشوف العورة.

و كيف كان فهل تبطل الصلاة بانكشاف العورة، بمقتضى الشرطية أم لا لشمول رواية على بن جعفر المتقدّمة؟ وجهان.

و كذا في نظائرها كالأمة إذا صلّت مكشوفة الرأس ثم عتقت في أثناء الصلاة و الصبيّة إذا بلغت و المصلّى اضطرارا إذا وجد الساتر في أثناءها كما مرّ.

هذا كلّه في دلالة رواية على بن جعفر، و حديث «لا تعاد» على حكم الموارد المشكوكة، و اما دلالة حديث الرفع فسيأتي إن شاء اللّٰه تعالى في موضع آخر.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 100

فصل في شرائط لباس المصلّي

اشارة

و المراد منها ما يعتبر في الصلاة أعمّ من ان يكون وجودها شرطا أو مانعا و مخلّا، و قد ذكر الفقهاء انها ستة:

(أحدهما): عدم كونه من أجزاء الميتة.

(ثانيها) عدم كونه نجسا.

(ثالثها): عدم كونه مغصوبا.

(رابعها): عدم كونه غير مأكول اللحم.

(خامسها و سادسها): عدم كونه من الحرير المحض أو الذهب للرجال.

(اما الأوّل) [عدم كونه من أجزاء الميتة]:
اشارة

فلا اشكال و لا خلاف بين الإمامية في اشتراط عدم كونه ميتة و لو دبغ خلافا للمعروف بين العامّة حيث أفتوا بجواز الصلاة و الانتفاع بجلد الميتة إذا دبغ و يدلّ على أصل الحكم الأخبار الواردة عن الأئمة عليهم السلام، و هي على قسمين:

الأوّل: ما ورد في عدم جواز الانتفاع بجلد الميتة مثل ما رواه محمد بن يعقوب الكليني، عن محمد بن يحيى، عن احمد بن محمد، عن ابن محبوب، عن عاصم بن حميد، عن على بن أبي المغيرة، قال: قلت لأبي عبد اللّٰه عليه السلام: جعلت فداك، الميتة ينتفع بها بشي ء؟ قال عليه السلام: لا، الحديث «1».

______________________________

(1) الوسائل باب 41 صدر رواية 2 من أبواب النجاسات ج 2 ص 1080.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 101

الثاني: ما ورد في خصوص عدم جواز الصلاة، مثل ما رواه الشيخ رحمه اللّٰه بإسناده عن الحسين بن سعيد، عن حمّاد بن عيسى، عن حريز، عن محمد بن مسلم، قال: سألته عن جلد الميتة أ يلبس في الصلاة إذا دبغ؟ قال: لا و ان دبغ سبعين مرّة «1».

و الاخبار في ذلك كثيرة لا حاجة الى نقلها مع تسلم أصل المسألة.

و هل اشتراط ذلك من باب انها أحد مصاديق النجس أم لها خصوصية؟ فعلى الثاني يكون بطلانها من جهتين، النجاسة و كونها ميتة.

و يظهر ثمرة هذا الشرط حينئذ في الميتة

التي ليست بنجسة كجلد السمك الذي له فلس و ظاهر الجواهر عدم الإشكال في عمومها.

لكنه مشكل لعدم المعروفية في جعل اللباس من جلد مالا نفس سائلة و المفروض ان السؤال نوعا قد وقع عن صحة الصلاة مع جلد الميتة أو الانتفاع به إذا دبغ، و هو الذي قال به أهل الخلاف، و الدباغ لا يقع على مثل جلد السمك، و بالجملة فالمسئلة محلّ اشكال، نعم مراعاة عدم كون اللباس منه أحوط.

فرع لو شك في جلد انه من الميتة أم المذكى،
اشارة

فهل يجوز الصلاة فيه أم لا؟ و حيث ان المسألة ممّا يعمّ بها البلوى فلا بد من بيانها إن شاء اللّٰه تعالى تفصيلا.

______________________________

(1) الوسائل باب 41 حديث 1 من أبواب النجاسات ج 2 ص 1080.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 102

فنقول: (تارة) يبحث في مقتضى الأصل الاولى، و (اخرى) يبحث في الأصل الثانوي المأخوذ من الشرع.

[المراد من الميتة]

امّا الأوّل: فهل الأصل في المشكوك الحكم بكونها ميتة أم مذكى؟

وجهان مبنيّان على ان ما به الامتياز بينهما- بعد اشتراكهما في زهوق الروح من الحيوان- هل هو أمر وجودي في خصوص المذكى فيرجع الأمر في المذكى خصوصية بها يصدق ان الحيوان مذكى، أم الميتة لها خصوصية لا تكون في المذكى؟

(و بعبارة أخرى): هل التقابل بينهما تقابل العدم و الملكة أم تقابل التضاد، و على التقديرين هل الذكية عبارة عن خصوصية كشف عنها الشرع من كونها في غير الإبل من الحيوانات البرية الذبح و فيه النحر و في الحيوان البحري إخراجه من الماء حيا، أم هي عبارة عن أمر عرفي معروف معلوم عندهم كما كان قبل الإسلام، غاية الأمر جعل الشارع له حدودا و قيودا و شرائط؟

اما الأوّل: فنقول: الظاهر هو الأوّل، فإن الميتة معناها اللغوي عبارة عن حيوان خرج منه الروح بأيّ سبب كان قتلا كان أو غيره، غاية الأمر استثنى الشرع بعض افرادها و حكم بحليتها كالمذكى مثلا.

و لم يظهر من أدلة حرمة الميتة و حلية المذكى آية و رواية خصوصية وجودية، و يؤيّده انه لم ينقل لنا ان المسلمين عقيب نزول آية تحريم الميتة «1» قد سألوا النبي صلّى اللّٰه عليه و آله عن بيان المراد من

______________________________

(1) و هي حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَ الدَّمُ وَ

لَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَ مٰا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللّٰهِ بِهِ وَ الْمُنْخَنِقَةُ وَ الْمَوْقُوذَةُ وَ الْمُتَرَدِّيَةُ وَ النَّطِيحَةُ وَ مٰا أَكَلَ السَّبُعُ إِلّٰا مٰا ذَكَّيْتُمْ وَ مٰا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَ أَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلٰامِ ذٰلِكُمْ فِسْقٌ الآية، سورة المائدة/ 3.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 103

(الميتة) أو (المذكى) بل ظاهر خطاب قوله تعالى إِلّٰا مٰا ذَكَّيْتُمْ ان مفهوم المذكى موكول الى المخاطبين.

و الظاهر انه استثناء من قوله تعالى حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ لا من قوله تعالى وَ مٰا أَكَلَ السَّبُعُ فقط.

كما ان الظاهر ان قوله تعالى وَ مٰا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللّٰهِ بِهِ- الى قوله- وَ مٰا أَكَلَ السَّبُعُ من افراد الميتة و ذكرها بالخصوص- بعد ذكر العموم- لخصوصية كانت فيها قبل نزول الآية الكريمة فإنهم يرتبون عليها حكم التذكية.

و بالجملة ان الخصوصية الوجودية انما تكون في المذكى لا في الميتة، فإذا شك في وجود تلك الخصوصية فالأصل عدمها فيصير مقتضى الأصل الاوّلى عدم التذكية إلّا ما ثبت خلافه.

و يؤيّد ما ذكرناه الأخبار الواردة في الصيد إذا غاب عن نظر الصائد، إذا شك في انه هل خرج روحه بسبب نفس التصيد و آلته أم بسبب أمر آخر فإنه قد حكم في تلك الاخبار بحرمته «1».

و كذا إذا أرسل المسلم كلبه و أرسل المجوسي كلبه أيضا فأخذ صيدا و شك في انه مات بأخذ الكلب المسلم أو المجوسي «2».

و كذا إذا رمى فشك في انّه هل اصابه به فمات بالإصابة أم بسبب أمر آخر فإنه قد حكم بحرمة أكل لحمه و انه ميتة «3».

[المراد من المذكّى]

و اما الثاني: فقد يظهر من بعض كلمات شيخنا الأنصاري (قده)

______________________________

(1) الوسائل باب 14 من أبواب الصيد ج 16 ص 227 و باب 18 منها

ص 230.

(2) يمكن ان يستفاد من اخبار باب 15 من أبواب الصيد ج 16 ص 227 فتأمّل.

(3) الوسائل باب 19 من أبواب الصيد ج 16 ص 232.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 104

ان التذكية عبارة عن أمر واقعي له واقعية فإنه (قدّه) قد حكم في الحيوان المشكوك كونه قابلا للتذكية و عدمها باستصحاب عدمها، معللا بالشك فيها من حيث الشك في قابلية الحيوان لها، فيستصحب عدمها.

لكنه خلاف التحقيق فان الظاهر انها ليست بأمر واقعي الذي قد كشف عنه الشارع بحيث لو لا كشفه لما يفهمه أهل العرف، بل هي أمر عرفي و هو كونها عبارة عن الذبح الذي هو معناها اللغوي كما سمعت من القاموس، غاية الأمر قد حدّدها الشرع بأمور أخر جعلها شرطا لحلية المذكى كالتسمية و الاستقبال و فرى الأوداج المخصوصة بحديد و كون الذابح مسلما و غيرها من الشرائط.

و الدليل عليه قوله تعالى إِلّٰا مٰا ذَكَّيْتُمْ «1» حيث ان الشارع القى معنى التذكية إلى المخاطبين من دون بيان معناها، و من دون سؤالهم منه عن المراد منها، فحينئذ يكون كلّ حيوان قابلا للتذكية إلّا ما خرج.

نعم يقع البحث في ان الشارع هل حكم بطهارة كلّ مذكى غير نجس العين لعدم تأثيرها فيه قطعا أم حكم بعروض النجاسة كما في سائر الميتات، فإذا شك في طهارة المسوخ و الحشرات إذا فرض ان لها نفسا سائلة بعد القطع بتحقيق التذكية فيرجع الى استصحاب بقاء الطهارة.

(لا يقال): ان الموضوع في الأوّل الحيوان الحي، و في الثاني الميت فلا يستصحب لعدم بقاء الموضوع حينئذ.

(لأنّه يقال): الحياة و الموت من حالات الموضوع لا من قيوده فإنّ

______________________________

(1) سورة المائدة، الآية: 3.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص:

105

البدن محل تدبير الروح و هو لا يتّصف بالمذكى و الميتة.

و على تقدير عدم جريان الاستصحاب لبعض الإشكالات يكون المرجع قاعدة الطهارة.

إذا عرفت هذا فاعلم انه لا اشكال و لا خلاف في عدم كون الأصل الأوّل متبعا في جميع الموارد بحيث لو لم يعلم بالذبح حكم بكون المشكوك ميتة، بل السيرة المستمرة القطعية المنتهية إلى زمن الأئمة عليهم السلام بل الصادع بالشرع صلى اللّٰه عليه و آله على خلافه.

و من هنا ذهب صاحب المدارك و جماعة الى أن الأصل التذكية في اللحم المشكوك حتى يثبت خلافه.

و بالجملة الخروج عن مقتضى الأصل الأوّلي مقطوع به.

هذا مضافا الى روايات تدل على ان المناط حصول العلم بكونه ميتة و هي على أقسام:

(منها): ما ورد في ان الجلود و اللحوم التي تشترى من السوق حلال ما لم يعلم كونها ميتة، مثل ما رواه الشيخ رحمه اللّٰه بإسناده عن الحسين بن سعيد، عن فضالة، عن حسين بن عثمان، عن الحلبي قال:

سألت أبا عبد اللّٰه عليه السلام عن الخفاف التي تباع في السوق؟ فقال:

اشتر و صلّ فيها حتى تعلم أنه ميتة «1».

و ظاهرها انه ما لم يعلم تفصيلا كونه ميتة لا بأس به، فإذا علم تفصيلا ذلك يجب الاجتناب.

و هل المراد من قول السائل: (عن الخفاف التي تباع في السوق) بيان مناط شكه بمعنى انى لا اعلم بتفصيل الجلود التي تباع أعم من ان يكون في السوق أم غيره، غاية الأمر ذكر (السوق) لكون المتعارف

______________________________

(1) الوسائل باب 50 حديث 2 من أبواب النجاسات ج 2 ص 1071.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 106

في البيع و الشراء هو ما كان فيه، أم يكون للسوق بما هو سوق مدخليّة في

الحكم؟

(فعلى الأوّل): يشمل السؤال و الجواب كل جلد يكون مشكوكا في تذكيته مثلا، سواء كان في خصوص السوق يبيع فيه ذلك، أم مطلق أسواق بلاد الإسلام، أم عام لها و لأسواق الكفار، سواء كان الغالب عليهم المسلمين أم لا، بل يشمل ما إذا كان الغالب الكفّار.

(و على الثاني): يحمل على الأسواق المتعارفة و هي أسواق دار الإسلام بمعنى ان سياسة تلك بيد رئيس الإسلام و ان كان غالب الافراد كفارا كما ربما كان بعض الممالك في زمن الصادق عليه السلام كإيران فإنه كان كذلك في زمن غلبة الإسلام عليه، لكثرة المجوس في ذلك الزمان في إيران، بل الظاهر ان مدن مازندران و الجيلان لم يكن في ذلك الزمان تحت الرئاسة الإسلامية إلى زمن الرضا عليه السلام بل بعده «1».

و نحوها في الاحتمالات ما رواه الشيخ رحمه اللّٰه، عن محمد بن علي (يعني ابن محبوب) عن احمد بن محمد، عن احمد بن محمّد بن أبي نصر، قال: سألته عن الرجل يأتي السوق فيشترى جبة فراء لا يدرى أ ذكية أم غير ذكية أ يصلّي فيها؟ فقال: نعم ليس عليكم المسألة ان أبا جعفر عليه السلام كان يقول: ان الخوارج ضيقوا على أنفسهم بجهالتهم ان الدين أوسع من ذلك. «2»

______________________________

(1) فان الطبرستان قد فتح في زمن المأمون على ما هو ببالي من بيانات سيدنا الأستاذ الأكبر البروجردي (قدّه) و لا بد من مراجعة التواريخ.

(2) الوسائل باب 50 حديث 3 من أبواب النجاسات ج 2 ص 1071.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 107

و رواه الصدوق رحمه اللّٰه بإسناده، عن سليمان بن جعفر الجعفري، عن العبد الصالح موسى بن جعفر عليهما السلام «1».

و رواية سليمان بن جعفر عن

موسى بن جعفر و ان كان بعيدا فإنه يروى نوعا و غالبا عن الرضا عليه السلام الّا انه من الممكن روايته عنه أيضا.

و بإسناده، عن احمد بن محمد، عن احمد بن محمد بن أبي نصر عن الرضا عليه السلام قال: سألته عن الخفّاف يأتي السوق فيشترى الخف لا يدرى أذكى هو أم لا؟ ما تقول في الصلاة فيه، و هو لا يدرى أ يصلي فيه؟ قال: نعم انا اشترى الخف من السوق و يصنع لي و أصلي فيه و ليس عليكم المسألة «2».

و قريب منها ما رواه محمد بن يعقوب الكليني رحمه اللّٰه، عن على عن سهل بن زياد عن بعض أصحابه، عن الحسن بن الجهم، قال قلت لأبي الحسن عليه السلام: اعترض السوق فاشترى خفا لا أدرى أ ذكي هو أم لا؟ قال: صلّ فيه، قلت: فالنعل؟ قال: مثل ذلك، قلت: انّى أضيق من هذا، قال: أ ترغب عمّا كان أبو الحسن عليه السلام يفعله؟ «3».

و هذه الروايات الخمسة مشتركة في ان السؤال كان بالنسبة إلى خصوص السوق فامّا ان تحمل عليه بقرينة السؤال و اما ان تنفى الموارد و تحمل على العموم كما احتملناه.

(و منها) ما يدلّ على جواز الصلاة في المشكوك من دون اعتبار ان يكون مشتريا من السوق.

______________________________

(1) الوسائل باب 50 مثل حديث 3 من أبواب النجاسات ج 2 ص 1072.

(2) الوسائل باب 50 حديث 6 من أبواب النجاسات ج 2 ص 1072.

(3) الوسائل باب 50 حديث 9 من أبواب النجاسات ج 2 ص 1073.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 108

مثل ما رواه الشيخ، عن احمد بن محمد، عن أبيه، عن عبد اللّٰه ابن المغيرة، عن على بن أبي حمزة:

اين رجلا سأل أبا عبد اللّٰه عليه السلام و انا عنده، عن رجل يتقلّد السيف و يصلّى فيه؟ قال: نعم فقال الرجل: ان فيه الكيمخت، قال: و ما الكيمخت؟ قال: جلود دواب منه ما يكون ذكيا و منه ما يكون ميتة، فقال: ما علمت ان فيه الميتة فلا تصلّ فيه «1».

و هذه الرواية عامّة شاملة لما يكون في السوق أو في غيره، فإن السؤال عن كون الجلد مشكوك التذكية مطلقا فأجاب عليه السلام بعدم البأس من غير استفصال.

و لا يخفى انها ممّا يؤيّد ما ذكرنا سابقا من كون الحيوانات غير النجسة غير قابلة للتذكية فإن المراد من قوله: (منه ما يكون ذكيا، الى آخره) ان بعضه يذكى بشرائط التذكية و بعضه لا يذكى.

و ما رواه الصدوق بإسناده، عن سماعة بن مهران، انّه سأل أبا عبد اللّٰه عليه السلام عن تقليد السيف في الصلاة و فيه الفراء و الكيمخت فقال: لا بأس ما لم تعلم أنّه ميتة «2».

و ما رواه أيضا بإسناده، عن جعفر بن محمد بن يونس انّ أباه كتب الى أبي الحسن عليه السلام، يسأله عن الفرو و الخف ألبسه و أصلّي فيه و لا اعلم انّه ذكي، فكتب: لا بأس به «3».

و ما رواه محمد بن يعقوب، عن على بن إبراهيم، عن أبيه، عن النوفلي، عن إسماعيل بن أبي زياد السكوني، عن أبي عبد اللّٰه عليه

______________________________

(1) الوسائل باب 50 حديث 4 من أبواب النجاسات ج 2 ص 1072.

(2) المصدر، الحديث 12.

(3) الوسائل باب 55 حديث 4 من أبواب لباس المصلى ج 3 ص 333.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 109

السلام ان أمير المؤمنين عليه السلام سئل عن سفرة وجدت في الطريق

مطروحة كثير لحمها و خبزها و جبنها و بيضها و فيها سكين؟ فقال أمير المؤمنين عليه السلام: يقوّم ما فيها ثم يؤكل، لأنها تفسد و ليس له بقاء فإذا جاء طالبها غرموا له الثمن، قيل له: يا أمير المؤمنين لا يدرى سفرة مسلم أم سفرة مجوسيّ؟ فقال: هم في سعة حتّى يعلموا «1».

و هذه الرواية أعمّ من الجميع، لان المفروض ان السفرة وجدت في الطريق، و هي ليست مختصّة بكونها للمسلمين فقطّ، بل هي مشتركة بينهم و بين غيرهم من سائر الكفّار، و تخصيص المجوسي بالذكر في الرواية لعلّه باعتبار أنّ اسراء إيران في زمن أمير المؤمنين عليه السلام كانوا منهم، و كان المجوس في ذلك الزمان كثيرا و لا سيّما في مملكة إيران حيث كان أكثرهم قبل فتح الإسلام مجوسيا.

[حكم ما يؤخد من بلاد المسلمين و يدهم]

و كيف كان، هذه الرواية أيضا حاكمة على الأصل الأوّليّ، نعم لا يبعد ان يكون ظاهرها بالطريق التي في بلاد الإسلام عنى بلادا تكون تحت حكومة الإسلام و سياسته ففي زمان أصالة عدم التذكية لم تكن مرجعا عند الشك و لم يكن التكليف منحصرا بصورة حصول العلم.

و لذا استدلّ صاحب المدارك و جماعة به على انقلاب الأصل الأوّلي الى أصالة التذكية حتّى يعلم أنّه ميتة.

و لكن مقتضى الجمع بين الروايات هو خلاف ما ذكره، كما سنذكره إن شاء اللّٰه تعالى.

و هي أيضا على أقسام:

______________________________

(1) الوسائل باب 23 حديث 1 من كتاب اللقطة ج 17 ص 372 و باب 50 حديث 11 من أبواب النجاسات ج 2 ص 1073.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 110

(منها): ما يدلّ على حليّة التصرف في جلد مأخوذ من يد المسلمين، مثل ما رواه الشيخ رحمه اللّٰه بإسناده عن

احمد بن محمد، عن سعد بن إسماعيل، عن أبيه إسماعيل بن عيسى، قال: سألت أبا الحسن عليه السلام عن جلود الفراء يشتريها الرجل في سوق من أسواق الجبل (الجيل، خ ل) يسأل عن ذكاته إذا كان البائع مسلما غير عارف؟ قال عليه السلام: عليكم أنتم أن تسألوا عنه إذا رأيتم المشركين يبيعون ذلك، و إذا رأيتم يصلّون فيه فلا تسألوا عنه «1».

و المراد باسواق الجبل (الجيل، خ ل) يحتمل ان يكون أسواق البلاد التي تكون في أرض يكون الجبال فيها أغلب بالنسبة إلى الحجاز كالبلاد التي تكون في أوائل عقبة حلوان «2» إلى أواخر الري و غيرها.

و الظاهر ان منشأ سؤال الراوي عن جلود هذه البلاد وجود الكفار كاليهود و النصارى و لا سيّما المجوس حيث كانوا- في ذلك الزمان- كثيرين في بعض بلاد إيران بل أغلبها، فإن مذهب كثير من أهل إيران كان مذهب المجوس.

و يستفاد من سؤال الراوي أمور ثلاثة:

(الأوّل): إطلاق لفظة (الذكاة) على كل جزء من أجزاء الحيوان.

______________________________

(1) الوسائل باب 50 حديث 7 من أبواب النجاسات ج 2 ص 1072.

(2) حلوان بلد مشهور من سواد العراق، و هو آخر مدن العراق قيل: بينه و بين بغداد خمس مراحل و هي من طرف العراق من المشرق و القادسية من طرفه من المغرب، قيل: سمّيت باسم بانيها و هو حلوان ابن عمران بن الحارث بن قضاعة (مجمع البحرين).

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 111

(الثاني): المفروغيّة عن عدم لزوم السؤال إذا كان المسلم عارفا بالإمامة.

(الثالث): كون أخبار المسئول عنه حجّة على تقدير وجوب السؤال بقرينة تقرير الامام عليه السلام.

و امّا ما يستفاد من الجواب: (فتارة) يتكلّم في دلالة مقدار منطوقها (و اخرى) في مفهوما.

اما

الأوّل: فالظاهر انه عليه السلام أجاب سؤال الراوي مع الزيادة و حاصله ان المناط في وجوب السؤال و عدمه هو كون البائع مشركا و عدمه لا كونه عارفا أو غيره، فإذا كان البائع للجلد مشركا لزم السؤال عنه لا التفحّص عن غيره ليعلم الحال كما توهّم لعدم مدخلية الفحص عن الغير في إحراز كون هذا الجلد الذي يبيعه البائع مذكى كما لا يخفى.

و ان كان البائع يصلّى فيه فلا بأس بالشراء منه بدون السؤال.

و الظاهر ان الصلاة فيه كناية عن كون البائع مسلما لا أنّ لخصوص الصلاة خصوصيّة فيصير المعنى ان البائع ان كان مسلما فلا بأس به، غاية الأمر لو فرض الشك في إسلامه فالصلاة فيه علامة لإسلامه.

و بالجملة بقرينة جعل المصلّين مقابلين للمشركين يكون المراد منهم المسلمين.

نعم لو قيل: ان مفهوم قوله عليه السلام: و ان كانوا يصلّون، إلخ أنهم لو لم يصلّوا فيه بالخصوص مع فرض دخالة الصلاة فيه فلا تشتر فاللازم حمل قوله عليه السلام: (عليكم أنتم أن تسألوا عنه إذا رأيتم المشركين، الى آخره) على بيان أحد الفردين و يبقى الفرد الآخر

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 112

- و هو المسلم الغير المصلّى- مسكوتا عنه.

ثم انه لا دلالة في هذه الرواية على كون يد المسلم مطلقا امارة على التذكية، فإن جماعة من المسلمين قد خالفونا في أمور متعددة لا تلتزم بها في مذهبنا كاستحلال الميتة بالدباغ و استحلال ذبائح أهل الكتاب و تجويز الصيد بغير الكلب المعلّم مثل الفهد.

فلا وجه لحمل الرواية على كون يد المسلم امارة على التذكية، بل الظاهر انها دالة على جريان أصالة التذكية إذا كان مأخوذا من يد المسلم لكون الاجتناب عن الجلود التي

في يد المسلم حرجا شديدا على الشيعة.

و لا فرق بمقتضى القاعدة بين الشراء الذي هو أحد الأسباب المجوزة للتصرف و بين غيره من أسباب جواز الاستعمال من الهبة و الصلح و غيرهما، و لا بين بلاد الإسلام و غيرها إذا كان البائع مسلما.

كما لا فرق في عدم جواز ترتيب آثار التذكية إذا كان البائع مشركا بين أرض الإسلام و غيرها، كان الغالب عليها المسلمون (المسلمين خ ل) أو الكفار أم تساووا عددا.

نعم من كان في بلاد الإسلام و دارها و كان مشكوكا إسلامه يكون محكوما به، فيترتب عليه آثاره من حلية ذبيحته و محفوظية نفسه و عرضه و ماله و وجوب غسله و تكفينه و الصلاة عليه و دفنه.

فحاصل الرواية انه من كان مسلما أو محكوما بالإسلام لا يجب السؤال عن خصوصيات الذبح عند شراء اللحم أو الجلد منه.

(و اما الثاني): أعني مقدار دلالة مفهومها فالظاهر حجية اخبار المشرك بالنسبة إلى التذكية الشرعية، و الّا لزم لغوية السؤال و عدم

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 113

جواز الأخذ بدونه أو معه مع عدم الاستناد الى يد المسلم.

(و منها): ما يدلّ على حلية اللحم المشتري من سوق المسلمين مثل ما رواه: محمد بن يعقوب الكليني، عن على بن إبراهيم، عن أبيه عن ابن أبي عمير، عن عمر بن أذينة، عن فضيل و زرارة و محمد بن مسلم أنهم سألوا أبا جعفر عليه السلام عن شراء اللحوم من الأسواق و لا يدرى ما صنع القصّابون؟ فقال: كل إذا كان ذلك في سوق المسلمين، و لا تسأل عنه «1».

و هل المراد من سوق المسلمين دار الإسلام؟ بمعنى ان اللحم المشتري من دار تكون حكومة الإسلام محكوم بكونه

مذكى و لو كان الافراد الساكنين فيها كفارا، أو أغلبهم كذلك، و هو بعيد.

أو المراد سوق يكون الساكنون فيه المسلمون و لو كان خصوص القصابين غير مسلمين، و هذا المعنى يستلزم دخالة إسلام أمثال الخياط و النجار مثلا ممن يكونون في سوق المسلمين في جواز شراء اللحم من غير المسلم، و هو أبعد.

أو المراد كون البائع بالخصوص مسلما و لو لم يكن السوق للمسلمين و هذا غير بعيد.

و عليه فيلغى اعتبار خصوصية السوق و يكون المعنى حينئذ ان البلاد التي يكون تشكيل السوق فيها نوعا بيد المسلمين، فاللحم المشتري منه محكوم بالحلّية و جواز الأكل.

و المراد من قوله عليه السلام: (كلّ إذا كان، إلخ) ترتيب جميع آثار التذكية لا خصوص جواز الأكل، فيحكم بطهارته و عدم تنجس ملاقيه

______________________________

(1) الوسائل باب 29 حديث 1 من أبواب الذبائح ج 16 ص 294.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 114

و مفهومه أيضا كون قول غير المسلم متبعا في صورة عدم كون البائع مسلما و أخبر بأخذه من مسلم.

و إطلاقها يشمل ما إذا كان البائع في سوق المسلمين، و لكن كان مجهول الحال بالنسبة إلى الإسلام و كذا يشمل ما إذا كان البائع في دار الكفر مع كونه مسلما، لوجود المناط أعني إسلام البائع.

نعم شمولها لمعلوم الكفر، معلوم العدم، لأنّ اعتبار سوق المسلمين لإثبات إسلام البائع ليجري أصالة التذكية في ذبيحته.

(و منها): ما يدلّ على اعتبار ما صنع بأرض الإسلام بحيث يكون المصنوعية في أرض الإسلام امارة على كون الجلد مصنوعا بيده، مثل ما رواه الشيخ رحمه اللّٰه بإسناده، عن سعد، عن أيّوب بن نوح، عن عبد اللّٰه بن المغيرة، عن إسحاق بن عمّار، عن العبد الصالح عليه

السلام قال:

لا بأس بالصلاة في الفراء اليماني، و فيما صنع في أرض الإسلام، قلت:

فان كان فيها غير أهل الإسلام؟ قال: إذا كان الغالب عليها المسلمين فلا بأس، «1».

و الظاهر ان المراد من قوله عليه السلام: (إذا كان الغالب، الى آخره) هو الغلبة بمعنى الحكومة و السلطنة، فإذا كانت الأرض تحت حكومة الإسلام و سياسته يقال: ان الغالب على الأرض تحت حكومة الإسلام و سياسته يقال: ان الغالب على الأرض المسلمون، لا انه إذا كان المسلمون أكثر عددا من الكفار كما عن الشهيد الثاني عليه الرحمة، و عن جماعة، لعدم ملاءمة هذا المعنى لما في الخارج، فإن افراد المسلمين في زمان صدور هذا الكلام لم تكن أكثر من افراد الكفار حتى في أراضي الإسلام، و لا سيّما في البلاد التي كانت قريبة بالنسبة

______________________________

(1) الوسائل باب 50 حديث 5 من أبواب النجاسات ج 2 ص 1072.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 115

الى فتح الإسلام.

و لا يرد على ما ذكرنا ان اللازم من ذلك كون الجلد الذي يكون في أرض يكون أهلها كلا أو غالبا مسلمين محكوما بالميتة إذا كان الحاكم عليهم كافرا.

لان المتعارف في الأراضي التي يكون الحاكم عليهم مسلم كون الافراد الساكنين فيها (عليها، خ ل) أيضا مسلمين، و كذا العكس في طرف العكس كما لا يخفى.

و الظاهر منها ان الجلود التي تؤخذ من البائع محكومة بالتذكية إذا صنعت في أرض الإسلام، سواء كان مأخوذا من يد المسلم أم لا؟

و سواء كان في البلد أم في الفلاة.

نعم لو لم تكن مصنوعة في أرض الإسلام لم يحكم بها و لو كان مأخوذا من يد المسلم كما انه لو صنع في أرض الإسلام يحكم بالتذكية و

لو كان مأخوذا من يد الكافر.

نعم إحراز مصنوعية الجلد في أرض المسلمين يحتاج إلى أمارة فإن كان البائع مسلما لا حاجة الى شي ء آخر من مثل السؤال أو الفحص و ان كان كافرا يلزم السؤال.

و بالجملة يستفاد من هذه الاخبار الثلاثة أمور ثلاثة يرجع بعضها الى بعض بعد التأمّل:

(أحدها): ماخوذيّتها من يد المسلم كما في رواية إسماعيل و سعد.

(ثانيها): ماخوذيتها من أسواق المسلمين كما في رواية الفضلاء.

(ثالثها): مصنوعيتها في أرض الإسلام بالمعنى الذي ذكرناه كما في رواية إسحاق بن عمّار.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 116

و هذه الأمور قريبة المناسبة بعضها مع بعض، لمدخليّة الإسلام في كلها يدا أو سوقا أو أرضا.

و لا معارضة بينهما فان منطوق الاوّلى مدخلية يد المسلم و لا مفهوم لها بالنسبة إلى السوق أو الأرض نفيا و إثباتا كي يقال: ان مفهومها انه إذا لم يكن من يده يكون ميتة سواء كان مأخوذا من يد المسلمين أم لا و سواء صنع بأرض الإسلام فيعارض الأخيرتين، و منطوق الثانية دخالة سوق المسلمين و لا مفهوم بالنسبة إلى يد المسلم الذي يكون في غير سوق المسلمين.

بل الظاهر- كما بيّناه- اعتبار السوق لكونه امارة على يد المسلم و كذا اعتبار المصنوعيّة في أرض الإسلام لكونها أيضا امارة على يده فيرجع بالأخرة إلى يد المسلم أو من كان محكوما بالإسلام كما لو كان في أرض الإسلام.

فتحصّل ان الأصل التذكية إذا كان مأخوذا من يد المسلم أو من بحكمه بمقتضى هذه الروايات الثلاثة.

و مقتضى الروايات المتقدمة جريان أصالة التذكية مطلقا حتى يعلم أنه ميتة فيتعارضان، لان الموضوع في تلك الروايات المشكوك بما هو مشكوك، و الموضوع في هذه الروايات المشكوك الذي في يد المسلم

أو من بحكمه.

فيدور الأمر بين العمل بالأوّلى و طرح دخالة هذه الخصوصية و بين العكس، و حيث ان ظهور هذه الروايات في دخالة القيد أقوى من ظهور تلك في تمام الموضوعيّة فالمتعيّن هو العمل بالمقيد.

و يؤيّد ما ذكرنا- من عدم كون المشكوك تمام الموضوع- اخبار

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 117

الصيد المشار إليها سابقا، حيث انها تدلّ أيضا على ان الموضوع ليس هو المشكوك بما هو هو و ان كان بين ما نحن فيه و اخبار الصيد فرق من جهة أخرى، فإن المقام فيما إذا كان منشأ الشك فعل الغير من حيث التذكية، و الشك في اخبار الصيد انما هو في تحقق ما اعتبره الشارع في الحكم بالحلّية بفعل نفسه من اصابة الرمي أو الصيد أو الكلب كما لا يخفى.

نعم هنا روايات قد يتوهم معارضتها لإطلاق ما استفدنا من الروايات الثلاثة، مثل ما رواه محمد بن يعقوب الكليني رحمه اللّٰه، عن على بن إبراهيم عن أبيه، عن ابن أبى عمير، عن الحلبي، عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام، قال: تكره الصلاة في الفراء الّا ما صنع في أرض الحجاز أو ما علمت منه ذكاة «1».

و الذي يمكن ان يكون في وجه التخصيص بأرض الحجاز، انه في مقابل العراق باعتبار ان أهل العراق يستحلّون الميتة و لكن دلالة لفظة (الكراهة) على عدم الجواز محل نظر لعدم ظهورها في الحرمة و ان لم تكن ظاهرة أيضا في الكراهة المصطلحة.

و عن على بن محمد (خال الكليني، ثقة) عن عبد اللّٰه بن إسحاق العلوي (مجهول) عن الحسن بن على (مجهول في هذا الطريق) عن محمد بن سليمان الديلمي (ضعّفوه) عن عثيم بن أسلم النجاشي (مجهول) عن أبي

بصير، قال: سألت أبا عبد اللّٰه عليه السلام عن الصلاة في الفراء فقال:: كان عليّ بن الحسين عليهما السلام رجلا صردا لا يدفئه فراء الحجاز لان دباغها بالقرظ فكان يبعث الى العراق فيؤتى ممّا قبلكم

______________________________

(1) الوسائل باب 79 حديث 1 من أبواب النجاسات ج 2 ص 1099 و باب 61 حديث 1 من أبواب لباس المصلى ج 2 ص 337.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 118

بالفرو فيلبسه، فإذا حضرت الصلاة ألقاه و القى القميص الذي يليه، فكان يسأل عن ذلك؟ فقال عليه السلام: ان أهل العراق يستحلّون لباس جلود و يزعمون ان دباغه ذكاته «1».

و هذه الرواية- مع مجهولية أكثر رواتها و ضعف سندها- مخالفة فإنّه ان كان لا يجوز الصلاة فيه فلا يجوز لبسه أيضا، و الا فلا مانع من الصلاة فيه، فالمتعيّن حمله على الكراهة بالنسبة إلى الصلاة.

و بالإسناد، عن الحسن بن على، عن محمد بن عبد اللّٰه بن هلال (مجهول)، عن عبد الرحمن بن الحجاج (ثقة) قال: قلت لأبي عبد اللّٰه عليه السلام: انى ادخل سوق المسلمين اعنى هذا الخلق الذين يدعون الإسلام فاشترى منهم الفراء للتجارة فأقول لصاحبها: أ ليس هي ذكية؟ فيقول: بلى، و هل يصلح لي ان أبيعها على انها ذكية؟

فقال: لا و لكن لا بأس ان تبيعها و تقول: قد شرط لي الذي اشتريتها منه انها ذكية، قلت: و ما أفسد ذلك؟ قال: استحلال أهل العراق الميتة و زعموا ان دباغ جلد الميتة ذكاته ثم لم يرضوا ان يكذبوا في ذلك على رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و آله «2».

و هذه أيضا كالسابقة- مع ضعف السند- مخالفة للقواعد فإنّها ان كانت في حكم الذكية يجوز بيعها

على انّها ذكية و الّا فلا يجوز مطلقا فالتفصيل غير وجيه، فلا يرفع اليد عن الإطلاقات السابقة.

فعلم ان الجلد المأخوذ من يد المسلم يحكم بتذكيته و ان كان مستحلا للميتة، لإطلاق الدليل، مضافا الى تصريح رواية

______________________________

(1) الوسائل باب 61 حديث 3 من أبواب النجاسات ج 2 ص 1080.

(2) الوسائل باب 61 حديث 4 من أبواب النجاسات ج 2 ص 1081.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 119

إسماعيل بن عيسى «1» بعدم لزوم السؤال و لو كان المسلم غير عارف.

فتحصّل ان الحيوان و أجزائه من الجلد و اللحم و الشحم محكومة بالتذكية إذا أخذت من يد المسلم أو سوق المسلمين أو كانت فيها آثار مصنوعيتها في بلاد الإسلام من غير فرق بين المسلم الشيعي أو سوق الشيعة أو أرضها و بين غيرهم من المخالفين مع اختلاف فرقهم عدا الفرق المحكوم بكفرهم كالغلاة و النواصب و الخوارج و غيرهم، و من غير الفرق المستحلّة لجلد الميتة بالدباغ و غيره.

مسألة 1-: هل يعتبر اخبار ذي اليد مطلقا و لو كان كافرا أم لا؟

الظاهر هو الأوّل كما هو ظاهر الروايات كما في رواية أحمد بن محمد بن أبي نصر قال: سألته عن الرجل يأتي السوق فيشترى جبّة فراء لا يدرى أ ذكية هي أم غير ذكية؟ قال: نعم ليس عليكم المسألة، الى آخره، «2».

و كما في قوله عليه السلام في رواية عبد الرحمن بن الحجّاج: لا بأس ان تبيعها و تقول: قد شرط لي الذي اشتريتها منه انها ذكية الى آخره، «3».

________________________________________

بروجردى، آقا حسين طباطبايى، تقرير بحث السيد البروجردي، 2 جلد، دفتر انتشارات اسلامى وابسته به جامعه مدرسين حوزه علميه قم، قم - ايران، اول، 1416 ه ق

تقرير بحث السيد البروجردي؛ ج 1، ص: 119

و قوله عليه السلام: في رواية

أخرى لابن أبي نصر، عن الرضا عليه السلام: انا اشترى الخف من السوق و يصنع و أصلّي فيه، ليس عليكم المسألة و تقول: قد شرط لي الذي اشتريتها منه انّها ذكية، الى

______________________________

(1) الوسائل باب 50 حديث 7 من أبواب النجاسات ج 2 ص 1073 و فيه إسماعيل بن عيسى.

(2) الوسائل باب 50 حديث 6 من أبواب النجاسات ج 2 ص 1072.

(3) الوسائل باب 61 حديث 4 من أبواب النجاسات ج 2 ص 1081.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 120

آخره «1».

و قوله عليه السلام- في رواية الفضلاء-: كل إذا كان في سوق المسلمين و لا تسأل عنه «2».

و في رواية محمد بن الحسين الأشعري،: كتب بعض أصحابنا الى أبي جعفر الثاني: ما تقول في الفرو يشترى من السوق؟ فقال: إذا كان مضمونا فلا بأس «3».

و في رواية أبي تمامة، قال: قلت لأبي جعفر عليه السلام: ان بلادنا باردة فما تقول في لبس هذه الوبر؟ فقال عليه السلام: أ ليس منها ما أكل و ضمن «4».

و تقريب الاستدلال انّ الروايات الناطقة بعدم لزوم السؤال أو لزومه يراد بها السؤال عن البائع، و هو انما يفيد إذا كان جواب المسئول عنه حجّة و الّا لزم اللغوية في السؤال كما لا يخفى.

هذا مضافا الى ان حجيّة اخبار ذي اليد انما هي لأجل طريقة العقلاء التي قد أمضاها الشارع و لو بعد الردع عنها.

و من هنا يمكن ان يقال: ان قاعدة من ملك شيئا ملك الإقرار به ليست قاعدة تعبديّة ورد بها النفي الخاص، بل هي من الطرق العقلائية بما هم عقلاء.

______________________________

(1) الوسائل باب 50 ذيل حديث 6 من أبواب النجاسات ج 2 ص 1072

(2) الوسائل باب 29

قطعة من حديث 1 من أبواب الذبائح ج 16 ص 94

(3) الوسائل باب 50 حديث 10 من أبواب النجاسات ج 2 ص 1072.

(4) الوسائل باب 2 حديث 3 من أبواب لباس المصلي ج 3 ص 251.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 121

فإذا أخبر ذو اليد بطهارة شي ء كان متيقّن النجاسة أو كونه مال نفسه أو كون الحيوان مذكى بالتذكية الشرعية فلا بد ان يسمع منه و لو كان المخبر كافرا كما هو الظاهر كالصريح من رواية إسماعيل بن سعد «1».

و من هنا قلنا: بحجية الظواهر و اخبار الآحاد و أصالة البراءة بطريقهم.

و إليها أشير أيضا في رواية زرارة في خبر الاستصحاب بقوله عليه السلام: و ليس لك ينبغي ان تنقض اليقين بالشك «2» حيث انه عليه السلام تمسّك في إفادة المطلب بما ليس تعبديا بل ارتكازيا عقلائيا كما لا يخفى.

تنبيه قد يقال: بأن أصالة عدم التذكية لا تثبت كون هذا اللحم الخاص غير مذكى

كي يترتب عليه آثار الغير المذكى من الحرمة و النجاسة، نعم لا يترتب عليه آثار المذكى، كما ان بأصالة عدم كون المرأة حائضا أو عدم رؤيتها دم الحيض لا يثبت كون الدم الخارج ليس بدم الحيض فيحكم بكونه استحاضة.

(و فيه) ان وجه عدم إثباته كونه ليس بدم الحيض هو اختلاف

______________________________

(1) لا حظ الوسائل باب 50 حديث 7 من أبواب النجاسات ج 2، ص 1073، و فيه إسماعيل بن عيسى.

(2) الوسائل باب 41 قطعة من حديث 1 من أبواب النجاسات ج 2 ص 1062.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 122

العنوان و المعنون في المستصحب و المثبت، فان عنوان عدم اتصاف المرأة بكونها حائضا غير عنوان عدم كون الدم حيضا، و المتّصف في الأوّل غير المتصف في الثاني.

و هذا بخلاف المقام، فان عدم التذكية

المحرز بالأصل عين غير المذكى مفهوما و عنوانا و مصداقا، فلا مانع من إثباته به، بل إحراز أحدهما عين إحراز الآخر، كما لا يخفى.

و حيث انه يمكن ان يفهم من عبارة القائل غير ما فهمناه فاللازم نقل عبارته بعينها:

قال المحقق الهمداني عليه الرحمة في مصباح الفقيه في مسألة عدم جواز استعمال الجلود الغير المذكاة، بعد بيان جريان أصالة عدم التذكية في المشكوك كونه مذكّى، ما هذا لفظه:

لكن لقائل أن يقول: انه لا يثبت بهذا الأصل كون اللحم غير مذكى حتى يحكم بحرمته و نجاسته كما انه لا يثبت بأصالة عدم صيرورة المرأة حائضا أو أصالة عدم رؤية المرأة دم الحيض، كون الدم المرئي دم غير الحيض حتى يحكم بكونه استحاضة الّا على القول بالأصل المثبت و هو خلاف التحقيق فمقتضى القاعدة هو التفكيك بين الآثار، فما كان منها مرتّبا على عدم كون اللحم مذكى كعدم حليته و عدم جواز الصلاة فيه و عدم طهارته و غير ذلك من الأحكام العدمية المنتزعة من الوجوديات التي تكون التذكية شرطا في ثبوتها ترتب عليه، فيقال: الأصل عدم تعلّق التذكية بهذا اللحم الذي زهق روحه، فلا يحل اكله، و لا الصلاة فيه، و لا استعماله فيما يشترط بالطهارة و اما الآثار المترتبة على كونه غير مذكى كالأحكام الوجودية الملازمة لهذه العدميّات كحرمة اكله

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 123

و نجاسته و تنجيس ملاقيه و حرمة الانتفاع به ببيعه أو استعماله في سائر الأشياء الغير المشروطة بالطهارة كسقي بساتين و إحراقه على القول بها و غير ذلك من الأحكام المعلّقة على عنوان الميتة أو غير المذكى فلا (انتهى موضع الحاجة من كلامه، زيد في علوّ مقامه).

و حاصل ما

أفاده في طرف تعيين الموضوع هو الفرق بين عدم كون الحيوان مذكى و كونه غير مذكى، و الذي يكون موضوعا للاستصحاب هو الأوّل، و الذي يكون لا يثبت إلّا بالأصل المثبت هو الثاني.

و لكن الظاهر عدم ورود الإشكال، لانه اما ان يكون المراد هو التفكيك من حيث الموضوع بمعنى ان موضوع عدم الحرمة مثلا عدم كونه مذكى، و موضوع الحرمة كونه غير مذكى، فهو غير مسلّم لان المراد من غير المذكى هو كونه بحيث لم يذك بنحو السالبة البسيطة، فهو عين موضوع المستصحب.

و ان كان المراد إثبات كونه غير مذكى، بمعنى ان الوصف الغير المذكى ثابت لهذا الموضوع بنحو المعدولة المحمول، فهو و ان كان حقا بتقريب ان يقال: ان المذكى عبارة عن زهاق الروح من الحيوان بالأسباب المخصوصة مع الكيفية المخصوصة، و غير المذكى له موضوعان (أحدهما): ما لم يقع عليه التذكية المخصوصة، (ثانيهما): ما زهق روحه بغير السبب المخصوص، فإثبات الأوّل بالأصل لا يوجب إثبات الثاني و المفروض عدم الحالة السابقة له مستقلا.

الّا انه بهذا المعنى لم يقع موضوعا للأحكام و الآثار الشرعية، بل الموضوع لها حيوان أو لحم أو لجلد لم يثبت له التذكية و لو بنحو السالبة و المفروض ثبوت هذا النحو من الموضوع بأصالة عدم التذكية.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 124

و ان كان المراد انه مغاير للتذكية فيقال: إنه بأصالة عدم التذكية لا يثبت انه مغاير للمذكى، فهو مع اشتراكه في عدم كونه موضوعا في الأدلة، لا ينافي عدم كونه مذكى الذي هو الموضوع المستصحب لانه يصدق عليه انه مغاير للمذكى.

(و اما) «1» ان يكون المراد هو التفكيك من حيث الآثار بمعنى التفرقة بين عدم الحلّية و الحرمة

و كذا بين عدم الطهارة و النجاسة، فلم يعلم له وجه، لان الآثار العدمية المنتزعة من الآثار الوجودية- كما اعترف به قدّس سره في كلامه- المترتبة على المذكى لا يحتاج الى دليل سوى الدليل الدال على إثبات ذلك الموضوع.

و بالجملة يكفي في ثبوت الآثار الوجودية ثبوت الموضوع، و في الآثار العدمية عدم ثبوت ما هو الموضوع للآثار الوجودية و لا يحتاج في نفى تلك الآثار الى دليل، بل يكفى عدم الدليل على ثبوتها، مضافا الى انه لا معنى لترتيب عدم الحلّية و الطهارة و عدم جواز الصلاة إلّا الحرمة و النجاسة و البطلان للصلاة.

ثم أورد قدّس سره على نفسه بقوله: ان قلت: لا يمكن التفكيك بين عدم الحلّية و الطهارة و بين ما يلازمهما في الحرمة و النجاسة لا لمجرد الملازمة العقلية حتى يتوجه عليه التفكيك بين اللوازم و المفردات في مقتضيات الأصول غير عزيز، بل لقوله عليه السلام كل شي ء لك حلال حتى تعلم انّه حرام «2» و كل شي ء نظيف حتى تعلم انّه قذر «3» و المفروض

______________________________

(1) عطف على قولنا: ان يكون المراد هو التفكيك من حيث الموضوع.

(2) الوسائل باب 4 قطعة من حديث 4 من أبواب ما يكتسب به ج 12 ص 60.

(3) الوسائل باب 37 قطعة من حديث 4 من أبواب النجاسة ج 2 ص 54.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 125

انه لم يحرز قذارته و حرمته بأصالة عدم التذكية حتى يقال: بحكومتها على أصالتي الحل و الطهارة.

فالقول بان هذا الشي ء لم يعلم حرمته و نجاسته و لكنه ليس بحلال و لا طاهر مناقض.

فأجاب بقوله- ره-: (قلت: الشي ء المأخوذ موضوعا للحكمين هو الشي ء المشكوك الحلية و الطهارة لا المقطوع

بعدمهما كما هو الشأن في جميع الأحكام الظاهرية المجهولة للشاك و حيث ألغى الشارع احتمال الحلية و الطهارة فنزله منزلة العدم بواسطة أصالة عدم التذكية، خرج المفروض من موضوع الأصلين حكما، فكما ان استصحاب نجاسة شي ء حاكم على قاعدة الطهارة كذلك استصحاب عدم طهارته أيضا حاكم عليها و كذلك الأصل الموضوعي الذي يترتب عليه هذا الأمر العدمي لما هو واضح)، (انتهى).

و في الجواب نظر و ان كان أصل السؤال- بناء على ما ذكرنا- لا احتياج إليه في ترتيب آثار المذكى.

اما الأوّل: فلأنه بعد فرض حكم الشارع بأنه لم يذك، فلا وجه لان يقال بعدم جريان قاعدتي الطهارة و الحلية، فإن الموضوع لهما ليس هو الشي ء مع قيد كونه مشكوك التذكية، بل هو في حالة عدم ثبوت موضوع الحرمة و النجاسة و المفروض التفاته بأصالة عدم التذكية باعترافه قدّس سرّه.

(و بعبارة أخرى): المستفاد من قوله عليه السلام: كلّ شي ء الى آخره، هو الحكم بالطهارة و الحلّية على كلّ شي ء ما لم يعلم حرمته و نجاسته.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 126

و اما الثاني: فإنا قد ذكرنا ان المذكى له قيد وجودي مسبوق بالعدم، دون الميتة فإذا شك في تحققه فالأصل عدمه، فيترتب عليه آثار غير المذكى، لان المفروض ان زهوق الروح محرز بالوجدان، و عدم تحقق القيد محرز بالأصل، و الحرمة و النجاسة مترتبان على ما زهق روحه لا بالكيفية المخصوصة.

و قد يقال «1» بعدم جريان أصالة عدم التذكية فيما إذا كان منشأ الشك هو احتمال كون المشكوك ممّا ذكى قطعا بمعنى انه إذا كان هناك مذكى و غير مذكى و شك في انه من أيهما فلا يجوز التمسك بالأصل لأنه تمسك بالعموم في الشبهة

المصداقية لنقض اليقين بالشك، لاحتمال كونه من مصاديق نقض اليقين باليقين بان يكون من افراد ما ذكى قطعا بحسب الواقع و هو غير جائز و لا سيّما إذا كان اشتباهه من حيث شمول العام له فإنه مجمع على عدم جوازه.

(و فيه): ان المذكى ليس عبارة عن الأفعال المخصوصة الواقعة على خصوص الأوداج، بل الظاهر مؤيّدا بالآية و الروايات ان التذكية تقع على جميع اجراء بدن الحيوان من الجلد و اللحم بل و العظم و الشعر ممّا لا تحلّ فيه الحياة فإن للروح الحيواني تعلقا أيضا من حيث النمو و لذا يفسد العظم بعد خروج الروح و يصير رميما.

فإذا شك في كل واحد منهما انه مذكى أو غيره فالأصل يجرى بلا مانع.

______________________________

(1) القائل هو المؤسس لأساس الحوزة المقدسة العلمية في البلدة الطيبة (قم) آية اللّٰه العظمى الحاج الشيخ عبد الكريم الحائري- قدّس نفسه الزكية- في صلاته.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 127

نعم لو قيل: ان موضوع المذكى هو الحيوان بما هو، يمكن ان يقال: بعدم جريان الاستصحاب في أجزائه كما هو المتراءى من عبارة هذا القائل، لكنه أيضا محل اشكال، بل منع كما سنذكره- إن شاء اللّٰه- بعد نقل عبارة القائل.

فالأولى نقل عبارته قدّس سره، قال:- بعد بيان القول بكون المشكوك تذكيته محكوما بعدمها، سواء كانت التذكية عبارة عن الأفعال المخصوصة الواردة على المحلّ القابل أو حالة بسيطة تتحصّل من تلك الافعال- ما هذا لفظه:

نعم على الأوّل «1» موضوع الأصل هو الحيوان لا الجلد، فيشكل الحكم بعدم التذكية فيما لم يكن هناك حيوان شك في تذكيته، كما إذا قطعنا بكون الحيوان المخصوص المذبوح في الخارج و الآخر المعين ميتة و شك في ان الجلد من

أيّهما لعدم كون حيوان في الخارج مشكوك التذكية حتى يحكم بعدم تذكيته بالأصل، و انما الشك في الجلد المخصوص مأخوذ من أيّهما و لا أصل في البين يعين كونه مأخوذا من الميتة.

و امّا بناء على ما قلنا: من ان التذكية عبارة عن حالة بسيطة تتحصّل في الأفعال فلا إشكال في ان تلك الحالة تسرى في جميع أجزاء الحيوان ممّا تحلّه الحياة فاللحم يصير مذكى بواسطة تلك الافعال، و كذا الجلد فيصح ان يقال: ان الجلد المخصوص يشك في ورود التذكية عليه و الأصل عدمه.

(و لقائل) أن يقول:- بعد فرض كون الجلد المفروض ممّا يحتمل

______________________________

(1) يعنى بناء على كون التذكية عبارة عن الأفعال المخصوصة.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 128

ان يكون منفصلا من الحيوان المذكى بالقطع التفصيلي- لا مجال لاستصحاب عدم التذكية، لأن رفع اليد عن عدم التذكية يمكن ان يكون من مصاديق نقض اليقين باليقين لا بالشك، فان الجلد المفروض لو كان هو الذي نعلم تفصيلا بتذكيته، انتقض اليقين السابق باليقين، فالتمسّك بعموم لا تنقض في المثال لا يمكن مع الشبهة في المصداق (انتهى موضع الحاجة من كلامه، زيد في علوّ مقامه).

و الظاهر ان التذكية ان كانت عبارة عن الأفعال المخصوصة الواردة على الحيوان و كان هو مشكوك التذكية فلا إشكال في إجراء أصالة عدم التذكية، و ان كان المشكوك أجزاء الحيوان كالجلد و اللحم و الشحم- مثلا- فلا إشكال أيضا.

فيقال: الأصل عدم كون الحيوان الذي هذا المشكوك جزء منه مذكى.

و ان كانت عبارة عن حالة بسيطة تتحصّل بالأفعال المخصوصة فلا إشكال أيضا في جريانها بالنسبة إلى الحيوان بجملته و كذا بالنسبة إلى أجزائه، بناء على ما هو التحقيق من سريان زهوق الروح

في جميع أجزاء بدن الحيوان، فكلّ واحد منهما كان مسبوقا بعدمها.

نعم لو كانت الميتة عبارة عن زهوق الروح بسبب غير التذكية و كانت الحرمة أو النجاسة مترتبة على الميتة بهذا المعنى لم يثبت باستصحاب عدم التذكية.

لكن قد أشرنا سابقا الى ما فيه، من عدم كون الميتة عبارة عمّا ذكر أوّلا، و على تقدير تسليم ذلك كما قد يستظهر ذلك من مقابلة الميتة للمنخنقة و الموقوذة نقول: ان موضوع الحرمة أو النجاسة أعم من ذلك ثانيا.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 129

هذا كلّه إذا كان المشكوك واحدا.

و اما إذا كان متعددا و علم بتذكية أحدهما و عدم تذكية الآخر من غير تعيين، فالظاهر جريانها أيضا في كليهما، لان العلم الإجمالي بكون أحدهما مذكى لا يوجب تكليفا إلزاميّا فلا مانع من إجراء الأصلين كما في الإناءين المسبوقين بالنجاسة ثم علم بطهارة أحدهما.

نعم على القول في وجه، بعدم جريان الأصل في أطراف العلم الإجمالي من لزوم التناقض لا يجرى هنا لكنه غير تام كما قد قرّر في محلّه.

و لو كان المعلوم كون كل من الطرفين معنونا بعنوان و اشتبه هذا العنوان فهل يجرى فيه الأصل أيضا أم لا؟ وجهان، فلو كان هناك غنما أحدهما لزيد و الآخر لعمرو ثم علم بكون غنم زيد مذكّى و غنم عمرو غير مذكى، ثم اقتطع من أحدهما قطعة لحم و لم يعلم انه من أيّهما ففي جريان أصالة عدم التذكية و عدمها وجهان:

(من) ان كلّ واحد بما هو مشكوك مع قطع النظر عن العلم الإجمالي بمخالفة أحدهما للواقع.

(و من) ان العنوان لمّا كان معلوما و اشتبه هذا المعلوم بين العنوانين و لم نعمل على طبق الحالة السابقة لم يحرز انّه نقض

اليقين بالشك فيكون مشمولا للأدلّة الدالة على النهي عن نقض اليقين، كما لا يخفى.

و لكن لا يبعد أولوية الوجه الأوّل، فإن المناط في جريان دليل الاستصحاب الشك الفعلي، و معلومية العنوان لا دخل لها في جريان أصالة عدم التذكية و عدم جريانها، فان هذا اللحم المنتزع من الحيوان المعلوم العنوان واقعا المجهول ظاهرا، مسبوق بعدم التذكية، فالأصل أيضا يقتضي عدمها.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 130

الثاني من الشرائط عدم كون اللباس من أجزاء ما لا يؤكل لحمه
اشارة

و هذا الحكم من متفرّدات الإماميّة و لم يقل به أحد من فرق المسلمين، و الروايات الدالة عليه كثيرة و لكن أكثرها ضعيف السند.

نعم ما رواه ابن بكر حسنة أو موثقة، فلذا تأمّل صاحب المدارك في أصل هذا الحكم بناء على أصله من عدم حجيّة الروايات الّا ما كانت صحيحة اعلائية، و هي ما كانت الرواة في جميع الطبقات عدولا معدّلين بعدلين.

لكن التأمّل في غير محلّه، لان عمدة الدليل على حجيّة الروايات ليس الّا بناء العقلاء في أوامرهم العرفية و هو موجود في الحكم المذكور فإنه لم يخالف أحد من العلماء المتقدّمين عليه، بل ادعى الشيخ في الخلاف و السيد أبو المكارم ابن زهرة في الغنية و العلّامة في المنتهى و نهاية الإحكام و التذكرة الإجماع، و في المعتبر للمحقق، في مسألة جلد مالا يؤكل، هذا الحكم مشهور عن أهل للبيت عليهم السلام.

هذا مع تفرّد الإمامية، مع كون المسألة ممّا تعمّ به البلوى، يقطع بكون هذا الحكم عن أهل البيت عليهم السلام، و تأمّل صاحب المدارك قد نشأ و حدث في العصر المتأخر (1027) عن عصر العلماء المتقدمين الذين هم المتوسطون بيننا و بين الأئمة عليهم السلام، فلا إشكال في أصل الحكم في الجملة.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1،

ص: 131

هذا مع وجود الموثقة أيضا، و عمل العلماء بها، مؤيّدة بالأخبار الأخر فلنذكر

الأخبار الواردة و هي على أقسام:
اشارة

(منها): ما يدل بنحو العموم على عدم جواز الصلاة في أجزاء ما لا يؤكل لحمه.

(و منها): ما ورد في خصوص السباع.

(و منها): ما ورد في الموارد الجزئية كالثعلب و الأرنب و نحوهما.

اما الأوّل [ما يدل بنحو العموم]

فهي كثيرة فروى الشيخ رحمه اللّٰه عن الكليني رحمه اللّٰه عن على بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن ابن بكير، قال:

سأل زرارة أبا عبد اللّٰه عليه السلام عن الصلاة في الثعالب و الفنك و السنجاب و غيره من الوبر، فاخرج كتابا زعم انه إملاء رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و آله: ان الصلاة في وبر كلّ شي ء حرام أكله فالصلاة في وبره و شعره و جلده و بوله و روثه و كلّ شي ء منه فاسدة لا تقبل تلك الصلاة حتى يصلّى في غيره مما أحل اللّٰه اكله، ثم قال: يا زرارة هذا عن رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و آله فاحفظ ذلك يا زرارة، فإن كان ممّا يؤكل لحمه فالصلاة في وبره و بوله و شعره و روثه و ألبانه و كلّ شي ء منه جائز إذا علمت انه مذكى و قد ذكاه الذبح، و ان كان غير ذلك مما قد نهيت عن اكله و حرم عليك أكله فالصلاة في كل شي ء منه فاسد ذكاه الذبح أو لم يذكه «1».

و في العلل، عن على بن احمد، عن محمد بن أبي عبد اللّٰه، عن محمد بن إسماعيل، بإسناده يرفعه الى أبي عبد اللّٰه عليه السلام: قال:

لا تجوز الصلاة في شعر و وبر ممّا لا يؤكل لحمه، لأن أكثرها

______________________________

(1) الوسائل باب 2 حديث 1 من أبواب لباس المصلى ج 3 ص 250.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 132

مسوخ «1».

و في التهذيب

بإسناده، عن محمد بن احمد بن يحيى، عن عمر ابن على بن عمر بن يزيد، عن إبراهيم بن محمد الهمداني، قال: كتب اليه: يسقط على ثوبي الوبر و الشعر مما لا يؤكل من غير تقيّة و لا ضرورة؟

فكتب: لا تجوز الصلاة فيه «2».

و روى الصدوق رحمه اللّٰه بإسناده، عن حماد بن عمرو، و انس بن محمد، عن أبيه، عن جعفر بن محمد، عن آبائه في وصية النبي صلى اللّٰه عليه و آله لعلي عليه السلام: قال: يا على لا تصلّ في جلد ما لا يشرب لبنه و لا يؤكل لحمه «3».

و روى الكليني رحمه اللّٰه، عن على بن محمد، عن عبد اللّٰه بن إسحاق العلوي، عن الحسن بن على، عن محمد بن سليمان الديلمي عن على (محمد، خ ل) بن أبي حمزة، قال: سألت أبا عبد اللّٰه عليه السلام أو أبا الحسن عليه السلام عن لباس الفراء و الصلاة فيها، قال: لا تصل فيها الّا ما كان منه ذكيا، قال: أو ليس الذكي مما ذكى بالحديد؟

قال: نعم (بلى، خ ل) إذا كان مما يؤكل لحمه «4».

و في الهداية للصدوق، قال الصادق عليه السلام: صل في شعر و وبر كل ما أكلت لحمه و ما لا يؤكل لحمه فلا تصلّ في شعره و وبره «5».

______________________________

(1) الوسائل باب 2 حديث 7 من أبواب لباس المصلى ج 3 ص 251.

(2) المصدر، الحديث 4.

(3) المصدر، الحديث 5.

(4) المصدر، الحديث 2.

(5) المصدر، الحديث

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 133

و في الفقه المنسوب الى الرضا عليه السلام: و إيّاك ان تصلّى في الثعالب، في ثوب تحته جلد ثعالب، و صلّ في الخزّ إذا لم يكن مغشوشا بوبر الأرانب «1». (انتهى)

و في الوسائل نقلا من كتاب تحف العقول للحسن بن على بن شعبة عن الصادق عليه السلام في حديث، قال: و كلّ ما أنبتت الأرض فلا بأس بلبسه و الصلاة فيه، و كلّ شي ء يحلّ لحمه فلا بأس بلبس جلده الذكي منه، و صوفه، و شعره و وبره، و ان كان الصوف و الشعر و الريش من الميتة و غير الميتة ذكيا فلا بأس بلبس ذلك و الصلاة فيه «2».

و في المستدرك: فقه الرضا عليه السلام: لا بأس بالصلاة في شعر و وبر كل ما أكلت لحمه و الصوف منه، و قال في موضع آخر: اعلم يرحمك اللّٰه ان كل شي ء أنبته الأرض فلا بأس بلبسه و الصلاة فيه و كلّ شي ء حلّ أكل لحمه فلا بأس بلبس جلده الذكي و صوفه و شعره و وبره و ريشه و عظامه.

دعائم الإسلام: عن جعفر بن محمد عليهما السلام في حديث: و لا يصلّى بشي ء من جلود السباع و لا يسجد و كذلك كلّ شي ء لا يحلّ اكله.

و روينا عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام: انه ذكر ما يحل من اللباس بقول مجمل، فقال: كل ما أنبت الأرض فلا بأس بلبسه و الصلاة، و كل شي ء يحل اكله فلا بأس بلبس جلدة إذا ذكى، و صوفه و شعره و وبره و ان لم يكن ذكيا فلا خير في شي ء من ذلك منه.

______________________________

(1) فقه الرضا (ع) باب اللباس إلخ، ص 157، طبع مؤسسة أهل البيت.

(2) الوسائل باب 2 حديث 8 من أبواب لباس المصلى ج 3 ص 252.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 134

البحار، عن العلل لمحمد بن على بن إبراهيم، قال: قال رسول اللّٰه صلى اللّٰه

عليه و آله: لا يصلّى في ثوب مالا يؤكل لحمه و لا يشرب لبنه «1» (انتهى ما في المستدرك).

و اما القسم الثاني من الروايات

ففي الكافي: محمد بن يحيى، عن احمد بن محمد، عن محمد بن خالد، عن إسماعيل بن سعد بن الأحوص قال: سألت أبا الحسن الرضا عليه السلام عن الصلاة في جلود السباع فقال: لا تصلّ فيها «2» الحديث.

و روى الشيخ رحمه اللّٰه بإسناده، عن الحسين بن سعيد، عن الحسن، عن زرعة، عن سماعة، قال: سألته عن لحوم السباع و جلودها فقال: اما لحوم السباع فمن الطير و الدواب فانا نكرهه، و امّا الجلود فاركبوا عليها و لا تلبسوا منها شيئا تصلّون فيها «3».

و في عيون اخبار الرضا عليه السلام: حدثنا عبد الواحد بن محمد ابن عبدوس النيسابوري العطار بنيسابور في شعبان سنة 352 قال:

حدثنا على بن محمد بن قتيبة النيسابوري، عن الفضل بن شاذان، قال:

سأل المأمون على بن موسى الرضا عليهما السلام ان يكتب له محض الإسلام (الى ان قال): و لا يصلّى في جلود الميتة، و لا في جلود السباع «4».

و اما القسم الثالث:

فالاخبار فيه كثيرة جدا فمن شاء فليراجع الوسائل «5» و المستدرك «6».

______________________________

(1) المستدرك باب 3/ 4/ 7 من أبواب لباس المصلى ج 1 ص 201 من الطبع الأول.

(2) الوسائل باب 6 حديث 1 من أبواب لباس المصلى ج 3 ص 257.

(3) الوسائل باب 5 حديث 3 و 4 من أبواب لباس المصلي

(4) الوسائل باب 6 حديث 3 من أبواب لباس المصلي.

(5) الوسائل باب 7 من أبواب لباس المصلي

(6) المستدرك باب 7 من أبواب لباس المصلي ج 1 ص 201.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 135

إذا عرفت هذه الاخبار فاعلم انّ هنا جهات من البحث:
(الاولى): هل الحكم مختصّ بالملابس أم يعمّ مطلق ما يصلح ان يكون منه اللباس،

أم يعمّ مطلق الاجزاء التي جزئيتها فعليّة فيشمل مثل الريق و البزاق، أم يعمّ مطلق ما يكون ممّا لا يؤكل لحمه و لو لم يكن جزء فعلا كالروث و البول و اللبن، ثم هل يشمل المحمول أيضا أم يختصّ بما يقع على اللباس فقط؟

فنقول: ان جعلنا الدليل على الحكم غير موثقة ابن بكير فيمكن التمسّك حينئذ بالقدر المتيقّن لعدم وجود رواية صحيحة في ذلك فالقدر المتيقن حينئذ هو الملابس دون غيرها كما استظهره الشهيدان.

و قد يستدلّ للعموم برواية إبراهيم بن محمد بن عمر الهمداني الذي كان وكيلا من ناحية العسكري عليه السلام التي تقدّم ذكرها «1» حيث منع الصلاة من ثوب وقع عليه الشعر و الوبر.

و فيه ان الدليل أخصّ من المدعى، فان تلك الرواية لا تدلّ الّا على المنع عن الصلاة في الأجزاء التي جزئيتها فعلية لا مطلق ما يكون مما لا يؤكل، و لا هي إذا كانت محمولة بل لا تشمل مثلا استصحاب العظم و اللحم، فالاستدلال على العموم بهذه الرواية في غير محلّه.

و اما ان جعلنا الدليل على أصل الحكم، موثقة ابن بكير، فهل يشمل جميع

ما ذكرناه من الاحتمالات كما نسب الى ظاهر المشهور أم لا؟

فالمنقول عن الوحيد البهبهاني عليه الرحمة حمل لفظة (في) الظاهرة في الظرفية الحقيقية على المصاحبة، فيكون المعنى ان الصلاة مع الوبر و الشعر، الى آخره، فيكون الحكم عاما لكلّ ما ذكرنا.

______________________________

(1) الوسائل باب 17 حديث 1 من أبواب لباس المصلى ج 3 ص 277.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 136

و قد نوقش بإمكان حملها على حذف الصفة، فيقال: ان الصلاة في الثوب المتلطّخ بأحدهما في الوبر و الشعر و البول و الروث، الى آخره، فلا يشمل المحمول حينئذ، نعم يعمّ ما إذا سقط شعرة على لباسه و نحوه.

و أجيب عنه بان المجاز اولى من الإضمار عند الدوران كما قرّر في باب تعارض الأحوال «1».

و يمكن ان يقال: بأنه لو دار الأمر بين المعنيين: المصاحبة و ارادة تلطخ الثوب بأحد الأمور المذكورة فلا شبهة في كون الثاني أظهر سواء قلنا في باب تعارض الأحوال بأولوية المجاز من الإضمار أم لا.

لكن يمكن ارادة المعنى الحقيقي من لفظة (من) بان يقال: كما ان العرف يعتبر الظرفية بالنسبة إلى اللباس باعتبار إحاطته بالمصلي و كونه محاطا فكأنه «2» فيه، فكذلك يعتبر بالنسبة الى أجزاء اللباس فإذا كان بعض اجزائه مما لا يؤكل يصدق انه صلّى فيه.

و بعبارة أخرى: صدق الصلاة فيه بملاحظة صدور أفعال الصلاة من المصلى الذي يكون مظروفا للباس بنحو من الاعتبار العرفي من غير فرق بين الكلّ و الجزء، فإذا وقع شعرة ممّا لا يؤكل لحمه على ثوبه يصدق انّه صلّى فيها بهذا المقدار من الشعرة، فكما إذا كان اللباس نفسه من تلك الاجزاء يصدق انه صلى فيها، فكذلك إذا كان قطعة من اللباس متلطّخا

بها، يصدق انه صلى فيها، لان مجموع اللباس كما يكون ظرفا

______________________________

(1) المراد بالأحوال الحالات الطارية على الألفاظ كالاضمار و المجاز و الاشتراك بقسميه و نحوهما.

(2) يعنى: فكأنّ المصلّى في اللباس.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 137

باعتبار إحاطته للمصلّي، فكذا اجزائه بلا تجوّز و لا إضمار، و هذا المقدار من الظرفية كاف أيضا في المحمول و ان كان في صدقها حينئذ نوع خفاء.

فتحصّل انه لا فرق في أجزاء ما لا يؤكل بين الجلد و العظم و الوبر و الصوف و الشعر و البزاق و سائر الرطوبات في بطلان الصلاة سواء كانت ملبوسا أو على اللباس.

الجهة الثانية: هل الأخبار شاملة لاجزاء الإنسان سواء كانت من نفسه أو من غيره أم لا؟

قد يقال: بانصراف لفظ الحيوان الى غير الإنسان باعتبار انه و ان كان بالتحليل مركبا من حيوان و ناطق الّا انه لا يسمّى حيوانا عند العرف.

(و فيه): انه و ان كان كذلك الّا ان الدليل ليس بلسان الحيوان، بل بعنوان ما لا يؤكل لحمه و هو عام للإنسان أيضا.

فالأولى: الاستدلال لعدم المنع بجريان سيرة المسلمين من صدر الإسلام إلى زماننا هذا على عدم الاحتراز عن أجزاء الإنسان، مع ان المسألة ممّا تعم به البلوى و لازم ذلك ذكره بالخصوص على المنع كما لا يخفى.

و يؤيّده أيضا ما رواه الصدوق عليه الرحمة، بإسناده، عن على ابن الريان بن الصلت انه سأل أبا الحسن الثالث عليه السلام: يأخذ من شعره و أظفاره ثم يقوم إلى الصلاة من غير ان ينفضه من ثوبه؟ قال:

لا بأس «1».

و ما رواه الشيخ عليه الرحمة بإسناده، عن محمد بن على بن محبوب، عن على بن الريان، قال: كتبت الى أبي الحسن عليه السلام

______________________________

(1) الوسائل باب 18 حديث 1 من أبواب لباس المصلى ج 3 ص

277.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 138

هل تجوز الصلاة في ثوب يكون فيه شعر من شعر الإنسان و أظفاره من قبل ان ينفضه و يلقيه عنه، فوقّع عليه السلام: يجوز. «1».

و استظهار تعددها من قوله في الأولى: سأل، الى آخره، و في الثانية: كتبت، الى آخره، مع كون السؤال أعم من ان يكون مشافهة أو مكاتبة، غير تام.

نعم لو نسج أو صنع من شعر الإنسان لباس ففي جواز الصلاة فيه و عدمه وجهان، منشأهما كون دليل خروج أجزاء الإنسان هل الانصراف فلا مانع، أو المسيرة فمشكل لعدم إحراز السيرة كذلك.

(الجهة الثالثة): هل الحكم مختص بما تتم فيه الصلاة أم يعم بالنسبة إليه أيضا؟
اشارة

وجهان، نقل عن الشيخ في المبسوط الأوّل و استدلّ العلامة في المختلف باستقراء موارد احكام ما لا تتم فيه الصلاة قال في المختلف:

احتج الشيخ رحمه اللّٰه تعالى: بأنّه قد ثبت للتكة و القلنسوة حكم مغاير لحكم الثوب من جواز الصلاة فيها و ان كانا نجسين أو من حرير محض، فكذا يحوز لو كانا من وبر الأرانب و غيرها (انتهى موضع الحاجة).

(و فيه): ان ظاهر هذا الاستدلال قياس لا نقول به.

و قد يقال: ان مراد العلّامة استظهار هذا الحكم من الموارد العديدة بإلغاء الخصوصية لا القياس المصطلح الممنوع، فهذا نظير استظهار عدم خصوصية الرجولية في قوله: رجل شك بين الثلاث و الأربع فتلغى خصوصية الرجولية فتصير المرأة أو الخنثى أيضا شريكة في البناء على الأكثر.

فيقال في المقام: ان النص و ان كان واردا في مسألة ما لا تتم في خصوص النجاسة الّا انه تلغى هي فيعمّ الحكم لاجزاء ما لا يؤكل أيضا

______________________________

(1) الوسائل باب 18 حديث 2 من أبواب لباس المصلى ج 3 ص 277.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 139

بل كلّ ما

يكون وجوده مانعا من صحتها كالميتة.

(و فيه): ان هذا التأويل و ان كان حقا في الجملة الّا انّه لا يجدي في خصوص المقام، فان مجرد استقراء موضعين كالنجاسة و الحريرية لا يوجب الاستقراء لإلغاء خصوصيّة المورد.

و يمكن الاستدلال للشيخ رحمه اللّٰه بل و للعلّامة في استدلاله رحمه اللّٰه بإطلاق ما دل على العفو عما لا تجوز الصلاة فيه وحده بقرينة.

مثل ما رواه الشيخ رحمه اللّٰه عن سعد، عن موسى بن الحسن، عن احمد بن هلال، عن ابن أبي عمير، عن الحلبي، عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام قال: كلّ ما لا تجوز الصلاة فيه فلا بأس بالصلاة فيه مثل التكّة الإبريسم و القلنسوة و الخف و الزنار يكون في السراويل و يصلّى فيه «1» دلّت بإطلاقها على جواز الصلاة فيما لا تتم، سواء كان نجسا أو ميتة أو غير مأكول أو حرير محض، و القرينة على ذلك انّه الأمور المذكورة في الروايات انّما هي من باب المثال و وجه التصريح بالإبريسم هو كونه أحد أفراد ما لا تجوز الصلاة فيه، و ذكر الخف أيضا ممّا يؤيّد ما استظهرناه لأن الخف لا يكون من الإبريسم فلا بد ان يكون من الموانع.

و فيه: (أولا): معارضتها بالنسبة إلى خصوص الحرير المحض قد صرّح به في المثال مع رواية محمد بن عبد الجبار، رواها الشيخ رحمه اللّٰه بإسناده عن محمد بن احمد بن يحيى، عنه قال: كتبت الى أبي محمد عليه السلام اسئله: هل يصلّى في قلنسوة عليها وبر مالا يؤكل لحمه أو تكة حرير محض أو تكة من وبر الأرانب؟ فكتب عليه السلام: لا تحلّ الصلاة في الحرير المحض، و ان كان الوبر ذكيا حلّت الصلاة

______________________________

(1) الوسائل

باب 14 حديث 2 من أبواب لباس المصلّى ج 3 ص 273.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 140

فيه إن شاء اللّٰه «1».

قوله عليه السلام: (و ان كان الوبر، الى آخره) سيأتي المراد منه إن شاء اللّٰه.

و هذه الرواية مقدّمة على تلك من حيث السند.

و مع رواية على بن مهزيار رواها الشيخ رحمه اللّٰه بإسناده عنه قال: كتب إبراهيم بن عقبة: عندنا جوارب و تكك تعمل من وبر الأرانب من غير تقيّة و لا ضرورة؟ فكتب: لا تجوز الصلاة فيها «2».

فان ظاهرها جواز الصلاة فيما لا تتمّ إذا كان ممّا لا تتمّ الصلاة فيه وحده.

(و ثانيا) «3» كونها بنفسها ضعيفة السند لا تبلغ حدّ الحجية لوجود احمد بن هلال الذي روى الكشي انه ورد في حقّه عن أبي محمد العسكري عليه السلام: احذروا الصوفي المتصنع، الى آخره «4».

الّا ان يقال: ان رواية (موسى بن حسن) و هو موسى بن حسن ابن عامر بن عبد اللّٰه الأشعري الذي كان من أجلاء الإمامية و قد صنف كتبا عديدة في الفقه، و قد قال النجاشي رحمه اللّٰه في حقه: (ثقة، عين جليل) جابرة لضعف احمد بن هلال.

لكنه مشكل مع تفرّده بنقل هذه الرواية، عن ابن أبي عمير و لم يروه أحد من الأصحاب و لا ما يوافق مضمونها من سائر الروايات.

______________________________

(1) الوسائل باب 14 حديث 1 من أبواب لباس المصلى ج 3 ص 272.

(2) الوسائل باب 7 حديث 2 من أبواب لباس المصلى ج 3 ص 258.

(3) عطف على قولنا: و فيه أوّلا معارضتها.

(4) رجال الكشي في أحمد بن هلال ص 332 طبع بمبئى.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 141

هذا، و لكن يمكن ان يجاب عن الأوّل

بعدم صراحة الروايتين المذكورتين بعنوان المعارضة في جواز الصلاة فيما لا تتم لا مكان حملها على الكراهة جمعا.

فالعمدة هو الإيراد الثاني و هو ضعف السند فلولاه لأمكن العمل على طبقها أيضا، و الشهرة على وفقها غير ثابتة كي تصير جابرة فتكون موثقة ابن بكير الدالة على عدم الجواز المعمولة بين الأصحاب- كما تقدم- محكّمة.

نعم يبقى الكلام

في ذيل صحيحة محمد بن عبد الجبار حيث قال عليه السلام:

(و ان كان الوبر ذكيا حلّت الصلاة فيه إن شاء اللّٰه) فان ظاهره المعارضة مع موثقة ابن بكير بالنسبة الى ما لا تتم فيه الصلاة.

و قد يحتمل ان يكون معنى قوله عليه السلام: (ان كان الوبر ذكيا) (ان كان طاهرا).

لكنه ممنوع بان الزكي مع الزاء أخت الراء هو بمعنى الطاهر لا الذكي مع الذال أخت الدال.

كما ان احتمال ارادة كون الحيوان الذي يؤخذ منه الوبر مذكى مدفوع بأن التذكية لا دخل لها في جواز الصلاة في وبره و عدمه، لجواز نتفه و استعماله إذا كان ممّا يؤكل و لو كان ميتة، و عدم جواز الصلاة فيه إذا كان ممّا لا يؤكل لحمه و لو كان مذكى فالتذكية غير مؤثّرة في جواز استعمال الوبر في الصلاة.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 142

الّا ان يقال: ان المراد انه إذا كان ميتا و كان منتوفا يحتاج الى تطهيره بخلاف ما إذا كان مذكى فلا حاجة الى غسله فالمراد انّه لا حاجة الى غسله إذا كان ذكيا.

لكن حمله على هذا المعنى بعيد، فلا مناص الّا عن العمل بمقتضى قواعد المعارضة فنقول: ان الترجيح لموثقة ابن بكير لموافقتها للمشهور و هو أوّل المرجحات و لمخالفتها للعامة و هو ثاني المرجحات و مخالفة صحيحة محمد بن

عبد الجبار للمشهور و موافقتها للعامة.

(الجهة الرابعة): ما ذكرناه في الجهات الثلاث كان الكلام فيه في سنخ اللباس، و اما حكم الصلاة فيها
اشارة

بالنسبة إلى سنخ الحيوان بمعنى ان الحكم هل هو عام لكل حيوان أم مختصّ ببعض اقسامه دون بعض.

فنقول: انه يحتمل في بدو النظر احتمالات ثلاثة:

الأوّل: الاختصاص بما له لحم دون غيره.

الثاني: الاختصاص بما هو ممكن ان يؤكل بحسب المتعارف لو لا المنع الشرعي.

الثالث: الاختصاص بما له نفس سائلة دون غيره.

الرابع: العموم لكل حيوان الّا ما خرج.

و العمدة في مأخذ هذه الاحتمالات و مداركها و الظاهر انّ مأخذها موثقة ابن بكير.

و لا يخفى ان (لازم الأوّل) خروج الحيوانات التي ليس لها لحم كالحشرات و كثير من الحيوانات التي تطير كالبق و أمثاله و دخول نحو السمك و الحيّة عن موضوع الحكم جوازا و منعا.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 143

(و لازم الثاني) خروج الحيوانات التي لا يكون أكلها متعارفا و دخول نحو الجراد الغير المأكول لكون أكلها متعارفا بين العرب في الجملة.

(و لازم الثالث) خروج الحيوانات التي ليس لها دم سائل و لو كانت ذا لحم كالسمك و الحية و أمثالهما.

(و اما الرابع) فحكمه واضح.

اما موارد استفادة هذه الاحتمالات من موثقة ابن بكير:

(فاما الأوّل): فمن قوله عليه السلام تفريعا على قول رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و آله و قد أخبر عليه السلام انه من إملائه صلى اللّٰه عليه و آله (فان كان مما يؤكل لحمه فالصلاة في وبره و بوله و شعره و روثه و ألبانه و كلّ شي ء منه جائز، الى آخره) حيث قيّد عليه السلام جواز الصلاة بما يؤكل لحمه، فيفهم من ذلك ان المناط في جواز الصلاة و عدمه كونه ذا لحم مأكول و عدمه.

(و اما الاحتمال الثاني) فمن قوله صلى اللّٰه عليه و آله:

(أنّ الصلاة في وبر كل شي ء حرام أكله فالصلاة في وبره و شعره و جلده و بوله و روثه- الى قوله عليه السلام- مما أحل اللّٰه أكله، الى آخره) حيث علّق عليه السلام الحكم على ما كان حراما اكله مطلقا دون ما أكل لحمه فيفهم منه تعلق الحكم على مطلق المأكوليّة سواء كان له لحم أم لا؟

(و اما الاحتمال الثالث) فمن قوله صلى اللّٰه عليه و آله: (ان الصلاة في وبر كل شي ء، الى آخره) و كذا من قوله عليه السلام: (فالصلاة في وبره و شعره، الى آخره) و كذا قوله عليه السلام في ذيل الحديث:

(فان كان يؤكل لحمه فالصلاة في وبره، الى آخره)، فيقال انّه عليه

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 144

السلام علّق الحكم على ما كان ذا وبر، و كلّما كان كذلك يكون ذا نفس سائلة، هذا.

و لكن يرد على (الأوّل): انه كما يمكن استفادة كون مورد الحكم الحيوان الذي يكون ذا لحم من قوله عليه السلام: (فان كان ممّا يؤكل لحمه) كذلك يمكن استفادة كون المناط مطلق المأكولية من قوله صلى اللّٰه عليه و آله في صدر الحديث: (ان الصلاة في وبر كل شي ء حرام أكله الى آخره) سواء كان ذا لحم أم لا، و لا ترجيح لأحدهما على الآخر في مقام الاستظهار، بل يمكن دعوى أظهرية الثاني باعتبار ان الصادق عليه السلام فرّع على قوله صلى اللّٰه عليه و آله ذلك و جعل المناط في هذا التفريع مطلق المأكولية فيستفاد منه ان مراد رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و آله هو ما عبّر به الامام عليه السلام.

(و على الثاني) انه خلاف المتبادر من أمثال المقام، فان المنسبق الى الذهن

من قول القائل: (حرام أكله) حرمة أكله بما هو دون اعتبار كونه متعارفا أو غير متعارف خصوصا إذا كان المتكلم في مقام بيان الضابطة للمخاطب.

(و على الثالث): ان مجرد كونه ذا وبر لا يدلّ على اشتراط كونه ذا نفس سائلة و لا سيّما بعد عطف قوله عليه السلام: (و كلّ شي ء منه) على قوله عليه السلام: (في وبره، الى آخره).

الا ان يقال: انه صلى اللّٰه عليه و آله جعل موضوع هذه المسألة كون الحيوان ذا وبر لا غير حيث قال في ابتداء الحديث: (ان الصلاة في كلّ شي ء حرام أكله، الى آخره) فكأنّه قال: كون الحيوان ذا وبر موضوع لعدم جواز الصلاة في جميع اجزائه.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 145

لكن العرف يأبى عن ذلك فخصوصيّة كونه ذا وبر ملغاة قطعا مع انه على فرضه أيضا لا يدلّ على المدعى، لعدم الملازمة بين كون الحيوان ذا وبر و كونه ذا نفس سائلة كما هو واضح.

و كذلك الكلام في استفادة ذلك من اعتبار كونه ذا لحم أو كونه مأكولا بحسب المتعارف لعدم الملازمة في الخارج.

نعم قد يتوهم استفادة من قوله عليه السلام: (إذا علمت أنّه ذكي قد ذكاه الذبح) و كذا من قوله عليه السلام: (ذكاها لذبح أو لم يذكه) فإنه يعرف منه ان المناط ما يكون قابلا للتذكية و هو يكون ذا نفس سائلة.

(و فيه): أوّلا: ان التذكية تقع على ما ليس له نفس سائلة أيضا كالجراد و السمك.

و ثانيا: عدم اعتبار قابلية التذكية كما قلنا سابقا، بل المناط قابلية المأكولية.

و ثالثا: عدم ذكر قوله عليه السلام: (إذا علمت أنه ذكي، الى آخره) لتعيّن مورد الحكم بل لما حكم (ع) بأن الصلاة في وبر

كل شي ء يوكل لحمه جائز و كذا شعره و صوفه و بوله و روثه عمّم الحكم بحيث لا يحتاج الى عدّ الاجزاء فقال و كل شي ء منه إذا علمت أنه ذكي.

فيشمل جلده و لحمه و عظمه، يعنى ان الحكم بجواز الصلاة في كلّ شي ء بنحو المجموع متوقف على التذكية بخلاف مالا يؤكل، فإنه مطلقا مانع عن صحة الصلاة فيه ذكي أم لم يذك.

فتبيّن انه لا دلالة لهذه الفقرة أيضا على شي ء من الخصوصيّات من كونه ذا نفس أو قابلا للذبح أو التذكية أو غيرها من سائر الخصوصيّات لعدم كونه في مقام بيان هذه الجهات.

و بالجملة لا يستفاد من الموثّقة خصوصيّة كونه ذا لحم، و لا كونه ذا نفس و لا كونه مأكولا بحسب المتعارف و لا كونه قابلا للذبح أو مطلق

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 146

التذكية، بل ظاهرها التعميم من جميع هذه الجهات، فالصلاة في مطلق أجزاء مطلق الحيوان بالنسبة إلى مطلق اللباس فاسدة إلّا ما خرج بالسيرة المستمرة كالبق و القمل و الزنبور مثلا و كل ما شك في غير المأكول خروجه بالسيرة أو عدم خروجه فالأصل التمسّك بعموم هذه الموثقة و إطلاقها، و اللّٰه العالم.

مسألة مهمّة لا اشكال فيما إذا علم انه مما لا يؤكل لحمه، في صحة الصلاة فيه و اما إذا شك في كونه ممّا لا يؤكل أم لا؟
اشارة

فهل مقتضى القاعدة عدم جواز الصلاة بقاعدة الاشتغال أم جوازها بمقتضى قاعدة البراءة أو الاستصحاب أم التفصيل؟ وجوه.

و قبل الخوض في تحقيق المطلب لا بدّ من الإشارة إلى

أقوال المسألة:

فنقول: أوّل من عنون هذه المسألة- فيما اعلم- المحقق أو العلّامة فحكم بعدم جواز الصلاة و تبعه من تأخر عنه الى زمن صاحب المدارك رحمه اللّٰه «1» فناقش فيها بمناقشات.

فردّ ذلك المناقشات من تأخّر عنه الى زمن الميرزا الكبير، الميرزا محمد حسن الشيرازي قدّس سرّه «2» فصححها، و تبعه من تأخر إلّا الميرزا محمد تقي الشيرازي- ره- «3» أحد تلامذته فاستشكل بما يأتي

______________________________

(1) المتوفّى سنة 1009 ه، ق.

(2) المتوفّى سنة 1307 ه، ق.

(3) المتوفّى سنة 1355 ه، ق.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 147

ان شاء اللّٰه تعالى.

ثم اشتهر بين من تأخّر عنه بالجواز الى زماننا هذا.

و بالجملة فالمقصود من نقل هذه الكلمات التنبيه على ان هذه المسألة ليست من المسائل التوقيفية التي يكشف الإجماع أو الشهرة عن حكمها بل ما هو المعتبر هنا ذكر مقتضى القاعدة.

و التحقيق عدم الفرق في هذه المسألة بين ما إذا علم انه من أجزاء الحيوان و شك في كونه مأكولا أم لا، و بين ما إذا احتمل انه من حيوان و على تقدير كونه من حيوان فهل هو مأكول اللحم أم لا، كما لا اختصاص له بهذا المشكوك، بل تجري في كلّ ما يعتبر فيها من عدم كونه من الحرير و الذهب و الميتة و غيرها من شرائط اللباس، فاللازم بيان مدرك هذه المسألة منعا و جوازا.

فنقول، بعون اللّٰه تعالى: قال العلّامة في المنتهى: لو شك في الشعر أو الصوف أو الوبر انه هل هو ممّا يؤكل لحمه أم

لا لم يجز الصلاة لأنها مشروطة بستر العورة بما يؤكل لحمه و هو غير محقق و الشك في الشرط يستلزم الشك في المشروط، انتهى.

و في كلامه قدّس سره وجوه من الاختلال:

(الأوّل): انه جعل استصحاب «1» المصلّى ما يؤكل من شرائط الستر، مع انه من شرائط اللباس، فان الستر موضوع، و شرائط اللباس موضوعات أخر، فاشتراط كونه ممّا يؤكل أو عدم كونه من الحرير أو غير ذلك من الشرائط لا دخل له في مسألة وجوب الستر فإنه يمكن ان يكون بغير اللباس من أجزاء البدن كما في بعض موارد الضرورة أو مطلقا عند بعض

______________________________

(1) المراد معناه اللغوي يعني كونه مصاحبا له.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 148

بخلاف اللباس، فان اعتبار الشرائط المخصوصة فيها بما هي لباس لا بما هي ستر.

(الثاني): انه قدّس سرّه جعل كون اللباس ممّا يؤكل لحمه من الشرائط مع انه يشترط ان لا يكون ممّا لا يؤكل. «1»

(الثالث): ظاهره ان الشرط وجود كونه ممّا يؤكل مع انه ليس بشرط، بل التحقيق ان وجود ما لا يؤكل لحمه مانع لا ان عدمه شرط.

توضيحه: ان انطباق عنوان الصلاة مثلا على الاجزاء المأتي بها في الخارج يتوقّف على تحقق هذه الاجزاء عند وجود أمور لها دخل في تحقق هذا العنوان و معلوم ان كلّ ما يكون دخيلا في تحقّق عنوان المأمور به، فكلّما علم من الدليل انه يشترط ان لا يكون كذا و كذا معناه ان وجوده مانع بمعنى ان لوجوده حزازة و منقصة تمنع عن تحقق المأتي به بعنوان المأمور به فلا يمكن ان يكون العدم شرطا لشي ء بمعنى كونه دخيلا و مؤثرا في وجوده، فان العدم لا يؤثر و لا يتأثر.

فلهذا قد

عدل جماعة ممّن تأخر عنه، عن هذا التقريب و التقرير مع اشتراكهم له في المدعى الى تقريب و تقرير آخر.

و هو انه يشترط في الصلاة إحراز وجود الشرائط و عدم الموانع فكما ان الشك في وجود الشرائط بنفسه لا يقتضي ان يكون محكوما بالوجود فلا يترتب عليه آثار وجوده ما لم يحرز، كذلك المانع لا بد ان يحرز و لا يكتفى بمجرد الشك في المانعية، فيقال: ان الأصل عدم المانعيّة بل لا بد من إحرازه إما بالوجدان أو بالأصل.

و قد يتمسّك- لشرطية الإحراز من الطرفين- بموثّقة ابن بكير

______________________________

(1) يعنى ان الشرط أمر عدمي لا أمر وجودي.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 149

- المتقدّمة- و فيها:

ان الصلاة في وبر كل شي ء حرام أكله فالصلاة في وبره و شعره و جلده و روثه و كلّ شي ء منه فاسد، و لا تقبل تلك الصلاة حتى يصلّى في غيره ممّا أحل اللّٰه اكله، ثم قال: يا زرارة فإن كان ممّا يؤكل لحمه فالصلاة في وبره و بوله و ألبانه و كلّ شي ء منه جائز إذا علمت أنه ذكي و قد ذكاه الذبح، الخبر «1» فإنه عليه السلام قيد قبول الصلاة بإتيانها فيما أحل اللّٰه اكله و عدم قبولها بإتيانها فيما لا يؤكل لحمه.

و لكن يرد على هذا الاستدلال: بأنه لا بد من تأويلها و لا يمكن الأخذ بظاهرها، لقيام الضرورة على عدم اشتراط صحة الصلاة بفعلها فيما يؤكل، غاية الأمر إتيانها فيما لا يؤكل مضر بها، لا انه يشترط إتيانها فيما يؤكل، و هذا من موهنات معنى الرواية فلا يتمسك بها في مثل هذه المسألة العامة البلوى.

و على كلّ حال، فالمانع لجواز الصلاة فيه لا بد ان يدعى أحد الأمرين:

(اما) ان يمنع اليقين بالاشتغال.

(و اما) ان

يدعى ان هنا أصلا موضوعيا مقدما على الأصل الحكمي.

و من هنا اختلفوا فذهب جماعة الى عدم الجواز تمسكا بالاشتغال و اخرى إلى الجواز تمسكا بالأصول العقلية أو اللفظية.

أما القائلون بالعدم، [بعدم الجواز]

فأقوى ما يمكن ان يتشبث به القائلون بالاشتغال في مسألة الأقل و الأكثر ان يقال: ان مقتضى العلم بوجوب

______________________________

(1) الوسائل باب 2 قطعة من حديث 1 من أبواب لباس المصلى ج 3 ص 250.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 150

الأقل هو تحصيل العلم بسقوط الغرض الذي صار منشأ للأمر به أو سقوط الأمر الذي تعلق به.

فعلى تقدير كون الواجب هو الأقلّ يحصل الغرض، و على تقدير كون الأكثر لا يحصل فلا يسقط الأمر المتعلّق به، فلا يحصل العلم على تقدير، فيجب الأكثر تحصيلا للعلم بحصول الغرض.

و بالجملة ليس الحكم بالاشتغال بواسطة العلم الإجمالي بأحدهما كي يقال بانحلاله، و لا بواسطة منجزية المأمور به بالنسبة إلى الأقل كي يقال: بعدم تسلمه، بل للزوم تحصيل العلم بحصول الغرض كي يسقط الأمر أو العلم بسقوطه لا من هذه الجهة، هذا.

لكن يرد عليه ان ما هو المناط في مقام الامتثال و الإطاعة، هو رفع العقاب لا غير سواء حصل الغرض أم لا.

اما الأوّل «1» فواضح، لأنّا لسنا مكلّفين بتحصيل الغرض الذي صار سببا و داعيا و منشأ للأمر، بل لو سئل المولى عن الغرض فربّما يكره هذا السؤال و لا يرتضيه.

و اما الثاني، فغاية الأمر انه إذا خالف الواقع و قلنا بالبراءة الشرعية يمكن ان يقال بالاجزاء كما فصّل في مسألة الاجزاء استظهارا من الأدلة و لو اقتصر على البراءة العقلية و لم نقل بالبراءة الشرعية لم نقل بالاجزاء.

و هذا لا دخل له فيما نحن بصدده من سقوط العقاب

على تقدير المخالفة لأن العقل كما يقبح العقاب على ترك التكليف المستقل المجهول بعد الفحص على تقدير معلوميّته للمكلّف، كذلك يقبح العقاب

______________________________

(1) اى على تقدير عدم حصول الغرض

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 151

على التكليف الضمني الغير المستقلّ كما لا يخفى.

و اما القائلون بالجواز «1» فاستدلوا عليه على اختلافهم في اختيار الوجوه، بوجوه:
(الأوّل): ان الأدلة الدالة على عدم جواز الصلاة في غير المأكول منصرفة عن مورد الشك

في كونه من المأكول فيرجع الى أصالة البراءة و تصير المسألة شبهة حكمية لصيرورة الدعوى حينئذ في عدم الدليل على حكم المسألة لا موضوعية ليصير الشك في تحقق المصداق ليحكم بقاعدة الاشتغال ببقاء التكليف.

و يمكن استفادة هذا المعنى من المدارك و شيّده و أصر عليه الميرزا القمي «2» و توضيحه على وجه تنقيح المطلب ان يقال: ان المتعلّق بالاجزاء موجب لتنجيزه بالنسبة الى الاجزاء المعلومة، غير منجز بالنسبة الى الاجزاء المشكوكة فيمكن اجراء البراءة بالنسبة إليها.

و بهذا التقرير أيضا تجري البراءة النقلية و قد كنّا أوردنا على الأستاد العلامة (صاحب الكفاية) المفصّل بين البراءة العقلية و النقلية حيث اجرى الثانية دون الأولى بأنه ان كان الأمر الضمني قابلا للرفع بمقتضى أدلة الرفع فيمكن ان يحكم العقل أيضا بعدم العقاب و الّا فلا يجرى البراءة النقلية أيضا.

(الوجه الثاني): البراءة

و بيانه يتوقف على مقدمات:

(الاولى): انه لا فرق في إجراء البراءة بين الشبهات الحكمية

______________________________

(1) يعنى استدلّ القائلون بجواز الصلاة في اللباس المشكوك.

(2) في نسبة هذا القول الى المحقق القمي رحمه اللّٰه نظر واضح، بل يستفاد من غنائمه العكس.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 152

الناشئة من عدم الدليل أو إجماله أو تعارض الدليلين- بناء على تساقطهما و الرجوع الى البراءة- و بين الشبهة الموضوعية الناشئة من اشتباه الأمر الخارجي.

(الثانية): لا فرق أيضا بين كون مجرى البراءة امرا نفسيا أو ضمنيا بمعنى انه كما يحكم العقل بقبح العقاب على ترك الأمر النفسي الموجود واقعا مع تمكن المكلّف بحسب وسعه من الوصول اليه، كذلك يحكم بقبحه على ترك الكل المسبب عن ترك الجزء أو الشرط، أو وجود المانع المشكوك تحققها «1» بمعنى عدم تنجز التكليف من ناحيتها و تنجزه من

ناحية بقية الاجزاء.

(و بعبارة أخرى): يتنجز التكليف ببعضه بما لا يتنجز ببعضه الآخر.

(الثالثة): ان مسألة اللباس المشكوك تكون من الشبهات الموضوعية و الشك في جواز الصلاة فيه شك في الأمر الضمني.

فتحصل من المقدمات الثلاث عدم الاشكال وضعا أيضا في الصلاة المأمور بها مع المشكوك كما لا اشكال تكليفا أيضا.

(و يرد عليه) أولا: عدم تسلم جريان البراءة خصوصا العقلية في الشبهات الموضوعية لعدم حكم العقل بقبح العقاب على من شرب الخمر المعلوم الحرمة المشتبه الفردية و عدم سماع الاعتذار منه على ارتكابه بأني لم اعلم كونه خمرا، و ذلك لوجود الحجة على أصل الحكم الكلّي، بل و على أفراده الواقعية.

(و بعبارة أخرى): الحجة عبارة عن بيان الكبرى من الشارع و اما

______________________________

(1) يعني تحقق الأمور الثلاثة.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 153

تشخيص الصغريات و بيان افرادها فليس له دخل في كون شي ء حجة.

نعم له دخل في كونه دليلا، فإنه عبارة عن ضم صغرى معلومة إلى كبرى معلومة و ليس كذلك الحجة فإنها عبارة عمّا يصح احتجاج المولى على عبده أو العبد على سيّده ففي الشبهة الموضوعية التحريمية يصح ان يحتج السيد بأنّك لم خالفت الواقع مع تمكنك من إتيان الواقع و علمك بالحكم؟

نعم لو دلّ دليل في مقام الظاهر على رفع اليد عن الإفراد المشتبهة كما هو الظاهر لكان متبعا.

و بالجملة الألفاظ موضوعة للمعاني الواقعية المنطبقة في مثل المقام على الافراد الواقعية النفس الأمرية سواء علم بها أو لم يعلم، و لذا كان الشك في حرمة فرد من باب انه من افراد الموضوع الواقعي أم لا؟ لا انه حرام مستقل بدليل مستقلّ.

و من هنا يظهر ما في كلام استاد المتأخرين الشيخ الأنصاري قدّس سرّه فإنه-

قدّه- ذكر في المسألة الرابعة من مسائل دوران الأمر بين الحرام و غير الواجب في الشبهة التحريمية- بعد الاستدلال برواية مسعدة بن صدقة صدرا و ذيلا و سائر الأدلة النقلية-: ما هذا لفظه:

(و توهّم): عدم جريان قبح التكليف بلا بيان نظرا الى ان الشارع بين حكم الخمر مثلا فيجب حينئذ اجتناب كلّ ما يحتمل كونه خمرا من باب المقدمة العلمية فالعقل لا يقبح العقاب خصوصا على تقدير مصادفة الحرام (مدفوع) بأن النهي عن الخمر يوجب حرمة الأفراد المعلومة تفصيلا، و المعلومة إجمالا المترددة بين محصورين، و الأوّل لا يحتاج الى مقدمة علمية و الثاني يتوقف على الاجتناب من أطراف الشبهة لا غير

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 154

و اما ما احتمل كونه خمرا من دون علم إجمالي فلم يعلم من النهى تحريمه و ليس مقدمة للعلم باجتناب فرد محرم يحسن العقاب فلا فرق- بعد فرض عدم العلم بحرمته و لا بتحريم خمر يتوقف العمل باجتنابه، على اجتنابه- بين هذا الفرد المشتبهة و بين الموضوع الكلي المشتبهة حكمه كشرب التتن في قبح العقاب عليه، و ما ذكر من التوهم جار فيه أيضا لأن العمومات الدالة على حرمة الخبائث و الفواحش (و ما نهيكم عنه فانتهوا) يدل على حرمة واقعية يحتمل كون شرب التتن منها، (انتهى موضع الحاجة من كلامه زيد في علو مقامه).

و بالتأمل فيما ذكرنا يظهر ما في هذا الكلام فلا نعيد.

و بالجملة مناط حكم العقل بالبراءة قبح العقاب بلا بيان، و هو راجع الى الخروج عن رسوم العبودية و الطغيان على المولى، و لا يكون ذلك إلّا في الشبهة الحكمية.

(و توهّم) ان النهى ينحلّ إلى نواهي عديدة فما كان من الافراد معلومة

يعمل بها و تجري البراءة في الافراد المشكوكة فيكون حكمها حكم الشبهة الحكمية في جريان البراءة.

(مدفوع) بما تقرر في الأصول بأن النهي عبارة عن الزجر عن الطبيعة كما ان الأمر بعث إليها، فالنهي انما تعلق بها، لا غير، غاية الأمر يتحقق العصيان بإيجاد متعلق النهى فكلّما وجد في الخارج فرد منها فقد تحقق فرد من العصيان و لا يسقط النهى.

و هذا بخلاف الأمر فإن مقتضى تعلقه سقوطه بأوّل وجود منها فالأمر تعلّق بعنوان الصلاة المقيّدة بعدم أمور فإذا شك في تحقق هذا العنوان لم يسقط.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 155

و هذا اشكال آخر على القائلين بالبراءة حيث ان مورد جريانها في غير هذا المقام كما لا يخفى.

فتحصل أن المقدمة الاولى من المقدمات الثلاث المتقدمة لجريان البراءة في المسألة ممنوعة.

(و اما ثانيا): فلأنّ ما ذكر في المقدمة الثانية- و هو عدم الفرق بين الأمر النفسي و الضمني على إطلاقه- ممنوع بل الاولى التفصيل:

فان لم نقل بالبراءة في الشبهة الموضوعية التحريمية المستقلة- كما هو الأقوى- فهنا اولى بالعدم حيث ان التكليف الواحد تعلّق بموضوع مبيّن شك في تحقّقه في الخارج، فمقتضى القاعدة الاحتياط و لا ربط لقبح العقاب بلا بيان هنا، لعدم كون بيانه وظيفة الشارع بما هو شارع كما لا يخفى.

بل لو اعتذر- بعد المخالفة- بأني لم أك عالما بان هذا الشي ء غير مأكول لاستحق الذم عند العقلاء، سواء كان قبل الفحص أم بعده فان الفحص لا دخل له بالمقام، نعم يكون المؤاخذة قبله آكد عند العقلاء.

و الاستدلال لجريان البراءة في الشبهة الموضوعية بالإجماع المحقق حتى قبل الفحص (مدفوع) بأنه في البراءة النقلية و لا كلام لنا فيه، و لذا تمسك شيخ المتأخرين المحقق

الأنصاري- قدّه- أيضا لجريانها قبل الفحص بعموم (كل شي ء لك حلال) أو إطلاقه.

(و اما ان قلنا): بالبراءة العقلية في الشبهة الموضوعية التحريمية المستقلة، و كذا في التكاليف الضمنية كما اختاره الشيخ المحقق الأنصاري- قدّه- في فرائده، فهل يلازم ذلك عدم الإشكال في مسألة اللباس

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 156

المشكوك بالنسبة إلى جريانها كما عن عدّة من تلامذة الميرزا الشيرازي الكبير قدّس سرّه فإنهم استشكلوا «1» على الشيخ- قدّه- بان القول بالبراءة في المسألة لا يلائم الإشكال في اللباس المشكوك كما لا يخفى.

فإنه أحد مصاديق مسألة الشك في الأمر الضمني، أم لا منافاة بينهما؟

يمكن ان يقال: ان ما اختاره الشيخ رحمه اللّٰه في مسألة الشبهة الموضوعيّة من البراءة انما هو في الحكم التكليفي الموجب مخالفته للعقاب و مسألة اللباس المشكوك و حكمها جوازا و منعا حكم وضعي، و النهى عن الصلاة في أجزاء غير المأكول نهى إرشادي لا يترتب على هذا الفعل (اعنى لبس غير المأكول) عقاب آخر وراء العقاب المترتب على ترك المأمور به (أعني الصلاة) المتحقق بفعلها مع هذا اللباس، هذا كلّه في البراءة العقلية.

(الوجه الثالث): من الوجوه التي استدلّ بها القائلون بالجواز التمسك بالأدلة النقلية
اشارة

المعبّر عنها بالبراءة النقلية.

(منها): حديث الرفع

فقد تمسّك به في المقام و بيانه من وجوه ثلاثة:

(الأوّل): كون المراد من الموصول خصوص الموضوع ببيان ان

______________________________

(1) حاصل الاشكال: ان من يقول بالبراءة في الشبهة الموضوعية فاللازم عليه ان لا يستشكل في مسألة اللباس المشكوك و حيث ان الشيخ- ره- ممّن يذهب الى البراءة فاللازم الحكم بصحة الصلاة في اللباس المشكوك مع انه استشكل فيها، هذا ممّا خطر ببالي في مراد الأستاذ قدّس سرّه.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 157

الموضوعات الخارجية و ان لم تكن بنفسها قابلة للارتفاع كما هو واضح الّا انه بملاحظة بعض الخصوصيّات الطارية لها العارضة عليها قابلة له و الخصوصية المتعدّدة في مقام الرفع التشريعي هي الحكم فهي قابلة له بما لها من الحكم.

ففي المقام كون اللباس من غير المأكول من الموضوعات الخارجية و باعتبار طروّ الحكم و عروضه عليه من قبل الشارع- و هو إبطاله للصلاة و تخريبه لها و مانعيّته لها- قابل لا يقال: ارتفع.

فمعنى قوله صلى اللّٰه عليه و آله: (رفع ما لا يعلمون) «1» في المقام هو الحكم بعدم وجوده في الواقع و يحكم عليها بالصحة، لأنها عبارة عن تماميّة العمل، و المفروض تماميّتها من غير جهة هذا اللباس و هو أيضا حكم بعدم مانعيّته بمقتضى قوله صلى اللّٰه عليه و آله: رفع، الى آخره.

(الثاني) كون المراد من الموصول أعمّ من الموضوع و الحكم فيشمل الحكم أيضا بتقريب ان الموصولات وضعت لكلّ ما يمكن ان يثبت له الصلة كما تقرّر في الأصول و مرّ سابقا في مسألة الشك في التذكية.

(الثالث): ارادة خصوص الحكم من الموصول أعمّ من الحكم الكلي و الجزئي، و مسألتنا هذه و ان لم تكن من الأوّل

«2» الّا ان الحكم الجزئي أيضا يرجع الى جعل الشارع «3» و جزئيّته باعتبار الموضوع و الّا

______________________________

(1) الوسائل باب 37 ج 4 ص 1284 هكذا: محمد بن على بن الحسين قال: قال النبي (ص): وضع عن أمتي تسعة أشياء السهو و الخطأ و النسيان و ما أكرهوا عليه و مالا يعلمون و مالا يطيقون و الطيرة و الحسد و التفكر في الوسوسة في الخلق ما لم ينطق الإنسان بشفة.

(2) يعني الحكم الكلي.

(3) باعتبار جعل كليّه.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 158

فحكم كل فرد فرد انما هو من قبل الشارع أيضا.

هذا غاية تقريب الاستدلال بحديث الرفع، و قد كنّا في سالف الزمان نعد هذا من أقوى الأدلّة للجواز.

و لكن يمكن ان يجاب عنه بوجوه:

(الأوّل) منع شمول الموصول للموضوع فان المتفاهم عند العرف في مثل ما يكون بيانه من قبل الشارع هو رفع ما يكون ضيقا على المكلف فالمتفاهم العرفي من هذا الحديث ان تلك التضييقات ان كانت مجهولة فهي مرتفعة بنفسها.

و اما ما لا يكون بيانه و تعليمه و رفع الجهل عنه من وظيفة الشارع بل هو وظيفة المكلّف نفسه بل يتفق بحسب التصادفات الخارجية بقائه على الجهل، فلا دلالة لحديث الرفع على رفعه.

(و بعبارة أخرى): حيث ان المراد من الرفع هو التشريعي يكون المرفوع أيضا ما يكون أهل العرف منتظرين لبيانه و رفع الجهل بالنسبة إلى مصاديق الكليات المعدومة واقعا المجهولة مصاديقها ظاهرا، لا يكون العرف منتظرا لان يبين الشارع بما هو شارع، نعم لو كان لسان حديث الرفع كلسان بعض القواعد الأخر كان ظاهرا في الشبهة الموضوعية مثل قاعدة أصالة الحلية المستفادة من قوله عليه السلام- كما في رواية عبد اللّٰه بن

سنان عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام-:

كلّ شي ء لك حلال ابدا حتّى تعرف الحرام منه بعينه فتدعه «1».

و قوله عليه السلام في رواية مسعدة بن صدقة-: كلّ شي ء فيه

______________________________

(1) الوسائل، باب 4، حديث 1 من أبواب ما يكتسب به ج 12 ص 59.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 159

حلال و حرام فهو لك حلال حتى تعرف الحرام منه بعينه فتدعه «1».

و قاعدة الطهارة في خصوص الماء أو في الأعمّ، المستفادة من قوله عليه السلام في رواية حمّاد: الماء كلّه طاهر حتى تعلم انّه قذر «2».

و قوله عليه السلام: في رواية عمّار: كلّ شي ء نظيف حتى تعلم انه قذر، فإذا علمت فقد قذر و ما لم تعلم فهو طاهر. «3»

و هذا بخلاف حديث الرفع، فان لسانه على الظاهر هو الحكم بارتفاع ما لا يعلم من الاحكام كما في السنة المتقدمين حيث عدوه من أدلة البراءة النقلية.

و بالجملة فحديث الرفع لا يجري في الأحكام التكليفية التي تنحلّ إلى أحكام عديدة بعدد موضوعاتها المفردة فضلا عن الأحكام الوضعية التي منها مسألتنا هذه، لان مجرد الانحلال لا يوجب دفع الحجة و ان لم يكن الانحلال أيضا دليلا للموارد المشكوكة كما ذكرنا سابقا.

مع ان لنا في أصل الانحلال اشكالا «4» فحديث الرفع لو لم يكن ظاهرا في خصوص الاحكام لم يكن له ظهور في خصوص الموضوعات أو أعمّ منها و من الأحكام.

______________________________

(1) الوسائل باب 4 قطعة من حديث 4 من أبواب ما يكتسب به، ج 12 ص 60.

(2) الوسائل باب 4 حديث 2 من أبواب الماء المطلق ج 1 ص 106.

(3) الوسائل باب 37 حديث 4 من أبواب النجاسات ج 2 ص 1054 مع اختلاف يسير.

(4) لعل وجه

الاشكال ما حقّق في محلّه من تعلق الأوامر و النواهي بالطبائع بما هي و بعد الانحلال تتلبس بلباس الخصوصية و الخصوصيات لم يتعلق بها أمر و لا نهى فلا يجرى فيها البراءة و لعلّه الصواب.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 160

(الوجه الرابع) للمجوّزين، التمسك بالاستصحاب

بمعنى ان المكلف لم يكن لابسا لما هو مانع عن صحة الصلاة قبل لبس هذا اللباس و بعد لبسه يشك في انه هل صار متلبسا به أم لا؟ فيستصحب عدمه فيصير الصلاة محكومة بالصحة، فإن معناها تمامية أجزاء المأمور به و مع ارتفاع موانعه و المفروض تماميتها من غير قبل المانع المشكوك وجوده فيرتفع بالأصل.

(و أورد) عليه بان جريان الاستصحاب في المسألة متفرع على دلالة الروايات الناهية عن الصلاة في غير المأكول على كون غير المأكولية أو عدم كونه من الغير المأكول وصفا للمصلّي دون الصلاة و اللباس و كونه كذلك خلاف ظاهر الروايات الواردة في المسألة، فان ظاهر نوعها هو كون ذلك وصفا للصلاة.

مثل قوله عليه السلام- في موثّقة ابن بكير-: فالصلاة في وبره و شعره و جلده و كلّ شي ء منه فاسد لا يقبل اللّٰه تلك الصلاة حتى يصلّى فيما أحل اللّٰه، الحديث «1».

و كذا رواية إبراهيم بن محمد الهمداني: كتبت اليه عليه السلام:

يسقط على ثوبي الوبر و الشعر ممّا لا يؤكل لحمه من غير تقيّة و لا ضرورة فكتب عليه السلام: لا تجوز الصلاة «2».

و قوله صلى اللّٰه عليه و آله في وصيّته لعلي عليه السلام: لا تصلّ في جلد ما لا يشرب لبنه و لا يؤكل لحمه «3».

______________________________

(1) الوسائل قطعة من حديث 1 من أبواب المصلى ج 3 ص 250 باب 2.

(2) الوسائل باب 17 حديث 1 من أبواب

لباس المصلى ج 3 ص 277.

(3) الوسائل باب 2 حديث 6 من أبواب لباس المصلى ج 3 ص 251.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 161

نعم روى الكليني، عن عدة من أصحابنا، عن احمد بن محمد بن خالد، عن عثمان بن عيسى، عن سماعة، قال: سئل أبو عبد اللّٰه عليه السلام عن جلود السباع؟ فقال: اركبوها و لا تلبسوا شيئا منها تصلّون فيه «1» و ظاهر صدرها ان النهى عن كونهم لابسين جلود السباع الّا ان التقييد في ذيلها بقوله: (تصلّون فيه) راجع الى ما ذكرنا من كونه وصفا للصلاة.

(و توهّم) جريان الاستصحاب و لو كان وصفا للصلاة أو اللباس بتقريب انه بجريان استصحاب عدم كونه لابسا لغير المأكول، يثبت عدم كون صلاته في غير المأكول، فإن منشأ الشك في انّ صلاته في المأكول أو غيره، هو الشك في كونه لابسا أو لغيره.

(مدفوع) بأنه مثبت، لان كون الصلاة في غير المأكول ليس من الآثار الشرعية، لكونه لابسا في غيره، و عدم حجية المثبت لا يختص بالأمور التي لها نحو تحصّل في الخارج، بل كما انه لا يكون حجة فيها لا يكون حجة في الأمور الاعتبارية.

و بالجملة فالاستصحاب ان كان راجعا الى عدم كونه لابسا لغير المأكول أو كونه غير لابس له، فهو صحيح الّا ان ظاهر الأدلة يأبى عن جعله خصوصية أخذت وصفا للابس.

و ان كان راجعا إلى الصلاة أو اللباس بمعنى استصحاب عدم كون الصلاة في غير المأكول و عدم كون اللباس غير مأكول كي يستصحب.

______________________________

(1) الوسائل باب 5 قطعة من حديث 3 و 4 و حديث 6 من أبواب لباس المصلّى ج 3 ص 256.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 162

الّا ان

يقال: ان أصالة العدم بنفسها معتبرة مع قطع النظر عن الاستصحاب، (أو يقال): بتحقق اليقين السابق و لو بنحو السلب بانتفاء الموضوع و هو كما ترى، لا دليل على إثباتهما كما سيأتي ان شاء اللّٰه تعالى.

(ان قلت): هب انه ان كان من أوّل الأمر لابسا للّباس المشكوك لا يجرى الاستصحاب، فاما ان لم يكن لابسا له من أوّل الصلاة ثم لبس ما شك في انه مأكول أم لا؟ فلا مانع من جريانه حينئذ، فإنه كان على يقين من عدم كونه لابسا لغير المأكول فلا ينتقض ذلك اليقين بالشك.

(قلت): لا وجه له أيضا، سواء قلنا: ان الصلاة عبارة عن التوجه الخاص «1» الخضوع الذي يوجد بأوّل الأفعال ليكون إتيان باقي الأفعال إبقاء لذلك الوجود، أم قلنا: انها عبارة عن نفس الأفعال الموجودة في الخارج، فان ظاهر قوله عليه السلام: ان الصلاة في وبره و شعره، الى آخره، هو كون تمام الصلاة مقيّدة بذلك.

و حينئذ فلو أتى ببعضها مع تيقّن عدم المانع، و ببعضها الآخر مع الشك في ذلك فلا يصدق ان صلاته لم تكن في وبر ما لا يؤكل الّا بالمثبت أو السلب بانتفاء الموضوع على التقدير الثاني و لا إبقائها إبقاء لا بتلك الصلاة على التقدير الأوّل.

(ان قلت): لا شبهة في انه كان زمان ما لم تكن الصلاة مع غير المأكول موجودة، و بعد لبس المشكوك و الصلاة معه نشك في أنها وجدت أم لا؟ فيستصحب عدم وجودها مع غير المأكول، غاية الأمر كان العدم

______________________________

(1) أقول مع انه غير مفيد أيضا في المقام شيئا لأنّ الكلام في مثله كما يظهر من عنوان المسألة في كلماتهم.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 163

السابق هو العدم

بانتفاء عدم الموضوع و عدم اللاحق.

(قلت): القضايا المشتملة على المعنى السلبي على وجهين:

(أحدهما): ما هو يحمل على موضوع القضية و يتصور ذلك الموضوع معبرا عن الوجود أو العدم و يحمل عليه نحو السلب البسيط كقولنا، مثلا الصلاة معدومة.

(ثانيهما): ما يكون رابطا بين الموضوع و المحمول بحيث يكون العدم سلبا للربط لا ربطا للسلب كقولنا: لم تكن الصلاة في غير المأكول.

و حاصل الفرق بينهما انه ان كان المسلوب هو الوجود فالسلب بسيط و ان كان خصوصياته فالسلب ربطى.

و حينئذ فإن كان المراد من الاستصحاب على النحو الأوّل في المقام بان يقال: ان الصلاة في غير المأكول كانت في السابق معدومة باعتبار عدم وجود أصلها فضلا عن وجودها متصفة فالاستصحاب و ان كان جاريا حينئذ على اشكال سيأتي إن شاء اللّٰه تعالى الّا انه لا يثبت كون هذه الصلاة متصفة بعدم كونها مع غير المأكول.

و ان كان على الوجه الثاني، بأن يقال: ان هذه الصلاة مع وصف الإشارة لم تكن مع غير المأكول فتستصحب على نحو عدم الرابط فحينئذ و ان كان يثبت المدعى الّا ان في اتحاد القضية المتيقّنة و المشكوكة إشكالا.

فإنه و ان أمكن إثبات ذلك في نظر العقل بنحو من الاعتبار بان يقال: ان العقل يرى امرا جامعا بين موضوعي القضيتين اعتبارا، فبذلك الاعتبار يحكم بأنه نقض للحالة السابقة.

لكن العرف لا يساعد ذلك فلا يصدق في نظره انه نقض الحالة

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 164

السابقة أو أبقى عليها، و الخطابات الشرعية منزّلة على فهم العرف.

فتحصل ان أدلّة الاستصحاب غير شاملة للمسألة.

(و اما) ما يتراءى من كلمات بعض الفقهاء «1» المقارب لعصرنا من التمسّك بأصالة عدم المانع حيث يظهر منه أنّها قاعدة

مستقلة غير البراءة و الاستصحاب.

(ففيه) انه ان كان المراد إجراء أصالة عدم المانع بعنوان انه مانع بحيث يكون هذا العنوان بما هو هو موردا للأصل فلا إشكال في عدم صحة ذلك، إذ من المعلوم عدم كون المانع بعنوانه موضوعا للأثر الشرعي، بل الموضوع ما هو بالحمل الشائع الصناعي يصدق انه مانع.

و ان كان المراد إجرائها بالنسبة إلى الموانع الواقعية، فغاية ما يمكن ان يستدلّ لحجيتها «2» وجوه ثلاثة:

(أحدهما): التمسك بأدلة الاستصحاب بحملها عليها بان يقال:

ان قوله عليه السلام: إذا كنت على يقين من وضوئك فشككت، الى آخره «3» ان متعلّق الشك هو الحدث لا الطهارة.

و قوله عليه السلام: و ليس ينبغي لك ان تنقض اليقين بالشك «4» يراد به: ليس ينبغي لك ان تنقض اليقين بالطهارة بالشك في الحدث، مع مسبوقيّته بالعدم، فيستظهر منه ان نفس الشك في الحدث يكفي في

______________________________

(1) هو المحقق الفقيه الحاج آقا رضا الهمداني صاحب مصباح الفقيه رحمه اللّٰه.

(2) يعني حجيّة أصالة عدم المانع.

(3) لم نعثر في الاخبار على هذه العبارة فتتبع.

(4) الوسائل باب 41 قطعة من حديث 1 من أبواب النجاسات.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 165

الحكم بعدمه من دون دخالة لليقين بالطهارة.

قوله عليه السلام: (كنت على يقين من طهارتك) تمهيد لقوله عليه السلام: فشككت لا ان له دخلا في الحكم ببقاء الطهارة.

(و بعبارة أخرى): الحكم بعدم وجود الحدث متقدم على الحكم بوجود الطهارة لأن الشك في بقائها مسبب عن الشك في وجود الحدث فإذا حكم بعدمه يحكم ببقائها.

(ثانيها): حكم العقل بأنه يكفي في الحكم بالعدم، عدم علة وجود علة الوجود بخلاف طرف الوجود، فإنه لا بدّ من وجود العلة فالشك في وجود المانع يكفي في الحكم بعدمه.

(ثالثها)

طريقة العقلاء في أمورهم العادية على الحكم بالعدم حتى يثبت وجود المانع.

لكنها كلّها قابلة للخدشة، فإن الأوّل: مبنى على استفادة ذلك من اخبار الاستصحاب لكنّها غير معلومة، بل الظاهر عدم ظهورها في ذلك، و هو يكفي في عدم ثبوت ذلك.

و الثاني: لا يبتنى عليه استنباط الأحكام الشرعية.

و الثالث: يحتاج إلى الإثبات حتى فيما بين الموالي و العبيد الذين يعاقبون على المخالفة فعلى المستدل الإثبات، فالتمسك للجواز في المسألة بمسألة أصالة العدم غير مفيد للمقام، و هكذا مسألة المقتضى و المانع.

(الوجه الخامس) للمجوّزين التشبث بأصالة الحلية
اشارة

المستفادة من الروايتين المتقدمتين في ذيل الجواب عن حديث الرفع، و في ذيل رواية مسعدة بن صدقة بعد حكمه عليه السلام: بحليّته المشكوك: (و ذلك مثل

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 166

الثوب يكون عليك و لعلّه سرقة أو العبد يكون بيدك، (و لعلّه حرّ، خ ل) قد باع نفسه أو قهر فبيع أو خدع فبيع، أو المرأة تحتك و هي أختك أو رضيعتك و الأشياء كلّها على هذا حتى يستبين لك غير هذا أو يقوم لك البيّنة) «1».

فبعد ظهور الروايتين بل صريح الاولى في الشبهة الموضوعية مع فرض كون المقام من الشبهات الموضوعية و ان كان يكفى للاستدلال كونهما أعمّ منهما و من الحكمية.

و احتمال اختصاصها بالشبهة الحكميّة مقطوع العدم.

و بيان هذا الاستدلال بوجهين:

(أحدهما): اختصاصها بالحلّية التكليفيّة.

(ثانيهما): شمولها للحلية الواقعية.

اما الأولى [اختصاصها بالحلّية التكليفيّة]

فتوضيحها ان يقال: ان الشك في جواز الصلاة في هذا اللباس مسبب عن الشك في حل أكل لحم الحيوان الذي أخذ هذا اللباس منه، فإذا حكم بحليّة لحمه بمقتضى كل شي ء لك حلال، الى آخره، يزول الشك بالنسبة الى هذا اللباس.

و لكن يرد عليه (أولا): بأن مورد جريان الأصل إذا لم يكن موردا للابتلاء فكيف يحكم عليه بحليته، بل ربما يمكن ان يكون الحيوان الذي أخذ هذا اللباس منه على تقدير الابتلاء معلوما موضوعا.

فمجرد الشك في كون هذا اللباس من أجزاء الحيوان المحرم أو المحلل باعتبار عدم حضوره عنده، لا يوجب الشك في أصل الحيوان حتى يحكم بحليته.

______________________________

(1) الوسائل باب 4 حديث 4 من أبواب ما يكتسب به ج 12 ص 60.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 167

مضافا الى ان ذلك لا يستقيم فيما إذا شك في اللباس من جهة الشك في

ان الحيوان الذي أخذ منه في اللباس كان محرما أم لا؟

بالشبهة الحكمية كما لا يخفى، نعم لو كان هناك حيوان و شك في انه حلال أم حرام من جهة الشك في الموضوع، يحكم بأنه حلال و حينئذ فلا يرد عليه هذا الإيراد.

(و ثانيا): ان ذلك انما يستقيم لو كان موضوع عدم حرمة الأكل جزء للموضوع و لو كان لفعلية هذا الحكم (أعني حرمة الأكل) دخل في حكم الصلاة و ليس كذلك، فان ظاهر الأدلة هو النهى عن الصلاة في أجزاء الحيوانات التي بعناوينها الأولية يحمل عليها بأنه حرام أكلها كالثعلب و الأرنب و الأسد و كما مثل في الاخبار «1».

(و بعبارة أخرى): يستفاد منها ان ما هو محرم الأكل، له حكم آخر غير حرمة الأكل و هو بطلان الصلاة في عرض الحكم بالحرمة و لا يكون الثاني أثرا للأوّل و لا مسببا عنه.

فمجرد جريان أصالة الحلّية بالنسبة إلى الأكل لا يثبت جواز الصلاة لأن جوازها ليس مترتبا شرعا على حرمة الأكل و من آثارها كما لا يخفى.

(و ثالثا): على تقدير تسليم كون الموضوع لعدم جواز الصلاة هو حرمة أكله، لا العناوين الواقعيّة التي يكون عنوان الحرام مشيرا إليها.

لكن الظاهر ان تحقيق هذا الموضوع في الجملة يكفي في الحكم بعدم الجواز دائما و لا يدور عدم جواز الصلاة فيها مدار حرمتها الفعلية بل نفس الحرمة الواقعية بعناوينها الأوّلية موضوع الحكم، و لو كان

______________________________

(1) الوسائل باب 2 من أبواب الأطعمة المحرمة ج 16 ص 312 و عدّة من أبواب لباس المصلّى مثل باب 4 الى باب 6 ج 3 ص 254 الى 258.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 168

الحكم وجودا و عدما دائرا مدار الحرمة

الفعلية لجازت الصلاة في أجزاء ما لا يؤكل لحمه عند الاضطرار مع عدم جوازه قطعا.

فمجرد أصالة الحلّية بالنسبة إلى أكل لحم المشكوك لا يوجب ترتب اثر جواز الصلاة لأنّ هذه الحلية إنما جاءت لاشتباه الموضوع و عدم جواز الصلاة يترتب على الحرام الواقعي. «1».

هذا كلّه بالنسبة إلى التقريب الأوّل (أعني أصالة الحلّية) من حيث الحكم التكليفي.

و اما من حيث الحكم الوضعي، فبيانه من وجهين:
(الأوّل): ان قوله عليه السلام: (كلّ شي ء فيه حلال و حرام،

الى آخره) «2» كما يشمل مثلا المائع المتردّد بين كونه من المائعات المحرمة أو المحلّلة، بمعنى انه لم يعلم انه من اىّ النوعين، كذلك يشمل الأحكام الوضعية التي بعضها حلال و بعضها حرام بمعنى صحيح و بعضها فاسد.

فإن الحرمة و الحلّية كما يطلقان على الأحكام التكليفية كذلك تطلقان على الوضعية نظير (لا يجوز) كثيرا في الاخبار المروية عن الأئمة عليهم السلام، و هي في كلماتهم عليهم السلام و كلمات الفقهاء أصحابنا خصوصا القدماء يراد بها الصحة و عدمها.

و أوّل من تمسّك بهذا الوجه- فيما اعلم- المحقق القمي عليه الرحمة «3».

______________________________

(1) أقول: و رابعا هذا الدليل أخصّ من المدعى لعدم شموله الّا المشكوك من حيث حل اكله لحمه و حرمته دون مثل الشك في الحرير أو الذهب و غيرهما من شرائط لباس المصلي.

(2) الوسائل باب 4 حديث 1 من أبواب ما يكتسب به ج 12 ص 120.

(3) أقول: و قبله صاحب الحدائق و قبل صاحب الحدائق المحقق الأردبيلي قدّس سرّهم.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 169

بيانه ان أصل معنى (الحرام) (الممنوعية) عن الشي ء و لو ببعض منافعه، سواء كان منشأ الممنوعية مبغوضيّة وجوده للمولى أو كونه سببا لفساد موجود آخر و عدم تحققه على وجهه، كما ان الحلال المقابل للحرام أيضا بمعنى عدم الممنوعية و كون الإنسان مطلقا بالنسبة

إليه أعم من ان يكون ترخيصا من قبل الشارع أم لا.

و يؤيّده سائر موارد اشتقاقات اللفظين كالحرم و الحريم لكونه ممنوعا مثلا و لو ببعض الافعال، و أيضا حريم الدار أو حريم البئر أو حريم القرية لكون الناس ممنوعين من التصرف ببعض المنافع.

كما ان حرم اللّٰه تعالى و حرم الرسول صلى اللّٰه عليه و آله أو سائر الأئمة عليهم السلام لكون الناس فيهما ممنوعين من بعض الافعال، و كذا الحل حرفا بحرف بعكس ذلك و حينئذ فقوله عليه السلام: (كلّ شي ء فيه حلال و حرام، الى آخره) «1» مفاده كلّ شي ء يكون فيه نوعان:

أحدهما: ما منع المكلف منه ببعض الافعال أو الحالات.

ثانيهما: ما لم يمنع منه ذلك، و لم يعلم بسبب شي ء آخر جزئي انّه من اىّ النوعين، فهو غير ممنوع من التصرفات.

ففي المقام إذا علم ان بعض أجزاء الحيوانات يصح فيه أو معه الصلاة و بعضها لا تصح فهذا الفرد المشكوك يصح فيه الصلاة حتى يعرف انّه مما لا يصح، فان قولنا: يصح و لا يصح أو يجوز و لا يجوز أن يحرم و لا يحرم بمعنى واحد و ان كان منشأها مختلفا باختلاف المفاسد و المصالح، الّا ان الجامع هو ما ذكر.

و قد يؤيّد هذا بالروايات المعبّرة بالتحليل و التحريم في مسألة

______________________________

(1) تقدم موضعه آنفا.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 170

الصلاة فيما لا يؤكل أو غيره.

مثل ما رواه محمد بن يعقوب الكليني، عن احمد بن إدريس، عن محمد بن عبد الجبار، قال: كتبت الى أبي محمد عليه السلام أسألة، هل يصلى في قلنسوة حرير محض أو قلنسوة ديباج؟ فكتب عليه السلام لا تحلّ الصلاة في حرير محض «1».

و ما رواه الشيخ،

عن محمد بن احمد بن يحيى، عن محمد بن عبد الجبار، قال: كتبت الى أبي محمد عليه السلام اسئله هل يصلّى في قلنسوة عليها وبر ما لا يؤكل لحمه أو تكة حرير محض أو تكّة من وبر الأرانب؟

فكتب: لا تحل الصلاة في الحرير المحض و ان كان الوبر ذكيا حلت الصلاة فيه «2».

و عن الخصال، عن احمد بن الحسن القطّان، عن الحسن بن على العسكري، عن محمد بن زكريا البصري، عن جعفر بن محمد بن عمارة عن أبيه، عن جابر الجعفي، قال: سمعت أبا جعفر عليه السلام: يقول:

ليس على النساء أذان (الى ان قال): و يجوز للمرأة لبس الحرير و الديباج في غير صلاة و إحرام و حرم ذلك على المؤمنين الّا في الجهاد و يجوز ان تتختم بالذهب و تصلى فيه، و حرام ذلك على الرجال إلّا في الجهاد «3».

و عن احمد بن أبي طالب الطبرسي في الاحتجاج، عن محمد بن

______________________________

(1) الوسائل باب 11 حديث 2 من أبواب لباس المصلّى ج 13 ص 267 و باب 14 حديث 1 منها ص 273.

(2) الوسائل باب 14 حديث 4 من أبواب لباس المصلّى ج 13 ص 273.

(3) الوسائل باب 17 حديث 6 من أبواب لباس المصلّى ج 13 ص 276.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 171

عبد اللّٰه الحميري، عن صاحب الزمان عليه السلام انه كتب اليه: روى لنا عن صاحب العسكر عليه السلام انه سئل عن الصلاة في الخز الذي يغش بوبر الأرانب؟ فوقّع عليه السلام: يجوز.

و روى عنه أيضا انّه لا يجوز، فبأي الخبرين نعمل؟ فأجاب عليه السلام: انّما حرم في هذه الأوبار و الجلود، فأمّا الأوبار وحدها فكل حلال «1».

و روى الشيخ

رحمه اللّٰه بإسناده، عن على بن مهزيار، قال: كتب إليه إبراهيم بن عقبة: عندنا جوارب و تكك تعمل من وبر الأرانب، فهل تجوز الصلاة في وبر الأرانب من غير ضرورة و لا تقيّة؟ فكتب: لا تجوز الصلاة فيها. «2».

(الثاني) «3» ان يقال: انه إذا شك في جزئية شي ء يجري البراءة العقلية

بالتقريب الذي قرّرناه في الأصول.

و محصّله ان الأمر بالصلاة و ان تعلّق بعنوان الصلاة، الذي لا يتحقق الّا بعد تحقق اجزائها بالأسر الّا انه قابل للتبعيض بالنسبة إلى أجزائها المتصورة، فضلا عن الواحد الاعتباري كما في الصلاة التي تكون وحدتها اعتبارية، و تكثرها حقيقي، و بهذا التقرير نقول بالبراءة لا بالتقرير الذي أفاده شيخنا الشيخ الأنصاري عليه الرحمة في الفرائد من انحلال العلم الإجمالي إلى وجوب الأقلّ، و البراءة بالنسبة الى

______________________________

(1) الوسائل باب 10 حديث 5 من أبواب لباس المصلى ج 3 ص 266.

(2) الوسائل باب 7 حديث 3 من أبواب لباس المصلى ج 3 ص 258.

(3) عطف على قوله قدّس سرّه: الأوّل ان قوله عليه السلام: كلّ شي ء، الى آخره.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 172

الأكثر، لما يلزم «1» عليه ما لا يلتزم هو رحمه اللّٰه عليه و هو عدم العقاب على ترك الأكثر على تقدير وجوبه بترك بعض الأجزاء المعلومة أيضا، لأن المفروض عدم منجزيته، و هو كما ترى.

هذا كلّه في الشك في الجزئية.

و امّا الشك في المانعية أو الشرطية فإن قلنا: ان الشرائط الشرعية ترجع إلى الشرائط العقلية من دون تقييد موضوع الصلاة بها غاية الأمر كشف عنها الشارع كما اختاره شيخنا المذكور في المقدمة و صرح به في البحث أيضا، فحكمها حكم المقدمات.

فان (قلنا): انها واجبة بالوجوب المترشح من وجوب ذيها كانت واجبة، (و ان قلنا):

ان الوجوب من ذيها لا

يمكن ان يتخطى عن متعلّقه كما هو التحقيق و المختار، فلا يكون هناك الّا وجوب واحد و على كلا التقديرين لا تكون أجزاء الصلاة زائدة على الاجزاء الداخلية التي دلّ الدليل على جزئيّتها.

و ان (قلنا): ان الشرائط توجب تقيّد كلّ جزء من اجزائها بوجود الشرائط و عدم الموانع بحيث يكون التقيد جزء لهذه الاجزاء و ان كان القيد خارجا فحينئذ و كما ان أجزاء الصلاة تكون متقيّدة بوجود الشرائط كذلك تكون متقيّدة بعدم الموانع، و معنى تقيّدها بعدم الموانع انه يلزم ان لا تكون موجودة حين الصلاة بمعنى النهى عن وجودها و قد تقرّر أيضا ان النهى طلب الترك، فيكون تركها مطلوبا، و هذا بعينه معنى النهي الذي يدلّ على الحرمة.

______________________________

(1) تعليل لقوله قدّس سرّه: لا بالتقرير الذي، الى آخره.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 173

فإيجاد الموانع في الصلاة حرام بمعنى انّه موجب للفساد الذي هو نقيض لزوم تقيّدها بعدمها.

و حينئذ فقوله عليه السلام: (كلّ شي ء فيه حلال و حرام، الى آخره) يكون شاملا للمقام بمعنى انه إذا شك في شي ء منهي عنه، أم لا فاحكم بأنه لم ينه عنه، و معنى عدم النهى هو الترخيص في الصلاة.

و لا فرق فيما ذكرنا بين النهي الاستقلالي أو الضمني، و لا بين النهى عن شي ء بنفسه أو بجزئه، و لا بين كون منشأ النهى، المبغوضيّة الذاتية أو الغيريّة.

و يرد «1» عليه (أوّلا): انه يمكن ان يقال: ان الشرائط و الموانع الشرعية ترجع الى القيود العقليّة فيرجع الى حكم المقدمات العقلية و قد قلنا في الأصول: انها ليست بواجبة بالوجوب العقلي و ليس لها مخالفة و لا موانعة.

و (ثانيا): عدم تسليم كون الأمر الضمني متولدا منه النهي

الضمني.

و (ثالثا): على تقدير التسليم لا تكون المخالفة من حيث كونه أتيا بالمنهي عنه حتى يصدق انه حرام، بل تكون من حيث انه آت بالمأمور به.

و الذي يؤيّد ذلك انه لو كان حراما لكان ترتب العقوبات المتعددة بتعدّد الصلاة ففي غير المأكول مع انه ليس كذلك، فإنه لو اتى به متعددا مع غير المأكول لم يعاقب أصلا، و ان لم يأت، يعاقب عقابا واحدا، و هو علامة عدم تعلق النهى بما هو، به.

______________________________

(1) لا يخفى ان هذه الأجوبة الثلاثة انما هي عن أصالة الحليّة التكليفيّة و اما الوضعية فسيأتي إمكان كونها دليلا، و اللّٰه العالم.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 174

و اعلم انا و ان ذكرنا في الوجه الثاني من الوجوه المتقدمة الاستدلال بأصالة البراءة العقلية إجمالا الّا انه لما كانت هي العمدة في الوجوه، كان الاولى بيان محصّل ما ذكروا للاستدلال بها فنقول بعون اللّٰه تبارك و تعالى:

ان الاستدلال بها للمسألة يتوقف على مقدمات:

(الاولى): جريان البراءة في الشبهة التحريمية المستقلة.

(الثانية): جريانها في مسألة الأقل و الأكثر الارتباطيين في الشبهة التكليفيّة وجودية كانت أم تحريميّة.

(الثالثة): كونها من مصاديق مسألة الأقل و الأكثر و ثبوت الملازمة بين جريانها فيها و بين المسألة.

اما توقفها على المقدمة الأولى فواضح، فلانّا لو لم نقل بجريان البراءة فيها لم نقل في المقام بطريق اولى كما تقدم وجه الأولويّة.

و اما توقفها على المقدمة الثانية: فلكون المفروض في المقام هو كونها من مسألة الأقل و الأكثر، فلو لم يجر البراءة فيها لم يثبت المدعى.

و اما توقفها على الثالثة: فلأنّ مجرد جريان البراءة في تلك المسألة لم يثبت كونها منها.

اما بيان المقدمة الأولى، فمحصّل ما استند اليه بعض الفحول «1» للجريان بعد

إسقاط ما لا دخل له في إثبات ذلك، ان تعلّق الاحكام بموضوعاتها على أقسام:

(منها): ما يتعلّق بفعل المكلف من غير تعلق ذلك الفعل بموضوع خارجي كقول المولى مثلا: (ابك و لا تبك و أضحك) حيث ان تمام الافراد

______________________________

(1) الظاهر ان المراد السيد مهدي بحر العلوم، و اللّٰه العالم.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 175

تحت اختيار المكلف من غير توقّفه بشي ء خارجي.

(و منها): ما تعلّق بفعله متعلقا بموضوع شخصي لا تعدد له في الخارج كقول المولى: (استقبل القبلة) حيث ان الاستقبال من الافعال و قد تعلّق بموضوع خارجي شخصي و هو عين الكعبة.

(و منها): ما هو القسم الثاني الا ان المتعلق فعله افرادا على سبيل البدلية كقوله: توضأ أو تيمم بالتراب، حيث ان التوضي أو التيمم من الافعال و قد تعلق بالماء و التراب الخارجيين الّا انه على سبيل البدلية (و منها): ما هو كذلك أيضا الّا ان متعلّقه كلّي أخذ (جعل خ ل) مرآة لجميع الأفراد الخارجية كقول المولى: لا تشرب الخمر، أو أكرم العالم، حيث ان التحريم في الأوّل و الوجوب في الثاني تعلقا بالشرب أو الإكرام المتعلّقين بالخمر أو العالم اللذين جعل (أخذ، خ ل) مرآتين لافرادهما.

ففي القسم الأخير ينحل الحكم بتعدد افراد الخمر أو العالم بعد فرض كون وظيفة الشارع بيان الكليات لا الشخصيات، فتكون القضيتان بمنزلة قضية كلية حقيقية التي تنحل إلى قضية شرطيّة يدلّ على مقدمها عقد الوضع، و على تاليها عقد الحمل، كما حققه المنطقيون.

فمعنى قوله: لا تشرب الخمر، ان كل ما لو وجد و كان خمرا فهو بحيث لو وجد يحرم شربه، كما ان معنى قوله: أكرم العالم، ان كل ما لو وجد و كان عالما

فهو بحيث لو وجد يكون واجد الإكرام.

و لا ريب ان كل فرد من افراد الموضوع ما لم يتحقق في الخارج كان الحكم بالنسبة إليه شأنيا، و بعد تحققه قبل العلم به، يكون فعليا و به يصير منجزا.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 176

فتنجز الحكم بالنسبة الى كل فرد من افراده يكون مشروطا بشرطين: أحدهما: تحققه، ثانيهما: تعلّق علم المكلف بتحقق الموضوع (الخمر) الذي هو متعلق فعل المكلف، و إذا ضم هذا الفعل الى العلم بالكبرى- و هي حرمة كلّ خمر- يصير منجزا.

و الى هذا يرجع ما ذكره شيخنا المحقّق الأنصاري و ان كانت عبارته توهم خلاف ذلك (في بعض الموارد).

و بالجملة فكما يتوقف الحكم على تحقق الموضوع في الخارج كذلك يتوقف العلم بالحكم على العلم بتحقق الموضوع، فيكون هذا العلم من المقدمات الوجوبية لا من المقدمات العلمية، كما يستفاد من كلمات الشيخ رحمه اللّٰه، نظير الاستطاعة لوجوب الحج لا مثل تعدّد الصلاة الى أربع جهات و حينئذ تجري البراءة في الموارد المشكوكة.

هذا محصّل ما استدلّ به على جريان البراءة في الشبهة المستقلّة التحريمية.

لكن يرد عليه (أوّلا): ان الانحلال، لا ينحصر في القسم الرابع المذكور، بل هو جار (آت، خ ل) على تقديره في باقي الأقسام و هو الصور الثلاثة المتقدمة أيضا فإن متعلق الحكم اعنى فعل المكلّف و هو البكاء أو الاستقبال أو التوضي في الأقسام الثلاثة كان كليا ذا أفراد يجري فيه جميع ما ذكر، و لا يلزم ان يكون هذا المتعلّق متعلقا بموضوع خارجي.

و ثانيا: نقول: بعدم الانحلال أصلا في القسم الرابع أيضا، فإن النهي لما كان هو الزجر عن الوجود خلافا للمشهور «1» بين الأصوليين

______________________________

(1) المشهور بين الأصوليين على ان

النهى عبارة عن طلب ترك الطبيعة و الأمر طلب فعلها فالفرق بحسب المتعلق لا غيره، و لكن التحقيق العكس كما قررناه في الأصول، و ان الفرق انما هو بحسب اختلاف سنخهما مع اتحاد متعلقهما، فالأمر هو البعث على الوجود و النهى هو الزجر عنه، و انما قلنا ذلك للزوم التوالي الفاسدة على قول المشهور و لا يلتزمون بها.

(منها): لزوم كون ترك جميع أفراد المنهي عنه في تمام دهره امتثالا واحدا، فان عدم الطبيعة إنما يصدق فيما إذا ترك جميع الأفراد كي يصدق امتثالا النهى بذاك المعنى.

(و منها): عدم إمكان الامتثال إذا خالف حينا ما، لتبدل عدم الطبيعة بوجودها الأوّل فلا يمكن تركها بما هي.

(و منها): لزوم كون من اتى بالمنهي عنه مرّة واحدة متحدا مع من اتى بها مرارا، لاشتراكهما في أصل الإيجاد و كثرة الافراد و قلّتها لا دخل لها في الامتثال شدة و ضعفا، و هذه التوالي كلّها مخالفة لرويّة العقلاء، كما لا يخفى، منه دام ظله العالي.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 177

كان لازم ذلك بقائه و لو بعد عصيان ذلك النهى.

(و بعبارة أخرى): الأمر و النهى يشتركان في ان كلّ واحد متعلق للوجود و انما الاختلاف في ذاتيهما حيث ان تحقق المتعلّق في الأوّل موجب للامتثال، و في الثاني موجب للمعصية، و كلما تحققت المعصية فالنهي باق أيضا لأن المفروض تعلقه بالوجود و هو يتعدد بتعدد أفراده.

(ان قلت): إذا ترك المنهي عنه يتحقق الامتثال، و كلّما ترك يتحقق فرد منه، و الامتثالات العديدة تستلزم التكاليف العديدة و هو

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 178

يوجب الانحلال.

(قلت): ترك المنهي عنه يتصوّر على وجوه:

(منها): تركه لانتفاء موضوعه كما إذا ترك شرب

الخمر المتعدّدة لعدم وجوده.

و (منها) تركه لعدم اشتهائه له.

و (منها): تركه لغفلته عنه.

و (منها): تركه لكون نهى المولى زاجرا له عنه.

و الامتثال انما يتحقق في القسم الرابع، لكنه ليس امتثالا مستقلا و انّما هو فيما إذا تركه لنهى المولى مطلقا.

(و ثالثا): عدم اقتضاء الحاجة و الضرورة لتأويل النهي إلى قضيّة مشروطة، بل و لا إلى القضية الحملية مثل تأويل لا تشرب الخمر الى كلّ خمر حرام فضلا عن تأويلها الى ان (كلما لو وجد و كان خمرا فهو بحيث لو وجد يكون حراما) فإن النهي قد تعلّق بنفس المتعلق اعنى شرب الخمر من غير نظر الى وجوده في الخارج و عدمه، فلا ضرورة لان يصار إلى تأويلها إلى قضية مشروطة بوجود الموضوع.

غاية ما يمكن ان يقال: و ان كان غير صحيح أيضا ان النهى مشروط باشتهاء المكلّف في إيجاد المنهي عنه بان يكون المعنى، إذا اشتهيت الى شرب الخمر فلا تشربه.

وجه عدم الاحتياج و عدم الضرورة الى ذلك أيضا ان النهى قد تعلّق بطبيعة شرب الخمر بحيث لو اشتهى اليه يصير منزجرا به، لا ان المعنى مشروط بالاشتهاء.

(و بعبارة أخرى): عدم إمكان الانزجار في فرض عدم الاشتهاء أمر

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 179

عقلي كامكانه في صورة وجوده، و هذا لا دخل له بالاشتراط الشرعي الذي عبارة عن تضييق متعلّق الحكم في نظر الشارع و ليس أيضا مشروطا بوجود الموضوع، فان وجوده لا دخل له في تحريكه نحو الانزجار، بل النهى من المولى لأجل ان لا يحصل له الدليل الى فعله.

(و رابعا): على تقدير تسليم جميع ما ذكر نقول: لا إشكال في عدم قبح المؤاخذة إذا ارتكب المشكوك ثم ظهر انه كان منهيا،

و ليس له ان يعتذر للمخالفة بعدم العلم مع إمكان الاحتياط في فرض تردّده كما هو واضح بالوجدان.

________________________________________

بروجردى، آقا حسين طباطبايى، تقرير بحث السيد البروجردي، 2 جلد، دفتر انتشارات اسلامى وابسته به جامعه مدرسين حوزه علميه قم، قم - ايران، اول، 1416 ه ق

تقرير بحث السيد البروجردي؛ ج 1، ص: 179

هذا كلّه في التكاليف المستقلّة، و اما غير المستقلّة فعدم جريان البراءة العقلية بطريق اولى، لتعلّق التكليف هناك بشي ء آخر نفسي و عدم تعلقه بالمشكوك كي يجرى البراءة.

(و بعبارة أخرى): الاشتغال هناك معلوم، و انما الشك في الفراغ فتجري أصالة الاشتغال.

(و اما المقدّمة الثانية) «1»: فان لم نقل بجريان البراءة في مسألة الأقل و الأكثر الارتباطيين في الشبهة الحكمية لم نقل في المقام بطريق اولى، و ان قلنا بها فيها يجرى البحث في ثبوت الملازمة بين المقام و بينها فاللازم (أولا): هو البحث عن جريان البراءة و عدمه فيها فنقول:

يستفاد من كلمات جمع من المتقدمين على شيخنا الأنصاري عليه

______________________________

(1) عطف على قوله مدّ ظلّه العالي: أما المقدمة الأولى فمحصّل الى آخره، و كذا قوله مدّ ظله: و اما المقدمة الثالثة: فيما سيأتي.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 180

الرحمة

القول بالاشتغال. [و أدلته]

و أقوى أدلتهم ان الاشتغال بهذا المقدار من الاجزاء المعلومة يقتضي البراءة عنها و لو بإتيان الاجزاء المشكوكة، لأن المفروض تقييد صحّة هذه الأجزاء المعلومة بحسب الواقع بإتيان الاجزاء المشكوكة لو كانت أجزاء واقعا، فما لم يأت بها يشك في تحقق الامتثال بالنسبة إليها.

و لكنّه عليه الرحمة هو و تلامذته و جماعة من تلامذة تلامذته اختاروا البراءة استنادا الى ان المأمور به ينحلّ الى أجزاء معلومة و مشكوكة فالوجوب أعمّ من الغيري أو النفسي،

منجز بالنسبة إلى الأقل دون الأكثر، و مخالفة الأقل توجب استحقاق العقوبة، و لو باعتبار المخالفة للأمر الغيري، فإن المناط في استحقاق العقوبة هو مخالفة الأمر سواء كان نفسيا أو غيريا، بخلاف الأكثر فإن الأمر على تقدير وجوب الأكثر منجز دون تقدير الأقل، فليس هناك وجوب على كل تقدير بخلاف الأقل فإنه واجب على كل تقدير.

(و فيه): ان لازم ذلك عدم استحقاق العقوبة على تقدير ترك الأكثر في ضمن ترك الأقل، فإن المفروض عدم تنجز الأكثر لو كان في الواقع هو الواجب، و عدم استناد المخالفة إلى ترك الأكثر حينئذ.

(و بعبارة أخرى أوضح): لو قيل: بكون الأقلّ منجزا حينئذ لا الأكثر لكان اللازم «1» جواز مخالفته مطلقا حتى في ضمن ترك الأقل و عدم

______________________________

(1) أقول: لو كان نظر الشيخ رحمه اللّٰه و من تبعه في ذلك عدم استحقاق العقوبة على ترك الأكثر لو كانت المخالفة مستندة الى تركه لا مطلقا، لا يرد عليه هذا الاشكال فراجع كلام الشيخ «ره» و تأملها، المقرّر.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 181

استحقاق العقوبة على تقدير وجوب الأكثر واقعا لترتبه على تنجز الأمر بالنسبة إليه، المفروض عدمه حينئذ.

نعم لو كان الأمر في الواقع متعلّقا بالأقل لكان مستحقا للعقوبة فليس هناك وجوب على كلّ تقدير، و اما كون استحقاق العقوبة معلولا لمخالفة الأمر، سواء كان نفسيا أم غيريا فليس هناك أمر غيري بالنسبة إلى الاجزاء الداخلية، بل الأمر نفسي، غاية الأمر أنه ضمني فالأولى في الاستدلال ان يقال: كما ان متعلّق الأمر مركب ذو أجزاء حقيقية كذلك الأمر المتعلّق بها يعتبر له أجزاء متعلّقة بها، و هذا الأمر المبعض منجز لمتعلقه، سواء كان متعلّقا بالأكثر أم بالأقل.

فكما ان مقدارا

من المتعلق معلوم، و مقدارا آخر منه مجهول كذلك الأمر و تنجزه.

و بذلك يجاب عن دليل الاشتغال، فان الامتثال بالنسبة الى الاجزاء المعلومة حاصل و لا يتوقف تحقق الامتثال بالنسبة إليها على إتيان الأكثر، فالأمر ببعضه المعلوم منجز، و ببعضه الغير المعلوم غير منجز، فلو ترك الأكثر يعاقب على ترك الأقل المعلوم في ضمن الأكثر، فلا يرد ما ذكرنا من الاشكال على هذا التقريب كما لا يخفى.

(و اما المقدمة الثالثة): و هي انه هل المقام من قبيل الأقل و الأكثر، و هل يلازم القول بالبراءة فيها القول بها في هذه المسألة أم يكون لمسألتنا هذه خصوصية مانعة عن اجراء البراءة؟ و المتعرضون للمسألة لم يتوقفوا في الملازمة بينهما الّا الشيخ رحمه اللّٰه فإنه مع ذهابه الى البراءة فيها قال بالاشتغال هنا.

و غاية ما قيل في إجراء البراءة، كما يستفاد من الرسالة التي

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 182

ألفها بعض الأعاظم «1» في هذه المسألة ان الصلاة مشروطة بوجود الشرائط و عدم الموانع، فكما ان الشرائط قيود، للمأمور به، كذلك عدم الموانع بمعنى انها متقيّدة بعدم الموانع على نحو يكون القيد خارجا و التقييد داخلا، و من الموانع وقوع الصلاة في غير ما يؤكل لحمه، فإنه مانع عن صحة الصلاة.

و حيث ان هذا المانع له أفراد متعدّدة بعد تلك الافراد فاللازم تعدد النهى عن الصلاة بعدد هذه الأفراد، فإذا شك في فرد انه من هذه الافراد و انه ممّا تعلق به النهي تجري البراءة و المفروض عدم الفرق في منشأ الشك بين ان يكون لعدم النص أو إجماله أو تعارض النصّين أو لاشتباه الأمور الخارجية.

فإذا شككنا في ان الصلاة مشروطة بعدم هذا الفرد المشكوك

أيضا أم لا تجري البراءة (و بتقريب آخر): ان الأدلة الدالة على كون شي ء ما يتصوّر على وجوه ثلاثة:

(أحدها): ان يؤخذ عدم وقوع الصلاة في غير المأكول قيدا للصلاة بحيث كانت مقيدة بتحققه في الخارج على نحو السالبة المعدولة المحمول و يكون عدم وجود هذا المانع محصّلا لذلك القيد.

(ثانيها): ان يؤخذ على نحو السالبة المحصّلة، و يكون مجموع الاعدام قيدا بحيث يكون عدم كلّ واحد جزء لتحقق هذا العدم الكلّي فيكون مجموع الموانع مقدمة لهذا العدم في هذه الصورة أيضا.

(ثالثها): ان يكون على سبيل العموم الاستغراقي قيدا و وجود كل فرد مانعا.

______________________________

(1) هو المحقق المدقّق الميرزا حسين النائيني المتوفّى 1355 ه، ق رحمة اللّٰه عليه.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 183

فعلى الأوّلين: لا مجرى للبراءة.

و على الثالث: يكون مجرى البراءة، فان «1» كون الشي ء مانعا ينحلّ بعدد افراد الموانع فكلّ فرد علم مانعيّته فلا يصحّ الصلاة.

و اما الافراد المشكوكة فكونها مانعة غير معلوم فتجري، كما في مسألة الشك في الأقلّ و الأكثر الارتباطيين في الشبهة الحكمية.

(ان قلت): هب انه على التقدير الثالث تجري البراءة، فلم لا يكون المأخوذ قيدا، على نحو الوجهين الأولين.

(قلت): اما احتمال كون الدليل ظاهرا في أخذ (العدم) قيدا للمأمور به على الوجه الأوّل منهما.

(فمدفوع): بان اعتبار الشي ء قيدا للمأمور به على نحو يكون العدم جزء يحتاج إلى مئونة زائدة، فالأصل يقتضي عدم اعتباره كذلك و حمله عليه خلاف ظواهر الأدلة الدالة على اشتراط الصلاة بعدم وقوعها في غير المأكول.

و اما احتمال ان يكون الاعدام المنتزعة عقلا من جعل الوجودات مانعة بحيث يكون مجموعها قيدا واحدا و يكون طبيعة العدم بما هي مرآة للإعدام المتعدّدة (فمدفوع) أيضا بكونه خلاف ظاهر الدليل

فان مرآتيّته الطبيعية ليست باعتبار تعدد الأعدام، بل باعتبار تعدد الوجودات، و لا يكون غير الافراد على سبيل الاستغراق لا المجموع فإنه ليس له وجود في الخارج بما هو مجموع، بل المتحقق و ما هو نفس الأمر عدم واحد، لا الأعدام متميزة فإنه لا ميز فيها بما هي هي و انما تميّز باعتبار إضافتها إلى الوجودات.

______________________________

(1) بيان جريان أصالة البراءة على الوجه الثالث.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 184

فالأدلة الدالة على كون الوجودات مانعة ناظرة الى الافراد خصوصا في المقام حيث ان قوله عليه السلام: (لا تصلّ فيما لا يؤكل لحمه و لا يشرب لبنه) «1» أشار بالموصول الى العناوين الواقعية، فظاهر الأدلة جعل المانع وقوع الصلاة في غير المأكول، و ينتزع منه قيدية العدم باعتبار مانعية كل وجود ينتزع قيدية عدم هذا الوجود فإذا شككنا في مورد انه هل يعتبر فيه عدم هذا الوجود أيضا أم لا فالأصل البراءة.

هذا محصّل ما ذكره بعض الأعاظم رحمه اللّٰه «2» في إجراء البراءة العقليّة في المسألة.

لكن قد عرفت توقف هذا الاستدلال على فرض صحته على جريانها في الشبهة الموضوعية المستقلة، و في الشبهة الغير المستقلّة في مسألة الأقل و الأكثر الارتباطيين.

و يستفاد من كلامه رحمه اللّٰه، الفرق بين صورتي أخذ السلب على نحو السالبة المحصّلة، بأن يقال: يشترط ان لا تقع الصلاة في غير المأكول بحيث لا يكون قيد عدم الوقوع في غير المأكول جزء للمحمول.

و هذا يتصوّر على وجهين: (تارة) يكون جميع السلوب مأخوذا من حيث المجموع، (و اخرى) كل واحد من السلوب قد أخذ مانعا، فان كان على الوجه الأوّل لا تجري البراءة و (على الثاني) تجري.

لكن التحقيق عدم الفرق بينهما، فإنه «3» يعترف

بان ما هو

______________________________

(1) الوسائل باب 2 حديث 6 من أبواب لباس المصلى ج 3 ص 251.

(2) قد مرّ ان المراد هو المحقق الميرزا حسين النائيني- قدّه.

(3) يعنى القائل و هو المحقق النائيني رحمه اللّٰه.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 185

الشرط و القيد هو سلب جميع الموانع على نحو الاستغراق بمعنى انه يشترط الّا يكون وقوع الصلاة من غير المأكول بحيث يكون تبدّل الاعدام بالوجود منافيا لتحقق هذا الشرط.

فترجع المسألة الى اشتراط عدم واحد، و هو عدم جميع الموانع فان متعلّق العدم و هو وجود افراد غير المأكول من الوبر و الشعر و الجلد و غيرها من الافراد الوجودية و ان كان متعددا، لكن ما هو القيد المنتزع من مانعية هذه الوجودات واحد لا تعدد فيه بما هو عدم كما اعترف به رحمه اللّٰه، فان المناط اعتبار شي ء قيدا هو الدليل، و هو دال على ان وقوع الصلاة في غير المأكول مانع عن صحة الصلاة فينتزع العقل اعتبار العدم، فوقوع الصلاة في غير المأكول يتعدّد بتعدّد غير المأكول فإن خصوصية كونه وبرا أو شعرا أو جلدا أو كونه من الأرنب أو الذئب أو الثعلب مثلا لا دخل لها في المانعية.

فظهر انه لا فرق بين ان يقال باعتبار العدم، قيدا على نحو السالبة المعدولة المحمول أو المحصّلة على كلا التقديرين.

و هو ظاهر الدليل أيضا فإن قوله عليه السلام في موثقة ابن بكير:

(ان الصلاة في وبر كل شي ء حرام أكله، فالصلاة في وبره و شعره و جلده و بوله و روثه و كلّ شي ء منه فاسد لا يقبل اللّٰه تلك الصلاة، الى آخره) «1» ظاهر في ان الفساد قد حمل على الصلاة التي وقعت في غير

المأكول فصحتها بان لا تقع الصلاة فيه، و عدم وقوعها بسبب عدم جميع الافراد كما بيّنا.

فان نقيض الموجبة الجزئية هو السالبة الكلية لا السالبة الجزئية

______________________________

(1) الوسائل باب 2 قطعة من حديث 1 من أبواب لباس المصلى ج 3.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 186

كما ان نقيض الموجبة الكلية هو السالبة الجزئيّة، فمانعية الوجود على نحو الإيجاب الجزئي تقتضي اعتبار عدمه على نحو السلب الكلي.

نعم يمكن ان يتصور في مقام الثبوت اعتبار مجموع افراد الوجودات مانعا بما هو مجموع فحينئذ لا يلزم من ذلك اعتبار العدم على النحو الكلي قيدا، بل إذا كان بحيث لم يكن مجموع الوجودات يحكم بصحة الصلاة.

لكنه مقطوع على فساده، فإنه يلزم حينئذ عدم إمكان الإتيان بالصلاة الفاسدة لعدم إمكان تحقق مجموع الوجودات حين الصلاة.

و يلزم أيضا- إذا اتى بصلاة فاقدة لبعض الوجودات و واحدة لبعضها الآخر- ان لا تكون صحيحة و لا فاسدة.

أما الاولى فلان المفروض اعتبار العدم بقول مطلق قيدا لصحتها و المفروض عدم تحقق هذا المعنى، و اما عدم الثانية فلان المفروض ان المانع مجموع الوجودات و المعلوم انتفائه، فحيث ظهر ان العدم المأخوذ قيدا المنتزع من اعتبار الوجود مانعا أمر واحد، و المفروض معلومية كونه قيدا من الأدلة، فلا نشك في اعتبار هذا العدم و انما الشك في تحقق هذا القيد و هو غير مربوط ببيان الشارع بما هو شارع فلا تجري البراءة.

و مجرد تصوير السالبة المحصّلة على وجهين، لا يوجب المغايرة بينهما في النتيجة بل يشتركان في عدم الانحلال فان اعتبار السلب الكلي على وحدته «1» الجامعة لجميع الافراد هو عين اعتبار مانعية

______________________________

(1) هذا الكلام إشارة إلى رفع الاضطراب الواقع في كلام هذا القائل

في رسالته، قال في ص 262: و إذا عرفت ذلك فلا يخفى أن قيدية عدمها تتصوّر ثبوتا على وجوه، إذ يمكن ان تكون نعتا عدميا مساوقا فمحمول المعدولة، و القيديّة راجعا الى اعتبار ان تكون الصلاة واجدة لهذا النعت فيرجع الى باب العنوان و المحصّل كما تقدم.

و يمكن ان تكون من باب السلب المحصّل و يرجع التقييد الى اعتبار عدم التخصص بتلك الخصوصية الوجودية من دون ان تكون للنعت العدمي دخل فيه، فيكون حينئذ ملازما لتحقق القيد لا قيدا بنفسه.

و على هذا التقدير أيضا فيمكن ان يكون نفس السلب الكلّي بوحدته الشاملة لمجموع وجودات الموضوع قيدا واحدا، كما يمكن ان يكون منحلّا و القيد آحاده (انتهى موضع الحاجة من كلامه زيد في علوّ مقامه) و غرض سيدنا الأستاذ العلّامة مد ظلّه العالي انه لا فرق بين الاعتبارين في صورة كون القيدية من باب السلب المحصل، فإنه في صورة الانحلال أيضا يرجع الى اعتبار عدم هذه الوجودات و المفروض ان الخصوصيات لا دخل لها في هذا الاعتبار فيكون ما هو المعتبر عدم الطبيعة، فلا فرق بين ان يؤخذ السلب على نحو يكون بوحدته الجامعة للوجودات قيدا أو على نحو يكون قابلا للانحلال كما لا يخفى.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 187

الوجود التي تكون منشأ لانتزاع قيديّة العدم، اما واقعا و حقيقة، و اما هما متلازمان في الوجود و المفروض ان الدليل دالّ على انّ وقوع الصلاة في غير المأكول مبطل لها، و يلزم منه كون العدم بقول مطلق- بمعنى عدم الطبيعة- قيدا و الدليل على أحد المتلازمين دليل على الآخر.

فحينئذ لا انحلال مطلقا سواء لوحظ السبب الكلي قيدا أو الوجودات مانعة، فان لازم كون الوجودات

مانعة مع تعدّدها، شرطية عدم جميعها، و هو أمر واحد، هذا.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 188

مع ان مانعية الوجودات المتميزة ليست باعتبار امتيازاتها بعضها عن بعض بل الوجود الجامع مانع.

(و بعبارة أخرى) القدر المشترك بين الافراد جعلها مانعة و ينتزع من هذا الجعل عدم هذا القدر المشترك و لا يمكن تحقّقه الّا بعدم وجود جميع الافراد، كما قلنا مرارا، بعكس الشروط فان المعتبر أحد وجوداتها، و المخلّ عدم جميعها.

و لا يترتب على الوجهين مسألة الاضطرار الى أحد الوجودات بان يقال: بناء على اعتبار السلب الكلي لا يجب الاحتراز عن الإفراد الباقية على تقدير الاضطرار إلى أحدها، و على اعتبار السلوب المتعدّدة يجب.

لانه «1» على التقدير الأوّل أيضا يجب الاحتراز عن الباقي لأن «2» اعتبار السلب كذلك باعتبار مانعيّة الوجود، فان العدم بما هو ليس بشي ء، بل المانعية انما هي للوجود فقط لا غير، و المفروض انه يتعدد بتعدّد متعلقه.

______________________________

(1) تعليل لقوله مدّ ظلّه: و لا يترتب، الى آخره.

(2) هذا رد لما ذكره القائل رحمه اللّٰه من التفصيل بين الاضطرار الى لبس غير المأكول على تقدير الانحلال و بينه على تقدير عدمه حيث قال في ص 263: و لو قام دليل على الاضطرار الى لبس شي ء منها في حال الصلاة يوجب السقوط كليا لا متقدرا بمقداره كان ذلك كاشفا عما ذكرنا من قيدية نفس السلب الكلّي، لكن لا عين و لا اثر لهذا الدليل بل ما دل بعمومه على ان الضرورات تتقدر بقدرها قاض بخلافه (الى ان قال): و يخرج ما سقط قيديّته بالاضطرار عن الدائرة و ان هذا عن قيديّة نفس السلب كالكلي و هل هو من لوازم الانحلال؟ (انتهى موضع الحاجة) فأجاب

الأستاذ مد ظلّه العالي بأنه لا فرق بين التقديرين في عدم جواز لبس الغير المضطر إليه، فإن المانعية انما هي للوجود و المفروض عدم اضطراره اليه، فلا وجه لسقوط مانعيّته حينئذ كما هو واضح.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 189

فتحصّل أن الانحلال مطلقا ممنوع، فيرجع الى الشك في المحصّل ان قلنا: ان الشرائط و الاجزاء مقدمات عقلية يكشف عنها الشرع لتحقق عنوان المأمور به، و هو عنوان بسيط لا يتحقق في الخارج إلّا بإتيانها كما اختاره شيخنا العلّامة عليه الرحمة في الكفاية و لا ربط لها حينئذ بمسألة الأقلّ و الأكثر.

و ان قلنا: بأنها مركبة من الاجزاء و وجود الشرائط و عدم الموانع و المفروض أنها معلومة حتى تقييدها بعدم الموانع، فالشك في تحقق هذا القيد الناشئ عن الشك في وجود الموانع.

فتحصّل ان البراءة لا مجرى لها على تقدير عدم جريانها في الشبهة الموضوعية، و كذا على تقدير عدم جريانها في مسألة الأقل و الأكثر في الشبهة الحكمية.

و على تقدير جريانها في المسألتين أيضا لا مورد لجريانها على التحقيق لرجوع المسألة الى الشك في المحصل و الى الشك في إتيان القيد، فعليك بالتأمّل التام فإنّه من مزال الاقدام، و نسئل التوفيق من الملك العلّام.

و اما التشبث بأصالة الحلية التكليفية،

بأن يقال: ان القيد المنتزع من اعتبار الوجود مانعا يكون مطلوبا تركه، و كلّما كان كذلك

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 190

كان منهيا عنه. لكون النهى هو طلب الترك فيكون حراما ضمنيا وضعيا كان منهيا عنه. لكون النهى هو طلب الترك فيكون حراما ضمنيا وضعيا فيكون مشمولا لقوله عليه السلام: (كلّ شي ء فيه حلال و حرام فهو لك حلال حتى تعرف الحرام منه بعينه فتدعه) «1» بعدم عدم

الفرق في صدق الحرام بين الضمني و الاستقلالي، و لا بين التكليفي و الوضعي.

فقد عرفت «2» ضعفه، بعدم كون النهى طلبا للترك، بل هو الزجر عن الوجود (أولا).

و بان العصيان انّما يتحقق باعتبار انه ترك المأمور به لا باعتبار انه اتى بالمنهي عنه، فان ترك المأمور به (امّا) بترك اجزائها بأسرها أو بعضها أو شرائطها كذلك (و امّا) بإتيان موانعها بالأسر أو بالبعض.

ففي جميع هذه الصور يصدق عليه انه ترك المأمور به الّا ان الترك المستند إلى إيجاد المانع المخصوص انما هو في القسم الأخير «3» إذا لم يكن متمكنا من إعادة الصلاة في وقتها بان أتى بها مع بعض الموانع في ضيق الوقت فحينئذ يصدق عليه انّه عصى لترك الصلاة المستند الى عدم رفع هذا المانع، لا انه عصى لإتيان هذا المانع بحيث يعاقب عليه كما هو واضح، بل ليس في الفرض إتيان بالمزجور عنه أصلا.

و مجرد كون شي ء مانعا عن تحقّق شي ء آخر لا يصيّره مزجورا عنه و مبغوضا حتّى يترتّب العصيان على إتيانه.

(و توهّم) انتزاع المزجورية من قوله عليه السلام: (لا تصل في وبر

______________________________

(1) الوسائل باب 4 حديث 1 من أبواب ما يكتسب به ج 12 ص 59.

(2) جواب لقوله مد ظلّه: و اما التشبث.

(3) يعنى بالأخير إتيان الموانع ببعضها.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 191

ما لا يؤكل لحمه و لا يشرب لبنه) «1» حيث ان ظاهره النهي المنشأ لصدق الحرام على متعلقه.

(مدفوع): بما قرّرناه في الأصول من ان الألفاظ الدالة على النهي إذا وقعت في مقام بيان الموانع المأمور به، ظاهرة في الإرشاد لا الحرمة نعم مسألة دلالة النهي التحريمية على الفساد مسألة اخرى.

(و بعبارة أخرى): يكون هناك بحثان:

(أحدهما):

ان النهى المفروض دلالته على الحرمة التكليفية هل يدلّ على فساد المنهي عنه لو كان عبادة فيرجع الى مسألة اجتماع الأمر و النهى.

(ثانيهما): ان صيغة لا تفعل و نحوها من النواهي اللفظية هل هي ظاهرة في الحرمة التكليفية أو في الإرشاد إلى فساد متعلقه، و قد قلنا هناك: بان ظاهر النهى عن إتيان العبادة على نحو مخصوص كقوله عليه السلام: (لا تصل في الحرير المحض) «2» أو (لا تصل في وبر ما لا يؤكل لحمه) «3» أو إتيان المعاملات كذلك كقوله: (لا تبع ما ليس عندك) «4» هو الإرشاد إلى حكم وضعي و بيان اشتراط العبادة أو المعاملة بكذا و كذا مثلا.

فتحصّل انه لا يصدق الحرام على إتيان الصلاة في غير المأكول إلّا باعتبار عدم إتيان المأمور به، فلا يكون مصداقا لقوله عليه السلام: (كل

______________________________

(1) الوسائل باب 2 حديث 1 من أبواب لباس المصلى ج 3 ص 251.

(2) الوسائل باب 11 من أبواب لباس المصلى ج 3 ص 266.

(3) الوسائل باب 3 من أبواب لباس المصلى ج 3 ص 250.

(4) الوسائل باب 7 من أبواب أحكام العقود ج 12 ص 374.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 192

شي ء فيه حلال و حرام، الى آخره) «1» فان ظاهره ان منشأ كون شي ء مصداقا بشي ء هو كونه مزجورا عنه باعتبار تعلقه به مستقلا.

نعم لو قيل: ان معنى الرواية: كلّما شككت في تحقق المعصية سواء كان بإتيان المزجور عنه أو ترك المأمور به فاحكم بأنك لم تأت بهذا الفعل المشكوك، صحّ ان يقال في المقام ان الإتيان بالمعصية مشكوك.

لكن المتفاهم العرفي من أمثال تلك الرواية، الحرمة التكليفية لا الوضعية و كونها مستندة الى تحقق المزجور (المنهي، خ

ل) عنه لا ترك المأمور به.

ففي المقام و ان كان العصيان متحققا في الفرض المذكور الّا انه مستند الى عدم إتيان المأمور به، المستند إلى إيجاد بعض الموانع في وقت لا يمكن الإعادة.

فالتشبث بأصالة الحلّية التكليفية لا وجه له.

نعم يمكن ان يوجه الاستناد إلى أصالة الحلية الوضعية

بما ذكرناه سابقا، و حاصله ان التتبع التام في موارد استعمالات مادة (ح ر م) كالحريم و الحرم و الحرمان و المحروم كحريم الدار و حريم القرية و حريم البلد و حرم الهّٰ و حرم رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و آله و حرم الأئمة (ع) و حرم الرجل، و حرمان شخصي، و كونه محروما في مقابل كونه مرزوقا.

يوجب الظن بكونها مستعملة في معنى عام جامع مشترك بين جميع موارد الاستعمال، و هو كون الشي ء محدودا بحدود مانعة عن كونه مطلقا، سواء كانت المحدودية منشأ لاستحقاق العقوبة إذا تجاوز عنها أم لكون شي ء آخر غير صحيح.

______________________________

(1) الوسائل باب 4 حديث 1 من أبواب ما يكتسب به ج 12 ص 59.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 193

و بهذا المعنى قد استعمل في القرآن الكريم و السنة، حيث انه يظهر منها عدم اختصاص استعمال هذه المادة (ح ر م) بصيغها المختلفة بما كان حكما تكليفيا.

مثل قوله تعالى فَإِنَّهٰا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً «1» و قوله تعالى وَ حَرٰامٌ عَلىٰ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنٰاهٰا أَنَّهُمْ لٰا يَرْجِعُونَ «2» و قوله تعالى وَ حَرَّمْنٰا عَلَيْهِ الْمَرٰاضِعَ مِنْ قَبْلُ «3» و قوله تعالى وَ أَحَلَّ اللّٰهُ الْبَيْعَ وَ حَرَّمَ الرِّبٰا «4» على وجه، و قوله تعالى الشَّهْرُ الْحَرٰامُ بِالشَّهْرِ الْحَرٰامِ وَ الْحُرُمٰاتُ قِصٰاصٌ «5» و قوله تعالى إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللّٰهِ اثْنٰا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتٰابِ اللّٰهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمٰاوٰاتِ وَ

الْأَرْضَ مِنْهٰا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ «6».

و قوله عليه السلام: المسلم عن المسلم محرّم أو المسلم محرّم عن المسلم «7».

و قوله عليه السلام في رواية موسى بن أكيل النميري: و جعل اللّٰه الذهب في الدنيا زينة النساء فحرم على الرجال لبسه و الصلاة فيه الحديث، «8».

______________________________

(1) سورة المائدة، الآية 26.

(2) سورة الأنبياء، الآية 95.

(3) سورة القصص، الآية 12.

(4) سورة البقرة، الآية 275.

(5) سورة البقرة، الآية 195.

(6) سورة التوبة، الآية 36.

(7) مسند احمد بن حنبل ج 5 ص 5 مع اختلاف.

(8) الوسائل باب 30 حديث 5 من أبواب لباس المصلى ج 3 ص 300.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 194

فإنه استعمل في هذا الحديث لفظة (حرّم) في المعنى الجامع بين التكليفي و الوضعي و غير ذلك من الموارد الكثيرة التي يعثر عليها المراجع.

فحينئذ يمكن ان يراد من قوله عليه السلام: (كل شي ء فيه حلال و حرام، الى آخره) «1» هذا المعنى الجامع بين الحكم التكليفي و الوضعي، فيصير المعنى ان كل شي ء فيه نوعان نوع مطلق بالنسبة إلى الأفعال الصادرة من المكلف، و نوع ممنوع و محدود بالنسبة الى بعض الأمور المتعلقة به و كان هناك شي ء و لم تعلم انه من أيهما فاحكم بأنه مطلق و غير مقيّد بالنسبة الى هذا الفعل المشكوك حتى تعرف انه محدود بالنسبة الى بعض الافعال، و هو الصلاة فيه، و هو اللباس الذي لا يكون من غير المأكول و نوع محدود كذلك و هو الذي أخذ من غير المأكول ففي النوع الذي شككت انه من أيّهما فاحكم بأنه غير ممنوع بالنسبة الى هذا الفعل.

فتحصل انه لو استدلّ المستدلّ بأصالة الحليّة الوضعيّة بهذا التقريب للمسألة لكان له وجه.

و اما التقريبات الأخرى

فقد مرّ بيانها و بيان ما فيها.

(ان قلت): مجرد استعمال لفظة (الحرم، و الحرام و الحرمان و أمثالها) في المحدودية و الممنوعية لا يوجب رفع اليد عن ظهور قوله عليه السلام: (فيه حلال و حرام) في الحرمة التكليفية، فمن الممكن صحة الاستعمالات مع كون الحديث ظاهرا فيما ذكرناه.

(قلت): للمستدل ان يقول: ان استعمال لفظ (الحرام) في الحكم

______________________________

(1) الوسائل باب 4 حديث 1 من أبواب ما يكتسب به ج 12 ص 59.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 195

التكليفي أيضا لعلّه بمناسبة هذا المعنى،- أعني المحدوديّة- لا ان له خصوصية زائدة على هذا المعنى، فمعنى كون الشي ء حراما بالحرمة التكليفية هو محدودية المكلفين بالنسبة الى هذا الشي ء باعتبار الأفعال الصادرة منهم المتعلقة به كما ان معنى كونه كذلك بالحرمة الوضعية أيضا هو المحدودية.

مثلا قوله تعالى أَحَلَّ اللّٰهُ الْبَيْعَ وَ حَرَّمَ الرِّبٰا «1» معناه تحديد الناس و منعهم في النقل و التبديل بالنسبة إلى الربا، و إطلاقهم بالنسبة إلى البيع.

(ان قلت): استعمال مادة (ح ر م) بصيغها المختلفة في المعنى الجامع انما يفيد فيما إذا كان الصيغ المختلفة مستعملة في معنى واحد حتى في الحكم التكليفي، فمن الممكن ان يكون المستعمل فيه في الحكم التكليفي معنى آخر غير المستعمل فيه في سائر الموارد، فلا يمكن التمسك بقوله عليه السلام: (كل شي ء فيه حلال و حرام، الى آخره) لاحتمال الحرام هنا مستعملا في معنى له خصوصية زائدة على الخصوصية المذكورة في المعنى الجامع.

(قلت): لا وجه لهذا الإشكال فان المدّعى ان هذه المادة (ح ر م) كلما استعملت يراد بها هذا المعنى الجامع، و خصوصيات الموارد لا دخل لها في إرادة مفهوم المانع، و على تقدير الخصوصية يكون

مورد الاستعمال مع هذه الخصوصية من مصاديق المعنى الجامع لا انه معنى مباين له، فلا ينافي إرادة الخصوصية في الحكم التكليفي مع كون أصل معنى المادة ما ذكرنا، فيحمل عليه إذا لم تكن قرينة على

______________________________

(1) سورة البقرة، الآية 275.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 196

إرادة بعض افراده.

هذا غاية تقريب الاستدلال بأصالة الحلية على المسألة.

و لكن مع ذلك لا يجترئ الفقيه على الفتوى بمثل هذه التقاريب في المسألة في مقابل حكم العقل بلزوم البراءة اليقينية عن الاشتغال اليقيني فإن استعمال هذه المادة (ح ر م) في الموارد المختلفة و ان كان بالاعتبار الذي قلنا من ملحوظية المعنى الجامع و هو الممنوعية و المحدودية الّا انه لم يحرز ان هذه المناسبة لوحظت في زمن صدور هذه الاخبار الدالة على أصالة الحلية اعنى زمن الصادقين عليهم السلام أم كانت مستعملة في خصوص الحكم التكليفي كما قد يدعى و الاحتمال كاف في مثل المقام.

و اعلم انا قد بينا «1» ان من وجوه الاستدلال، هو التمسك بالاستصحاب و قد بينا ما يمكن ان يورد عليه من الاشكال، و أشرنا أيضا الى ان بعض الفقهاء المعاصرين «2» تمسك بأصالة العدم و قررناه بالوجوه الثلاثة المتقدمة مع بيان ما يرد عليها فلا نعيدها.

و لكن حيث انا قد اجملنا الوجه الثالث من الوجوه الثلاثة التي يمكن ان يستند إليها في حجية أصالة العدم، و هو بناء العقلاء فالإعادة لا تخلو عن الإفادة.

[بناء العقلاء في حجية أصالة العدم]

فنقول: ان المعاصر المشار اليه قدس سرّه، بعد ما ذكر الاستدلال بالاستصحاب مع ردّه قال: ما حاصله ان هذا الاشكال وارد

______________________________

(1) عند قولنا: الوجه الثالث من الوجوه التي استدل بها القائلون بالجواز، الى آخره.

(2) هو صاحب مصباح الفقيه

المحقق الهمداني عليه الرحمة.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 197

على تقدير ان يتمسك بالاستصحاب.

و اما ان قلنا: بجريان أصالة العدم، فلا وجه له، لعدم الاحتياج إلى إحراز ان اشتراط عدم كون اللباس من غير المأكول أخذ وصفا للابس أو اللباس أو الصلاة، فإن الصلاة على هذا التقدير عبارة عن نفس الاجزاء و الشرائط بمعنى تقيّدها بها نحو خروج القيد و دخول التقيد، و كون اللباس من غير المأكول مانع عن ارتباط هذه الاجزاء و الشرائط بعضها مع بعض بحيث ينتزع من مجموعها عنوان الصلاة و لا ينتزع من جعله مانعا قيدية العدم شرعا بحيث تصير أجزاء الصلاة زائدة على ما كانت عليه، نعم ينتزع العقل كون العدم قيدا.

فحينئذ لو شك في وجوده، فمقتضى الأصل عدمه لا بمعنى استصحاب عدم تحقق هذا المانع كي يرد عليه بما أورد، لعدم الاحتياج إلى ملاحظة الحالة السابقة كي يستصحب، بل مجرد الشك في تحققه يكفي في البناء على عدمه.

فان بناء العقلاء في جميع أمورهم بالنسبة إلى الشك في وجود شي ء منشأ للآثار على عدم ذلك الشي ء حتى يثبت خلافه.

ألا ترى لو أرسل الواهب العين الموهوبة إلى الموهوب له فوصل اليه، يتصرف في العين الموهوبة من دون تفحص عن بقاء حياة الواهب و عدمه حتى لو سئل لم تصرف مع انك تحتمل موته، يجيب بأنه لم يثبت بعد خلافه، بل و كذلك حجية ظواهر الألفاظ من الحقيقة و العموم و الإطلاق مبنية على ذلك حيث ان بناءهم في المحاورات على التمسك بها حتى يثبت خلافها، لا ان هنا أصلا تعبديا و عليه يحمل اخبار الاستصحاب أيضا.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 198

و بالجملة لا شبهة في مورد الاستصحابات

العدميّة في بنائهم على العدم، و كذا الاستصحابات الوجوديّة التي يكون وجود شي ء آخر رافعا له.

ففي المقام لو شك في وجود ما هو مانع، يبنى على العدم فيحكم بالصحّة لتماميّة سائر الاجزاء و الشرائط فينطبق عليها عنوان الصلاة فتكون مأمورا بالأمر الظاهري، و هو يقتضي الاجزاء الّا ان يثبت خلافه.

هذا محصّل ما ذكره قدس سرّه في مسألة ما لو شك في وجود الحاجب في مصباح الفقيه، و ما على الفوائد في الاستصحاب بعد إسقاط ما لا دخل له في إثبات ذلك زائدا على ما ذكر.

(و فيه): ان أصل المدّعى حق، و لذا ذكرنا نحن أيضا أن اخبار الاستصحاب لا تفيد أمرا زائدا على ما هو مرتكز العقلاء و ديدنهم.

فان قوله عليه السلام في صحيحة زرارة: انك كنت على يقين من وضوئك فشككت و ليس ينبغي لك ان تنقض اليقين بالشك «1» ظاهر في إرجاع الإمام عليه السلام المخاطب إلى أمر ارتكازي ثابت في أذهان العقلاء، لا انه أمر تأسيسى تعبدي.

نعم في اختصاصه بالشك المانع أو عمومه لمطلق الشك حتى الشك في المقتضى وجهان و قد قلنا في الأصول: ان المتيقن هو الأوّل.

كما ان في اختصاصه بمسألة المقتضى و المانع، أو عمومه للاستصحاب وجهين، المتيقّن منهما هو الأوّل.

فيصير الحاصل من المتيقنين: حجيتها فيما إذا تحقق أمران:

أحدهما: كون الشك في الرافع.

______________________________

(1) الوسائل باب 41 قطعة من حديث 1 من أبواب النجاسات ج 2 ص 1602.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 199

ثانيهما: كونه بالنسبة إلى المقتضى و المانع.

و اما ما خلا عن أحدهما كما إذا شك في المقتضى فقط أو كان الشك في المانع فجريان هذه الاخبار مشكل و التفصيل في محله.

لكن كون المقام من قبيل ذلك

محلّ تأمل، فإن القائل مع ذهابه الى ذلك قد أوجب التفحص في مسألة الشك في كون الخاتم الضيّق حاجب أم لا.

(ان قلت): لعلّ ذلك باعتبار وجوب الغسل و احتمال مانعيّة الخاتم مانع عن إحرازه.

(قلت): فأيّ فرق بينه و بين الشك في أصل وجود الحاجب مع انه لم يوجب الفحص، مع انه يجب فيه الغسل أيضا، و ما نحن فيه من قبيل الشك في مانعيّة الموجود لا في وجود المانع، فان المفروض ان اللباس موجود يحتمل كونه مانعا عن تحقق الصلاة.

مع ان ابتناء مسألة كون الشك في كون اللباس من غير المأكول أم لا، على مسألة بناء العقلاء على العدم فيما إذا شكّ في وجود الشي ء ممّا لا محصّل له، فان القول بكون بنائهم على عدم كون اللباس من غير المأكول لا وجه له، و القول بكون بنائهم على عدم الاعتناء باحتمال وجود المانع، ان أريد به عنوان المانع بما هو مانع فلا خفاء في ان المانع بعنوان انه مانع غير مانع، بل هو هو بالحمل الشائع مانع، و ان أريد ان ما هو بالحمل الشائع مصداق للمانع مرتفع بالاحتمال عند العقلاء، فغير مسلّم.

فتحصّل انه لم يحصل وجه صحيح يمكن ان يستند إليه في الجواز في قبال أصالة الاشتغال فالأحوط الاجتناب.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 200

فروع
(الأوّل): يجوز الاعتماد على اخبار ذي اليد بعدم كونه من غير المأكول

إذا لم يكن المخبر غير مبال في مقام الاخبار و كان من أهل الاطلاع، و ذلك لاستقرار سيرة المسلمين بل العقلاء على الاعتماد في الموضوعات نظير الإخبار بالطهارة و النجاسة و الكرّيّة، إذ ليس له وجه في هذه الأمور إلّا السيرة مع عدم ردع الشارع كما هو المفروض.

(الثاني): إذا شك في وقوع شعرات غير المأكول على لباسه

يجوز الصلاة فيه، لما ذكرنا من استقرار السيرة على عدم الاعتماد و عدم ترتيب الآثار بمجرد احتمال وقوعه.

(الثالث): إذا شك في الشعرات الملقاة أنّها من المأكول أم من غيره

تكون المسألة من مصاديق أصل المسألة في لزوم الاحتياط في مقام العمل، و اللّٰه العالم.

بقي الكلام فيما هو المستثنى من غير المأكول
اشاره

و هو شيئان

(الأوّل): الخزّ
اشارة

و البحث فيه موضوعا و حكما يحتاج الى البحث في جهتين:

(الأول): البحث فيه نفسه من حيث الموضوع و انه هل هو حيوان أو ثوب مسمى بذلك؟

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 201

(الثاني): على التقدير الأوّل هل المستثنى هو الوبر فقط أم يشمل الجلد أيضا؟

اما الأوّل [من حيث الموضوع هل هو حيوان أو ثوب مسمى بذلك؟]

فلا بد- قبل نقل الاخبار- من نقل كلمات أهل اللغة ثم نقل الاخبار فننظر هل هي موافقة لهم أم لا فنقول:

قال الفيروزآبادي «1» في القاموس: الخزّ من الثياب ج خزوز (الى ان قال): و الخزز كصرد ذكر الأرانب ج خزّان و اخزّه، و موضعها مخزّة، و منه اشتقاق الخز، (الى ان قال): و الخزيز: العوسج الحاف جدا (الى ان قال): و البعير من الإبل كذلك، (انتهى).

و قال ابن الأثير «2» في النهاية: الخزّ المعروف أوّلا ثياب تنسج من صوف و إبريسم، و هي مباحة و قد لبسها الصحابة و التابعون فيكون النهى عنها، للتشبيه بالعجم و زيّ المترفين، و ان أريد بالخز النوع الآخر- و هو المعروف الآن- فهو حرام لانه جميعه معمول من الإبريسم و عليه يحمل الحديث الآخر: قوم يستحلّون الخز و الحرير (انتهى).

______________________________

(1) قاضى القضاة أبو طاهر مجد الدين محمد بن يعقوب بن محمد الصديقى الشيرازي الشافعي (الى ان قال): ولد 729 بكارزين و توفى قاضيا بزبيد من بلاد اليمن ليلة العشرين من شوال سنة 816 أو سنة 817 و هو ممتع بحواسه و قد ناهز التسعين (الكنى و الألقاب ج 3 ص 31، 2

(2) مجد الدين أبو السعادات المبارك بن أبي الكرم محمد بن محمد ابن عبد الكريم الشيباني الجزري الإربلي صاحب كتاب النهاية في غريب الحديث (الى ان قال): و كان وفاة مجد الدين المذكور

بالموصل سلخ سنة 606 (الكنى و الألقاب ج 1 ص 198).

طبع لطيف، للمولى عبد الرحيم بن عبد الكريم بن الصفي پوري شرح و ترجمة للقاموس بالفارسية فرغ منه سنة 1275 و طبع بطهران سنة 1298- (الذريعة ج 23 ص 9).

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 202

و قال «1» في لسان العرب: الخزّ ولد الأرانب، و قيل هو ذكر الأرانب، و الجمع خزّوز و خزّان مثل فرود، صردان، و ارض مخزّة كثيرة الخزّ، و الخزّ معروف من الثياب مشتق منه، عربي صحيح، و هو من الجواهر الموصوف بها، حكى سيبويه: مررت بسرج خزّ صفته .. و الجمع خزوز، و منه قول بعضهم: فإذا أعرابي يرقل في الخزوز و بائعه خزّاز، و في حديث علي كرّم اللّٰه وجهه: نهى عن ركوب الخزّ و الجلوس عليه (انتهى).

و قال في ترجمة القاموس «2»: خز: جامه اى از جامه هاى معروف و جمعه خزوز كفلوس، مترجم گويد: خزّ جانورى است مانند سمور كه از پوست آن پوستين و مانند آن ساخته مى شود، و ممكن است كه مراد از جامۀ خز همان باشد، يا آن كه از موى آن جامه مى بافند، يا آن كه خز جامۀ از پشمين را گويند، و خزيز گوشهاى و جاى خرگوشها (انتهى).

و قال في منتهى الارب «3»: خز جانورى است و جامه از پشم

______________________________

(1) اللغوي الكبير المشهور في مجلدات لإمام اللغة جمال الدين أبي الفضل جلال الدين أبي العز محمد بن مكرم بن على بن احمد بن أبي القاسم بن حقبة بن منظور الأنصاري الخزرجي الإفريقي المصري (إلى أن قال): ولد في المحرم سنة ثلاثين و ستمائة و توفى في شعبان 716- أو 717 (الذريعة الى تصانيف

الشيعة ج 18 ص 308).

(2) ترجمان اللغة شرح للقاموس بالفارسية للمولى محمد يحيى بن محمد شفيع القزويني كتبه بأمر شاه سلطان حسين الصفوي في مدة أحد و ثلاثين شهرا و عشرة أيام شرع فيه عاشر شعبان 1114 و فرغ منه في 1420- 1117 و طبع 1273 مصححا مقابلا مع عدة نسخ (الذريعة ج 4 ص 72).

(3) منتهى الارب في لغات العرب، كبير مجدول في مجلدين في طبع لطيف، للمولى عبد الرحيم بن عبد الكريم بن الصفي پوري شرح و ترجمة للقاموس بالفارسية فرغ منه سنة 1275 و طبع بطهران سنة 1298- (الذريعة ج 23 ص 9).

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 203

ج خزوز و خزز كصرد، و خرگوش ج خزوز و اخززه، و منه اشتق الخز (انتهى).

و في الصحاح «1»: الخز واحد الخزوز من الثياب و الخزّ: ذكر الأرانب و الجمع خزّان كصرد و صردان (انتهى).

و قال «2» في حياة الحيوان: الخزز بضم الخاء المعجمة و فتح الزاي الأولى، ذكر الأرانب، و الجمع خزّان مثل صرد و صردان انتهى.

و قال «3» في منتخب اللغة: خزّ بالفتح و تشديد راء جامه اى است معروف (انتهى).

و قال في المصباح «4»: الخز اسم دابة، قال ابن فرشتة: الخز

______________________________

(1) أبو نصر إسماعيل بن حماد الفارابي، كان من أذكياء العالم (إلى أن قال): و صنف كتبا و مقدمة في النحو و الصحاح في اللغة (إلى أن قال): و توفى سنة 230 و قد استكمل 96 (الكنى ج 2 ص 144).

(2) كمال الدين محمد بن موسى بن عيسى المصري الشافعي الفاضل الخبير صاحب كتاب حياة الحيوان و شرح سنن ابن ماجة و منهاج النووي و غير ذلك توفى بالقاهرة سنة 808

(الكنى ج 2 ص 206).

(3) أشهر اللغة لمحمد تقى (إلى أن قال): نسخة منها لعلّها بخط المؤلف توجد في طهران .. كتبت بقلم النسخ في القرن الحادي عشر أو الثاني عشر في 26 ورقة (الذريعة ج 23 ص 429).

(4) للفيّومى شهاب الدين أبو العباس احمد بن الشيخ كمال الدين محمد بن الحسن على المصري الحموي شيخ فاضل اديب صاحب المصباح المنير في غريب الشرح الكبير (إلى أن قال): توفي الفيومي في نيف و سبعين و سبعمائة (الكنى و الألقاب ج 3 ص 34 الى 36).

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 204

صوف غنم ثم أطلق على الثوب المتخذ من وبرها، و خزّ و خزوز مثل فلس و فلوس، و الخز ذكر الأرنب ج الخزوز (انتهى).

و قال صاحب كتاب برهان قاطع «1» الخز بالتشديد جانورى است و از پشم آن پوستين سازند (انتهى).

و قال في مجمع البحرين «2»: تكرر في الحديث ذكر الخز بالتشديد أى بتشديد الزاي، دابة من دوابّ الماء تمشى على اربع تشبه الثعلب و ترعى من البرّ و تنزل البحر، لها وبر تعمل منه الثياب تعيش بالماء و لا تعيش خارجه و ليس على حدّ الحيتان، و ذكاتها إخراجها من الماء حيّة (إلى أن قال):

و عن شرح المجمع: الخزّ صوف غنم البحر و في الحديث انما هي كلاب الماء، و الخزّ أيضا: ثياب تنسج من الإبريسم، و قد ورد النهى عن الركوب عليه، و الجلوس عليه (انتهى) ثم نقل كلام النهاية كما تقدم.

______________________________

(1) برهان قاطع فارسي في اللغات الفارسية البهلويه، و بعض اللغات التركية، للأديب الشاعر محمد حسين بن خلف التبريزي الملقب في شعره ب (هان) ألّفه باسم السلطان عبد اللّٰه قطب شاه

الذي توفي سنة 1083 و فرغ منه سنة 1062 (الذريعة ج 3 ص 98).

(2) الشيخ فخر الدين بن محمد على بن أحمد بن على بن أحمد بن طريح النجفي الرماحي، العالم الفاضل المحدث الورع الزاهد العابد الفقيه الشاعر الجليل صاحب كتاب مجمع البحرين، و المنتخب في المقتل و الفخرية في الفقه و شرح النافع و جامع المقال في تمييز المشتركات من الرجال (الى ان قال): توفى بالرماحية سنة 1085 (الكنى ج 2 ص 408).

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 205

و في جمهرة ابن دريد «1»: الخزّ معروف عربي صحيح (انتهى موضع الحاجة).

و يستفاد من مجموع هذه الكلمات أمور:

الأوّل: إطلاق الخزّ على الحيوان على اختلاف التعابير من كون هذا الحيوان ذكر الأرنب أو غنم البحر كما عن ابن فرشته، أو ولد الأرنب كما في لسان العرب.

الثاني: إطلاقه على الحيوان البحري كما عن ابن فرشته و مجمع البحرين.

الثالث: إطلاقه على الثوب المنسوج من وبر الحيوان البرّي كما في القاموس و شرحه و منتهى الارب.

الرابع: إطلاقه على المنسوج من صوف و إبريسم من غير تقييد بكونه من صوف الحيوان البرّي أو البحري كما في لسان العرب.

الخامس: إطلاقه على صوف غنم البحر من غير تقييد بكونه منسوجا.

و في المعتبر: الخزّ دابّه ذات اربع تصاد من الماء و تموت بفقده (الى ان قال): و حدثني جماعة من التجار انها القندس و لم أتحققه (انتهى).

و عن الشهيد في الذكرى: انه يحتمل كونه وبر السمك المعروف ب (مصر) هذا.

______________________________

(1) مصغرا أبو بكر محمد بن الحسن دريد الأزدي القحطاني البصري الشيعي الإمامي عالم فاضل اديب حفوظ شاعر نحوي لغوي (الى ان قال): له مصنفات منها كتاب الجمهرة و هو من الكتب المعتبرة

في اللغة (الى ان قال): توفى ببغداد 18 شعبان سنة 321- الكنى ج 1 ص 74

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 206

و لكن يمكن إرجاع بعضها الى بعض، بان يقال: ان القدر المشترك بين جميع الأقوال الدالّة على انه حيوان، هو ثبوت أصل الحيوانية، نعم من عبّر من أهل اللغة بأنه ثوب، ظاهره كونه غير الحيوان، هذا كلّه في استعمالات أهل اللسان.

و اما الاخبار فعلى قسمين:

(الأوّل): ما ورد مما يكون ظاهرا في جواز الصلاة من غير دلالة على انه بما هو حيوان أو ثوب أو غيرهما، مثل ما رواه الصدوق بإسناده عن سليمان بن جعفر الجعفري، انه قال: رأيت الرضا عليه السلام يصلى في جبّة خزّ «1».

و بإسناده عن على بن مهزيار، قال: رأيت أبا جعفر الثاني عليه السلام يصلى الفريضة و غيرها في جبّة طاروي «2» و كساني جبّة خزّ و ذكر انه لبسها على بدنه و صلى فيها و أمرني بالصلاة فيها «3».

و ما رواه الكليني رحمه اللّٰه، عن على بن إبراهيم، عن أبيه، عن حماد بن عيسى، عن حريز، عن زرارة قال: خرج أبو جعفر عليه السلام يصلى على بعض أطفالهم و عليه جبّة خزّ صفراء و مطرف «4» خز اصفر «5».

______________________________

(1) الوسائل باب 8 حديث 1 من أبواب لباس المصلى ج 3 ص 260.

(2) و الطران بالضم: الخز، و الطاروني ضرب منه قاله في القاموس و منه الحديث، ثم ذكر الحديث (مجمع البحرين).

(3) الوسائل باب 8 حديث 2 من أبواب لباس المصلى ج 3 ص 260.

(4) الوسائل باب 8 حديث 3 من أبواب لباس المصلى ج 3 ص 261.

(5) المطرف بكسر الميم و فتحها و ضمها: رداء من خز مربع

في طرفه علمان و قد جاء في الحديث و الجمع مطارف (مجمع البحرين).

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 207

و عن السندي بن محمد، عن أبي البختري، عن جعفر بن محمد عن أبيه، قال: كسى على الناس بالكوفة فكان في الكسوة برنس خز فسأله إيّاه الحسن فأبى ان يعطيه إياه و أسهم عليه بين المسلمين فصار الفتى من همدان فانقلب به الهمداني فقيل له: انّ حسنا كان سأله أباه فمنعه إيّاه، فأرسل به الهمداني الى الحسن فقبله «1».

و عن أبي الأشعري، عن محمد بن مسلم، عن احمد بن النصر، عن عمرو بن شمر، عن جابر، عن أبي جعفر عليه السلام، قال: قتل الحسين بن علي عليهما السلام و عليه جبّة خز دكناء فوجدوا فيها ثلاثة و ستين من بين ضربة بسيف أو طعنة برمح أو رمية بسهم «2».

و دلالة الرواية الثالثة على جواز الصلاة مبنية على كون الصلاة مشروطة بما يعتبر في الصلاة (القسم الثاني): ما يدل على جواز الصلاة في جلود الخزّ و ظاهرها كون الجواز لأجل كونه حيوانا بحريّا.

مثل ما رواه الكليني رحمه اللّٰه «3» عن على بن محمد، عن عبد اللّٰه

______________________________

(1) الوسائل باب 10 حديث 12 من أبواب لباس المصلى ج 3 ص 265.

(2) المصدر، الحديث 8.

(3) قال سيدنا الأستاذ الأكبر مد ظله العالي:

هذه الرواية من حيث السند في غاية الضعف، فان «عبد اللّٰه بن إسحاق العلوي» مجهول و «الحسن ابن علي» مشترك و مجهول، و «محمد بن سليمان الديلمي» مرمىّ بالغلوّ و الضعف، مضافا الى عدم كونه كثير الرواية، و ليس له شيوخ معروفة أو تلامذة كذلك، فإن أمثال هذه هي المناط في حصول الوثوق بالراوي و «قريب» غريب في

نقل الرواية و ليس له في الاخبار و لا كتب الرجال ذكر و لا اسم، مضافا الى اختلاف في ضبطه هل هو بالفاء أو القاف أو الغين أو هو (الفريت) مصغرا للفرات كما احتمل و كونه متفردا في نقل هذه الرواية على هذا النحو المخصوص (انتهى ما استفدته من بيانه دام ظلّه).

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 208

ابن إسحاق العلوي، عن الحسن بن على، عن محمد بن سليمان الديلمي عن قريب، عن ابن أبي يعفور، قال: كنت عند أبي عبد اللّٰه عليه السلام إذ دخل عليه رجل من الخزازين فقال له: جعلت فداك ما تقول في الصلاة في الخز؟ فقال: لا بأس بالصلاة فيه، فقال الرجل: جعلت فداك، انه ميّت و هو علاجي و انا أعرفه، فقال له أبو عبد اللّٰه عليه السلام انا أعرف به منك، فقال له الرجل: انه علاجي و ليس أحد أعرف به منى فتبسّم أبو عبد اللّٰه عليه السلام ثم قال له: انّه دابة تخرج من الماء أو تصاد فتخرج، فإذا فقد الماء مات، فقال الرجل: صدقت جعلت فداك هكذا هو، فقال له أبو عبد اللّٰه عليه السلام: فإنك تقول: انه دابة تمشي على اربع و ليس هو في حدّ الحيتان فتكون ذكاته خروجه من الماء، فقال له الرجل: اى و اللّٰه هكذا أقول فقال له أبو عبد اللّٰه عليه السلام: فان اللّٰه أحلّه و جعل ذكاته موته كما أحلّ الحيتان و جعل ذكاتها موتها «1».

و حاصل هذه الرواية: انه عليه السلام حيث حكم بعدم البأس بالصلاة في الخز تعجب الراوي من هذا الحكم فقال: (انه علاجي و انا أعرفه) يريد انى لما كنت بايع هذا اعرف موضوعه و

انه ميت، فقال عليه السلام له: (انا أعرف بذلك منك) ثم أعاد السائل عليه عليه السلام

______________________________

(1) الوسائل باب 8 حديث 4 من أبواب لباس المصلى ج 3 ص 261.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 209

الجواب (بأني أعرف به منك)، فلما رأى عليه السلام بأنه لا يقبل منه ذلك أخذ في تبيين خصوصيات ذلك الحيوان فقال: (انه حيوان بحري اما يخرج بنفسه أو تصاد فتخرج فيموت بفقدان الماء).

ثم قال عليه السلام: (انه حيوان بحري له قوائم اربع تمشى بها) فحيث انه ذو القوائم الأربع فلا يكون مثل الحيتان كي يكون ذكاته كذكاة الحيتان، فكما أحل الحيتان بمثل تلك التذكية، فكذا الخزّ جعل ذكاته ذلك فلا يكون ميتة كي يكون موجبا لبطلان الصلاة.

و قريب منها مضمونا ما رواه الكليني رحمه اللّٰه أيضا «1» عن أبي علي الأشعري، عن محمد بن عبد الجبار، عن صفوان بن يحيى، عن عبد الرحمن بن الحجاج، قال: سأل أبا عبد اللّٰه عليه السلام رجل و انا عنده عن جلود الخز؟ فقال: ليس به بأس، فقال للرجل: جعلت فداك إنها علاجي و انما هي كلاب تخرج من الماء، فقال أبو عبد اللّٰه عليه السلام: إذا أخرجت من الماء تعيش خارجه من الماء؟ فقال الرجل لا، فقال: ليس به بأس «2».

______________________________

(1) هذه الرواية في كمال الصحة لكون أبي على الأشعري أحمد ابن إدريس القمي من أجلّاء أصحابنا و كان قميا موثقا و من الطبقة الثامنة و محمد بن عبد الجبار من ثقات الطبقة السابعة، و صفوان بن يحيى من أصحاب الإجماع و من ثقات الطبقة السادسة، و صفوان بن يحيى من أصحاب الإجماع و من ثقات الطبقة السادسة، و عبد الرحمن بن

الحجاج من ثقات أصحاب الصادق عليه السلام و من الطبقة الخامسة، منه دام ظله العالي.

(2) الوسائل باب 10 حديث 1 من أبواب لباس المصلي ج 3 ص 263.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 210

بل لا يبعد أن يقال: باتّحاد هما و لو كان المنقول مختلفا من وجوه الّا ان من المظنون بالحدس القوي أن القضية كان واحدة بمعنى ان السائل سئل دفعة واحدة عن حكم هذه المسألة و أجاب عليه السلام بما أجاب.

غاية الأمر كان في مجلس السؤال جماعة من الرواة منهم ابن أبي يعفور- كما في الاولى- و منهم عبد الرحمن بن الحجاج- كما في الثانية- ثم نقل ابن أبي يعفور ل (قريب، غريب، خ ل) و نقل عبد الرحمن لصفوان، و نقل (قريب) لمحمد بن سليمان الديلمي و نقل صفوان لمحمد بن عبد الجبار، و هكذا.

و حيث كان الديلمي مرميّا بالغلوّ صوّر صورة السؤال و الجواب على نحو الاعجاز بأنّه عليه السلام قال: (انا أعرف به منك) مع انّه علاجك و صنعتك.

و بالجملة يظهر للمتأمّل في كيفية نقل الاخبار، الظن القوي بأنهما واحد.

نعم يكون بينهما اختلاف في وجوه يمكن ردّ بعضها الى بعض بحيث يصيران متحدين.

(أحدها): كون السؤال في الأوّل عن الصلاة في الخزّ دون الثانية، فيمكن ان يقال: بشمول إطلاق الثانية للصلاة أيضا.

(ثانيها): ذكر الجلود في الثانية دون الاولى، فيمكن ان يقال ان تعجب الراوي من جوابه عليه السلام بعدم البأس، و قوله في مقام الإنكار قرينة إرادة الجلد من السؤال، و الّا فلا دخل لأجل كونه ميتة في عدم جواز الصلاة.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 211

(ثالثها): تعجب الراوي من حكمه عليه السلام بجواز الصلاة في الميت في الأولى

دون الثانية، فيمكن ان يقال: ان قوله في الثانية:

و انما هي كلاب ناظر إلى انه غير قابل للتذكية فيكون ميتا فيكون متحدا مع الاولى.

(رابعها): ذكر خصوصيات في الأولى ليست في الثانية كما لا يخفى، فيمكن ان يقال: بأن الرواة حيث كان نظرهم الى نقل خصوصية دخيلة في المسألة الفقهية و لا دخل لباقي ما ذكر في الأولى فيها بخلاف الاولى، حيث كان بعض رواتها- و هو محمد بن سليمان- مرميا بالغلو، كانت هذه الخصوصيات مناسبة لهذا المسلك و مؤيّدة فنقلها و ترك في الثانية.

و يؤيّد اتحادهما أمور:

(الأوّل): كون السائل شخصا آخر غير الراوي في كليهما، غاية الأمر مع اختلاف التعبيرين حيث قال في الأولى: (كنت عند أبي عبد اللّٰه عليه السلام، الى آخره) و في الثانية: (سئل رجل أبا عبد اللّٰه عليه السلام و انا عنده، الى آخره).

(الثاني): إشكال السائل فيهما بنحو واحد، و هو قوله: بأنه علاجي.

(الثالث): بيان الامام عليه السلام في كليهما بأنه دابة بحريّة حياتها في الماء، غاية الأمر في الأولى بنحو الاخبار و في الثانية بنحو الاستفهام.

و الغرض من التكلف في جعلهما واحدة، لزوم الأخذ بالقدر الجامع و عدم ثبوت ما هو مختص بكل واحدة منهما.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 212

و هذا مطرد في كل خبرين يظن بالقرائن الخارجيّة اتحادهما فلا يكون حجة في غير القدر المشترك الجامع، لان عمدة الدليل لحجية أخبار الآحاد- كما قررناه في الأصول- هو بناء العقلاء على الأخذ بظواهر المنقولات مع الشرائط المقررة في محله، و لم يثبت هذا البناء فيما يتحمل أو يظن اتحاد المنقول مع اختلاف النقل إلّا بالنسبة إلى القدر الجامع، نعم في مثل المقام مما كان أحد النقلين بطريق صحيح

و الآخر بطريق غير صحيح فاللازم هو الأخذ بالأوّل.

(فإن قلت): فحينئذ لا تكون صحيحة ابن الحجاج دالة على جواز الصلاة في جلد الخز لعدم السؤال فيها عنها.

(قلت): قد مرّ انه يستفاد من إطلاقها، مضافا الى السؤال عن اللبس ما هو ظاهر في استمراره، خصوصا مع وجوب الصلاة في الأوقات الخمسة مع قطع النظر عن الصلاة المندوبة، فلو كان مختصا بغير حال الصلاة لكان اللازم على الامام عليه السلام التنبيه كما لا يخفى.

فعلى الفقيه المستنبط أن يتأمل في أسانيد الاخبار و متونها و لا يحكم بمجرد النقل بتعدد المنقول فيحكم على طبقه، و هذا أمر دقيق كما لا يخفى.

و كيف كان، تكون الرواية الثانية حجة و الأولى مؤيدة لها.

و يمكن ان يستدلّ أيضا على جواز الصلاة في جلده بما رواه الشيخ بإسناده عن محمد بن احمد بن يحيى، عن احمد بن محمد بن عيسى، عن محمد بن خالد البرقي، عن سعد بن سعد، عن الرضا عليه السلام، قال:

سألته عن جلود الخزّ؟ فقال: هو ذا نحن نلبس، فقلت: ذاك الوبر جعلت فداك، قال: إذا حل وبره حلّ جلده «1».

______________________________

(1) الوسائل باب 10 حديث 14 من أبواب لباس المصلى ج 3 ص 265.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 213

و دلالتها على جواز الصلاة مع السؤال عنه لما ذكرنا من ظهور السؤال استمرارا و قوله عليه السلام: (هوذا) بفتح الهاء و سكون الواو يعبّر عنه في الفارسية ب: (هان) و الملازمة المذكورة في الجواب من حيث حل أكل لحمه و عدمه إذا حلّ استعماله وبره و لم يكن عدم مأكوليّة لحمه مانعا عن الصلاة مع وبره فلا يكون مانعا أيضا مع جلده للملازمة بين عدم جواز الصلاة في

وبر ما لا يؤكل لحمه و بين عدمه في جلده، فإذا ثبت الأول ثبت الثاني أيضا.

و ما رواه أيضا بإسناده، عن الحسين بن سعيد، عن فضالة، عن حسين بن عثمان، عن ابن مسكان، عن الحلبي، قال: سألته عن لبس الخز؟ فقال: لا بأس به ان عليّ بن الحسين (ع) كان يلبس الكساء الخز في الشتاء، فإذا جاء الصيف باعه و تصدّق بثمنه و كان يقول: انى لأستحيي من ربّى ان آكل ثمن ثوب قد عبدت اللّٰه فيه «1».

و الظاهر ان الكساء لا يصنع من الوبر، بل من الجلد، كما ان قوله عليه السلام في ذيلها: (قد عبدت اللّٰه فيه) شموله للصلاة لو لم يكن ظاهرا فيه فقط.

فتحصّل من جميع هذه الاخبار أمور:

(الأول): كون الخز الموضوع للحكم حيوانا بحريا نظير السمك.

(الثاني): عدم كونه ثوبا منسوجا من وبر الأرانب و الإبريسم كما يظهر ذلك من بعض الروايات أيضا، مثل ما رواه الكليني رحمه اللّٰه، عن احمد بن إدريس، عن محمّد بن عبد الجبار، عن صفوان بن يحيى، عن عيص بن القاسم، عن أبى داود بن يوسف بن إبراهيم، قال: دخلت

______________________________

(1) الوسائل باب 10 حديث 13 من أبواب لباس المصلي ج 3 ص 265.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 214

على أبي عبد اللّٰه عليه السلام و علىّ قباء خزّ و بطانة خزّ و طيلسان خز مرتفع، قلت: ان علىّ ثوبا اكره لبسه، فقال: و ما هو؟ قلت: طيلساني هذا، قال: و ما بال الطيلسان؟ قلت: هو خز، قال: و ما بال الخز؟ قال: سداه إبريسم، قال: و ما بال الإبريسم؟ قال: لأنكره ان يكون سدا الثوب إبريسم «1».

و قريب منها رواية أخرى عنه عليه السلام أيضا

«2».

بل الظاهر اتحادهما كما سبق، غاية الأمر مع خدشة في سندها فان سندها هكذا: كما في الكافي: عدة من أصحابنا، عن سهل، عن محمد بن عيسى، عن صفوان، عن يوسف بن إبراهيم، قال: دخلت على أبي عبد اللّٰه عليه السلام الى آخره، مع تفاوت يسير.

و الظاهر سقوط عيص بن القاسم بنى صفوان و يوسف، و سقوط أبي داود، و زيادة «بن» بين لفظة أبي يوسف بن إبراهيم.

فهذه الرواية تدلّ على ان الخزّ ليس منسوجا من صوف و إبريسم أو من إبريسم فقط.

(الثالث): عدم كونه ولد الأرانب، فقول جماعة من اللغويين بأنه ولد الأرانب أو ذكرها أو كونه منسوجا من صوف و إبريسم، مخالف لما يستفاد من هذه الاخبار.

و لو فرض المعارضة لكانت الاخبار متقدمة زمان صدورها لأنهم عليهم السلام- مع قطع النظر عن الإمامة- من الطوائف الرفيعة من العرب.

______________________________

(1) الوسائل باب 10 حديث 2 من أبواب لباس المصلى ج 3 ص 263.

(2) الوسائل باب 8 حديث 4، منها، ج 3 ص 261.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 215

و كذا يظهر ما في كلام ابن الأثير حيث قال: الخزّ المعروف أولا ثياب تنسج من صوف و إبريسم، الى آخره.

نعم من عبّر عنه بأنّه دابّة أو انه غنم البحر، أو انه كلب الماء يوافق الاخبار بعد إرجاع بعضها الى بعض.

و حينئذ، هل هو الخزّ المعروف الآن أم غيره كما احتمله المجلسي عليه الرحمة، أو انه هو القندس أو القندر كما نقله المحقق في المعتبر عن جماعة من التجار ثم قال هو: (و لم أتحققه).

و عليه فلا يكون موافقا لما هو المعروف فان القندس على ما ترجمه في (المنجد) و صوّره حيوان أصغر من الكلب، و قال:

انه أحمر قائم بمعنى الحمرة الشديدة، و ما هو المعروف الآن ليس كذلك.

و على تقدير كونه حيوانا بحريّا فهل هو يعيش في الماء فقط بحيث يكون خروجه من الماء بمنزله فرى الأوداج الأربعة في الحيوان البرّي أم ليس كذلك؟

و على التقديرين هل يكون ذكاته كذكاة الحيتان كما في رواية ابن أبي يعفور المتقدمة أم لا؟

و الحاصل انه يمكن ان يستفاد من الاخبار جواز الصلاة في الخزّ سواء كان في وبره أو جلده بل الأوّل لا كلام فيه بينهم، بل ادعى الشهرة بالنسبة إلى الثاني أيضا.

نعم حكى عن ابن إدريس الإشكال في خروجه، مستدلا بالإجماع على عدم جواز الصلاة في جلود ما لا يؤكل لحمه.

فتحصل ان الكلام يقع في جهات:

(الاولى): هل الخزّ حيوان أم ثوب منسوج؟ ظاهر عدة من

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 216

أهل اللغة كالمصباح و الصحاح و الصراح و القاموس و شرحه و لسان العرب و منتخب اللغة و حياة الحيوان هو الأوّل، لكن ليس باسم الخزّ بل باسم الخزز و لم نجد أحدا من اللغويين انه بهذا العنوان يكون حيوانا.

و ظاهر النهاية لابن الأثير و جمهرة ابن دريد هو الثاني.

و يؤيّد الأوّل رواية ابن أبي يعفور و رواية عبد الرحمن بن الحجاج المتقدمتان.

و رواية سعد بن سعد حيث يستفاد منها ان مورد السؤال هو جلده الصريح في كونه حيوانا.

نعم الروايات الدالة على لبس الأئمة عليهم السلام ذلك لا دلالة فيها على كونه حيوانا على التعبيرات المختلفة (تارة) بالحية (و اخرى) بطيلسان (و ثالثة) بمطرف (و رابعة) بالكساء.

الجهة الثانية

على التقدير الأوّل- كما هو الأظهر لما قلنا من تقدم الروايات على كلمات أهل اللغة- هل هو حيوان بحري أو برّي لم نجد

من تعرض كونه بحريا الّا الفيومي في المصباح: انّه كلب الماء و عن ابن فرشته انه غنم البحر، لكن ظاهر رواية ابن أبي يعفور و عبد الرحمن بن الحجاج بل صريحهما انه حيوان بحريّ.

الجهة الثالثة:

على تقدير كونه حيوانا بحريا هل يكون تعيّشه في الماء كعيش الحيتان بحيث يكون تنفسه و حياته في الماء، كما ان تنفس الحيوانات البرّية بالهواء، فلو اخرج منه لا يبقى له حياة مستقرة فلا يمكن تذكيته بفري الأوداج الأربعة مثلا، فيكون حينئذ خروجه من الماء تذكية، أم لا يكون كذلك، بل يعيش في الماء و غيره كالضفدع

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 217

غاية الأمر يكون مأواه الماء و لا يموت بخروجه منه فيكون حينئذ قابلا لفرى أوداجه فلا يكون إخراجه من الماء تذكية، بل بالفري كسائر الحيوانات البرّية.

و يؤيّد الأوّل: روايتا ابن أبي يعفور و ابن الحجاج «1».

و يؤيّد الثاني: رواية حمران بن أعين «2» و ما نقل من جماعة من التجار، هذا كلّه بالنسبة إلى موضوعه.

و اما بالنسبة الى حكمه

فنقول: قد عقد في الوسائل ثلاثة أبواب للخزّ:

الأوّل: جواز الصلاة فيه.

الثاني: عدم جواز الصلاة إذا كان مغشوشا بوبر الأرانب.

الثالث: جواز لبسه.

و نقل فيه ستة عشر حديثا لا تعرض فيها للصلاة إلّا ما رواه احمد ابن أبي طالب الطبرسي، عن محمد بن عبد اللّٰه الحميري، عن صاحب العسكر عليه السلام انه سئل عن الصلاة في الخزّ الذي يغشّ بوبر الأرانب؟ فوقع عليه السلام: يجوز. و روى عنه عليه السلام أيضا: لا يجوز فبأيّ الخبرين نعمل؟ فأجاب عليه السلام: انما حرم هذه الأوبار و الجلود و اما الأوبار وحدها فكل حلال «3».

و خبر الحلبي المتقدم على تقدير شمول قوله عليه السلام: (قد عبدت اللّٰه فيها) «4» للصلاة أيضا.

______________________________

(1) الوسائل باب 9 و 10 حديث 1 من أبواب لباس المصلي ج 3 ص

(2) الوسائل باب 39 حديث 2 من أبواب الأطعمة المحرمة ج 16 ص 272.

(3) الوسائل باب 10

حديث 5 من أبواب لباس المصلى ج 3 ص 266.

(4) المصدر، الحديث 13.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 218

و رواية سعد بن سعد بناء على ما حمله عليه في الجواهر و مصباح الفقيه على الوجه المتقدم من كون سؤاله انما هو عن أوبار ما لا يؤكل لحمه، فأجاب عليه السلام بالملازمة في الحل بين الأوبار و الجلود أو من حيث كونه من غير المأكول اللحم.

و لكن يمكن ان السؤال من حيث جواز استعمال جلد الميتة باعتبار عدم كونه مذكى، و كون حرمة الانتفاع بالميتة بجلودها و عصبها مغروسا في ذهن السائل و احتمل جواز استعمال جلد هذا الحيوان المخصوص و لو كان ميتة فسأل فأجاب عليه السلام بأنه إذا حل وبره حل جلده فيفهم بالملازمة كونه مذكى، و ان إخراجه من الماء يكون ذكاته فلا دلالة لها حينئذ على جواز الصلاة من هذه الحيثية التي هي محل البحث، بل تدل على جواز لبسه من حيث عدم كونه ميتة.

و اما اخبار الباب الذي عقده في الوسائل لجواز الصلاة فيه ففي عدة اخبار يحكى فيها فعل الامام عليه السلام و القدر المتيقن في مقام إثبات حجيته، هو جوازها في وبر الخز، مثل رواية سليمان بن جعفر الجعفري، و رواية على بن مهزيار، و رواية زرارة «1» على وجه تقدم.

و كذا رواية دعبل ان الرضا عليه السلام خلع عليه قميصا من خز و قال له: احتفظ بهذا القميص فقد صليت فيه ألف ليلة كل ليلة ألف ركعة «2».

و في اثنين منها يمكن الأخذ بالإطلاق بحيث يشمل الجلد أيضا:

(أحدهما): رواية ابن أبي يعفور المتقدمة «3» و هي و ان كانت

______________________________

(1) الوسائل باب 8 حديث 1 و 2

و 3 من أبواب لباس المصلى ج 3 ص 260.

(2) المصدر، الحديث 6 ص 261.

(3) المصدر، الحديث 4 ص 261.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 219

غير ظاهره في الجلد الا أن الاعتراض الذي وقع من السائل عليه، عليه السلام بأنه ميت يؤكد الإطلاق.

(ثانيهما): ما رواه الشيخ رحمه اللّٰه، بإسناده، عن محمد بن احمد بن يحيى، عن معاوية بن حكيم، عن معمّر بن خلّاد، قال: سألت أبا الحسن الرضا عليه السلام عن الصلاة في الخزّ؟ فقال: صلّ فيه «1».

فان إطلاقها- و لو بترك الاستفصال- يشمل الجلد أيضا.

و بالجملة، فالذي يدل على جواز الصلاة في وبر الخز روايات:

1- رواية سليمان بن جعفر.

2- رواية على بن مهزيار.

3- رواية زرارة.

4- رواية دعبل.

5- رواية ابن أبي يعفور.

6- رواية معمر بن خلاد.

7- مرفوعة أيوب بن نوح، الوارد في الخز المغشوش «2».

و الذي يمكن ان يكون له إطلاق ما ذكرنا من الروايتين المشار إليهما، فحينئذ اشكال ابن إدريس و العلامة عليهما الرحمة يمكن ان يكون من حيث كونه من الميتة كما بيّناه، و ان يكون من حيث كونه من غير

______________________________

(1) راجع الوسائل، باب 8، حديث 5، من أبواب لباس المصلى، ج 3 ص 261.

(2) راجع الوسائل باب 9 حديث 14 من أبواب لباس المصلى ج 3 ص 262.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 220

المأكول.

و على كلا التقديرين يكون الروايتان حجة عليهما الا ان عذر ابن إدريس واضح بناء على أصله من عدم العمل بأخبار الآحاد، و اما العلّامة فلم نعرف له وجها لتركه العمل بهذين الخبرين، اللّٰهم الّا ان يقال:

بضعف رواية ابن أبي يعفور لأجل اشتمال سنده على مجاهيل و عدم إطلاق لرواية معمر بن خلاد، و ان القدر

المتيقن هو الوبر فتأمل.

الّا ان يقال: ان الأدلّة الدالة على عدم جواز الصلاة في جلود ما لا يوكل لحمه منصرفة عن الحيوانات البحرية، و الدالة على مانعية الميتة مختصة بالميتة النجسة، و ان الخز باعتبار انه من الحيوانات البحرية التي ليست لها نفس سائلة لا ينجس بالموت، أو انه على تقدير كونه ذا نفس سائلة قابل للتذكية إما بمجرد الإخراج من الماء كالحيتان أو بفري الأوداج على تقدير ثبوت ذلك فيه، فيكون صحة الصلاة فيه حينئذ على مقتضى القاعدة، لا انه مستثنى.

فالمانع- و هو ابن إدريس و العلامة في السرائر و المنتهى و التحرير- يكفيه أحد الأمرين:

(اما) ادعاء شمول إطلاق الدليل الدال على بطلان الصلاة في غير المأكول للحيوانات البحرية أيضا.

(و اما) تعميم مانعية الميتة للميتة الطاهرة أيضا أو عدم ثبوت التذكية للخز، و لو على القول باختصاص مانعية الميتة بالنجسة.

و المجوز- كالشيخ في النهاية و المبسوط و الخلاف، و كابن زهرة في الغنية، و العلامة في التذكرة و المختلف، و المحقق في المعتبر، و أكثر المتأخرين عن العلامة- لا بد له من إحراز أمور

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 221

(الأول): منع شمول إطلاق مانعية غير المأكول للحيوانات البحرية.

(الثاني): منع شمول إطلاق مانعيته للطاهرة و إثبات أن ميتته طاهرة أيضا.

(الثالث): إثبات أن الخز ليس له نفس سائلة.

و على تقدير كونه ذا نفس سائلة لا بدّ من إثبات تذكيته بأحد الأمرين المتقدمين.

و على تقدير عدم إثبات ذلك يتمسك بالدليل التعبدي.

فنقول:- بعد فرض شمول الدليل الدال على مانعية غير المأكول البحري، و عموم دليل الميتة للميتة الطاهرة- يمكن ان يتمسك بإطلاق رواية معمر بن خلّاد المتقدمة.

و اما التمسك برواية سعد بن سعد المتقدمة كما في

الجواهر و مصباح الفقيه للهمدانى رحمه اللّٰه فيمكن منعه، بان يقال: بان الاستدلال بها موقوف على ان نظر السائل من حيث شكه في جواز الصلاة في الخز المفروض كونه من غير المأكول، فلذا أجاب الإمام عليه السلام بالملازمة بين الوبر و الجلد.

اما إذا كان من حيث شكه في جوازها في جلد هذا القسم من الميتة فأجاب عليه السلام بالجواز و انه لا بأس به.

أو كان من حيث شكه في أصل جواز لبس الخزّ وبرا و جلدا فأجاب عليه السلام بالجواز مطلقا فلا دلالة فيها على المدّعى.

بل يمكن دعوى ظهورها في الاحتمال الأخير بوجوه:

(الأول): كون السؤال عن الجلود من غير تقييد بالصلاة و السؤال عن الذوات ذات المنفعة يرجع الى السؤال عن المنافع المتعارفة

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 222

للسؤال عنه، و هي اللبس دون الصلاة.

و دعوى ان إطلاقه يشمل حالة الصلاة أيضا، ممنوعة، لإمكان كونه نظير سائر الحيوانات الغير المأكولة لحمها حيث يجوز الانتفاع بجلودها مع عدم جواز الصلاة فيها، فتأمل.

و دعوى دلالة جملة (هو ذا نحن نلبس، الى آخره) على الاستمرار لأنها مرادفة لفظة (همي) في الفارسية بلا شاهد لما أشرنا إليه من أنها مرادفة للفظة (هان) الدالة على التنبيه و توجيه المخاطب نحو فعله.

(الثاني): جواب الامام عليه السلام بقوله: (نحن نلبس) المشعر بل الظاهر في كون ما هو موجب للسؤال هو الشبهة في أصل اللبس لا اللبس الخاص اعنى حال الصلاة، و الّا فليقل عليه السلام: (هو ذا نحن نصلي) لا نلبس، الى آخره.

(الثالث): كون اللباس من ألبسه المترفين لا يلبسه الّا أبناء السلاطين و أشباههم، فربما يحتمل المتشرعون كونه كالحرير أو الذهب الممنوع للرجال فسئل امامه عليه السلام عن جواز

لبسه و عدمه.

(الرابع): لما نقل العامة عن النبي صلى اللّٰه عليه و آله انه صلى اللّٰه عليه و آله نهى عن الجلوس عليه و الركوب عليه «1» كما سمعت من النهاية لابن الأثير كان ذلك منشأ لتوهم كون اللبس أيضا منهيا عنه فسئل الأئمة عليهم السلام الذين منهم الرضا عليه السلام عن ذلك.

و قوله عليه السلام: (إذا حلّ وبره حلّ جلده) «2» لا يدل على

______________________________

(1) نقله ابن الأثير في مادة خزز.

(2) الوسائل باب 10 حديث 14 من أبواب لباس المصلى ج 3 ص 266.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 223

كون السؤال غير أصل اللبس، فان مناط شبهة الجواز و المنع حينئذ واحد و هو احتمال نهى النبي صلى اللّٰه عليه و آله.

(الخامس): الأخبار الواردة في نقل فعل على بن الحسين عليهما السلام، و كذا أبوه سيد الشهداء عليه السلام و لبسهما عليهما السلام ذلك، كرواية الحلبي و رواية جابر المتقدمتين، بل في بعضها- بعد نقل فعل علي بن الحسين عليهما السلام- الاستدلال بقوله تعالى (قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللّٰهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبٰادِهِ) «1».

كما ورد فيما رواه الكليني عن عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد عن الحسن بن على الوشاء، عن أبي الحسن الرضا عليه السلام، قال:

سمعته يقول: كان علي بن الحسين عليهما السلام يلبس في الشتاء الجبة الخز، و المطرف الخز، و القلنسوة الخز في الشتاء، و يبيع المطرف في الصيف و يتصدّق بثمنه و يقول: قل من حرّم، الآية «2».

و هذا مشعر بل ظاهر في انهم عليهم السلام في مقام رفع توهم الحرمة من حيث اللبس.

كما يشعر بذلك ما رواه بسنده، عن سهل، عن احمد بن محمد بن أبي نصر، عنه

عليه السلام، قال: كان علي بن الحسين (ع) يلبس الجبة الخز بخمسين دينارا و المطرف الخز بخمسين دينارا «3».

من حيث ان ذكر قيمة الخز مع أنها كثيرة، لعلّه لرفع توهم أنه إسراف و اتراف.

______________________________

(1) الوسائل باب 10 حديث 16 من أبواب لباس المصلى ج 3 ص 266.

(2) الوسائل باب 10 حديث 6 من أبواب لباس المصلى ج 3 ص 264.

(3) المصدر، الحديث 5.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 224

و كما يشعر بذلك أيضا مرسلة أبي جميلة، عن رجل، عن أبي جعفر عليه السلام، قال: انا معاشر آل محمد صلى اللّٰه عليه و آله نلبس الخز و اليمنة «1» فبهذا كلّه يعلم ان ما هو المتداول في السؤال في السنة الرواة عن الأئمة عليهم السلام انما هو اللبس دون الصلاة فلا دلالة لشي ء من الروايات الخالية عن لفظ الصلاة.

و اما احتمال ان لا يكون لحم الخز محرما، استنادا الى ما رواه الشيخ رحمه اللّٰه بإسناده، عن محمد بن احمد بن يحيى، عن احمد بن حمزة القمي، عن محمد بن خلف، عن محمد بن سنان، عن عبد اللّٰه بن سنان، عن ابن أبي يعفور، قال: سألت أبا عبد اللّٰه عليه السلام عن أكل لحم الخز؟ قال: كلب الماء ان كان له ناب فلا تقربه، و الّا فاقربه «2».

عنه، عن احمد بن حمزة، عن زكريا بن آدم، قال: سألت أبا الحسن عليه السلام فقلت: ان أصحابنا يصطادون الخز فآكل من لحمه؟

قال: فقال: ان كان له ناب فلا تأكله ثم مكث ساعة، فلما هممت بالقيام قال: اما أنت فإني أكره لك أكله فلا تأكله «3».

فمدفوع- مضافا الى اتفاقهم على حرمه الحيوانات الّا السمك و حرمة السمك الّا ما

كان له فلس- لا دلالة فيها على الحلية لاحتمال بيان انه لما كان ذا ناب فهو حرام، لا انه على قسمين: حلال و هو ما لا يكون

______________________________

(1) الوسائل باب 10 حديث 3 من أبواب لباس المصلى ج 3 ص 263.

(2) الوسائل باب 39 حديث 3 من أبواب الأطعمة المحرمة ج 16 ص 372.

(3) الوسائل باب 39 حديث 1، منها.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 225

له ناب، و حرام و هو ما يكون له ناب، بل ذيل الرواية الثانية مشعر بكون صدرها لمكان التقية فدلالتها على الحرمة انسب فالتعبير بالكلب في الأولى أيضا مشعر بما احتملناه من انه عليه السلام في بيان إرشاده الى ما كان حكمه معلوما عند الأصحاب.

و على هذا يمكن ان يحمل ما رواه الشيخ بالإسناد المذكور عن احمد بن حمزة، عن محمد بن على القرشي، عن محسن بن احمد عن عبد اللّٰه بن بكير، عن حمران بن أعين، قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عن الخز؟ فقال: سبع يرعى في البر و يأوي الماء «1».

حيث انه عليه السلام أشار الى حكمه بالإشارة إلى موضوعه بأنه سبع، و لعل حكمه كان معلوما عند الراوي، و لا يعد في السؤال عن الموضوع المجمل لكونهم عليهم السلام عالمين به.

و كيف كان فحرمة لحمه ممّا لا شبهة فيه، فالقول بالحلية في الجملة كما عن الحدائق، مخالف للإجماع المنقول عن كثير من الفقهاء و للأخبار الدالة على حلية غير السمك و منه غير ماله فلس، بل و لهذه الأخبار التي نقلناها على وجه.

و اما احتمال انه- و لو قلنا بحرمة لحمه- لكن الأدلّة المانعة عن الصلاة في غير المأكول منصرف عنه، (فمدفوع): أيضا لما قلنا

من عدم وجه للانصراف إلّا قلة الوجود، و هي لا توجب ذلك.

و اما احتمال كونه مذكى بمعنى ان إخراجه من الماء تذكيته، فهو موقوف على كون خروجه من الماء موجبا للموت ليكون إخراجه قتلا له، و الّا فلو كان يعيش خارج الماء كما هو مقتضى رواية حمران بن أعين، فلا وجه

______________________________

(1) الوسائل باب 39 حديث 2 من أبواب الأطعمة المحرمة ج 16 ص 273

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 226

لكون تذكيته إخراجه من الماء، لان ما هو المفهوم من النصوص و الفتاوى في مسألة الذباحة هو لزوم فرى الأوداج في تحقق التذكية فيما يكون قابلا بالنسبة إلى الحيوانات التي لها حياة مستقرة، و لذا حكموا بكون الحيوان المصيد بالرمي أو إرسال الكلاب المعلمة إذا لم تقتلوا بنفس الرمي أو أخذ الكلب و كان فيها حياة مستقرة يجب تذكيته بالفري.

و حيث ان أقوال الفقهاء و كذا الأخبار مختلفة هل يكون خروجه موجبا لموته أم لا؟ و على الثاني فاللازم فرى أوداجه و لم يتعارف ذلك و لا نقل ذلك، فلا يكفى لنا الحكم بكونه مذكى ليصح الصلاة في جلده أيضا.

و اما احتمال ان ميتته طاهرة بكونه طاهرة لعدم كونه ذو النفس سائلة (فمدفوع): بان مقتضى رواية حمران بن أعين المتقدمة من انه يرعى في البر و يأوي الماء كونه ذا النفس، فان من البعيد ان يكون الحيوان ذو قوائم أربع و كان راعيا في البر بحيث يعيش فيه بمقدار الرعي، و مع ذلك لم يكن ذا نفس سائلة.

فتحصّل انه حيوان بحري ذا نفس سائلة لم يثبت تذكيته، هل هو الإخراج من الماء أو الفري، فيكون ميتته نجسة فيشمله أدلة حرمة الانتفاع بالميتة و عدم

صحة الصلاة.

فلا يبقى في المقام إلّا إخراجه بدليل التعبّد، و قد قلنا: انه بالنسبة إلى الوبر إجماعي مضافا الى الاخبار.

لكن القدر المتيقن من كلمات العلماء هو الوبر خاصة لتعبيرهم غالبا بالخز الخالص أو المحض أو الغير المغشوش بوبر الأرانب و الثعالب كما في بعض العبارات، أو بالأوّل كما في آخر، أو بما لا يوكل لحمه كما

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 227

في ثالث.

و ظاهرها ان المستثنى ما يكون قابلا لاتصافه بالخلوص- و هو الوبر- دون الجلد و ان كان يحتمل ان يكون المراد انه لو كان وبرا يشترط خلوصه لا انه منحصر فيه، لكنه خلاف الظاهر.

و اما الجلد فان كانت الشبهة منحصرة في كونه من غير المأكول فيمكن إلغاء الخصوصية من هذه الحيثية.

بل يمكن ان يقال: بشمول إطلاق رواية معمر بن خلّاد «1» لان ظاهرها هو خروج هذا الحيوان المخصوص لخصوصية موجودة في نفسه من غير نظر الى خصوص جلده أو وبره، بل صدر رواية ابن أبي يعفور «2» أيضا.

نعم لا دلالة في رواية عبد الرحمن بن الحجاج و سعد بن سعد «3» كما قلنا مشروحا.

نعم يمكن ان يقال: بدلالة الثانية حيث قال: (هو ذا نلبس الى آخره) على كونه مذكى، لعدم جواز الانتفاع بالميتة لا بإهاب و لا عصب، كما في بعض الاخبار.

لكن لا ملازمة بينه و بين جواز الصلاة الا ان يقال بالإطلاق الحالي بمعنى كون ظاهرها جواز اللبس في تمام الحالات، و هو بعيد.

و كيف كان يكفي في رفع الشك من هذه الحيثية إلغاء الخصوصية و إطلاق الروايتين.

و اما إذا كانت الشبهة من حيث كونه ميتة فلا يمكن إلغاء الخصوصية

______________________________

(1) الوسائل باب 8 من أبواب لباس المصلى ج 3

ص 261.

(2) الوسائل باب 8 من أبواب لباس المصلى ج 3 ص 261.

(3) الوسائل باب 10 حديث 1- 14 من أبواب لباس المصلى ج 3 ص 263- 265.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 228

لعدم وجود الملاك في الخروج في الجلد لكونه نجسا دون الوبر و لحرمة الانتفاع به دونه.

و إطلاق رواية معمر بن خلاد «1» على تقدير تسليمه معارض بالأدلة الدالة على عدم جواز الصلاة في الميتة من وجه، لشمول الأوّل للوبر و الجلد، و شمول الثاني للخز و غيره، فيتعارضان في جلد الخزّ و بعد عدم الترجيح يبقى مشكوكا.

نعم رواية ابن أبي يعفور «2» حيث انها متعرضة لخصوص الميتة لا تكون معارضه لكونها دالة على الجواز في خصوص الجلد فينحصر كون رافع الشك من هذه الحيثية، هي هذه الرواية، و لكنها محتاجة إلى الانجبار بعمل الأصحاب بهذه الخصوصية، فقد نقل عن الشهيد في الذكرى ان مضمونها مشهور بين الأصحاب، (انتهى).

لكن عملهم بها مع هذه الخصوصية غير معلوم، و لذا حكى عنه انه- بعد حكاية الشهرة- و من الناس من يزعم انه كلب الماء، و على هذا يشكل ذكاته بدون الذبح، لان الظاهر انه ذو نفس سائلة (انتهى)، و كان مضمونها بهذه الخصوصية مشهورا بين الأصحاب لم يكن وجه لترديده في كيفية ذكاته فإنه عليه السلام حكم فيها بحلية الحيتان كما لا يخفى.

______________________________

(1) الوسائل باب 8 حديث 5 من أبواب لباس المصلى ج 3 ص 261.

(2) المصدر، الحديث 1.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 229

تذنيب حكى عن المجلسي عليه الرحمة في البحار الاستشكال في كون الخزّ المعروف الآن هو الخزّ الوارد في الروايات.

قال- على ما حكى عنه-: و المعروف من الخزّ المعروف الآن دابة تعيش في البرّ و لا تموت بالخروج من الماء، الّا ان يقال: انها صنفان برّى و

بحري، و كلاهما تجوز الصلاة فيه و هو بعيد و يشكل التمسك بعدم النقل و اتصال العرف بزمانهم عليهم السلام، و القدح في الاخبار بالضعف، إذ اتصال العرف غير معلوم، إذ وقع الخلاف في حقيقته في أعصار علمائنا السالفين أيضا رضوان اللّٰه عليهم، و كون الأصل عدم النقل في ذلك حجة في محل المنع، و الاحتياط في عدم الصلاة فيه، (انتهى المحكي).

أما الإشكال في جريان أصالة عدم النقل، ففي غير محله، إذ إجرائها في خصوص الزمان المتصل بزماننا مع حذف الزمان المتوسط كي يقال: ان اتصال العرف غير معلوم، نعم في كون المسألة من مصاديق جريان أصالة عدم النقل كلام.

توضيحه ان يقال: انها تتصور على وجوه:

(الأوّل): كون الموضوع له في السابق معلوما و في اللاحق مجهولا.

(الثاني): العكس بان كان الموضوع له في الزمان اللاحق معلوما و قد شك في الزمان السابق أيضا كذلك أم كان له معنى آخر، و قد نقل عنه الى هذا المعنى المعلوم.

(الثالث): كونه معلوما فيهما، لكن شك في تطبيق المعنى

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 230

اللاحق مع المعنى السابق نظير ما نحن فيه حيث ان الخزّ- بحسب الروايات- دابة بحرية قابلة للتذكية، غاية الأمر كون تذكيتها بإخراجها من الماء أو بالفري، غير معلوم، فعلى اىّ حال تجوز الصلاة في وبرها.

و في مثل زماننا يقال: الخز مثلا على حيوان بحري يعيش في البر و لا يموت بالخروج أو الإخراج، لكن الشك في ان هذا الحيوان المخصوص من مصاديق ذلك الحيوان الذي أريد من الروايات استثنائها أم لا؟ و لا إشكال في جريانها على الأولين و في الثالث وجهان.

ثم ما ذكره قدس سرّه من قوله: الّا ان يقال: انها صنفان بري

و بحري و كلاهما تجوز الصلاة، محل نظر، لأنه حينئذ يحتاج إلى إحراز ان المستثنى في الروايات كلا القسمين و لم يعلم بعد منها على قسمين، لأنها ناظرة إلى قسم واحد.

و بالجملة إذا أخبر التاجر بخصوصيات الخز و كانت مطابقة لما في الروايات فلا إشكال في جواز الصلاة و الا ففيه تأمل، و المسألة محتاجة إلى مزيد تتبع و تأمّل.

الثاني من المستثنيات السنجاب
اشارة

على أحد القولين، و هو ليس على حد الخز من حيث الحكم و الموضوع، لانه حيوان بري له وبر ناعم يعمل منه الفراء.

و الأدلة على تقدير تماميتها شاملة للوبر و الجلد، لعدم كون وبره مجزوزا بنفسه فلا يكون قابلا للبس الّا مع الجلد.

و الاخبار الواردة فيه على قسمين: قسم يدل على جواز الصلاة فيه، و قسم يمنع.

اما الأوّل [الأخبار المجوزة]: فهي على أقسام:

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 231

(منها): ما يدل صريحا على جواز الصلاة فيه بلا ضميمة منعا و ترخيصا مثل ما رواه الشيخ رحمه اللّٰه بإسناده، عن محمد بن احمد بن يحيى عن عبد اللّٰه بن إسحاق العلوي، عن الحسن بن على، عن محمد بن سليمان الديلمي، عن على بن أبي حمزة، قال: سألت أبا عبد اللّٰه و أبا الحسن عليهما السلام عن لباس الفراء؟ و الصلاة فيها؟ فقال:

لا تصل فيهما الّا ما كان منه ذكيا، قال: أو ليس الذكي ما ذكى بالحديد؟

قال: نعم إذا كان مما يؤكل لحمه، قلت: و ما لا يؤكل لحمه من غير الغنم؟

فقال: لا بأس بالسنجاب، فإنه دابة لا تأكل اللحم، و ليس هو مما نهى رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و آله، إذ نهى عن كل ناب و مخلب «1».

(و منها): ما يدل على الجواز بضميمة النهي عن شي ء آخر، مثل ما رواه الكليني رحمه اللّٰه عن على بن محمد، عن عبد اللّٰه بين إسحاق العلوي، عمن ذكره، عن مقاتل بن مقاتل، قال: سألت أبا الحسن عليه السلام عن الصلاة، قال: السمور و السنجاب و الثعالب؟ فقال:

لا خير في ذا كلّه، ما خلا السنجاب، فإنه دابة لا تأكل اللحم «2».

و ما رواه الشيخ رحمه اللّٰه بإسناده، عن محمد بن احمد بن

يحيى عن داود الصرمي، عن بشير بن بشار، قال: سألته عن الصلاة في الفنك و الفراء و السنجاب و السمور و الحواصل التي تصاد في بلاد الشرك أو بلاد الإسلام ان أصلي فيه لغير تقية؟ قال: فقال: صلّ في السنجاب و الحواصل الخوارزميّة، و لا تصل في الثعالب و لا السمور «3».

______________________________

(1) الوسائل باب 3 حديث 3 من أبواب لباس المصلى ج 3 ص 252.

(2) المصدر، الحديث 2.

(3) المصدر، الحديث 4، ص 253.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 232

و بإسناده، عن على بن مهزيار، عن أبي على بن راشد، قال:

قلت لأبي جعفر عليه السلام: ما تقول في الفراء أيّ شي ء يصلّى فيه؟

قال: اى الفراء؟ قلت: الفنك و السنجاب و السمور؟ قال: فصل في الفنك و السنجاب، فاما السمور فلا تصل فيه «1».

و بإسناده عن احمد بن محمد بن الوليد، قال: قلت للرضا عليه السلام: أصلي في الفنك و السنجاب؟ قال: نعم، قلت: يصلى في الثعالب إذا كانت ذكية؟ قال: لا تصل فيها «2».

(و منها): ما يدل على جوازها مع ضميمة شي ء آخر مثل ما رواه الشيخ رحمه اللّٰه أيضا بإسناده، عن محمد بن احمد بن يحيى، عن العباس بن معروف، عن ابن أبي عمير، عن حماد، عن عبيد اللّٰه بن على الحلبي، عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام، قال: سألته عن الفراء و السمور و السنجاب و الثعالب و أشباهه؟ قال: لا بأس بالصلاة فيه «3».

و ما رواه الصدوق بإسناده، عن يحيى بن أبي عمران، قال:

كتبت الى أبي جعفر الثاني عليه السلام في السنجاب و الفنك و الخز و قلت: جعلت فداك أحبّ ان لا تجيبني بالتقية في ذلك، فكتب بخطه الىّ: صلّ فيه

«4».

______________________________

(1) الوسائل باب 3 حديث 5 من أبواب لباس المصلى ج 3 ص 253.

(2) أورد صدره في باب 3 حديث 7 و ذيله في باب 7 حديث 7 من أبواب لباس المصلى ج 3 ص 253- 257 و منه احمد بن محمد عن الوليد بن أبان.

(3) الوسائل باب 4 حديث 2 من أبواب لباس المصلى ج 3 ص 254.

(4) الوسائل باب 3 حديث 2 من أبواب لباس المصلى ج 3 ص 253.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 233

(و منها): ما يدل على جواز اللبس مع النهى عن الثعالب في بعضها، فيمكن ان يقال: بشمول إطلاقه للصلاة أيضا، كمرسلة الحسن ابن فضل الطبرسي، في مكارم الأخلاق، قال: و سئل الرضا عليه السلام عن جلود الثعالب و السنجاب و السمور؟ فقال: قد رأيت السنجاب على أبي، و نهاني عن الثعالب و السمور «1».

و ما عن قرب الاسناد، عن عبد اللّٰه بن الحسن، عن جده على ابن جعفر، عن أخيه موسى بن جعفر عليهما السلام، قال: سألته عن لبس السمور و السنجاب و الحواصل و المناطق و الكيمخت و المحشو بالقز و الخفاف من أصناف الجلود؟ فقال: لا بأس بهذا كله الّا الثعالب «2».

و اما الاخبار المانعة:

(فمنها): موثقة ابن بكير المتقدمة حيث قال: سأل زرارة الصادق عليه السلام عن الصلاة في الثعالب و الفنك و السنجاب و غيره من الوبر فأخرجه (ع) كتابا زعم انه إملاء رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و آله: ان الصلاة في وبر كل شي ء حرام أكله، فالصلاة في وبره و شعره و روثه و بوله و كل شي ء منه فاسد لا يقبل اللّٰه تلك الصلاة حتى يصلى في غيره مما أحل اللّٰه أكله، الى

آخره «3».

(و منها): ما في المستدرك، عن دعائم الإسلام، عن جعفر ابن محمد عليهما السلام انه سئل عن فرو الثعلب و السنور و السمور

______________________________

(1) الوسائل باب 4 حديث 5 من أبواب لباس المصلى ج 3 ص 255.

(2) المصدر، الحديث 2، ص 256.

(3) الوسائل باب 2 قطعة من حديث 1 من أبواب لباس المصلى ج 3 ص 250.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 234

و السنجاب و الفنك و القماقم؟ قال: يلبس و لا يصلى فيه «1» و فيه أيضا، القطب الراوندي في الخرائج عن احمد بن أبي روح قال: خرجت الى بغداد في مال لأبي الحسن الخضر بن محمد لا وصله و أمرني أن أدفعه الى أبي جعفر محمد بن عبد اللّٰه بن عثمان العمري فأمرني أن ادفعه الى غيره، و أمرني أن أسأل الدعاء للعلّة التي هو فيها، و اسئله عن الوبر يجعل لبسه فدخلت بغداد و صرت إلى العمرى فأبى أن يأخذ المال، و قال: صر الى أبي جعفر محمد بن احمد و ادفع اليه، فإنه أمره أن يأخذ و قد خرج الذي طلبت فجئت الى أبي جعفر و أوصلته إليه فاخرج الى رقعة:

بسم اللّٰه الرحمن الرحيم، سألت الدعاء عن العلة التي تجدها وهب اللّٰه لك العافية و دفع عنك الآفات و صرف عنك بعض ما تجده من الحرارة و عافاك و صحّ جسمك، و سألت ما يحل ان يصلى فيه من الوبر و السمور و السنجاب و الفنك و الدلق و الحواصل فاما السمور و الثعالب فحرام و على غيرك الصلاة فيه، و يحل لك جلود المأكول من اللحم إذا لم يكن فيه غيره، و ان لم يكن لك ما تصلى

فيه فالحواصل جائز لك ان تصلى فيه، الخبر «2».

فتحصل ان اخبار الجواز عشرة بناء على إطلاق الثلاثة الأخيرة لحال الصلاة أيضا، و اخبار المنع ثلاثة بناء على دلالة الأخيرة على المنع و الطائفة الأولى بين صحيح و غيره و الطائفة الثانية بين موثق و غيره، و لكن العمدة موثقة ابن بكير، لعدم ثبوت حجية الأخيرتين

______________________________

(1) المستدرك باب 4 حديث 1 من أبواب لباس المصلى ج 1 ص 201.

(2) المستدرك باب 3 حديث 1 من أبواب لباس المصلى ج 1 ص 201.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 235

فان مؤلف «1» دعائم الإسلام و ان كان شيعيا قد ألف هذا الكتاب على سبك الإمامية الّا أن الرواية مرسلة، فالعمدة هو موثقة ابن بكير.

و قد يستشكل في روايات الجواز بين ضعيف السند أو الدلالة باعتبار اشتمالها على شي ء لم يكن معمولا به كالفنك في صحيحة أبي على ابن راشد، و رواية الوليد بن ابان، و السمور و الثعالب كما في صحيحة الحلبي، و الحواصل كما في رواية بشير بن يسار.

و فيه ان مجرد اشتمالها على المذكورات لا يوجب سقوط الرواية رأسا عن الحجية فلا مانع من الالتزام بالباقي ما لم يقع قرينة على خلافه.

و قد يقال: بالحمل على التقية لموافقتها لمذهب جميع العامة.

و فيه: ان منع بعضها عن بعض غير المأكول مناف للحمل على التقية كرواية مقاتل بن مقاتل و بشير بن بشار و الحسن بن فضل و الريان بن الصلت «2».

و كيف كان فلا كلام في دلالة أخبار الجواز و لا في تماميتها سندا و دلالة، و مجرد ضعف سند بعضها أو الدلالة في البعض الآخر لا يوجب سقوط حجية الباقين فان المجموع من حيث

المجموع دال على الجواز و لا كلام فيه.

______________________________

(1) كان متحدا اسما و كنية و اسم أبيه مع أبي حنيفة المعروف و كان قاضيا للمعزّ باللّه بعد وروده من إفريقا و يعلم من كتابه انه لم يكن في تقية، هكذا أفاد سيدنا الأستاذ، دام ظله.

(2) راجع الوسائل باب 3 حديث 2- 4 و باب 4 حديث 5 و باب 5 حديث 2 من أبواب لباس المصلى ج 3.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 236

انما الكلام في ان موثقة ابن بكير هل هي معارضة لها أم لا؟ و على تقدير المعارضة هل يكون هنا مرجح لأحدهما أم لا؟

قد يقال: بتعارضهما و الترجيح للموثقة لكونها مشهورة بين الأصحاب، بيان المعارضة: انه عليه السلام و ان أجاب بعدم جواز الصلاة في غير المأكول على نحو العموم الا انه لما كان السنجاب موردا لسؤال الراوي بالخصوص يكون تطبيق هذا الجواب على مثل هذا السؤال كالنص في عدم الجواز، و الا فلو كان المراد عدم الجواز في غير مورد السؤال و يكون خارجا بدليل آخر منفصل لكان من التخصيص المستهجن.

و هذا مثل ان يسأل عن وجوب إكرام زيد مثلا فأجاب بوجوب إكرام كل عالم، و المفروض كون زيد أيضا من العلماء ثم أخرجه بدليل آخر.

و أجيب عنه بان الاستهجان انما هو فيما إذا كان مورد السؤال واحدا كما في المثال، و اما إذا كان متعددا كما في المقام حيث ان زرارة سأل عن الثعالب و الفنك و السنجاب، فلا قبح فيه، كما لا يخفى و فيه تأمل.

(ان قلت): ان قول الراوي انه عليه السلام اخرج كتابا، الى آخره، يدل على انه عليه السلام في مقام بيان أصل الحكم، لا في

مقام جواب هذه الخصوصيات فيظهر منه ان ذكر الأمور المذكورة المسئول عنها في الرواية من باب التمثيل فلا مانع حينئذ من إخراجه بدليل.

(قلت): ما ذكر لا يرفع القبح الحاصل من تأخير البيان و تخصص مورد السؤال، فإن زرارة أراد بهذا الكلام فهم المذكورات و غيره من كل ما كان ذا وبر، سواء كان من مأكول اللحم أو غيره، كما يومئ قوله- بعد

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 237

ذكر الأمور الثلاثة-: (و غيره من الوبر)، غاية الأمر قلة وجود الحيوانات المأكولة اللحم التي كانت ذات وبر، فإن أكثرها اما ذو شعر أو صوف فأجاب عليه السلام بما أجاب جوابا في السؤال على نحو العموم و استعمل اللفظ فيه بإرادة استعمالية لا جدية كما قرر في الأصول في مسألة العام المخصص من انه لا يكون مجازا في الباقي فإنه استعمل في معناه دائما بالإرادة الاستعمالية في مقام جعل القانون.

و بالجملة بعد تحقق المعارضة بين اخبار الجواز و المنع، لا بدّ من أحد الأمرين:

(اما) حمل الثانية على الكراهة، و هو خلاف الظاهر حيث انه لا لنهى أدلة المنع، فإن عمدة دليل المنع هو الموثقة و فيها: (ان الصلاة في وبر كل شي ء حرام أكله فالصلاة في وبره و شعره و صوفه و بوله و روثه و كل شي ء منه فاسد) «1».

حيث حكم بالفساد، لا انه نهى عنه حتى يحمل على الكراهة الّا ان ذلك نهى إرشادي.

(و اما) الرجوع الى المرجحات، فأوّل المرجحات هو الشهرة، و قد ادعى شهرة الاستثناء.

لكن ثبوت الشهرة محلّ تأمل، فإن الأصحاب قديما و حديثا مختلفون في المسألة، فان الشيخ أفتى في المبسوط بالجواز بل ادعى نفى الخلاف فيها و في الحواصل الخوارزمية،

و كذا في صلاة النهاية أفتى بالجواز، و لكن عدل عنه في باب ما يحلّ و يحرم من الميتة.

______________________________

(1) الوسائل باب 2 قطعة من حديث 1 من أبواب لباس المصلى ج 3 ص 250.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 238

و احتاط في الخلاف و قال: (و قد وردت رخصة بالجواز و الأحوط ما قلناه) انتهى.

و منع ابن إدريس و حكى المنع أيضا عن أوّل الصدوقين عليهما الرحمة في رسالته الى ولده، و كذا ابنه الصدوق في من لا يحضره الفقيه.

و كرّهه في الوسيلة.

و يظهر من المراسم التوقف.

و جوز المحقق في كتبه الثلاثة: (الشرائع، النافع، المعتبر) و اختلف كلمات العلامة في كتبه جوازا و منعا، فمنع في المختلف، و جوز في المنتهى، و احتاط في التذكرة.

و بالجملة لم تستقر شهرة في عصر من الأعصار بحيث يمكن ان تكون مرجحة لأخبار الجواز.

و ثاني المرجحات مخالفة العامة فقد يقال بتقديم اخبار المنع لذلك.

و فيه ما مرّ من كونها مشتملة على ما يخالف التقية.

هذا كله على تقدير المعارضة، لكن يمكن ان يقال: ان العموم الوارد حيث كان في كلام النبي صلى اللّٰه عليه و آله لا في كلام الامام عليه السلام لا يكون هذا النحو من العموم الوارد على مورد مخصوص نصا بالنسبة إلى ذلك الخصوص.

(ان قلت): لا شبهة في ان نقل الامام عليه السلام كلام النبي صلى اللّٰه عليه و آله في مقام جواب السائل و المفروض ان حكم السنجاب جزء من هذا السؤال، فيكون المورد من القدر المتيقن.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 239

(قلت): لما كان بطلان الصلاة في غير المأكول من متفردات الإمامية و لم يقل به أحد من فرق المسلمين غيرهم، و لم

يرووه أيضا عن النبي صلى اللّٰه عليه و آله، أراد الإمام عليه السلام تنبيه المخاطبين على الحكم في الجملة، و ان يبيّن عليه السلام انه صلى اللّٰه عليه و آله جعل الفرق بين المأكول و غيره في الجملة في جواز الصلاة و عدمها.

و القرينة عليه «1» انه عليه السلام اخرج كتابا و نبّه بأنه إملاء رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و آله كي لا يستشكل المخالف بان هذا الحكم مما لم يجئ به رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و آله.

مضافا الى ان نظر السائل أيضا لم يكن في خصوص الأمور الثلاثة التي سأل عنها، بل المقصود فهم أصل المسألة من غير نظر الى خصوصيات الحيوانات، و لذا ضم إليها قوله: (و غيره من الوبر) فكأنه أراد ان يسأل عن ان ما هو المتداول بين المسلمين من جواز الصلاة في كل وبر من كل حيوان في كل حال.

______________________________

(1) أقول و يؤيّد ما افاده دام ظلّه العالي ان الروايات الدالة على عدم جواز الصلاة فيما لا يوكل لحمه كلها صادرة عن أبي عبد اللّٰه الصادق عليه السلام و من بعده من الأئمة عليهم السلام و لم يصل إلينا منهم عليهم السلام قبله عليه السلام ما يكون دالا على المنع فيكشف ذلك ظنا عن ان أول زمان اشتهر هذا الحكم بين الأصحاب هو زمان الصادق عليه السلام، فيناسب حينئذ ما أفاده أيده اللّٰه تعالى من ان الرواية صادرة لبيان أصل الحكم، و يكون السؤال عنه لا عن الاستثناء، كما لا يخفى، على پناه.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 240

بل مطابق لقول النبي صلى اللّٰه عليه و آله: (أم لا) فأجاب عليه السلام انه ليس كذلك، بل هو

صلى اللّٰه عليه و آله جعل فرقا بين الأوبار و الجلود في الحيوانات.

و حينئذ ليس المقام مقام تطبيق على المصداق، لأن الأشياء المخصوصة حينئذ قد ذكرت من باب المثال.

و حينئذ فلا تكون الموثقة بمنزلة النص، بل تكون قابلة للتخصيص فيقدم اخبار الجواز تخصيصا لكونها صريحة في الجواز بل الاحتمال في خبر ابن بكير كاف في عدم كونها نصا فلا يبعد ان يقال: باستثناء الخز و ان كان لا يخلو عن اشكال.

الثالث من الشرائط عدم كون لباس الرجال حريرا محضا،
اشارة

و اعلم ان في لبس الحرير المحض مسألتين:

الاولى: حرمته على الرجال تكليفا مطلقا.

الثانية: بطلان الصلاة فيها وضعا.

(أما الأولى) [حرمته على الرجال تكليفا مطلقا]:

فلا خلاف بين العامة و الخاصة في حرمته على الرجال، و الدليل على الحرمة عند العامة انهم رووا عن النبي صلى اللّٰه عليه و آله انه أخذ يوما الذهب بإحدى كفيه و الحرير بالأخرى و قال:

انهما محرمان على ذكور أمتي «1».

و عند الخاصة الروايات عن الأئمة عليهم السلام «2».

________________________________________

بروجردى، آقا حسين طباطبايى، تقرير بحث السيد البروجردي، 2 جلد، دفتر انتشارات اسلامى وابسته به جامعه مدرسين حوزه علميه قم، قم - ايران، اول، 1416 ه ق

تقرير بحث السيد البروجردي؛ ج 1، ص: 240

كما لا خلاف أيضا في عدم حرمته على النساء و ما حكى عن الصدوق

______________________________

(1) سنن أبي داود ج 4 باب في الحرير ص 50 طبع مصر، نقل بالمعنى.

(2) كما ستأتي إن شاء اللّٰه.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 241

عليه الرحمة من مخالفته انما هو في جواز الصلاة لا في لبسه (يعنى الحكم الوضعي لا التكليفي).

و اما الثانية [بطلان الصلاة فيها وضعا]:
اشارة

فلا خلاف ظاهرا بين الخاصة الا من الصدوق رحمه اللّٰه.

و اما العامة فقد اختلفوا في بطلانها و صحتها

نظرا الى ان الحرمة التكليفية هل هي مستلزمة للبطلان أم لا؟ و لم يرووا في ذلك رواية عن النبي صلى اللّٰه عليه و آله، بل استند كل من حكم بالبطلان بمسألة الاستلزام.

و قد استدل الخاصة بروايات:

(منها): ما رواه الكليني رحمه اللّٰه، عن محمد بن يحيى، عن احمد بن عيسى، عن محمد بن خالد القمي، عن إسماعيل بن سعد الاحوصى، قال: سألت أبا الحسن الرضا عليه السلام عن الصلاة في جلود السباع، فقال: لا تصل فيها، قال: و سألته هل يصلى الرجل في ثوب الإبريسم؟ فقال: لا «1».

(و منها) ما رواه الشيخ رحمه اللّٰه بإسناده، عن محمد بن احمد ابن يحيى، عن يعقوب بن يزيد، عن عدة من أصحابنا، عن على بن أسباط، عن أبي الحارث، قال: سألت الرضا عليه السلام هل يصلى الرجل في ثوب الإبريسم؟ قال: لا «2».

و يحتمل اتحادهما ان كان أبو الحارث كنية لإسماعيل بن سعد

______________________________

(1) أورد صدره في باب 16 حديث 1 ج 3 ص 257 و ذيله في باب 11 حديث 1 ص 267 من أبواب لباس المصلي، الوسائل.

(2) الوسائل حديث 7 ص 268 باب 16 من أبواب لباس المصلى ج 3.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 242

القمي كما يؤيّده اتحاد المسئول و السؤال و الجواب.

(و منها) ما رواه الكليني رحمه اللّٰه، عن احمد بن إدريس، عن محمد بن عبد الجبار، قال: كتبت أبي محمد عليه السلام اسئله هل يصلى في قلنسوة حرير محض، أو قلنسوة ديباج؟ فكتب عليه السلام لا تحل الصلاة في حرير محض «1» و رواه الشيخ بهذا الاسناد مع زيادة.

و دلالة هذه الرواية على المطلوب، من حيث كون السؤال مما لا تتم الصلاة إذا كان حريرا فيعلم

منه ان حكم ما تتم فيه الصلاة إذا كان حريرا كان مفروغا عنه، مضافا الى إطلاق الجواب كما لا يخفى.

(و منها) ما رواه الشيخ رحمه اللّٰه، عن محمد بن يحيى، عن احمد ابن الحسن، عن عمرو بن سعيد، عن مصدق بن صدقه، عن عمار بن موسى، عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام في الرجل يصلى و عليه خاتم حديد؟ قال: لا، و لا يتختم به الرجل فإنه من لباس أهل النار، و قال:

لا يلبس الرجل الذهب، و لا يصلى فيه لانه من لباس أهل الجنة، و عن الثوب يكون عليه ديباج؟ قال: لا يصلى فيه «2».

(و منها): ما رواه احمد بن أبي طالب الطبرسي، في كتاب الاحتجاج، عن محمد بن عبد اللّٰه الجعفري، عن صاحب الزمان عليه السلام و الصلاة، انه كتب اليه: يتخذ بأصفهان ثياب فيها عتابية على عمل الوشي من قز و إبريسم، هل تجوز الصلاة منها أم لا؟ فأجاب عليه

______________________________

(1) الوسائل باب 16 حديث 2 من أبواب لباس المصلى ج 3 ص 267.

(2) الوسائل، أورد قطعه منه في باب 32 حديث 5 و قطعة منه في باب 30 حديث 4 و قطعة منه في باب 11 حديث 8 من أبواب لباس المصلى.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 243

السلام: لا تجوز الصلاة إلا في ثوب سداه أو لحمته قطن أو كتان «1».

تدلّ هذه بالمفهوم على بطلان الصلاة فيما كان خالصا من الحرير.

(و منها): ما رواه الشيخ رحمه اللّٰه بإسناده، عن سعد، عن موسى بن الحسن، عن احمد بن هلال، عن أبي أبي عمير، عن حماد عن الحلبي، عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام: قال: كل ما تجوز الصلاة فيه وحده فلا

بأس بالصلاة فيه، مثل التكة الإبريسم و القلنسوة و الخف و الزنار يكون في السراويل و يصلى فيه «2».

و دلالتها أيضا باعتبار استثناء ما لا تتم على النحو الكلي و ان لم يكن هذا الاستثناء بعمومه معمولا به بالنسبة الى كل واحد واحد من شرائط لباس المصلى، و تمثيله بالتكة الإبريسم.

هذه تمام الأخبار الدالة على عدم جواز الصلاة في الحرير في الجملة، مضافا الى معروفية الحكم بين الإمامية بحيث لم يخالف فيه أحد منهم، فلا شبهة في أصل الحكم في الجملة.

إنما الإشكال في ان الحرمة تكليفا و وضعا مختصة بما إذا كان منسوجا

أم يشمل مطلق الاستعمال اللبسى، فلو جعل مقدارا من الإبريسم الغير المنسوج على بدنه بحيث يصير بدنه مستورا بذلك فعلى الأول يجوز دون الثاني.

و كذا الوجهان لو جعل على ثوبه إبريسما مخيطا بحيث يصير مستورا بذلك أم لم يصر مستورا.

______________________________

(1) الوسائل باب 13 حديث 8 من أبواب لباس المصلى ج 3 ص 272.

(2) الوسائل باب 14 حديث 2 من أبواب لباس المصلى ج 3 ص 273.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 244

و بالجملة هل مفاد الأدلة حرمة مطلق استعمال هذا الجنس سواء صدق عليه الحرير أو الإبريسم إلا ما خرج بالدليل أم كان استعمال ما لا ينسج منه خارجا عن مفادها تخصصا؟.

يمكن ان يقال: بعدم صدق لبس الحرير عند العرف خصوصا بملاحظة رواية إسماعيل بن سعد الأحوص، و أبي الحارث، و عمار بن موسى، و عبد اللّٰه بن جعفر الحميري، «1».

فإن الظاهر ان ما يخرجه من دود القز من لعاب فمها و يجعلها على دورها يسمى إبريسما قبل النسج و حريرا بعده، و لا يطلق عليه ما لم ينسج الثوب.

(ان قلت): انه يظهر من بعض الاخبار ان الإبريسم يطلق على الثوب كما في

رواية يوسف بن إبراهيم، عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام و فيها: انما يكره المصمت من الإبريسم «2».

و كما في رواية إسماعيل بن سعد، و أبي الحارث حيث سئل فيها عن ثوب الإبريسم، الى آخره «3».

و رواية على بن مهزيار، عن أبي محمد العسكري، و فيها: و الذي نهى عنه هو ما كان من إبريسم محض «4».

______________________________

(1) تقدم تعيين موضع كل واحد منها.

(2) الوسائل باب 13 حديث 6 من أبواب لباس المصلى ج 3 ص 272.

(3) الوسائل باب 11 حديث 1 من أبواب لباس المصلى ج 3 ص 267.

(4) الوسائل، باب 13 قطعة من حديث 7، من أبواب لباس المصلى ج 3 ص 272.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 245

و رواية عباس بن موسى عليه السلام، عن أبيه، قال: سألته عن الإبريسم و القز؟ قال: هما سواء «1».

فيظهر من الجميع انه لا فرق بين المنسوج و غيره فيما كان ممنوعا تكليفا و وضعا.

(قلت): الظاهر انه أريد من الإبريسم في هذه الموارد المنسوج بقرينة ذكر الثوب فان المتعارف في تسميته ثوبا هو ما إذا كان منسوجا.

فلا يبعد ان يقال: باختصاص ما هو المستفاد من الاخبار بما كان منسوجا.

نعم فيما إذا كان الثوب مخيطا بالإبريسم الغير المنسوج بحيث يكون مصداقا للثوب الإبريسم، يشكل الحكم بالجواز، فالحكم في مثله محل تأمل، فافهم.

مسألة 1- هل يستفاد من الاخبار حرمة مطلق ما يسمى حريرا ملبوسا،

سواء كان تمامه حريرا أم بعضه، و سواء كان ممزوجا أم خالصا غاية الأمر خرج الممزوج بدليل آخر و يبقى الباقي.

(و بعبارة أخرى): هل تكون الأخبار شاملة لمثل الكف و الديباج و الأكمام بحيث لو قلنا: بعدم الاشكال فيها فبدليل، أم كانت الاخبار من الأول منصرفة عنها؟

ظاهر خبر إسماعيل بن سعد الأحوص و أبي الحارث،

و محمد بن عبد الجبار، و مرسلة الفضل بن الحسن الطبرسي «2» هو العموم لشمول الصلاة فيه إذا كان بعض الثوب حريرا، الآن صدق انه صلى فيه

______________________________

(1) الوسائل باب 11 حديث 4 من أبواب لباس المصلى ج 3 ص 267.

(2) تقدم ذكر موضع كل واحد منها آنفا فراجع.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 246

باعتبار ان الثوب ظرف للمصلي الذي يكون الصلاة فعلا، و ما كان ظرفا للفاعل يكون ظرفا لفعله أيضا، فبهذا الاعتبار يصدق ان صلاته كانت فيه، من غير فرق بين تمام الثوب أو بعضه، أو ما كان ملصقا به إذا كان حريرا منسوجا.

نعم ما كان سداه أو لحمته حريرا لا يصدق انه صلى في الحرير المحض أو الخالص أو المصمت أو المبهم على اختلاف التعابير الواردة في الاخبار.

مضافا الى دلالة خصوص بعض الاخبار على استعماله في الصلاة فيه مع ان الثوب بتمامه لم يكن بحرير، مثل ما رواه الشيخ رحمه اللّٰه بإسناده عن محمد بن احمد بن يحيى، عن احمد بن الحسن، عن عمرو بن سعيد عن مصدق بن صدقه، عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام- في حديث- قال:

و عن الثوب يكون علمه ديباجا؟ قال: لا يصلى فيه «1».

و ما رواه الكليني رحمه اللّٰه، عن عدة من أصحابنا، عن احمد بن محمد بن خالد، عن احمد بن محمد بن أبي نصر، قال: سأل الحسن بن قياما أبا الحسن عليه السلام عن الثوب الملحم بالقز و القطن، و القز أكثر من النصف أ يصلي فيه؟ قال: لا بأس قد كان لأبي الحسن عليه السلام منه جبّات «2».

و الغرض من ذكر هذا الخبر هو الإشارة الى ان استعمال اللبس و الصلاة في الثوب

لا يختص بما إذا كان الثوب بتمامه حريرا.

نعم عن الشافعي- على ما في خلاف الشيخ- زوال التحريم فيما

______________________________

(1) الوسائل باب 11 حديث 8 من أبواب لباس المصلى ج 3 ص 268.

(2) الوسائل باب 13 حديث 1 من أبواب لباس المصلى ج 3 ص 271.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 247

إذا كان القطن و الإبريسم متساويين أو القطن أكثر كما يومئ اليه سؤال الحسن بن قياما حيث بيّن فيه ان القز أكثر (أ يصلي فيه؟) و كأنّ مذهب الشافعي كان منتشرا فسأل الإمام عليه السلام عن صحة هذا الحكم فأجاب عليه السلام بما أجاب.

مضافا الى ان لسان الأخبار الدالة على ان ما يكون حشوه قزا مستثنى من الحرير لسان التخصيص لا التخصص، فيستفاد منها ان المرتكز عندهم ان نهى النبي صلى اللّٰه عليه و آله كان شاملا- بالإرادة الاستعمالية- و لذا يسألون الأئمة عليهم السلام عن الاستثناء لا عن أصل الحكم، فتأمل.

و بالجملة هنا أمران:

أحدهما: صدق انه صلى في الحرير.

ثانيهما: صدق انه صلى في الحرير المحض.

بالنسبة إلى الحكم التكليفي تارة يقال: لبس الحرير، و اخرى لبس الحرير المحض، فلو قلنا بعدم صدق (صلى في الحرير) أو (لبس الحرير) بالنسبة الى ما كان بعضه حريرا و بعضه غير حرير كالمنسوج طرائق أو ما كان ظهارته حريرا دون بطانته أو بالعكس أو المكفوف بالديباج أو قلنا: انه و ان كان يصدق عليه ذلك الا انه لا يصدق (صلى في الحرير المحض) أو (المبهم) أو (المصمت) يكون خروج المذكورات من باب التخصص فلا يحتاج الى دليل.

و اما لو قلنا: انه يصدق فيها انه لبس الحرير و صلى، أو لبس الحرير المحض، فيحتاج في إخراجه إلى المخصص، فبمجرد

عدم صدق الحرير لا يكتفى بالحكم بالجواز، كما لا يخفى.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 248

و ظاهر رواية عمار بن موسى المتقدمة ذلك، و كذا رواية جراح المدائني عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام انه كان يكره ان يلبس القميص المكفوف بالديباج، و يكره لباس الحرير، و لباس الوشي، و يكره المثيرة الحمراء فإنها مثيرة إبليس «1».

و كذا رواية على بن جعفر، عن أخيه موسى بن جعفر عليه السلام قال: سألته عن الرجل هل يصلح له لبس الطيلسان فيه الديباج و القز كان عليه حرير؟ قال: لا «2».

و كذا رواية إسماعيل بن الفضل، عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام في الثوب يكون فيه الحرير؟ فقال: ان كان فيه خلط فلا بأس «3».

فإن الراوي مع فرضه عدم كون اللباس بتمامه حريرا بل بعضه قد أجاب عليه السلام عنه بأنه ان كان هذه القطعة من الحرير مخلوطا فلا بأس دلّ بمفهومه على انه ان كان حريرا خالصا، فيه بأس.

الا ان يقال: ان المراد بيان أن ما سئلت لما لم يكن حريرا محضا فلا بأس، فكأنه عليه السلام قد عين الموضوع و أحال حكمه الى ارتكاز الراوي فتأمل.

و يمكن ان يقال: بعدم دلالة الثانية أيضا، فإن الديباج كان في الزمان السابق منقوشا بالتماثيل، فيمكن ان يكون النهى باعتباره لا باعتبار كونه قطعة من الحرير.

(ان قلت): ان الروايات الدالة على جواز الصلاة أو اللبس فيما كان من الثوب علمه حريرا، تدل على جوازها في مطلق المبعض، سواء

______________________________

(1) الوسائل باب 11 حديث 9 من أبواب لباس المصلى ج 3 ص 268.

(2) المصدر، الحديث 12 ص 269.

(3) الوسائل باب 13 حديث 4 من أبواب لباس المصلى ج 3 ص

271.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 249

كان منسوجا طرائق و غيره.

مثل ما رواه الشيخ بإسناده، عن الحسين بن سعيد، عن صفوان ابن يحيى، عن يوسف بن إبراهيم، عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام: قال:

لا بأس بالثوب ان يكون سداه و زرّه و علمه حريرا، و انما كره الحرير المبهم للرجال «1».

و ما رواه الكليني رحمه اللّٰه عن أبي على الأشعري، عن محمد بن عبد الجبار، عن صفوان بن يحيى، عين عيص بن القاسم، عن أبي داود يوسف بن إبراهيم، عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام قال: دخلت على أبي عبد اللّٰه عليه السلام و علىّ قباء و خز و بطانته خز (الى ان قال): و ما بال الخز، قلت: سداه إبريسم، قال: و ما بال الإبريسم؟ قال: لأنكره ان يكون سد الثوب إبريسم و لا زرّه، و لا علمه، ان يكون المصمت من الإبريسم للرجال و لا يكره و كذلك ما ورد في باب إحرام المرأة «2» بناء على ان ما لا يجوز لبسه في الإحرام لا يجوز في الصلاة أيضا.

______________________________

(1) الوسائل باب 13 حديث 6 من أبواب لباس المصلى ج 3 ص 267.

(2) لا بأس بنقل عدة من الروايات الواردة في لباس الإحرام مما ذكر فيه لفظة الحرير:

فمنها: رواية يعقوب بن شعيب، قال: قلت لأبي عبد اللّٰه عليه السلام: المرأة تلبس القميص تزره عليها و تلبس الحرير و الخز و الديباج؟ فقال: نعم لا بأس به و تلبس الخلخالين و المسك، الوسائل باب 33 حديث 10 من أبواب الإحرام ج 9 ص 41.

و رواية أبي عيينة عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام قال: سألته ما يحل للمرأة ان تلبس و هي محرمة؟ فقال:

الثياب كلها ما خلا القفازين الوسائل، باب 33 حديث 30 من أبواب الإحرام ج 9 ص 42.

و رواية جميل انه سأل أبا عبد اللّٰه عليه السلام عن المتمتع كم يجزيه؟ قال: شاة، و عن المرأة تلبس الحرير؟ قال: لا، الوسائل باب 33 حديث 8 من أبواب الإحرام ج 9 ص 43.

و رواية العيص بن القاسم قال: قال أبو عبد اللّٰه عليه السلام:

المرأة المحرمة تلبس ما شاءت من الثياب غير الحرير و القفازين، الوسائل باب 33 حديث 9 ج 9 ص 43.

و رواية إسماعيل بن الفضل قال: سألت أبا عبد اللّٰه عليه السلام عن المرأة هل يصلح لها ان تلبس ثوبا حريرا و هي محرمة؟ قال: لا و لها ان تلبسها في غير إحرامها، الوسائل باب 33 حديث 10 من أبواب الإحرام ج 9 ص 43.

و رواية أبي بصير قال: سئل أبو عبد اللّٰه عليه السلام عن الخميصة سداه إبريسم و لحمها من غزل، قال: لا بأس بأن يحرم منها انما يكره الحائض منه، الوسائل باب 29 حديث 1 من أبواب الإحرام ج 9 ص 38.

و رواية أبي الحسن النهدي، قال: سال سعيد الأعرج و انا عنده عن الخميصة سداه إبريسم و لحمتها من غزل؟ فقال: لا بأس بأن يحرم فيها انما يكره الحائض منها، الوسائل باب 29 حديث 3 من أبواب الإحرام ج 9 ص 38.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 250

مثل ما رواه الصدوق رحمه اللّٰه بإسناده، عن سماعة انه سأل أبا عبد اللّٰه عليه السلام عن المحرمة تلبس الحرير؟ فقال: لا يصلح ان تلبس حريرا

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 251

محضا لا خلط فيه، فاما الخز و العلم في الثوب

فلا بأس ان تلبسه و هي محرمة (الى ان قال): و تلبس الخز اما انهم يقولون في الخز حريرا و انما يكره الحرير المبهم «1».

و ما رواه الكليني رحمه اللّٰه، عن محمد بن يحيى، عن محمد بن احمد، عن محمد بن إسماعيل، عن حنان بن سدير، عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام، قال: كنت جالسا عنده فسأل عن رجل يحرم في ثوب فيه حرير فدعا بإزار قرقبي «2» فقال: انا أحرم في هذا و فيه حرير «3».

فان الظاهر أن الثوب لم يكن حريرا بأجمعه و قد صرح عليه السلام بأنه يحرم فيه مع ان بعضه كان حريرا.

قلت: (أولا): ان الظاهر اتحاد الروايتين الأولتين كما بيناه سابقا في مسألة لبس الخز.

(و ثانيا): انا كلما تتبعنا في كلمات العرب و اللغويين لم يصر المراد من العلم معلوما لنا بحيث يمكن الاعتماد عليه، هل هو إبريسم مخيط على الأكمام و الأذيال، أو قطعة من الحرير يلصق بها للزينة أو غير ذلك؟ و احتمال ان يكون المراد من قوله عليه السلام و فيه حرير هو الإبريسم الغير المنسوج.

(و ثالثا): ان غاية ما يدل عليه هذه الروايات استثناء ما كان مذكورا فيها، و اما غيره مما لم يكن مذكورا فلا دلالة فيها، بل استثناء المذكورات قرينة على ارادة العموم من النفي الوارد عن النبي (ص).

______________________________

(1) الوسائل باب 33 حديث 7 من أبواب الإحرام ج 9 ص 42.

(2) في هامش الكافي هكذا: منسوب الى قرقوب و هو بلد.

(3) الوسائل باب 29 حديث 2 من أبواب الإحرام ج 9 ص 38.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 252

فقولهم عليهم السلام: انما يكره الحرير المبهم أو المصمت أو الخالص يحتمل وجوها:

(أحدها): ان يكون

مقابلا لما يكون سداه أو لحمته من غيره، كما هو ظاهر ما رواه الشيخ رحمه اللّٰه بإسناده، عن محمد بن على بن محبوب، عن العباس، عن على بن مهزيار، عن فضالة بن أيوب، عن موسى بن بكير، عن زرارة، قال: سمعت أبا جعفر عليه السلام ينهى عن لباس الحرير للرجال و النساء الا ما كان من حرير مخلوط بخز لحمته أو سداه خز أو قطن أو كتان، و انما يكره الحرير المحض للرجال و النساء «1» و الحكم بالنسبة الى النساء و ان كان نادرا الا ان ظاهرها المقابلة بين ما يكون أصل نسجه مخلوطا، و بين ما يكون خالصا و خبر يوسف بن إبراهيم على احتمال.

(ثانيها): ان يكون بعضه حريرا خالصا و بعضه غيره كما هو أحد احتمالي خبر يوسف بن إبراهيم، و يكون حينئذ ذكر الزر، و بقيد المحض يخرج المبعض الّا ان ذكر سداه ينافي هذا الاحتمال، لانه يكون لباسا مع انه قد أخرجه الا ان يقال: قوله عليه السلام: (انما كره الحرير المبهم) أريد منه إخراج كليهما اعنى ما كان مبعضا و ما كان سداه أو لحمته من غيره فتأمل.

و لكن يظهر من صاحبي الجواهر و مصباح الفقيه عليهما الرحمة ان العمومات غير شاملة للمبعض، فخروج المكفوف و المزرور و العلم حينئذ يكون بطريق اولى.

نعم لو كان المبعض بحيث يكون البعض الحرير لو انفصل يكون

______________________________

(1) الوسائل باب 13 حديث 5 من أبواب لباس المصلى ج 3 ص 271.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 253

قابلا لان يلبس، تشمله العمومات، مضافا الى خبر جرّاح المدائني و يوسف بن إبراهيم «1» حيث عبّر في الأوّل انه كان يكره المكفوف بالديباج مدعيا كما

عن الجواهر ان لفظة (الكراهة) صارت حقيقة شرعية في لسان أصحاب الصادقين عليهما السلام في غير الحرام.

و فيه (أولا): عدم ثبوت استعمال لفظة الكراهة في لسان الأئمة عليهم السلام في الكراهة المصطلحة.

(و ثانيا): على تقدير الاستعمال و صيرورته حقيقة إنما يفهم ذلك إذا أسند فعل الكراهة إلى فعل المكروه، بان يقول: يكره الفعل الفلاني لا الى الشخص كما في المقام، إذ الراوي أسندها إليه عليه السلام بقوله: (كان يكره اللباس المكفوف بالديباج) لا ان اللباس المكفوف بالديباج مكروه.

(و توهم) ان الشخص إذا كان كارها لشي ء فلا محالة يكون الفعل أيضا مكروها للتضايف (مدفوع): بأنه كذلك بالنسبة إلى المعنى اللغوي لا الاصطلاحي.

و بالجملة فخروج المذكورات عن تحت العموم تخصصا محل تأمل فلا بد من إخراج ما ادعى خروجه بدليل مستقل.

(و دعوى) ان الاخبار ناطقة بعدم جواز الصلاة في الثوب الحرير و لا يصدق إلا إذا كان بتمامه حريرا (مدفوعة) أولا بأن جميع الروايات ليست كذلك، بل في بعضها: لا تحل الصلاة في حرير محض، كما في

______________________________

(1) راجع الوسائل باب 10 حديث 2 و باب 11 حديث 9 من أبواب لباس المصلى ج 3 ص 263 و 268.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 254

مكاتبة محمد بن عبد الجبار «1» و لا سيما كونه جوابا للسؤال عن الصلاة في (قلنسوة حرير محض) أو (قلنسوة ديباج) و القلنسوة لا تسمى ثوبا فتأمل.

و ثانيا: مع أصل الدعوى، فان الثوب كما يطلق على مجموع الثوب كذلك يطلق على أبعاضه، و لذا يقال: يكفن الميت في ثلاثة أثواب قميص و مئزر و إزار، مع ان الأخيرين ليسا بثوب عند العجم.

و بالجملة إطلاق الثوب عند العرب غير إطلاقه عند العجم.

و يؤيد

ما ذكرناه ظاهر جملة من كلمات المتقدمين و المتأخرين إلى زمن صاحبي الجواهر و مصباح الفقيه، حيث انهم فهموا العموم حتى احتاجوا في إخراج الكف و العلم الى الروايات النبوية التي لم يسند بعضها إلى النبي صلى اللّٰه عليه و آله كخبر عمر، و أسماء «2» مع عدم إسنادهما هذا القول إلى النبي صلى اللّٰه عليه و آله.

بل استثناء مقدار الإصبعين أو ثلاث أصابع أو أربع هو بنفسه فلو كان الدليل منحصرا بما كان تمامه حريرا، لم يكن وجه للاستناد إليهما.

ما أريد أن أقول إنّ إجماعهم حجة على ذلك بحيث يستكشف منه رأى المعصوم عليه السلام، بل أقول: بملاحظة أن جملة منهم من أهل اللسان و عدة منهم قد نشؤوا بينهم يكون فهمهم قرينة على ما ذكرناه.

مضافا الى ما رواه العامة عن علي عليه السلام ان النبي صلى اللّٰه

______________________________

(1) الوسائل باب 11 حديث 2 من أبواب ما يكتسب به.

(2) سنن أبي داود باب ما جاء في لبس الحرير ج 4 حديث 2 رقم 4042 و باب الرخصة في العلم حديث 1 رقم 4054 ص 46 و 49.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 255

عليه و آله أخذ حريرا فجعله في يمينه و أخذ ذهبا فجعله في شماله ثم قال: ان هذين حرام على ذكور أمتي «1»، فإن إطلاقه يشمل للقطعة من الثوب أيضا.

و بالجملة فالظاهر إطلاق الدليل الّا ما خرج بالدليل، فمثل الزر و العلم ان لم يكن منسوجا و كذا القياطين خارج، لعدم كونه مصداقا للحرير بناء على كونه عبارة عن الإبريسم المنسوج كما هو ليس ببعيد على اشكال قد مرّ بالنسبة الى بعض افراد غير المنسوج و اما إذا كان بعضه حريرا

ففيه اشكال، سواء كان بحيث لو انفصل يكون قابلا لان يلبس أم لا، فان مجرد قابليته للبس على تقدير انفصاله لا يوجب صدق الثوب قبل انفصاله عليه، بناء على ان يكون الثوب عبارة عما يكون للبس.

فعلى القول بلزوم صدق الثوب لا يجب الاجتناب، و على تقدير الإطلاق- كما هو الظاهر- يجب الاجتناب.

نعم في خروج مثل الكفّ يحتاج الى دليل و ليس الّا ما حكى عن عمر و أسماء و هما- مع كون سنديهما غير معتبرين- لا يسندانه إلى النبي صلى اللّٰه عليه و آله، و الاخبار الواردة عن الأئمة عليهم السلام معارضة برواية عمار المتقدمة فالأحوط الاجتناب عن الكف أيضا، و اللّٰه العالم.

مسألة 2-: هل يجوز الصلاة فيما لا تتم فيه

بمعنى انه يصلى فيما لا يمكن ان يكون ساترا للعورة بحسب العادة على تقدير لباسه به (و بعبارة أخرى): هل الأخبار الدالة على عدم جواز الصلاة في الحرير عامة شاملة لمطلق ما يستعمل في الصلاة و غيره أم يختص بما يكون

______________________________

(1) سنن أبي داود باب في الحرير للنساء ج 4 ص 50 حديث 1 رقم 4057.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 256

لباسا ساترا؟ وجهان بل قولان بين الإمامية.

و ربما يتوهم الشهرة بالمنع بين المتقدمين لكن الظاهر من جملة من المتأخرين هو عدم المنع.

و العامّة لم يتعرضوا لهذه المسألة أصلا، لأنهم غير قائلين ببطلان الصلاة في لباس الحرير، بما هو حرير و لو فرض القول بالبطلان من بعضهم فإنما هو باعتبار اعتقاده بالملازمة بين حرمة اللبس و البطلان من غير فرق بين ما تتم و ما لا تتم.

نعم حكى المحقق رحمه اللّٰه في المعتبر عن بعض الحنابلة الفرق بين الساتر و غيره و لكنه غير مسألتنا و هي دخالة عنوان ما

لا تتم كما لا يخفى، و بالجملة لم نجد فيهم من تعرض لها بهذا العنوان و الأمر سهل.

و منشأ الاختلاف، اختلاف روايتي الحلبي، و محمد بن عبد الجبار «1» و ادعى شمول العمومات أيضا، مثل رواية إسماعيل بن سعد و أبي الحارث «2» و غيرها من العمومات الظاهرة من حيث السؤال في مانعية لبس الحرير من صحة الصلاة، و عدمها لا الحرمة التكليفية فقط كما قرر في الأصول، أو قلنا: ان المتفاهم من كلمات المتقدمين أمران:

(أحدهما): وجود الملازمة بين حرمة الشي ء و بطلان العمل المقرون به.

(ثانيهما): دلالة النهي اللفظي على الإرشاد بالفساد أم على الحرمة التكليفية على القولين، و على الثاني يكون من صغريات النزاع

______________________________

(1) الوسائل باب 14 حديث 1 و 2 من أبواب لباس المصلى ج 3 ص 272.

(2) الوسائل باب 11 حديث 1 و 7 من أبواب لباس المصلى ج 3 ص 267 و 268.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 257

الأوّل.

و كيف كان فظاهر السؤال في رواية الحلبي عن الصلاة في الثوب الحرير، هو الاستفهام عن سقوط القضاء و الإعادة لو اتى بهذه الحالة فأجاب عليه السلام بالعدم.

و هو و ان كان شاملا لما هو معدود من اللباس و غيره مطلقا الا ان في رواية محمد بن عبد الجبار قال: كتبت الى أبي محمد عليه السلام اسئله هل يصلى في قلنسوة حرير محض أو قلنسوة ديباج؟ فكتب عليه السلام: لا يصلى في الحرير المحض «1».

و هي مختصة بها، بل حاكمة عليها على وجه كما سيأتي بيانه إن شاء اللّٰه تعالى.

و الترديد اما من الراوي (عن محمد بن عبد الجبار) و هو (احمد ابن إدريس) باعتبار انه عند نقله هذا المطلب، لم

يتذكر ان ابن الجبار هل كتب هذا أو ذاك، أو من الكاتب حيث انه جعل كليهما- على سبيل الترديد- موردا للسؤال باعتبار اختلاف كيفيات القلنسوة المصنوعة من حرير رقيق أو غيره كما قد تقع السؤالات الكلية.

و سؤاله أيضا يمكن ان يكون عن أمرين: اما ان يكون عالما بأصل حكم الحرير بالنسبة إلى الألبسة، و اما ان يكون عن خصوص القلنسوة.

و يؤيّد الثاني، بل يقرّبه، التقييد في السؤال بقوله: (في قلنسوة حرير محض)، فلو لم يكن لكان المناسب أن يسأل عن الصلاة في الحرير المحض، فان السؤال عن أصل الموضوع مقدم على السؤال عن خصوصياته، كما لا يخفى.

______________________________

(1) الوسائل باب 11 حديث 2 من أبواب لباس المصلى ج 3 ص 267.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 258

هذا، و لكن في الجواهر ما محصله ان المحكي عن بعض ان الحرير عند بعض اللغويين هو الثوب، و ان كان عند العرف غيره، و مع المعارضة يقدم اللغة على العرف لتأيده بروايتي إسماعيل و أبي الحارث «1» فحينئذ يكون معنى قوله عليه السلام: (لا يصلى في حرير محض)،،،، فتكون موافقة للروايتين فيبقى رواية الحلبي «2» المتقدمة بلا معارض فكأنه عليه السلام قد عدل عن جواب السائل للتقية.

لا يقال: ان قوله عليه السلام (لا تحل الصلاة في حرير محض) أيضا مخالف لها، لان المشهور بينهم عدم بطلان الصلاة في الحرير.

فإنه يقال: ان قوله عليه السلام ظاهر في الحكم التكليفي، و هو غير مخالف لهم من هذه الحيثية كما هو واضح.

و قد يقال: بضعف سند رواية أحمد بن هلال «3»، لما روى عن الكشي انه ورد عليه التوقيع من ناحية العسكري عليه السلام: (احذروا الصوفي المتصنع) «4».

(و فيه): أولا: لم

يثبت صحة سند هذه الرواية.

و ثانيا: عدم كون خصوص هذه الرواية من الضعاف لما نقل عن احمد بن حسين بن عبيد اللّٰه الغضائري مع كثرة تضعيفه للرواية انه كان متوقفا في رواية أحمد بن هلال الّا ما كان يرويه عن ابن أبي عمير و حسن ابن محبوب فإنه لا بأس بالعمل به ملاحظة ان كتاب ابن أبي عمير كان

______________________________

(1) تقدم موضع نقلها آنفا فراجع.

(2) تقدم ذكر محلها سابقا، فراجع.

(3) الواقع في خبر الحلبي في باب 14.

(4) رجال الكشي ص 332 طبع بمبئى.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 259

مشهورا في ذلك، فإذا نقل عن كتاب مشهور فلا بأس بكون ناقله مخدوشا مذهبا و اعتقادا.

لكن لا يمكن ان يخدش فيه انه لا يفيدنا شيئا، لأن مجرد مشهورية كتاب ابن أبي عمير عند ابن الغضائري لا يكفي في كون هذه الرواية من ذلك الكتاب المشهور.

لكن الذي يسهل الخطب ان الشيخ أبا جعفر الطوسي و المحكي عن شيخه المفيد و غيرهما من جملة ممن كان معاصرا قد أفتوا بجواز الصلاة فيما لا تتم الصلاة إذا كان حريرا.

فيظهر ان هذه الرواية كانت معتنى بها عندهم، و عندهم أصول الرواة الذين كان منهم ابن أبي عمير و الحسن بن محبوب، و الحسن بن على بن فضال و غيرهم من علماء الطبقة السادسة و رواتهم، الذين كانوا ذوو الجوامع الأولية فالاعتناء بهذه الرواية بهذا الاعتبار، لا باعتبار ما نقل عن ابن الغضائري من كون كتاب ابن أبي عمير مشهورا، بل بمشاهدة فتوى جماعة من المعاصرين له الذين كانت عندهم الجوامع الأولية.

فلعل روايات أخرى بإسناد أخر كانت عندهم موجودة و لم تصل إلينا.

و من هنا يظهر وجه ما اشتهر بينهم من

كون الشهرة الفتوائية جابرة لضعف السند.

هذا مضافا الى ان الراوي عنه موسى بن الحسن و هو من أجلاء أصحابنا و ثقاتهم، و الى ان أحمد بن هلال يروى عن كثير من الأصحاب و يروى عنه كثير منهم أيضا، و قد مر مرارا ان من الأمور التي يمكن أن

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 260

يحرز حال الراوي، كثرة روايته و قلّتها، و يستدلّ على صحة الرواية و ضعفها.

فرواية الكشي بمجردها غير كافية لرفع اليد عن القرائن الكثيرة الدالة على صحّة هذه الرواية الدالة على حصول الاطمئنان بصدور هذه الرواية فيما إذا كان سلسلة السند بأجمعها موثوقا بها، فلا اشكال فيها سندا.

و اما الدلالة فالظاهر حكومتها على الأدلّة العامة الدالة على عدم جواز الصلاة في الحرير المحض، لأن لسانها كالمفسّر لها حيث أن مفادها أن الألبسة التي بعناوينها المخصوصة التي لا تجوز الصلاة فيها، لا بأس بها إذا كانت ممّا لا تتم الصلاة فيها، فلا تكون معارضة مع العمومات.

و اما بالنسبة إلى رواية محمد بن عبد الجبار، فالظاهر معارضتها معها، لأنها واردة في خصوص ما لا تتم.

فحينئذ يحكم بالكراهة بمقتضى الجمع العرفي بأن يقال: ان رواية الحلبي صريحة في الجواز، و رواية ابن الجبار ظاهرة في البطلان فإنه عبّر بعدم الحلية الممكن حملها على الحكم التكليفي، غاية الأمر لما وقع السؤال عن الصلاة فيه، يكون ظاهرا في السؤال عن الحكم الوضعي و هو البطلان أو الصحة فلا معارضة.

الّا ان يقال: ان بين الروايتين عموما من وجه حيث انّ قوله عليه السلام: (لا تحل الصلاة) شامل للقلنسوة و غيرها، و القلنسوة الموجودة في رواية الحلبي أعمّ من الحرير و غيره، فلا تكون صريحة في خصوص الحرير.

تقرير

بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 261

و بالجملة (تارة) يلاحظ كلام الامام (ع)، و هو قوله عليه السلام: (لا تحل الصلاة) «1» كما في رواية ابن الجبار، مع قوله: (كلما لا تجوز الصلاة فيه وحده، الى آخره) كما في رواية الحلبي «2» مع قطع النظر عن خصوصية مورد السؤال يكون رواية الحلبي حاكمة على رواية ابن الجبار.

(و اخرى) مع ملاحظة مورد السؤال أيضا، و عليه يتحقق المعارضة فحينئذ فاما ان يكون السؤال عن خصوص القلنسوة، أو يكون ذكرها من باب المثال.

فعلى التقدير (امّا) ان يكون الراوي عالما بالحكم التكليفي و الوضعي كليهما (أو) جاهلا (أو) عالما بأحدهما دون الآخر فيصير الأقسام ثمانية.

فرض كونه جاهلا بهما أو جاهلا بالحكم التكليفي في غاية البعد فيخرج أربعة أقسام.

و اما إذا كان جاهلا بالحكم الوضعي و كان السؤال عن خصوص القلنسوة أو كان عالما بها مع هذا الفرض، يكون الجواب حينئذ عدولا عن السؤال الشخصي إلى الحكم الكلي بعدم جواز حليّة الصلاة الممكن ارادة الحكم التكليفي.

و اما إذا كان ذكر القلنسوة من باب المثال فيكون الجواب مطابقا للسؤال، فتكون رواية الحلبي حاكمة على رواية ابن الجبار حينئذ.

و اما حملها على الكراهة، ففيه انه ان أريد أنه بهذا العنوان

______________________________

(1) راجع الوسائل باب 14 حديث 1 من أبواب لباس المصلى ج 3 ص 272.

(2) راجع الوسائل باب 14 حديث 2 من أبواب لباس المصلى ج 3 ص 272.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 262

مكروه، ففيه ان القائل بذلك لا يلتزم بهذا، بل هو مخالف للإجماع.

و ان أريد الحكم في خصوص القلنسوة، ففيه انه عليه السلام لم ينه بهذا العنوان الخاص كما لا يخفى.

فتحصّل: ان رواية أحمد بن هلال، عن

ابن أبي عمير، عن حماد عن الحلبي «1» لو كانت معتبرة يكون مقتضى القاعدة الجمع، و هو اما بالحمل على الكراهة، و اما جعل رواية الحلبي حاكمة على رواية محمد ابن عبد الجبار ان كان سؤال الراوي راجعا الى أهل اللباس، و انما ذكر القلنسوة لأجل انها كانت متعارفة في بلده.

و اما ان كان السؤال عن خصوص القلنسوة و المفروض عدم صحة الجميع بالحمل على الكراهة فحينئذ يقع التعارض، فحينئذ يقع البحث في ان اىّ الروايتين موافقة للعامّة؟

قد يقال: بأن رواية ابن الجبار مخالفة لهم من حيث كونها ظاهرة في بطلان الصلاة، المخالف لجميع فقهاء العامة.

و لكن يرد عليه أنها غير متضمنة لبطلان الصلاة، بل عدم الحلية و هو أعم من البطلان، و هذا بخلاف رواية الحلبي، فإن الحكم بعدم البأس فيما لا تجوز الصلاة فيه وحده، ظاهر في ان عنوان ما لا تتم، حكم غير هذا الحكم، فلو وقع هذا الكلام عندهم لفهموا أنه (ع) مخالف لهم في الفتوى.

و الحاصل ان عدم جواز الصلاة فيما لا تتم، من متفردات الإمامية و لم يكن لفقهاء العامة تعرض لهذه المسألة، لا في مسألة النجاسات و لا في هذه المسألة، بل كل ما كان عندهم مانعا في صحة الصلاة

______________________________

(1) الوسائل باب 14 حديث 2 من أبواب لباس المصلى ج 3 ص 273.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 263

يكون كذلك مطلقا، و ما لا يكون مانعا لا يكون كذلك مطلقا، فالتفصيل في الألبسة بين ما تتم و ما لا تتم يكون مختصا بالإمامية.

و هذا بخلاف مسألة جواز الصلاة في الحرير و عدمه فإنها تكون موردا للبحث عندهم فذهب المشهور منهم إلى الصحة، و حكى عن احمد

قولان، و لكن من قال بعدم الجواز قال به بملاك آخر، و هو استلزام الحرمة للبطلان لا بملاك النقل عن النبي صلى اللّٰه عليه و آله، فحينئذ إذا دار الأمر بين حمل ما يكون مخالفا لهم رأسا بحيث لا يكون له اثر و لا اسم عندهم، على التقية كما في مضمون رواية الحلبي على تقدير حجيتها، و حمل ما يكون مخالفا للمشهور منهم مع قابلية الحمل على معنى لا يكون مخالفا لهم بوجه، اعنى الحمل على الحكم التكليفي كما في رواية ابن الجبار.

فالمتيقن «1» هو الثاني، فما عن صاحب الحدائق رحمه اللّٰه و غيره من حمل رواية الحلبي على التقية دون الأخرى، في غاية الضعف، هذا.

و لكن الشهرة بين القدماء بالنسبة إلى رواية الحلبي غير ثابتة نعم لو قيل بعدم شمول العمومات لما لا تتم الصلاة فلا حاجة في إثبات الجواز الى دليل مستقل.

الرابع من الشرائط عدم كون اللباس ذهبا
اشارة

و قبل نقل اخبار المسألة الواردة عن النبي صلى اللّٰه عليه و آله

______________________________

(1) جواب لقوله قدس سره: إذا دار الى آخره.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 264

و الأئمة عليهم السلام بطرق الفريقين نقول:

ان قدمائنا الإمامية لم يتعرضوا هذا الشرط في كتبهم المعدة لإيداع فتاوى الأئمة عليهم السلام نعم قد تعرض لها جمع منهم من حيث الحكم التكليفي، بل الظاهر عدم الخلاف بين المسلمين من حيث التكليف، الا ما حكى عن بعض الناس من ذهابه الى عدم حرمة التختم بالذهب.

استنادا الى ما رواه أبو داود في سننه مسندا عن محمد بن مالك، انه رأى على البراء خاتم ذهب و قيل له في ذلك، و قال: أعطاني رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه (و آله) و سلم فقال له: البس كما ألبسك

اللّٰه و رسوله «1».

و لا يخفى ان مثل هذه الرواية لا تقاوم الأدلة الدالة على الحرمة كما سيأتي إن شاء اللّٰه تعالى الإشارة إلى جملة منها مع شهرة الفتوى بين الفريقين.

مع إمكان ان يقال: ان إعطاءه صلى اللّٰه عليه و آله له إياه من غنيمة الحرب كان قبل نهى النبي صلى اللّٰه عليه و آله ثم أبقاه البراء و لم يطلع على تحريمه صلى اللّٰه عليه و آله بعد ذلك.

نعم قد وردت من طرق أصحابنا أيضا ما يدل- بظاهره- على جواز لبس الخاتم من الذهب.

مثل ما رواه الكليني رحمه اللّٰه، عن عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن جعفر بن محمد الأشعري، عن عبد اللّٰه بن ميمون القداح، عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام، قال: ان النبي صلى اللّٰه عليه و آله تختّم في يساره بخاتم من ذهب، ثم خرج على الناس فطفق الناس ينظرون اليه

______________________________

(1) لم أعثر عليه في السنن فتتبع.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 265

فوضع يده اليمنى على خنصره اليسرى حتى رجع الى البيت فرمى به فما لبسه «1».

لكنها أيضا محمولة على ما قبل التشريع أو على محامل أخر.

و بالجملة لا شبهة في أصل الحرمة في الجملة، بل هي من ضروريات الفقه الإسلامي.

و لا بأس بنقل بعض الاخبار الواردة في ذلك- تيمّنا-:

منها: ما رواه الكليني رحمه اللّٰه، عن محمد بن يحيى، عن احمد ابن محمد، عن ابن فضال، عن غالب بن عثمان، عن روح بن عبد الرحيم عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام، قال: قال رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و آله لأمير المؤمنين عليه السلام: لا تختّم بالذهب فإنه زينتك في الآخرة «2».

و عنه عن احمد بن محمد، عن الحسين بن سعيد، عن النضر بن سويد،

عن القسم بن سليمان، عن جراح المدائني، عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام، قال: لا تجعل في يدك خاتما من ذهب «3» و دلالتهما على حرمة مطلق الذهب- بعد فرض صحة سنده أو جبرانهما باشتهار الفتوى بين المسلمين- موقوف على أمور:

(أحدها): عدم اختصاص الخطاب به عليه السلام، و الا فلو كان مختصا به- كما يؤيّده ما رواه الحلبي المحكي عن معاني الأخبار للصدوق رحمه اللّٰه، عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام قال: قال: نهاني رسول اللّٰه

______________________________

(1) الوسائل باب 30 حديث 1 من أبواب لباس المصلى ج 3 ص 300.

(2) الوسائل باب 30 حديث 1 من أبواب لباس المصلى ج 3 ص 299.

(3) المصدر، الحديث 2.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 266

صلى اللّٰه عليه و آله و لا أقول نهاكم- عن التختم بالذهب «1» الى آخره.

(ثانيها): عدم اختصاص الحرمة بالخاتم، بل يعم مطلق اللباس و ذكر الخاتم من باب المثال.

(ثالثها): عدم الاستظهار من التعليل على كونه مكروها.

و منها: ما رواه عبد اللّٰه بن جعفر، في قرب الاسناد، عن هارون ابن مسلم، عن مسعدة بن صدقة، عن جعفر بن محمد، عن أبيه عليهم السلام، ان رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و آله نهاهم عن سبع (الى ان قال): و التختم بالذهب «2».

عن الخصال للصدوق، عن أبيه، عن الخليل بن أحمد الحري عن أبي العباس الثقفي، عن محمد بن الصباح، عن حريز بن أبي إسحاق، عن أشعث، عن معاوية بن سويد، عن البراء بن عازب، قال:

نهى رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و آله عن سبع و أمر بسبع، نهانا ان تتختم بالذهب، و عن الشرب في آنية الذهب و الفضة، الخبر «3».

و ما رواه في قرب

الاسناد أيضا، عن عبد اللّٰه بن الحسن، عن جده، عن على بن جعفر، عن أخيه، عن موسى بن جعفر، قال: سألته عن الرجل هل يصلح له الخاتم الذهب؟ قال: لا «4».

و هذه الروايات الثلاث سالمة عن الاحتمال المذكور في الأمر الأوّل في الروايتين المتقدمتين، لعموم الحكم، نعم يبقى الاحتمالان الآخران.

______________________________

(1) الوسائل باب 30 حديث 7 من أبواب لباس المصلى ج 3 ص 301.

(2) المصدر، الحديث 9.

(3) المصدر، الحديث 8.

(4) المصدر، الحديث 10.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 267

(و منها): ما رواه الشيخ رحمه اللّٰه بإسناده، عن محمد بن احمد ابن يحيى، عن احمد بن الحسن، عن عمرو بن سعيد عن مصدق بن صدقة عن عمار «1» بن موسى الساباطي، عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام في الرجل يصلى و عليه خاتم حديد؟ قال: لا، و لا يتختم به الرجل، فإنه من لباس أهل النار، و لا يلبس الرجل الذهب و لا يصلى فيه، لانه من لباس أهل الجنة «2».

و عنه، عن رجل، عن الحسن بن على، عن أبيه، عن على بن عقبة، عن موسى بن أكيل النميري، عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام، في الحديد انه حلية أهل النار، و الذهب انه حلية الجنة، جعل اللّٰه الذهب في الدنيا زينة النساء، فحرم على الرجال لبسه و الصلاة فيه «3».

و في هذين الروايتين يرتفع الاحتمالات الثلاث التي ذكرناها في الأولين لعمومهما من حيث المكلفين، و اللبس و دلالتهما خصوصا على الحرمة.

فظهر ان الروايات متفقة على حرمة لبس الذهب في الجملة على

______________________________

(1) كان لعمار بن موسى كتاب يروى عنه مصدق بن صدقة المدائني يروى عنه عمرو بن سعيد، يروى عنه احمد بن حسن بن فضال،

و وصل هذا الكتاب بيد محمد بن احمد بن يحيى الأشعري القمي الثقة و بقية الرواة و ان كانوا كلهم فطحيين الا انهم موثقون عند علماء للرجال، منه دام ظله العالي.

(2) الوسائل باب 30 حديث 4 من أبواب لباس المصلى ج 3 ص 300.

(3) المصدر، الحديث 5.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 268

اختلاف ألسنتها من اختصاص بعضها بالخاتم و إطلاق بعضها فلا كلام في أصل الحرمة، و لا في مدركها.

و انما الكلام في اشتراط صحة الصلاة بعدم لبسه، و قد أشرنا الى ان القدماء لم يتعرضوا لهذا الحكم نفيا و إثباتا.

نعم ذكر الشيخ عليه الرحمة- في أواخر (باب حكم الثوب و البدن) من المبسوط- ان التختم بالذهب حرام على الرجال، و كذا لبس الحرير و مباح ذلك للنساء.

و في أواخر صلاة الخوف: لبس الذهب محرم على الرجال، سواء كان خاتما أو طرازا «1» و على كل حال و ان كان مموها أو مجرى فيه و يكون قد اندرس و بقي اثر لم يكن به بأس (انتهى كلامه «ره»)، و لكن ليس في هذا الكلام تعرض لحكم الصلاة.

و قد يتخيل انه مذهب جملة من القدماء أيضا، كالكليني رحمه اللّٰه لما نقل في الكافي رواية موسى بن أكيل المتقدمة، و الصدوق محمد بن على بن بابويه، لما عنون في علل الشرائع (باب العلة التي من أجلها لا يجوز للرجل أن يتختم بخاتم حديد و لا يصلى فيه و لا يجوز له ان يلبس الذهب و لا يصلى فيه) ثم أورد موثقة عمار المتقدمة، و رواية أبي الجارود الدالة بمفهومها على عدم جواز الصلاة للرجال في الخاتم الذهب كما سيأتي نقلها إن شاء اللّٰه تعالى.

و عن أبي

على بن الجنيد رحمه اللّٰه انه قال: و لا يختار للرجل خاصة الصلاة في الحرير المحض و لا في الذهب (انتهى).

______________________________

(1) الطراز علم الثوب فارسي معرب قاله الجوهري (مجمع البحرين).

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 269

و حكى عن الشيخ نجيب الدين الحلبي رحمه اللّٰه اشتراط الصلاة بعدم كون اللباس من الذهب، و كذا حكى عن قطب الدين.

و لكن لا يخفى عدم دلالة غير الأخير على ان الفتوى ذلك، لان كتب الاخبار لم تعدّ لنقل فتاوى الأئمة عليهم السلام.

(اما الأوّل) «1» فواضح لكثرة وجود الأخبار المتخالفة فيه.

(و اما الثاني) «2» فلأنه أعدّ لنقل اخبار صدرت لبيان علل جملة من الأحكام أعم من الواجبة و المحرمة و غيرهما.

و اما ما حكى عن ابن الجنيد رحمه اللّٰه فغير معلوم المراد من قوله (و لا اختار، الى آخره) هل هو الحكم التكليفي تحريما أو تنزيها أو للوضعى بمعنى بطلان الصلاة، فهو مجمل.

نعم ما حكى عن الشيخ نجيب الدين دال على ان عنوان الكلام في خصوص الصلاة و كذا ما ذكره الشيخ من مسألة التختم بالذهب و نفى الخلاف في حرمته، ثم نقل رواية موسى بن أكيل و لم يتعرض لبطلان الصلاة.

نعم ذكر المحقق رحمه اللّٰه في المعتبر مسألة التختم و تردد في البطلان ثم استقرب الجواز، و جعل منشأ التردد رواية موسى بن أكيل المتقدمة.

و أول من تعرض لحرمة الصلاة في مطلق اللباس المنسوج من الذهب و المموّه فيما اعلم العلامة الحلي رحمه اللّٰه، قال في المنتهى:

الثوب المنسوج من الذهب المموه يحرم الصلاة فيه مطلقا على التردد

______________________________

(1) يعنى الكليني (ره) في الكافي.

(2) يعني الصدوق (ره) في العلل.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 270

في غير الساتر، و

قال قبل ذلك: و في بطلان الصلاة لمن لبس خاتما ذهبا تردد أقربه البطلان، خلافا لبعض الجمهور (لنا) ان الصلاة فيه استعمال له و هو محرم بالإجماع، و قد عرفت ان النهى في العبادات يدل على الفساد (انتهى) ثم أيده برواية موسى بن أكيل.

و في التذكرة: الثوب المموّه بالذهب لا تجوز الصلاة فيه للرجال و كذا الخاتم المموه للنهى عن لبسه (انتهى).

و قال في فرع يج- 13-: إذا كان في يده خاتم من ذهب أو مموه به بطلت صلاته للنهى عن الكون فيه، و لقول الصادق عليه السلام: جعل اللّٰه الذهب في الدنيا على النساء فحرم على الرجال لبسه و الصلاة فيه «1» (انتهى).

و لم يذكر المحقق، و لا العلامة في سائر كتبهما.

و قد عرفت ان الاستدلال على البطلان راجع الى أحد أمرين: اما كونه على مقتضى القاعدة و اما الروايات.

اما الأولى فقد عرفت في كلام العلّامة (تارة) بأنه للنهى عن الكون فيه (و اخرى) بأنه للنهى عن لبسه، و كلاهما راجعان إلى أمر واحد و شي ء فأرد، و هو لزوم اجتماع الأمر و النهى، و رجح جانب النهى.

و فيه (أولا): انا قد قررنا في الأصول عدم امتناع الاجتماع و أجبنا عن كل ما استدل له و قلنا: انه لا مانع عقلا بان يكون هنا عنوانان بينهما عموم من وجه، متعلقان للأمر و النهى و يتصادقان في موجود واحد شخصي كقوله: (صل و لا تتصرف في مال الغير بغير اذنه) حيث اجتمع

______________________________

(1) الوسائل باب 30 ذيل حديث 5 من أبواب لباس المصلى ج 3 ص 300.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 271

في الموجود الخارجي كلا العنوانين.

و اما التمثيل بقوله: (صل و لا تغصب)

فليس بجيد بل و لا صحيح لان الغصب كما قلنا في مورده عبارة عن الاستيلاء على مال الغير عدوانا و غير التصرف في مال الغير بلا اذن كما لا يخفى.

(و ثانيا) ليس المقام من مصاديق هذه القاعدة، فإن المصداق الواحد لم يصر متعلقا لهما فان متعلق الأمر هو الصلاة و متعلق النهى هو اللبس فلا اجتماع في الوجود الواحد.

و من هنا خص بعض العلماء «1» ذلك بما كان الذهب ساترا للعورة من حيث انه من شرائط صحة الصلاة.

(و فيه): ان الشرط هو مستورية العورة و هو أيضا وجود آخر غير وجود الصلاة، فإن الأمر المتعلق بالصلاة ينبسط على اجزائها و المستورية ليست من اجزائها، بل معنى اشتراطها عدم تعنون الاجزاء بعنوان الصلاة إلا إذا صدرت ممن كان مستور العورة و هو المقدمات العقلية حينئذ بناء على ان الشرائط الشرعية راجعة إلى الشرائط العقلية.

نعم لو قيل: ان الصلاة تتقيد بها- بحيث يكون التقيد داخلا و القيد خارجا و المفروض ان الأمر الانتزاعي عين ما منه الانتزاع، فإذا كان التقيد مأمورا به تبعا للصلاة يكون القيد أيضا كذلك- يجتمع الأمر و النهى، فان المفروض ان القيد يكون منهيا عنه بأدلة النهي عن اللبس و مأمورا به باعتبار كونه عين التقيد الذي يكون جزءا للمأمور به

______________________________

(1) لعله المحقق «ره» في المعتبر حيث جوز الصلاة فيه قياسا على الخاتم المغصوب و علله بأنه غير ساتر، فراجع، المقرّر.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 272

أمكن القول بكونه من مصاديق تلك المسألة و تكون باطلة.

و قد يتمسك للبطلان بكون المصلى مأمورا بالنزع، و هو مستلزم للفعل الكثير الذي يكون ضدا لها فتكون باطلة لكون الأمر بأحد الضدين مستلزما للنهى عن

ضده.

و فيه (أولا): عدم كون النزع مستلزما للفعل الكثير مطلقا.

(و ثانيا): عدم كون الأمر بالشي ء مستلزما للنهى عن ضده الخاص.

(و ثالثا): عدم اقتضاء ذلك النهى البطلان، لأنه تبعي لا نفسي.

بل التحقيق ان جميع المقدمات التي لها دخل في تحقق المأمور به لا تكون إلا تبعية و لو صرح الآمر بفعلها و بعث إليها للوصول الى ذيها كما لو قال: اذهب الى السوق و اشتر اللحم.

فالأولى- كما في الجواهر- التمسك بالأخبار المتقدمة، فقوله عليه السلام: (لا يلبس الرجل الذهب و لا يصلى فيه) «1» دال على بطلانها اما باعتبار كون النهى تكليفا فيدخل في مسألة كون النهى عن العبادات موجبا للفساد، و اما كونه منهيا وضعيا، فتدل على بطلانها مطابقة كما لا يخفى.

هنا مسائل
الأولى: هل حرمة اللبس في الذهب من حيث انه لبس الذهب

أو من حيث انه تزين و زينة؟ ظاهر جملة من الروايات هو الإطلاق مثل

______________________________

(1) الوسائل باب 30 قطعة من حديث 4 من أبواب لباس المصلى ج 3 ص 302.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 273

ما رواه الكليني رحمه اللّٰه، عن محمد بن يحيى، عن احمد بن محمد، عن الحسين بن سعيد، عن النضر بن سويد، عن القاسم بن سليمان، عن جراح المدائني، عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام، قال: لا تجعل في يدك خاتما من ذهب «1».

و كذا رواية عبد اللّٰه بن ميمون القداح، و الحلبي المحكي عن معاني الاخبار، و مسعدة بن صدقة، و براء بن عازب، و على بن جعفر المتقدمات «2».

و في عدة منها: التعليل بأنه زينة أو حلية في الآخرة، مثل ما عن عبد اللّٰه بن جعفر في قرب الاسناد، عن محمد بن عبد الحميد و عبد الصمد بن محمد جمعا، عن حنان بن سدير، عن أبي

عبد اللّٰه عليه السلام قال: سمعته يقول: قال النبي صلى اللّٰه عليه و آله لعليّ عليه السلام: إياك ان تتختم بالذهب فإنه حليتك في الآخرة، و إياك ان تلبس القسيّ «3».

و كذا رواية روح بن عبد الرحيم و عمار بن موسى، و موسى بن أكيل المقدمات «4» حيث علل في الأولى بأنه زينتك في الآخرة (و في الثانية) لأنه من لباس أهل الجنة، (و في الثالثة) انه حلية أهل الجنة و جعل اللّٰه الذهب في الدنيا زينة النساء فحرم على الرجال لبسه و الصلاة فيه.

______________________________

(1) الوسائل باب 30 حديث 2 من أبواب لباس المصلى ج 3 ص 299.

(2) المصدر، الحديث 3، 7، 8، 9، 10.

(3) المصدر، الحديث 11 ص 303.

(4) تقدم ذكر موضعها.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 274

و في دلالة غير الأخيرة على كونه من باب التزين نظر، فان مجرد كون شي ء زينة في الآخرة أو حلية أهل الجنة أو لباسهم لا يوجب حرمته في الدنيا، فلا دلالة فيها على ان مطلق التزين بالذهب حرام، بل دلالتها على حرمة خصوص موردها- و هو لبس الخاتم من الذهب أو اللباس لو لا مسلميّة الحكم بين فرق المسلمين العامة منهم و الخاصة- غير معلومة كما لا يخفى على من راجع الاخبار.

و اما الأخيرة، فيمكن ان يقال: بدلالتها حيث فرّع عليه السلام تحريم اللبس و الصلاة فيه على جعله تعالى إياه زينة للنساء، فيتراءى منه ان التزين و الزينة بالذهب الذي غير محرم على النساء، محرم على الرجال.

و لكن يمكن ان يقال بالعكس بان يقال: ان قوله عليه السلام:

محرم على الرجال لبسه و الصلاة فيه، قرينة على ان المراد من الزينة التي لا تكون محرمة على

النساء هو اللبس، و التعبير بالزينة بملاحظة انها من مصاديق اللبس لا انها بما هي موضوعة للحكم.

و يشهد لهذا قوله تعالى خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ «1» المفسّر باللباس فيكون هو أيضا زينة.

و بالجملة يمكن ان يكون صدر الرواية قرينة على المراد من الذيل فيحرم مطلق التزين بالذهب، و ان يكون الذيل قرينة على المراد من الصدر فلا يحرم الا اللبس.

و يشهد للأوّل الآية الشريفة المتقدمة بناء على تفسيرها باللباس و يشهد للثاني ما تقدم عن علي عليه السلام ان النبي صلى اللّٰه عليه و آله

______________________________

(1) سورة الأعراف، الآية 31.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 275

أخذ حريرا فجعله في يمينه و أخذ ذهبا فجعله في شماله ثم قال: ان هذين حرام على ذكور أمتي «1» و لم يقيده بكونه ملبوسا أم غيره.

الا ان يقال: ان حرمة الحرير المفروض كونه من الملبوسات قرينة- باتحاد السياق- على كون الحرمة في الذهب أيضا مخصوصا بهذه الصورة، فتأمل.

و يترتب على هذا جواز شدّ الأسنان بالذهب، فعلى احتمال ان يكون المحرم لبسه، يكون جوازه على القاعدة و لا يحتاج الى تكلف دليل، بخلاف الاحتمال الآخر فيحتاج اليه، فقد ورد روايات بعضها دال على جواز الشدّ به و بعضها على جواز تشبيك الأسنان به.

مثل ما رواه الكليني رحمه اللّٰه قال: عدة من أصحابنا، عن احمد ابن محمد، عن ابن محبوب، عن العلاء بن زرين، عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام- في حديث-: ان أسنانه استرخت فشده بالذهب «2».

و ما رواه في الوسائل عن الحسن بن الفضل الطبرسي رحمه اللّٰه في مكارم الأخلاق، عن الحلبي، عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام قال:

سألته عن الثنيّة تنفصم أ يصلح

ان تشبك بالذهب و ان سقطت يجعل مكانها ثنيّة تنفصم ا يصلح ان تشبك بالذهب و ان سقطت يجعل مكانها ثنيّة شاة؟ قال نعم ان شاء ليشدها بعد ان تكون ذكية «3».

و عن عبد اللّٰه بن سنان عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام قال: سألته عن الرجل ينفصم سنّه أ يصلح له ان يشدها بالذهب و ان سقطت أ يصلح

______________________________

(1) سنن أبي داود باب في الحرير ج 4 ص 50.

(2) الوسائل باب 31 حديث 1 من أبواب لباس المصلى ج 3 ص 302.

(3) المصدر، الحديث 2.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 276

له ان يجعل مكانها سنّ شاة؟ قال: نعم ان شاء ليشدها بعد أن تكون ذكية «1».

و عن زرارة عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام انه قال: سأله أبي و انا حاضر عن الرجل يسقط سنّه فأخذ سن إنسان ميت فيجعله مكانه؟ قال:

لا بأس «2».

و الرواية الأخيرة لا دخل لها في المسألة، فبناء على حرمة مطلق التزين يكون هذا مستثنى.

و هل المراد من الشد و التشبيك خصوص جعل خيط من الذهب تحته أم يشمل ما تعارف في زماننا من كونه محيطا عليه بحيث يكون السن محاطا؟ لا يبعد ان يقال: بشموله له و ان كان الأحوط تركه.

(الثانية): لا يحرم على النساء لبس الحرير و الذهب و لو كان للتزين تكليفا و وضعا.

اما الأول فلتصريح الروايات و عدم تقييدها بصورة عدم التزين و اشتهاره بين علماء الإسلام، بل بين العوام فضلا عن الخواص مستمرا الى زمن المعصوم عليه السلام مع عدم ردعه.

و اما الثاني فلإطلاق أدلة الجواز بحيث تشمل حال مثل الصلاة أيضا، و شهرة الحكم بين الفريقين أما العامة فبمقتضى قاعدتهم حتى في الرجال، و اما الخاصة فلم ينقل الخلاف عن غير الصدوق، و بعض الروايات و

ان كان فيه إطلاق بالنسبة إلى الرجال و النساء الا انه لا بد من تأويلها، لإعراض الأصحاب، فتحمل على الكراهة.

______________________________

(1) الوسائل باب 31 حديث 3 من أبواب لباس المصلى ج 3 ص 302.

(2) المصدر، الحديث 4.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 277

(الثالثة): هل يحرم على الخنثى على القول بعدم كونها طبيعة ثالثة لبس الذهب و الحرير أم لا؟

قولان، يحكى عن الشهيد رحمه اللّٰه في الألفية الأول، و المشهور بين متأخر المتأخرين و المعاصرين و مقاربى عصرنا هو الجواز، استنادا إلى أصالة البراءة و لو مع كون الشبهة موضوعية.

و اما بالنسبة إلى الحكم التكليفي، فلعموم (كل شي ء فيه حلال و حرام فهو لك حلال حتى تعرف انه حرام) «1» و حكم العقل أيضا بذلك.

و اما بالنسبة إلى الحكم الوضعي فللشك في الشرطية بمعنى ان الأمر المنبسط على الاجزاء و التقيدات من المنتزعة من الشرائط، بل ينبسط على الاجزاء و الشرائط المعلومة، و تقيد صلاته بعدم كونه لباسه من الذهب و الحرير، غير معلوم، فالأصل البراءة.

لكن يمكن ان يقال:- انتصار للشهيد رحمه اللّٰه- ان العلم الإجمالي بكونه اما رجلا أو امرأة يوجب الاحتياط.

و دعوى ان ذلك من الموارد التي يكون بعض الأطراف خارجا عن محل الابتلاء- كما في مصباح الفقيه للمحقق الهمداني رحمه اللّٰه- لم نفهم مفادها، لان الملاك في الابتلاء الذي يوجب عدم توجّه الخطاب اليه انما هو قبح الخطاب، و فيما نحن فيه ليس كذلك فلا مانع ان يكلف بعدم لبس الذهب و الحرير كليهما.

______________________________

(1) الوسائل باب 4 حديث 1 من أبواب ما يكتسب به ص 59 ج 12.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 278

تذنيب فيه تنبيه

لا يتوهم من عدم تعرض قدماء الأصحاب للتحريم لبس الذهب في الصلاة و بطلانها كون الحكم بعدم البطلان امرا منصوصا عن الأئمة عليهم السلام، و يكون هذا العدم كاشفا عن ورود نص على عدم البطلان.

و ذلك لان ما هو الموجب لاستكشاف النص تعرضهم لحكم مسألة من المسائل الفقهية التي من شأنها أن تتلقى من المعصوم عليه السلام و ايداعهم لها في كتبهم المعدة لنقل فتاوى الأئمة

عليهم السلام.

و لذا استكشفنا الحكم من تعرضهم مسألة بيع الأعدال المحزومة و الجرب المشدودة على نسق واحد بعبارة واحدة مضبوطة في الكتب «1» المشار إليها، ثم راجعنا كتاب الخلاف للشيخ الطوسي فوجدنا الخبر مرويا عنهم عليهم السلام.

______________________________

(1) يعجبني نقل ما وجدته فيها ليظهر لك صدق ما افاده، دام ظلّه: قال الشيخ المفيد عليه الرحمة في المقنعة: و لا يجوز بيع المتاع في أعدال محزومة و جرب مشدودة الا ان يكون له بارنامج (بارنامه) يوقف منه على صفة المتاع في ألوانه و أقداره و جودته، فان كان ذلك كذلك وقع البيع عليه، فمتى خرج المتاع موافقا للصفات كان البيع ماضيا و ان خرج مخالفا كان باطلا (انتهى).

قال الشيخ في النهاية: و إذا اشترى الإنسان ضياعا أو عقارا بحدودها و وصفها من غير ان يعاينها كان البيع ماضيا الّا ان له شرط خيار الرؤية، فإذا رآها، فان وجدها كما وصفت له كان البيع ماضيا و ان لم يجدها على ما ذكرت أو لم يجد شيئا كذلك كان له ردّها على البائع و استرجاع الثمن (انتهى).

و قال في المراسم: (ذكر) بيع الأعدال المحزومة و الجرب المشدودة و لا يجوز بيعها الّا بالوصف للألوان و المقادير و الجودة فإذا كان كذلك كان البيع مراعى ان يكون على الوصف و الّا بطل، فاما يختبر بالذوق أو الشم فعلى ضربين، الى آخره.

و قال في الوسيلة: و إذا نعت إلى البائع باعدال محزومة و جرب مشدودة فيها متاع و معها كتاب فيه أوصافه فباعه عليها، فإذا فتحت و كانت دون الوصف كان للمبتاع الخيار، و ان كان فوقه فالخيار للبائع (انتهى). و ذكر ابن زهرة في الغنية مسألة خيار الرؤية.

و قال الشيخ

رحمه اللّٰه في الخلاف: بيع خيار الرؤية صحيح ثم نقل أقوال العامّة (الى ان قال): دليلنا قوله تعالى أَحَلَّ اللّٰهُ الْبَيْعَ وَ حَرَّمَ الرِّبٰا فأباح ما يتناوله اسم البيع، و هذا بيع، و أيضا روى عنهم عليهم السلام أنهم سئلوا عن بيع الجرب الهروية؟ فقالوا: لا بأس به إذا كان لها بارنامج، فان وجدها كما ذكرت، و الّا ردّها و روى عن النبي صلى اللّٰه عليه و آله انه قال: من اشترى شيئا لم يره فهو بالخيار إذا رآه (انتهى).

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 279

و كما في بيع الفضولي فيما إذا باع الغاصب، لنفسه فأمضاه المالك فإنهم حكموا في كتبهم بصحة هذا القسم، ففهمنا منه صحة البيع الفضولي في هذا القسم، و الّا فالأخبار الواردة في هذه المسألة كلها مخدوشة كما ذكره شيخنا الأنصاري في المتاجر.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 280

و بالجملة من وجود الفتاوى في المسألة يستكشف النص، لا ان من عدمها انكشف عدم النص كما لا يخفى فافهم و اغتنم.

الشرط الخامس ان لا يكون اللباس مغصوبا،
اشارة

هكذا عنونها الأصحاب.

و الاولى ان يقال: يشترط ان يكون مالكا أو مأذونا من قبل المالك فان الغصب عبارة عن الاستيلاء على مال الغير على سبيل العدوان سواء كان متصرفا أم لا، كما ان التصرف في مال الغير أعمّ من ان يكون على سبيل الاستيلاء أم لا، فبينهما عموم من وجه.

يفترق الغصب عن التصرف فيما لو استولى على مال الغير كما لو أخذ مفتاح دار الغير و منع المالك ان يدخلها من دون ان يكون هو متصرفا.

و يفترق التصرف عن الاستيلاء كما لو صلّى في لباس الغير من دون إحراز رضائه مالكه، لكن لا بقصد الاستيلاء، بل بقصد ان يرده

على مالكه، و يجتمعان معا في الثوب المغصوب.

و مما يترتب على ذلك عدم ضمان اللابس لو تلف بعد اللبس لعدم كونه غاصبا بخلاف ما لو لبسه مستوليا، فإنه ضامن مطلقا ما لم يرده الى مالكه.

و كيف كان فلا شبهة في حرمة التصرف في ملك الغير و لم يتعرض الأصحاب لحكم بطلان الصلاة على تقدير التصرف المحرم في الكتب المعدّة لجمع فتاوى الأئمة عليهم السلام.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 281

نعم قد تعرض لأصل الحكم في الجملة الشيخ أبو جعفر الطوسي عليه الرحمة في موضعين من الخلاف:

(أحدهما): في مسألة الوضوء بالماء المغصوب.

(ثانيهما): في لباس المصلي.

(اما الاولى): فقال: مسألة الوضوء بالماء المغصوب لا يصح، و لا تصح الصلاة به، و خالف جميع الفقهاء في ذلك (دليلنا): في المسألة الاولى من وجوب اعتبار النية و ان التصرف في المال المغصوب قبيح لا يصح التقرب، و أيضا لا خلاف في انه منهي عن ذلك و النهى يدل على فساد المنهي عنه «1» انتهى موضع الحاجة.

(و اما الثانية): فقال: مسألة، لا تجوز الصلاة في الدار المغصوبة،
اشارة

و لا في الثوب المغصوب مع الاختيار، و أجاز الفقهاء بأجمعهم ذلك و لم يوجبوا إعادتها مع قولهم: ان ذلك منهي عنه و وافقنا كثير من المتكلمين، مثل أبي على الجبائي و أبي هاشم و كثير من أصحابهما (دليلنا): ان الصلاة تحتاج إلى نية بلا خلاف، و لا خلاف في ان التصرف في الدار المغصوبة و الثوب المغصوب قبيح، و لا يصحّ نية القربة فيما هو قبيح (انتهى) «2».

وجه الحكم في أصل المسألة ان من شرط ترتب عنوان الصلاة على الاجزاء التي لوحظت واحدة بالاعتبار، صلاحيتها لان يتقرب بها الى اللّٰه عز و جل، و هي موقوفة على عدم كون العمل الموجود في الخارج قبيحا، و حيث ان المفروض كونه قبيحا لكونه تصرفا في مال الغير

______________________________

(1) الخلاف، كتاب الصلاة، مسألة 254، ص 53، الطبع الحجري.

(2) المصدر، المسألة 253.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 282

و تعديا على الغير فلا يصلح للمقربية، فلا يترتب عنوان الصلاة، فلا تسقط الأمر، و هذا هو الموجب للبطلان لا كونه مستلزما لاجتماع الأمر و النهى و هو محال، لعدم الاستحالة كما قررنا في الأصول.

و لا بأس بالإشارة إليهما إجمالا فنقول: ان عمدة دليل القائلين هو استحالة كون الشي ء الواحد معروضا لعرضين في زمان واحد، و لما كان الوجوب

و الحرمة أمران عرضيان فلا يمكن اجتماعهما في المصداق الواحد.

(و فيه) أولا: ان الوجوب و الحرمة و غيرهما من الاحكام ليست اعراضا تعرض محالّها بعد وجودها نظير الألوان و المذوقات، بل هي أمور انتزاعية محمولة على الشي ء و مجرد انتزاع صفة من شي ء لا يوجب كون الأمر المنتزع عرضيا، و منشأ الانتزاع انما هو الأمر و النهى- اعنى البعث و الزجر- و هما قائمان بقيام صدورى بالآمر، فله اضافة اليه و يكون المأمور به و المنهي عنه طرفا اضافة لهما لا معروضان.

و مجرد كون شي ء طرفا للإضافة لا يوجب المعروضية، فهو مثل ان يكون عالما بانسانيته جاهلا بضاحكيته فهو معلوم باعتبار و مجهول باعتبار آخر.

فلا يمكن ان يقال: ان الشي ء الواحد كيف يمكن ان يكون معلوما و مجهولا؟

و سرّه ان العلم و الجهل صفتان قائمتان بالعالم و الجاهل و لها اضافة الى المعلوم و المجهول.

و أيضا من خصوصيات كون شي ء عرضا عروضه بعد وجود الموضوع و المفروض سقوطهما بعد تحقق متعلقهما و من الخصوصيات تقدم وجود

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 283

المعروض على العرض في المقام يكون الوجود متأخرا عن صفتي الوجوب و الحرمة.

و الحاصل ان العقل يحكم بعدم امتناع حصول الحالة البعثية و الحالة الزجرية للإنسان إذا كان متعلقا هما متباينين بلا اشكال و لا خلاف، و يحكم أيضا بالامتناع إذا كان متعلقهما شخصا واحدا من حيثية واحدة.

و انما الكلام فيما إذا كان بينهما عموم من وجه، و القائل به يدعى ان حصول هذه الحالة بالنسبة إلى شيئين عامين متصادقين على شي ء واحد.

و نحن لما راجعنا وجداننا و تأملنا لم نجد وجها للاستحالة لأن المفروض ان البعث و الزجر تعلقا بأمرين كليين،

لهما افراد متباينة و يكون تمام المأمور به هو نفس الحيثية المبعوث إليها- و هي طبيعة الصلاة مثلا- و يكون تمام المنهي عنه هو نفس الحيثية المزجور عنها- اعنى التصرف بلا اذن- و لا دخل لخصوصيات في تعلق الأمر و النهى و المكلف باختياره قد جمع بين الحيثيتين في وجود واحد شخصي و المفروض ان الخصوصية غير دخيلة.

فلو قيّد الأمر المتوجه إلى الطبيعة بغير ما يوجد في ضمن التصرف في مال الغير، يكون هذا التقييد جزافا.

كما انه لو قيد النهى بغير ما يوجد في ضمن الصلاة يكون كذلك لان المفروض إتمام المبعوث اليه هو طبيعة الصلاة، كما ان تمام المزجور عنه، هو طبيعة التصرف في مال الغير.

و تعلق الأوامر و النواهي بغير ما هو دخيل في المصلحة

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 284

و المفسدة أمر مستحيل للزوم اللغوية على الحكيم.

نعم فيما إذا كان المأمور به مشروطا بقصد التقرب في مقام الامتثال، لا يمكن الإتيان بهذا الفرد مع هذه الخصوصية المنهي عنها لان قصد التقرب لا يتمشى في مقام الامتثال و هو يتحقق بإيجاد متعلق الأمر و المفروض انه مبغوض للمولى فلا يكون صالحا لان يتقرب به الى المولى.

و من هذه الجهة يحكم بالبطلان، فلذا لو لم يكن متفطنا كما في صورة الجهل بالموضوع و النسيان و السهو يحكم بالصحة و كذا كل شرط يكون اشتراطه من هذه الحيثية يحكم بصحة الصلاة إذا اتى بها على خلاف الشرائط التي يكون اشتراطها من حيث استفادة المانعية فيبطل المشروط القربى مطلقا، سواء تفطن أم لا، فافهم.

و ان شئت بيانا أوضح و ابسط فنقول: إذا أراد الإنسان شيئا فلا شبهة في ان الإرادة صفة قائمة بالمريد، و

لها اضافة الى المراد و هو و ان كان من الماهيات بعنوانه الاوّلى الّا انه بعنوان انه مراد يكون من الموجودات، لان الماهية بما هي ليست إلا هي، فاتصافها بالمرادية باعتبار الوجود، و لا شبهة انه لا يكون الموجود المتحقق في الخارج لعدم إمكان تعلق الأمر به للزوم تحصيل الحاصل، بل باعتبار الموجود الذهني الذي إذا وجد في الخارج لا يخلو عن المقارنات المكانية و الزمانية و غيرهما من الوجوديات.

فمراد بعض المحققين الذي جوز الاجتماع باعتبار تبعض الوجود فببعضه يكون منهيا عنه و ببعضه الآخر يكون مأمور به، ان كان هو الوجود الخارجي فلا وجه له، و ان كان الموجود الذهني الذي إذا وجد في

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 285

الخارج لا يخلو عن الخصوصيات فكأنه بنظر العقل (و في نظره، خ ل) منحل إلى حيثية المأمور به و الأمور الأخر المقارنة، فهو صحيح.

لكننا لا نحتاج الى هذا التكلف، بل نقول: لا تضاد أصلا بين تعلق الإرادة بشي ء و تعلق الكراهة بشي ء آخر يمكن ان يجتمع منع الآخر.

و إذا قد عرفت الملاك في الإرادة التكوينية، فيكون الحال في الإرادة التشريعية أيضا كذلك.

و ببيان آخر: إذا بعث المولى عبده إلى شي ء مثلا، يكون منشأ الانتزاع أمور ثلاثة: الباعث، و هو عارض لنفس من صدر منه البعث و المبعوث، و المبعوث اليه، و الأخيران يكونان طرفي الإضافة لهذا البعث، لا انه يكون عارضا عليهما.

و الذي يكون مبعوثا اليه يكون متعلقا للبعث، لا بماهيته و لا بوجوده الخارجي، و لا بوجوده الذهني مطلقا، بل بوجوده الذهني بما أنه مرآة للوجود الخارجي، فالوجود الذهني لا يكون مستقلا بكونه مبعوثا اليه، كما ان الوجود الخارجي كذلك للزوم تحصيل

الحاصل.

(و بعبارة أخرى): الذي يكون تمام الموضوع للبعث هو الحيث الذهني الذي لا يكون محفوفا بشي ء من المحفوفات الشخصية، و يكون جميع المحفوفات خارجة عن ذات حقيقة المأمور به.

و بهذا يندفع المغالطة بأنه اما ان يكون الوجود الذهني متعلقا بالوجود الخارجي أو متعلقا بالماهيّة أو متعلقا بالموجود الخارجي و الأولان باطلان فيتعين الثالث فيجتمع الأمر و النهى، فان الوجود الذهني بما أنه مرآة للخارج بحيث يكون هو بنفسه مغفولا عنه حين البعث، فالآمر و ان تصور في الذهن الوجود الذهني الّا انه جعل

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 286

الدلالة آلة لملاحظة الوجود الخارجي بحيث لا يكون هو في نفسه ملحوظا مستقلا كما انه كذلك يجاب عن الاشكال المعروف الوارد في قول المنطقي:

المجهول المطلق لا يخبر عنه، حيث ان نفس هذه القضية اخبار، فكيف يصح صدق هذه القضية مع انه قد أخبر عن مجهولها الذي هو المجهول المطلق.

فإنه حيث تصوره عنوان (المجهول المطلق) يكون غافلا عن نفس هذا التصور، بل جعله مرآة لما هو في الواقع (لا يخبر عنه) فيحكم بأنه (لا يخبر عنه) بعنوانه الواقعي لا بهذا العنوان المتصور.

و بالجملة حيث ان عمدة دليل الامتناع، هو جعل الأحكام اعراضا لموضوعاتها و قد بينا هنا و في محله عدم صحة ذلك، قلنا: ان الاحكام لها إضافات إليها لا انها عارضة عليها، فلا مانع من الاجتماع من هذا الحيث.

نعم قد لا يتحقق الامتثال باعتبار كونه مشروطا بشي ء لا يجتمع مع النهى لكون المأمور به عبادة لا تتحقق في الخارج الا مع إتيانها بداعي القربة، فكما لا يمكن تكوينا كون الوجود الواحد مقربا و مبعدا لا يمكن اعتبارا أيضا.

(و بعبارة أخرى): مقام الجعل غير مقام إيجاد

المجعول في الخارج، و ما ذكرنا من عدم الامتثال انما هو الأوّل دون الثاني، فإن اعتبر قصد القربة شرطا عقليا أو دخيلا في تحقق الغرض دون المأمور به بمعنى ان الغرض تعلق بأعم من المأمور به، لا يتحقق المأمور به عقلا في صورة إتيانه في ضمن المنهي عنه، لأن الأمر و ان تعلق بالوجود الذهني باعتبار مرآتيته للوجود الخارجي، الا ان الامتثال انما هو بالوجود

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 287

الخارجي الذي معلول المصلحة المقتضية للإلزام.

و كذا إتيان المنهي عنه انما يصدق بعد إيجاده في الخارج و هو معلول المفسدة المقتضية لتعلق النهى به و ان اعتبر شرطا أو شطرا للمأمور به لا يتنجز إلا في صورة التوجه إلى النهي.

فلا يتوهم ان عدم الامتناع انما هو على القول بعدم كون قصد القربة مأخوذا في متعلق الأمر لا شرطا أو شطرا، و الا فلا يمكن و ان لم تكن الاحكام اعراضا لموضوعاتها لان كون مأخوذية قصد القربة في متعلق الأمر يوجب عدم إمكان الاجتماع في صورة التوجه دون صورة عدم العلم بالنسيان أو الغفلة، و المدعى يثبت في صورة واحدة لأن الحكم العقلي يكفي فيه تحقق مصداق واحد في مقام الإثبات.

نعم لو قيل: ان المعتبر في العبادة قصد الامتثال فقط دون قصد القربة كما اختاره المحقق القمي عليه الرحمة في القوانين بعد اختياره عدم الامتناع في المسألة، يمكن ان يقال: بتحقق المأمور به مطلقا و لكنه محل منع، لان المستفاد من الأدلة و كذا من كلمات الفقهاء التي وصلت إلينا خلفا عن سلف، اعتبار قصد القربة و كون العمل مقربا للعبد نحو المولى كما لا يخفى على من سبر و تأمل.

و عليك بالتأمل التام

في هذا المقام، فإنه من مزال الاقدام.

تنبيه

قد ذكرنا ان المسألة عنونها الشيخ أبو جعفر الطوسي عليه الرحمة في الخلاف بمناسبة كونها محل خلف بين العامّة، و ليست من المسائل

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 288

التي من شأنها أن تتلقى من المعصومين عليهم السلام، فلا وجه لدعوى الإجماع في مثلها لعدم وجودها في المكتب المعدة لنقل فتاوى الأئمة عليهم السلام، و لذا ذكر المحقق انه لم يرد فيها نص، و انما ذكرها الشيخان قدّس سرّهما.

و لا فرق فيما ذكرنا بين مغصوبية لباس المصلى أو مكانه، أو ماء وضوءه و غسله أو فضائه وضوء و صلاة.

تذنيب [الصلاة في النعل العربي]

قد ورد في الاخبار بجواز الصلاة، بل أفضليتها في النعل العربي «1» و كذا جوازها في الخف «2»، لكن ذكر الشيخان في في المقنعة و النهاية: عدم جوازها في الشمشك و النعل السندي.

و في الوسيلة لابن حمزة الطوسي «3» رحمه اللّٰه ان الصلاة محظورة في النعل السندية و الشمشك (انتهى).

و ذكر سلار بن عبد العزيز في المراسم: و اما النعل السندي و الشمشك فلا صلاة فيهما إلّا الصلاة على الموتى (انتهى).

و لما كان النعل العربي لا يستر ظهر القدم و ليس له ساق و الخف يستره و له ساق، استخرج المحقق رحمه اللّٰه و العلامة رحمه اللّٰه من الجواز في الصلاة في هذين النوعين أن المناط في عدم جواز الصلاة في الشمشك و النعل السندي كونهما يستران ظهر القدم و ليس

______________________________

(1) الوسائل باب 36 من أبواب لباس المصلى ج 3 ص 308.

(2) الوسائل باب 38 منها ج 3 ص 301.

(3) المعروف انه كان من تلامذة الشيخ أبو جعفر الطوسي (ره).

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 289

لهما ساق.

فحكما رحمهما اللّٰه على الإطلاق بأنه كلما

يستر ظهر القدم و ليس له ساق لا يجوز الصلاة فيه، و جعلا رحمهما اللّٰه الشمشك و النعل السندي من باب المثال، و تبعهما المتأخرون عنهما بعد اختلافهم في الحرمة و الكراهة و لكن عمّموا الحكم تحريما أو تنزيها من حيث الموضوع.

و نحن نقول: هنا كلامان:

(أحدهما): من حيث مدرك أصل هذا الحكم (ثانيهما): تعميمه بالنسبة إلى غير الشمشك و النعل السندي.

اما الأول: فالظاهر عدم النص فيهما عن أهل البيت عليهم السلام كما اعترف به المحقق عليه الرحمة في المعتبر، و قال: قاله الشيخان في المقنعة و النهاية (انتهى).

و حيث ان هذا الحكم تعبدي محض لا طريق للعقل إليه أصلا يمكن ان يستكشف من ذكر الشيخين رحمهما اللّٰه في الكتابين المعدين لنقل فتاوى الأئمة عليهم السلام وجود نص معتبر دال على المرجوحية الذي قد انجبر ضعفه بعمل المشهور مؤيدا بما في الوسيلة لابن حمزة الطوسي عليه الرحمة، من انه روى ان الصلاة محظورة في الشمشك و النعل السندية (انتهى).

و اما دلالة الخبر المستكشف من فتوى الشيخين عليهما الرحمة على عدم الجواز، فبما تقرر في محله من ان الأوامر المطلقة بما انها فعل من الافعال ظاهرة في الوجوب و غيره يحتاج الى الدليل لأن الأمر بما انه فعل كاشف عن تعلق ارادة الآمر به و ان كان المأمور به محبوبا للآمر و لا يحبّ تركه، و هذا المقدار يكفي حجة على العبد بحيث لو

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 290

سأل المولى عبده عن علة ترك العبد المأمور به لما كان له عذر في تركه الا ان يفرق بكلامه ما يدل على خلافه.

و كيف كان فقد ذكرهما في المقنعة و النهاية و المبسوط و الوسيلة و

المراسم و الشرائع و النافع و المعتبر و التذكرة و المنتهى و التحرير و اللمعة و الألفية.

لكن القائل بالحرمة مع قطع النظر عن ظهور عبارة الشيخين و المحقق في كتبه الثلاثة و العلامة في جملة من كتبه و الشهيد في الألفية، بل قيل: انه ذهب كبراء أصحابنا، بل قيل: انه مذهب الأكثر أو الأشهر، لا دليل عليه و لكن ظاهر المبسوط و جملة من المتأخرين الكراهة.

و عمدة مستندنا في ثبوت أصل الحكم في الجملة من الأئمة عليهم السلام، هو فتوى الشيخين رحمهما اللّٰه.

لكن قد استدل أيضا بأمور أخر لا تخلو عن اشكال:

(منها): عدم فعل النبي صلى اللّٰه عليه و آله و الصحابة و التابعين، و كذا الأئمة عليهم السلام.

(و فيه): ان مجرد عدم الفعل لا يدل على البطلان على كل تقدير فلعله لعدم تعارفه في تلك الأزمنة كما يومئ اليه عدم تعرض أهل اللغة «1» للفظ الشمشك.

(و منها): ما نقل عنه صلى اللّٰه عليه و آله: صلوا كما رأيتموني أصلي «2» و لم ير انه صلى اللّٰه عليه و آله صلى فيهما.

______________________________

(1) يعنى عدم تعرضهم في تلك الأزمنة، لا مطلقا.

(2) عوالي اللئالي ج 1 ص 198 رقم 8 و لاحظ ذيل الصفحة أيضا.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 291

(و فيه): أن منشأ صدور هذا الخبر منه صلى اللّٰه عليه و آله- على ما نقلوا- هو أنه صلى اللّٰه عليه و آله في مقام تعليمهم إتيان الصلاة كما و كيفا فإنهم نقلوا أنه صلى اللّٰه عليه و آله قام على المنبر فقرأ فإذا أراد أن يركع أو يسجد يهوى إلى الأرض لهما ثم يقوم عليه إلى آخر الصلاة و ليس صلى اللّٰه عليه و آله

في مقام بيان ما يعتبر في الصلاة نفيا و إثباتا.

لكن يبقى إشكال من حيث الموضوع، فإنا لم نجد في كتب لغة العرب، التعرض للشمشك.

نعم في (قاطع البرهان): (چمناك با تاى قرشت بر وزن أفلاك كفش و پاى افزار را گويند به اين معنى به جاى تاى قرشت شين نقطه دار آمده است).

و في موضع آخر منه): چمتك بر وزن اندك به معناى چمناك است كه كفش پاى افزار باشد به اين معنى به جاى حرف ثالث شين قرشت و نون هم آمده است، چمچم به فتح هر دو و جيم فارسى، و سكون هر دو ميم به معنى رفتار (إلى أن قال): و نوعي از پاى افزار است كه ته آن را به جاى چرم از كهنه و لته سازند و گيوه همان است .. چموش بر وزن خموش اسب و استر لگدزن (إلى أن قال): و مخفف چاموش هم هست كه نوعى از پاى افزار باشد (انتهى).

و يظهر من هذا: أنّ چمتك و چمچم و چاموش كلها نوع من لباس الرجل و لا يبعد أن يكون الشمشك معرب الأوّل، و لعلّه السر في عدم ذكر أهل اللغة من العرب في كتبهم المعدة لذكر اللغات العربية و موارد استعمالاتها، لعدم كونه عربيا.

و أما الثاني، فإن كان الوجه في كونهما منهيين هو مانعيتهما من

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 292

وصول رءوس الأصابع إلى الأرض، و منها الإبهام التي هي من الأعضاء السبعة، بحيث كان الاعتماد عليها فالأقوى هو التعميم و عدم الاختصاص بهما، سواء كان لهما ساق أم لا، ستر ظهر القدم أم لا.

و ان كان غير ذلك يجب الاقتصار على مورد كلامهم لعدم

إحراز وجه المنع هل هو ما ذكرنا أم هو باعتبار كون جلدهما من غير المأكول بحسب المتعارف، و لذا نهى عن خصوصهما.

و حيث ان وجه النهى غير معلوم فالأقوى الاقتصار عليهما في مقام الإفتاء، فلا بأس بلبس الجورب و ساتر أقسام الخف ما لم تكن مصداقا لأحدهما.

و اما فيهما فالأحوط الاجتناب، لما ذكرناه من الوثوق باستكشاف الحكم من فتوى الشيخين عليهما الرحمة مؤيدا بما نقلناه من الوسيلة و ابن حمزة رحمه اللّٰه.

(لا يقال): على هذا التقدير يكفى الحكم بالكراهة التي هي المتيقن.

(فإنه يقال): قد قرّر في الأصول ان الأوامر و النواهي الصادرة عن المولى المتوجهة إلى البعيد دالة على محبوبية المتعلقات و مبغوضيتها باعتبار أنها أفعال صادرة منها لا باعتبار الظهور اللفظي فإذا ثبت و علم أصل المحبوبية أو المبغوضية، فالعقل يحكم بلزوم الموافقة على طبقها ما لم يقرنها بقرينة على خلافها.

فلا يحتاج إلى أزيد من ثبوت أصل ما دل على تعلق الإرادة بشي ء حبا أو بغضا و المفروض في المقام هو استكشاف ما يدل على كونهما مكروهين و مبغوضين عند المولى، من فتوى الشيخين رحمهما اللّٰه

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 293

لقاعدة تقتضي لزوم الاجتناب.

نكتة أصولية فيها فائدة فقهية

هي انك ترى المحقق عليه الرحمة مع تبحره في العلم و نشوه في مركز الحوزة العلمية في عصره- و هي الحلة- و كونه رئيسا في زمانه و عنده العلماء الاعلام و تمكنه من الكتب الحديثية و الفقهية، قد اعترف بعدم النص، و مع ذلك قد افتى بما قاله الشيخان و استكشف النص من فتواهما.

و هذا أيضا مؤيد لما نبهنا عليه كرارا من ان مجرد عدم وجود النص في الكتب الأربعة أو غيرها من الجوامع التي بأيدينا، لا

يكون دليلا على العدم أو موردا للبراءة إذا كان قد أفتى جملة من المشايخ المتقدمة في المسائل التعبدية و ضبطوها في الكتب الفتوائية فتنبه و اغتنم.

الشرط السادس أن لا يكون اللباس قذرا
اشارة

و اعلم ان الطهارة على قسمين:

أحدهما: الطهارة عن الحدث ثانيهما: الطهارة عن الخبث و موضوع الأولى: الإنسان الراجع الى الروح و النفس، و موضوع

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 294

الثانية الجسم مطلقا سواء كان تحت تربية الروح أم لا.

و كيف كان فلا خلاف و لا شبهة في كون الطهارة عن القذارة شرط في صحة الصلاة و هل هي مع القذارة أمران وجوديان أم الاولى وجودية و الثانية عدمية أم بالعكس؟

و على التقديرين هل هي على نحو العدم و الملكة أو الإيجاب و السلب؟ وجوه لا يبعد كون الوجه الثالث أوجه، فإن الطهارة يعبر عنها بالفارسية ب: (پاكى) و (پاك بودن) يعبر عند العرف إذا لم يكن على الشي ء، شي ء قذر، فكأنّه أمر وجودي عرض عليها.

و على كل حال لم يتعرض الأصحاب لذكر عنوان مستقل قد جمع فيه الأخبار الدالة على اشتراط صحة الصلاة بعدم وجود القذر بهذا العنوان الكلي، بل ذكورا في مقام الاستدلال روايات خاصة تدل على الاجتناب عن النجاسات الخاصة كالبول و المنى و الدم و نحوها.

و لا بأس بالإشارة إلى نقل بعض ما ورد في هذا العنوان

الذي أشرنا إليه، مؤيدا بالروايات الخاصة، فنقول بعون اللّٰه تعالى:

روى الشيخ رحمه اللّٰه بإسناده، عن الحسين بن سعيد، عن حماد، عن حريز، عن زرارة، عن أبي جعفر عليه السلام: قال: لا صلاة إلّا بطهور، و يجزيك عن الاستنجاء ثلاثة أحجار، بذلك جرت السنة عن رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و آله، و اما البول فلا بد من غسله «1».

فان الظاهر بقرينة قوله عليه السلام: و يجزيك عن الاستنجاء الى آخره، و قوله عليه السلام: و اما البول، الى آخره، ان المراد من الطهور هو الطهارة عن الخبث، فيدل على اشتراط الصلاة بالطهارة

______________________________

(1) الوسائل

باب 74 حديث 1 من أبواب النجاسات ج 3 ص 1095.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 295

مطلقا.

و بإسناده، عن سعد، عن احمد بن محمد، عن الحسن بن محبوب، عن عبد اللّٰه بن سنان، قال: سأل أبي و انا حاضر: انى أعير الذمي ثوبي و انا اعلم انه يشرب الخمر و يأكل لحم الخنزير فيرد علىّ فاغسله قبل ان أصلي فيه؟ فقال أبو عبد اللّٰه عليه السلام: صلّ فيه و لا تغسله من أجل ذلك، فإنك أعرته إيّاه و هو طاهر و لم تستيقن أنه نجّسه، فلا بأس ان تصلى فيه حتى تستيقن أنه نجّسه «1».

فإنها دالة على ان النجاسة بإطلاقها مانعة عن صحة الصلاة حيث جعل غاية جوازها، العلم بالتنجيس من غير تقييده بنجاسة خاصة.

و بإسناده عن الحسين بن سعيد، عن حماد، عن حريز، عن زرارة قال: قلت: أصاب ثوبي دم رعاف أو غيره أو شي ء من منى، فعلمت أثره الى ان أصيب له من الماء فأصبت و حضرت الصلاة و نسيت ان بثوبي شيئا و صليت، ثم انى ذكرت بعد ذلك؟ قال: تعيد الصلاة و تغسله، قلت: فان لم أكن رأيت موضعه و علمت انه قد اصابه فطلبته فلم اقدر عليه فلما صليت وجدته؟ قال تغسله و تعيد الصلاة، قلت: فان ظننت انه قد اصابه و لم أتيقن ذلك فنظرت فلم أر فيه شيئا ثم صليت فرأيت فيه؟ قال: تغسله و لا تعيد الصلاة، قلت: لم ذلك؟ قال: لأنك كنت على يقين من طهارتك ثم شككت فليس ينبغي لك ان تنقض اليقين بالشك ابدا، قلت: قد علمت انه قد اصابه و لم أدر أين هو فاغسله؟ قال: تغسل من ثوبك الناحية التي ترى

انه قد أصابها حتى تكون على يقين من

______________________________

(1) الوسائل، باب 14، حديث 1، من أبواب النجاسات ج 2، ص 1095.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 296

طهارتك، الخبر «1».

و صدر الرواية و ان لم يكن صريحا في العموم الّا ان قوله عليه السلام: (لأنك كنت على يقين من طهارتك) و قوله عليه السلام: (حتى تكون على يقين من طهارتك) ظاهر في ان المناط في صحة الصلاة هي الطهارة المطلقة.

و بإسناده، عن محمد بن احمد بن يحيى، عن احمد بن الحسن ابن على بن فضال، عن عمرو بن سعيد المدائني، عن مصدق بن صدقة عن عمار الساباطي، عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام، قال: سئل عن الشمس هل تطهّر الأرض؟ قال: إذا كان الموضع قذرا من البول أو غير ذلك، فأصابه الشمس ثم يبس الموضع، فالصلاة على الموضع جائزة و ان أصابته الشمس و لم ييبس الموضع القذر و كان رطبا فلا تجوز الصلاة عليه حتى ييبس، و ان كانت رجلك رطبة أو جبهتك أو غير ذلك من ما يصيب ذلك الموضع القذر فلا تصل على ذلك الموضع القذر و ان كان عنى (غيره، خ ل) الشمس اصابه حتى يبس فإنه لا تجوز ذلك «2».

فإنها ظاهرة في ان الصلاة في الموضع القذر بما هو قذر من غير خصوصية قذر خاص تكون باطلة باعتبار سراية القذارة في بدنه و ثوبه.

و بإسناده، عن محمد بن على بن محبوب، عن محمد بن الحسين

______________________________

(1) أورد قطعة منه في الوسائل باب 42 حديث 2 و قطعة منه باب 41 حديث 1 و قطعة منه في باب 8 حديث 2 من أبواب النجاسات ج 2.

(2) الوسائل باب 29 في ضمن

حديث 4 من أبواب النجاسات ج 2 ص 1042.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 297

عن على بن أسباط، عن على بن عقبة، عن زرارة، عن أحدهما عليهما السلام، قال: كلما كان لا تجوز الصلاة فيه وحده، فلا بأس بأن يكون عليه الشي ء، مثل القلنسوة و التكة و الجورب «1».

و بإسناده، عن سعد بن عبد اللّٰه، عن محمد بن الحسن، عن أيوب بن نوح، عن صفوان بن يحيى و عن محمد بن يحيى الصيرفي، عن حماد بن عثمان، عمن رواه، عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام في الرجل يصلى في الخف الذي قد اصابه القذر؟ فقال عليه السلام: إذا كان مما لا تتم فيه الصلاة فلا بأس «2».

و بإسناده عن سعد، عن محمد بن الحسين، عن على بن أسباط، عن إبراهيم بن أبي البلاد، عمن حدثهم، عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام، قال: لا بأس بالصلاة في الشي ء الذي لا تجوز الصلاة فيه وحده، يصيب القذر، مثل القلنسوة و التكة و الجورب «3».

و عن المفيد رحمه اللّٰه، عن محمد بن احمد بن داود، عن أبيه عن على بن الحسين، و محمد بن يحيى، عن محمد بن احمد بن يحيى عن العباس بن معروف أو غيره، عن عبد الرحمن بن أبي نجران، عن عبد اللّٰه بن سنان، عمن أخبره، عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام انه قال:

كلما كان على الإنسان أو معه مما لا تجوز الصلاة فيه وحده، فلا بأس ان يصلى فيه و ان كان فيه قذر، مثل القلنسوة و التكة و الكمرة و النعل

______________________________

(1) الوسائل باب 31 حديث 1 من أبواب النجاسات ج 2 ص 1045.

(2) المصدر، الحديث 2.

(3) المصدر، الحديث 4، ص

1046.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 298

و الخفين و ما أشبه ذلك «1».

فان الظاهر ان الشي ء في قوله عليه السلام: (فلا بأس بأن يكون عليه الشي ء) و كذا القذر في الأخيرتين مطلق يعم جميع القذرات.

و بإسناده، عن محمد بن الحسن الصفار،، عن احمد بن محمد و عبد اللّٰه بن محمد جميعا، عن على بن مهزيار، قال: كتب اليه سليمان ابن رشيد يخبره انه بال في ظلمة الليل، و انه أصابه نقطة من البول لم يشك أنه اصابه و لم يره و انه مسحه بخرقة ثم نسي أن يغسله و تمسح بدهن فمسح به كفّيه و وجهه و رأسه ثم توضأ وضوء الصلاة فصلّى؟

فأجابه بجواب فقرأته بخطه: اما ما توهمت مما أصاب يدك فليس بشي ء إلّا ما تحقق، فان حققت ذلك كنت حقيقا ان تعيد الصلوات اللواتي كنت صليتهن بذلك الوضوء بعينه ما كان منهن في وقتها، و ما فات وقتها فلا اعادة عليك لها من قبل، ان الرجل إذا كان ثوبه نجسا لم يعد الصلاة إلّا ما كان في وقت و ان كان جنبا أو صلى على غير وضوء فعليه اعادة الصلوات المكتوبات اللواتي فاتته لان الثوب خلاف الجسد فاعمل على ذلك إن شاء اللّٰه «2».

و بإسناده عن محمد بن على بن محبوب، عن احمد بن محمد، عن الحسن بن محبوب، عن العلاء، عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام قال: سألته عن الرجل يصيب ثوبه الشي ء ينجسه فينسى أن يغسله فيصلى فيه، ثم يذكر انه لم يكن غسله أ يعيد الصلاة؟ قال لا يعيد قد مضت «3».

______________________________

(1) الوسائل باب 31 حديث 5 من أبواب النجاسات ج 2 ص 1046.

(2) الوسائل باب 42 حديث 1

من أبواب النجاسات ج 2 ص 1063.

(3) المصدر، الحديث 3.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 299

فإن الرواية باعتبار اشتمالها على عدم وجوب الإعادة على من علم النجاسة ثم نسي و صلى، و ان لم تكن معمولة عليها في الجملة أو مطلقا «1» الا انها تدل على اشتراط الصلاة بطهارة الثوب كان امرا ارتكازيا مسلما عند الأصحاب و لذا وقع السؤال غالبا عن الأمور الطارية على هذا الشرط من الغفلة و النسيان و عدم العلم.

و في المستدرك عن الجعفريات «2»: أخبرنا محمد بن محمد حدثني موسى، حدثني أبي، عن أبيه عن جده، عن جعفر بن محمد عن أبيه، ان عليا عليه السلام كان يقول: من صلى حتى يفرغ من صلاته

______________________________

(1) يعنى سواء كان في الوقت أو خارجه.

(2) اعلم ان الجعفريات و الأشعثيات كتاب رواه محمد بن محمد بن الأشعث عن موسى بن إسماعيل بن موسى، عن أبيه إسماعيل، عن أبيه موسى ابن جعفر عليهما السلام، عن جعفر بن محمد عليهما السلام، فباعتبار كون رواية اشعثيا يسمى الأشعثيات، و باعتبار كون رواياته مستنده الى جعفر بن محمد (ع) يسمى الجعفريات، و محمد بن محمد بن الأشعث هذا كان من الشيعة، و قد نقل عمّه جعفر بن محمد بن الأشعث ما يدل على سبب تشيّعه و تشيّع أخيه و أبيه، ففي مولد أبي عبد اللّٰه عليه السلام من أصول الكافي، عن أبي على الأشعري، عن محمد بن عبد الجبار عن صفوان بن يحيى، عن جعفر بن محمد بن الأشعث، قال: قال لي:

أ تدري ما كان سبب دخولنا في هذا الأمر و معرفتنا به و ما كان عندنا منه ذكر و لا معرفة شي ء مما عند الناس؟

قال: قلت له: ما ذاك؟ قال: ان أبا جعفر يعني أبا الدوانيق، قال لأبي محمد بن الأشعث: يا محمد ابغ لي رجلا له عقل يؤدي عنّي، فقال لي أبي: قد أصبته لك، هذا فلان بن مهاجر خالي، قال: فأتنى به، قال: فأتيته بخالي، فقال له أبو جعفر: يا ابن مهاجر خذ هذا المال و ائت المدينة، و آت عبد اللّٰه ابن الحسن بن الحسن و عدة من أهل بيته فيهم جعفر بن محمد فقل لهم: انى رجل غريب من أهل خراسان و بها شيعة من شيعتكم وجّهوا إليكم بهذا المال، و ادفع الى كل واحد منهم على شرط كذا و كذا فإذا قبضوا المال فقل: انى رسول أحب ان تكون معى خطوطكم بقبضكم ما قبضتم.

فأخذ المال و اتى المدينة فرجع الى أبي الدوانيق و محمد بن الأشعث عنده، فقال له أبو الدوانيق: ما وراك؟ فقال: أتيت القوم و هذه خطوطهم بقبضهم المال خلا جعفر بن محمد، فإنّي أتيته و هو يصلى في مسجد الرسول صلى اللّٰه عليه و آله فجلست خلفه و قلت: ينصرف فاذكر له ما ذكرت لأصحابه، فعجّل و انصرف ثم التفت الىّ فقال: يا هذا اتّق اللّٰه و لا تغرّ أهل بيت محمّد (ص) فإنهم قريبوا العهد من دولة بني مروان و كلهم محتاج، فقلت: و ما ذاك أصلحك اللّٰه؟ قال: فأدنى رأسه منّى و أخبرني بجميع ما جرى بيني و بينك حتى كأنه كان ثالثا.

فقال له أبو جعفر: يا ابن مهاجر: اعلم انه ليس من أهل بيت النبوة الا و فيه محدث و ان جعفر بن محمد محدثنا اليوم.

فكانت هذه الدلالة سبب قولنا بهذه المقالة. و يروى هذا الكتاب جماعة منهم

هارون بن موسى التلعكبري، و قد نقل ان أباه قد أخذ الإجازة عن محمد بن محمد بن الأشعث لرواية هذا الكتاب، و منهم الخطيب البغدادي، و كيف كان تصلح روايات هذا الكتاب مؤيدا، و اما كونها حجة مستقلا، فمشكل، منه دام ظلّه العالي.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 301

و هو في ثوب نجس فلم يذكره الّا بعد فراغه ليعيد صلاته «1».

و هو أظهر من إطلاق من سائر الروايات.

و يدل على المطلوب روايات كثيرة واردة في موارد مخصوصة من النجاسات كالبول و الدم و المنى و الغائط، لا حاجة الى نقلها، فلا إشكال في أصل المسألة.

هنا فروع
(الأول): هل تشمل الاخبار الثوب الذي يجرّ على الأرض؟

وجهان لا يبعد ان يقال بالرجوع الى المتعارف، فان كان المقدار الزائد بحيث لا يصدق عليه انه ثوبه و ملابسه و صلى فيه و لا يصدق باعتباره انه يصلى فيه كما استظهرنا من رواية زرارة، فلا إشكال في عدم الفساد.

و ان كان يصدق عليه انه صلى فيه أو انه ملابس و انه طاهر فالأظهر وجوب الاجتناب.

(الثاني): فيما يلقى المريض، فوقه أو تحته، يشترط طهارته أم لا؟

الظاهر انه ان كان بحيث لا يكون له ساتر سواه حكمه حكم اللباس و الا ففي شمول الحكم له تأمل، و يرجع في الموارد المشكوكة إلى أصالة عدم الاشتراط.

(الثالث): قد استثنى الفقهاء من اعتبار الطهارة في اللباس ما لا تتم فيه الصلاة منفردا،

فحكموا بعدم اشتراط الطهارة فيه، و قد

______________________________

(1) المستدرك ج 1 طبع أول باب 32 حديث 1 من أبواب النجاسات و في هامشه- عند قوله: (ليعيد): لعله مصحّف ليعد بصيغة الأمر.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 302

ورد به روايات «1» أيضا.

فالنص و الفتوى متطابقان و لكن في الفقه المنسوب الى مولانا الرضا عليه السلام عدّ العمامة منها، و كذا أفتى ابن بابويه في المقنع و الهداية باستثنائه.

و شموله لمثله متوقف على بيان ما أريد من الروايات الواردة في هذا الاستثناء.

فنقول: يحتمل فيه وجوه:

(الأول): كون المراد ما كان بهيئته و مادته غير قابل لان يكون ساترا باعتبار كونه قصيرا بحيث لو اخرج من هذه الهيئة و جعل على هيئات أخر لا يكون ساترا أيضا.

(الثاني): كون معناه انه بهيئته الفعلية لا يكون قابلا للستر باعتبار أنه أعد لمواضع لا يكون بحسب المتعارف ساترا للعورة و لو على سبيل البدلية كالقميص الطويل و الجبة و القباء كذلك و نحوها مع فرض لبسها جميعا بحيث يكون ساترا شأنا.

(الثالث): عدم تمامية الصلاة مع حفظ هيئتها الفعلية و الشأنية بحيث لو غيّرها عن مكانها، بان جعل الجورب مثلا ساترا، لم يكن كافيا في الستر اللازم.

(فعلى الأوّلين): يخرج العمامة، بخلاف الثالث.

و لا بأس بنقل الاخبار لينظر الناظر، فنقول:

قد روى الشيخ بإسناده، عن محمد بن على بن محبوب، عن محمد بن الحسن بن أبي الخطاب، عن على بن أسباط، عن على بن عقبة

________________________________________

بروجردى، آقا حسين طباطبايى، تقرير بحث السيد البروجردي، 2 جلد،

دفتر انتشارات اسلامى وابسته به جامعه مدرسين حوزه علميه قم، قم - ايران، اول، 1416 ه ق

تقرير بحث السيد البروجردي؛ ج 1، ص: 302

______________________________

(1) تأتى عن قريب إن شاء اللّٰه تعالى.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 303

عن زرارة، عن أحدهما، قال: كل ما لا تجوز الصلاة فيه وحده فلا بأس بأن يكون عليه الشي ء مثل القلنسوة و التكة و الجورب «1».

و بإسناده، عن سعد بن عبد اللّٰه، عن محمد بن الحسين، عن أيوب بن نوح، عن صفوان بن يحيى و عن محمد بن يحيى الصيرفي عن حماد بن عثمان، عمن رواه، عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام في الرجل يصلى في الخف الذي قد اصابه القذر فقال: إذا كان مما لا تتم فيه الصلاة فلا بأس «2».

و عن سعد، عن الحسن بن على، عن عبد اللّٰه بن المغيرة، عن الحسن بن موسى الخشاب، عن على بن أسباط، عن ابن أبي ليلى عمن حدثهم، عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام قال: لا بأس بالصلاة في الشي ء الذي لا تجوز الصلاة فيه وحده يصيبه القذر مثل القلنسوة و التكة و الجورب «3» و عن المفيد، عن محمد بن احمد بن داود، عن أبيه، عن على ابن الحسين (الحسن، خ ل يب) «4» و محمد بن يحيى، عن محمد ابن احمد بن يحيى، عن العباس بن معروف أو غيره، عن عبد الرحمن بن أبي نجران، عن عبد اللّٰه بن سنان، عمن أخبره، عن أبي عبد اللّٰه

______________________________

(1) الوسائل باب 31 حديث 1 من أبواب النجاسات. ج 2 ص 1045.

(2) الوسائل باب 32 حديث 2 من أبواب النجاسات ج 2 ص 1045.

(3) المصدر، الحديث 3، ص 1046.

(4) يحتمل

قويا ان يكون السند هكذا: عن على بن الحسين و احمد ابن محمد بن يحيى عن محمد بن يحيى، لان المراد من (على بن الحسين) هو الصدوق الأول، و هو يروى غالبا مع احمد بن محمد بن يحيى، لا مع محمد بن يحيى، فراجع كتب الرجال (منه، دام ظله).

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 304

عليه السلام انه قال: كل ما كان على الإنسان أو معه مما لا تجوز الصلاة فيه وحده فلا بأس ان يصلى فيه و ان كان فيه قذر، مثل القلنسوة و التكة و الكمرة «1» و النعل و الخفين و ما أشبه ذلك «2».

و لا يخفى بعد الاحتمال الأول من الاحتمالات المتقدمة فيبقى الاحتمالان الآخران.

(الرابع): هل يستثنى المحمول منه أيضا- بناء على المنع من المحمول في غير هذا المقام- أم يختص الاستثناء بغيره مما كان لباسا مما لا تتم؟ وجهان، بل قولان.

فان قلنا: ان أدلة اعتبار الطهارة لا تشمل المحمول أصلا فلا كلام و ان قلنا بشمولها له فخروج ما لا تتم منه منفردا يحتاج الى دليل، فاللازم صرف الكلام الى بيان شمول الأدلة لها، ثم بيان ان ما لا يتم هل هو خارج أم لا؟

فنقول يمكن ان يستدل للشمول بأمور:

(الأول): قوله عليه السلام في رواية زرارة: (كنت على يقين من طهارتك فشككت) «3» فإنه يدل على ان المعتبر في الصلاة طهارة المصلى و لما لم يكن المراد من الحدث و هي الطهارة الروحية فلا بد ان يكون المراد الخبثية و هي الطهارة الجسمية و الثوبية

______________________________

(1) هي الحفاظ (الى ان قال): و في كلام بعض اللغويين: الكمرة كيس يأخذها صاحب السلس (مجمع البحرين).

(2) الوسائل باب 31 حديث 5 من أبواب

النجاسات ج 2 ص 1046.

(3) الوسائل باب 41 قطعة من حديث 1 من أبواب النجاسات ج 2 ص 1062.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 305

فنسبة الطهارة إليه باعتبار أحدهما، و لا شبهة في ان صدق هذه النسبة في اللباس باعتبار كونه ملابسا له، و هذا لا يفرق فيه بين ان يكون ملبوسا فعليا أم محمولا.

(الثاني): إلغاء الخصوصية بمعنى ان العرف بعد بيان الشارع أن المعتبر عدم استصحاب النجاسة لا يفرقون بين اللباس و غيره.

(الثالث): مرسلة عبد اللّٰه بن سنان المتقدمة، فإنها حاكمة على أدلة اعتبار الطهارة بمعنى انها ظاهرة فيها و فيها استثناء كل ما كان على الإنسان أو معه، الى آخره.

و قد يقال: ان هنا وجها رابعا، و هو الاخبار الدالة على عدم جواز الصلاة في النجس و الظرفية المستفاد من لفظة (في) تصدق في الملبوس أيضا، مثل الأخبار الدالة على عدم جواز الصلاة في النجس معللا بأنه نجس، و هي و ان لم تكن معمولة عليها في موردها الا انها تدل على الطهارة في الصلاة، و هو انه صلى فيه، و لا بأس به.

و قد يتوهم بكون الروايات الدالة على جواز الصلاة في المنديل الذي تمندل به غيره إذا كان نجسا مؤيدة لإطلاق الصلاة فيه في «1».

و فيه عدم دلالتها على المدعى لظهور كون التمندل بمعنى جعله قياسا قابلا لان يكون ساترا و يشهد على ذلك ما رواه عبد اللّٰه بن سنان عمن أخبره.

______________________________

(1) هكذا في النسخة الأصلية التي كنت قد قررت ما أفاده مد ظله.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 306

فالوجوه الأربعة و ان لم تكن كلها تامة الّا ان بعضها كاف في الاستدلال، و لا سيما الأوّل، أعني فهم

العموم من أدلة اعتبار الطهارة و لعله لذا أفتى جماعة بوجوب الاجتناب عن المحمول النجس في الصلاة، بل يظهر من بعض الفقهاء ان عموم الأدلة كان مركوزا في أذهانهم و لم يحتملوا خلافه.

قال محمد بن إدريس في السرائر، بعد ذكر اشتراط الطهارة في لباس المصلى: و ما لا يتم الصلاة من جميع الملابس و ما ينطلق عليه اسم المكتوب منفردا كالتكة و الجورب بفتح الجيم و القلنسوة بفتح القاف و اللام و ضم الشين، و الخف و النعل و الخاتم و الدملج بضم الدال و اللام و الخلخال و المنطقة، و غير ذلك مثل السيف و السكين، يجوز الصلاة فيه و ان كان عليه نجاسة، و اما ما لا يكون ملبوسا و لا ينطلق عليه اسم الملبوس عليه لا يجوز الصلاة فيه إذا كان فيه نجاسة لأنه يكون حاملا للنجاسة، و الأوّل خرج بالإجماع من الفرقة على ذلك (انتهى).

فانظر كيف حكم أولا باشتراط الطهارة و خروج ما لا تتم ثانيا، و بقاء ذلك الاشتراط تحت أدلة الاعتبار ثالثا، مستدلا للثالث بان خروج ما لا تتم من الملبوس بالإجماع و لا إجماع بالنسبة إلى غيره.

فيعلم منه ان شمول الأدلة لمطلق حمل النجاسة كان مفروغا عنه عنده، غاية الأمر دليل المخصص و هو الإجماع قاصر عن إخراج مطلق المحمول.

و الغرض من نقل كلام ابن إدريس، دفع الاستبعاد عن شمول الأدلة لمطلق المحمول.

فقد ظهر ان الأحوط هو الاجتناب، لكن هذا بالنسبة إلى أصل

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 307

المسألة في الجملة.

و اما خروج ما لا تتم فيه الصلاة و عدمه، فنقول: ان تمسكنا في شمول الأدلة للمحمول بمرسلة عبد اللّٰه بن سنان المتقدمة، فخروجه واضح لأنها

تدل منطوقا صريحا على عدم البأس فيه.

و ان تمسكنا بالوجوه الأخر، فالظاهر انه كذلك على بعض الوجوه المتقدمة في المراد مما لا تتم، فان الشارع بعد ما حكم بعدم البأس في المحمول، نستفيد منه ان عنوان كون المصلى طاهرا غير معتبر بالنسبة الى ما لا تتم فلا يفرق حينئذ بين المحمول و غيره.

بل يمكن ان يقال: خروج المحمول بطريق أولى لقوة صدق الملابسة في مثل التكة و الجورب و القلنسوة، و كذا فهم العرف من إخراج ما لا تتم، خروج المحمول أيضا.

نعم لو قلنا: ان المراد مما لا تتم كونه بحيث لو غير عن موضعه المعين له بحسب المتعارف لم يكن ساترا أيضا، يشكل في المحمول الذي يتم فيه الصلاة كالقميص العربي أو القباء الملفوف الموضوع في جيبه.

و كيف كان فخروج المحمول الذي تتم فيه الصلاة محل تأمل.

مسألة لو شك في طهارة شي ء و نجاسته،
اشارة

فلو كان أحدهما مسبوقا بالطهارة أو النجاسة حكم بها، و لو لم يكن مسبوقا بأحدهما حكم بالطهارة بمقتضى أصالة الطهارة، فلو صلى مع الشك في الطهارة و كان وظيفته الحكم بها اما للاستصحاب أو لقاعدة الطهارة يكون صلاته

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 308

صحيحة مسقطة للقضاء و الإعادة.

و لو انكشف الخلاف بأن بأن نجاسة الثوب مثلا، فاما ان يكون الصلاة، أو في أثنائها، و على التقديرين، اما ان يكشف عن وجود نجاسة سابقة عليها أو حادثة في أثنائها أو بعدها.

نعم حدوث النجاسة بعدها لا يكون موضوعا للأثر بالنسبة إلى الصلاة التي صلاها.

و كيف كان، فمع قطع النظر عن الاخبار، مقتضى القاعدة هو الاجزاء إذا انكشف الخلاف بعدها، لما قررنا في الأصول و لا بأس بالإشارة إليه إجمالا.

فنقول: قد عنون غير واحد من المعاصرين موضوع بحث

مسألة الاجزاء بما لا يخلو عن إشكال، فإنه يظهر منهم ان هنا أوامر ثلاثة:

أحدهما: الأمر الواقعي الأولي.

ثانيهما: الأمر الواقعي الثانوي المعبر عنه بالظاهرى.

ثالثها: الأمر الاضطراري.

ثم ذكروا عدم الشبهة في كفاية كل واحد من الأوامر عن نفسه ثم قالوا: هل يجزى الأمر الظاهري و الاضطراري عن الواقعي أم لا؟ و جعلوا مقتضى القاعدة عدم الاجزاء في الأصول الظاهرية دون الأمارات مدعين الفرق بينهما بأن الأول ناظر الى تعين الوظيفة الفعلية دون الثاني، لأنه ناظر الى الواقع، فعندهم ان مقتضى القاعدة عدم الاجزاء في الأول الا ان يدل دليل على خلافه كما سيأتي إن شاء اللّٰه تعالى ذكر الاخبار، هذا.

و لكن لا يخفى على المتأمل في أدلة الأصول و الأمارات انه ليس

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 309

هنا أوامر متعددة، بل الأمر الواحد تعلق بإتيان نفس طبيعة الصلاة و غيرها من الأمور المأمور بها، غاية الأمر يختلف الامتثال حسب اختلاف حال المكلفين، فمن كان منهم عالما بوجود الموانع أو عدم الشرائط لا يكون ممتثلا الا بإعدام الأول و إتيان الثاني.

و من كان جاهلا فكل مورد جعل الشارع أصلا من الأصول لإحرازها و عدمه أو جعل الأمارة حجة كذلك نكشف ان امتثاله كذلك و ان المأتي به بعد مراعاة الأصول و الأمارات فرد من افراد المأمور لا انه لم يأت بالمأمور به مع كونه معذورا كيف يلتزم بان قول على عليه السلام- على ما في بعض الروايات-: لا أبالي أبول أصابني أم ماء إذا لم اعلم «1» دال على انى لا أبالي أصلي أم لم أصل، إذا لم اعلم بل ظاهره في انه في صورة عدم العلم بالنجاسة آت بالمأمور به و لو كانت في الواقع

موجودة.

و بالجملة ظواهر أدلة اعتبار الأصول و الأمارات هو كون الآتي بالعمل مع اجزائها آتيا بالمأمور به في صورة عدم كشف الخلاف، فلو كان في صورة كشفه لم يأت بالمأمور به للزم ان يقيد موضوع الأصول و الأمارات و هو الشك بصورة عدم الكشف، بعني عدم جواز إجرائها إلا بعد إحراز الموضوع، و هو الشك الغير المنكشف خلافه.

فحينئذ لا يمكن لك إجراء الأصل أصلا، لعدم إمكان إحراز هذا الموضوع، و مجرد الفرق بين نفس الأصول و الأمارات لا يوجب فرقا بين أدلة اعتبارها بعد اتحاد لسانها من الأدلة اللفظية ان كانت و بناء العقلاء الذي هو العمدة.

______________________________

(1) الوسائل باب 37 حديث 5 من أبواب الجنابة ج 2 ص 1054.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 310

فتحصل ان الحكم بمقتضى القاعدة في الفروع المذكورة هو الصحة.

هذا مضافا الى الاخبار الواردة في المقام، مثل ما رواه محمد بن يعقوب الكليني رحمه اللّٰه، عن محمد بن يحيى، عن احمد بن محمد عن على بن الحكم، عن العلاء، عن محمد بن مسلم، عن أحدهما عليهما السلام، قال: سألته عن الرجل يرى في ثوب أخيه دما و هو يصلى؟

قال: لا يؤذيه حتى ينصرف «1».

دلت على ان المصلى الغير العالم بنجاسة ثوبه لا حزازة في صلاته توجب بطلانه، و الا الأولى إرشاده بها لا تركه حتى ينصرف.

و عن على بن إبراهيم، عن محمد بن عيسى، عن يونس بن عبد الرحمن، عن ابن مسكان، عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام في رجل صلى في ثوب فيه جنابة ركعتين ثم علم به؟ قال: عليه ان يبتدئ الصلاة، قال: و سألته عن رجل يصلى و في ثوبه جنابة حتى يفرغ من

صلاته ثم علم، قال: مضت صلاته و لا شي ء «2».

و عنه، عن أبيه، عن عبد اللّٰه بن المغيرة، عن عبد اللّٰه بن سنان قال: سألت أبا عبد اللّٰه عليه السلام عن رجل اصابه ثوبه جنابة أو دم؟

قال: ان كان قد علم انه أصاب ثوبه جنابة أو دم قبل ان يصلى ثم صلى فيه و لم يغسله فعليه ان يعيد ما صلى و ان كان لم يعلم به فليس عليه اعادة، و ان كان يرى أنه اصابه شي ء فنظر فلم ير شيئا أجزأه ان ينضحه بالماء «3».

______________________________

(1) الوسائل باب 40 حديث 1 من أبواب الجنابة ج 2 ص 1059.

(2) المصدر، الحديث 2.

(3) المصدر، الحديث 3.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 311

و ما رواه الشيخ الطوسي رحمه اللّٰه، بإسناده، عن على بن مهزيار عن فضالة، عن ابان، عن عبد الرحمن بن أبي عبد اللّٰه، قال: سألت أبا عبد اللّٰه عليه السلام عن الرجل يصلى و في ثوبه عذره من إنسان أو سنور أو كلب، أ يعيد صلاته؟ قال: ان كان لم يعلم فلا يعيد «1».

و في هذه الرواية إشارة إلى ان أجزاء غير المأكول لحمه أيضا لا يوجب استصحابها جهلا بطلان الصلاة.

و عنه، عن صفوان، عن العيص بن القاسم، قال: سألت أبا عبد اللّٰه عليه السلام عن رجل صلى في ثوب رجل أياما، ثم ان صاحب الثوب أخبره انه لا يصلى فيه، قال: لا يعيد شيئا من صلاته «2».

و فيهما إشارة الى أن اخبار ذي اليد أيضا حكمة حكم العلم بالنجاسة في عدم وجوب الإعادة.

و بإسناده، عن الحسين بن سعيد، عن ابن سنان، عن أبي بصير قال: ان أصاب ثوب الرجل الدم فصلى فيه، و هو

لا يعلم فلا اعادة عليه و ان هو علم قبل ان يصلى فنسي و صلى فيه، فعليه الإعادة «3».

و عنه، عن حماد، عن حريز، عن محمد بن مسلم، عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام، قال: ذكر المنى فشدده فجعله أشد من البول، ثم قال:

ان رأيت قبل أو بعد ما تدخل في الصلاة فعليك إعادة الصلاة، و ان أنت نظرت في ثوبك فلم تصبه و صليت فيه ثم رأيته بعد ذلك فلا اعادة عليك، فكذلك البول «4»، و غيرها من الاخبار.

______________________________

(1) الوسائل باب 40 حديث 5 من أبواب الجنابة ج 2 ص 1060.

(2) المصدر، الحديث 6.

(3) المصدر، الحديث 7.

(4) الوسائل باب 41 حديث 2 من أبواب الجنابة ج 2 ص 1062.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 312

نعم هنا روايات،

ظاهرها التعارض بينها و بين ما تقدم.

(إحداها): ما رواه الشيخ رحمه اللّٰه بإسناده، عن سعد بن عبد اللّٰه، عن محمد بن الحسين، عن ابن أبي عمير، عن وهب بن عبد ربه عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام في الجنابة تصيب الثوب و لا يعلم به صاحبه فيصلى فيه ثم يعلم بعد ذلك؟ قال: يعيد إذا لم يكن علم «1».

(ثانيها): ما رواه الكليني رحمه اللّٰه، عن محمد بن يحيى، عن الحسن بن على بن عبد اللّٰه بن المغيرة، عن عبد اللّٰه بن جبلة، عن سيف بن عميرة، عن ميمون الصيقل «2»، عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام قال: قلت له: رجل أصابته جنابة بالليل فاغتسل، فلما أصبح نظر فإذا في ثوبه جنابة؟ فقال: الحمد للّٰه الذي لم يدع شيئا الا و له حد، ان كان حين قام نظر فلم ير شيئا فلا اعادة، و ان كان حين قام لم

ينظر فعليه الإعادة «3».

(ثالثها): ما رواه الشيخ رحمه اللّٰه، بإسناده، عن محمد بن الحسن الصفار، عن محمد بن الحسين، عن وهب بن جعفر (حفص، خ ل) عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام، قال: سألته عن رجل صلى

______________________________

(1) الوسائل باب 49 حديث 8 من أبواب الجنابة ج 2 ص؟؟؟؟

(2) لا يخفى ان ما وجدناه في نسخة الكافي، هو منصور بن عبد اللّٰه الصيقل لا ميمون، نعم ذكر الشيخ في رجاله: منصور بن الوليد الصيقل و لم نجد في الروايات الا ميمون البان، و توهم كون منصور هذا ضعيفا مدفوع بأنه قد أكثر الروايات عن المشايخ، و قد كثر رواية المشايخ عنه كصفوان بن يحيى و عبد اللّٰه بن سنان، و علقمة بن محمد و غيرهم، و هو من الأمور التي توجب الوثوق بالراوي و لا يخفى أيضا ان نسخة الوسائل:

محمد بن يحيى عن الحسين بن على بن عبد اللّٰه بن جبلة، و هو سهو من الناسخ بل الصحيح ما ذكرناه لعدم وجود هذا الاسم بين الرواة و كلمه (بن) مصحفة (عن)، منه دام ظله العالي.

(3) الوسائل باب 41 حديث 5 من أبواب الجنابة ج 2 ص 1062.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 313

و في ثوبه بول أو جنابة؟ فقال: علم به أو لم يعلم فعليه الإعادة (إعادة الصلاة، ئل) إذا علم «1».

و لكن لا يخفى عدم مقاومة هذه الاخبار للأخبار المتقدمة المشهورة فتوى و رواية، و عدم القائل بها بقول مطلق.

نعم هنا قول بالتفصيل استنادا إلى رواية ميمون و محمد بن مسلم المتقدمتين، و سيأتي إن شاء اللّٰه عدم تماميته، مضافا الى اضطراب الاولى متنا باعتبار عدم مناسبة وجوب الإعادة لقوله:

(إذا لم يكن علم) فان تقييده بالعلم اولى فالمظنون بالظن القوى بل الوثوق إسقاط كلمه (لا) قبل قوله عليه السلام (و يعيد)، و ضعف الثالثة «2» بوهب بن حفص بكونه مرميا بالغلو، و قلة رواياته في كتب الاخبار و قلة من يروى عنه و يروى غيره عنه الا عن أبي بصير.

هذا مضافا الى إمكان الجمع بحملها على الاستحباب، و لا يشكل في الأخيرة «3» باستلزام استعمال اللفظ في أكثر من معنى، لإرادة الوجوب إذا علم و عدم الوجوب إذا لم يعلم، لأنا قد بينا هنا و سابقا و قررنا في الأصول ان أدلة الأوامر بما انها فعل صادر من المولى دالة على مطلوبية المتعلق ما لم يصرح على خلافه فاستعمل قوله (ع) (فعليه الإعادة) في ان الإعادة مطلوبة مطلقا و علم من دليل آخر عدم لزومها في فرض عدم العلم.

و على تقدير التعارض لا شبهة في تقديم الأخبار المستفيضة لشهرتها رواية و فتوى.

و قد يوجه رواية وهب بن عبد ربه «4» بان معنى قوله عليه السلام:

______________________________

(1) الوسائل باب 40 حديث 9 من أبواب الجنابة ج 2 ص 1061.

(2) يعنى خبر أبي بصير المتقدم.

(3) يعني رواية وهب.

(4) الوسائل باب 39 حديث 8 من أبواب الجنابة، كما تقدم.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 314

(إذا لم يكن علم) انه لم يكن علم بالجنابة فيجب حينئذ إعادة الصلاة باعتبار كون صلاته واقعة مع الحدث، بخلاف ما إذا كان عالما بها فحينئذ لا محالة يغتسل، فصلاته من هذه الحيثية لا بأس بها.

و قد يوجّه خبر أبي بصير أيضا بحمل قوله عليه السلام: علم أو لم يعلم) «1» على الاستفهام، و قوله عليه السلام: (فعليه الإعادة إذا علم) «2» على

بيان الحكم، و لا بأس بهما في مقام الجمع.

و قد يشكل بعدم حجية الخبرين فلا يحتاج الى الجمع أصلا.

و كيف كان فلا إشكال في أصل المسألة و عدم وجوب الإعادة مطلقا لتقدم اخبار عدم وجوب الإعادة على ما دل على وجوبها على تقدير تسليم السند و الدلالة.

(ان قلت): ان بين رواية ميمون (منصور، ظ) الصيقل و الروايات المتقدمة عموما من وجه، فإن الأولى دالة على وجوب الاولى سواء كان في مورد علم بالنجاسة أم لا، و الروايات الأخر دالة على عدم وجوب الإعادة سواء كان في مورد علم بالنجاسة و غسلها أم لا، ففي مورد العلم بها مع فرض غسله ثوبه مع عدم التفحص بعد الغسل ثم بان بقائها يجتمعان، فمن حيث انه لم يتفحص تجب و من حيث انه لم يعلم لا تجب عليه الإعادة، فمقتضى القاعدة هو العمل بمقتضى قاعدة التعارض.

(قلت): و ان كان الأمر كما ذكرت الا ان في مورد الرواية خصوصية يمكن ان يقال باعتبارها بالإعادة، و هو ان المتعارف في ثوب يصيبه الجنابة انه لو تفحص المنى لوجده، و هذا المقدار من

______________________________

(1) الوسائل باب 40 حديث 9 من أبواب الجنابة كما تقدم.

(2) المصدر، الحديث 7، كما تقدم.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 315

التفحص يمكن ان يقال في مثل هذا المورد الذي علم بوقوع الجنابة بوجوبه، ففي غير هذا المورد يعمل بعمومات الرواية.

فرع لو علم بالنجاسة و غسلها و صلى ثم بان له انها باقية، فهل يجب عليه إعادة الصلاة أم لا؟
قد يقال: بعدم وجوبها،

فان كان الدليل رواية ميمون (منصور- ظ) المتقدمة باعتبار التفصيل الواقع بين الفحص و عدمه بالحكم بها في الثاني دون الأول، فبإطلاقه يشمل ما لو علم بالنجاسة و تفحص ثم بان له بقاء النجاسة.

ففيه مع ان القائل بعدم وجوب الإعادة لا يقول بهذا التفصيل- انه قد

مرّ انّ موردها يقتضي وجوبها في صورة عدم الفحص باعتبار أصابه الجنابة ثوبه ليلا بمعنى ان من لم يتفحص في النجاسة بعد العلم بتحققها ثم صلى فبان وجودها لم يجب عليه الإعادة، لا انه من غسل ثوبه و حصل له العلم بطهارته فبان انه كان جهلا مركبا فلا تكون الرواية دليلا على الحكم.

و قد يقال: بدلالة رواية ميسر بن عبد العزيز

«1» و هي ما رواه الكليني رحمه اللّٰه، عن على بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير

______________________________

(1) لا يخفى ان الحكم بضعف ميسر بن عبد العزيز ضعيف، لأن الكشي نقل عن ابن فضال، عن ابن مسعود العياشي، انه نقل عن على.

ابن الحسن بن فضال ان ميسر بن عبد العزيز ثقة، و قد قال العياشي على نقل الكشي: انى لم أجد في خراسان و سمنان أفضل من حسن بن على بن فضال و قد روى الكشي في ترجمة عبد اللّٰه بن عجلان بمناسبة انهما يرويان معا عن المعصوم عليه السلام ما يدل على حسن تشيعه و ثبات قدمه، مثل ما رواه عن جعفر بن محمد، قال: حدثني على بن الحسن بن فضال، عن أخويه محمد و احمد، عن أبيه، عن ابن بكير عن ميسر بن عبد العزيز، قال: قالى لي أبو عبد اللّٰه عليه السلام: رأيت كأني على رأس جبل فيجي ء الناس فيركبونه فإذا كثروا عليه تطاول بهم في في السماء و جعل الناس يتساقطون من كل جانب فيجي ء الناس فيركبونه فإذا كثروا تصاعد بهم فيشترون عنه فيسقطون فلم يبق معي الا عصابة يسيرة أنت منهم و صاحبك الأحمر- يعني عبد اللّٰه بن عجلان- و قريب منها رواية أخرى، و مثل ما روى عن ابن مسعود، قال حدثنا عبد اللّٰه بن

محمد بن خالد، قال حدثنا الوشاء، عن بعض أصحابنا، عن ميسر، عن أحدهما عليهما السلام، قال: قال لي: يا ميسر، انى لا ظنك وصولا لقرابتك قلت: نعم جعلت فداك، لقد كنت في السوق و انا غلام و أجرتي درهمان و كنت اعطى واحدا عمتي، و واحدا خالتي، فقال: اما و اللّٰه لقد حضر أجلك مرتين كل ذلك يؤخر.

و في أخرى: دخلنا على أبي جعفر عليه السلام و نحن جماعة فذكروا صلة الرحم و القرابة، فقال أبو جعفر عليه السلام: يا ميسر اما انه قد حضر أجلك غير مرة كل ذلك يؤخر اللّٰه بصلتك قرابتك.

دلت على انه كان وصولا لرحمه أيضا، فالرجل موثوق به، هذا مضافا الى ضميمة رواية جمع من المشايخ عنه، فراجع، منه دام ظله.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 316

عن معاوية بن عمار، عن ميسر بن عبد العزيز، قال: قلت لأبي عبد اللّٰه عليه السلام: آمر الجارية فتغسل ثوبي من المنى، فلا تبالغ في غسله فأصلي فيه، فإذا هو يابس؟ قال: أعد صلاتك، اما انك لو كنت غسلت

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 317

أنت لم يكن عليك شي ء «1».

دلت بظاهرها على انه لو غسله و تيقن بطهارة ثوبه لم يجب الإعادة مطلقا سواء انكشف الخلاف أم لا.

و فيه- مضافا الى ان القائل بوجوب الإعادة لا يفرق بين أخبار ذي اليد أو غسله بنفسه- لا دلالة فيها ظاهرة على المدعى.

فان قوله عليه السلام: اما انك، الى آخره، يحتمل وجهين لا جامع بينهما:

(اما) انه عليه السلام في مقام الإرشاد و بيان ان الاولى ان المكلف يتحمل بنفسه الأمور الموضوعة للآثار الشرعية و لا يكله الى غيره فإنه لو أقدم بنفسه لكان مبالغا

في تطهيره حتى يطهّره واقعا فلا يكلف ثانيا بالإعادة باعتبار إزالته النجاسة واقعا.

(و اما) انه عليه السلام في مقام بيان الحكم بأنه فرق بين كشف الخلاف بعد غسل الجارية و بينه بعد غسل نفسه، بعدم وجوب الإعادة في الثاني و وجوبها في الأول.

(فعلى الاحتمال الأول): لا دلالة لها على حكم مفروض المسألة ابدا.

(و على الثاني): يمكن ان يقال بدلالتها حينئذ، الا انه ليس بأولى من الأول، بل قول الراوي: (و لم تبالغ) يؤيد الأول.

______________________________

(1) راجع الوسائل، باب 18 حديث 1، من أبواب النجاسات ج 2 ص 1024.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 318

هذا مضافا الى ان القاعدة تقتضي العكس، فان في الأول أخبار ذي اليد، و معه حكم ظاهري يقتضي الاجزاء، بخلاف قطعه بنفسه فإن القاعدة تقتضي لزوم الإعادة، لعدم إتيانه بالمأمور به الواقعي و لا بمقتضى الدليل الظاهري.

و بالجملة مقتضى الأدلة المفصلة بين صورة مسبوقية العلم بحصولها في الثواب و عدمها كما تقدم ذكرها وجوب الإعادة فإن المفروض كونه عالما بها قبل الصلاة و كان علمه جهلا مركبا، و مجرد الحالة النفسانية الغير المطابقة للواقع لا يوجب تغيّر حكم النجاسة الذي هو مانعيتها عن صحة الصلاة إذا علم سابقا.

و الحاصل انه يستفاد من الأدلة كون العلم بها موجبا لبطلان الصلاة سواء صلى عامدا أو ناسيا أو جاهلا بالجهل المركب.

نعم لو لم يعلم بها أصلا ثم علم بها بعدها لا يكون وجودها الواقعي مبطلا.

فالأقوى في الفرع المذكور هو البطلان، نعم لو أخبر ذو اليد بطهارته ثم انكشف، يمكن ان يقال: بعدم وجوب الإعادة بمقتضى قاعدة الإجزاء، لكنه محل تأمل، فالأحوط الإعادة في هذه الصورة أيضا لمكان هذه الرواية.

هنا قولان آخران
اشارة

في أصل المسألة مع قطع النظر

عن هذا الفرع:

(أحدهما): التفصيل بين الوقت و خارجه،

و يظهر من المحقق

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 319

رحمه اللّٰه وجود هذا القول بين القدماء حيث قال- بعد قوله: بعدم وجوب الإعادة-: و قيل: يعيد في الوقت، و الأول أظهر.

و لا دليل لهذا القول الا توهم دلالة روايتين:

إحداهما: رواية وهب بن عبد اللّٰه المتقدمة «1».

ثانيهما: روايتي أبي بصير و محمد بن مسلم المتقدمتين «2» بعد حملهما على كون العلم في الوقت من باب القدر المتيقن بمعنى ان روايات عدم وجوب الإعادة و ان كانت مطلقة الا انها لو كانت هاتان الروايتان مقيدتين لها، فالقدر المتيقن من التقييد ما إذا لم يكشف في الوقت، بل إذا انكشف بعد خروجه و هما أيضا و ان كانتا مطلقتين الا انه لو كان لهما مقيد لكان مقيدا بهما بما إذا انكشف في الوقت فيؤخذ بالقدر المتيقن من كل منهما، و هو كون الانكشاف في خارج الوقت، في روايات عدم وجوب الإعادة، و في الوقت، في روايات وجوبها.

نظير ما وجه به الشيخ الأنصاري رحمه اللّٰه كلام الشيخ الطوسي رحمه اللّٰه في مسألة حرمة بيع العذرة حيث ان مفاد بعض الروايات عدم البأس ببيعها و بعضها الآخر الحكم بكون ثمنها سحتا، بحمل الاولى على عذرة غير المأكول و الثانية على المأكول.

(و فيه): انه لا شاهد لهذا الجمع في الروايات.

(ثانيهما): التفصيل بين التفحص و عدمه

بوجوب الإعادة في الثاني دون الأول، و هذا القول لم يكن بين القدماء، بل نشأ بين المتأخرين، استنادا إلى رواية منصور المتقدمة حيث فصل فيها بقوله

______________________________

(1) الوسائل باب 40 حديث 8 من أبواب النجاسات ج 2 ص 1060.

(2) المصدر، الحديث 1- 2، ص 1059.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 320

عليه السلام: (ان كان حين قام نظر فلم

ير شيئا فلا اعادة عليه، و ان كان حين قام لم ينظر فعليه الإعادة) «1» و قد تقدم ان لموردها خصوصية يمكن ان يقال معها بالإعادة.

و الى رواية محمد بن مسلم المتقدمة، و فيها: (و ان أنت نظرت في ثوبك فلم تصبه و صليت فيه ثم رأيته بعد ذلك فلا اعادة عليك، الى آخره) «2».

و فيه ان الظاهر بيان شقوق المسألة بأنه اما ان يعلم قبل الصلاة أو فيها أو بعدها، ففي الأولين تجب الإعادة دون الأخيرة و ليس لخصوصية النظر دخالة في هذا الحكم و الا يلزم عدم بيان بعض الشقوق، و هو صورة عدم النظر ثم الرؤية، و هو خلاف الظاهر، فلا دلالة فيها أيضا على التفصيل، فالأقوى هو الأول.

هذا كله لو انكشف بعد الصلاة و اما لو انكشف في أثنائها أو علم بها كذلك فهل يجب عليه الاستيناف أم لا؟ فبيانه يحتاج الى ذكر شقوق المسألة، فنقول:

اما ان يعلم ان النجاسة قد عرضت الآن و لم تكن قبل، أو يشك فيها، أو يعلم بأنها كانت من أول الصلاة.

اما الصورة الأولى فنقول: قد وردت روايات في باب دم الرعاف العارض في أثناء الصلاة و قد حكموا عليهم السلام بوجوب الاستيناف ان لم يمكن إلقائه أو تطهيره أو تبديله، و عدمه ان أمكن أحدها، و لا شبهة في عدم خصوصية للدم الخارج من الأنف، بل يشمل كل دم، كما

______________________________

(1) الوسائل باب 41 قطعة من حديث 3 من أبواب النجاسات ج 2 ص 1062.

(2) المصدر، قطعة من حديث 2.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 321

انه لا خصوصية للدم الخارج منه، بل الدم الواقع من الخارج أيضا كذلك لا يبعد إلغاء الخصوصية بالنسبة إلى

الدم أيضا، بل يفهم منه ان النجس بما هو حكمه كذا.

فيقال حينئذ: إذا وقع النجس على ثوبه في أثناء الصلاة و أمكن بأحد الأمور المذكورة «1» رفعها وجب و الّا استأنف.

و مجمل الكلام في هذه المسألة انه ان حصل له العلم بالنجاسة في أثناء الصلاة:

فاما: ان يعلم بحدوثه حين الصلاة.

و اما ان يكون محتمل الوجهين و لا يعلم أحدهما بعينه.

فعلى الأول يحكم بوجوب طرحه أو غسله أو تبديل الثوب ان لم يستلزم فعل المنافي استنادا الى اخبار الرعاف المستفيضة «2» و الا يقطع الصلاة و يغسله ثم يعيد.

و لا يقدح تخلل الأكوان في حال عدم طهارة الثوب اما لأجل أن الصلاة عبارة عن نفس الافعال و الأقوال، و الأكوان الخالية عنهما المتخللة بينهما ليست أجزاء لها، أو لأجل انه و ان قيل: انها عبارة عن الحالة الخضوعية بين يدي الرب جل اسمه ثبوتا، الا انه يكفى في مقام الإثبات لعدم القدح روايات الرعاف، لكن الأظهر هو الأول.

(و على الثاني): يحكم بمقتضى استصحاب الطهارة بصحتهما مضافا الى قاعدة الإجزاء أيضا، ذلك حتى على تقدير كشف الخلاف

______________________________

(1) يعني الإلقاء أو التطهير أو التبديل.

(2) راجع الوسائل باب 2 حديث 4 ص 1244.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 322

بعد الصلاة، و الى الاخبار المتقدمة الدالة على صحتها إذا علم بعد الصلاة بوجود النجاسة قبل الصلاة، بل بطريق أولى، فإنه إذا علم بوجودها في جميع أجزاء الصلاة، و مع ذلك لا يكون قادحا في صحتها ففي صورة الشك بالنسبة إلى بعض الاجزاء بطريق اولى.

(و على الثالث): فمقتضى القاعدة أيضا هو الحكم بالصحة، عملا بمقتضى قاعدة الاجزاء و الاخبار المتقدمة.

لكن صحيحة زرارة التي قد تمسك بها لحجية الاستصحاب قد

تضمنت هذه الصور الثلاث مع ظهورها أو صراحتها في بطلانها في الصورة الثالثة.

و هي ما رواه الشيخ رحمه اللّٰه- في التهذيب- بإسناده، عن الحسين بن سعيد، عن حماد، عن حريز، عن زرارة، قال: قلت:

أصاب ثوبي دم رعاف أو غيره أو شي ء من المني (منى، خ ل) فعلمت أثره الى ان أصيب له من الماء فأصبت و حضرت الصلاة و نسيت ان بثوبي شيئا و صليت ثم انى ذكرت بعد ذلك، قال: تعيد الصلاة و تغسله قلت: فانى لم أكن رأيت موضعه و علمت انه قد اصابه فطلبته فلم اقدر عليه فلما صليت وجدته؟ قال: تغسله و لا تعيد الصلاة.

قلت فلم ذلك؟ قال: لأنك كنت على يقين من طهارتك ثم شككت فليس ينبغي لك ان تنقض اليقين ابدا.

قلت: فانى قد علمت انه قد اصابه و لم أدر أين هو؟ فاغسله؟ قال:

تغسل من ثوبك الناحية التي ترى انه قد اصابه حتى تكون على يقين من طهارتك.

قلت: ان رأيته و انا في الصلاة؟ قال: تنقض الصلاة و تعيد إذا

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 323

شككت في موضع منه ثم رأيته، و ان لم تشك ثم رأيته رطبا قطعت الصلاة و غسلته ثم بنيت الصلاة لعله شي ء أوقع عليك، فليس ينبغي ان تنقض اليقين بالشك «1».

و حاصلها انه سأله عليه السلام عن ست مسائل:

(الأولى): العلم التفصيلي بوقوع النجاسة قبل الصلاة، و موضعها ثم الصلاة نسيانا فحكم عليه السلام ببطلانها.

(الثانية): العلم الإجمالي بعدها فحكم عليه السلام بصحتها معللا بعدم انبغاء نقض اليقين بالشك.

(الثالثة): العلم الإجمالي بموضعه بعد العلم بوقوعه فحكم عليه السلام بوجوب غسل ما يحصل معه اليقين بالطهارة.

(الرابعة): السؤال عن وجوب الفحص في صورة الشك في وقوعها

على ثوبه فأجاب عليه السلام بالعدم.

(الخامسة): العلم بها في الأثناء فأجاب عليه السلام بحكمين على تقديرين:

أحدهما: وجوب الإعادة في صورة الشك ابتداء قبل الصلاة ثم رؤيتها بمعنى حصول العلم بأنه هو الذي كان شاكا في تحققه قبلها.

ثانيهما: عدم وجوب الإعادة لاحتمال ان يكون قد وقع عليه الآن فيستفاد بالفحوى انه إذا علم بوقوعها حين الرؤية لا اشكال فيها، بل المقطوع ذلك لانه عليه السلام حكم بصحتها باحتمال ان يكون قد وقع عليه فعل، و معلوم انه لو علم ذلك فلا اشكال فيه أصلا.

______________________________

(1) الوسائل أورد قطعة منه في باب 42 حديث 3 و قطعة منه في باب 44 حديث 1 من أبواب النجاسات ج 2 ص 1063- 1065.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 324

فالتقدير الأول من السؤال الخامس هو ما نحن فيه، فظاهر جوابه عليه السلام لزوم الإعادة فيعارض قاعدة الاجزاء و فحوى الأولوية المتقدمة الدالة على صحتها إذا علم بعدها بوقوع جميع اجزائها مع النجاسة.

فمقتضى قاعدة لزوم الأخذ بظواهر الأدلة لا بدّ أن يفتي ببطلانها في هذه الصورة.

(ان قلت): ان مقتضى عموم التعليل في الجواب عن السؤال الثاني عدم لزوم الإعادة، فإنه بعينه جار في ذلك، و قاعدة الاجزاء لا يفرّق فيها بين جميع أجزاء الصلاة أو بعضها.

(قلت): ليست قاعدة الاجزاء من الأحكام العقليّة الغير القابلة للتخصيص، غاية الأمر أنا استظهرنا من ظواهر أدلة حجية الأصول و الأمارات، دلالتها على الاجزاء، و هي قابلة للتخصيص بدليل نظير الخروج عن تحت تلك في الطهارة الحدثية إذا انكشف بعد العمل عدمها بعد عمل المصلى بالأصول الظاهرية في مقام إحرازها.

و قد يؤيد برواية محمد بن مسلم المتقدمة عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام، قال: ذكر المنى

فشدده فجعله أشد من البول ثم قال: ان رأيت المني قبل أو بعد ما تدخل الصلاة فعليك الإعادة، الخبر «1».

(و فيه): انه بناء على ان المراد انه بعد رؤيته النجاسة صلى نسيانا ثم تذكر بعد الصلاة لا دلالة فيها على المدعى، بل ظاهرها- بقرينة ذكر رؤيتها قبل الصلاة- هو وجوب الإعادة إذا صلى نسيانا أعم من ان اتى بجميع اجزائها مع النجاسة أو ببعض أجزائها.

______________________________

(1) الوسائل باب 41 حديث 2 من أبواب النجاسات ج 2 ص 1062.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 325

نعم يمكن ان يستدل بما رواه محمد بن يعقوب الكليني رحمه اللّٰه عن على بن إبراهيم، عن محمد بن عيسى، عن يونس بن عبد الرحمن، عن ابن مسكان، عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام في رجل صلى في ثوب فيه جنابة ركعتين ثم علم به؟ قال: عليه ان يبتدئ الصلاة.

قال: و سألته عن رجل يصلى و في ثوبه جنابة أو دم حتى فرغ من صلاته ثم علم؟ قال: مضت صلاته و لا شي ء عليه «1».

حيث دلّ صدرها على عدم وجوب الإعادة، هذا.

و لكن قد يعارض تلك الأدلة بما رواه الكليني رحمه اللّٰه، عن على ابن إبراهيم، عن أبيه، عن حماد، عن حريز، عن محمد بن مسلم قال:

قلت له: الدم يكون في الثوب علىّ و انا في الصلاة؟ قال: ان رأيته و عليك ثوب غيره فاطرحه و صل و ان لم يكن عليك ثوب غيره فامض في صلاتك، و لا اعادة عليك ما لم يزد على مقدار الدرهم و ما كان أقل من ذلك فليس بشي ء رأيته قبل أو لم تره، و إذا كنت قد رأيته و هو أكثر من

مقدار الدرهم فضيعت غسله و صليت فيه صلاة كثيرة فأعد ما صليت فيه «2».

و في التهذيب أيضا عن شيخه المفيد رحمه اللّٰه، عن أبي القاسم جعفر بن محمد، عن محمد بن يعقوب روى مثله الا انه زاد قبل قوله:

(ما لم يزد) كلمة (واو) و أسقط قوله: (و ما كان أقل) فتصير العبارة هكذا:

(و ما لم يزد على مقدار الدرهم من ذلك فليس بشي ء، الخبر).

فعلى نسخة الكافي اما ان يكون قوله عليه السلام: (ما لم يزد، الى آخره) قيدا لخصوص الجملة الأخيرة أعني قوله عليه السلام: (و ان لم يكن

______________________________

(1) الوسائل باب 40 حديث 2 من أبواب النجاسات ح 2 ص 1059.

(2) الوسائل باب 20 حديث 6 من أبواب النجاسات ج 2 ص 1027.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 326

عليك ثوب غيره، الى آخره) و اما ان يكون قيدا للجميع.

(فعلى الأول): يصير المعنى وجوب طرح الثوب مطلقا، سواء زاد الدم على مقدار الدرهم أم لم يزد في صورة وجود ثوب آخر و وجوب المضي و عدم وجوب الإعادة في صورة عدمه إذا لم يزد على مقدار الدرهم.

و هو بعيد في نفسه مع عدم فتوى الأصحاب باستحباب الإعادة أيضا في هذه الصورة.

و اما ان يحمل على الوجوب و يقيد بدليل آخر بل بذيل هذا الخبر و هو قوله عليه السلام: (و ما لم يزد فليس بشي ء رأيته قبل أو لم تره).

(و على الثاني): يصير المعنى وجوب الطرح و المضي في صورة عدم الزيادة و عدم التعرض لصورة ما إذا لم يزد و لم يكن عليه ثوب.

و على كلا التقديرين لا معارضة بينهما و بين صحيحة زرارة المتقدمة لأن سوق الرواية يعطي انه عليه السلام في

مقام التفصيل بين صورة عدم كون الدم بمقدار الدرهم، أو كونه بمقداره.

و اما شمولها لما إذا علم في الأثناء ان الدم كان قبل الصلاة فيمكن منعه، و لا أقل من الإطلاق فيقيد بصحيحة زرارة.

و بالجملة فبناء على نقل الكافي تكون الرواية خالية عن السلامة فإن قوله عليه السلام: (ما لم يزد، الى آخره) ان قيدا للجملة الأخيرة يلزم ان يحمل الصدر بإطلاقه على الاستحباب لعدم وجوب الطرح في صورة كون الدم أقل من الدرهم، و ان كان قيدا لهما يلزم سكوته بالنسبة الى ما كان زائدا على مقدار الدرهم و المفروض ان كان قيدا للجملة الأخيرة ظاهرة فيما إذا كان قد رأى النجاسة ثم صلى غفلة عن وجودها، فلا

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 327

يشمل ما إذا رأى في الأثناء، فيكون المعنى حينئذ: ان لم يكن زائدا على مقدار الدرهم يلزم الطرح إذا كان له ثوب آخر، و عدمه إذا لم يكن.

و اما على نقل الشيخ رحمه اللّٰه عن الكافي فهو سليم عن هذه الخدشة مع قطع النظر عن الإشكال الآتي، لصيرورة المعنى حينئذ- بعد تقييد الجملتين الأوليتين بقوله عليه السلام: (و ما لم يزد على مقدار الدرهم، الى آخره)-: انه ان كان الدم أقل من الدرهم فلا بأس به، سواء كان له ثوب آخر أم لا، و سواء رآه قبل أم لا.

و ان كان بقدره، فان كان متمكنا من غسله، أو تبديله، أو طرحه (و بعبارة أخرى): يكون متمكنا من إتيان بقية الاجزاء مع الطهارة من دون فعل المنافي، يجب ذلك و ان لم يمكن ذلك فلا بأس.

نعم يكون إطلاق هذا الحكم الأخير منافيا و مخالفا للمشهور فلا بد اما من حمله

على ضيق الوقت و اما على إسقاط شرطية الطهارة حينئذ، و على كل تقدير فمعارضتها لرواية زرارة بالإطلاق و التقييد «1».

______________________________

(1) (ان قلت): يمكن ان يقيد رواية زرارة بما في هذه الرواية التبديل، أو الطرح أو الغسل المفهومة من قوله عليه السلام: ان رأيته و عليك ثوب غيره فاطرحه و صلّ، الى آخره، فتحمل تلك الرواية الدالة على البطلان على صورة إمكان أحد المذكورات.

(قلت): المفروض في رواية زرارة أيضا تمكنه من الإزالة، و مع ذلك قد حكم عليه السلام بالنقض و اعادة الصلاة، فإن قوله عليه السلام (قطعت الصلاة و غسلته ثم بنيت الصلاة) ظاهر في تمكنه من ذلك من دون لزوم فعل المنافي، و لذا لم يحكم بوجوب الإعادة فتكون ظاهرة في ان الغسل ثم البناء لا يصحح الصلاة، فلا محيص عن التقييد المذكور من بيان سيدنا الأستاذ مد ظله العالي، على پناه.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 328

و اما توهم أن الكافي أضبط عند الدوران بينه و بين غيره من الكتب الأربعة و غيرها (فمدفوع): بأنه و ان كان أصل هذا الكلام صحيحا في الجملة الّا ان تطبيقه على المقام في غير محله، لأن الرواية التي رواها الشيخ تنتهي إلى الكافي، لا انه أخذها من كتاب آخر ليحكم بان الكافي أضبط، و لا وجه للحكم باضبطية هذه النسخ التي بأيدينا من النسخة التي كانت موجودة عند الشيخ رحمه اللّٰه كما لا يخفى.

فرع لو علم بالنجاسة ثم نسي فصلى ثم تذكر بعد الصلاة،
اشارة

فهل تجب عليه الإعادة مطلقا أم لا مطلقا أم التفصيل بين الوقت و خارجه بالإعادة في الأول دون الثاني أم التفصيل بين أنواع النجاسات بان يقال بوجوب الإعادة في نسيان غير الاستنجاء و عدمه فيه؟ وجوه و أقوال، منشأها اختلاف

الأخبار.

ففي عدة من الاخبار المستفيضة دلالة على الأول.

و في خمسة أخبار ما يدل على وجوبها مطلقا، اثنان منها في نسيان استنجاء البول، و اثنان منها في نسيان استنجاء الغائط و واحد منها عام.

(و منها) صحيحة زرارة «1» المتقدمة بتمامها، و فيها الأمر بإعادة الصلاة في صورة نسيان الغسل حيث قال عليه السلام: تعيد

______________________________

(1) الوسائل باب 42 حديث 2 مع باب 41 حديث 1 من أبواب النجاسات ج 2 ص 1065 و 1063.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 329

الصلاة و تغسله.

(و منها): ما يدل على التفصيل بين الوقت و خارجه، فلنذكر الأخبار الواردة عن الأئمة عليهم السلام فنقول:

منها ما رواه الكليني رحمه اللّٰه، عن محمد بن على، عن سهل بن زياد، عن احمد بن محمد بن أبي نصر، عن عبد الكريم بن عمرو، عن الحسن (الحسين، خ ل) بن زياد، قال: سئل أبا عبد اللّٰه عليه السلام عن الرجل يبول فيصيب فخذه قدر نكته من البول، فيصلى ثم يذكر بعد انه لم يغسله، قال: يغسله و يعيد صلاته «1».

(و منها): ما رواه الشيخ رحمه اللّٰه بإسناده، عن الحسين بن سعيد، عن عثمان بن عيسى، عن سماعه، قال: سألت أبا عبد اللّٰه عليه السلام عن الرجل يرى في ثوبه الدم فنسي أن يغسله حتى يصلى؟ قال:

يعيد صلاته كي يهتم بالشي ء إذا كان في ثوبه عقوبة لنسيانه.

قلت: فكيف يصنع من لم يعلم أ يعيد حين يرفعه؟ قال: لا و لكن يستأنف «2».

و بإسناده، عن الحسين بن سعيد، عن ابن سنان، عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام قال: ان أصاب الرجل الدم فصلّى فيه و هو لا يعلم فلا اعادة، و ان هو علم قبل ان يصلى فنسي و صلى

فيه، فعليه الإعادة «3».

______________________________

(1) الوسائل باب 42 حديث 6 من أبواب النجاسات ج 2 ص 1064.

(2) الوسائل باب 42 حديث 5، منها، ص 1064.

(3) الوسائل باب 40 حديث 7، منها، ص 1064.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 330

و بإسناده، عن الصفار، عن احمد بن محمد، عن على بن الحكم عن زياد بن أبي الجلال، عن عبد اللّٰه بن أبي يعفور (في حديث) قال:

قلت لأبي عبد اللّٰه عليه السلام: الرجل يكون في ثوبه نقط الدم لا يعلم به ثم يعلم فينسى أن يغسله فيصلى ثم يذكر بعد ما صلى أ يعيد صلاته؟

قال: يغسله و لا يعيد صلاته الا ان يكون مقدار الدرهم مجتمعا «1».

و غيرها من الاخبار الدالة على وجوب الإعادة مطلقا يجدها المتتبع.

و اما ما دل على عدم وجوب الإعادة إذا نسي الاستنجاء مطلقا فمثل ما رواه الشيخ رحمه اللّٰه بإسناده، عن سعد بن عبد الهّٰ ، عن الحسن بن على بن عبد اللّٰه بن المغيرة، عن العباس بن عامر القصباني عن المثنى الحناط، عن عمرو بن أبي نصر، قال: قلت لأبي عبد اللّٰه عليه السلام: انى صليت فذكرت انى لم اغسل ذكري بعد ما صليت أ فاعيد؟

قال: لا «2».

و بإسناده، عن سعد بن عبد اللّٰه، عن موسى بن الحسن و الحسن ابن على، عن احمد بن على، عن احمد بن هلال، عن محمد بن أبي عمير عن هشام بن سالم، عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام في الرجل يتوضأ و ينسى ان يغسل ذكره و قد بال؟ فقال: يغسل ذكره و لا يعيد صلاته «3».

______________________________

(1) الوسائل باب 20 حديث 1 من أبواب النجاسات ج 2 ص 1026.

(2) الوسائل باب 18 حديث 4 من

أبواب نواقض الوضوء ج 1 ص 208.

(3) الوسائل باب 10 حديث 2، من أبواب أحكام الخلوة ج 1 ص 224.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 331

و بإسناده عن محمد بن على بن محبوب، عن احمد بن محمد، عن موسى بن القاسم، عن على بن جعفر، عن أخيه موسى بن جعفر عليهما السلام قال: سألته عن رجل ذكر و هو في الصلاة انه لم يستنج من الخلاء؟ قال: ينصرف و يستنجى من الخلاء و يعيد الصلاة و ان ذكر و قد فرغ من صلاته فقد أجزأه ذلك و لا اعادة عليه «1».

و بإسناده، عن سعد بن عبد اللّٰه، عن محمد بن الحسين بن أبي الخطاب، عن جعفر بن بشير، عن حماد بن عثمان، عن عمار بن موسى قال: سمعت أبا عبد اللّٰه عليه السلام يقول: لو ان رجلا نسي ان يستنجى من الغائط حتى يصلى لم يعد الصلاة «2».

و الأوليان في نسيان الاستنجاء من البول، و الأخريان في نسيان الاستنجاء من الغائط على تأمل في الثالثة.

و اما ما دل على عدم الإعادة مطلقا، فمثل ما رواه الشيخ رحمه اللّٰه بإسناده، عن محمد بن على بن محبوب، عن احمد بن محمد، عن الحسن بن محبوب، عن العلاء، عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام قال: سألته عن الرجل يصيب ثوبه الشي ء النجس فنسي أن يغسله فيصلى فيه ثم يذكر انه لم يكن غسله أ يعيد صلاته؟ قال: لا يعيد قد مضت الصلاة و كتبت له «3».

و اما ما دل على التفصيل بين الوقت و خارجه فهو ما رواه الشيخ رحمه اللّٰه بإسناده، عن محمد بن الحسن الصفار، عن احمد بن محمد

______________________________

(1) الوسائل باب 10 حديث 4

من أبواب أحكام الخلوة ج 2 ص 224.

(2) المصدر، الحديث 3.

(3) الوسائل باب 42 حديث 2 من أبواب النجاسات ج 2 ص 1063.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 332

و عبد اللّٰه بن محمد جميعا عن على بن مهزيار، قال: كتب اليه سليمان ابن رشيد الى آخر الخبر «1» و قد مر ذكره سابقا في مسألة مانعية أصل النجاسة.

إذا عرفت هذا فنقول: اما رواية ابن مهزيار ففيها:

(أولا): عدم معلومية كونها عن الامام عليه السلام، و على بن مهزيار و ان كان أجل شأنا من ان يسأل غيره عليه السلام الا انه لم يسأل و لم يكتب هو بنفسه و لم يعلم حال سليمان بن رشيد.

اللّٰهم الّا ان يقال: ان اهتمام المحدثين بضبط هذه الرواية في كتبهم مع ما عرفت من حالهم من عدم نقلهم و عدم ضبطهم الا الاخبار المنقولة عن الأئمة المعصومين عليهم السلام يوجب الظن القوى بكونه عنه عليه السلام.

(و ثانيا): اختلالها من حيث المتن من وجوه، لان التفصيل بين الوقت و خارجه معللا بقوله عليه السلام: (ان الرجل إذا كان ثوبه نجسا لم يعد الصلاة إلا ما كان في وقت، الى آخره) مع فرض كون السؤال لم يكن عن الثوب، بل عن البدن حيث قال في صدر السؤال: أنه بال في ظلمة الليل و انه أصاب كفه برد نقطة من البول لم يشك أنه اصابه و انه مسحه بخرقة و تمسح هذين فمسح به كفه و وجهه و رأسه، الى آخره، غير مرتبط «2» لأن السؤال لم يكن عن نجاسة الثوب أصلا.

هذا مضافا الى عدم ذكر الجواب عما سأل الراوي.

و الى انه ان قلنا: بكفاية الغسلة الواحدة في تطهير الخبث

______________________________

(1) الوسائل

باب 42 حديث 1 من أبواب النجاسات ج 2 ص 1063.

(2) خبر قوله مد ظله: لان التفصيل.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 333

و عدم الاحتياج الى التعدد و حصول الطهارة عن الحدث أيضا بنفس هذه الغسلة، فلا وجه للحكم بوجوب الغسل و اعادة الصلاة.

و ان قلنا بكفاية الغسلة في حصول الطهارة عن الخبث و عدم حصول الطهارة عن الحدث، فلا فرق بين الوقت و خارجه.

و ان قلنا بعدم حصول واحد منهما فلا فرق أيضا.

و بالجملة اضطراب المتن يمنعنا عن التمسك بها.

(و ثالثا): عدم فتوى المشهور بمضمونها، بل و اعراضهم عنها الذي هو الموجب لسقوطها عن الحجية و لو كانت واضحة سندا و دلالة فالتفصيل لا وجه له.

و يبقى الطائفتان الأخيرتان

فهل بينهما معارضة فيحتاج الى الترجيح أم لا؟ قد يتخيل بعدم المعارضة، و انهما من قبيل النص و الظاهر، فإن صحيحة العلاء «1» دالة على عدم وجوب الإعادة صريحا فيحمل الأدلة الدالة على وجوبها على الاستحباب.

و اما الاخبار الواردة في نسيان الاستنجاء فهي معارضة بما ورد في تلك المسألة الدالة على وجوب الإعادة.

و في الجواهر: انهما متعارضتان، فيرجع الى الترجيح بالشهرة و كذا في مصباح الفقيه للهمدانى رحمه اللّٰه، و هو الحق، فقد بينا في

______________________________

(1) الوسائل باب 42 قطعة من حديث من أبواب النجاسات ج 2 ص 1063

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 334

الأصول مشروحا، في ذيل كلام صاحب المعالم رحمه اللّٰه في آخر مسألة دلالة الأمر على الوجوب عنده قوله رحمه اللّٰه:

يستفاد من تضاعيف أحاديثنا المروية عن الأئمة عليهم السلام ان استعمال صيغة الأمر في الندب كان شائعا في عرفهم بحيث صار من المجازات الراجحة المساوي احتمالها من اللفظ لاحتمال الحقيقة عند انتفاء المرجح

الخارجي فيشكل التعلق في إثبات وجوب أمر بمجرد ورود الأمر به منهم عليهم السلام (انتهى).

ان الأوامر الصادرة عنهم عليهم السلام على قسمين:

أحدهما: ما يكون منشأ لاستحقاق العقوبة على مخالفة هذا الأمر كالأوامر الصادرة عنهم عليهم السلام في مقام اعمال السلطنة المجعولة من الشارع لهم على الناس، و يعبر عنها بالأوامر المولوية.

ثانيهما: ما يكون نظير أوامر الطبيب على المريض، فكما ان المريض إذا خالف الطبيب في أوامره لا يصير مستحقا للعقوبة على المخالفة و لا يترتب عليها الا الوقوع في مفسدة ترك العمل، كذلك هذا القسم من الأوامر عنهم عليهم السلام.

و المقام من قبيل الثاني، فإنه عليه السلام بين في الروايات الدالة على وجوبها ان حكم اللّٰه تعالى في هذه الواقعة ان هذه الصلاة ليست بصحيحة في مقابل ما دل- مثل صحيحة العلاء- على انها صحيحة لا انه في الأولى مأمور بالفساد و في الثانية بالصحة، بل مفادهما الصحة و عدمها فتقع المعارضة لإرشاد إحديهما إلى فساد الصلاة و الأخرى إلى صحتها، فيحتاج الى المرجح، فنقول: أول المرجحات الشهرة فهي موافقة لما دل على وجوب الإعادة، و القول بالعدم شاذ فيطرح.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 335

فرع لو نسي نجاسة شي ء ثم لاقاه بثوبه في حال النسيان
اشارة

فصلى في هذا الثوب الملاقي للنجاسة فالظاهر انه من باب الجهل بالموضوع لا نسيانه لانه لم يعلم بنجاسة ثوبه في زمان.

مسألة: لو لم يكن معه الا ثوب واحد و لم يمكن غسله

لعدم الماء أو لغيره، فهل يجب عليه الصلاة عاريا مطلقا أو يصلى فيه مطلقا أو الأوّل في صورة عدم التمكن من الصلاة عاريا لبرد أو غيره و الثاني مع فرض التمكن؟ وجوه.

المشهور بين القدماء الى زمن المحقق هو الثالث و اختاره هو أيضا في عدة من كتبه الفتوائية كالشرائع و النافع.

و اختار في المعتبر التخيير و تبعه العلّامة رحمه اللّٰه في عدة من كتبه، و كذا عدة من المتأخرين إلى زمان المحقق الأردبيلي رحمه اللّٰه و تلميذه صاحب المدارك رحمه اللّٰه، فاحتملا تعين الصلاة في النجس لو لم يخالف الإجماع.

و كان هذا الاحتمال جاريا فيمن تأخر عنهما الى زمن المعروف بالفاضل الهندي الأصبهاني الأصل، شيخ الإمامية في أصبهان في أواخر القرن الحادي عشر إلى أوائل القرن الثاني عشر فأفتى هو على سبيل البت و الجزم بتعين الصلاة فيه و قد حدث من زمان كاشف اللثام فصارت بعده رحمه اللّٰه موردا للتسالم.

فهي بالنسبة إلى فتوى القدماء شاذة.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 336

و منشأ الاختلاف اختلاف الاخبار.

فما يدل بظاهره على تعيّن الصلاة فيه، فهو ما رواه الصدوق رحمه اللّٰه بإسناده، عن محمد بن على الحلبي، قال: سألت أبا عبد اللّٰه عليه السلام عن رجل أجنب في ثوبه و ليس معه ثوب غيره؟ قال: يصلى فيه فإذا وجد الماء غسله «1».

و عنه انه سأل أبا عبد اللّٰه عليه السلام عن الرجل يكون له الثوب الواحد فيه بول لا يقدر على غسله؟ قال: يصلى فيه «2».

و ما رواه الشيخ رحمه اللّٰه بإسناده، عن الحسين بن سعيد،

عن القاسم بن محمد، عن ابان بن عثمان، عن محمد الحلبي، قال: سألت أبا عبد اللّٰه عليه السلام عن الرجل يجنب في الثوب أو يصيبه بول و ليس معه ثوب غيره؟ قال: يصلى فيه إذا اضطر اليه «3».

و بإسناده عن على بن جعفر، عن أخيه موسى بن جعفر عليهما السلام، قال: سألته عن رجل عريان و حضرت الصلاة فأصاب ثوبا نصفه دم أو كله دم يصلى فيه أو يصلى عريانا؟ قال: ان وجد الماء غسله و ان لم يجد ماء صلى فيه و لم يصلّ عريانا «4».

و مرجعها الى روايتين: أحدهما رواية الحلبي، و ثانيهما رواية على بن جعفر.

غاية الأمر ان الروات عن الحلبي متعددون و ضبطوها في الكتب

______________________________

(1) الوسائل باب 45 حديث 1 من أبواب النجاسات ج 2 ص 1066.

(2) المصدر، الحديث 3، ص 1067.

(3) المصدر، الحديث 7.

(4) المصدر، الحديث 5.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 337

المتعددة فيتخيل أنها اخبار متعددة مستفيضة، و من العجيب انه ادعى تواترها. فان من البعيد تكرر السؤال من الحلبي عن مسألة واحدة.

و اما ما يدل بظاهره على وجوب الصلاة عريانا فهو ما رواه الشيخ رحمه اللّٰه بإسناده، عن الحسين بن سعيد، عن أخيه الحسن، عن زرعة، عن سماعة، قال سألته عن رجل يكون في فلاة من الأرض و ليس عليه الا ثوب واحد، و أجنب فيه و ليس عنده ماء كيف يصنع؟ قال: يتيمّم و يصلى عريانا قاعدا يومئ إيماء «1».

و بإسناده، عن الحسين بن عبيد اللّٰه، عن احمد بن محمد، عن أبيه، عن محمد بن على بن محبوب، عن الحسين، عن الحسن، عن زرعه، عن سماعة، قال: سألته الخبر، الا انه قال: (قائما) بدل (قاعدا)

«2».

و بإسناده، عن محمد بن احمد بن يحيى، عن محمد بن عبد الحميد عن سيف بن عمير، عن منصور بن حازم، عن محمد بن على الحلبي، عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام في رجل اصابته و هو في الفلاة و ليس عليه الا ثوب واحد و أصاب ثوبه منى؟ قال: يتيمّم و يطرح ثوبه فيجلس مجتمعا فيصلى و يومئ إيماء «3».

و مرجعها أيضا الى روايتين أحدهما رواية سماعة و ثانيهما رواية الحلبي.

و قد عرفت مما ذكرنا ان الأقوال في المسألة ثلاثة:

______________________________

(1) الوسائل باب 46 حديث 1 من أبواب النجاسات ج 2 ص 1068.

(2) المصدر، الحديث 3.

(3) المصدر، الحديث 4.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 338

أحدها: التفصيل.

ثانيها: التخيير.

ثالثها: تعيّن الصلاة فيه.

و الأول هو المشهور بين قدماء الأصحاب، و الثاني مختار المحقق في المعتبر و من تبعه، و الثالث مختار كاشف الغطاء و من تبعه.

و مستند الأخير هو أكثرية الروايات الدالة عليه و استفاضتها لو لم تكن متواترة، و كون رواية سماعة مضمرة، و رواية الحلبي معارضة بما رواه هو، عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام.

لكنك عرفت ان شيئا منها لا يكون أو لا ينفع، لما قلنا من كون رواية الحلبي واحدة بل لا يبعد ان يقال باتحادها ما رواه مع رواية منصور بن حازم عنه، غاية الأمر قد سئل عن مسألتين في مجلس واحد، ثم نقله لآخرين حسب الاحتياج في الأوقات المختلفة.

و الإضمار في رواية سماعة وقع من الناقلين حيث قطعوا هذا الكلام عما قبله، فإنه كان لسماعة كتاب قد صدّره بقوله: (سألت أبا عبد اللّٰه عليه السلام عن كذا ثم اتبعه بقوله و سألته عن كذا و سألته عن كذا و هكذا، فلا يضر

مثل هذا الإضمار.

و سيأتي بيان عدم المعارضة بين روايات الحلبي إن شاء اللّٰه.

فمثل هذه الأمور لا يوجب الحكم بتعيّن الصلاة.

و قد يتوهم بان التعين بحكم العقل أيضا، فإن الأمر دائر بين رفع اليد عن الموصوف اعنى الستر و الصفة اعنى شرطية الطهارة معا، و بين رفعها عن الصفة فقط بان يستر عورته و لو كان الساتر نجسا حيث انه حينئذ أحرز الساتر و لم يحرز وصفه.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 339

و فيه: (أولا): ان وصف الطهارة ليس شرطا لخصوص الساتر بل هو شرط للباس.

و (ثانيا): بأن الطهارة أمر عدمي، و هو عدم القذارة و ليست شرطا، بل القذارة مانعة فيكون الأمر دائرا بين رفع اليد عن مانعية المانع و بين رفع اليد عن شرطية الشرط، و بينهما تباين لا انهما من قبيل الأقل و الأكثر، ليحكم بتعين الأقل.

و كيف كان فلا دليل للقول بتعيّن الصلاة عريانا فيبقى القولان الآخران.

(أحدهما): التخيير و لا ريب ان ليس المراد التخيير الشرعي.

(أما أولا) فلأن ما هو الواجب هو الصلاة معينة، و الصلاة عاريا أو مع اللباس من مصاديق تلك الطبيعة، لا انه تعلق أمر من الشارع بخصوصيتها.

(و اما ثانيا) فلأن المفروض هو وجوب الصلاة فقط على كل تقدير.

بخلاف التخيير الشرعي، فإنه تعلق الأمر بأحد شيئين متباينين فان معنى الوجوب التخييري هو تعلق البعث بالمكلف بالنسبة إلى المكلف به على سبيل البدلية، و هذا قسم من الواجب غير الواجب المعين فلا يحتاج الى التكلف بان الواجب هل هو أحدهما المعين أو غيره بل هذا القسم من الواجب له آثار مخصوصة عند العقلاء.

و كيف كان فمعنى التخيير في المقام، هو رفع اليد اما عن مانعية النجاسة أو عن شرطية

الطهارة، أو عن كلتيهما، فيرجع الى الجمع العرفي بمعنى ان العرف لا يفهمون من قوله عليه السلام (يصلّى

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 340

فيه) «1» و قوله عليه السلام: (عريانا) «2» المنافاة بين الكلامين، بل يجمعون بينهما بالتخيير، فمعنى قوله عليه السلام: (يصلى فيه) يعنى مخيرا، و قوله عليه السلام: (يصلى عريانا) أيضا يعني مخيرا بينه و بين الآخر.

لكن هذا النحو من الجمع بعيد، عن فهم العرف.

فيبقى الجمع الذي اختاره الشيخ أبو جعفر الطوسي رحمه اللّٰه في كتبه، و هو حمل الروايات الدالة على الصلاة مع الثوب، على صورة عدم التمكن، و الأخرى على صورة التمكن.

و لا يبعد أولوية هذا النحو من الجمع الذي فعله المحقق اعنى التخيير، لان ما دلّ على فعل الصلاة عريانا مورده هو السؤال (عن رجل في فلاة من الأرض) و معلوم ان المتعارف فيمن كان في الفلاة عدم وجود ناظر آخر، فلا حرج و لا مشقّة في الصلاة كذلك.

و ما دلّ على الصلاة فيه أعم من ذلك، بل في رواية الحلبي على نقل ابان بن عثمان «3» تجويزه إذا اضطر اليه فيقيّد بها سائر ما نقل عنه مطلقا، فليست روايات الحلبي متعارضة بعضها مع بعض بل يقيّد بعضها ببعض.

و كذا رواية سماعة موردها كون الرجل في فلاة من الأرض و (توهم) عدم حجيتها بالإضمار (مدفوع) بما مر من عدم كون الإضمار قادحا.

هذا مضافا الى معروفية العمل بمضمونها بين القدماء الى زمن

______________________________

(1) كما ذكر في أكثر أحاديث باب 45، كما تقدم.

(2) كما ذكر في أكثر أحاديث باب 46، كما تقدم.

(3) الوسائل باب 45 حديث 7 من أبواب الأطعمة المحرمة ج 2 ص 1067.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص:

341

المحقق، بل الى زمن كاشف اللثام، فان المفروض ان القائلين بالتخيير أيضا يجوزون الصلاة عريانا، فالرواية التي كانت موردا للعمل الى القرن الثاني عشر، لا يجوز ردها بمجرد الإضمار كما لا يخفى.

هذا مضافا الى إمكان ان يقال: ان التخيير لا وجه له أصلا، فإنه بعد تسليم ان المأمور به هنا لا يكون إلا صلاة واحدة يدور الأمر بين رفع اليد عن الشرطية أعني شرطية الستر و بين رفع اليد عن مانعية المانع اعنى وجود النجاسة، و معنى كون شي ء شرطا دخالته في ترتب المصلحة بحيث يكون جزء ماله دخل في ترتب عنوان الصلاة على الاجزاء و الشرائط، و معنى كونه مانعا كون وجوده مخربا و مخلّا للمصلحة التي يترتب على الاجزاء و الشرائط.

فحينئذ نقول: معنى رفع اليد عن شرطية الستر كون المانع باقيا على مانعيته حتى في صورة التمكن العقلي من الصلاة عريانا، فكما انه إذا لم يتمكن من الثوب يكون الشرط ساقطا عن الشرطية، فكذلك إذا تمكن عقلا، و معناه حينئذ ان يكون المانع في هذه الصورة أيضا باقيا على مانعيته.

فمعنى التخيير الذي اختاره المحقق رحمه اللّٰه حينئذ يرجع الى التخيير بين سقوط المانع عن المانعية و بين عدمه و لا محصل له حينئذ كما لا يخفى.

نعم لو كانا شرطين يمكن ان يقال بعدم ترجيح بينهما من حيث دخالة كل واحد في ترتب العنوان.

(ان قلت): ان رواية على بن جعفر «1» آية عن حمل الشيخ

______________________________

(1) الوسائل باب 45 حديث 5 من أبواب الأطعمة المحرمة ج 2 ص 1067.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 342

رحمه اللّٰه و جمعه، فان ظاهرها كون الرجل قادرا و متمكنا من الصلاة عريانا، و مع الثوب كليهما،

فحكمه عليه السلام حينئذ بأحدهما لا يكون الا باعتبار كونه هو المتعين، فان قول الراوي: (سألته عن رجل عريان قد حضرت الصلاة، فأصاب ثوبا نصفه دم أو كله هل يصلى فيه أو يصلى عريانا؟) ظاهر فيما ذكر من تمكنه من كلا الأمرين، و كذا جوابه عليه السلام بأنه (يصلى فيه و لا يصلى عريانا) فحملها حينئذ على فرض عدم التمكن من الصلاة عريانا خلاف الظاهر.

(قلت): و ان كانت الرواية صحيحة سندا باعتبار نقل النقلة المتعددين، عن على بن جعفر عليه السلام، مثل العمركي بن على البوفكي، و موسى بن قاسم، و عبد الرحمن بن حسن بن على بن جعفر عن جدّه، و قد نقلت في الفقيه، و التهذيب و كتاب قرب الاسناد الا ان في دلالتها و كونها ظاهرة بحيث لا تقبل الحمل مع كون رواية محمد بن على الحلبي قد قيدت بكونه يصلى في صورة الاضطرار، تأملا بل منعا.

و ان أبيت إلا عن دعوى ظهورها، و كونها غير قابلة الحمل فنقول: انها بهذا المضمون معرض عنها الى زمان كاشف اللثام أضف اليه ورود الاشكال على جمع المحقق كما بيّناه.

فتحصل انه ان كان هذا المقام مقام الجمع، فما جمع به الشيخ اولى، و ان كان الخبران متعارضين فالترجيح للمشهور القائلين بالتفصيل.

مسألة- 1-: لو كان له ثوبان أحدهما نجس و اشتبه بالآخر

فمقتضى القاعدة هو الصلاة مكررا لتمكنه من الصلاة مع الثوب الطاهر و لو بتكرر العمل، و به افتى الشيخ رحمه اللّٰه في المبسوط و الخلاف ناسبا

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 343

له في الثاني الى بعض أصحابنا، و قد وردت به رواية:

مثل ما رواه الصدوق رحمه اللّٰه، عن صفوان بن يحيى، و الشيخ رحمه اللّٰه بإسناده، عن سعد، عن على بن إسماعيل-

و الظاهر انه الملقب بالسندي- عن صفوان، انه كتب الى أبي الحسن عليه السلام يسأله عن الرجل معه ثوبان فأصاب أحدهما بول و لم يدر أيهما هو؟

و حضرت الصلاة و خاف فوتها و ليس عنده ماء كيف يصنع؟ قال: يصلى فيهما جميعا «1».

و معنى خوف الفوت انه ان اجتهد في تحصيل الماء يخاف فوتها و هذا لا ينافي حكمه عليه السلام بتكرار الصلاة الظاهر في عدم فوت الوقت.

فلا يتوهم ان الحكم بتكرار الصلاة مناف لما فرضه الراوي من خوف الفوت، هذا.

و لكن قد يقال: بوجوب الصلاة عريانا كما نسبه الشيخ رحمه اللّٰه قال في الخلاف: و ذهب اليه قوم من أصحابنا.

و اختار هذا القول محمد بن إدريس الحلي في السرائر حيث قال:

و إذا حصل معه ثوبان أحدهما نجس و الآخر طاهر و لم يتميز له الطاهر و لا يتمكن من غسل أحدهما، قال بعض أصحابنا: يصلى في كل واحد منهما على الانفراد وجوبا، و قال بعض منهم: نزعها و يصلى عريانا، و هذا الذي يقوى في نفسي و به افتى، لان المسألة بين أصحابنا فيها خلاف و دليل الإجماع فيها مفقود (منفي، خ ل)، فإذا كان كذلك، فالاحتياط يوجب ما قلناه (فان قال قائل) الاحتياط يوجب

______________________________

(1) الوسائل باب 64 حديث 1 من أبواب النجاسات ج 2 ص 1082.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 344

الصلاة فيهما على الانفراد، لأنه إذا صلى فيهما جميعا تبين و تيقن بعد فراغه من الصلاتين معا انه قد صلى في ثوب ظاهر، (قلنا):

المؤثرات في وجود الافعال تجب ان تكون مفارقة لها لا متأخرة عنها و الواجب عليه عند افتتاح كل فريضة ان يقطع على ثوبه بالطهارة و هذا يجوز

عند افتتاح كل فريضة صلاة من الصلاتين انه نجس و لا يعلم انه طاهر عند افتتاح كل صلاة (انتهى موضع الحاجة من كلامه قدس سرّه).

و ظاهر كلامه رحمه اللّٰه ان الدليل منحصر بالإجماع و حيث ان الإجماع غير محقق في المقام، فاللازم الرجوع و هو هنا الاحتياط، و هو يقتضي ما ذكره.

فكأن هذا الكلام مشتمل على مقدمات خمس:

إحداها: انحصار الدليل بالإجماع.

ثانيتها: عدم تحقق الإجماع.

ثالثتها: كون الوظيفة حينئذ الرجوع الى القاعدة.

رابعتها: كون القاعدة حينئذ الاحتياط.

خامستها: مقتضى الاحتياط الصلاة عريانا.

و فيه:

(أولا): عدم انحصار الدليل بالإجماع لوجود الخبر الصحيح كما تقدم.

و (ثانيا): عدم اقتضاء القاعدة عند عدم الدليل الاحتياط، بل الرجوع الى البراءة عن الشرط المشكوك الشرطية.

و (ثالثا): عدم كون مقتضى الاحتياط الصلاة عريانا، بل مقتضاه تكرارها كما تنبه هو رحمه اللّٰه، و قوله رحمه اللّٰه: (المؤثرات في وجود

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 345

الافعال تجب ان تكون مقارنة لها، الى آخره) غير منظم.

فإنه ان كان المراد انه يشترط في اللباس ان يكون طاهرا حين الصلاة فالمفروض حصول العلم باتيانهما مع تحقق هذا الشرط و يكون مقارنا لهما أيضا، و ان كان لا يعلم به حين إتيانهما.

و ان كان المراد انه يشترط ان يكون عالما بتحققه حين الصلاة فلا دليل على اعتبار هذا الشرط، لان ظاهر الأدلة كون القذارة مانعة أو الطهارة شرطا، لا ان للعلم بها دخلا في صحتها.

و ان كان المراد ان العلم بالطهارة ان لم يكن شرطا لنفس الصلاة لكنه شرط في تحقق قصد القربة و الامتثال بحيث لو لم يعلم لم يحصل له هذا القصد أصلا.

(و بعبارة أخرى): انطباق عنوان الصلاة على القول بإمكان أخذ قصد القربة في العبادة شطرا أو شرطا

كما نفينا الإشكال بالنسبة إلى الأخير في الأصول و قلنا: بإمكان مأخوذيته على هذا النحو أو حصول الغرض على القول بعدم إمكانه و كونه دخيلا في حصول الغرض كما اختاره في الكفاية.

متوقف على إتيانها بقصد القربة و الامتثال، و هو لا يحصل إلا إذا كان عالما حين الإتيان باجتماع الشرائط، لأن التقرب الا بقصده و هو لا يحصل الا بعد إحراز الشرائط و حيث لا يعلم حين العمل فلا يحصل له قصد التقرب، فلا ينطبق عليه عنوان الصلاة أو لا يحصل الغرض على الوجه الآخر.

ففيه «1» ان معنى قصد التقرب ليس إلا إتيان العمل بداعي

______________________________

(1) جواب لقوله قدس سره: و ان كان المراد ان العلم، الى آخره.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 346

الأمر، و هو كما يكون موجودا مع العلم التفصيلي، كذلك يحصل مع العلم الإجمالي، فالأمر يصير داعيا له نحو العمل.

و هو أيضا معلوم غير مشتبه، لا بحسب الواقع، و لا عند المكلف فإنه عبارة عن الصلاة مع طهارة ما يلابسه من الثوب، غاية الأمر تطبيق العمل على المدعو اليه لما كان غير ميسّر عند الاشتباه فلا جرم يكون العقل حاكما بلزوم إتيانه مكررا ليحصل له العلم بانطباقه بحسب الواقع و لو كان لا يعلم حين الانطباق أيّهما هو الداعي.

و لا يقدح حينئذ حصول قصد التقرب و الامتثال، فإن الداعي على العمل في خصوص العبادات لا يكون إلا ناشئا عن قصد الامتثال لعدم كونها موافقة للميولات النفسانية غالبا.

حتى ان الرياء في العمل أيضا باعتبار ان المرائي يرى غيره ما هو بصورة العبادة و الامتثال ليريه انه عابد له تعالى فالمحرك له أولا و بالذات إتيان العمل العبادي، و لكن بملاحظة ان غرضه

من إتيان هذا العمل العبادي الغير الموافق لشهوته إراءة الغير فيكون فاسدا من هذا الجهة.

فلا يتصور في العبادات غرض غير إتيانه على وجه العبادة، غاية الأمر انه إذا كان المحرك له على إتيانه بهذا الغرض، هو قصد التقرب و الامتثال يسقط الأمر، و الّا فلا.

و لذا ترى ان الاخبار الواردة عن الأئمة الأطهار صلوات اللّٰه عليهم قد دلت على النهى عن العمل للرياء لا أمر بإتيانه مقترنة بقصد التقرب لعدم الاحتياج الى هذا الشرط كما لا يخفى فلا يكون هذا الوجه مانعا من تحقق قصد التقرب كما لا يخفى.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 347

(ان قلت): الامتثال التفصيلي مقدم على الامتثال الإجمالي لأن الداعي في الأول هو الأمر نفسه، و في الثاني احتمال الأمر، و على تقدير عدم تقدمه عليه جزما فلا أقل من الاحتمال فيقدم بحكم العقل.

(لا يقال): في صورة عدم القطع بتقدمه عليه يجرى البراءة.

(فيقال): الأصل براءة الذمة من وجوب الإطاعة التفصيلية.

(قلت) «1»: و ان كان المدعى حقا الا ان الدليل لا يثبته، لأن الداعي إلى إتيان العمل في أمثال المقام الأمر نفسه لا احتماله، غاية الأمر تردد المأمور به بين الأمرين صار سببا لتكرره، لا ان احتمال الأمر صار سببا و لذا لم يحصل له بعد العمل الا تقرب واحد.

نعم يمكن ان يخدش في جواز التكرار بوجه آخر و هو ان العبادات التي أمر بها الشارع تكون غالبا مخالفة للميولات النفسانية و لا داعي للمكلف في إتيانها الأمر بأن يكون قاصدا للإطاعة و الامتثال و هو متوقف على ثبوت الأمر من الشارع.

فلو فرضنا انه عالم بنجاسة ثوبه و قام و صلى بقصد العبادة يكون تشريعا محرما، فان معنى التشريع ليس هو

النسبة القولية إلى الشارع و لا إيجاد فعل لو رآه الغير نسبه الى الشارع مع فرض عدم صدوره منه بل معناه الإتيان بفعل بعنوان العبادة مع عدم بيان من الشارع.

و الصلاة من العبادات التي لا تكون فيها شائبة غير العبادة فالإتيان بها في ثوب غير معلوم الطهارة بل معلوم النجاسة واقعا بعنوان العبادة، يكون تشريعا فيحرم فلا يمكن الاحتياط.

و كذا إذا علم ان أحد الثوبين نجس فإنه يعلم بحرمة احدى

______________________________

(1) جواب لقوله «قده»: (ان قلت).

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 348

الصلاتين، فيحتاج حينئذ في موارد العلم الإجمالي إلى الدليل على لزوم الاحتياط يكون آتيا بقصد هذا الأمر كما في المقام.

فإن رواية صفوان بن يحيى الدالة على لزوم الإتيان بالصلاتين تكون واضحة الدلالة، و قد عمل بها الأصحاب و صارت مشهورة بينهم.

فرع لو كان الوقت مضيقا بحيث لا يسع إلا لصلاة واحدة،

فهل تجب عليه الصلاة عاريا أو في أحدهما مخيرا؟ وجهان مبنيان على المسألة السابقة من دوران الأمر بين الصلاة عاريا أو في النجس؟

فان اخترنا فيها ما اختاره المحقق رحمه اللّٰه و من تبعه من التخيير، يكون الحكم في تلك المسألة كذلك، و ان اخترنا ما جمع به الشيخ رحمه اللّٰه- كما نفينا عنه البعد سابقا- يصلى عاريا عند التمكن فان المستفاد من الأدلة هناك ان الشارع قد قدم مراعاة المانعية على مراعاة الشرطية.

و معنى ذلك انه ان صلى في النجس ساترا للعورة لم يصل أصلا و ان صلى عاريا من دون النجس يكون ممتثلا، فالأمر دائر بين الموافقة الاحتمالية و الموافقة القطعية و المفروض عدم وجود المحرز لان يصيّر هذا المحتمل بمنزلة المتيقن كما في مورد جريان أصالة الطهارة أو استصحابها و العقل حاكم بتقديم الثاني فتجب الصلاة عاريا.

(ان قلت): كما انه

على تقدير كون الثوب الذي صلى فيه نجسا لم يكن ممتثلا كذلك على تقدير كون الثوب طاهرا لم يكن ممتثلا، لكون

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 349

وظيفته حينئذ الصلاة مع الثوب الطاهر فلا وجه لتقدم العاري.

(ان قلت): قد فرضنا ان الأدلة المتقدمة بحسب الجمع العرفي قد دلت على إلغاء شرطية الستر و المفروض عدم كون صلاته على تقدير وقوعها في النجس، صلاة عند الشارع بخلاف صلاة العاري، فإنها صلاة واقعا و لو كان بحسب الواقع طاهرا، لان الشارع ألغى هذا الشرط في صورة عدم التمكن من إحراز الطهارة بالعلم أو ما قام مقامه يتعين الصلاة عاريا، كما لا يخفى.

هذا بعض الكلام في الستر و شرائط اللباس، و اما ما هو راجع الى:

ه [فصل في] مكان المصلّي

فليس فيه شرط مستقل غير عدم كونه مغصوبا،

بمعنى كونه مأذون التصرف.

و قد تقدم و مر مرارا عدم كون الغاصبية دخيلا في هذا الشرط بل الملاك فيه و في أمثاله عدم كونه متصرفا في ملك الغير بغير اذنه و قد مر انه لا دليل على غير مسألة اعتبار قصد التقرب، و عدم قابلية كون المبغوض مقربا اليه تعالى، فراجع.

نعم مسألتان
اشارة

قد تعرض لهما فقهائنا في مكان المصلى و ان لم يكن للمكان- بما

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 350

هو- دخل فيه فلنقتف آثارهم.

(أحدهما): مسألة محاذات المرأة للرجل حال الصلاة.

(ثانيهما): شرائط مسجد المصلي.

(اما الاولى): فالمعروف عن الشيخين، بطلان الصلاة إذا كانت المصلية محاذية للرجل المصلى أو مقدمة عليه بغير الحاجب أو الفصل الآتي.

و اختار المتأخرون و السيد المرتضى من المتقدمين رحمه اللّٰه الكراهة.

و منشأ الاختلاف اختلاف الاخبار.

فما يدل على الأول، [المنع]

ما رواه الشيخ رحمه اللّٰه بإسناده، عن سعد عن محمد بن الحسين و ما رواه الكليني رحمه اللّٰه، عن محمد بن يحيى عن محمد بن الحسين، عن جعفر بن بشير، عن حماد بن عيسى، عن إدريس عبد اللّٰه القمي، قال: سألت أبا عبد اللّٰه عليه السلام عن الرجل يصلى و بحياله امرأة قائمة على فراشها جنبة (جنبا، ئل)؟ قال: ان كانت قاعدة فلا تضره (تضرك، ئل) و ان كانت تصلى فلا «1».

و روى الكليني رحمه اللّٰه، عن الحسين بن محمد، عن المعلى بن محمد، عن الوشاء، عن ابان بن عثمان، عن عبد الرحمن بن أبي عبد اللّٰه البصري، قال: سألت أبا عبد اللّٰه عليه السلام عن الرجل يصلى و المرأة بحذائه يمنة أو يسرة؟ قال: لا بأس إذا كانت لا تصلى «2».

و دلالتهما على بطلان الصلاة إذا كانت المرأة و الرجل

______________________________

(1) الوسائل باب 4 حديث 1 من أبواب مكان المصلى ج 3 ص 425.

(2) الوسائل، باب 4 حديث 2 من أبواب مكان المصلى ج 2 ص 425.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 351

محاذيين، بالمفهوم لا بالمنطوق.

و ما رواه الشيخ رحمه اللّٰه بإسناده، عن الحسين بن سعيد، عن العلاء، عن محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما

السلام، قال: سألته عن الرجل يصلى في زاوية الحجرة و امرأته أو ابنته تصلى بحذاه في الزاوية الأخرى؟ قال: لا ينبغي ذلك، فان كان بينهما شبر أجزأه يعني إذا كان الرجل متقدما للمرأة بشبر «1».

و عنه عن صفوان و فضالة، عن العلاء، عن محمد، عن أحدهما عليهما السلام، قال: سألته عن المرأة تزامل الرجل في المحمل يصليان جميعا؟ فقال: لا و لكن يصلى الرجل فإذا فرغ صلّت المرأة «2».

و دلالتهما على البطلان ظاهرة و لا سيما الأخيرة، فإن الأمر باتيانهما الصلاة مترتبين مع كون ذلك في المحمل، و لا يكون النهي التنزيهي مقتضيا لتحميل هذه المشقة عليهما، كما لا يخفى.

(و منها): ما رواه محمد بن إدريس في مستطرفات السرائر، عن كتاب احمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي، عن المفضل، عن محمد بن الحلبي، الى آخره «3» و هي بعينها مثل الرواية الأخيرة قد مناها الا انه قال مكان قوله عليه السلام: (بشبر) في الموضعين بالشين المعجمة (بستر) بالسين المهملة.

و يحتمل بعيد أكون (محمد) في نقل ابن إدريس هو (محمد بن مسلم)

______________________________

(1) الوسائل باب 5 حديث 1 من أبواب مكان المصلى ج 3 ص 427.

(2) المصدر، الحديث 2.

(3) الوسائل باب 8 حديث 3 من أبواب مكان المصلى ج 3 ص 432.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 352

فاشتبه النساخ فبدلوه ب (محمد بن الحلبي) «1».

و يؤيد كون الستر بالمهملة أصح، كون الحجرة التي صلينا فيه ضيّقة بحيث يكون الفصل بينهما بمقدار الشبر بعيدا جدا «2».

(و منها): ما رواه الشيخ رحمه اللّٰه بإسناده، عن محمد بن احمد ابن يحيى، عن احمد بن الحسن بن علي بن فضال، عن عمرو بن سعيد المدائني، عن مصدق بن صدقة،

عن عمار بن موسى الساباطي، عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام انه سأل عن الرجل أ يستقيم له ان يصلى و بين يديه امرأة تصلى؟ قال: لا تصلى حتى يجعل بينه و بينها عشرة أذرع، و ان كانت عن يمينه و عن يساره جعل بينه و بينها مثل ذلك، فان كانت تصلى خلفه فلا بأس و ان كانت تصيب ثوبه، و ان كانت المرأة قاعدة أو نائمة أو قائمة في غير صلاة فلا بأس حيث كانت «3».

و بإسناده، عن سعد، عن سندي بن محمد، عن ابان بن عثمان عن عبد اللّٰه بن أبي يعفور، قال: قلت لأبي عبد اللّٰه عليه السلام: أصلي و المرأة إلى جانبي (جنبي، خ ل) و هي تصلى؟ قال: لا الّا ان تتقدم (تقدم، ئل) هي أو أنت، و لا بأس ان تصلى و هي بحذاك جالسة أو

______________________________

(1) أقول: و يؤيد هذا الاحتمال ان المتقدمة رواها الكليني ره عن على ابن محمد، عن سهل بن زياد، عن احمد بن محمد أبي نصر، و نقل هذه الرواية ابن إدريس من نوادر احمد بن محمد بن أبي نصر عن المفضل عن محمد الحلبي، فتأمل جدا.

(2) أقول: و يبعد هذا التأييد ان الراوي فرض ان الرجل صلى في زاوية و المرأة في زاوية أخرى فلم تكن الحجرة ضيقة، و اللّٰه العالم.

(3) الوسائل باب 7 حديث 1 من أبواب مكان المصلى ج 3 ص 431.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 353

قائمة «1».

و بإسناده عن محمد بن على بن محبوب، عن يعقوب بن يزيد عن ابن أبي عمير، عن عمر بن أذينة، عن زرارة، عن أبي جعفر عليه السلام، قال: سألته عن المرأة تصلى

عند الرجل؟ قال: لا تصلى المرأة بحيال الرجال الا ان يكون قدامها و لو بصدره «2».

و هذه الرواية الثانية تدل على بطلان الصلاة بالمحاذاة أو تقدم المرأة، منطوقا أو مفهوما.

و في بعض الروايات التفصيل بين بلد مكة (زادها اللّٰه شرفا) و بين غيرها من البلدان.

ففي العلل للصدوق رحمه اللّٰه: محمد بن الحسن رحمه اللّٰه، قال حدثني محمد بن الحسن الصفار، عن العباس بن معروف، عن على بن مهزيار، عن فضالة بن أيوب، عن ابان، عن الفضيل، عن أبي جعفر عليه السلام، قال: انما سمّيت بكة بكة (مكة مكة، خ ل) لانه يتبك (تبك، ئل) بها الرجال و النساء، و المرأة تصلي بين يديك، و عن يمينك و عن شمالك و عن يسارك و معك و لا بأس بذلك، انما يكره في سائر البلدان «3».

بناء على ان المراد من قوله عليه السلام: (بين يديك، الى آخره) كونهما كليهما مصلّيين.

______________________________

(1) الوسائل باب 5 حديث 5 من أبواب مكان المصلى ج 2 ص 428.

(2) المصدر، الحديث 2، باب 6، ص 430.

(3) الوسائل، باب 5 حديث 1 من أبواب مكان المصلى ج 3 ص 429.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 354

نعم يمكن ان يستفاد المنع أيضا مما رواه الصدوق رحمه اللّٰه بإسناده، عن هشام بن سالم، عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام، قال:

الرجل إذا أم المرأة كانت خلفه عن يمينه، سجودها مع ركبتيه «1».

هذا كلّه فيما استدل به على المنع.

و اما ما استدل به على الجواز فروايات:

(منها): رواية جميل بن دراج و هي ثلاث روايات:

(أحدها): ما رواه الصدوق رحمه اللّٰه بإسناده عن جميل، عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام، قال: لا بأس ان تصلى المرأة بحذاء الرجل و هو يصلّى، فإن النبي صلى اللّٰه

عليه و آله كان يصلى و عائشة مضطجعة بين يديه و هي حائض و كان إذا أراد ان يسجد غمز رجليها فرفعت رجليها حتى يسجد «2».

(ثانيها): ما رواه الشيخ رحمه اللّٰه بإسناده، عن سعد بن عبد اللّٰه الأشعري القمي، عن يعقوب بن يزيد (تارة) و عن محمد بن على بن محبوب، عن محمد بن الحسين (اخرى) عن الحسن بن على بن فضال عمن أخبره، عن جميل، عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام في الرجل يصلّى و المرأة تصلي بحذاه (بحذائه، خ ل) أو الى جنبه- في رواية محمد بن الحسين-؟ قال: لا بأس (في رواية يعقوب بن يزيد) (و في رواية محمد ابن الحسين): إذا كان سجودها مع ركوعه فلا بأس «3».

و بهذا الاختلاف صار رواية جميل بحسب نقل الشيخ رحمه اللّٰه

______________________________

(1) الوسائل باب 5 حديث 9 من أبواب مكان المصلى ج 3 ص 428.

(2) الوسائل باب 4 حديث 4 من أبواب مكان المصلى ج 3 ص 426.

(3) الوسائل باب 5 حديث 6 و باب 6 حديث 6 منها ج 3 ص 426- 430.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 355

و الصدوق رحمه اللّٰه ثلاثة.

و لا يبعد اتحاد الأخيرتين بل المظنون بالظن القوى ذلك لبعد سؤال جميل عن الصادق عليه السلام عن حكم هذه المسألة مرتين و جوابه عليه السلام (تارة) بعدم البأس مطلقا و (اخرى) مع التقييد بقوله عليه السلام: إذا كان ركوعها مع سجوده، و نقل جميل لمن أخبر ابن فضال (تارة) ذلك النقل و (اخرى) هذا النقل، و من أخبر ابن فضال كان قد أخبره مرّتين بهذين الخبرين، و ابن فضال قد أخبرهما مرتين، يعقوب بن يزيد البغدادي (تارة) و لمحمد

بن الحسين بن أبي الخطاب الكوفي (أخرى).

بل يمكن دعوى القطع باتحادهما كما لا يخفى على من كان مطلعا على كيفية نقل الروات للأحاديث الصادرة عن الأئمة عليهم السلام.

فيدور الأمر حينئذ بين الزيادة من محمد بن الحسين أو النقصان من يعقوب ابن يزيد.

و حيث ان العرف عند الدوران يقدمون الثاني خصوصا مع هذه الخصوصيات المشار إليها فلا جرم يحمل ما رواه يعقوب بن يزيد، عن ابن فضال، عمن أخبره، عن جميل، عنه عليه السلام اما على اشتباهه، أو على اشتباه سعد بن عبد اللّٰه في مقام النقل أو غير ذلك من المحامل.

و على تقدير عدم إحراز الوحدة فلا دليل بوجوب إحراز التعدد و ما لم يحرز التعدد، لا يوجب العقلاء ترتب آثاره.

و على تقدير التعدد فمقتضى الجمع هو حمل المطلق على المقيد لا حمل المطلق على عدم البأس في مقابل الحرمة، الغير المنافي للكراهة و المقيد على عدم البأس رأسا حتى بالنسبة إلى الكراهة، فلا دلالة في

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 356

هاتين الروايتين على الجواز لو لم تكونا دالتين على المنع.

و اما ما رواه الصدوق رحمه اللّٰه بإسناده، عن جميل «1»، ففيه:

(أولا): عدم إحراز سنده الى خصوص جميل من حيث الوسائط، نعم ذكر في مشيخة الفقيه ان ما رويته عن جميل و محمد بن حمران فقد رويته عن أبي رحمه اللّٰه، عن سعد بن عبد اللّٰه، عن يعقوب بن يزيد، عن محمد بن حمران و جميل بن درّاج (انتهى).

و وجه تشريكه في هذا السند مع محمد بن حمران أن النجاشي قد ذكر في رجاله ان له كتابا اشترك هو و محمد بن حمران فيه (انتهى).

(و ثانيا): عدم صحة ذيل الخبر، و هو قوله:

(فإن النبي صلى اللّٰه عليه و آله كان يصلى و عائشة مضطجعة، الى آخره) و ذلك لمنافاته لمقام النبوة فلا بد ان يحمل على التقية لوجود من في مجلس الامام عليه السلام يتقى عليه السلام منه.

(و ثالثا): عدم تناسب التعليل للمعلّل، فإنه عبارة عن نفى البأس عن صلاة المرأة بحذاء الرجل، و التعليل يفيد العكس الّا ان يقال ان قوله عليه السلام: (لا بأس) تمهيد و مقدمة لبيان العكس، أو يقال:

ان المسألة غير مختصة بخصوص صلاتهما، بل تعمّ مطلقا محاذات المرأة للرجل، سواء كانت مصلّية أم لا.

و الأوّل خلاف الظاهر، و الثاني خلاف المفروض فإنّ المفروض ما إذا كانا مصلّيين كما لا يخفى.

نعم مسألة سنّه الموقف مسألة اخرى، و هي انه إذا ائتمّت المرأة بالرجل، فهل يجب تأخّرها عنه بتمام بدنها أم يكفي التأخّر و لو بجزئه

______________________________

(1) الوسائل باب 4 حديث 4 من أبواب مكان المصلى ج 3 ص 426.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 357

أم يكفي المساواة أيضا كما قد يقال بذلك في اقتداء الرجل بالرجل و قد اخترنا في موضعه بحسب الاحتياط أو انها تؤخّر عنه بحيث يكون موضع سجودها خلفه «1».

و هذه المسألة كانت معنونة عند العامّة و الخاصّة و قد ذكرها الشيخ رحمه اللّٰه في الخلاف فقال ص 57، مسألة 170:

لا يجوز للرجل ان يصلّى و امرأته تصلّي إلى جانبه أو قدّامه، فإن صلّت خلفه جاز و ان كانت قاعدة بين يديه أو بجنبه لا تصلّى جازت صلاته أيضا، و متى صلّى و صلّت الى جانبه أو قدّامه، بطلت صلاتهما معا اشتركا في الصلاة أو اختلفا، و قال الشافعي: ذلك مكروه و لا تبطل الصلاة، و اختاره المرتضى رحمه

اللّٰه من أصحابنا (الى ان قال):

و تحقيق الخلاف بين أبي حنيفة و الشافعي انه إذا خالف سنّة فعند الشافعي لا تبطل الصلاة و عند أبي حنيفة تبطلها استحسانا، و عند الشافعي ان المخالفة منهما و عند أبي حنيفة من الرجل دونها، فلهذا بطلت صلاته دونها (انتهى موضع الحاجة).

(و رابعا): إمكان اتحادها مع الرواية التي رواها الشيخ رحمه اللّٰه لاتحاد أغلب رواته كسعد و يعقوب بن يزيد و جميل، غاية الأمر مع نقص في الصدر بإسقاط السؤال و زيادة بذكر العلّة.

(و خامسا): تقييدها بروايته الأخرى على تقدير التعدد.

(و منها): رواية على بن جعفر، عن أخيه موسى بن جعفر عليهما السلام و هي منقولة بأربع طرق مع اختلاف في كيفيّة النقل.

______________________________

(1) راجع العروة الوثقى، فصل في مستحبات الجماعة (أحدها ان يقف المأموم، الى آخره.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 358

ففي التهذيب، بإسناده، عن احمد بن محمد، عن موسى بن القاسم، و أبي قتادة جميعا، عن على بن جعفر، عن أخيه موسى بن جعفر عليهما السلام، قال: سألته عن الرجل هل يصلح له ان يصلّى على الرف المعلّق بين نخلتين؟ قال: ان كان مستويا يقدر على الصلاة عليه فلا بأس (الى ان قال):

و سألته عن الرجل يصلى في مسجد حيطانه كوّاء (كوى- ئل) كله و جانباه و امرأته تصلي حياله و يراها و لا تراه قال: لا بأس، الحديث «1».

و قريب منها بحسب المضمون ما رواه عبد اللّٰه بن جعفر الحميري في قرب الاسناد، عن عبد اللّٰه بن الحسين بن على بن جعفر، عن جدّه على بن جعفر، عن أخيه، قال: سألته عن الرجل هل يصلح ان يصلّى في مسجد قصير الحائط و امرأة قائمة تصلّى و

هو يراها و تراه؟ قال: ان كان بينهما حائط طويل أو قصير فلا بأس «2».

و في التهذيب أيضا، بإسناده، عن محمد بن مسعود العيّاشي عن جعفر بن محمد، عن العمركي بن على البوفكي، عن على بن جعفر عليه السلام (تارة) و بإسناده عن على بن جعفر (اخرى) قال: سألته عن امام كان في الظهر فقامت امرأة (امرأته، خ ل) بحياله تصلّى معه و هي تحسب انها العصر هل يفسد ذلك على القوم؟ و ما حال المرأة في صلاتها معهم و قد كانت صلّت الظهر؟ قال: لا يفسد ذلك على

______________________________

(1) الوسائل، أورد صدره في باب 35 حديث 1 و ذيله في باب 8 حديث 1 من أبواب مكان المصلى ج 3 ص 467- 431.

(2) الوسائل باب 8 حديث 4 من أبواب مكان المصلى ج 3 ص 432.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 359

القوم و تعيد المرأة صلاتها «1».

و الحكم بإعادة المرأة صلاتها (اما) باعتبار اختلاف الصلاتين بحسب النوع، و هو بعيد (و اما) باعتبار كونها بحياله، و مع عدم الفصل بينها و بينه.

و يؤيّد الأخير رواية على بن جعفر، الأخرى عن موسى بن جعفر عليهما السلام، في قرب الاسناد، بالسند المذكور آنفا، قال: سألته عن الرجل يصلّى ضحى و أمامه امرأة تصلي، بينهما عشرة أذرع؟ قال:

لا بأس ليمض صلاته. «2».

فحكم عليه السلام بصحة الصلاة لوجود الفصل و يستفاد منها ان لزوم الفصل بينها و بينه كان مغروسا في ذهن على بن جعفر.

و بالجملة فروايات على بن جعفر أيضا لو لم تدل على المنع لم تدل على الجواز قطعا، فإن الأوليين قد حكم فيهما بعدم المنع باعتبار وجود الحائل و لا كلام حينئذ.

و الثالثة أما

مجملة أو ظاهرة في المنع، و الرابعة دالة على عدم المنع في صورة الفصل.

(و منها): رواية زرارة رواها الصدوق بإسناده، عنه، عن أبي جعفر عليه السلام، قال: إذا كان بينه و بينها قدر ما يتخطى أو قدر عظم الذراع فصاعدا (فلا بأس) صلت بحذاه أو وحدها «3».

______________________________

(1) الوسائل باب 9 حديث 1 من أبواب مكان المصلّى ج 3 ص 429، و لم يذكر فيه السند الثاني.

(2) الوسائل باب 7 حديث 2 من أبواب مكان المصلّى ج 3 ص 431.

(3) الوسائل باب 5 حديث 8 من أبواب مكان المصلى، و فيه: إذا كان بينها و بينه ما لا يتخطى أو قدر عظم الذراع فصاعدا فلا بأس ج 3 ص 428

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 360

و في كتاب مستطرفات السرائر، من كتاب حريز، عن زرارة، عن أبي جعفر عليه السلام، قال: قلت له: المرأة و الرجل يصلى كل واحد منهما قبالة صاحبه؟ قال: نعم إذا كان بينهما قدر موضع رجل (رحل، خ ل) «1».

و عنه عن زرارة، قال: قلت له: المرأة تصلي بحيال زوجها؟ قال:

تصلى بإزاء الرجل إذا كان بينها و بينه قدر ما يتخطى (ما لا يتخطى) أو قدر عظم الذراع فصاعدا «2».

و الظاهر اتحادها أيضا، لاتصال سند الصدوق (رحمه اللّٰه) الى حريز عن زرارة على ما عن مشيخة الفقيه، غاية الأمر عدم الفقيه للسؤال، و اختلافها في تعيين مقدار الفصل من كونه بقدر موضع رحل أو عظم ذراع أو قدر ما يتخطى (ما لا يتخطى، خ ل) فيكون الحاصل ان الجامع بين المعاني قد صدر من الامام عليه السلام.

فيمكن أن يكون زرارة قد نقل هذا اللفظ الى المعنى، و يمكن كون ذلك من

حريز، و يمكن ان يكون من الراوي غير حريز.

و بالجملة لما كان عمدة الدليل في حجية الأخبار الآحاد هو بناء العقلاء كان اللازم في أمثال المقام هو الأخذ بالقدر المتيقن، و حيث انه لم يعلم ذلك فلا يرتّبون في صورة الاختلاف آثار الحجية، نعم من جعلها روايات عديدة (متعددة، خ ل) يحملها على مراتب الكراهة شدة و ضعفا حسب اختلاف القرب و البعد بينهما.

لكن مع احتمال اتحادها خصوصا مع وحدة الراوي و مضمونها

______________________________

(1) الوسائل باب 5 حديث 12 من أبواب مكان المصلى ج 3 ص 428.

(2) الوسائل باب 5 حديث 13 من أبواب مكان المصلى ج 3 ص 428.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 361

لا يحرز التعدد، فيشكل التمسك بها على الجواز، فلا يعارض احتمال الدلالة للأخبار الدالة منطوقا أو مفهوما على المنع.

________________________________________

بروجردى، آقا حسين طباطبايى، تقرير بحث السيد البروجردي، 2 جلد، دفتر انتشارات اسلامى وابسته به جامعه مدرسين حوزه علميه قم، قم - ايران، اول، 1416 ه ق

تقرير بحث السيد البروجردي؛ ج 1، ص: 361

(و منها): رواية الفضيل المتقدمة، بناء على حمل الكراهة على الكراهة المصطلحة في مقابل الحرمة.

و فيه: أوّلا: عدم ثبوت هذا الاصطلاح في تلك الأزمنة.

و ثانيا: عدم العمل بها بهذا التفصيل.

(و منها): رواية أبي بصير، و هي اثنتان بحسب النقل:

إحداهما: ما رواه الشيخ رحمه اللّٰه بإسناده، عن الحسين بن سعيد، عن فضالة، عن حسين عثمان، عن الحسن الصيقل، عن ابن مسكان عن أبي بصير، قال: سألته عن الرجل و المرأة يصليان في بيت واحد، المرأة عن يمين الرجل بحذاه؟ قال: لا، حتى ان يكون بينهما شبرا و ذراع، ثم قال: كان طول رحل رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و

آله ذراعا و كان يضعه بين يديه إذا صلّى ليستره ممن يمرّ بين يديه «1».

حيث دلت على ان الفصل بمقدار الشبر فصاعدا رافع للمنع.

و فيه: أوّلا: عدم مناسبة ذيل الحديث الذي هو بمنزلة التعليل لحكم الصدر، فان الرجل الذي كان يضعه رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و آله بين يديه غير ما إذا كان عن يمينه صلى اللّٰه عليه و آله أو عن يساره، كما لا يخفى.

و ثانيا: عدم ظهورها في المحاذاة الحقيقية، فلعلّها كانت عن يمينه الذي يعبّر عنه بالحذاء أحيانا.

و ثالثا: احتمال كون معنى قوله عليه السلام: (الّا ان يكون بينهما

______________________________

(1) الوسائل باب 5 حديث 3 من أبواب مكان المصلى ج 3 ص 427.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 362

الى آخره) هو الاستثناء المنقطع و أريد من قوله عليه السلام: (بينهما) التقدم و التأخر بأن يكون الرجل متقدما.

ثانيتهما: ما رواه الشيخ رحمه اللّٰه بإسناده، عن الحسين بن سعيد، عن محمد بن سنان، عن عبد اللّٰه بن مسكان، عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام، قال: سألته، إلى آخر ما في الاولى مع إسقاط قوله عليه السلام: (ثم قال، الى آخره) «1».

فذلكة الكلام في المسألة

انه ليس لنا رواية دالة على الجواز بقول مطلق من دون تفصيل إلا إحدى روايات جميل حيث قال عليه السلام: (لا بأس) «2».

لكن قد عرفت ان المظنون بالظن القوى الاطمئناني كونها متحدة مع روايته الأخرى المقيدة بقوله عليه السلام: (إذا كان سجودها مع ركوعه) «3» فيبقى الآخر التي يمكن ان يستدل بها على الجواز في الجملة و المنع كذلك.

و هي طوائف: الأولى ما يدل على المنع منطوقا أو مفهوما مطلقا كرواية إدريس بن عبد اللّٰه القمي «4» و

رواية عبد الرحمن بن أبي عبد اللّٰه

______________________________

(1) الوسائل باب 5 حديث 4 من أبواب مكان المصلى ج 3 ص 427.

(2) الوسائل باب 7 حديث 5 من أبواب مكان المصلى ج 3 ص 430.

(3) المصدر، الحديث 3.

(4) الوسائل باب 4 حديث 1 من أبواب مكان المصلى ج 3 ص 426

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 363

البصري «1» و رواية عبد اللّٰه بن أبي يعفور «2» و رواية على بن جعفر التي رواها العمركي، عنه، عن موسى بن جعفر (ع) «3» على وجه تقدم.

الطائفة الثانية: ما يدل على المنع في المحمل كرواية محمد بن مسلم «4» و رواية أبي بصير «5».

الطائفة الثالثة: ما يدل على التفصيل بين كون الفصل بينهما بعشرة أذرع محاذيا أو متأخرا عنها، و عدمه بالجواز في الأول و عدمه في الثاني كرواية عمار بن موسى «6» منطوقا و رواية على بن جعفر «7» على وجه تقدم.

الطائفة الرابعة: ما يدل على التفصيل بين وجود الحاجز بينهما أو الستر أو الحائط القصير أو الطويل و عدمه بالجواز في الأوّل و عدمه في الثاني لكن دلالته بحسب المفهوم فقط أيضا كإحدى روايات محمد بن مسلم «8»، و احدى روايات على بن جعفر المروية في

______________________________

(1) الوسائل باب 4 حديث 2 من أبواب مكان المصلى ج 3 ص 426.

(2) المصدر، الحديث 5.

(3) الوسائل باب 9 حديث 1 من أبواب مكان المصلى ج 3 ص 432.

(4) الوسائل باب 10 حديث 1 من أبواب مكان المصلى ج 3 ص 433

(5) المصدر، الحديث 2.

(6) الوسائل باب 7 حديث 1 من أبواب مكان المصلى ج 3 ص 431.

(7) المصدر، الحديث 2.

(8) الوسائل باب 8 حديث 2 من أبواب مكان

المصلى 3 ص 431.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 364

في السرائر «1» و رواية أخرى لمحمد بن مسلم «2» و رواية محمد بن على الحلبي «3» و رواية لعلي بن جعفر المروية في قرب الاسناد، عن أبي عبد اللّٰه بن الحسن، عن جدّه، عن على بن جعفر، عن أخيه «4».

الطائفة الخامسة: ما يدل على التفصيل بين فصل ما، على اختلاف التعابير في الروايات بشبر أو ذراع أو مقدار عظم الذراع أو قدر موضع رجل أو ما يتخطى أو ما لا يتخطى أو قدر عظم الذراع فصاعدا و عدمه كروايتي أبي بصير «5» و رواية معاوية بن وهب «6» و روايات زرارة عن أبي جعفر عليه السلام «7» و رواية حريز «8» عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام.

فهذه طوائف خمسة و لا منافات بين الاولى و الثانية إلّا بالإطلاق و التقييد فليحمل عليه.

و كذا بينهما و بين الثالثة، و كذا بين الطوائف الثلاث الأوّل و بين الرابعة.

بل يمكن ان يقال: بعدم شمول الإطلاق لصورة وجود الحاجز.

______________________________

(1) الوسائل باب 8 حديث 3 من أبواب مكان المصلى ج 3 ص 431.

(2) الوسائل باب 5 حديث 1 من أبواب مكان المصلى ج 3 ص 427.

(3) الوسائل باب 6 حديث من أبواب مكان المصلى ج 3 ص 432.

(4) الوسائل باب 7 حديث 2 من أبواب مكان المصلى ج 3 ص 431.

(5) الوسائل باب 5 حديث 3 من أبواب مكان المصلى ج 3 ص 427.

(6) المصدر، الحديث 4.

(7) المصدر، الحديث 7.

(8) المصدر، الحديث 8.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 365

و انما الكلام و البحث في معارضتها للطائفة الخامسة فإنها تدل على عدم الفصل بعشرة أذرع، و عدم لزوم الساتر

فلا بد من علاج التعارض على تقديره:

فقبل الورود في كيفيّة الجمع بينهما، نقول: ان هذه المسألة على ما يظهر بعد التتبع في الاخبار و التأمل في كلمات الفريقين من العامة و الخاصة و مسائل الخلاف بينهم لم تكن معنونة الى زمن الصادقين عليهما السلام، و الذي كان متداولا هو مسألة سنة الموقف كما نقلنا كلام الخلاف الدال على الاختلاف بين أبي حنيفة و غيره كأحمد و الشافعي.

و لكن تلك المسألة انما هي في الجماعة دون الانفراد و كان المتعارف بين المسلمين فيها تأخر المرأة عن الرجل بحيث كان مستنكرا عندهم خلاف ذلك فشرع أصحاب أبي جعفر عليه السلام و أبي عبد اللّٰه عليه السلام في السؤال عن صورة الانفراد يعني إذا صلى كل واحد من الرجل و المرأة منفردا عن الآخر لعدم تمكن الأئمة الذين قبلهما عليهما للسلام من بيان الاحكام على ما هي و معلوم ان من البعيد إرادة سؤالهم إياهم عليهم السلام من حيث الكراهة و المنقصة الواردة على الصلاة، بل الظاهر كون سؤالاتهم انما هي عن صحة الصلاة و عدمها.

و لذا ترى انه عليه السلام أجاب عن السؤال عن الصلاة في المحمل، بأنه يصلى الرجل ثم تصلي المرأة مع كون ذلك شاقا على المسافر و هذا من مبعدات حمل روايات التفصيل على مراتب الكراهة، كما لا يخفى.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 366

ثم ان تلك تحتمل وجوها:

(أحدها): التفصيل بالتقديرات المذكورة التي ترجع إلى شي ء واحد، و هو كفاية الشبر من حيث السعة.

و يبعّده الروايات الدالة على عدم جواز الصلاة معا في المحمل مع ان الفصل بهذا المقدار حاصل غالبا في أغلب المحامل، و كذا الرواية الدالة على عدم جواز الصلاة في

زاويتي الحجرة إلّا إذا كان بينهما شبر لبعد كون الحجرة ضيقة بحيث يكون الفضل بين الزاويتين أقل من الشبركى يسأل عن حكمه.

مضافا الى تبديل الشبر بالمعجمة ب (الستر) بالمهملة مع التاء المنقوطة كما سمعت، و مضافا الى بعد صلاة الرجل و المرأة متلاصقا جنب أحدهما بجنب الآخر كي يحكم بعدم الجواز إلا في صورة الفصل بلا شبر فظهر ان في هذا الحمل مبعّدات.

(ثانيهما): الفصل بها من حيث الفصل بها من ارتفاع الحائل.

و يؤيّده الروايات الدالة على جواز الصلاة في صورة تقدمه و لو بصدره أو ركبتيه.

فعلى الأخيرين لا منافاة بين الاخبار، و على الأوّل يحمل الأخبار المانعة على الكراهة، غاية الأمر كلما كان قربهما أقلّ يكون الكراهة أشد.

فالأمر يدور بين حمل الروايات المفصلة على الكراهة و بين حملها على صورة التقدم و التأخر.

و منشأ الدوران كون المراد من (الحذاء) الوارد في الاخبار، هل هو الحقيقي ليكون الفصل بهذا المقدار أيضا كذلك فيثبت الأوّل أو الأعم من الحقيقي و غيره، فيكون استثناء الفصل بمقدار الشبر أو الذراع

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 367

و نحوهما استثناء منقطعا في مقابل الأوّل الذي يكون متصلا.

فمعنى قوله عليه السلام: في رواية أبي بصير- بعد سؤاله عن كون المرأة عن يمين الرجل: (لا، الا ان يكون بينهما قدر شبر أو ذراع) «1» انه لا يجوز الصلاة في صورة المحاذاة الحقيقية، لكن إذا لم تكن حقيقية و كان الرجل متقدما و لو بشبر أو ذراع يكفي في صحة الصلاة و اما إذا كان الاستثناء متصلا يصير المعنى لا بأس بها إذا كان بينه و بينها قدر شبر.

(و بعبارة أخرى): الأدلة المفصلة و لو كانت بحسب الحكم ناصّة في الجواز الا

انها من حيث الموضوع لا تكون كذلك كما ان أدلة المنع بالعكس فإنها ناصّة من حيث الموضوع ظاهرة من حيث الحكم.

فالأمر يدور بين التصرف في موضوع المجوزة أو التصرف في حكم المانعة و المرجع في تشخيص أحدهما العرف، هل يحكمون بالأوّل أو الثاني؟ و المسألة بعد محل اشكال.

و على تقدير عدم إحراز ظهور أحد الحملين فهل يرجع الى إطلاق أدلة المنع أو الى أصالة البراءة؟ وجهان.

و حاصل الكلام على نحو الاختصار ان المسألة ينظر فيها الأقوال و اخرى الروايات اما الأول: فنقول: انها غير معنونة في كلمات العامة لعدم ذكرها في مسائل الخلاف بينهم و بين الإمامية في الكتب المعدة لنقل موارد الخلاف بينهم، مثل الخلاف للشيخ أبي جعفر الطوسي رحمه اللّٰه، و الناصريات و الانتصار للسيد المرتضى رحمه اللّٰه، و الغنية

______________________________

(1) الوسائل، باب 5، حديث 3- 4 من أبواب مكان المصلى ج 3 ص 427.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 368

لابن زهرة، و المنتهى للعلّامة.

نعم هذه المسألة معنونة بينهم في مسألة سنة الموقف في صلاة الجماعة، و لم يصل إلينا من كلمات الإمامية قبل السيد المرتضى رحمه اللّٰه الا من كان دأبه نقل كلمات الأئمة بصورة الفتوى.

و الشيخان رحمهما اللّٰه و من تبعهما قد منعوا من صحة الصلاة في صورة المحاذاة أو التقدم و ابن إدريس- و ان افتى بالجواز- الا ان طريقته في الفقه غير طريقة القدماء و ان كان موافقا للمرتضى رحمه اللّٰه تقريبا.

و اما الثاني، فإحدى روايتي أبي بصير و محمد بن مسلم «1» واردتان في المتزاملين و المحمل مع ان المسألة مما كانت عامة البلوى و ان كانت لم تبلغ من حيث كثرة الابتلاء مثل مرتبة الأذان و

الإقامة و لذا قلنا في محله: انهما لو كانتا واجبتين لكان وجوبهما بديهيا عند المسلمين.

و كيف كان فروايات المنع مؤيّدة بروايات الحاجب، و الساتر و الحاجز، و الحيطان، و الجدار.

و روايات الجواز مطلقا- على تقدير وجود الإطلاق- أو المفصلة الدالة على عدم البأس في صورة وجود الشبر أو الذراع أو قدر موضع رحل أو موضع رجل واردة في مورد روايتي لوجود الفصل بالشبر، بل الذراع و الحجب بها.

فيدور الأمر بين حملها على الكراهة على اختلاف المراتب.

______________________________

(1) الوسائل باب 10 حديث 2، و باب 5 حديث 2 من أبواب مكان المصلى ج 3 ص 433 و ص 427، على الترتيب.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 369

أو يقال: ان روايات الشبر و الذراع تحمل على ارادة الفصل بينهما من حيث التقدم و التأخر، لا من حيث الفصل مع مراعاة المحاذاة و يحمل روايات هشام بن سالم و ابن أذينة عن زرارة و جميل و عمار، الدالة على عدم البأس إذا كان الرجل متقدما بركبتيه أو كان سجودها مع ركوعه، أو كان متقدما و لو بصدره، أو إذا كانت تصيب ثوبه.

و مرجع جميعها الى ان التقدم و لو كان يسيرا يكفي في الخروج عن صدق المحاذاة فحينئذ يسقط روايات الجواز عن النصوصية، فلا تحمل على الجواز.

و على تقدير عدم ظهور في إحداهما فاللازم الرجوع الى المرجحات و الترجيح مع المنع فتوى و رواية أيضا لكون رواية الجواز منحصرة في ثلاثة أو أربعة أقسام.

(أحدها): رواية زرارة.

(ثانيها): رواية معاوية بن وهب (ثالثها): رواية جميل «1».

(رابعها): رواية حريز «2».

هذا مضافا الى إمكان ان يقال: ان المنع مخالف للعامة لعدم تعرضهم للمسألة في غير سنّة الموقف المعنونة عند العامة فيمكن ان

يقال

______________________________

(1) الوسائل باب 5 حديث 9 و باب 6 حديث 3 و باب 5 حديث 6 و باب 6 حديث 7 و باب 7 حديث 2 من أبواب مكان المصلى ج 3/ 427 ..

(2) الوسائل باب 5 حديث 8- 7- 6- 11 من أبواب مكان المصلى ج 3 ص 428- 429.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 370

ان الأرجح المنع و على تقدير عدم الأرجحية فالفتوى بالجواز مشكلة.

تذنيب

المستفاد من الأدلة كون المحاذاة مبطلا لصلاة كليهما، فإنها بحسب الواقع لا تخلو اما ان تكون الصلاتان صحيحتين أو فاسدتين أو إحداهما المعين صحيحة و الأخرى فاسدة أو إحداهما غير المعين كذلك، لا سبيل إلى الأوّل لمنافاته لمقتضى الأدلة و لا الى الثالث لعدم المعين، و لا الى الرابع لعدم وجودهما فتعين الثالث.

هنا مسألتان
(الاولى): يرتفع المنع الوضعي مطلقا بأمرين:

(أحدهما): تقدم الرجل على المرأة، و قد اختلف التعابير الواقعة في الاخبار.

(فتارة): قيده بقوله عليه السلام: (إذا صلت خلفه فلا بأس و ان كانت تصيب ثوبه) «1» كما في رواية عمار، و هو محتمل لوجهين:

أحدهما: ان يكون المراد أصابتها لثوبه في حال القيام.

و ثانيهما: أصابتها له في حال السجود، فعلى الأوّل لا يلزم تأخرها عنه بتمام بدنها، و على الثاني يلزم ذلك.

(و اخرى): قيده بقوله عليه السلام: (إذا كان سجودها مع ركوعه

______________________________

(1) الوسائل باب 7 حديث 1 من أبواب مكان المصلى ج 3 ص 430.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 371

فلا بأس) كما في مرسلة ابن بكير «1» و بعد معلومية عدم ارادة تقدم ركوعه على سجودها بالمعنى المصدري يحمل على اراده كون مسجدها محاذيا لموضع ركوعه، و هذا أقلّ تأخرا من الأوّل بناء على ثاني احتماليه.

و (ثالثة): قيده بقوله عليه السلام: (إذا كان سجودها مع ركبتيه) كما في رواية هشام بن سالم «2».

و هذا أيضا يحتمل وجهين:

أحدهما: ان يكون المراد أن الرجل إذا ركع يكون موضع ركوعه محاذيا لموضع سجودها.

ثانيهما: ان يكون المراد كون موضع ركبتيه حال السجود محاذيا لموضع سجودها.

(و رابعة): قيده بقوله عليه السلام: (ان يكون قدامها و لو بصدره) كما في رواية عمر بن أذينة عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام «3»، و هذا أقل

تقدما من الكل بناء على ان يكون المراد تقدم صدره عرضا لا طولا بمعنى ان يكون الرجل بمقدار صدره متقدما على المرأة و الا يكون متحدا مع غير الاولى تقريبا.

و لا يبعد اتحاد الثلاثة الأخيرة و رجوعها إلى أمر واحد، و هو كفاية التقدم في الجملة، غاية الأمر اختلافها بحسب المصاديق و تحمل رواية عمار أيضا على أحد المصاديق و لا يبعد ذلك و ان كان الأحوط

______________________________

(1) الوسائل باب 7 حديث 5 من أبواب مكان المصلى ج 3 ص 430.

(2) الوسائل باب 5 حديث 9 من أبواب مكان المصلى ج 2 ص 428.

(3) الوسائل باب 6 حديث 2 من أبواب مكان المصلى ج 3 ص 430.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 372

اختيار مفاد رواية عمار على الاحتمال الأوّل.

(و ثانيهما) «1» الفصل بالحاجب، و هو أيضا على اختلاف التعابير الواردة في الأخبار يكفي في رفع المنع الوضعي، مثل الحاجب و الستر و الحاجز و الجدار مطلقا، و الحيطان كذلك «2».

نعم لا يكفى كونه حاجزا في حال السجود فقط دون الركوع و الجلوس و القيام.

(الثانية): قد عرفت ان المستفاد من الأدلة، بطلان صلاتيهما معا

لا بمعنى انهما يتحققان أوّلا آناً ما ثم يبطل في الآن الثاني كما في الجواهر، و ذلك انه انما يحتاج اليه فيما إذا دل الدليل القطعي على اعتبار كون المتصف بالبطلان، هو الصلاة المتحققة كما في أعتق عبدك عنّى حيث دل الدليل على صحة العتق و توقفه على الملك فيلتزم بالملك آناً ما.

و اما في مثل المقام لكون المتصف بالبطلان هو الصلاة المتحققة الصحيحة فهو أوّل الكلام بل «3» بمعنى عدم تحققهما معا و عدم صيرورتهما صلاة في الرتبة الواحدة كما لا يخفى.

فحينئذ لو شرع أحدهما في الصلاة ثم شرع

الآخر فهل يبطل صلاة المتأخر فقط أم المتقدم أيضا؟ وجهان بل قولان.

ففي الجواهر اختار الثاني استنادا إلى رواية أبي بصير و محمد بن مسلم و عبد اللّٰه بن أبي يعفور «4» فإنها دالة بإطلاقها على ان صلاة

______________________________

(1) عطف على قوله مد ظله: أحدهما تقدم الرجل.

(2) لاحظ الوسائل باب 8 من أبواب مكان المصلى ج 3 ص 431.

(3) استدراك من قوله مد ظلّه: لا بمعنى انهما يتحققان، إلخ.

(4) الوسائل باب 10 حديث و باب 5 حديث 2 و 5 من أبواب مكان المصلى ج 3 ص 433 و 427- 428 على الترتيب.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 373

كل واحد منهما في صورة فرض المحاذاة، أو تقدم المرأة على الرجل باطلة من دون تقييد بكون أحدهما آخذا في الصلاة متقدما أو شرعا معا.

و فيه ان غاية مفاد الروايات عدم صحة صلاتيهما معا بمعنى انهما لو أرادا صحة صلاتيهما فليصل أحدهما أوّلا ثم الآخر ثانيا، و اما في غير هذه الصورة فلا تعرّض فيها للصحة مطلقا، و لا البطلان، و لا صحة إحديهما و بطلان الأخرى.

و من هنا يظهر الجواب عما عن جامع المقاصد كما عن الجواهر من أن «1».

______________________________

(1) الى هنا جفّ قلمي في تقرير بيانه قدس سرّه في هذه المسألة فالمناسب نقل ما في الجواهر تتميما لها، قال في الجواهر ج 8 ص 313 ما لفظه: و على كل حال فقد ظهر لك من ذلك كله انه لا محيص عن القول بالكراهة كما انه يظهر لك من التأمل فيه، وجه النظر فيما أطنب فيه في الحدائق من ترجيح المنع.

و الظاهر ان المدار في الكراهة أو المنع صحة الصلاتين لو لا المحاذاة فلا عبرة بالفاسدة

لفقد طهارة مثلا، اما بناء على انها اسم للصحيح فواضح، و اما على الأعم فلأنها المنساقة إلى الذهن في أمثال هذه المقامات بل هي المسئول عن صحتها و فسادها في النصوص السابقة، فإطلاق الأدلة المقتضي صحة المقارنة لها الفاسدة بحالها بلا معارض.

و منه يظهر ضعف احتمال التعميم في جامع المقاصد و غيره لإطلاق اسم الصلاة على الصورة غالبا، و لامتناع تحقق الشرط عند بطلان الصلاتين، و لا يجدي التخصيص بقيد لولاه.

و فيه ان الإطلاق لا ينفى الانسباق في خصوص المقام و انهما عند الصحة لولاه تنعقدان ثم تبطلان، و لا تنعقدان عند البطلان، فلا تبطل الصحيحة منهما، بل هو عند التأمل مرجعه إلى المغالطة.

كالمحكي عن بعضهم من المناقشة في أصل الحكم، بان المانع اما صورة الصلاة، و هو باطل لعدم اعتبار الشارع ايّاها، و اما الصحيحة، و هو باطل و الا لاجتمع الضدان أو ترجيح أحد طرفي الممكن بلا مرجح، ضرورة عدم كون الشرط، الصحة، بل هو عدم البطلان بسبب آخر و معناه الصحة على تقدير عدم المحاذاة و التقدم.

و ما أشبه هذه المناقشة بما وقع لأبي حنيفة في الاستدلال على دعواه من اقتضاء النهي في الصلاة الصحة؟ فلا ينبغي وقوع مثلها بعد وضوح المراد.

________________________________________

بروجردى، آقا حسين طباطبايى، تقرير بحث السيد البروجردي، 2 جلد، دفتر انتشارات اسلامى وابسته به جامعه مدرسين حوزه علميه قم، قم - ايران، اول، 1416 ه ق

الجزء الثاني

[تتمة كتاب الصّلاة]

اشارة

بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ

الاهتمام بالصّلاة

محمد بن علىّ و غيره، عن ابن فضّال، عن المثنّى، عن أبي بصير قال: دخلت على أمّ حميدة أعزّيها بأبي عبد اللّٰه عليه السلام فبكت و بكيت لبكائها، ثمّ قالت: يا أبا محمد لو رأيت أبا عبد اللّٰه عليه السلام عند الموت لرأيت عجبا، فتح عينيه ثمّ قال:

اجمعوا كلّ من بيني و بينه قرابة، قالت: فما تركنا أحدا إلّا جمعناه، فنظر إليهم ثمّ قال: انّ شفاعتنا لا تنال مستخفّا بالصلاة «1»

______________________________

(1) الوسائل باب 6 حديث 11 من أبواب أعداد الفرائض و نوافلها إلخ، ج 3 ص 17.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 4

[مقدمة المقرر]

بسم اللّٰه الرّحمن الرّحيم الحمد للّٰه الّذي خلق فسوّى، ثمّ أرسل رسله بالبيّنات فبيّن و هدى و الصلاة و السلام على جميع الأنبياء و المرسلين لا سيّما خاتم النبيّين و شفيع المذنبين و رحمة للعالمين محمّد بن عبد اللّٰه القرشي و الهاشمي التهامي الّذي أنزل اللّٰه عليه القرآن الذي فيه آيات بينات للعالمين.

و على وصيّه و وزيره و خليفته أمير المؤمنين علي بن أبي طالب الّذي لولاه لم يعرف المؤمنون بعده.

و على أولاده المعصومين الأحد عشر الّذين ختم بهم بوصىّ الأوصياء الإمام الثاني عشر الحجّة بن الحسن العسكري (عج) صلوات اللّٰه عليهم أجمعين.

(و بعد) فانّ من نعم اللّٰه تعالى علىّ- و ان كان نعمه لا تعدّ و لا تحصى- أن وفّقني لدرك حضور مجلس بحث سيّد و مربّينا الأستاذ الأكبر و المولى الأفخم الأعظم الآية في العلم و العمل و الزهد في هذه الدنيا الدنيّة آية اللّٰه العظمى المرجع الديني الأعظم منذ خمسة عشر عاما بالحوزة المقدّسة العلميّة الّتي أسّسها مؤسّسها المرجع الديني آية اللّٰه العظمى الحاج الشيخ عبد الكريم الحائري

(قده) أعنى الحاجّ آقا حسين الطباطبائي البروجردي (قده) المتوفّى 1380 الهجري القمري.

و كان (قده) بحرا موّاجا جامعا بين صفتي التتبّع و التحقيق،

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 5

و قلّما يتّفقان في فقيه واحد فارتويت من ماء عذبه بقدر سعة ما أودعه في وجودي من القابليّة و الظرفيّة.

فوفّقت- بحمد اللّٰه- للاستفادة من بياناته قدس سرّه به:

1- نبذة من أحكام الوصيّة.

2- نبذة من أسباب الضمان و منجزات المريض و نبذة من أحكام الغصب.

3- نبذة- في الأصول- من أوّل مشتقّات الكفاية إلى آخر بحث حجّية الإجماع.

4- نبذة من بحثه في صلاة الجمعة و المسافر و أوقات الصلاة و غيرها.

فوفّقت بحمد اللّٰه لتقرير المذكورات ثم جدّدت النظر بعد ارتحاله- قدس سرّه- قريبا من ثلاثين سنة فوفّقت بحمد اللّٰه- بقدر وسعى لترتيبها و علّقت عليها مواضع الأحاديث إلّا ما زاغ عنه البصر- و بعض التوضيحات و التعليقات.

و ها ان الذي بين يديك هو تقرير بحثه في الأذان و الإقامة و النية و القيام و تكبيرة الإحرام و النوافل و صلاة الجمعة و المسافر.

أسأل اللّٰه تعالى أن يجعله ذخرا لي في يوم لا ينفع مال و لا بنون الّا من أتى اللّٰه بقلب سليم، و يجعله أداء لبعض حقوق سيّدي الأستاذ المعظّم.

اللّٰهم صل على محمد و آل محمد لا إله إلّا اللّٰه

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 7

[القسم الأوّل من الكتاب]

اشارة

بسم اللّٰه الرحمن الرحيم

فصل في الأذان و الإقامة «1»
[فصل في شرعيتهما و استحبابهما]
اشارة

اعلم انه قد أشير في القرآن المجيد إلى الأذان الذي هو الإعلام بالصلاة في موضعين منه:

(أحدهما): قوله تعالى وَ إِذٰا نٰادَيْتُمْ إِلَى الصَّلٰاةِ اتَّخَذُوهٰا هُزُواً وَ لَعِباً ذٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لٰا يَعْقِلُونَ «2».

(ثانيهما): قوله تعالى إِذٰا نُودِيَ لِلصَّلٰاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلىٰ ذِكْرِ اللّٰهِ وَ ذَرُوا الْبَيْعَ ذٰلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ «3».

فان الظاهر أن النداء في الآيتين أريد الأذان المتداول بين المسلمين، لعدم تعارف النداء بغير الأذان في زمن النبي صلى اللّٰه عليه و آله.

و يدل عليه عدم وصول غير الأذان من الأمور التي يمكن ان يناط بها للصلاة كالناقوس مثلا و نحوه.

و لا يخفى ان تشريع الأذان بل الإقامة أيضا للنداء كما يومئ اليه

______________________________

(1) أقول: قد وفقت بهذا التقرير في مورخة 20 ذي حجة الحرام سنة 1371 ه ق بحمد اللّٰه و منه.

(2) سورة المائدة، الآية 58.

(3) سورة الجمعة، الآية 9.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 8

فصولهما كالحيعلات الثلاث، فإن الأذان لنداء الغائبين، و الإقامة لتنبيه الحاضرين و توجيههم نحو الصلاة.

(لا يقال): انه لو كان كذلك لما شرّعا للمنفرد لعدم اعلام لأحد و لا تنبيه له.

(فإنه يمكن ان يقال): ان أصل تشريعهما في صلاة المنفرد لتأسيس الجماعة كما يشير إليه الأخبار «1». الدالة على ان المصلى إذا اذن و اقام صلى خلفه صفان من الملائكة و إذا أقام صلى خلفه صف واحد.

فصلاة المنفرد و لو كانت فرادى صورة و لكنها في الحقيقة انعقدت جماعة، فالأذان و الإقامة فيها لتأسيس الجماعة المعنوية، فعلم ان الإقامة أيضا فيها نوع من النداء أيضا، و يؤيده إطلاق المؤذن و المقيم

______________________________

(1) مثل ما رواه الشيخ رحمه اللّٰه بإسناده، عن

الحسين بن سعيد، عن يحيى الحلبي، عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام قال: إذا أذنت في أرض فلاة و أقمت صلى خلفك صفان من الملائكة، و ان أقمت و لم تؤذن صلى خلفك صف واحد.

و ما رواه الكليني رحمه اللّٰه، عن على بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن حماد، عن الحلبي، عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام قال:

إذا أذنت و أقمت صلى خلفك صفان من الملائكة، و إذا أقمت صلى خلفك صف من الملائكة.

و ما رواه الصدوق رحمه اللّٰه بإسناده، عن العباس بن هلال عن أبي الحسن الرضا عليه السلام قال: من أذن و اقام صلى خلفه صفان من الملائكة، و من صلى بإقامة بغير أذان صلى خلفه صف عن يمينه واحد، و عن يساره واحد، ثم قال: اغتنم الصفين، و غيرها من الاخبار، فراجع الوسائل باب 4 من أبواب الأذان و الإقامة، ج 4 ص على پناه الاشتهاردى.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 9

في بعض الاخبار «1».

و يؤيده أيضا ان الإقامة شرّعت للنداء، زيادة قوله: (قد قامت الصلاة) مرّتين، فكأنها لأجل ان الغالب اشتغال المجتمعين بالأمور الغير المربوطة بالصلاة، توجّهوا ثانيا بلفظ يدل على ان الصلاة قد أقيمت و حان وقت شروعها، لكي يتوجهوا نحو الملك القهار.

هذا مضافا الى ان الحضور عند سلطان السلاطين من دون تهيئة و مقدمة و توطين النفس قبيح فشرّعت الإقامة لتهيئة النفس نحوه عزّ و جل و خضوعه لديه.

و بالجملة فتوهم انهما من الأمور التعبدية التي لم يعلم وجه تشريعهما و انهما كسائر الأذكار الواجبة أو المستحبة في نفس الصلاة

______________________________

(1) مثل ما رواه الشيخ رحمه اللّٰه بإسناده عن الحسين بن فضالة عن حسين بن

عثمان عن ابن مسكان عن ابن أبي عمير قال: سألت أبا عبد اللّٰه عليه السلام عن الرجل يتكلم في الإقامة؟ قال: نعم، فإذا قال المؤذن قد قامت الصلاة فقد حرم الكلام على أهل المسجد الّا ان يكونوا قد اجتمعوا من شتى و ليس لهم امام، فلا بأس ان يقول بعضهم لبعض:

تقدم يا فلان، الوسائل، باب 10 حديث 7 من أبواب الأذان و الإقامة ج 4 ص 629.

فان التفريع بقوله عليه السلام: فإذا قال المؤذن، الى آخره مع ان السؤال قد وقع عن التكلم في أثناء الإقامة يدل على جواز إطلاق المؤذن على المقيم كما لا يخفى على العارف بأساليب الكلام، على پناه الاشتهاردى.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 10

مما لا يخفى فساده على من تأمل في معاني فصولها الثلاثة و هي الحيعلات.

نعم من لم يكن من أهل لسان العرب، يمكن ان يتوهم هذا لعدم اطلاعه على معانيها، فلو قيل بالفارسية: (بشتابيد به نماز بشتابيد بنماز، الى آخره) لم يشك أحد ممن يكون عارفا بهذا اللسان ان غرض المشرع توجيه المسلمين نحو الصلاة لا انه عبادة مستقلة كسائر العبادات، كما لا يخفى.

و من هنا يظهر انهما لا تكونان جزءين للصلاة بحسب أصل التشريع،

بل تكونان خارجين عن حقيقة الصلاة، فلا يكون لها وجوب شرطي، و إثبات الوجوب التكليفي المستقل أيضا مشكل بل في الاخبار ما يدل على خلافه، كالأخبار الدالة على حضور الصف أو الصفين عند تحققهما أو أحدهما «1».

و كبعض الأخبار الواردة في نسيان الأذان و الإقامة، مثل ما رواه الشيخ عليه الرحمة بإسناده، عن سعد بن عبد اللّٰه، عن محمد بن الحسين عن جعفر بن بشير، عن حماد بن عثمان، عن عبيد بن زرارة، عن أبيه قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عن رجل

نسي الأذان و الإقامة حتى دخل في الصلاة؟ قال: فليمض في صلاته فإنما الأذان سنة «2».

فان الظاهر ان المراد من قوله عليه السلام: (فإنما الأذان سنة) هو سنة النبي صلّى اللّٰه عليه و آله و هو أعم من الإقامة كما أشرنا إليه من جواز إطلاق الأذان على الإقامة.

______________________________

(1) الوسائل باب 4 من أبواب الأذان و الإقامة ج 4 ص 619.

(2) الوسائل باب 29 حديث 1 من أبواب الأذان و الإقامة ج 4 ص 656.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 11

و قد يتوهم ان المراد من السنة هو سنة النبي صلى اللّٰه عليه و آله و هي في مقابل الفرض كما أطلقت لفظة (السنة) بهذا المعنى فيما رواه الشيخ رحمه اللّٰه بإسناده، عن محمد بن على بن محبوب، عن محمد بن الحسين، عن صفوان، عن عبد اللّٰه بن بكير، عن عبيد بن زرارة، قال:

قلت لأبي عبد اللّٰه عليه السلام: الرجل يحدث بعد ما يرفع رأسه من السجود الأخير؟ فقال: تمت صلاته، و اما التشهيد سنة في الصلاة الحديث «1».

و ما رواه في الكافي، عن محمد بن يحيى، عن احمد بن محمد بن عيسى، عن الحسين بن سعيد، عن فضالة بن أيوب، عن ابن بكير عن عبيد بن زرارة، عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام قال: سألته عن رجل صلى الفريضة، فلما فرغ و رفع رأسه من السجدة الثانية من الركعة الرابعة أحدث؟ فقال: اما صلاته فقد مضت و بقي التشهد، و انما التشهد سنة في الصلاة، الحديث «2».

و غيرها من الاخبار الواردة في التشهد و في السجدة أيضا «3».

و لكنه فاسد:

(أوّلا): فإن الظاهر من لفظ (السنة) ما هو في مقابل الفريضة.

(و ثانيا): على تقدير ارادة

المعنى المذكور من السنة، فعدم ذكرهما معا في القرآن، محل نظر، بل منع لما ذكرنا من ان الآيتين إشارتان إلى الأذان، نعم لو أريد ان الأذان لم يذكر تفصيلا في

______________________________

(1) الوسائل باب 13 حديث 2 من أبواب التشهد، ج 4 ص 1001

(2) المصدر، الحديث 4.

(3) راجع الباب المذكور.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 12

القرآن، فهو حق الا انه منقوض بكثير من الفرائض التي هي بجعل الشارع المقدس مع عدم ذكرها في القرآن مفصلة بل أشير إليها على نحو الإجمال «1».

(و ثالثا): انهما أيضا مجعولان بجعل الهى كما ورد في الاخبار «2» الدالة، و حفظ عليه السلام، و تعليمه لبلال مؤذن رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و آله.

(و رابعا): لا يناسب حمل قوله عليه السلام، في خصوص المقام السنة بذلك المعنى المذكور، لعدم المناسبة حينئذ للتعليل لعدم وجوب الإعادة كما لا يخفى.

هذا مضافا الى عدم أصل وصفها للوجوب حيث انهما مجعولان لغرض لا يجب و هو الجماعة.

و الى انهما لو كانا أو أحدهما واجبين مع عموم البلوى بها لاحتياج أكثر المسلمين الى فعلهما كل يوم أو ليلة خمس مرات، لوجب

______________________________

(1) كبيان أصل وجوب الصلوات و بيان أوقاتها و بيان ركوعها و سجودها.

(2) مثل ما رواه الكليني رحمه اللّٰه عن على بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن عمر بن أذينة، عن زرارة أو الفضيل، عن أبي جعفر عليه السلام، قال: اسرى برسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و آله الى السماء فبلغ البيت المعمور و حضرت الصلاة، فأذن جبرئيل و اقام فتقدم رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و آله و صفّ الملائكة و النبيون عليهم السلام خلف محمد صلى اللّٰه عليه و

آله و سلم، الوسائل باب 1 حديث 1 من أبواب الأذان و الإقامة ج 4 ص 612.

و بالإسناد عن ابن أبي عمير، عن حماد، عن منصور بن حازم، عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام قال: لما هبط جبرئيل عليه السلام بالأذان على رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و آله كان رأسه على حجر عليّ عليه السلام فأذن جبرئيل و اقام فلما انتبه رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و آله قال: يا عليّ سمعت؟ قال: نعم، قال: حفظت؟ قال: نعم، قال: ادع بلالا فعلمه فدعا عليّ عليه السلام بلالا فعلمه، الوسائل باب 1 حديث 2 ص 612 من أبواب الأذان و الإقامة، و غيرها من الاخبار.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 13

عقلا على الشارع بيان وجوبهما بأبلغ وجه، و لا يكتفى بهذا البيان الذي لا يكون منشأ للظهور فضلا عن الصراحة التي تلزم في مثل المقام بل ظاهر في عدم الوجوب كما أشرنا إليه من الاخبار الدالة على اقتداء الملائكة صفا واحدا أو اثنين.

و الى «1» ما قد يقال «2» من استصحاب عدم الجعل على نحو الوجوب- بعد فرض كونهما غير واجبين في أول الإسلام كما أشرنا إليه من اخبار تعليم عليّ عليه السلام الأذان و الإقامة لبلال مؤذن رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و آله.

و كيف كان فالأقوى عدم الوجوب مطلقا، جماعة كانت أو فرادى جهرية كانت الصلاة أم إخفاتية، للرجال و النساء، هذا.

و لكن في المسألة أقوال أخر

لا بأس بنقلها، قال الشيخ عليه الرحمة: ص 34 الطبعة الحجرية مسألة 28: الأذان و الإقامة سنتان

______________________________

(1) عطف على قوله مد ظله: الى عدم الأصل و قوله: إلى أنها.

(2) القائل هو الفقيه المحقق الحاج آقا رضا الهمداني في مصباح

الفقيه، و هو ظاهر كلام الشيخ رحمه اللّٰه أيضا في النهاية حيث قال: و من تركهما فلا جماعة، فتأمل، على پناه الاشتهاردى.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 14

مؤكدتان في صلاة الجماعة، و في أصحابنا من قال: هما واجبان في صلاة الجماعة، و قال الشافعي: هما سنتان مؤكدتان في صلاة الجماعة مثل قولنا، و قال أبو سعيد الإصطخري من أصحابه: انهما فرض على الكفاية، و يجب ان يؤذن حتى يظهر الأذان لكل صلاة، فإن كانت قربة فيجزى أذان واحد فيها، و ان كان مصر فيه محالّ كثيرة اذن في كل محلة حتى يظهر الأذان في البلد، و ان اتفق أهل القرية أو البلد على ترك الأذان قوتلوا حتى يؤذنوا، و قال باقي أصحابه: ليس ذلك مذهب الشافعي، و لا يعرف له ذلك، و قال داود: هما واجبان، و لا يعيد الصلاة من تركهما، و قال الأوزاعي: يعيد الصلاة في الوقت، و ان فات الوقت فلا يعيدها، و قال عطاء: ان نسي الإقامة أعاد الصلاة (انتهى).

قوله رحمه اللّٰه: (و في أصحابنا من قال: هما واجبان) يحتمل ان يكون المراد الوجوب النفسي و يحتمل الوجوب الشرطي فيبطل الصلاة بتركهما.

و اما قول الإصطخري فلعله ناظر الى ان الأذان لما كان من شعائر الإسلام ففي كل قرية تحقق، يعرف إسلام أهل تلك القرية فلذا لو تركوا جميعا قوتلوا عليه، و مرجع هذه المقاتلة هو المقاتلة على أصل الإسلام، و الا فلا ارتباط لمثل هذا الحكم بترك مثل الأذان.

و قال العلامة عليه الرحمة في المختلف ص 87: مسألة أوجب الشيخان رحمهما اللّٰه تعالى الأذان و الإقامة في صلاة الجماعة، و اختاره ابن البراج و ابن حمزة و أوجبهما السيد المرتضى

رحمه اللّٰه في الجمل على الرجال دون النساء في كل صلاة جماعة في سفر أو حضر، و أوجبهما

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 15

عليهم في سفر و حضر في الفجر و المغرب و صلاة الجمعة، و أوجب الإقامة خاصة على الرجل في كل فريضة، و قال ابن الجنيد: الأذان و الإقامة واجب على الرجال للجمع و الانفراد، و السفر و الحضر، في الفجر و الجمعة يوم الجمعة، و الإقامة في باقي الصلوات المكتوبات التي تحتاج الى التنبيه على أوقاتها، و جعلهما أبو الصلاح شرطا «1» و للشيخ رحمه اللّٰه قول آخر ذهب إليه في الخلاف: انهما مستحبان ليسا بواجبين في جميع الصلوات جماعة صليت أو فرادى، و هو الذي اختاره السيد المرتضى في المسائل الناصرية، قال السيد: اختلف أصحابنا في الأذان و الإقامة، فقال قوم: انهما من السنن المؤكدة و جميع الصلوات و ليسا بواجبين و ان كان في صلاة الجماعة، و في الفجر و المغرب و صلاة الجمعة أشدّ تأكيدا، و هذا الذي اختاره و اذهب اليه، و ذهب بعض أصحابنا إلى انهما واجبان على الرجال خاصة دون النساء في كل صلاة جماعة، في سفر أو حضر، و يجبان عليهم جماعة و فرادى في الفجر و المغرب و صلاة الجمعة و الإقامة- دون الأذان- تجب في باقي الصلوات المكتوبات، و جعل في الجمل قول الناصرية رواية، و قال ابن أبي عقيل: من ترك الأذان و الإقامة متعمدا بطلت صلاته إلا الأذان في الظهر و العصر و العشاء الآخرة، فإن الإقامة مجزية عنه، و لا اعادة في تركه، فأما الإقامة فإن تركها متعمدا بطلت صلاته و ليس عليه الإعادة.

و الحق عندي اختيار الشيخ

في الخلاف و المرتضى في المسائل

______________________________

(1) هو ظاهر كلام الشيخ رحمه اللّٰه أيضا في النهاية حيث قال: و من تركها فلا جماعة- على پناه الاشتهاردى.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 16

الناصرية، و هو مذهب ابن إدريس و سلّار.

(لنا) الأصل عدم الوجوب و براءة الذمة (الى ان قال):

و في الصحيح عن زرارة، قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عن رجل نسي الأذان و الإقامة حتى دخل في الصلاة؟ قال: فليمض في صلاته، فإنما الأذان سنة «1».

و الاستدلال بهذا الحديث يتوقف على مقدمات:

(الاولى): ان لفظة (انما) للحصر بالنقل عن أهل اللغة.

و لان لفظه (ان) للإثبات و (ما) للنفي حالة الانفراد، فكذا حالة التركيب، و الا لكان تركيب اللفظ مع غيره مخرجا له عن الحقيقة و هو باطل قطعا.

(فاما) ان يتواردا على محل واحد، فيلزم التناقض المحال (أو) يكون الإثبات راجعا الى غير المذكور، و باطلا اتفاقا، فيتعين العكس و هو الحصر بعينه.

(الثانية) لفظة (السنة) مشتركة بين الندب و بين ما استفيد من سنة النبي صلى اللّٰه عليه و آله ببياناته، و المراد هنا الأوّل، لأنها المناسبة للحكم دون الثاني.

اختلف علمائنا على قولين:

(أحدهما): ان الأذان و الإقامة سنتان في جميع المواطن و هو الذي اخترناه.

(و الثاني): انهما واجبان في بعض الصلوات على ما فصّلناه فالقول باستحباب الأذان في كل المواطن و وجوب الإقامة في بعضها

______________________________

(1) الوسائل باب 29 حديث 1 من أبواب الأذان و الإقامة ج 4 ص 656.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 17

خارق للإجماع و خرق الإجماع باطل إذا ثبت هذه المقدمات فنقول:

ثبت بمنصوص الحديث ان الأذان مستحب في كل المواطن عملا بالحصر، و إذا كان الأذان مستحبا في كل موضع فكذا

الإقامة، و الّا لزم خرق الإجماع (انتهى موضع الحاجة من كلامه رفع مقامه).

و الظاهر ان المراد من صلاة الجمعة في كلام السيد رحمه اللّٰه هو صلاة الظهر يوم الجمعة لا هي نفسها، لأنها داخله في قوله رحمه اللّٰه: (في كل صلاة جماعة و قد حكم بوجوبهما في الجماعة).

و نظيره ما وقع في كلام ابن الجنيد رحمه اللّٰه و بعض أصحابنا و كذا في كلام السيد رحمه اللّٰه في المسائل الناصرية، فإن المراد ما ذكرناه على الظاهر.

ثم لا يخفى عدم الاحتياج إلى المقدمة الثالثة في مقام الاستدلال لما أشرنا إليه سابقا من ان المراد بالأذان ما يعم الإقامة بقرينة السؤال.

فصل المشهور من زمن الشهيد الأوّل ان الأذان على قسمين:
اشارة

أذان الصلاة و أذان الإعلام يعنى الاعلام بدخول الوقت فقط.

و لا شبهة و لا خلاف في مشروعية الأوّل، و هل الثاني ثابت أيضا أم لا؟ بمعنى ان الشارع أمر به لإعلام الناس به لحضورهم للصلاة كذلك أمر به لاعلامهم بدخول الوقت مع قطع النظر عن حضورهم للصلاة

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 18

أو إتيانه لأجلها أم لا؟ قولان.

استدل للأوّل بوجوه:

(الأول): الاخبار الواردة في فضل الأذان و انه كالمتشحط «1» بدمه في سبيل اللّٰه «2».

______________________________

(1) لعل وجه هذا التعبير ان الأذان قبل بيان النبي صلى اللّٰه عليه و آله لم يكن معهودا، بل المعهود في ذلك الزمان استعمال آلات الأغاني و كأنه كان بدعة في نظره بحيث يكون المؤذن في معرض الخطر بالقتل أو الجرح أو كان الاعلام العلني بالتوحيد و بالنبوة كان سببا لوقوع المؤذن في مقام الخطر، و اللهٰن العالم.

(2) الوسائل باب 2 حديث 4 من أبواب الأذان و الإقامة ج 4 ص 613 و متنه هكذا:

روى الشيخ بإسناده، عن محمد بن على

بن محبوب، عن محمد بن الحسين، عن محمد بن حسان، عن عيسى بن عبد اللّٰه، عن أبيه، عن جده، عن علي عليه السلام قال: قال رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و آله: للمؤذن فيما بين الأذان و الإقامة مثل أجر الشهيد المتشحط بدمه في سبيل اللّٰه قال: قلت: يا رسول اللّٰه انهم يجتلدون على الأذان (و الإقامة خ ل) قال: كلا، إنه ليأتي على الناس زمان يطرحون الأذان على ضعفائهم و تلك لحوم حرمها اللّٰه على النار.

و الاخبار المشار إليها مثل ما رواه الشيخ رحمه اللّٰه بإسناده عن محمد بن على بن محبوب، عن يعقوب بن يزيد، عن ابن أبي عمير، عن معاوية بن وهب، عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام، قال: قال رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و آله: من اذن في مصر من أمصار المسلمين سنة وجبت له الجنة.

و عنه، عن احمد بن محمد، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن زكريا، صاحب السابري عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام، قال: ثلاثة في الجنة على المسك الأذفر، مؤذن أذن احتسابا، و امام قوم و هم به راضون، و مملوك يطيع اللّٰه و يطيع مواليه.

و غيرهما من الاخبار المشتملة على ذكر ثواب عظيم و أجر جزيل فراجع الوسائل باب 1، 2، 4 من أبواب الأذان.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 19

و فيه: انه لا دلالة فيها على استحباب خصوص أذان الاعلام و انما تدل على مطلوبية الأذان و محبوبيته و ترتب المثوبات العظيمة عليه، و من الممكن كون تلك الأمور لأجل اعلامه للناس بحضور الصلوات لا لدخول الوقت فقط.

و بالجملة لا ظهور فيها على المدعى بمعنى انه لو فرض عدم ارادة نفس المؤذن

إتيان الصلاة، كانت دالة على استحبابه أيضا، فلا دلالة فيها، بل فصول الأذان دالة على ما هو مجعول لأجله مثل الحيعلات فلو أريد من هذه الكلمات الاعلام بدخول الوقت لكان لغوا، و خفائه علينا لأجل انا لسنا من أهل لسان العرب و مأنوسين بلغتهم، و الّا لا يفهم من هذه الفصول إلّا الإعلام بدخول وقت الصلاة و التحريض على الحضور لها.

(الثاني): الاخبار الواردة في جواز الاعتماد بأذان المؤذن الثقة «1» فلو لم يكن الأذان للإعلام بدخول الوقت لم يكن له وجه.

(و فيه): ان غاية مفاد تلك الاخبار انه لم يدخل الوقت لم يجز الأذان و لم يشرع، اما انه بعد دخول الوقت لأجل الإعلام به أو للحضور للصلاة فلا.

______________________________

(1) الوسائل باب 3 من أبواب الأذان و الإقامة ج 4 ص 618.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 20

(الثالث): الاخبار الواردة «1» على انه كان لرسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و آله مؤذنان أحدهما يؤذن قبل الوقت، و الآخر بعده فأمره بعدم جواز الأكل عند أذان الثاني دون الأوّل.

(و فيه) ان الأمر بعدم جواز الاعتماد باعتبار أنه يؤذن قبل دخول الوقت لا يوجب كونه بعد دخوله مستحبا لأجله كما لا يخفى.

(الرابع): ما عن الحدائق، و هو المعروفية بين المسلمين في كل عصر و مصر.

(و فيه) انه ان كان المراد ان نفس المعروفية من دون استناد الى المعصوم عليه السلام دليل على المدعى ففيه ما لا يخفى، و ان أريد السيرة المستمرة إلى زمن المعصوم عليه السلام، ففيه انه لم يحرز اتصال هذه السيرة إلى زمانه عليه السلام.

هذا مع ان ادعاء السيرة على كون أذانهم لأجل الإعلام بدخول الوقت فقط من دون اعلام بحضور وقت الصلاة و

تحريضهم عليها، فيه ما لا يخفى.

و بالجملة لا دليل على استحباب أذان الإعلام بدخول الوقت فقط من دون إرادة اعلام بحضور وقت الصلاة، نعم لا بأس به رجاء.

مسألة 1- استحباب الأذان و الإقامة ثابت لخصوص الصلوات اليومية

و اما استحبابهما لغيرها من الصلوات الواجبة أو المندوبة فلا يشرعان مطلقا.

مسألة 2- هل يستحب الجهر بالأذان للمرأة أيضا

إذا لم يكن هناك أجنبي يسمع صوتها أم لا؟ وجهان.

______________________________

(1) الوسائل باب 8 من أبواب الأذان و الإقامة ج 4 ص 625.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 21

فصل في كيفية الأذان و الإقامة
اشارة

و اعلم ان في هذا البحث جهات من الاختلاف:

(الاولى): في الترجيع.

(الثانية): في التثويب.

(الثالثة): في فصولهما.

و محصّلها يرجع الى أمرين: (أحدهما): الاختلاف في نوع الفصول (الثاني): في عددها و هو الاختلاف في عدد التكبيرات أوّلا و آخرا (الثالث): في عدد التهليلات.

و الاختلاف في نوع الفصول في موارد ثلاثة: (أحدهما): في الترجيع (ثانيها): في التثويب (ثالثها): في قول حيّ على خير العمل هذا مجمل الكلام في موارد الاختلاف.

[في الترجيع]

إذا عرفت هذا فلا بأس بالإشارة إلى نقل أقوال العامة في خصوص التثويب و الترجيع و ان لم يكن بهما قائل خصوصا الأوّل، الّا نادرا.

قال الشيخ رحمه اللّٰه في الخلاف ص 34 مسألة 30: لا يستحبّ التثويب في حال الأذان و لا بعد الفراغ منه، و هو قول القائل:

(الصلاة خير من النوم) في جميع الصلوات، و للشافعي في خلال الأذان قولان: (أحدهما): انه مسنون في صلاة الفجر دون غيرها من الصلوات (و الثاني): انه مكروه مثل ما قلناه و كرهه في الأم و استحبه في مختصر البويطي، و قال أبو إسحاق: فيه قولان، و الأصح الأخذ

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 22

بالزيادة، و رووا ذلك عن علي عليه الصلاة و السلام و به قال مالك و سفيان و احمد و إسحاق، و قال محمد بن الحسن في الجامع الصغير كان التثويب الأوّل بين الأذان و الإقامة (الصلاة خير من النوم) ثم أحدث الناس بالكوفة: (حيّ على الصلاة حي على الفلاح) بينهما و هو حسن، و اختلف أصحاب أبي حنيفة، فقال الطحاوي في اختلاف الفقهاء مثل قول الشافعي، و قال أبو بكر الرازي: التثويب ليس من الأذان و اما بعد الأذان و قبل الإقامة فقد كرهه الشافعي و

أصحابه و سنذكر لك و منهم من قال: يقول: حيّ على الصلاة حيّ على الفلاح.

(دليلنا): على نفيه في الموضعين أن إثباته في خلال الأذان و بين الإقامة يحتاج الى دليل، و ليس في الشرع ما يدل عليه.

و أيضا عليه إجماع الفرقة.

و أيضا قال الشافعي في الأمّ: أكرهه، لأن أبا محذورة لم يذكره و لو كان مسنونا لذكره أبو محذورة، لانه مؤذّن النبي صلى اللّٰه عليه و آله و سلّم مع ذكره لسائر فصول الأذان.

و روى عن بلال انه اذن ثم جاء الى رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و آله يؤذنه بالصلاة، فقيل له: ان رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و آله نائم فقال بلال: الصلاة خير من النوم مرّتين «1».

ثم قال: مسألة 131: التثويب في الأذان إلّا العشاء الآخرة بدعة، و به قال جميع الفقهاء الا انهم قالوا: ليس بمستحب و لم يقولوا بدعة، و قال الحسن بن صالح بن حيّ: انه مستحب فيه و في الفجر على حد واحد، (دليلنا): ما قلنا في المسألة الاولى سواء.

______________________________

(1) سنن ابن ماجة ج 1 ص 237 رقم 716 و السنن الكبرى ج 1 ص 422 و مستدرك الحاكم ج 1 ص 422 و المصنف لعبد الرزاق ج 1 ص 472 و كنز العمال ج 8 ص 356 حديث 23246- 23249.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 23

ثم قال: مسألة 32- لا يستحب الترجيع في الأذان، و هو تكرار الشهادتين مرتين أخريين، و به قال أبو حنيفة، و قال الشافعي يستحب ان يقول: اشهد ان لا إله إلّا اللّٰه مرتين، و اشهد انّ محمدا رسول اللّٰه، مرتين، يخفض بذلك صوته ثم رجّع فيرفع صوته فيقول ذلك مرتين مرتين

في جميع الصلوات.

(دليلنا): إجماع الفرقة، و أيضا الأصل براءة الذمة، و استحباب ذلك يحتاج الى دليل، و أيضا روى محمد بن عبد اللّٰه بن زيد الأذان «1» و لم يذكر فيه الترجيع، و هو الأصل في الأذان (انتهى كلامه رفع مقامه).

و محصّل جميع الاختلاف و بيان الحق من الأقوال، ان نقول:

اما الترجيع فالمشهور انه عبارة عن الإتيان بالشهادتين أربعا أوّلا ثم الإتيان بها ثانيا كذلك بصوت أعلى من الأوّل، فعندنا و عند أبي حنيفة و أبي يوسف لا يجوز، و يجوز عند الشافعي و مالك و عند احمد التخيير.

و اما التثويب:

و هو عبارة عن زيادة (الصلاة خير من النوم) بعد قوله: (حي على خير العمل) فأنكره الجميع إلّا الشافعي، و هذان يرجعان الى نوع الفصول.

و اما الاختلاف الواقع في عدد الفصول،
اشارة

فنقول

امّا الأذان

فالمشهور بيننا بل كاد ان يكون إجماعا ان عدد فصوله ثمانية عشر فصلا.

و يدل عليه الاخبار الكثيرة «2» المعمول عليها.

______________________________

(1) راجع سنن أبي داود ج 1 ص 135 باب كيف الأذان.

(2) (منها): ما رواه الكليني رحمه اللّٰه عن محمد بن إسماعيل عن الفضل بن شاذان، عن جماد بن عيسى، عن حريز، عن زرارة، عن أبي جعفر عليه السلام، قال: قال: يا زرارة تفتح الأذان بأربع تكبيرات و تختمه بتكبيرتين و تهليلتين.

(و منها): ما رواه هو و الشيخ رحمهما اللّٰه، عن علي بن إبراهيم عن محمد بن عيسى بن عبيد، عن يونس، عن ابان بن عثمان، عن إسماعيل الجعفي، قال: سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: الأذان و الإقامة خمسة و ثلاثون حرفا، فعدّ ذلك بيده واحدا واحدا، الأذان ثمانية عشر حرفا، و الإقامة سبعة عشر حرفا.

(و منها): ما رواه الشيخ عن محمد بن على بن محبوب، عن احمد ابن الحسن، عن فضالة، عن سيف بن عميرة، عن أبي بكر الحضرمي، عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام، و كليب الأسدي عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام انه حكى لهما الأذان فقال: اللّٰه أكبر، اللّٰه أكبر، فقال اللّٰه أكبر اشهد ان لا إله إلّا اللّٰه، اشهد ان لا إله إلّا اللّٰه، اشهد انّ محمّدا رسول اللّٰه، اشهد ان محمّدا رسول اللّٰه، حيّ على الصّلاة، حيّ على الصّلاة، حيّ على الفلاح، حيّ على الفلاح، حيّ على خير العمل، حيّ خير العمل، اللّٰه أكبر، اللّٰه أكبر، لا إله إلّا اللّٰه لا إله إلّا اللّٰه، و الإقامة كذلك.

و غيرها من الاخبار مع اختلاف يسير في بعض الفصول فراجع الوسائل باب 19 من أبواب الأذان و الإقامة ج 4

ص 642.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 24

نعم قد ورد الأخبار الدالة على اختلاف عدد الفصول أوّلا و آخرا «1» و لكنها نادرة بمعنى عدم فتوى المشهور بها، مضافا الى إمكان حملها على أقوال العامة.

______________________________

(1) مثل ما رواه الشيخ رحمه اللّٰه، عن الحسين بن سعيد، عن ابن أبي نجران، عن صفوان بن مهران الجمال، قال: سمعت أبا عبد اللّٰه عليه السلام يقول: الأذان مثنى مثنى، و الإقامة مثنى مثنى، الوسائل باب 19 حديث 4 من أبواب الأذان و الإقامة ج 4 ص 643.

و عنه، عن فضالة، عن حسين بن عثمان، عن ابن مسكان، عن يزيد مولى الحكم، عمّن حدثه، عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام، قال:

سمعته يقول: لأن أقيم مثنى مثنى أحب الىّ من ان أؤذّن و أقيم واحدا واحدا، الوسائل باب 20 حديث 2، منها ص 649.

عنه، عن القاسم بن عروة، عن بريد بن معاوية، عن أبي جعفر عليه السلام قال: الأذان واحدا واحدا، الوسائل باب 21 حديث 3 منها ص 650.

عنه، عن فضالة، عن معاوية بن وهب، عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام قال: الأذان مثنى مثنى و الإقامة واحدة واحدة، الوسائل باب 21 حديث 1 منها ص 649.

و غيرها من الاخبار المحمولة اما على التقية أو على الاستعجال أو على السفر أو غير ذلك من المحامل لعدم العمل على طبق ظاهر واحد منها، كما ادعى الإجماع على عدم العمل في التهذيب، نعم يحتمل إسقاط بعض الفصول في بعض الروايات الموافقة لمذهب الإمامية و هي التي تشتمل على قوله: (حيّ على خير العمل) لتفرد هم بذلك فلا يحمل على التقية.

مثل ما رواه الشيخ، عن محمد بن على بن محبوب، عن على بن

السندي، عن أبي أبي عمير، عن ابن أذينة، عن زرارة، و الفضيل بن يسار، عن أبي جعفر عليه السلام قال: لمّا اسرى برسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و آله فبلغ البيت المعمور حضرت الصلاة فأذّن جبرئيل و اقام فتقدم رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و آله و صفّ الملائكة و النبيون خلف رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و آله، قال: فقلنا له: كيف اذّن؟ فقال: اللّٰه أكبر اللّٰه أكبر، اشهد ان لا إله إلّا اللّٰه، اشهد ان لا إله إلّا اللّٰه، اشهد انّ محمدا رسول اللّٰه، اشهد انّ محمّدا رسول اللّٰه، حيّ على الصّلاة، حيّ على الصّلاة، حيّ على الفلاح، حيّ على الفلاح، حيّ على خير العمل حيّ على خير العمل، اللّٰه أكبر، اللّٰه أكبر، لا إله إلّا اللّٰه، لا إله إلا اللّٰه و الإقامة مثلها، الّا ان فيها: قد قامت الصلاة، قد قامت الصلاة، بين حي على خير العمل و بين اللّٰه أكبر، فأمر بها رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و آله، فلم يزل يؤذن بها حتى قبض اللّٰه رسوله صلى اللّٰه عليه و آله.

و عن الحسين بن سعيد، عن النضر، عن عبد اللّٰه بن سنان قال:

سألت أبا عبد اللّٰه عليه السلام عن الأذان؟ فقال: تقول: اللّٰه أكبر اللّٰه أكبر، اشهد ان لا إله إلّا اللّٰه، اشهد ان لا إله إلّا اللّٰه، اشهد انّ محمدا رسول اللّٰه، اشهد انّ محمدا رسول اللّٰه، حيّ على الصّلاة، حيّ على الصّلاة، حيّ على الفلاح، حيّ على الفلاح، حيّ على خير العمل حيّ على خير العمل، اللّٰه أكبر، اللّٰه أكبر، لا إله إلّا اللّٰه، لا إله إلّا اللّٰه في الوسائل: أقول حمله الشيخ على انه قصد إفهام السائل

كيفية التلفظ بالتكبير و كان معلوما عنده ان التكبير في أوّل الأذان أربع مرات و حمله غيره على الاجزاء، (انتهى) الوسائل باب 19 حديث 5 من أبواب الأذان و الإقامة ج 4 ص 643.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 26

و لا بأس بالإشارة إليها، فنقول:

عدد التكبيرات في أوّل الأذان عندنا و عند أبي حنيفة و الشافعي أربعة، و عند مالك و أبي يوسف، اثنان.

و عدده في آخره عندنا و عند غيرنا على المشهور اثنان، و عن بعض أصحابنا على ما في الخلاف أربعة.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 27

و عدد التهليل في آخره عندنا اثنان، و عند أبي حنيفة و مالك و الشافعي و أبي يوسف و احمد واحد.

بل يستفاد من بعض كتب العامة ان عمل المسلمين أيضا كان في بلاد المسلمين كان مختلفا في كيفية الأذان و فصوله.

فعن ابن رشد في بداية المجتهد و نهاية المبتدي: ان الأذان المعمول في بلاد المسلمين على أربعة أنحاء:

(الأوّل): التكبير و الشهادتين في أوله أربع مرات، و باقي الفصول مثنى مثنى في مكة المعظمة- شرّفها اللّٰه- و هو مذهب الشافعي.

(الثاني): جميع الفصول مثنى مثنى الا الشهادتين فأربع في المدينة المنورة، و به قال مالك، و عن بعض متأخري تابعيه اختيار الترجيع.

(الثالث): كون جميع الفصول مثنى مثنى الا التكبير الأول فأربعة و إسقاط (حيّ على خير العمل) و هو موافق لمذهب الإماميّة إلا في الإسقاط المذكور، و هو المعمول في الكوفة.

(الرابع): التكبير في الأول أربعا و كل واحدة من (حيّ على الصّلاة) و (حيّ على الفلاح) ثلاثا في البصرة، و به قال حسن البصري و تابعوه و ابن سيرين. «1»

______________________________

(1) الى هنا عبارة الخلاف.

تقرير بحث السيد البروجردي،

ج 2، ص: 28

و كل يستند فيما هو معمول في بلده الى السيرة المستمرة إلى زمن النبي صلى اللّٰه عليه و آله، مع ان الواقع لم يكن إلا أحدها.

و من هنا تعرف صحة ما أشرنا إليه مرارا من ان أصحاب النبي صلى اللّٰه عليه و آله لم يكونوا قد ضبطوا الأحكام الصادرة عن النبي صلى اللّٰه عليه و آله الا قليلا منها.

فان مثل الأذان- مع انه مما يكون موردا للابتلاء في كل يوم و ليلة خمس مرات على ما هو المتداول في صدر الإسلام من الفصل بين الصلاتين عملا غالبا و الأذان لكل واحد منها- قد اختلفوا فيه بمثل هذا الاختلاف حتى صارت البلاد العظيمة الإسلامية لم توافق المدينة المنورة التي هي محل إصدار الأحكام، غالبا، فكيف بسائر الاحكام التي لم تكن موردا للاحتياج بهذه المثابة.

و لذا يحتاج الخلق الى أهل بيت العصمة عليهم السلام، و هو السر في قوله صلى اللّٰه عليه و آله في حديث الثقلين: (انهما لن يفترقا حتى يردا علىّ الحوض).

و لذا لا يستغرب ما وضعه العامة من كيفية الأذان بأن النبي صلى اللّٰه عليه و آله بعد ان تحيّر في جعل شي ء يدل على اعلام الناس بالصلاة قد رأى عبد اللّٰه بن زيد في المنام تعلّم الأذان ثم استيقظ فأخبر النبي صلى اللّٰه عليه و آله فأمضاه ثم قال عمر: انى قد رأيته أيضا قبل ذلك و لم اجترأ على الاخبار به حياء و أنكر هذه الرؤيا مطلقا الأئمة عليهم السلام أشد الإنكار «1».

______________________________

(1) مثل ما رواه في الجعفريات، بإسناده، عن جعفر بن محمد عن أبيه، عن جده على بن الحسين، عن الحسين بن على عليهم السلام انه سئل عن

الأذان و ما يقول الناس؟ قال: الوحي ينزل على نبيكم و تزعمون انه صلى اللّٰه عليه و آله أخذ الأذان عن عبد اللّٰه بن زيد، بل سمعت أبى على بن أبي طالب عليه السلام يقول: اهبط اللّٰه ملكا حين عرج برسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و آله فأذن مثنى مثنى ثم قال جبرئيل: يا محمد هكذا أذان الصلاة، و تقدم في أوائل هذا البحث ما يدل على مبدأ جعل الأذان و كيفيته فراجع.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 29

و كيف كان فالمشهور في الأذان عند الإمامية هو كون فصوله ثمانية عشر فصلا، التكبير اربع مرات و الشهادتان، التوحيد و الرسالة كل واحدة مرتين، و كل واحد من الحيعلات الثلاث و التكبير و التهليل مرتان.

ثم لا يخفى انه يعلم من مجموع هذه الأقوال ان (حيّ على خير العمل) من متفردات الإمامية بحيث يمتازون عن غيرهم، و من المعلوم انه كان معمولا به عند الشيعة، و لم يعلم وجه إسقاط العامة له الا انه نقل من بعض التواريخ ان عمر زعم ان هذه الكلمة توجب قعود الناس عن الجهاد، و هو خلاف مصلحة الإسلام و المسلمين فأسقطه لذلك.

هذا كله في الأذان.

و اما الإقامة

فالمشهور بيننا، المطابق لكثير من الاخبار ان فصولها سبعة عشر فصلا بإسقاط التكبيرين من الأوّل، و تهليل من الآخر مع زيادة قوله: قد قامت الصلاة، مرتين بعد قوله: حي على خير العمل، مرتين.

و يظهر من الشيخ رحمه اللّٰه في الخلاف ان من أصحابنا من ذهب الى ان فصولها اثنان و عشرون فصلا بزيادة التكبيرة مرتين على التكبيرتين في الأخيرة، و البقية مثل عدد فصول الأذان مع زيادة

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 30

قوله:

(قد قامت الصلاة) بعد قوله: (حي على خير العمل).

و قال رحمه اللّٰه في النهاية: بعد بيان الفصول الثمانية عشر و السبعة عشر للأذان و الإقامة: و هذا الذي ذكرناه هو المختار المعروف و قد روى سبعة و ثلاثون فصلا في بعض الروايات و في بعضها ثمانية و ثلاثون فصلا، و في بعضها اثنان و أربعون فصلا «1».

فاما من روى سبعة و ثلاثين فصلا، فإنه يقول في أوّل الإقامة أربع مرات (اللّٰه أكبر) و يقول في الباقي كما قدمناه.

و من روى ثمانية و ثلاثين فصلا، يضيف الى ما قدمناه من قوله:

(لا إله إلا اللّٰه) مرة أخرى في آخر الإقامة، و من روى اثنتين و أربعين فصلا فإنه يجعل في آخر الأذان التكبير اربع مرات، و في أول الإقامة أربع مرات، و في آخرها أيضا مثل ذلك اربع مرات، و يقول: لا إله إلا اللّٰه، مرتين في آخر الإقامة، فإن عمل عامل على احدى هذه الروايات لم يكن مأثوما (انتهى موضع الحاجة من كلامه زيد في علوّ مقامه).

قوله رحمه اللّٰه: (فان عمل عامل، الى آخره) ظاهره التخيير في العمل و هو محل اشكال، سواء كان المراد التخيير في العمل أو في الفتوى بعد الشهرة المحققة على القول المشهور الذي اختاره أوّلا و هي من المرجحات بل أوّلها.

الّا ان يقال: بمثل مقالة شيخنا صاحب الكفاية أعلى اللّٰه مقامه من حمل المرجحات المذكورة في مقبولة عمر بن حنظلة «2» على الاستحباب و العمل بمقتضى القاعدة و هو التخيير مطلقا و لكنه خلاف التحقيق.

______________________________

(1) الوسائل باب 19 حديث 20 الى 23 ج 4 ص 648.

(2) الوسائل باب 9 حديث 1 من أبواب صفات القاضي ج 18 ص 75.

تقرير بحث السيد

البروجردي، ج 2، ص: 31

فصل في شرائط الأذان و الإقامة
اشارة

اعلم ان ما قيل في اشتراطهما به أو يمكن ان يقال باشتراطه أمور (الأول): البلوغ و العقل و الإسلام.

(الثاني): الطهارة.

(الثالث): الاستقبال.

(الرابع): القيام.

(الخامس): الاستقرار.

(السادس): عدم التكلم و مرجعه إلى المانعية.

(السابع): مغايرة المؤذن للمقيم.

فنقول

اما اعتبار البلوغ

فمقتضى القاعدة عدم الاعتبار بناء على شرعية عباداته من حيث الاكتفاء بأذانه في الجماعة، نعم اعتباره من حيث الاعتماد بأذانه لدخول الوقت الذي مرجعه إلى حجّية خبر الواحد محل منع، و لا منافاة بينهما كما لا يخفى.

مضافا الى الروايات المتعددة التي أكثرها لسانا: (لا بأس ان يؤذن الغلام الذي لم يحتلم) «1».

(و توهم): أنها راجعة إلى أذانه لصلاة نفسه منفردا (مدفوع):

بأن كفاية أذانه لنفسه، يحتاج الى بيان مستقل بعد فرض كون صلاته شرعية.

______________________________

(1) لما رواه الشيخ رحمه اللّٰه، عن الحسين بن سعيد، عن سعد بن عبد اللّٰه، عن محمد بن الحسين، عن الحسن بن موسى الخشاب، عن غياث بن كلوب بن فهر العجلي، عن إسحاق بن عمار، عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام، عن أبيه عليه السلام ان عليا عليه السلام كان يقول: لا بأس ان يؤذن الغلام قبل ان يحتلم و لا بأس ان يؤذن الغلام و هو جنب و لا يقيم حتى يغتسل.

و عن محمد بن على بن محبوب، عن العباس بن معروف، عن عبد اللّٰه بن المغيرة، عن ابن سنان، عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام، قال:

إذا أذّن المؤذن فنقص الأذان و أنت تريد ان تصلى بأذانه فأتم ما نقص هو من أذانه، و لا بأس ان يؤذن الغلام الذي لم يحتلم.

و غيرهما من الاخبار، الوسائل باب 32 حديث 1 و 2 و باب 9 حديث 6 من أبواب الأذان و الإقامة ج 4.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص:

32

مضافا الى وجود القرينة الدالة على كون المراد أذانه للجماعة في بعض تلك الاخبار كقوله عليه السلام في رواية غياث بن إبراهيم، عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام قال: لا بأس بالغلام الذي لا يبلغ الحلم ان يؤم القوم، و ان يؤذن «1».

فإنه عطف الأذان على الإمامة، فالأظهر جواز الاكتفاء بأذانه.

و اما إقامة غير البالغ فهل كالأذان أم لا؟ وجهان من عدم وجود خبر فيه بخصوصه و من إطلاق الأذان على الإقامة في لسان الاخبار كما سيأتي إن شاء اللّٰه، مضافا الى كونه مقتضى القاعدة أيضا و لا يبعد كون الثاني- و هو الاكتفاء- أوجه، و بالجملة يترتب على أذانه و إقامته جميع الآثار المترتبة عليهما من حيث كونه أذانا و اقامة.

______________________________

(1) الوسائل باب 32 حديث 3 من أبواب الأذان و الإقامة ج 4 ص 661.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 33

و اما اعتبار العقل و الإسلام و الايمان فقد يستدل عليه بما رواه الكليني و الشيخ رحمهما اللّٰه، عن محمد بن يحيى، عن محمد بن احمد، عن احمد بن الحسن، عن عمرو بن سعيد، عن مصدق بن صدقة، عن عمار عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام، قال: سئل عن الأذان، هل يجوز ان يكون من غير عارف؟ قال: لا يستقيم الأذان و لا يجوز ان يؤذن به الا رجل مسلم عارف، فان علم الأذان و اذن به و لم يكن عارفا لم يجز أذانه و لا إقامته و لا يقتدى (يعتد، خ ل) به، و سئل عن الرجل يؤذن به و يقيم ليصلي وحده فيجي ء رجل آخر فيقول له: نصلي جماعة فهل يجوز ان يصليا بذلك الأذان و الإقامة؟ قال: لا و

لكن يؤذن و يقيم «1».

و قد يحتمل فيها انفهام اعتبار الرجولية أيضا، و المراد بالعارف في لسان الاخبار هو المعتقد للإمامة على الطريقة الحقة.

و اما اعتبار الطهارة

فالاخبار مختلفة، فإن بعضها «2» يدل على اعتبار الطهارة فيها دون الأذان، و بعضها واردة في خصوص

______________________________

(1) أورد صدره في الوسائل باب 26 حديث 1 و أورد ذيله في باب 27 حديث 1 من أبواب الأذان و الإقامة ج 4 ص 555.

(2) مثل ما رواه الكليني، عن على بن إبراهيم، عن ابن أبي عمير، عن حماد، عن الحلبي، عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام، قال: لا بأس ان يؤذن الرجل من غير وضوء و لا يقيم الا و هو على وضوء.

و ما رواه الشيخ عن الحسين بن سعيد، عن النصر بن سويد عن ابن سنان عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام، قال: لا بأس ان تؤذن و أنت على غير وضوء (طهور، خ ل).

و في رواية غياث بن كلوب، عن إسحاق بن عمار، عن أبى عبد اللّٰه عن أبيه عليهما السلام ان عليا كان يقول (في حديث): و لا بأس ان يؤذن المؤذن و هو جنب و لا يقيم حتى يغتسل.

و روى الصدوق رحمه اللّٰه بإسناده، عن زرارة، عن أبي جعفر عليه السلام انه قال: تؤذن و أنت على غير وضوء في ثوب واحد قائما أو قاعدا و أينما توجهت، و لكن إذا أقمت فعلى وضوء متهيأ للصلاة راجع الوسائل باب 9 من أبواب الأذان و الإقامة ج 4 ص 627.

و يستفاد من الأخيرة عدم اعتبار الطهارة و القيام و الاستقبال في الأذان و قوله عليه السلام (متهيئا للصلاة) يحتمل ان يكون المراد ان الوضوء معتبر لأجل التهيؤ، لا لاعتباره

في الإقامة، و ان يكون متهيئا حالا بعد حال للفاعل في قوله: (أقمت) فيكون المعنى اعتبار الوضوء في الإقامة، و كونه بصورة المتهيأ لها، فلا يتكلم و لا يستدبر و لا يؤم بيده و غيرها من منافيات التهيؤ كما سيأتي إن شاء اللّٰه.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 34

الإقامة و دالة على اعتبارها فيها، و ليس في خصوص الإقامة رواية معارضة دالة على عدم الاعتبار في الإقامة، بخلاف المسائل الآتية من عدم التكلم و اعتبار الاستقبال و الاستقرار و غيرهما، فان الروايات مختلفة، فبعد حمل بعضها على بعض يصير النتيجة أولوية اعتبار الطهارة كما لا يخفى.

و لكن يمكن ان يقال: ان مقتضى التعليل في بعض اخبار التكلم- كما سيأتي إن شاء اللّٰه، بأن الإقامة جزء من الصلاة فلا يتكلم بعد القطع بعدم جزئية الإقامة- هو حمل تلك الاخبار على تأكد الاستحباب.

فكما ان الإقامة بمنزلة جزء الصلاة و ليس منها، فكذا شرائطها التي منها الطهارة و لا سيّما مع عدم اشتراطها بسائر شرائط الصلاة لوجود الأخبار المجوزة صريحا بدونها، فلا تتقيد إطلاق أخبار الإقامة هذا.

و قد يقال: بان مقتضى القاعدة أيضا حمل الروايات على استحباب الطهارة في الإقامة، لعدم إحراز وحدة المطلوب في المستحبات غالبا كي يحمل المطلق منها على المقيّد، فيكون مستحبا في مستحب و هذا

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 35

بخلاف الواجبات، لان الغالب وحدة الحكم فيحمل المطلق منها على المقيد، لكون ظهور المقيد في دخالة القيد في الموضوع أقوى من ظهور المطلق في كونه تمام الموضوع، و هو مناط حمل المطلق على المقيد كما قررناه في الأصول.

و هذا حسن وجيه لو لم نقل: ان القيودات ظاهرة في الإرشاد مطلقا، سواء

كان في الواجبات أو المستحبات و الّا لم يصل النوبة الى هذا البحث.

توضيحه انه إذا توجه الأمر بشي ء أو النهي عن شي ء، مع خصوصية كقوله مثلا (صل متطهرا) أو لا تصل في الحرير، أو لا تبع مجهولا بمجهول فهل هو ظاهر في الحكم التكليفي، بمعنى انه لا يكون دخيلا في تحقق المأمور به جزء و لا شرطا أو في الحكم الوضعي بمعنى أنه إرشاد إلى فساد الشي ء المأمور به مع ترك هذه الخصوصية المأمور بها أو فعل الخصوصية المنهي عنها.

و قد قررنا في الأصول انه ظاهر في الثاني بمقتضى الفهم العرفي من غير فرق بين العبادات و المعاملات كما مثلنا.

و هذا هو النزاع المعروف بين الأصوليين من ان النهى في العبادات أو المعاملات موجب للفساد أم لا أو التفصيل؟

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 36

و هذا بخلاف ما إذا كان النهي التحريمي مسلما و تصادف اجتماعه مع المأمور به الآخر في الوجود الخارجي فإنه داخل في مسألة اجتماع الأمر و النهى في موضوع واحد.

و الاولى: مسألة لفظية وقع النزاع في الدلالة اللفظية، و الثانية:

مسألة عقلية وقع النزاع في حكم العقل في إمكانه و عدم إمكانه.

و بالجملة فهذا القسم ظاهر عرفا في الإرشاد إلى تقيد المأمور به بهذه الخصوصية بحيث لو لم يكن هذا القيد لم يوجد المأمور به، هذا كلّه في الواجبات.

و اما المندوبات، فهل هو كذلك أم لا؟ بمعنى انه كما يكون في الواجبات إرشادا، كذلك في المندوبات أيضا أم هو ظاهر فيها في الحكم التكليفي، و على الثاني يبحث فيه في انه إذا كان وحدة المطلوب محرزا و اما إذا لم يكن محرزا كما هو الغالب فيها على ما ادعى فلا يحمل

المطلق على المقيد.

فتحصل ان هنا بحثين:

(أحدهما): في ان القيودات ظاهرة في الإرشاد إلى الفساد مطلقا حتى في المندوبات.

(الثاني): هل يحمل المطلق على المقيد حتى في المندوبات.

فعلى تقدير الفراغ من البحث الأوّل و اختيار عدم كون القيودات إرشادا إلى دخالة الخصوصية يحتاج الى البحث ثانيا في مسألة إحراز وحدة المطلوب و عدمه في المندوبات، و اما على تقدير تسليم الإرشاد في البحث الأوّل فلا يحتاج الى هذا البحث.

و لا يبعد ان يقال في البحث الأوّل: بعدم الفرق عند العرف

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 37

بين الواجبات و المستحبات، نعم في خصوص المقام خصوصية مانعة عن القول بالاشتراط، لذهاب المشهور الى الاستحباب مع كون هذه الاخبار بمرأى منهم و منظر.

مضافا الى ان مثل هذه المسألة لا بد ان يكون لها من دليل واضح قطعي، لعموم البلوى بها، فعدم اعتناء المشهور بهذه الاخبار و فتواهم بالاستحباب يكشف عن كون المسألة كذلك وصلت إلينا يدا عن يد خلفا عن سلف و وجود ما هو دال عندهم على عدم الاشتراط، فلا يبعد الحكم بعدم الاشتراط تبعا للمشهور.

و لا يخفى انه لا يجوز ان يكون مستند فتواهم بالاستحباب هو حمل الأمر بالوضوء على تعدد المطلوب لعدم التزامهم بلازم هذا القول، فان لازمة ان يلتزموا بان المقيم إذا توضأ و اقام يكون آتيا بمستحبين و يكون مستحقا لثوابين مع بعد التزامهم بذلك، هذا.

و لكن الأحوط مراعاته، لدلالة الاخبار و تنزيل الإقامة في جملة منها بمنزلة جزء من الصلاة.

و اما اعتبار عدم التكلم
اشارة

بمعنى كونه مانعا عن صحة الأذان و الإقامة أو صيرورة ثوابهما ناقصا فالاخبار فيه على أقسام:

(منها): ما يدل على عدم جواز التكلم إذا أقيمت الصلاة، مثل ما رواه الصدوق عليه الرحمة، عن

زرارة، عن أبي جعفر عليه السلام، قال:

إذا أقيمت الصلاة حرم الكلام على الامام، و أهل المسجد إلا في تقديم إمام «1».

______________________________

(1) الوسائل باب 10 حديث 1 من أبواب الأذان و الإقامة ج 4 ص 628.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 38

و ما رواه الشيخ عليه الرحمة، بإسناده، عن الحسين بن سعيد عن فضالة، عن حسين بن عثمان، عن عمرو بن أبي نصر، قال: قلت لأبي عبد اللّٰه عليه السلام: أ يتكلم الرجل في الأذان؟ قال: لا بأس، قلت:

في الإقامة؟ قال: لا «1».

و بالإسناد، عن حسين بن عثمان، عن ابن مسكان، عن ابن أبي عمير، قال: سألت أبا عبد اللّٰه عليه السلام عن الرجل يتكلم في الإقامة؟ قال: نعم، فإذا قال المؤذن قد قامت الصلاة فقد حرم الكلام على أهل المسجد الا ان يكونوا قد اجتمعوا من شتى و ليس لهم امام فلا بأس ان يقول بعضهم لبعض: تقدم يا فلان «2».

و عن محمد بن يعقوب، عن محمد بن يحيى، عن محمد بن الحسين عن محمد بن إسماعيل، عن صالح بن عقبة، عن أبي هارون المكفوف قال:

قال أبو عبد اللّٰه عليه السلام: يا أبا هارون الإقامة من الصلاة، فإذا أقمت فلا تتكلم و لا تؤم بيدك «3».

و يفهم منها ان الإيماء في الصلاة غير جائز كالتكلم.

و عن الحسين بن الحسن، عن زرعة، عن سماعة، قال: قال أبو عبد اللّٰه عليه السلام: إذا أقام المؤذن الصلاة فقد حرم الكلام الا ان يكون ليس يعرف لهم امام «4».

و ما رواه الشيخ رحمه اللّٰه بإسناده، عن الحسين بن سعيد، عن

______________________________

(1) الوسائل باب 10 حديث 4 من أبواب الأذان و الإقامة ج 4 ص 629.

(2) المصدر، الحديث 7.

(3)

المصدر، الحديث 12، ص 630.

(4) المصدر، الحديث 6 ص 629.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 39

حماد بن عيسى، عن حريز، عن محمد بن مسلم قال: قال أبو عبد اللّٰه عليه السلام: لا تتكلم إذا أقمت الصلاة، فإنك إذا تكلمت أعدت الإقامة «1».

و ظاهره كون التكلم مانعا وضعا لا ان النهى عنه تكليف مستقل.

و ما رواه الصدوق عليه الرحمة بإسناده، عن حماد بن عمرو و انس بن محمد، عن أبيه جميعا، عن جعفر بن محمد، عن آبائه في وصية النبي صلى اللّٰه عليه و آله لعليّ عليه السلام انه قال: و كره الكلام بين الأذان و الإقامة في صلاة الغداة «2».

بناء على ان المراد من الكراهة هو الحرمة لا الكراهة المصطلحة.

إذا سمعت هذه الاخبار فنقول: يستفاد من ما حكم فيه بحرمة الكلام على أهل المسجد كالأولى و الثالثة و الخامسة، أمران:

(أحدهما): النهي عن تكلم المستمعين لهما.

(ثانيهما): النهى عن تكلّم المؤذّن و المقيم بطريق اولى و بالفحوى.

و قولهم عليهم السلام: (إذا أقيمت الصلاة) أو (إذا أقمت الصلاة) يحتمل ان يكون المراد إذا قال المؤذن: قد قامت الصلاة، كما صرّح به في رواية ابن أبي عمير، و ان يكون المراد إذا تم الإقامة كما هو ظاهر قوله عليه السلام في رواية محمد بن مسلم: (إذا تكلمت أعدت الإقامة)، فإن الظاهر من الإعادة ان التكلم بعد تمام الإقامة و ان يكون إذا شرع في الإقامة كما هو ظاهر قوله في رواية عمرو بن أبي نصر: (قلت في الإقامة؟ قال: لا).

______________________________

(1) الوسائل باب 10 حديث 3 من أبواب الأذان و الإقامة ج 4 ص 629.

(2) المصدر، الحديث 2 ص 628.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 40

و كيف كان

فالصورتان مشمولتان للروايات قطعا (إحداهما) بعد قوله: قد قامت الصلاة (ثانيتهما) بعد تمام الإقامة.

(و منها): ما يدل على الجواز مثل ما رواه الشيخ رحمه اللّٰه، عن الحسين بن سعيد، عن محمد بن سنان، عن عبد اللّٰه بن مسكان، عن محمد الحلبي، قال: سألت أبا عبد اللّٰه عليه السلام عن الرجل يتكلم بعد ما يقيم الصلاة؟ قال: نعم «1».

و عن سعد، عن محمد بن الحسين، عن جعفر بن بشير، عن حماد بن عثمان، قال: سألت أبا عبد اللّٰه عليه السلام عن الرجل يتكلّم بعد ما تقيم الصلاة؟ قال: نعم «2».

و عنه، عن جعفر بن بشير، عن الحسن بن شهاب، قال: سمعت أبا عبد اللّٰه عليه السلام يقول: لا بأس ان يتكلم الرجل و هو يقيم الصلاة و بعد ما يقيم ان شاء «3».

و في مستطرفات السرائر، نقلا من كتاب محمد بن على بن محبوب الأشعري القمي، عن العباس بن معروف، عن جعفر، عن الحسن بن شهاب، قال: سمعت أبا عبد اللّٰه عليه السلام يقول: لا بأس بأن يتكلّم الرجل و هو يقيم أو يعد ما يقيم ان شاء «4».

و عنه عن جعفر بن بشير، عن عبيد بن زرارة، قال: سألت أبا عبد اللّٰه عليه السلام، قلت يتكلم الرجل بعد ما تقام الصلاة؟ قال:

______________________________

(1) الوسائل باب 10 حديث 8 من أبواب الأذان و الإقامة ج 4 ص 629.

(2) المصدر، الحديث 9.

(3) المصدر الحديث 10 ص 630.

(4) المصدر، مثل حديث 10.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 41

لا بأس «1».

و مقتضى القاعدة في الجمع حمل ما دل على عدم الجواز على الكراهة بقرينة الروايات الدالة على الجواز، حتى الأولى التي دلالتها على عدم الجواز أظهر فتحمل على شدة

الكراهة بحيث يليق ان يعبّر عنها بالحرمة و ذلك لتصريح روايات الجواز عليه حتى بعد ما يقيم فدلالتها على الجواز، بعد قوله: (قد قامت الصلاة) بالفحوى.

بل يمكن ان يقال: انه في أثناء الإقامة لا كراهة في التكلم أصلا لتفصيل رواية ابن أبي عمير المتقدمة بين ما إذا قال المؤذن: (قد قامت الصلاة) و بين ما لم يقل، بالحكم بعدم الجواز المحمول على الكراهة في الأوّل، و الجواز في الثاني، بل مفهوم رواية أبي هارون المكفوف أيضا، بناء على ان يكون المراد من قوله: (إذا أقمت) إتمام الإقامة.

اللّٰهم الا ان يحمل على شدة الكراهة بعد قوله. (قد قامت الصلاة) فتأمل.

هذا كلّه في حكم التكلم في أثناء الإقامة أو بعده.

و اما الأذان، فلا دليل على كراهة الكلام في أثنائه، بل الدليل على الجواز، مثل ما رواه الشيخ عليه الرحمة بإسناده، عن سعد، عن احمد بن محمد، عن الحسين بن سعيد، عن فضالة بن أيوب، عن الحسين بن عثمان، عن عمرو بن أبي نصر، قال: قلت لأبي عبد اللّٰه عليه السلام: أ يتكلم الرجل في الأذان؟ قال: لا بأس «2».

و بإسناده، عن الحسين بن سعيد، الى آخره، سندا و متنا إلّا

______________________________

(1) الوسائل باب 10 حديث 13 من أبواب الأذان و الإقامة ج 4 ص 30

(2) المصدر، الحديث 11.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 42

انه قال في آخره: قلت: في الإقامة؟ قال: لا «1».

و عنه، عن الحسن، عن زرعة، عن سماعة، قال: سألته عن المؤذن أ يتكلم و هو يؤذن؟ قال: لا بأس حين يفرغ «2».

بناء على عدم مفهوم لها دال على البأس قبل الفراغ، و الّا فتكون الرواية دالة على كراهة التكلّم في أثناء الأذان أيضا.

و

اما كراهة الكلام بين الأذان و الإقامة، فلا دليل عليها إلّا رواية الصدوق في وصية النبي صلى اللّٰه عليه و آله «3» و هي في غاية الضعف سندا مع احتمال ان يكون المراد بين فصول الأذان و بين فصول الإقامة، فتكون دالة على كراهة التكلم بين فصولهما مطلقا، فتدفع حينئذ بالضعف «4» أيضا، مضافا الى اختصاصها بصلاة الغداة.

فتحصل ان الأظهر كراهة التكلم بعد قوله: (قد قامت الصلاة) مطلقا منفردا كان أو جماعة، على المقيم المستمع في الجماعة و لا على ما سوى ما ذكر.

فرع [استثناء التكلم بالنسبة إلى تقديم امام]

قد عرفت ان مقتضى روايات زرارة، و ابن أبي عمير، و سماعة «5»

______________________________

(1) الوسائل باب 10 حديث 4 من أبواب الأذان و الإقامة ج 4 ص 629.

(2) المصدر، الحديث 6.

(3) المصدر، الحديث 2 ص 628.

(4) اللّهم الّا ان يقال بالتسامح في أدلة السنن بالمعنى الأعم كما قيل.

(5) الوسائل باب 10 حديث 1- 7- 6 من أبواب الأذان و الإقامة.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 43

استثناء التكلم بالنسبة إلى تقديم امام، و هو مفتى به عند الأصحاب.

فهل يختص الحكم بخصوص ما هو مذكور في الروايات أم يعم لمطلق ما هو راجع الى تدبير المصلين كما عمّمه العلّامة رحمه اللّٰه؟

وجهان، لا يبعد الثاني، لفهم العرف ذلك و إلغاء خصوصية تعيين الامام، فلا بأس بالتكلم لأجل تسوية الصفوف و غير ذلك من الأمور الراجعة إلى تنظيم صلاة الجماعة.

كما ان الظاهر عدم اختصاص الحكم بالكراهة، بخصوص التكلم كما هو مورد أكثر الروايات بل يشمل كل ما هو مناف لتهيئة الصلاة كما أشير إليه في رواية أبي هارون المكفوف بقوله عليه السلام: (الإقامة من الصلاة فإذا أقمت فلا تتكلم و لا تؤم بيدك) «1» فيكره

الاستدبار و السكوت الطويل «2» و نحوهما.

و اما اعتبار القيام و الاستقرار
[اما في الإقامة]

فالروايات مختلفة أيضا و هي على أقسام ثلاثة:

(الأول): ما يدل على عدم جواز الإقامة إلّا قائما مستقرا على الأرض مثل ما رواه الشيخ رحمه اللّٰه بإسناده، عن الحسين بن سعيد عن ربعي، عن محمد بن مسلم، قال: قلت: لأبي عبد اللّٰه عليه السلام:

يؤذن الرجل و هو قاعد؟ قال: نعم و لا يقيم الّا و هو قائم «3».

و عنه، عن احمد بن محمد، عن عبد صالح، قال: يؤذن الرجل و هو جالس و لا يقيم الا و هو قائم، و قال تؤذن و أنت راكب و لا تقيم إلا

______________________________

(1) الوسائل باب 10 حديث 12 من أبواب الأذان و الإقامة.

(2) يعني ما لم يخرج عن صدق الإقامة.

(3) الوسائل باب 13 حديث 5 من أبواب الأذان و الإقامة ج 4 ص 635.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 44

و أنت على الأرض «1».

و عنه، عن فضالة، عن حسين بن عثمان، عن سماعة، عن أبي بصير، قال: قال أبو عبد اللّٰه عليه السلام: لا بأس ان تؤذن راكبا و ماشيا أو على غير وضوء، و لا تقيم و أنت راكب أو جالس الّا من علّة أو تكون في أرض ملصّة «2».

و عن قرب الاسناد، عن احمد بن محمد بن عيسى، عن احمد بن محمد بن أبي نصر، عن الرضا عليه السلام قال: تؤذن و أنت جالس و لا تقيم الا و أنت على الأرض و أنت قائم «3».

و تقدم ما رواه الصدوق عنه عليه السلام الدال على اعتبار القيام في الإقامة «4».

(الثاني): ما يدل على جواز المشي و عدم جواز الصلاة في الإقامة، مثل ما رواه الشيخ رحمه اللّٰه، عن محمد

بن على بن محبوب، عن محمد بن الحسن، عن محمد بن إسماعيل، عن صالح بن عقبة، عن يونس الشيباني، عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام، قال: قلت له: أو اذّن و انا راكب؟ قال نعم، قلت فأقيم و انا راكب؟ قال: لا قلت: فأقيم و رجلي في الركاب قال: لا، قلت: فأقيم و انا قاعد؟ قال: لا، قلت: فأقيم و انا ماش؟ قال: نعم ماش إلى صلاة، قال: ثم قال: إذا أقمت الصلاة فأقم مترسلا فإنك في الصلاة، قال: قلت: قد سألتك: أقيم و انا ماش قلت لي: نعم، فيجوز ان امشى (في، خ ل) الصلاة؟ فقال: نعم إذا

______________________________

(1) الوسائل باب 13 حديث 6 من أبواب الأذان و الإقامة ج 4 ص 635.

(2) المصدر، الحديث 8.

(3) المصدر، الحديث 14.

(4) المصدر، الحديث 1، و قد أوردناها في ذيل كلامه مدّ ظلّه.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 45

دخلت من باب المسجد فكبرت و أنت مع امام عادل ثم مشيت إلى الصلاة أجزأك ذلك، و إذا الإمام كبر للركوع كنت معه في الركعة، لأنه أدركته و هو راكع لم تدرك التكبير لم تكن معه في الركعة، لأنه ان أدركته و هو راكع ثم تدرك التكبير لم تكن معه في الركوع «1».

و حاصل هذه الرواية: انه عليه السلام- بعد ما علّل الحكم بالترسل بأنه في الصلاة و مع ذلك حكم بجواز المشي صار هذا الحكم موردا لتعجب الراوي بعد ما كان عدم جواز المشي في الصلاة مرتكزا في ذهن الراوي فسأل عن انه كيف صار هكذا، فنبّه عليه السلام بأنه قد يكون المشي في حال الصلاة جائزا كما إذا اقتدى مريد الجماعة قبل الوصول الى الصف خوفا

من عدم درك الجماعة، ثم يمشى إلى الصف، فإنه مشى في حال الصلاة.

هذا بناء على كون النسخة في قوله: (فيجوز ان امشى في الصلاة) لا (إلى الصلاة) و الا فالرواية مضطربة المتن، كما لا يخفى.

(الثالث): ما يدل على عدم جواز المشي، و الركوب، و الاضطجاع في غير حال الضرورة، مثل ما رواه الشيخ رحمه اللّٰه، عن محمد بن يعقوب عن محمد بن يحيى، عن محمد بن الحسين، عن محمد بن إسماعيل، عن صالح بن عقبة، عن سليمان بن صالح، عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام قال:

لا يقيم أحدكم الصلاة و هو ماش، و لا راكب، و لا مضطجع الا ان يكون مريضا و ليتمكن من الإقامة كما يتمكن في الصلاة فإنه إذا أخذ في الإقامة فهو في الصلاة «2».

______________________________

(1) الوسائل باب 13 حديث 12 من أبواب الأذان و الإقامة ج 4 ص 636.

(2) المصدر، الحديث 12، ص 637.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 46

و في الوسائل، نقلا من كتاب على بن جعفر، عن أخيه، قال:

سألته عن الأذان و الإقامة أ يصلح على الدابة؟ قال: اما الأذان فلا بأس، و اما الإقامة فلا حتى ينزل على الأرض «1».

و مقتضى القاعدة في مقام الجمع ان يحمل الطائفة الثانية الدالة على عدم جواز المشي على الثالثة الدالة على جوازه في حال المرض و كذا الحال بالنسبة إلى الطائفة الأولى الدالة على عدم الجواز مطلقا تحمل على عدم الجواز اختيارا.

لكن رواية يونس الشيباني «2» تدل على جواز المشي اختيارا أيضا، لعدم الاضطرار إلى المشي الى المسجد، و هو مستلزم لعدم لزوم الاستقرار أيضا.

فمقتضى القاعدة جواز المشي لكن لا دليل على جواز القعود الا ان يقال: ان مناسبة الحكم

و الموضوع تقتضي جوازه، فإنه قد علل في غير واحد من الاخبار بان الإقامة جزء من الصلاة، و لذا لا يجوز فيها التكلم أو يلاحظ الترسل كما في رواية الشيباني و بضميمة القطع بأنها ليست جزء منها يعلم ان المراد تأكد الاستحباب.

و يؤيّده انه عليه السلام حكم بجواز المشي مع انه حكم بكونها جزء منها، و قد علّله لما يستحب قطعا كالترسل في رواية الشيباني.

هذا كله في الإقامة.

و اما الأذان،

فالظاهر عدم الإشكال في جواز المشي و الركوب في القعود، لما روى الصدوق عليه الرحمة، بإسناده، عن احمد بن محمد

______________________________

(1) الوسائل باب 13 حديث 5 من أبواب الأذان و الإقامة ج 4 ص 637.

(2) لاحظ الوسائل باب 13 حديث 9، كما تقدم.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 47

ابن أبي نصر، عن الرضا عليه السلام انه قال: يؤذن الرجل و هو جالس و يؤذن و هو راكب «1».

و بإسناده، عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام انه قال:

إذا أذنت في الطريق أو في بيتك ثم أقمت في المسجد أجزأك «2».

و هذه الرواية بصدد بيان عدم اعتبار الموالاة بين الأذان و الإقامة.

و روى الشيخ رحمه اللّٰه، بإسناده، عن الحسين بن سعيد، عن النضر، عن ابن سنان، عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام، قال: لا بأس للمسافر أن يؤذن و هو راكب و يقيم و هو على الأرض قائم «3».

و عنه، عن فضالة، عن العلاء، عن محمد، عن أحدهما عليهما السلام، قال: سألته عن الرجل يؤذن و هو يمشي، أو على ظهر دابته أو على غير طهور؟ فقال: نعم إذا كان حين التشهّد يستقبل القبلة فلا بأس «4».

و في الوسائل عن قرب الاسناد، عن عبد اللّٰه

بن الحسن، عن جدّه على بن جعفر، عن أخيه موسى بن جعفر عليهما السلام، قال:

سألته عن الرجل يؤذن على راحلته، و إذا أراد ان يقيم اقام على الأرض؟ قال: نعم لا بأس «5».

______________________________

(1) الوسائل باب 13 حديث 2 من أبواب الأذان و الإقامة ج 4 ص 634.

(2) المصدر، الحديث 3.

(3) المصدر، الحديث 4.

(4) المصدر، الحديث 7.

(5) المصدر الحديث 13، ص 636.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 48

مسألة 1- هل يشترط فيهما سائر شرائط الصلاة،

كالستر و قصد القربة، و الطهارة من الخبث و نحوها مطلقا، بناء على اعتبار القيام و الاستقبال و الطهارة من الحدث و نحوها مما ورد في الروايات أم لا مطلقا أم التفصيل بين الأذان و الإقامة؟ وجوه، أوجهها عدم الاعتبار مطلقا، و الإقامة و ان عبّر في الاخبار بأنها جزء من الصلاة «1» إلا انا قد بيّنا ان التعبير لشدة الارتباط.

نعم الاحتياط في جميع المذكورات مطلوب، خصوصا في الإقامة بالنسبة إلى الطهارة لعدم وجود رواية معارضة لما يدل على الاعتبار.

كما ان الظاهر اعتبار قصد التقرّب في أذانه و إقامته لنفسه، و اما الأذان لصلاة الجماعة الذي يكون الغرض منه هو اجتماع الناس و المفروض انه بدون قصد التقرب- ففي اعتباره و عدمه وجهان.

فصل في موارد سقوطهما معا أو الأذان فقط
اشارة

اعلم انه قد ورد في الاخبار موارد يسقط فيها الأذان فقط، و موارد يسقط فيها الأذان و الإقامة معا.

اما الأولى [سقوط الأذان فقط] ففي مواضع:
اشارة

(الأوّل): إذا جمع بين الظهرين بعرفة.

(الثاني): إذا جمع بين العشاءين بمزدلفة

______________________________

(1) الوسائل باب 13 حديث 9- 10- 12 من أبواب الأذان و الإقامة ج 4 ص.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 49

(الثالث): إذا قضى صلوات عديدة.

أما الأوّلان [بعرفة و مزدلفة]
اشارة

فيدلّ عليه ما رواه الشيخ رحمه اللّٰه بإسناده، عن محمد بن على بن محبوب، عن محمد بن الحسين، عن عبد اللّٰه بن المغيرة عن ابن سنان، عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام، قال: السنة في الأذان يوم عرفة ان يؤذن و يقيم للظهر ثم يصلى ثم يقوم فيقوم للعصر بغير أذان، و كذلك المغرب و العشاء بمزدلفة «1».

و بإسناده، عن الحسين بن سعيد، عن ابن أبي عمير، عن عمر بن أذينة، عن رهط منهم الفضيل و زرارة، عن أبي جعفر عليه السلام ان رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و آله جمع بين الظهر و العصر بأذان و إقامتين و جمع بين المغرب و العشاء بأذان واحد و إقامتين «2».

و روى الصدوق رحمه اللّٰه مرسلا مثله الّا انه زاد بعد قوله عليه السلام: و العصر: (بعرفة) و بعد قوله عليه السلام: العشاء (يجمع) «3».

و بإسناده، عن عبد اللّٰه بن سنان، عن الصادق عليه السلام: ان رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و آله جمع بين الظهر و العصر بأذان و إقامتين و جمع بين المغرب و العشاء في الحضر من غير علة بأذان واحد و إقامتين «4».

و روى عن العامة مسندا عن ابن عباس، قال: جمع رسول اللّٰه

______________________________

(1) الوسائل باب 36 حديث 1 من أبواب الأذان و الإقامة ج 4 ص 665.

(2) المصدر، الحديث 2.

(3) المصدر، الحديث 3.

(4) الوسائل، باب 32 حديث 1 من أبواب المواقيت ج 3

ص 160.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 50

صلى اللّٰه عليه و آله بين الظهر و العصر من غير خوف و لا سفر، فقال:

أراد ان لا يحرج أحد من أمّته «1».

و عن الشهيد رحمه اللّٰه في الذكرى، نقلا من كتاب عبد اللّٰه بن سنان، عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام: ان رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و آله كان في السفر يجمع بين المغرب و العشاء، و الظهر و العصر، انما يفعل ذلك إذا كان مستعجلا «2».

قال: و قال عليه السلام و تفريقهما أفضل «3».

و ما رواه الكليني رحمه اللّٰه عن على بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن معاوية بن عمار، عن الحلبي، عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام، قال: قال: لا تصل المغرب حتى تأتى جمعا، فصلّ بها المغرب و العشاء الآخرة بأذان و إقامتين، و انزل ببطن الوادي عن يمين الطريق، الحديث «4».

و ما رواه الشيخ رحمه اللّٰه، عن الحسين بن سعيد، عن صفوان بن يحيى، عن منصور بن حازم، عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام، قال:

صلاة المغرب و العشاء بجمع بأذان واحد و إقامتين و لا تصل بينهما شيئا و قال: هكذا صلى رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و آله «5».

و في الوسائل نقلا عن الصدوق مرسلا عن النبي صلى اللّٰه عليه و آله

______________________________

(1) الوسائل باب 32 حديث 5 من أبواب المواقيت ج 3 ص 161.

(2) الوسائل باب 31 حديث 7، من أبواب المواقيت ج 3 ص 160.

(3) المصدر، ذيل حديث 7.

(4) الوسائل باب 6 حديث 1 من أبواب الوقوف بالمشعر ج 10 ص 40.

(5) الوسائل باب 34 حديث 1 من أبواب المواقيت ج 3 ص 164.

تقرير بحث

السيد البروجردي، ج 2، ص: 51

و الأئمة عليهم السلام: انما سمين المزدلفة جمعا، لانه يجمع فيها بين المغرب و العشاء بأذان واحد و إقامتين «1».

و يدل على الثاني، أعني سقوطهما فيما إذا أراد قضاء صلوات عديدة، ما رواه الكليني رحمه اللّٰه عن على بن إبراهيم، عن أبيه و محمد ابن إسماعيل، عن الفضل بن شاذان جميعا، عن حمّاد بن عيسى، عن حريز، عن زرارة، عن أبي جعفر عليه السلام، قال: إذا نسيت صلاة صليتها بغير وضوء و كان عليك قضاء صلوات فبدأ بأولهنّ، فأذن لها و أقم ثم صلّها ثم صلّ ما بعدها بإقامة إقامة لكل صلاة، الحديث «2».

و ما رواه الشيخ رحمه اللّٰه، عن محمد بن على بن محبوب، عن محمد ابن الحسين، عن موسى بن عيسى، قال: كتبت اليه: رجل تجب عليه إعادة الصلاة أ يعيدها بأذان و اقامة؟ فكتب عليه السلام: يعيدها بإقامة «3».

و اما سقوط الأذان في عصر يوم الجمعة، فلا دليل عليه بالخصوص و لذا ذكر الشيخ رحمه اللّٰه في التهذيب رواه عمر بن أذينة عن رهط منهم الفضيل «4» دليلا لهذه المسألة و لم يذكر رواية مخصوصة بها.

نعم قد ورد ان الأذان الثالث يوم الجمعة بدعة «5» و هذا يدل على المطلوب إذا كان المراد هو الأذان لصلاة العصر يومها، و يكون

______________________________

(1) الوسائل باب 34 حديث 6 من أبواب الوقوف بالمشعر ج 3 ص 41.

(2) الوسائل باب 37 حديث 1 من أبواب الأذان و الإقامة ج 4 ص 666.

(3) المصدر، الحديث 2.

(4) الوسائل باب 36 حديث 2 من أبواب الأذان و الإقامة ج 4 ص 665.

(5) الوسائل باب 49 حديث 1 2 من أبواب صلاة الجمعة ج 5

ص 83.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 52

أولهما أذان صلاة الصبح و ثانيهما أذان صلاة الجمعة أو الظهر.

و اما إذا كان المراد هو الأذان الثاني لصلاة الجمعة كما نسب الى عثمان انه أمر بأذان آخر لاجتماع الناس يوم الجمعة بعد ما اذن لها أولا «1» فيكون المراد، الأذان الثاني لصلاة الجمعة الذي يكون ثالثا يوم الجمعة، فلا دلالة لها حينئذ فتصير الرواية مجملة.

هذا و لكن المشهور، سقوط الأذان و به أفتوا في الكتب المعدة لنقل فتاوى الأئمة عليهم السلام فيكشف ذلك عن وجود دليل معتبر عندهم فلا يبعد الفتوى بسقوطه.

مسألة 2- هل الأدلة الدالة على سقوط الأذان في المزدلفة و عرفة مختصة بهما

أم تشمل مطلق ما إذا أراد المصلى ان يجمع بين الصلاتين و لو في غيرهما؟ وجهان.

من ان قوله عليه السلام في صحيحة الفضيل و زرارة: جمع رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و آله بين الظهر و العصر، الى آخره «2» لا يدل أزيد من جواز أصل الجمع في الجملة و لا إطلاق فيها، بل هو مقابل توهم عدم جواز الجمع كما توهم جماعة من العامة و طرحوا رواية عبد اللّٰه ابن عباس عن النبي صلى اللّٰه عليه و آله الدالة على جمعه صلى اللّٰه عليه و آله بينهما بأذان و إقامتين.

(و بعبارة أخرى): هذا الكلام راجع الى ما هو المتعارف بين العامة من معنى الجمع و هو إتيان إحدى الصلاتين في وقت الأخرى.

توضيحه: ان الجمع يطلق على معنيين:

______________________________

(1) سنن الكبرى للبيهقي: كتاب الصلاة باب وقت الأذان للجمعة ج 3 ص 192 و فيه «ثلاث».

(2) الوسائل باب 36 حديث 2 من أبواب الأذان و الإقامة ج 4 ص 665.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 53

(أحدهما): ما هو معروف عند الإمامية من عدم التفريق بينهما

في مقام الامتثال لكن كلاهما قد أتيا في وقتهما على ما هو المذهب الحق من دخول وقت كليهما من أوّل الزوال، و المغرب كما مرّ مستقصى في بيان الأوقات.

(ثانيهما): إتيان إحدى الصلاتين في وقت الأخرى على ما هو المعروف عند العامة من عدم دخول وقت الثانية حتى يصير ظلّ الشاخص مثله في الظهر، و يذهب الشفق المغربي في المغرب.

و يظهر ثمرة الفرق بين القولين فيما لو صلى إحديهما في آخر وقتهما بحيث لو فرغ من الاولى دخل وقت الأخرى لم يكن جمعا، بناء على مذهب العامة، بخلافه على مذهب الإمامية.

و من ان هذا البيان من الامام عليه السلام لا بد ان يكون لغرض و حيث انه عليه السلام لم يقيده بمورد خاص بل أخبر عليه السلام بقول مطلق- بأنه صلى اللّٰه عليه و آله قد جمع فيشمل مطلق الجمع و لا يبعد هذا الوجه بل لا يخلو عن قوّة.

مسألة 3- هل السقوط في هذه الموارد رخصة مطلقا أم عزيمة مطلقا

أم يفرق بين الموارد بان يقال: بالأول فيما إذا جمع بينهما في عرفة و مزدلفة و بالثاني فيما إذا جمع في غيرهما أم العكس؟ وجوه.

ظاهر الأدلة هو الأول مطلقا، فان غايتها ان تدل على جواز إتيان الصلاتين بأذان واحد و إقامتين و لم يأمر عليه السلام بذلك.

هذا مضافا الى ما ورد من ان الجمع في عرفة لافراغ النفس للدعاء الموجب لبقاء الأذان على المصلحة الأولية، غاية الأمر حيث ان الدعاء يوم عرفة أهمّ المستحبات، فالجمع بملاحظة درك فضيلة الدعاء

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 54

و يلزمه سقوط الأذان، (و بعبارة أخرى): أصل الجمع لافراغ النفس للدعاء، لكن يترتّب عليه سقوط الأذان.

و هو ما روى الشيخ رحمه اللّٰه بإسناده، عن موسى بن القاسم عن إبراهيم-

يعني ابن سماك- عن معاوية ابن عمّار، عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام، قال: انما تعجّل الصلاة و تجمع بينهما لتفرغ نفسك للدعاء، فإنه يوم دعاء و مسألة، ثم تأتى الموقف و عليك السكينة و الوقار الحديث «1».

(ان قلت): إذا كان الدعاء أهم في يوم عرفة بحيث يوجب سقوط الأمر بالمهم، فإتيان المهم يكون بلا أمر و هو تشريع محرّم.

(قلت): سقوط الأمر بالمهم، انما هو باعتبار المزاحمة للأمر بالأهم، و يكفى رجحانه الذاتي لجواز إتيانه، و لا يلزم في جواز إتيان المهم وجود الأمر الفعلي الغير المزاحم.

(و بعبارة أوضح): الأمر بالمهم أيضا موجود فعلا لوجود المصلحة فيه بعد الا انه لا يؤثر مع وجود الأمر بالأهم، و لذا لو كان معذورا من إتيان الأهم من جهة يكون أمر المهم مؤثرا كما لا يخفى.

فتحصل ان الظاهر كون السقوط على الرخصة، نعم قوله عليه السلام في رواية الحلبي: (فصل بها المغرب و العشاء، الى آخره) «2» و كذا قوله عليه السلام في رواية ابن يزيد: (وصل الظهر و العصر بأذان و إقامتين، الى آخره) «3» بصورة الأمر الظاهر في العزيمة، الا انه

______________________________

(1) الوسائل باب 14 صدر حديث 1 من أبواب الإحرام بالحج و الوقوف بعرفة ج 10 ص 15.

(2) الوسائل باب 6 حديث 1 من أبواب الموقوف بالمشعر ج 10 ص 40.

(3) ...

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 55

يمكن ان يقال: انها في مقام دفع توهم الحظر بمعنى انه يجوز ذلك إتيانهما، بأذان و إقامتين، و لا سيّما في الثانية حيث انه عليه السلام أمر فيها بالتسبيح و التكبير و التهليل فكأنّ الجمع لتوسعة وقت هذه الأمور.

و يؤيده رواية معاوية بن عمار المتقدمة «1» فكما

ان أصل الجمع ترخيص، بل مستحب كذلك سقوط الأذان، لاتحاد لسان الأدلة فيهما، كما لا يخفى.

هذا كله في البحث عن موارد سقوط الأذان فقط.

و اما فيما يسقط كلاهما ففي موضعين:

(أحدهما): ما إذا دخل المسجد مريدا للجماعة و قد تمت و بقي الصفوف على حالها و لم يتفرقوا بعد.

(ثانيهما): دخل محل إقامة الجماعة مستقلة بقصدها و قد أذنوا لها.

و قبل الورود في خصوصيات موضوع المسألة لا بأس بذكر اخبار الباب فنقول:

روى الكليني رحمه اللّٰه، عن على بن إبراهيم، عن أبيه، عن صالح (خالد، خ ل)، عن يونس بن، عن سعيد، عن ابن مسكان، عن أبي بصير، قال: سألته عن الرجل ينتهي الى الامام حين يسلم، فقال: ليس عليه ان يعيد الأذان معهم في أذانهم، فإن وجدهم قد تفرقوا أعاد الأذان «2».

______________________________

(1) الوسائل باب 14 صدر حديث 1 من أبواب الإحرام بالحج ج 10 ص 15.

(2) الوسائل باب 25 حديث 1 من أبواب الأذان و الإقامة ج 4 ص 653.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 56

و روى الشيخ رحمه اللّٰه، عن احمد بن محمد، عن على بن الحكم عن ابان، عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام، قال: قلت له:

الرجل يدخل المسجد و قد صلى القوم أ يؤذن و يقيم؟ قال: ان كان دخل و لم يتفرق الصف صلى بأذانهم و إقامتهم، و ان كان تفرق الصف اذن و اقام «1».

و عن محمد بن على بن محبوب، عن محمد بن الحسين، عن الحسن بن على، عن الحسين بن علوان، عن عمرو بن خالد، عن زيد ابن على، عن آبائه، عن على، عليهم السلام، قال: دخل رجلان المسجد و قد صلى الناس فقال لهما على عليه السلام: ان شئتما فليؤم

أحد كما صاحبه و لا يؤذن و لا يقيم «2».

و عن محمد بن احمد بن يحيى، عن أبي جعفر، عن أبي الجوزاء عن الحسين بن علوان، مثله.

و عنه، عن بنان بن محمد، عن أبيه، عن ابن المغيرة، عن السكوني، عن جعفر، عن أبيه، عن على، عليهم السلام، انه كان يقول:

إذا دخل المسجد و قد صلى اهله فلا يؤذنن و لا يقيمنّ، و لا يتطوع حتى يبدأ بصلاة الفريضة و لا يخرج الى غيره حتى يصلى «3».

و عن احمد بن محمد، عن الحسين بن سعيد، عن أبي على (الحموانى- فيه) قال: كنا عند أبي عبد اللّٰه عليه السلام فأتاه رجل

______________________________

(1) الوسائل باب 25 حديث 2 من أبواب الأذان و الإقامة ج 4 ص 653.

(2) المصدر، الحديث 3.

(3) الوسائل باب 65 حديث 2 من أبواب الأذان و الإقامة ج 4 ص 654.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 57

فقال: جعلت فداك، صلينا في المسجد، الفجر فانصرف و جلس بعض في التسبيح فدخل علينا رجل في المسجد فأذن فمنعناه (منعناه خ ل) و دفعناه عن ذلك؟ فقال: أبو عبد اللّٰه عليه السلام: أحسنت (أحسنتم، فيه) ادفعه (ادفعوه، فيه) و امنعه (و امنعوه، فيه) أشد المنع فقلت: فان دخلوا فأرادوا أن يصلّوا فيه جماعة، قال: يقومون في ناحية المسجد و لا يبدر (يبدو، فيه) امام «1».

و في الفقيه: معاوية بن شريح، عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام انه قال: إذا جاء الرجل مبادرا و الامام راكع أجزأه تكبيرة واحدة لدخوله في الصلاة و الركوع، و من أدرك الامام و هو ساجد كبّر و سجد معه و لم يعتد بها، و من أدرك الامام و هو في الركعة الأخيرة

فقد أدرك فضل الجماعة، و من أدركه و قد رفع رأسه من السجدة و هو في التشهد فقد أدرك الجماعة، و ليس عليه أذان و لا اقامة، و من أدركه و قد سلّم فعليه الأذان و الإقامة «2».

إذا عرفت هذه فنقول: ان هنا بحثين:

(أحدهما): في الوارد لصلاة الجماعة مريدا الاقتداء بهذا الامام.

(ثانيهما): في الوارد لإقامة جماعة أخرى.

و ظاهر خبر أبي على الحراني هو القسم الأوّل، و يشمل خبر أبي على صدرا و ذيلا كليهما.

و على كل حال، فقد ذكر الفقهاء لسقوط الأذان و الإقامة عن الوارد للجماعة شروطا:

______________________________

(1) الوسائل باب 65 حديث 2 من أبواب صلاة الجماعة ج 5 ص 466.

(2) المصدر، الحديث 4.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 58

(أحدها): اتحاد الصلاتين أداء و قضاء.

(ثانيها): وحدة المكان.

(ثالثها): كونه مسجدا.

(رابعها): صحة صلاة الجماعة الاولى، و مرادهم صلاة الإمام فقط كما يظهر من كلماتهم.

(خامسها): كون الجماعة قد أذنوا لها و أقاموا و لم تكتف بالسماع من الغير.

فمع اجتماع هذه الشروط يسقطان، و الا فلا.

و يمكن ان يقال: ان سقوطهما في القسم الأوّل بملاك غير الملاك الذي به يسقطان في الثاني، فإن الملاك في الأوّل باعتبار ان الوارد أيضا من افراد الجماعة الذين أذنوا لها و أقاموا لها كما يشعر به قوله عليه السلام في رواية أبي بصير: (صلى بأذانهم و إقامتهم) فكأنّ أذانهم و إقامتهم كافيان عن أذانه و إقامته كما كانا كافيين بالنسبة إلى سائر الأفراد الحاضرين في الجماعة و يؤيّده الحكم باشتراط عدم تفرّق الصفوف في السقوط لعدّه حينئذ عرفا من افراد هذه الجماعة.

فحينئذ لا فرق بين اتحاد الصلاتين أداء و قضاء، و عدمه، و لا بين المسجد و غيره، و ان كان مورد

جملة من الروايات هو المسجد لكن هذا الملاك الذي استفدناه من الاخبار يعمّ غيره أيضا.

فعلى هذا لا يكون اتحاد المكان بما هو، معتبرا في السقوط بل المناط صدق انه أحد أفراد هذه الجماعة عرفا، سواء اتحد المكان أم لا.

و اما اشتراط صحة صلاة الإمام فليس بشرط أيضا ان كان المراد

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 59

صحته عند الوارد للجماعة، بل يكفى صحته عند المأمومين، بل لو انكشف الخلاف أيضا و ان صلاته كانت باطلة، تكون صلاة المأمومين صحيحة كما يدل عليه الخبر الوارد في رجل اقتدى برجل، فبان انه كان يهوديا فسئل الصادق عليه السلام فحكم بصحة صلاته «1».

نعم يشترط ان تكون الجماعة الأولى صحيحة ظاهرا.

و اما اشتراط كونهم قد أذنوا و أقاموا لها فلا بأس به كما هو ظاهر قوله عليه السلام: صلّى بأذانهم و إقامتهم.

نعم يكفى للحاضرين كون الامام قد سمع الأذان و الإقامة، كما يدل عليه ما رواه الشيخ رحمه اللّٰه، عن سعد، عن أبي الجوزاء المنبه عبد (عبيد) اللّٰه، عن الحسين بن علوان، عن عمرو بن خالد، عن أبي جعفر عليه السلام، قال: كنا معه فسمع اقامة، جاز له بالصلاة، فقال:

قوموا، فقمنا فصلّينا معه بغير أذان و لا اقامة، قال: يجزيكم أذان جاركم «2».

و عن محمد بن على بن محبوب، عن محمد بن الحسين، عن محمد ابن إسماعيل، عن صالح بن عقبه، فقال: ان قميصي كثيف، فهو يجزى ان لا يكون عليه إزار و لا رداء و انى مررت بجعفر و هو يؤذن و يقيم فلم أتكلم فأجزأني ذلك «3».

و اما الوارد لإقامة جماعة أخرى مستقلة كما يدل عليه خبر زيد

______________________________

(1) الوسائل باب 37 من أبواب صلاة الجماعة

ج 5 ص 435.

(2) الوسائل باب 30 حديث 3 من أبواب الأذان و الإقامة ج 4 ص 659.

(3) المصدر، الحديث 2، و لاحظ ذيل الباب أيضا.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 60

ابن على «1» و ذيل خبر أبي على الحرّاني «2» فهو بملاك احترام الامام السابق بحيث لا يبرز الجماعة اللاحقة بصورة الجماعة المستقلة كما يومئ اليه قوله عليه السلام في ذيل خبر أبي عليّ: (فلا يبدر- يبدو، خ ل-) بهم إمام و حينئذ يمكن ان يقال باعتبار المسجديّة و اتحاد الصلاتين و المكان و باقي الشرائط.

فتحصل ان إطلاق اعتبار الشرائط في الوارد ليس بجيّد.

________________________________________

بروجردى، آقا حسين طباطبايى، تقرير بحث السيد البروجردي، 2 جلد، دفتر انتشارات اسلامى وابسته به جامعه مدرسين حوزه علميه قم، قم - ايران، اول، 1416 ه ق

تقرير بحث السيد البروجردي؛ ج 2، ص: 60

نعم في ذيل خبر أبي عليّ- بناء على نقل الشيخ رحمه اللّٰه في التهذيب- ما يوجب عدم الاعتماد على هذا الاستظهار، ففي التهذيب بعد قوله عليه السلام: (فلا يبدر- يبدو، خ ل- امام) فقلت له انا:

جعلت فداك ان لنا إماما مخالفا، و هو يبغض أصحابنا كلّهم، فقال:

عليك من قوله: (و اللّٰه لئن كنت صادقا لأنت أحق بالمسجد منه فكن أوّل داخل و آخر خارج، و أحسن خلقك مع الناس، و قل خيرا، فقال رجل: جعلت فداك قول اللّٰه تعالى (وَ قُولُوا لِلنّٰاسِ حُسْناً): هو للناس جميعا؟ فقال: لا، عنى قولوا: محمّد رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و آله على أهل بيته «3».

فان الظاهر من قوله عليه السلام: (فقلت له انا، الى آخره)، ان وجه المنع و الدفع انما هو لمنافاته للتقيّة، و كذا قوله عليه السلام: (و

لا يبدر بهم امام) لا لان السقوط تعبدي، بل لحفظ الشيعة عن القتل و الأذية من المخالفين.

______________________________

(1) الوسائل باب 65 حديث 3 من أبواب الأذان و الإقامة ج 4 ص 654.

(2) أورد صدر الحديث في الوسائل باب 25 حديث 2 و ذيله في باب 5 حديث 6 الى قوله خيرا من أبواب صلاة الجماعة ج 5 ص 466- 382.

(3) الوسائل باب 65 حديث 6 من أبواب صلاة الجماعة ج 5 ص 382 و لم ينقل من قوله: فقال رجل، إلى آخره. و تهذيب الاحكام: ج 3 ص 55 ح 190.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 61

و من هنا يظهر عدم جواز الاستشهاد بقوله عليه السلام:

(أحسنت) بعد قول الراوي: (فمنعناه أشدّ المنع) «1»، على كون السقوط على نحو العزيمة فيما نحن فيه، فلا تكون الرواية دليلا على سقوطهما فيما إذا أراد إقامة جماعة مستقلة، الا ان يتمسّك بإطلاق سائر الاخبار من قولهم عليهم السلام: (صل بأذانهم و إقامتهم) فإنه يشمل الجماعة و الفرادى.

و يؤيّده خبر زيد بن على الدال صريحا على سقوطهما.

و كيف كان فلنرجع الى بيان خصوصيات المسألة، فنقول: ان الوارد على الجماعة و قد رآهم انهم أذّنوا لها و أقاموا على أقسام:

(الأوّل): إدراكه لهم و لو حال التشهد.

(الثاني): إدراكه لهم و قد انصرفوا و سلّموا و لكن لم يتفرقوا.

(الثالث): الصورة مع تفرق بعضهم.

(الرابع): فرض تفرق الجميع.

لا إشكال في سقوطهما في القسم الأول، و انه على سبيل العزيمة لا الرخصة، لاستقرار السيرة على عدم أذان المأمومين و لا إقامتهم عند إقامة الجماعة من زماننا قهقرى الى زمان النبي صلى اللّٰه عليه و آله.

و القدر المتيقن من مورد الاخبار هو القسم الثاني كما هو ظاهر

قوله عليه السلام في رواية أبي بصير: (ينتهي الى الامام حين يسلم) «2».

كما لا إشكال في عدم سقوطهما في القسم الرابع.

و انما الكلام و البحث في القسم الثالث، اعنى سقوطهما بتفرّق

______________________________

(1) الوسائل باب 65 حديث 2 بالسند الثاني، ج 5 ص 466.

(2) الوسائل باب 25 حديث من أبواب الأذان و الإقامة ج 4 ص 653.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 62

البعض فقط، فهل يصدق التفرّق أم لا؟ لا يبعد ان يقال: ان المناط عدم تفرق الأكثر، و لا يضر تفرق بعضهم بحيث لا يصدق التفرّق عرفا فتأمل «1».

و الظاهر ان السقوط على نحو الرخصة لا العزيمة، نعم لو استدللنا برواية أبي على كانت ظاهرة في العزيمة لكنها بذيلها تكون ساقطة عن الاستدلال لهذه المسألة، كما أشرنا إليه.

مسألة 4- يستحبّ حكاية الأذان عند سماعه،

قال الشيخ عليه الرحمة في الخلاف: إذا أذن المؤذن يستحب للسامع ان يقول مثل ما يقوله الا ان يكون في حال الصلاة، سواء كانت فريضة أو نافلة، و به قال الشافعي، و قال مالك: إذا كنت في مكتوبة فلا تقل مثل ما يقول المؤذن و إذا كنت في نافلة فقل مثل قوله في التكبير و التشهد، و به قال الليث بن سعد، الّا انه قال: و يقول في موضع حيّ على الصلاة لٰا حَوْلَ وَ لٰا قُوَةَ إِلّا بِاللّهِ، دليلنا على جوازه و استحبابه خارج الصلاة إجماع الفرقة و استحباب ذلك في حال الصلاة يحتاج الى دليل الّا انه متى قال ذلك في الصلاة لم يحكم ببطلانها، لان عندنا يجوز الدعاء في حال الصلاة، (انتهى).

و مراده رحمه اللّٰه من الدعاء: مطلق الذكر.

و يظهر منه أمران:

(أحدهما): تبديل الحيّعلات بالحوقلة.

______________________________

(1) إشارة الى ان تفرق البعض الموجب لصدق تفرق

الصف مختلف يختلف باختلاف كثرة الجماعة و قلّتهم فلا يكون هذا مناطا واضحا، كما لا يخفى.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 63

(ثانيهما): عدم جواز هذا التبديل في الصلاة.

(لا يقال): ان الشهادة بالرسالة ليست ذكرا فكيف يجوز في الصلاة؟

(فإنه يقال): يستفاد من الخبر الوارد في التشهد الطويل جواز بل استحباب قول: السلام عليك أيّها النبيّ و رحمة اللّٰه و بركاته فيظهر منه عدم كون السلام على النبي كلاما آدميّا، و الّا لأبطل، فكذا الشهادة عليه صلى اللّٰه عليه و آله بالنبوّة.

و اما بالنسبة إلى الحيعلات فالظاهر هو ما قاله الشيخ رحمه اللّٰه، لعدم الدليل على التبديل.

نعم روى العامة، عن عمر و معاوية «1» ما يدل على جوازه، و كذا

______________________________

(1) في سنن أبي داود ج 1 ص 145 طبع البمبئى: محمد بن المثنى، حدثني محمد بن جهضم حدّثنا إسماعيل بن جعفر، عن عمارة بن غزية، عن حبيب بن عبد الرحمن بن إساف عن حفص بن عاصم بن عمر عن أبيه، عن جدّه عمر بن الخطاب،: ان رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه (و آله) و سلّم قال: إذا قال المؤذن: اللّٰه أكبر اللّٰه أكبر، فقال أحدكم اللّٰه أكبر اللّٰه أكبر، فإذا قال: اشهد انّ لا إله إلّا اللّٰه، قال: اشهد ان لا إله إلّا اللّٰه، فإذا قال: اشهد انّ محمد رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله) قال: اشهد انّ محمدا رسول اللّٰه، ثم قال: حيّ على الصلاة قال: لا حول و لا قوة إلا باللّه، ثم قال: حي على الفلاح، قال:

لا حول و لا قوّة إلّا باللّه، ثم قال: اللّٰه أكبر اللّٰه أكبر، قال: اللّٰه أكبر اللّٰه أكبر، ثم قال: لا إله إلّا اللّٰه، قال:

لا إله إلّا اللّٰه من قلبه دخل الجنة.

و في صحيح البخاري ج 1 ص 101 طبع قال يحيى:

و حدثني بعض إخواننا انه قال: لما قال حي على الصلاة، قال: لا حول و لا قوة إلا باللّه، و قال هكذا سمعنا نبيكم صلى اللّٰه عليه (و آله) و سلّم يقول.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 64

روى عن مكارم الأخلاق و دعائم الإسلام «1»، لكنّها ضعيفة بالإرسال في الثانيين، و عدم الحجية في الأوليين.

و بالجملة، لا دليل عليه، نعم لا بأس به بعنوان الذكر في غير الصلاة، (و توهم) انه يكفى الإطلاقات (مدفوع) بأنها منصرفة عن حال الصلاة.

مسألة 5- يستحب إذا سمع أذان الصبح ان يقول:

اللّٰهم انّى أسألك بإقبال نهارك و ادبار ليلك و حضور صلواتك و أصوات دعائك أن تتوب علىّ انك أنت التوّاب الرّحيم.

و إذا سمع أذان المغرب يقول ذلك أيضا الا انه يبدل قوله:

(بإقبال نهارك) بقوله: (بإقبال ليلك) و قوله: (و ادبار ليلك) بقوله:

(و إقبال ليلك) و بعض الروايات بعد قوله: (دعائك ان تصلّى على محمّد و آل محمّد) (و ادع بما أحببت).

(مسألة 6- هل يجوز أخذ الأجرة على الأذان؟

فعن المحقق رحمه اللّٰه في الشرائع و السيد المرتضى رحمه اللّٰه، الحكم بالكراهة و عن العلامة رحمه اللّٰه الحرمة و جواز الارتزاق من بيت المال.

نقول: الحكم بالحرمة ان كان باعتبار عدم رجوع نفع عائد إلى المستأجر فلا مانع منه من هذه الحيثية، لرجوع النفع و هو اعلام الناس

______________________________

(1) راجع المستدرك، ج 1 ص 256 باب 34 حديث 9 و 6 من أبواب الأذان و الإقامة.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 65

إلى الصلاة، إذ لا ينحصر النفع في الدنيوي، و ان كان باعتبار انه من العبادات فلا يجوز أخذ الأجرة عليها.

(ففيه): (أوّلا): عدم ثبوت كون الأذان بما هو من العبادات.

(و ثانيا): عدم المنافاة بينه و بين أخذ الأجرة.

(و ثالثا): عدم الفرق بينه و بين الارتزاق حينئذ من بيت المال لان المفروض انه لا بدّ و ان يستند الى قصد القربة، و هو مناف لاستناده الى الارتزاق، لاشتراكه معه في عدم استناده الى قصد القربة.

و بيانه ان استحقاق المؤذن على شخص يكون على وجهين:

(اما): بان يكون الشخص مالكا عليه للعمل و يكون هو مالكا عليه بالأجرة كما في الإجارة.

(أو): يكون هو مستحقا عليه الأجرة بعد العمل كما في الجعالة.

و إعطاء شي ء للمؤذن، يكون أيضا على ثلاثة أنحاء:

(اما) ان يؤذن بقصد الأجرة فيعطيه.

(و اما) ان

يعلم انه لو أذن أعطاه الشخص شيئا بإزاء عمله.

(و اما) ان يؤذن للتقرب الى اللّٰه و طلبا لمرضاته، لكنه يعطيه بعده شيئا.

فإن أخذ الأجرة بعنوان الاستحقاق و المالكية، فلا فرق بين أخذه من بيت المال و غيره.

و ان أخذ لا بهذا العنوان فلا فرق أيضا بينهما.

و ان ادعى ان لأخذ الأجرة من غير بيت المال خصوصية توجب الحرمة دون غير بيت المال، فلا نسلّم ذلك.

كما انه لو ادعى ان لبيت المال خصوصية لا يجوز- لأجلها- جعلها أجرة للأذان و نحوه فهو أيضا ممنوع.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 66

و الحاصل انّه ان اعطى المؤذن بإزاء أذانه بحيث لا يكون الأذان بقصد التقرب الى اللّٰه تعالى، بل بقصد أخذ المال فهو ممنوع فحينئذ لا فرق بين بيت المال و غيره من غير فرق بين ان يسمّى ما أخذه أجرة أم لا.

و لو أعطاه مجانا بحيث لو لم يعطه لأذّن أيضا فهو غير ممنوع فلا فرق حينئذ أيضا بين الفرضين فالتفصيل في غير محله.

هذا كلّه بالنسبة إلى التفصيل الذي ذهب اليه جمع من الفقهاء.

اما وجه أصل الحكم- أعني حرمة أخذ الأجرة للأذان و لو بالنسبة الى ما قالوا اعنى أخذه من غير بيت المال- فلا وجه له سوى الأخبار التي بعضها غير دال، و بعضها غير صحيح و لا بأس بنقلها في الجملة، فنقول:

روى الشيخ رحمه اللّٰه، بإسناده، عن احمد بن محمد، عن البرقي عن النوفلي، عن السكوني، عن جعفر، عن أبيه، عن على عليهم السلام قال: آخر ما فارقت حبيب قلبي ان قال: يا على ان صليت فصل صلاة أضعف من خلفك و لا تتخذن مؤذنا يأخذ على أذانه أجرا «1».

و لا دلالة في هذا

الخبر- على تقدير حجيته- على المدعى بقرينة الجملة الثانية فإن إتيان الصلاة بصلاة أضعف المأمومين ليس بواجب على الامام.

و عن الفقيه للصدوق عليه الرحمة، قال: اتى رجل أمير المؤمنين عليه السلام فقال: و اللّٰه انى أحبّك، فقال: و لكنّي أبغضك، قال: و لم؟

قال: لأنّك تبغي في الأذان أجرا (كسبا، خ ل) و تأخذ على تعليم

______________________________

(1) الوسائل باب 38 حديث 1 من أبواب الأذان و الإقامة ج 4 ص 666.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 67

القرآن اجرا «1».

و هي أيضا في عدم دلالتها على المدعى كالأولى فإن أخذ الأجرة على تعليم القرآن بما هو تعليم القرآن ليس بحرام، نعم أخذها لتعليم القراءة الواجبة مثل تعليم سورة الفاتحة و سورة أخرى محرم فهذا أيضا قرينة على عدم كون الجملة الأولى دالة على حرمة أخذ الأجرة.

و روى الكليني رحمه اللّٰه، عن محمد بن يحيى، عن محمد بن موسى، عن احمد بن الحسن بن على، عن أبيه، عن على بن عقبة، عن موسى بن أكيل النميري، عن العلاء بن سيابة، عن أبي جعفر عليه السلام قال: لا يصلى خلف من يبغى على الأذان و الصلاة الأجر و لا تقبل شهادته «2».

و يحتمل كون النهى عن الصلاة خلفه باعتبار أخذ الأجر على الأذان و الصلاة فحينئذ يصير المعنى فلا يجوز الصلاة خلفه من هذه الجهة فلا تدل على المدعى أيضا.

(و بعبارة أخرى): النهى انما هو لأخذه الأجرة على إقامة الجماعة، لا لأجل أخذ الأجرة في قبال الأذان فقط.

و على تقدير كونه لأجله فقط، يمكن ان يكون النهي لأجل الفسق أيضا، لا لأجل حرمة ذلك لان المفروض ان هذا المؤذن يأخذ لأجل الصلاة بالناس أيضا اجرا، كما لا يخفى،

فتأمل.

______________________________

(1) الوسائل باب 38 حديث 2 من أبواب الأذان و الإقامة ج 4 ص 666 و باب 30 حديث 1 من أبواب ما يكتسب به ج 12 ص 114 مع اختلاف يسير في بعض ألفاظهما، فلاحظ.

(2) الوسائل باب 32 حديث 2 من كتاب الشهادات ج 18 ص 278.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 68

و روى الصدوق رحمه اللّٰه بإسناده، عن محمد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السلام، قال: لا تصل خلف من يبغى بالأذان أجرا و الصلاة بالناس اجرا و لا تقبل شهادته «1».

و هذه الرواية نظير رواية العلاء في الاحتمالات المذكورة، بل الاحتمال الأول في هذه أقوى منه في تلك لتقييدها (الصلاة) بقوله:

(بالناس).

و قد روى عن دعائم الإسلام أيضا ما لا دلالة فيه، فراجع المستدرك «2»، هذا.

و لكن ذهاب المشهور إلى الحرمة و جواز الارتزاق من بيت المال ممّا يؤيد الحرمة، بل ظاهر الخلاف الإجماع عليه.

قال في الخلاف: لا يجوز أخذ الأجرة على الأذان، و ان اعطى الامام المؤذّن شيئا من أموال المصالح كان جائزا، و قال الشافعي يجوز أخذ الأجرة على الأذان، و قال بعض المتأخرين من أصحابه- حكاه ابن المنذر-: انه يجوز أخذ الرزق و لا يجوز أخذ الأجرة و المذهب الأول، و به قال مالك، و قال أبو حنيفة: لا يجوز أخذ الأجرة و يجوز أخذ الرزق، و به قال الأوزاعي (دليلنا): إجماع الفرقة، و أيضا روى عن النبي صلى اللّٰه عليه و آله انه قال لعثمان بن أبي العاص الثقفي اتخذ مؤذّنا لا يأخذ على أذانه أجرا «3» فدل هذا على ان أخذ الأجرة عليه محرم (انتهى).

______________________________

(1) الوسائل باب 32 حديث 4 من كتاب الشهادات ج 18 ص

278.

(2) يأتي عن قريب بيان موضعه.

(3) السنن الكبرى ج 1 ص 429 قطعة من ذيل الحديث و صدره قال قلت يا رسول اللّٰه اجعلني امام قومي قال أنت امامهم فاقتد باضعفهم و اتخذ .. و سنن أبي داود ج 1 ص 146 حديث 531 و سنن النسائي ج 2 ص 23 و مسند احمد بن حنبل ج 4 ص 217- 218 (الخلاف ج 1 ص:

291 طبع مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة سنة 1358 ه ش مطابق 1406 هق.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 69

و بالجملة يكشف فتوى المشهور بالحرمة عن كون المسألة معروفا عندهم.

نعم قد خالف فيها السيد المرتضى رحمه اللّٰه و المحقق في صلاة الشرائع حيث قال: و يعطى الأجرة من بيت المال إذا لم يوجد من يتطوّع به، (انتهى).

و لكنه أفتى بالحرمة في كتاب التجارة حيث قال: أخذ الأجرة على الأذان حرام، و لا بأس بالرزق من بيت المال (انتهى).

فحينئذ لا يبعد الحكم بذلك فتأمل معتضدا بالشهرة.

و اما جواز الارتزاق فلا دليل عليه سوى ما روى عن دعائم الإسلام عن أمير المؤمنين عليه السلام: من السحت أجر المؤذن- يعني إذا استأجره القوم- و قال: لا بأس ان يجرى عليه من بيت المال «1».

و نظيره رواية أخرى من الجعفريات «2».

و هما ضعيفا السند الا ان تعتضدا بالشهرة العظيمة بين الفقهاء من حكمهم بجواز الارتزاق اما للروايتين و اما لكشف فتواهم عن وجود نصّ وصل إليهم و لم يصل إلينا كما في كثير من الموارد (لا حول و لا قوة إلا باللّه).

______________________________

(1) راجع المستدرك ج 1 ص 254 الطبع الأول باب 30 حديث 1 من أبواب الأذان و الإقامة.

(2) راجع المستدرك

ج 1 ص 254 الطبع الأول باب 30 حديث 2 من أبواب الأذان و الإقامة.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 70

فصل في أفعال الصلاة
اشارة

و اعلم انا قد بينا في محله في الأصول ان المركبات الحقيقية التي لها وحدة اعتبارية، عبارة عن لحاظ الاجزاء بالأسر شيئا واحدا بحيث يكون كل واحد من تلك الاجزاء بعض من هذا المجموع و تعلق الأمر بهذا المجموع بحيث يكون منطبقا على عنوان يكون مركبا من جميع الاجزاء و يكون الأمر أيضا متبعضا بعدد أبعاض هذا العنوان امرا نفسيا لا ضمنيا كما توهم، فالصلاة مثلا أمر واحد اعتباري مركبة من عدة أجزاء و يكون مجموعها منطبقا على هذا العنوان و تعلق أمر واحد نفسي بالمجموع، و لكن يتبعض بعدد أبعاض الصلاة.

و لا يخفى ان الصلاة اسم مركب من التواضع و الخضوع لدى الملك المعبود بهيئة مخصوصة، و هذا المعنى قد كان بين كل المليين اما بهذا اللفظ أو بما يرادفه، غاية الأمر انها قد أطلقت في الشريعة على الهيئة المخصوصة المتلقاة من الشارع- بعد بيان الرسول صلى اللّٰه عليه و آله، كما روى من طرق عديدة تدل على بيان ماهيتها «1».

ثم ورد الأوامر المتعددة المتعلقة بالصلاة بهذا المعنى الخاص لا بالمعنى الجامع بينه و بين ما كان سابقا كما توهمه الأعمّي.

إذا عرفت هذا فاعلم انهم قد ذكروا ان

النية من أفعال الصلاة
[فصل في معناها و أحكامها]
اشارة

بمعنى انه تعلق الأمر النفسي بمجموع أجزاء تكون النية بعض تلك الاجزاء، و قد عبّر بعضهم كالمحقق رحمه اللّٰه بأن النية إرادة تفعل

______________________________

(1) الوسائل باب 1، 2، 3، من أبواب أفعال الصلاة ج 4 ص 673- 678.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 71

بالقلب (انتهى).

و الورود في تحقيق هذه المسألة و بيان ان النية ليست بإرادة أصلا، بل الإرادة شي ء آخر غير النية، موجب للبعد عن المقصود و لبيانه محل آخر.

فالمهم بيان الخصوصيات اللاتي

يحتاج إليها، فنقول بعون اللّٰه تعالى:

ان الافعال الصادرة عن الشخص على قسمين:

(الأول): ما لا يحتاج في تحققه و تعنونه بعنوان خاص الى القصد.

(الثاني): ما يحتاج اليه، (و بعبارة أخرى) يكون من العناوين القصدية بحيث لا تحقق لها في الخارج بغيره، سواء كان متعلقا للأمر أم لا، و سواء كان من الأمور التعبدية أم لا و ذلك مثل الصوم المتعلق للنذر حيث ان مجرد قصد الصوم لا يكفي في تحققه، بل لا بدّ من قصد الصوم النذري.

لا أقول ان عنوان الوفاء يحتاج الى القصد، فان الحق عدم اعتبار قصد الوفاء بعنوان انه وفاء بل يكفى قصد ما هو مصداق للوفاء.

بل أقول: ان تحقق ما هو بالحمل الشائع الصناعي مصداق للوفاء بالنذر، يتوقف على قصد عنوانه و كذا سائر الأمور القصدية، كالبيع و الهبة و التعظيم و الترهين فإنها لا تتحقق بإيجاد ما هو مشترك بينها و بين شي ء آخر، بل لا بدّ من القصد.

و مثل الخمس و الزكاة و الغسل و نحوها من العبادات و المعاملات.

نعم الظاهر عدم اعتبار قصد التعيين و التشخيص إذا كان ما عليه

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 72

متعددا من جنس واحد كما إذا نذر صومين، أحدهما لشفاء المريض ثانيهما لأداء الدين مثلا، فلا يعتبر في العمل به تعيين ان هذا الصوم لنذر شفاء المريض نظير أداء الدين، كما لو أمر المولى بإعطاء درهم ثم أمر بإعطاء درهم، ثم أمر بإعطاء درهم آخر، فيكفي أصل الإعطاء و لا يعتبر قصد انه ما أمر به أوّلا أو ثانيا.

إذا عرفت هذا فنقول: ان عنوان الصلاة أيضا من العناوين القصدية

التي لا تتحقق في الخارج الا بالقصد، فلا يكفي إتيان اجزائها و لو مع قصد القربة، مثل ما لو كبر تعظيما له تعالى أو قرء الحمد أو السورة أو ركع أو سجد بقصد القربة

المطلقة، لكن لا بعنوان أنها أجزاء للصلاة، بل نفسها مستقلة لا تتحقق بذلك عنوان الصلاة.

و كذا أنواعها أيضا كالظهر، و العصر و المغرب و العشاء و الصبح من العناوين القصدية و مجرد إتيانها بعنوان اربع ركعات أو ثلاث ركعات أو ركعتين لا يصيّرهما ظهرا أو عصرا أو مغربا أو فجرا مثلا.

و يدل على كونها محتاجة إلى القصد، الأدلة الدالة على العدول من اللاحقة إلى السابقة لو اتى بها قبلها سهوا، فان العدول ليس الا تبديل النية فيظهر أن المنوي مختلف و الا فلا فائدة في العدول كما لا يخفى.

و كذا ما يدل على جواز الاكتفاء بالعصر لو قدّمها سهوا و تذكر بعدها و يجزيه إتيان الظهر، فلو كان عنوان الظهر و العصر يتحقق من دون قصد عنوانهما كان اللازم الاكتفاء بها عن الظهر و إتيان العصر ثانيا، فهذه الأدلة قرينة قطعية على ما ذكرنا من كون هذه العناوين من العناوين القصدية.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 73

و المعروف ان عنواني الوجوب و الندب أيضا كذلك،

و هو كذلك بالنسبة الى ما هو مشترك صورة في الواجب و المندوب كالصبح و نافلتها فما لم يقصد عنوان الواجب لم يصر واجبا، و كذا المندوب، فلو لم يكونا من القصدية لزم انطباق ما هو مأتي به أوّلا على الواجب و لا يمكن الحكم بتقدير المندوب نظير ما لو أمر المولى بإعطاء درهم لزوما بحيث لا يرضى بتركه، و بإعطاء آخر استحبابا، فإذا أعطى درهما ينطبق قهرا على ما لا يرضى بتركه فلا معنى لتقديم المندوب حينئذ.

و قد يقال: ان عنواني القصر و الإتمام أيضا كذلك و لكن لم نستفد من الاخبار ذلك، بل هي فردان من طبيعة واحدة، و يترتب عليه صحة إتيانها تامة إذا

نوى القصر في أماكن التخيير، و بالعكس.

(ان قلت): لو كان عليه قضاء القصر أولا و قضاء الإتمام من صلاة الظهر مثلا فهلا يلزم تقديم القصر حينئذ على الإتمام.

(قلنا): لو فرضنا ان عليه قضاء فردين من الظهر إتماما أو قصرا لا يلزم ما صار قضاء أوّلا من حيث انه فات أولا و الآخر فات ثانيا، ففي ضرورة اختلاف القضاءين كما مثلت ان كان لزوم تقديم العصر بملاحظة أنه فات أولا، فالمفروض عدم اللزوم كما مثلنا، و ان كان لأجل أن القصر بما هو قصر و الإتمام بما هو إتمام لا يصير قصرا و إتماما الا بالترتيب المذكور منعنا ذلك، اللهم الا من حيث وجوب الترتيب في الفوائت و هو حكم آخر.

و الظاهر ان عنواني الأداء و القضاء أيضا من العناوين القصدية

و لذا ورد في الاخبار جواز العدول من الحاضرة إلى الفائتة و تقديمها عليه، فلو كانا فردين من نوع لم يكن له وجه، نعم خصوص الأداء

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 74

- لمغروسيته في الأذهان و ارتكازه عند المصلين- لا يحتاج الى قصده باعتبار انطباق الأداء على الإتيان في الوقت قهرا، لا انه لا يعتبر ذلك.

و اما قصد الجماعة و الفرادى، فهل هما من العناوين القصدية معا أم لا؟
اشارة

وجهان لا بد من تحقيق هذه المسألة في المقام فنقول:

قد بنى الأستاذ، الآخوند الخراساني قدس اللّٰه سره (أعلى اللّٰه مقامه) حين تشرفنا بالنجف الأشرف، هذه المسألة- هي جواز قصد الانفراد و عدمه- على كون الجماعة و الفرادى نوعين متباينين و عدمه، فعلى الأول لا يصح قصد الانفراد بمقتضى القاعدة إلا بدليل، و المفروض عدم وجوده، و على الثاني يجوز بمقتضى القاعدة إلا بدليل مانع.

و نحن نقول: لا شبهة في ان تحقق الجماعة بالنسبة الى الامام لا يحتاج الى قصد كما عند الإمامية و المشهور عند العامة، خلافا لأبي حنيفة القائل باعتبار قصد الجماعة في الإمامة، بل لو اقتدى به يصير اماما و صلاته تقع جماعة، و الا فلا.

[جواز العدول من الجماعة إلى الفرادى]
اشارة

و اما «1» المأموم فلا يحتاج أيضا في صورة إتيانها منفردا الى القصد، و اما الجماعة فتحتاج الى القصد، بان يقصد الاقتداء بمعنى

______________________________

(1) قال الشيخ في الخلاف: ليس من شرط صلاة الإمام إمامته رجلا كان المأموم أو امرأة و به قال الشافعي، و قال الأوزاعي: عليه ان ينوي إمامة من يأتم به رجلا كان المأموم أو امرأة و قال أبو حنيفة:

ينوى امامة النساء و لا يحتاج أن ينوي إمامة الرجال (دليلنا): الأصل براءة الذمة و كون هذه النية واجبة يحتاج الى دليل و ليس في الشرع ما يدل على ذلك فوجب نفيه، و روى عن ابن عباس انه قال: بتّ عند خالتي ميمونة فقام رسول اللّٰه (ص) فتوضأ فوقف يصلى فقمت فتوضأت ثم جئت فوقفت على يساره فأخذ بيدي فأدارني من ورائه إلى يمينه و معلوم من النبي (ص) انه كان نوى إمامته (انتهى).

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 75

ان يجعل صلاته تبعا لصلاة الامام

كمن يريد حضور السلطان فيقدم من يكون أوجه عنده من نفسه فيجعل حضوره عنده تبعا لحضوره عنده، فما دام هذا الجعل باقيا فصلاته جماعة، فإذا ارتفع ارتفع لا بمعنى ان سلب هذا العنوان معتبر في تحقق مفهوم الانفراد، بل بمعنى رفع هذا الأمر الوجودي.

و كيف كان فقد عنون المسألة الشيخ أبو جعفر الطوسي رحمه اللّٰه في ثلاثة مواضع من الخلاف و في موضعين من المبسوط «1»:

(أحدها): في ذيل أحكام صلاة الخوف و ذات الرقاع.

(ثانيها و ثالثها) في أحكام صلاة الجماعة.

فقال في الأول: إذا صلى صلاة الخوف في غير الخوف فإن صلاة الإمام صحيحة بلا خلاف، و صلاة المؤتمين عندنا صحيحة (الى ان قال):

دليلنا انه ليس على بطلان شي ء من هذه الصلاة دليل فيحب ان يكون كلها صحيحة، و من ادعى انه من حيث فارق الامام بطلت صلاته فعليه الدليل (انتهى).

و قال في موضع آخر: مسألة فيها مسائل ثلاث: (أوليها) من صلى بقوم بعض الصلاة ثم سبقه الحدث فاستخلف اماما فأتم الصلاة جاز ذلك، و به قال الشافعي في الجديد، و كذلك ان صلى بقوم و هو محدث أو جنب و لا يعلم حال نفسه و لا يعلمه المأموم ثم علم في أثناء الصلاة خرج و اغتسل و استأنف الصلاة، و قال الشافعي: إذا عاد أتم

______________________________

(1) ذكر لمواضع من الخلاف.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 76

الصلاة فانعقدت الصلاة في الابتداء جماعة بغير امام ثم صارت جماعة بإمام. (الثانية) نقل نية الجماعة إلى الانفراد قبل ان يتم المأموم يجوز ذلك و ينتقل الصلاة من حال الجماعة الى حال الانفراد، و به قال الشافعي، و قال أبو حنيفة: تبطل صلاته، (الثالثة) ان ينقل صلاة انفراد إلى

صلاة جماعة فعندنا انه يجوز ذلك و للشافعي فيه قولان (أحدهما): لا يجوز و به قال أبو حنيفة و أصحابه (و الثاني) يجوز و هو الأصح عندهم و هو اختيار المزني مثل ما قلنا (دليلنا): إجماع الفرقة و اخبارهم و قد ذكرناها في الكتاب الكبير، لانه لا مانع يمنع منه، فمن ادعى فعليه الدلالة.

ثم قال: مسألة، إذا أحرم خلف الامام ثم اخرج نفسه من صلاته و أتمّها منفردا صح ذلك، و قال الشافعي: ان كان لعذر صحت صلاته و ان كان لغير عذر فعلى قولين: (أحدهما) يصح كما قلناه و هو الأصح (و الثاني) لا يصح، و قال أبو حنيفة: بطلت صلاته سواء كان لعذر أو لغير عذر.

و بمثل الأخير فصل في المبسوط بين العذر و غيره.

و لكن الشيخ رحمه اللّٰه لم يتعرض للمسألة نفيا و لا إثباتا في النهاية مع كونها مؤلّفة لأجل إيداع الفتاوى المأثورة عن الأئمة عليهم السلام.

و بالجملة أول من تعرض لها الشيخ رحمه اللّٰه في الخلاف و المبسوط و هما مؤلفان لأجل تعرض المسائل الخلافية بين الفريقين في الأول و للتفريعات على المسائل الأصلية من غير فرق بين ما نقل عن الأئمة عليهم السلام و عدمه.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 77

و ليس لها في المقنعة و المراسم و الغنية و لا الانتصار و الناصريات و لا السرائر ذكر، نعم ذكرها ابن حمزة في الوسيلة، و هو ليس من القدماء، بل هو متأخر عن الشيخ أبي جعفر الطوسي رحمه اللّٰه بثلاث طبقات، فان الشيخ من الطبقة الثانية عشرة «1» و ابن حمزة صاحب الوسيلة في الطبقة الخامسة عشرة.

و اختار القول بالجواز أيضا المحقق رحمه اللّٰه، و العلامة و الشهيدان

و جملة ممن تأخر عنهم.

و اختار صاحب الحدائق «2» و المدارك «3» و المفاتيح «4» و شرحه «5» و صاحب المستند «6» عدم الجواز.

فالأقوال في المسألة ثلاثة:

(أحدها): الجواز مطلقا، و هو اختيار الشيخ في الخلاف و موضع من المبسوط و جملة ممن تأخر عنه.

(ثانيها) عدم الجواز و هو اختيار الأربعة المذكورة.

(ثالثها) التفصيل بين العذر و غيره، و هو اختيار الشيخ رحمه اللّٰه في موضع من المبسوط، و ابن حمزة الطوسي رحمه اللّٰه في الوسيلة.

______________________________

(1) قد الف سيدنا الأستاذ الأكبر قدس سره كتاب الطبقات و هي ثلاث مراتب كل مرتبة مشتملة على اثنى عشر طبقه إلى زمانه و جعل نفسه من الطبقة الثانية عشرة من المرتبة الثالثة.

(2) الشيخ يوسف البحراني.

(3) للسيد على.

(4) للمحدث الكاشاني.

(5) الذريعة ج 14 ص 74- 80.

(6) للمولى احمد النراقي، قدس سره.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 78

و استدل الشيخ رحمه اللّٰه (تارة) بأصالة الإباحة و عدم الدليل على المنع، (و اخرى): بإجماعهم و الاخبار، لكن لم نجد في كتابه الكبير المراد به، التهذيب، غير اخبار الاستخلاف فكأنه رحمه اللّٰه استنبط منها مسألتين أخريين حيث انها تدل على انفراد المأمومين من ناحية صيرورة الإمام محدثا و هي المسألة الثانية و صيرورة صلاتهم جماعة بعد الاستخلاف، و هي المسألة الثالثة، و موردها هي المسألة الاولى.

و الذي يؤيد ما ذكرنا من احتمال الاستنباط قوله رحمه اللّٰه:

(مسألة فيها ثلاث مسائل) و لم يجعل رحمه اللّٰه كل واحدة منها مسألة مستقلة ثم جعل المسائل الثلاث امرا واحدا.

و من هنا يظهر ان ما ادعاه من الإجماع ليس كسائر الإجماعات التي تكشف عن قول الامام عليه السلام، و لذا ذكر شارح المفاتيح الآقا باقر البهبهاني «1» رحمه اللّٰه

ان إجماع الشيخ رحمه اللّٰه محل ريبة (انتهى)، و هو جيد.

______________________________

(1) المولى محمد باقر بن محمد أكمل، الأستاذ الأكبر و معلم البشر المحقق المدقق ركن الطائفة و عمادها و أورع نساكها و عبادها علامة الزمان و نادرة الدوران باقر العلم و نحريره و الشاهد عليه تحقيقه و تجبيره (الى ان قال): كان ميلاده الشريف بأصبهان في سنة 1118 موافقة لقوله تعالى (نٰاقَةُ اللّٰهِ لَكُمْ آيَةً) ثم ذكران له ولدين (الى ان قال): و توفى والدهما المحقق البهبهاني في الحائر الشريف سنة 1208 و دفن في الرواق الشريف المطهر قريبا مما يلي ارجل الشهداء رضوان اللّٰه تعالى عليهم أجمعين (الكنى و الألقاب ج 2 ص 110).

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 79

و الحاصل انه ليس في المسألة خبر، و لا إجماع معتد به كاشف عن فتوى المعصوم عليه السلام، فاللازم مراعاة القواعد الآخر.

فنقول: انه استدل للجواز بأمور:

(الأول): أصالة الإباحة، و عدم الدليل على المنع، و هو استدلال الشيخ رحمه اللّٰه و من تبعه.

(الثاني): ان الايتمام و الاقتداء كان مستحبا ابتداء فكذا استدامة، و هو و استدلال المحقق في المعتبر و من تبعه.

(الثالث): انه بالاقتداء يدرك الفضيلة فله ان يرفع اليد عنها و هو استدلال المحقق أيضا و العلامة في التذكرة.

(الرابع): ما روى- كما في التذكرة- عن جابر، قال: كان معاذ يصلى مع رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و آله العشاء ثم يرجع الى قومه فيؤمهم، فاخر النبي صلى اللّٰه عليه و آله صلاة العشاء فصلى معه ثم رجع الى قومه فقرأ سورة البقرة فتأخر رجل فصلى وحده، فقيل له:

نافقت يا فلان فقال: ما نافقت و لكن لآتين رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و آله فأخبره

فأتى النبي صلى اللّٰه عليه و آله فذكر ذلك، فقال له: أ فتّان أنت يا معاذ؟ مرتين، اقرأ سورة كذا و سورة كذا، قال: و سورة و السماء ذات البروج، و الليل إذا يغشى، و السماء و الطارق، و هل أتيك حديث الغاشية، و لم ينكر النبي صلى اللّٰه عليه و آله و سلم (انتهى) «1».

و استدل بهذا الخبر في التذكرة، و باخبار جواز تقديم

______________________________

(1) سنن أبي داود ج 1 ص 210 باب في تخفيف الصلاة.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 80

التسليم أيضا «1».

و استدل الفاضل النراقي في المستند للمنع بأن الصلاة المؤلفة من جماعة و فرادى بمعنى ان بعضها يكون جماعة و بعضها فرادى، غير معهود من الشرع.

و تفصيل الكلام في المسألة بحيث يتضمن ما قيل أو يمكن ان يقال ان نقول: ان القائل بالمنع اما ان يقول بعدم جواز قصد الفرادى وضعا بمعنى عدم صيرورة الصلاة فرادى بعد صيرورتها جماعة و عدم تأثير هذا القصد في تحقق الانفراد (و اما) يقول بعدم جوازه تكليفا بمعنى حرمة قصد الانفراد لا انه مبطل (و اما) باشتراط الإخلال بوظائف الانفراد في عدم مبطليته بعدم قصد الفرادى، و الا تبطل الصلاة مستندا إلى الإخلال بوظائف الانفراد الى قصد الفرادى.

و الى الاحتمال الثاني ينظر ما ذكره الشيخ رحمه اللّٰه- في مقام الاستدلال على الجواز- من أصالة الإباحة بمعنى عدم حرمة قصد الانفراد، تكليفا.

و الى رد ما ذكره النراقي رحمه اللّٰه من عدم معهودية ذلك في الشرع، نظر صاحب الجواهر رحمه اللّٰه فيما ذكره فيه، من وجود صلاة مؤلفة من الجماعة و الفرادى مثل اقتداء الحاضر بالمسافر و مثل ما لو حدث للإمام حادثة لا يمكن له

ان يتمها و لم يكن هناك من يكون قابلا للاستخلاف و غيرهما من الموارد التي يصير الصلاة مركبة من الجماعة و الفرادى.

و كيف كان فنقول: اما عدم تأثير قصد الانفراد في تحققه، فمندفع

______________________________

(1) التذكرة ج 4 ص 270.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 81

بما مر من عدم كون الفرادى ماهية مستقلة كالجماعة، بل الانفراد يحصل برفع قصد الايتمام، فلا يحتاج الى القصد كما لا يخفى على من تأمل.

هذا مضافا الى انه بعد قصد الانفراد (اما) يجب عليه بقائه على القدوة و ترتب آثارها من عدم قراءة الحمد و وجوب المتابعة و هذا لم يقل به أحد، بل هو غير قابل لان يقال.

(و اما): ان لا يكون حينئذ جماعة و لا فرادى و معناه حينئذ بطلان الصلاة فيرجع الى الوجه الثالث.

كما ان مرجع الوجه الثاني أيضا إليه، فانا لو اعترفنا بوجود الصلاة المركبة من الجماعة و الفرادى فلا وجه للحكم بحرمة الانفراد و الا فهو يكفي في عدم الجواز فهذا الوجه أيضا راجع الى الثالث.

و كذا الوجه الرابع فإنه- بعد فرض صحة هذا القصد و تأثيره في تحقق الانفراد- لا وجه لادعاء عدم شمول أدلة الجماعة للمأتي به جماعة.

فالعمدة بيان ان قصد الفرادى هل يوجب البطلان أم لا؟

فعلى هذا القول: لا شبهة في وجود الصلاة المؤلفة من الأمرين في الشرع كما في المأموم المسبوق أو المدرك لركعة في صلاة الجمعة للزحام أو ائتمام الحاضر بالمسافر، فليس محل النزاع عدم وجوده مطلقا، بل الدعوى انه لو أمكن إتيانها مع الامام بقصد الانفراد فهل يكون في الأدلة ما يدل على تحققه أم لا؟

فحينئذ يقال: ان المسألة ليست مبتنية على ان الجماعة و الفرادى ماهيتان مختلفتان بحيث

يكون وصف الجماعة جزء لمفهومها، كي يقال:

انا لا نسلم كونهما جزءين لكل واحدة من الماهيتين كعنوان الظهر

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 82

و العصر، بل هي وصف عارض خارج عن ماهيتها كاتيانها في المسجد حيث ان المسجدية ليست دخيلة في أصل الماهية كما في الجواهر و الا كان مقتضى القاعدة جواز قصد الانفراد لصحة ما ذكره في الجواهر من عدم كون وصف الجماعة دخيلا في ماهيتها.

بل هي مبتنية على ان الأدلة الدالة على الاقتداء هل تكون ظاهرة في جواز جعل كل جزء جزء من الصلاة متصفا بالجماعة بسبب الاقتداء و بالفرادى بعدمه، أم ظاهرها جعل الصلاة بما هي صلاة متصفة بها مرة و به اخرى، فعلى الأول مقتضى القاعدة جواز قصد الفرادى دون الثاني.

و يترتب على الأول لوازم:

(الأول): جواز جعل كل جزء من أجزاء الصلاة فرادى أو جماعة فيجعل التكبيرة جماعة و القراءة فرادى ثم الركوع جماعة، و السجود فرادى مثلا و هكذا.

(الثاني): جواز الاقتداء في صلاة واحدة بالأئمة المتعددين باقتداء في كل جزء منها بإمام.

(الثالث): لزوم القصد التفصيلي بالاقتداء في كل جزء لكون واحد من الاجزاء مستقلا في جعله جماعة و فرادى.

(الرابع): كون تعبير جملة من القدماء و جملة من المحققين من المتوسطين للمسألة، بنقل الانفراد الى الايتمام أو الايتمام الى الانفراد- كما في المبسوط أو العدول من أحدهما إلى الآخر كما عن المحقق و العلامة رحمهما اللّٰه- في غير محله، فإنه لا معنى للعدول حينئذ لأن المفروض جواز الاقتداء في كل جزء جزء على حدة، و عدمه كذلك

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 83

فليس الانفراد في القراءة عدولا عن الاقتداء في التكبيرة.

و هذا بخلاف ما كان ظاهر الأدلة جعل

الصلاة جماعة أو فرادى فان مقتضى ظاهر الدليل جعل الصلاة بتمامها جماعة بالاقتداء «1» فالانفراد يحتاج الى دليل.

و لا يجوز «2» العدول من إمام إلى آخر.

و يكفى «3» القصد الأول في استمراره الى آخر الصلاة.

و يصح «4» التعبير بالعدول.

و يؤيد ذلك ما ورد من ان صلاة الجماعة تعادل (تعدل، خ ل) صلاة الفذ بخمس و عشرين درجة «5».

و قد يستدل للجواز بالأخبار الواردة الدالة على جواز تسليم الامام عند الحاجة و الضرورة.

و في الرياض: إذا ثبت هنا جواز الانفراد يثبت في غيره بعدم القول بالفصل.

(و فيه نظر): لعدم دلالة الاخبار على جواز الانفراد، بل يمكن ان يكون رخصة في تخلف المأموم في بعض أفعال الصلاة عن الإمام في المتابعة، لا فرادى.

______________________________

(1) ناظر الى قوله قده: جواز جعل كل جزء، الى آخره.

(2) ناظر الى الثاني.

(3) ناظر الى الثالث.

(4) ناظر الى الرابع.

(5) الوسائل باب 1 حديث 1- 3- 5- 14 من أبواب صلاة الجماعة ج 5 ص 370- 374.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 84

و توضيحه ان صلاة الجماعة ليس مفهومها مجملا كما يستفاد من كلمات بعض المتأخرين، بل مفهومها مبين على نسق تبين نفس الصلاة لمشروعيتها معها كما يدل عليه ما ورد من ان النبي صلى اللّٰه عليه و آله كان يصلى و على يمينه رجل و خلفه امرأة فيرى بعض أهل مكة ذلك فسئل عن ذلك فقيل له: انه نبي و يدعى أني مأمور بتبليغ الرسالة و هذا العمل صلاة و انا مأمور بتبليغها، و هذا ابن أخيه و هذه زوجته «1».

و بالجملة لو كان مفهوم الجماعة لكان مفهوم الصلاة أيضا كذلك و هي عبارة عن التذلل و التخضع نحو المعبود بتبعية رئيس واحد

و هو إمام الجماعة معه بحيث يصدق عند العرف انهم تذللوا للّٰه تعالى اجتماعا، و لا شبهة في احتياج تحقق هذا المعنى الى وحدة الزمان بل المكان.

و لذا ورد في صحيحة عن أبي جعفر عليه السلام ما يدل على انه لو كان بين الامام و بين المأمومين فليس لهم بإمام و ليس صلاتهم بصلاة «2».

______________________________

(1) منقول بالمعنى و الحديث أطول من هذا فراجع خصائص مولانا أمير المؤمنين على بن أبي طالب (ع) للحافظ أبي عبد الرحمن احمد ابن شعيب بن سنان النسائي المتوفّى سنة 303 طبع بطريق الافست من طبع مطبعة التقدم بالقاهرة (باب ذكر اختلاف ألفاظ الناقلين ص 2).

(2) في الوسائل محمد بن على بن الحسين بإسناده عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام (في حديث) قال: إذا صلى قوم بينهم و بين الإمام سترة أو جدار، فليس تلك لهم بصلاة الا من كان حيال الباب قال: و قال: هذه المقاصير أحدثها الجبارون، و ليس لمن صلى خلفها مقتديا، بصلاة من فيها صلاة، الوسائل باب 59 حديث 1 من أبواب صلاة الجماعة ج 4 ص 460.

و فيه أيضا محمد بن يعقوب عن احمد بن إدريس و غيره، عن محمد ابن احمد بن يحيى، عن احمد بن الحسن بن على، عن عمرو بن سعيد عن مصدق بن صدقة عن عمار، عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام: قال: سألته عن الرجل يصلى بقوم و هم في موضع أسفل من موضعه الذي يصلى فيه؟

فقال: ان كان الامام على شبه الدكان أو على موضع ارفع من موضعهم لم تجز صلاتهم، الحديث، الوسائل باب 63 حديث 1 من أبواب صلاة الجماعة ج ص 463 و بالجملة يجد المتتبع في

شرائط الجماعة ما يدل على نفى عنوان الصلاة مطلقا أو مع انتفاء بعض الشرائط.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 85

و اما اتحاد أفعال المأمومين مع أفعال الإمام بحيث يكون كل فعل من أفعالهم مع كل فعل من أفعاله له في الوجود، فالظاهر عدم اعتبار هذا المعنى في تحقق مفهوم الجماعة كما يشهد لذلك أحكام المأموم المسبوق بركعة مثلا من كونه متشهدا أو الإمام في التسبيحات أو كونه قارئا و هو مشتغل بها مع صدق الجماعة و اختلاف أفعالهما حينئذ، بل يكفى كونهم جميعا اماما و مأموما مصلين في زمان واحد و مكان واحد، و لو كانوا مختلفين في الافعال.

و كذا عدم تقدم المأموم على الإمام في الأفعال حكم تكليفي بمعنى انه لا يجوز في حال الاختيار و عدم الحاجة التخلف عن أفعاله كما يدل عليه قوله صلى اللّٰه عليه و آله: انما جعل الإمام إماما ليؤتم به، فإذا كبر

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 86

فكبروا و إذا ركع فاركعوا، و إذا سجد فاسجدوا «1».

و اما في غير حال الاختيار فيمكن ان لا يكون المتابعة في الجماعة دخيلا في تحقق مفهومها، فيكون الترخيص في تقديم السلام من قبيل الترخيص في التخلف عن بعض أفعال الامام، و لا ملازمة بين جواز نية الانفراد.

و بهذا أيضا يمكن ان يجاب عن الاستدلال بروايات صلاة ذات الرقاع «2» بان لا تكون الطائفة الأولى منفردين، بل متخلفين في جملة من الأفعال للضرورة.

______________________________

(1) راجع سنن أبي داود ج 1 ص 164 باب الامام يصلى من قعود.

(2) قال الشيخ عليه الرحمة في الخلاف: مسألة 3: صلاة الخوف ان يفرق الناس فريقين، يحرم الإمام بطائفة و الطائفة الأخرى تقف تجاه العدو

فيصلى بالذين معه ركعة ثم يثبت قائما و يتمون الركعة الثانية لأنفسهم و ينصرفون الى تجاه العدو و يجي ء الطائفة الأخرى فيصلى الامام بهم الركعة الثانية له، و هي اولة لهم، ثم يثبت جالسا فتقوم هذه الطائفة فتصلي الركعة الباقية عليها، ثم تجلس معه، ثم يسلم بهم الامام و به قال الشافعي و احمد بن حنبل.

و كان مالك يقول به ثم رجع فخالف في فصل، فقال: إذا صلت الطائفة الأخرى معه ركعة سلم الامام بهم و قاموا بغير سلام فصلوا لأنفسهم الركعة الباقية.

و قال ابن أبي ليلى مثل قولنا و خالفنا في فصل، فقال إذا أحرم بالصلاة أحرم بالطائفتين معا ثم صلى بإحديهما على ما قلناه و قال أبو حنيفة: يفرقهم فرقتين على ما قلناه فيحرم بطائفة يصلى بهم ركعة ثم يثبت قائما، و تنصرف هذه الطائفة و هي في الصلاة فتقف تجاه العدو ثم تأتي الطائفة الأخرى فيصلي بهم الإمام الركعة التي بقيت من صلاته و يسلم الامام و لا يسلمون بل تنصرف هذه الطائفة و هي في الصلاة الى تجاه العدو، تأتى الطائفة الأخرى إلى الموضع فتصلي الركعة الباقية عليها ثم تنصرف الى تجاه العدو و تأتي الطائفة فتصلي الركعة الباقية و قد تمت صلاتهم.

و كان أصحاب الشافعي يحكون مذهب أبي حنيفة كمذهب ابن أبي ليلى و أصحاب أبي حنيفة يحكون من أصحاب الشافعي كمذهب ابن أبي ليلى.

(دليلنا): إجماع الفرقة فإنهم لا يختلفون في ان صلاة الخوف على الترتيب الذي قدمناه و روى مالك عن يزيد بن رومان، عن صالح بن خوات بن جبير عمن صلى مع رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و آله يوم ذات الرقاع صلاة الخوف: ان طائفة صفت معه

و طائفة تجاه العدو فصلى بالذين معه ركعة ثم ثبت قائما و أتموا لأنفسهم ثم انصرفوا فصفوا تجاه العدو و جاءت الطائفة الأخرى فصلى بهم الركعة التي بقيت من صلاتهم ثم ثبت جالسا و أتموا لأنفسهم ثم سلم بهم.

و روى شعبة، عن عبد الرحمن بن القسم، عن أبيه، عن صالح بن خوات بن جبير، عن سهل بن أبي خثيمة عن النبي صلى اللّٰه عليه و آله مثله.

و روى الحلبي قال: سألت أبا عبد اللّٰه عليه السلام عن صلاة الخوف؟ قال: يقوم الامام و تجي ء طائفة من أصحابه فيقومون خلفه و طائفة بإزاء العدو فيصلى بهم الامام و ركعة ثم يقوم و يقومون معه فيمثل قائما و يصلون هم الركعة الثانية ثم يسلم بعضهم على بعض ثم ينصرفون فيقومون في مقام أصحابهم و يجي ء الآخرون، فيقومون خلف الإمام فيصلي بهم الركعة الثانية ثم يجلس الامام فيقومون هم فيصلون ركعة أخرى ثم يسلم عليهم فيصرفون بتسليمه، قال و في المغرب مثل ذلك يقوم الامام و تجي ء الطائفة فيقومون خلفه فيصلى بهم ركعة أخرى ثم يقوم و يقومون فيمثل الإمام قائما و يصلون الركعتين و يتشهدون و يسلم بعضهم على بعض ثم ينصرفون و يقفون في موقف أصحابهم و يجي ء الآخرون فيقومون خلف الإمام فيصلي بهم ركعة يقرأ فيها ثم يجلس فيتشهد ثم يقوم و يقومون معه فيصلي ركعة أخرى ثم يجلس و يقومون، هم فيتمون ركعة أخرى ثم يسلم عليهم. الوسائل باب 2 حديث 4 من أبواب صلاة الخوف ج 5 ص 479.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 88

فإنه من الممكن بقاء القدوة مع الترخيص المذكور، فان المفروض كون الامام مشغولا بالصلاة إلى آخر صلاة الطائفة

الثانية، فالجماعة- بمعنى كونهم اماما و مأموما مشغولين بالصلاة- متحققة، فان قوله عليه الصلاة: و يسلم بهم الإمام، قرينة على بقاء الامام على الإمامة بالنسبة إلى الطائفة الثانية، مع انها قد تخلفت في الأفعال مع الامام بعد إتيان الركعة الأولى بالنسبة إلى الركعة الثانية، فيكشف ذلك عن ان مجرد التخلف في جملة من الافعال لا ينافي صدق الجماعة، كما لا يخفى، و كذا بالنسبة إلى الطائفة الأولى لاشتراكهما في التخلف في جملة من الافعال.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 89

و بالجملة فلا دلالة لأخبار التسليم، و لأخبار صلاة ذات الرقاع على جواز نية الانفراد.

فالعمدة ملاحظة الدليل في ان المستفاد منه هو كون الاقتداء انما هو في الصلاة بما هي هي أم في كل جزء من اجزائها.

و يدل على الأول أو يؤيده أمور:

(الأول): الاخبار الدالة على ان الصلاة جماعة تفضل على صلاة الفذ بخمس و عشرين درجة أو أربع و عشرين درجة «1» فإن ظاهرها ان الصلاة بما هي صلاة- لا بما هي أجزاء متفرقة- ذات فضيلة (الثاني): اغتفار زيادة الركوع و السجود فيها باعتبار كون الاقتداء انما تحقق في الصلاة، و لو كان الاقتداء في كل جزء جزء لم يكن وجه للاغتفار.

(الثالث): ما اشتهر بين المعاصرين و من قارب عصرهم من الاستشكال في جواز نية الانفراد في أول الصلاة مع فتواهم بالجواز إذا بدا للمصلي في الأثناء الانفراد، فان هذا يكشف عن ان ما هو مورد للاقتداء انما هي الصلاة فقط بعنوان أنها صلاة لا الاجزاء.

و حيث ان من نوى الانفراد من أولها لم ينو اقتداء تمام الصلاة يصير موردا بخلاف ما إذا بدا له في الأثناء نية الانفراد فإنه نوى الاقتداء في صلاته

بهذا العنوان.

و بالجملة يستفاد من هذه الأمور أن ما هو مورد للاقتداء انما هو الصلاة لا اجزائها.

هذا مضافا الى ان ذلك يستلزم أمورا لا يلتزمون بها، و قد تقدم

______________________________

(1) الوسائل باب 1 من أبواب الجماعة ج 5.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 90

ذكرها مفصلا فلا نعيد فانقدح من جميع ما ذكرنا عدم دليل على جواز نية الانفراد.

و اما استدلال الجواهر رحمه اللّٰه بان قصد الفذ راجع الى رفع اليد عن فضيلة الجماعة و ان وصف الجماعة نظير إيقاع الصلاة في المسجد، فلا مانع من رفع اليد عنه.

(ففيه): انه قياس مع الفارق لعدم احتياج الصلاة في المسجد إلى النية زائدا على نية أصل الصلاة لعدم كون الصلاة مع هذه الخصوصية من العناوين القصدية فهو نظير الصلاة متطيبا و غير متطيب و هذا بخلاف وصف الجماعة، فإنه يحتاج إلى نية الاقتداء من المأموم.

نعم يمكن ان يوجه ما استدل به الشيخ عليه الرحمة من كون الأصل الإباحة «1» لكون جواز نية الفرادى معمولا في زمان الشيخ رحمه اللّٰه مع عدم ردع العلماء و عدم كونه مستنكرا لدى المسلمين، و هذا يكشف عن جوازه شرعا، و لكن أنّى لك بإثبات ذلك؟ بل هو مجرد فرض لا طريق إلى إحرازه خارجا.

فرع لو اقتدى في الصلاة ثم بان عدم تحقق بعض شرائط الجماعة

______________________________

(1) قال الشيخ رحمه اللّٰه في الخلاف: من سبق الإمام في ركوعه أو سجوده و تمم صلاته و نوى مفارقته صحت صلاته سواء كان لعذر أو لغير عذر، و قال أبو حنيفة: تبطل صلاته على كل حال، قال الشافعي: ان خرج لعلة لم تبطل صلاته، و ان خرج لغير عذر على قولين، قال أبو سعيد الإصطخري: لا تبطل صلاته قولا واحدا كما قلناه، و منهم من قال

على قولين (أحدهما) هذا (و الثاني) تبطل صلاته و نص الشافعي انه قال:

كرهته و لم يبين ان عليه الإعادة (دليلنا) ان إبطال صلاته بذلك يحتاج الى دليل و ليس في الشرع ما يدل عليه و الأصل الإباحة (انتهى).

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 91

بان يكون هناك فصل قادح أو حائل أو كون مكان الإمام أعلى من مكان المأموم أو غيرها من شرائط تحقق الجماعة، فهل تبطل الصلاة مطلقا جماعة و فذّا أم جماعة فقط؟ وجهان بل قولان.

و هذه المسألة مما يتفرع على كون الجماعة و الفرادى من العناوين القصدية، فإنا لو قلنا ان الجماعة عنوان قصدي، فبعد فرض كونه قاصدا لهذا العنوان، فصحة الصلاة بدون هذا العنوان أمر يحتاج الى الدليل.

فالمسئلة مبتنية على انه هل يوجب الاقتداء تحصّل الصلاة في الخارج صلاة المقتدي بمعنى تحصّل هذه الحقيقة في ضمن هذا الفرد أم يوجب تحقق أمرين (أحدهما) الصلاة (ثانيهما) وصف الجماعة، فإذا انتفى الثاني بتخلف الشرائط كلا أو بعضا يبقى الأول.

فعلى الأول تبطل الصلاة بالإخلال بأي شرائط الجماعة، و على الثاني يتوقف بطلانها على الإخلال بوظائف الفرادى.

و هل يكون على أحدهما دليل اجتهادي أم لا؟ و على الثاني هل مقتضى القاعدة البطلان أم لا؟ يمكن ان يقال بدلالة صحيحة زرارة المتقدمة، على بطلان الصلاة حيث نفى طبيعة الصلاة عند فقدان بعض الشرائط بقوله عليه السلام: (إذا صلى قوم بينهم و بين الامام

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 92

سترة أو جدار فليس تلك لهم بصلاة، الحديث «1».

و بدلالة رواية السكوني «2» أيضا الدالة على بطلان صلاة اثنين تخيل كل منهما انه مأموم و صحتها في صورة تخيل كون كل واحد إماما فإنه لا وجه

للبطلان الا باعتبار فقدان بعض شرائط تحقق الجماعة و هو وجود الإمام، فهي بإطلاقها و عدم تقيدها بصورة الإخلال بوظائف الفرادى، شاملة لما إذا لم يخلا بوظائف الفرادى.

و حملها على فرض خصوص الإخلال بوظائف الفرادى بعيد، لما فيه:

(أوّلا) من عدم كون القراءة في مثل هذه الصورة منافية لوظيفة المنفرد لاحتمال إلحاقها بصورة السهو في القراءة، فإن الأدلة الدالة على عدم كون السهو في القراءة مبطلا، لا تختص بصورة سهو القراءة نفسها بحيث كان المسهو نفسها، بل تشمل ما إذا سها منشأ وجوبها عليه كما في مثل المقام حيث تخيل ان وظيفته عدم القراءة بتخيل المأمومية.

(و ثانيا) عدم تسلم كون القراءة متروكة و لا سيما كون أصل جواز قراءة المأموم خلف الامام خلافيا سيما الإخفاتية، مع ان المتعارف في ذلك الزمان عدم ترك القراءة.

فلا وجه حينئذ لحملها على الفرد النادر، بل الوجه على خلافه موجود، و هو الإطلاق، مع كون المقام مقام البيان فيفهم منها حينئذ ان البطلان لأجل عدم تحقق طبيعة الصلاة في ضمن هذا الفرد و المفروض كونه عنوانا قصديا و لم يقصد غير هذا الفرد، فالفرد المقصود

______________________________

(1) الوسائل باب 59 حديث 1 من أبواب صلاة الجماعة ج 5 ص 460.

(2) روى الكليني رحمه اللّٰه، عن على بن إبراهيم، عن أبيه، عن النوفلي، عن السكوني، عن أبي عبد اللّٰه، عن أبيه عليهما السلام، قال قال أمير المؤمنين عليهم السلام في رجلين اختلفا فقال أحدهما كنت امامك فقال الآخر: كنت امامك؟ فقال: صلاتهما تامة، قلت: فان قال كل واحد منهما: كنت ائتم بك؟ قال: صلاتهما فاسدة و ليستأنفا.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 93

باطل، و الفرد الصحيح غير مقصود.

و هذا بخلاف ما إذا

نويا الإمامة، فإن صلاتهما صحيحتان لعدم كون صلاة الإمام بما هو إمام مشروطة بقصد الإمامة، فإذا لم يتحقق هذا المقصود فقد تحقق أصل طبيعة الصلاة كما هو المفروض هذا.

و لكن يمكن ان يعارض بما ورد من الاخبار «1» الدالة على صحة الايتمام لصلاة من كان فاقدا لبعض الشرائط كالإسلام و العدالة و الحدث فان بعض شرائط تحقق الجماعة أيضا مفقود واقعا، و هو وجود الامام العادل أو المتطهر، فالحكم بالصحة يكشف عن تحقق طبيعة الصلاة مع عدم اجتماع شرائط الجماعة فيكشف ذلك عن كون الشرائط شرائط تحقق وصف الجماعة لا شرائط تحقق طبيعة صلاة المقتدي.

______________________________

(1) روى الكليني رحمه اللّٰه، عن على بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن بعض أصحابه، عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام في قوم خرجوا في خراسان أو بعض الجبال و كان يؤمهم رجل، فلما صاروا إلى الكوفة علموا أنه يهودي؟ قال: يعيدون، و روى الصدوق رحمه اللّٰه عن جميل بن دراج، عن زرارة، عن أحدهما عليهما السلام، قال: سألته عن رجل صلى بقوم ركعتين فثم أخبرهم انه على غير وضوء، قال: يتم القوم صلاتهم، فإنه ليس على الامام ضمان. روى الأول في الوسائل باب 29 حديث 1 و الثاني و الثالث باب 36 حديث 1 و باب 36 حديث 2 من أبواب صلاة الجماعة ج 5 ص 435- 433.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 94

و يمكن ان يجاب بان ظاهر أدلة شرائط الجماعة كفاية تحققها بنظر المؤتم و المقتدى و لو بمقتضى الأصول و الأمارات فلا يضر تخلف بعضها بعدها، فيبقى دلالة رواية السكوني «1» بلا معارض و ضعفها مجبور بذكر الأصحاب «2» و ايداعهم في كتبهم

المعدة لنقل فتاوى الأئمة عليهم السلام، فان ضبط هذه المسألة- مع انها لم تكن مما عمت به البلوى كما في مصباح الفقيه للهمدانى عليه الرحمة- ليس الا لحفظ

______________________________

(1) كما تقدمت.

(2) ذكر مضمونها الصدوق رحمه اللّٰه في الفقيه و الهداية و الشيخ أبو جعفر الطوسي عليه الرحمة في النهاية- مع ان بناءه كما أشار إليه في أول مبسوطة- على نقل الفتاوى المنطبقة مع الاخبار المأثورة عنهم عليهم السلام، و قد ذكر فيها: ما لفظه: و إذا صلى نفسان فذكر كل واحد منهما انه كان اماما لصاحبه جازت صلاتهما، لان كل واحد منهما قد احتاط للصلاة في القراءة و الركوع و السجود و العزم و غير ذلك، و ان قال كل واحد منهما: انا كنت مأموما كان عليهما إعادة الصلاة لأنه قد وكّل كل واحد منهما الأمر الى صاحبه فلم يأتيا بأركان الصلاة (انتهى كلامه رفع مقامه) و يظهر منه رحمه اللّٰه ان الحكم ليس تعبدا محضا، بل هو موافق للقواعد المستنبطة من سائر بيانات الأئمة عليهم السلام من كون الإخلال بوظائف الفرادى مبطل، و اللّٰه العالم.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 95

النصوص الواردة عنهم عليهم السلام.

فانقدح مما ذكرنا ان عناوين العبادات بل المعاملات من العقود و الإيقاع، و أنواعها و عنواني الأداء و القضاء و الجماعة للمقتدى، من العناوين القصدية التي يعتبر قصدها تفصيلا و لا تحقق لها في الخارج بدون هذا القصد التفصيلي، و لا يكفى القصد الإجمالي نعم يكفي في قصد القربة قصدها الإجمالي، كما يأتي تحقيقه إن شاء اللّٰه.

و من العناوين المعتبرة في العبادات قصد التقرّب
اشارة

و هذا التعبير المتداول في السنة الفقهاء مختص بالعبادات بمعنى ان العبادة بما هي عبادة لا تحصل الا بالقصد المذكور، و هو

عبارة عن إتيان العمل من جهة انها عبادة.

و هذا المعنى أمر مركوز فطري طبيعي، لا يحتاج الى بيانه من قبل الشارع بعد بيان نفس العبادات غاية الأمر يختلف القصد حسب اختلاف مراتب كمالات العابدين كما في سائر المقاصد الدنيوية المأتية لأجل السلطان.

تحقيق المقام [تحقيق بحث قصد التقرب]
اشارة

ان يقال: لا شبهة في ان الافعال الاختيارية الصادرة من الفاعل لا بد و ان تصدر عن قصد و ارادة، و الإرادة إنما تتعلق أوّلا و بالذات

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 96

بما هو مقصود بالذات و معشوق حقيقة بحيث يكون سائر الأفعال مقدمة لتحققه.

و ما يتعلق به الإرادة كذلك على قسمين:

(أحدهما) علّية الأمور المطلوبة الراجعة إلى الأمور الدنيوية بحيث يكون المطلوب بالذات هو ذلك الأمر الدنيوي كالشبع حيث انه يشترى الخبز و يعطى الثمن و يأخذه و يأكله ليترتب عليه ذلك.

(ثانيهما) ما لا يكون موافقا للهوى النفسانية، بل لا يترتب عليه الا ما يكون راجعا الى الأمر الأخروي كالعبادات، فان نوعها لا تكون عن داع راجع الى الأمور الدنيوية، لعدم ترتبها عليه فيكون الداعي و المحرك هو ما يقتضي طبعها من كونها عبادة و يختلف العابدون حسب اختلافات كمالاتهم و قربهم و معرفتهم.

(فمنهم) من لا يعبد اللّٰه تعالى شأنه إلا لأجل إظهار العبودية و التذلل و التخضع بحيث يكون المقصود بالذات نفس العبادة و التذلل (اما) لكونه مسخّرا تحت عظمة ربه العظيم بحيث يرى انه لا عظمة الا للّٰه تبارك و تعالى فيرى انه مستحق لان يصير معبودا و نفسه بان يكون عابدا و (اما) لمعرفته بان الكمالات كلها منه تعالى.

و بالجملة لا يرى لنفسه غير العبودية مقاما و لا له تعالى غير المعبودية شأنا.

و لعله المراد مما روى عن أمير المؤمنين صلوات اللّٰه و سلامه عليه ما عبدتك طمعا في جنتك و لا خوفا من نارك، بل وجدتك أهلا للعبادة فعبدتك «1».

______________________________

(1) عوالي اللئالي ج 1 ص 404 و ج 2 ص 11 طبع مطبعة سيد الشهداء قم.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 97

و ما روى

عن الصادق عليه السلام من ان قوما عبدوا اللّٰه عز و جل خوفا، فتلك عبادة العبيد و قوم عبدوا اللّٰه تبارك و تعالى طلب الثواب فتلك عبادة الاجراء، و قوم عبدوا اللّٰه عز و جل حبا له فتلك عبادة الأحرار «1» و هذه أعلاها.

(و منهم) من يعبد اللّٰه تعالى، لانه يرى ان جميع النعم منه تعالى شأنه و جميع الخيرات اليه (و الخير كله بيديك و الشر ليس إليك) فيعبد شكرا له تعالى من دون نظر الى طمع في جنته تعالى أو الخوف من ناره جل و عز، و هذه المرتبة تتلو تلو الاولى.

و هذا القسمان لا ينالهما أيدي أمثالنا بل تختصان بالمعصومين أو من يتلو تلوهم.

(و منهم) من يعبده تعالى، لانه يرى كما ان النعم الدنيوية منه تعالى، كذلك الأخروية فيعبده كي يعطيه النعم الأخروية الأبدية كما أعطاه في الدنيا.

(و منهم) من يعبده تعالى لانه يرى و يعلم ان العاصي قد توعد عليه بالعقاب و يعتقد انه تعالى قادر على عقابه في الآخرة فيحكم عقله بلزوم الإطاعة دفعا للعقاب الأخروي.

و هذان القسمان هما المنشأ لعبادة نوع العباد، و لا يكون لهم داع غيرهما على اختلاف مراتبهم شدة و ضعفا، و لا يترتب على العبادة سوى ما ذكرناه من الأمور الدنيوية كي تكون داعية لهم نحو العبادة نوعا و لا سيما في العبادات الذاتية كالسجود و الركوع و التسبيح و التحميد و التهليل.

______________________________

(1) الوسائل باب 9 حديث 1 من أبواب مقدمة العبادات ج 1 ص 45.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 98

و لا يمكن أيضا من يكون مرتبته احدى المراتب المذكورة، ان يحمل على مرتبة فوقها أو دونها، فلا يمكن من لا يكون داعيه

في العبادة إلا التهديدات و التوعيدات الصادرة على تاركيها ان يحمل عليه وجوب العبادة على نحو يكون داعيه و حامله على العبادة عظمة الرب أو شكر المنعم أو الطمع في الجنة، و كذلك العكس.

و التحقيق كفاية المرتبتين الأخيرتين أيضا في سقوط الأمر و تحقق العبادة، و الا يلزم بطلان عبادة نوع الناس، و لا يلتزمه أحد، و لكان اللازم على النبي صلى اللّٰه عليه و آله، بل على سائر الأنبياء عليهم السلام تكميل النفوس أولا بحملهم على الرياضات النفسانية أو غيرها ثم الأمر بالعبادة.

مع ان الأمر في صدر الإسلام لم يكن كذلك قطعا، بل يأمر النبي صلى اللّٰه عليه و آله و الأئمة عليهم السلام من أسلم بالصلاة و الصوم و سائر العبادات من غير توقف على حصول هذه المعرفة.

بل يمكن ان يقال: بلزوم لغوية نوع التهديدات و التوعيدات بل كلها كما لا يخفى «1».

و الظاهر انه لا يعتبر في تحقق العبادة غير وجود احدى المراتب بل المرتبتين الأوليين هو نفس العبادة و لا يكون أمرا ورائها، فلا يعتبر- مضافا الى ذلك- قصد التقرب بالمعنى المعهود بين الفقهاء بمعنى انه يقصد في عبادته انه يأتي بها للّٰه تعالى، فإن صيرورة الطمع في الجنة أو الخوف من النار داعيا عين التقرب بمرتبة من المراتب.

______________________________

(1) لعل وجه لزوم اللغوية ان من حصل له تلك المعرفة لا حاجة معه الى التهديد فإنه في نفسه يعرفه تعالى فيعبده.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 99

بل الأمر في القسمين الأولين على العكس، فإن غاية القرب و الكمال صار منشأ للعبادة لأن العبادة تصير سببا للقرب و الكمال فلأجل قرب العبد الكامل اليه تعالى يعبده تعالى شأنه لا انه بعيد فيعبده

ليصير قريبا و متقربا كما لا يخفى.

و الحاصل ان المعيار في صيرورة العمل عبادة

كونه ناشيا عن قصد يكون بالطبع ناشيا عن قصدها (و بعبارة أخرى): لا يكون الداعي إليه غير ما جهة لتحركه نحو العمل، و هي جهة العبادية، لا لداع آخر فلا يعتبر قصد الأمر أيضا بمعنى انه يقصد في عبادته إطاعة الأمر كي يصير موجبة لقصد التقرب كي يصير موجبا لحصول القرب.

لما ذكرنا و قلنا من ان إتيان العمل بمقتضى طبعه الأول هو عين العبادة، فلا يحتاج الى توسط قصد الأمر، بل الظاهر ان هذا القصد يوجب أخفية العمل من صورة قصد التقرب بنفسه، فان مرجعه الى ان العبد لأجل أمره يعبده بحيث لو لا الأمر الإلزامي لم يكن داع لعبادته.

و هذا بخلاف لو عبده لكونه معطيا للجنة مثلا.

فما هو المعروف المتداول في السنة الفقهاء من اعتبار قصد التقرب ان كان المراد ما ذكرنا فلا كلام، و ان كان غير ذلك فلا وجه له.

و لذا لم يرد خبر عنهم عليهم السلام دال على اعتبار قصد التقرب في العبادة.

و المراد من قوله تعالى وَ مٰا أُمِرُوا إِلّٰا لِيَعْبُدُوا اللّٰهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ (الى قوله) وَ ذٰلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ «1» هو في مقابل الشرك و المشركين

______________________________

(1) سورة البينة، الآية 5.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 100

فإنهم يعبدون الأصنام أو يشركونها معه تعالى في مقام العبادة، فلا دلالة فيها على اعتبار قصد التقرب مضافا الى اعتبار كونه بنفسه عبادة.

و ما حكى عن الشهيد عليه الرحمة من الإجماع على بطلان عبادة من قصد بعبادته المثوبة الأخروية بعنوان المقابلة و الأجرة، وارد على كلا التقديرين سواء قلنا باعتبار توسط قصد الأمر أم لا فإن إجماعه يشمل كلا التقديرين و قد قلنا بلزوم

بطلان عبادات نوع المسلمين لو التزمنا بذلك.

نعم قد ورد في الاخبار ما يدل على النهى عن الرياء و العجب «1» و هذا أيضا مما يؤيد ما ذكرناه من عدم اعتبار قصد التقرب بالخصوص مضافا الى ما هو داع بالطبع إليه، فإن المرائي أيضا يقصد بالعمل الذي يقتضي طبعه الاولى انه مأتي له تعالى إراءة «2» هذا العمل للغير انه عابد، فداعيه الأوّلي هو إتيان العمل العبادي و غرضه الأقصى إراءة الغير مرتبة من المراتب الدنيوية بوسيلة صورة العبادة فالصورة أيضا صورة عبادة و المعنى ليس كذلك، و لذا قد نهى عن هذا القصد، لا انه إذا أمر بقصد التقرب، فان العابد إذا لم يقصد بعبادته الرياء يقع عبادة قهرا، لعدم داع له غيرها بعد فرض عدم قصد الرياء، فلا يحتاج الى بيان الشارع، و انه يعتبر في العبادات قصد التقرب.

[أقسام الرياء]
اشارة

و حيث ان العاقل قد يقصد بعمله الرياء فلا بد من بيان أقسام

______________________________

(1) راجع الوسائل باب 12 و 13 من أبواب مقدمة العبادات ج 1 ص 51- 73.

(2) مفعول لقوله: (يقصد بالعمل، الى آخره).

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 101

الرياء و احكامه، فنقول:

[الرياء في كل العمل]

انه يقصد بعمله غير اللّٰه تعالى بحيث لم يقصده ابدا و أصلا من أول العمل الى آخره، بل المقصود بالذات إراءة الغير صرفا، فلا إشكال في بطلان العمل العبادي و هو القدر المتيقن من الأدلة الدالة على بطلان العمل بالرياء لرجوعه الى عدم قصد القربة بالمعنى المذكور، بل لم يعبده تعالى أصلا، بل هو بصورة العبادة.

و ما حكى عن السيد المرتضى عليه الرحمة «1» من صحة العمل و كونه عملا محرما يستحق العقوبة و لا منافاة بين استحقاق العقوبة مع صحة العمل، لم أظن انه قصد هذا الفرض.

و قد يقصد بعمله هو التقرب الى اللّٰه تعالى و إراءة الغير بحيث يكون المحرك نحو العمل كلاهما، و هذا لا اشكال كالسابق، و انه شرك حقيقة.

و الظاهر بطلان العمل و شمول الأدلة لذلك، سواء كان قصد التقرب أصيلا و إراءة الغير تبعا أو العكس، أو يكون كل واحد منهما بضميمة الغير محركا نحوه استقلالا بحيث لو لم يكن قصد الرياء لأثر قصد التقرب أيضا أو كانا بحيث يكون مجموعهما علة لتحققه في الخارج.

هذا كله في الرياء في تمام العمل لغير اللّٰه تعالى فقط أو له تعالى أو لغيره.

و اما لو قصد الرياء في بعض العمل،

فتارة يكون جزء واجبا كما لو قصد الرياء بالقراءة و اخرى جزء مستحبا كما لو قصد الرياء في القنوت.

______________________________

(1) لم نعثر فيما بأيدينا من كتب السيد رحمه اللّٰه.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 102

ففي كل واحد منهما اما ان يقصد الرياء في ذلك بما انه عمل مستقل مثل انه قصد الرياء بما انه يحسن القراءة أو القنوت في المثالين، و اما ان يقصد الرياء بما انه جزء للصلاة، و انه يصلى، و انه يصلى الصلاة الكذائية اعنى المشتملة

على القراءة الحسنة أو القنوت الطويل مثلا، و في جميع الصور اما ان يتدارك الجزء المأتي به رياء أولا.

فإن كان مرائيا بما انه عمل مستقل و بما انه قراءة أو قنوت لا بما انه جزء من الصلاة و انه يتأتى بالصلاة الكذائية يمكن ان يقال بصحة أصل الصلاة إذا تدارك الجزء الواجب أو مطلقا في الجزء المستحق و لو كان هذا العمل حراما يستحق العقوبة عليه، لعدم اشتمال الصلاة على الرياء كلا، و لا بعضا، كما هو المفروض.

الا ان يقال: باشتمالها حينئذ على الكلام المحرم، لان المفروض حرمة هذا العمل فلا يدخل تحت عمومات الذكر و الدعاء و القرآن و عدم شمول قوله عليه السلام: (كلما ناجيت به ربك فليس من الكلام) لعدم صدق المناجات، بل هو ضدها.

أو يقال: باشتمالها على الفعل أو الفصل الكثير إن أعاد الجزء الذي كان مرائيا فيه و كان طويلا كما لا يخفى.

و ان كان مرائيا على النحو الثاني يعني يأتي بالقراءة رياء بما ان صلاته مشتملة على القراءة الكذائية أو القنوت الكذائي، فهل يوجب ذلك بطلان الصلاة لرجوعه الى الرياء في أصل العمل أم لا لعدم منافاته لصحة الصلاة إذا تدارك الجزء الوجوبي أو مطلقا في الجزء المستحبي؟

الظاهر هو البطلان مطلقا، سواء كان في الجزء الوجوبي أو

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 103

المستحبي، تدارك أم لم يتدارك لرجوعه الى الرياء في الصلاة، فيشمله الأدلة الدالة على بطلان العمل و عدم قبولها.

مضافا الى ما رواه الكليني رحمه اللّٰه، عن عدة من أصحابنا، عن احمد بن محمد بن خالد، عن عثمان بن عيسى، عن على بن سالم قال: سمعت أبا عبد اللّٰه عليه السلام يقول: قال اللّٰه عز و

جل: (انا خير شريك، من أشرك معي غيري في عمل لم أقبله إلا ما كان لي خالصا) «1».

و رواية زرارة و حمران، عن أبي جعفر عليه السلام قال: لو ان عبدا عمل عملا يطلب به وجه اللّٰه و الدار الآخرة و ادخل فيه رضا أحد من الناس كان مشركا، الحديث «2».

و المفروض ان هذه الصلاة عمل ادخل فيه رضا أحد من الناس و لو ببعض اجزائها، فكان مشركا فلم يقبل منه.

لكن استشكله الشيخ رحمه اللّٰه- بعد نقل هاتين الروايتين دليلا على الجواز- بقوله رحمه اللّٰه: (فانا لا نمنع بطلان هذه العبادة بمعنى مخالفته للأمر الخاص المستحب المتعلق بهذا الفرد الخاص و لا يلزم منه عدم مطابقته للأمر بمطلق الماهية الموجودة فيه الذي هو مناط التقرب بالعمل من حيث يكونه واجبا، نعم لو كان الفعل المتصف بالاستحباب متصفا بالوجوب التخييري مثل سورة الجمعة المستحبة في ظهر الجمعة و التسبيح الراجح في الأخيرتين على الفاتحة، فقصد الرياء بهما فلا إشكال في بطلان العبادة بذلك كما لا يخفى، و مما ذكرنا يظهر حكم ما لو نوى الرياء بالزائد الواجب من الافعال كطول

______________________________

(1) الوسائل باب 8 حديث 9 من أبواب مقدمة العبادات بالسند الثاني ج 1 ص 45.

(2) الوسائل باب 11 حديث 11 من أبواب مقدمة العبادات ج 1 ص 49.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 104

الركوع و السجود (انتهى موضع الحاجة من كلامه زيد في علو مقامه).

و قال الشيخ المرتضى الأنصاري رحمه اللّٰه في كتاب الطهارة- بعد ما حكم بصحة وضوء من اتى ببعض الافعال رياء إذا تداركه و كان محل التدارك باقيا أو مطلقا إذا كان الجزء مستحبا-: (و ربما يتخيّل البطلان- الى ان قال:-

و يقويه قوله عليه السلام: (ثم ادخل فيه رضى أحد من الناس) «1» و قوله عليه السلام حكاية قوله عز و جل- في حديث قدسي-: (من عمل لي و لغيري تركته لغيري «2»- الى ان قال:- و يدفعه انه يصدق أيضا انه اتى بأقل الواجب تقربا الى اللّٰه تعالى، و مقتضى ذلك إعطاء كل بمصداق حكمه، فالمركب من حيث ان الجزء المستحب داخل في حقيقته، متروك فاسد ليس له ثواب و يستحق عليه العقاب باعتبار جزءه، و ما عدا ذلك الجزء من حيث انه مصداق الكلي اتى به متقربا صحيح على أحسن الأحوال (انتهى موضع الحاجة).

و أيد ذلك في مصباح الفقيه للهمدانى عليه الرحمة، و جعله تفسير الكلام الشيخ المرتضى الأنصاري رحمه اللّٰه حيث قال:

ان المراد بإدخال رضاء الغير في عمله، جعله كرضاء اللّٰه تعالى غاية له، لا إدخاله فيه حقيقة ضرورة ان المرائي لا يجعل رضا أحد داخلا في عمله، بل يجعله دخيلا في السبب الباعث عليه، فكما يصح ان يقال: في الفرض: أنه أشرك مع اللّٰه تعالى غيره في صلاته كذلك يصح ان يقال: انه أشرك في قنوته و ادخل فيه رضا أحد، لان أجزاء

______________________________

(1) راجع الوسائل باب 11 من أبواب مقدمة الواجب ج 1 ص 49.

(2) راجع الوسائل باب 11 من أبواب مقدمة الواجب ج 1 ص 49.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 105

العمل أيضا عمل عند العرف و العقل، و من المعلوم ان الصلاة و القنوت ليسا مصداقين للعام على سبيل التواطؤ لاستحالة كون رياء واحد فردين من العام، فصدقه عليهما على سبيل التشكيك، بمعنى ان صدقه على القنوت لذاته و على الصلاة بواسطته، و لازمة كون كل واحد

من الاجزاء بحياله موضوعا مستقلا للرواية، و ان لا يكون مطلوبيته لذاته أو للغير ملحوظة في صدقها، و حينئذ نقول: كما يصدق على القنوت انه وقع لغير اللّٰه و أشرك فيه رضاء أحد، كذلك يصدق على ما عدي للقنوت من التكبير و الفاتحة و الركوع و السجود و غيرها من الاجزاء أنها وقعت خالصة اللّٰه، فيترتب عليها أثرها و هو سقوط الأمر الغيري المتعلق بكل منها بإيجاده، و التيام الكل بانضمامها، و سقوط الأمر المتعلق بماهية الكل من حيث هي، نعم اثر وقوع القنوت رياء و عدم انضمامه إلى سائر الاجزاء و عدم سقوط الأمر المتعلق به بفعله و عدم حصول الامتثال للأمر الاستحبابي المتعلق بالفرد المشتمل عليه الذي هو من أفضل الافراد الا ان امتثال هذا الأمر كامتثال امره الغير، غير لازم، و الا لجاز تركه اختيارا و هو خلاف الفرض، (و دعوى) ان المراد من العمل في الروايات الاعمال المستقلة التي تعلق بها أمر نفسه مع انها بلا بينة (يكذبها) شهادة العرف بصدقها على العمل خصوصا لو كان للاجزاء عناوين مستقلّة ملحوظة بنظر العرف، و لذا لا يتوهم أحد بطلان الحج بوقوع شي ء منه رياء مع إمكان تداركه و عدم فوات وقته، بل و لا بطلان مثل الوضوء و الغسل بالرياء في جزء منه كمسح الرأس أو الرجلين عند تداركه قبل فوات محله، و الى ما ذكرنا يرجع ما افاده شيخنا المرتضى رحمه اللّٰه، الى آخره، (انتهى كلامه، زيد في علو مقامه).

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 106

و لكن لا يخفى ما فيه، فان الظاهر من قوله عليه السلام: (لو ان رجلا عبدا عمل عملا، الى آخره) «1» و قوله عليه السلام

حكاية عنه تعالى: (من عمل لي، الى آخره) «2» هو العمل الذي يترتب منه ترتب الآثار المخصوصة، و هو ترتب الثواب، و سقوط الأمر المتعلق لأبعاض العمل الواحد.

فقوله رحمه اللّٰه: (فصدقه عليهما على سبيل التشكيك، مع انه خلاف الاصطلاح فإن الكلي المشكك ما يكون صدقه على افراده بالمراتب إما بالشدة و الضعف أو بالكمال و النقصان أو بالزيادة و النقيصة و المقام ليس واحدا منها، بل بالكل و الجزء).

ممنوع فإنه و ان كان يصدق على كل واحد من الاجزاء، انه مستقل عقلا و لغة و لكنه لا يصدق عليه عرفا و شرعا بمقتضى هاتين الروايتين فلا يقال لمن صلى صلاة انه اتى بالأعمال المتعددة، بل اتى بعمل واحد.

و قوله رحمه اللّٰه: (و دعوى ان المراد من العمل في الروايات الاعمال المستقلة التي تعلق بها أمر نفسي، الى آخره) لا وجه لها، لأنا لا نقول: ان المراد به ذلك حتى يقال: (يكذبها شهادة العرف) بل نقول: ان المراد به العمل الذي يترتب عليه اثر واحد بلحاظ مجموع الاجزاء و يصدق عليه عنوان واحد، مثل الصلاة مثلا مع ان الاجزاء لم يتعلق بها الأمر الغيري كما يظهر من كلامه، بل تعلق بكل واحد من الاجزاء بعض الأمر المتعلق بالكل.

و قوله رحمه اللّٰه: (و لذا لا يتوهم أحد بطلان الحج بوقوع شي ء

______________________________

(1) تقدم آنفا فراجع.

(2) تقدم آنفا فراجع.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 107

منه رياء، الى آخره) قياس مع الفارق، فإن اعمال الحج كل واحد منها عمل مستقل، فالوقوف بعرفات عمل مستقل يترتب عليه الثواب، و الطواف عمل مستقل آخر، و كذا صلاة الطواف.

و هذا بخلاف الصلاة بالنسبة إلى أجزائها، فإن الثواب يترتب عليها باعتبار وجود

مجموع الاجزاء المؤتلفة الواحدة اعتبارا المتعددة حقيقة.

و ان شئت التنظير، فما نحن فيه نظير النوافل المرتبة كنافلة المغرب مثلا حيث انها بعنوان أنها نافلة المغرب اربع ركعات، فلو كان مرائيا في الركعتين الأخيرتين مثلا بعنوان انه يريد ان يرائي الغير انه يأتي بنافلة المغرب، يسرى الرياء و يبطل الركعتين الأوليين أيضا.

و اما لو اتى بهما رياء بعنوان انه يصلى مثلا كذلك بحيث كان رياؤه في الصلاة لا في انه يأتي بنافلة المغرب لم يسر اليه البطلان الى الركعتين الأوليين، فلو ضم إليها الركعتين الأخيرتين غير ما اتى به رياء يتحقق نافلة المغرب.

(و دعوى) ان بطلان الجزء لم يسر بقية الأجزاء السابقة المأتي بها و اللاحقة التي يأتي بها بعد تدارك هذا الجزء الباطل ان كان من الاجزاء الواجبة و كان محل التدارك باقيا.

(مدفوعة) بأن الجزء إذا اتى به بعنوان الجزئية يتحقق جزء فيفوت محل الجزء و لا يمكن ان يتدارك، لانه وقع جزء باطلا، فيبطل الأجزاء السابقة و لا يكون اللاحقة قابلة لان تلحق بالسابقة لتخلل الجزء الفاسد.

(ان قلت): إذا فرض ان الجزء اتى به رياء فلم يقع جزء شرعا

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 108

لعدم قابلية وقوعه جزء كذلك باعتبار عدم تحقق بعض شرائطه، و هو قصد القربة كما إذا اتى بالجزء غلطا فيتدارك لو كان محل التدارك باقيا و تصح الصلاة.

(و بعبارة أخرى) المناط في تحقق الجزء، جزء للصلاة إتيانه صحيحا شرعيا، فلو لم يأت به كذلك سواء كان منشأ عدم الصحة هو الغلط في المادة أو عدم قصد القربة لم يصر جزء للصلاة فلا مانع حينئذ من تداركه في الجزء الواجب إذا كان محله باقيا.

(قلت): القصد المعتبر في الاجزاء انما

هو بعنوان انه يأتي بعنوان الصلاة لا بعنوان التكبير و القراءة و الركوع و السجود و غيرها من ذوات الاجزاء و المفروض انه اتى بهذا الجزء بقصد إراءة الغير انه يصلى صلاة كذائية، لا بعنوان انه يقرأ بقراءة كذائية، أو ركوع كذائي و هكذا و حينئذ يسرى الرياء الى الكل فيبطل الأجزاء السابقة بتمامها و لا تبقى بعنوان أنها صلاة فيسقط هذا الجزء الذي اتى به رياء عن قابلية الجزئية.

فالبطلان أولا انما هو في الكل، ثم الجزء.

لا أقول: انه يسقط عن ذات الجزئية، بل أقول: انه لا يبقى بوصف الجزئية بعد سريان الرياء الى الكل و بطلانه.

(و بعبارة أخرى): ذوات هذه الأجزاء كالتكبيرة و القراءة و الركوع و السجود و غيرها إنما يلتئم منها الكل إذا اتى بها بعنوان الصلاة و عنوانها انما يتحقق في الخارج إذا اتى بها بقصد القربة في مجموع الاجزاء من حيث المجموع بحيث لو خلى واحد من الاجزاء من هذا القصد، لم يتحقق عنوان الصلاة من الأول فلا تلتئم الأجزاء فيسقط

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 109

الأجزاء السابقة عن الجزئية فلا يفيد إلحاق ذوات الأجزاء اللاحقة فإنها لا تتصف حينئذ بالجزئية فلا يفيد التدارك.

و هذا بخلاف ما لو اتى ببعض الاجزاء غلطا، فان الجزء بذاته لم يتحقق في صورة الغلط، فيكون محله خاليا عن هذا الجزء فيمكن ان يتدارك.

و الحاصل ان الفرق بين إتيان الجزء رياء و إتيانه غلطا ان الجزء في الأول قد تحقق بذاته و لم يتصف بالجزئية و في الثاني لم يتحقق بذاته.

و المناط في إمكان التدارك عدم وقوع الجزء بذاته لا بوصفه.

هذا كله في الرياء في الجزء الواجب.

و اما الرياء في الجزء المستحب،

فقد يقال- في تصحيح الصلاة حينئذ-:

مضافا الى ان للصلاة فردين: (أحدهما) قصير و هو المشتمل على الاجزاء الواجبة (ثانيهما) طويل، و هو المشتمل على الاجزاء الواجبة و الاجزاء المستحبة على اختلاف مراتبه بحسب كثرة المستحبات و قلتها و انما يوجب الرياء (ان ما يوجب البطلان) هو الرياء في الفرد الطويل لا القصير.

(و فيه) ان ما هو معنون بالصلاة حينئذ، هل هو الفرد الطويل أو الفرد القصير أو كلاهما.

(فان) كان الأول يلزم ان يكون الجزء المستحب خارجا عن حقيقة الصلاة، و المفروض انه مستحب في الصلاة، لا مستحب مستقل، فلا بد حينئذ ان يكون ما هو المعنون بعنوان الصلاة شي ء آخر.

فالتحقيق ان عنوان الصلاة عنوان عرضي يصدق على الاجزاء صدقا عرضيا لا ذاتيا، و هو أمر بسيط كلى مقول بالتشكيك يصدق على

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 110

افراده على اختلاف مراتبه، سواء كان طويلا أو قصيرا، فالفرد الطويل أيضا صلاة بتمام اجزائه لا صلاة و غير صلاة كما ان الفرد القصير أيضا صلاة بدون نقصان في هذا العنوان.

فحينئذ يصير الجزء المستحب جزءا لهذا الفرد و دخيلا في تحقق هذا العنوان فيسري الرياء فيه، الرياء في أصل هذا العنوان كما ذكرنا في الجزء المستحب.

فتحصل ان الأقوى بطلان الصلاة إذا كان مرائيا في بعض الصلاة سواء كان جزء واجبا أو مستحبا، و سواء تدارك أم لا، و سواء كان الرياء مستقلا أو تبعا.

نعم لا يبعد ان يقال بصحة الصلاة إذا كان الرياء متأخرا عن العمل و ان كان دالا على نقص النفس و انحطاطها.

هذا كله في الرياء.

و اما العجب،

بمعنى انه يرضى عمله بحيث يراه شيئا عند نفسه فالظاهر عدم الاشكال لذا كان متأخرا عن العمل كالعجب بعد الصلاة.

و اما إذا كان مقارنا

فهل يوجب البطلان؟ مقتضى بعض الاخبار عدم الصحة.

مثل ما رواه الكليني رحمه اللّٰه، عن محمد بن يحيى، عن احمد بن محمد، عن ابن محبوب، عن داود بن كثير، عن جعفر (عبد اللّٰه، خ ل)، عليه السلام، قال: قال رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و آله: قال اللّٰه تعالى (ان من عبادي المؤمنين لمن يجتهد في عبادتي فيقوم من رقاده و لذيذ وساده فيجتهد الى الليالي فيتعب نفسه في عبادتي فأضربه بالنعاس الليلة و الليلتين نظرا منى له و إبقاء عليه فينام حتى يصبح فيقوم و هو

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 111

ماقت زارئ «1» عليها، و لو اخلّى بينه و بين ما يريد من عبادي، لدخله العجب من عبادتي فيصير العجب إلى الفتنة بأعماله فيأتيه من ذلك ما فيه هلاكه لعجب و رضاه عن نفسه حتى يظن انه قد فاق العابدين و جاز في عبادته حد التقصير فيتباعد منّى عند ذلك و هو يظن انه يتقرب إلىّ، الحديث «2».

و عن على بن إبراهيم، عن أبيه، عن على بن أسباط، عن احمد ابن عمر الحلال، عن على بن سويد، عن أبي الحسن، قال: سألته عن العجب الذي يفسد العمل؟ فقال: العجب درجات منها ان يزين للعبد في عمله فيراه حسنا و يحب انه يحسن صنعا و منها ان يؤمن العبد بربه فيمنّ على اللّٰه عز و جل و للّٰه عليه المن «3».

و عنه، عن محمد بن عيسى، عن يونس، عن عبد الرحمن بن حجاج، قال: قلت لأبي عبد اللّٰه عليه السلام: الرجل يعمل العمل و هو خائف مشفق ثم يعمل شيئا من البر فيدخله شبه العجب به؟ فقال: هو في حاله الاولى و هو

خائف أحسن حالا منه في حال عجبه «4».

و بالإسناد، عن يونس، عن بعض أصحابه، عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام: قال: قال رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و آله (في حديث) قال موسى بن عمران لإبليس: أخبرني بالذنب الذي إذا أذنبه ابن آدم استحوذت عليه؟ قال: إذا أعجبته نفسه و استكثر عمله و صغر في عينه ذنبه

______________________________

(1) زرى عليه إذا عاب عليه فعله (مجمع البحرين).

(2) الوسائل باب 3 حديث 1 من أبواب مقدمة العبادات ج 1 ص 73.

(3) المصدر، الحديث 5.

(4) المصدر، الحديث 4.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 112

و قال: قال اللّٰه عز و جل لداود: يا داود بشر المذنبين و أنذر الصديقين، قال كيف أبشر المذنبين و أنذر الصديقين؟ قال: يا داود بشر المذنبين انى اقبل التوبة و أعفو عن الذنب و أنذر الصديقين ان لا يعجبوا بأعمالهم، فإنه ليس عبد أنصبه للحساب الا هلك «1».

و غيرها من الاخبار الواردة في ذم العجب.

فإنه يمكن الاستشهاد في الأولى بقوله (ع): (فيتباعد منى، الى آخره) و في الثانية بقول الراوي بضميمة تفصيل الامام عليه السلام: (سألته عن العجب الذي يفسد العمل، الى آخره) و في الثالثة بقوله عليه السلام (الا هلك) مع تطبيقه مع العجب الذي هو مورد الكلام على فساد العمل بالاصطلاح الفقهي، نعم تدل على نقص من كانت هذه صفته.

هذا كله في الرياء.

و اما الضمائم الأخر

فهي على أقسام: (الأول) ما يكون مرجوحا محرما (الثاني) ما يكون مباحا، (الثالث) ما يكون راجحا.

(اما الأول): ان كان متحدا مع الصلاة وجودا و مصداقا فالظاهر هو البطلان، و الا فالصحة.

(و اما الثاني) فإن كان نية الصلاة أصلا و نية الأمر المباح تبعا فالأقوى هو الصحة و وجهه

واضح، و ان كان بالعكس فالبطلان، و ان كان كلاهما داعيين و محركين، فقد حكى عن كاشف الغطاء الصحة أيضا.

و استشكل في مصباح الفقيه بان معنى كونهما محركين نحو العمل

______________________________

(1) الوسائل باب 23 حديث 3 من أبواب مقدمة العبادات ج 1 ص 74.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 113

انه لو لم يكن قصد الأمر لأتى بالصلاة، فلا يكون الأمر حينئذ داعيا نحو العمل فيشكل الحكم بالصحة.

(و فيه) انه يمكن ان يكون مراد كاشف الغطاء رحمه اللّٰه ان الداعي له نحو العمل هو الأمر المولوي لكنه يكون بحيث لو لم يكن هذا الإمكان لكان يحصل للفاعل داع للعمل، لانه فعلا مستند إليهما (و بعبارة اخرى): ان كان مراد كاشف الغطاء رحمه اللّٰه ان قصد الأمر و قصد غيره محركين فعلا معا نحو العمل بحيث يكون وجود الفعل في الخارج مستندا إليهما معا، فالإشكال في محله مطلقا، سواء كان كل منهما بحيث لو انفرد لم يكن محركا أولا، و ان كان مراده ان ما هو محرك له نحوه فعلا هو قصد الأمر لكنه يكون بحيث لو لم يكن هذا القصد لانقدح في نفسه قصد اليه مستندا إلى شي ء آخر فلا اشكال ظاهرا فيه حينئذ.

(مسألة 1): هل يعتبر قصد التعيين أم لا؟

توضيحه يتوقف على بيان المراد من قصد التعيين المتداول في السنة الفقهاء فنقول:

انه يطلق على معاني ثلاثة- على ما يستفاد من كلماتهم- (الأول) تعيين متعلق الأوامر المتعددة حين الامتثال و لو كانت متعلقة بطبيعة، الراجح الى تعيين أفراد الطبيعة حين العمل كما لو تعلق أمر بعتق رقبة عند قتل الخطأ و أمر آخر به عند قتل آخر خطأ أو عند إفطار شهر رمضان عمدا أو تعلق أمر بقضاء الصوم عند إفطار

يوم منه و قضاء يوم آخر.

و المتراءى من صاحب الجواهر رحمه اللّٰه هو لزوم قصد التعيين حينئذ بمعنى انه يلزم ان يقصد ان هذا العتق لكونه على ذمتي بسبب

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 114

قتل الخطأ مثلا، و الآخر لكونه علىّ بسبب إفطار الصوم و هكذا.

و هو محل نظر بل منع لعدم الدليل على هذا القصد، فان ما هو لازم قصده هو قصد متعلق طبيعة الأمر، و اما تعيين خصوصيات الأمر، فلا.

نعم إذا كان متعلقه مختلفا بحسب العنوان و كان مشتركا صورة بين أمور كصلاة أربع ركعات حيث انها مشتركة بين الظهر و العشاء و صلاة الأعرابي، فاللازم تعيين أحدها حين الإتيان في القصد و لو كان الأمر قد تعلق بصلاة واحدة رباعية فبهذا الاعتبار يكون لزوم قصد التعيين بحسب تعدد الأمر و وحدته، و لا ربط له بمسألة قصد القربة و حصول التقرب، و لذا لو كان الأمر توصليا أيضا بل لو لم يكن هناك أمر أصلا كالأحكام الوضعية، كان الأمر كذلك.

و منشأ التخيل هو ما مثلنا من اختلاف متعلقه، فتوهم و تخيل ان ذلك لأجل تعدد الأمر و قد قلنا انه لا ربط له بهذه المسألة.

و هذا هو المعنى الثاني لقصد التعيين- من المعاني الثلاثة- و هو معتبر.

نعم هنا معنى ثالث و هو لو تمكن من تحصيل العلم التفصيلي بالامتثال، فهل يجوز الاكتفاء بالامتثال الإجمالي أم لا؟ وجهان بل قولان.

و لا فرق ظاهرا في هذا الحكم بين الشبهة الموضوعية و الحكمية و لا بين الأقل و الأكثر الاستقلالي أو الارتباطي، و لا بين الشك في الجزئية أو الشرطية، و لا بين الاحتياط المستلزم للتكرار أم لا، و ذلك لاتحاد مناط الاستدلال

جوازا و منعا.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 115

(و توهم) الفرق بين المستلزم للتكرار و عدمه بلزوم العبث في مقام الامتثال في الأول، دون الثاني، (ممنوع) بعدم كونه عبثا بعد فرض كونه آتيا بها برجاء الوصول الى الواقع.

و كيف كان فالأقوى في المسألة هو الجواز، فإن القائل بعدمه ان استند في ذلك الى عدم حصول قصد الأمر في هذه الصورة فيرد عليه بأنه ان كان المراد انه لم يقصد الأمر أصلا لا في ضمن هذا و لا في ضمن ذاك فهو ممنوع، لأن الداعي له إلى إتيان العمل هو الأمر المتعلق (اما) بذلك (أو) بهذا و ذاك.

و ان أريد انه يشترط تعيين المأتي به حين الإتيان بأنه بالخصوص هو المأمور به، فإن أريد بأنه شرط في حصول قصد التقرب بحيث لو لم يعينه لم يحصل منه قصد التقرب، فلا وجه له بعد ما نجده من أنفسنا من إمكان ذلك، فلا مانع من ان يأتي به بعنوان انه اما يتقرب أو بما اتى به أو يأتي به بعد.

و ان أريد أن للتعيين خصوصية أخرى غير قصد التقرب فلا وجه له و ان استند الى ما حكى من الإجماع كما ادعاه الشيخ الأنصاري في رسائله، فلا دليل على حجّية هذا الإجماع في مثل هذه المسألة الفرعية التي لم تكن معنونة في كلمات القدماء و لم تدوّن في الكتب المعدّة لنقل فتاوى الأئمة عليهم السلام كما نبهنا عليه مرارا من عدم كون الإجماع مطلقا- محصلا أو منقولا- حجة في المسائل الفرعية كما لا يخفى.

و عليه فلو كان هنا ثوبان أحدهما الغير المعين ظاهر يجوز أن يصلى صلاتين في الثوبين و لو كان متمكنا من تحصيل العلم التفصيلي

بعد الفحص.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 116

و كذا يجوز ان يأتي بصلاة الجمعة و الظهر و لو كان متمكنا من تحصيل الظن المعتبر بأحدهما بعد الاجتهاد لكن الأحوط خصوصا في الثاني هو تحصيل العلم التفصيلي خروجا من مخالفة الإجماع.

فصل في جواز العدول و عدمه
اشارة

و ليعلم ان مقتضى القاعدة، بعد كون الصلوات المفروضات بل غير المفروضات أيضا طبائع مختلفة عدم جواز العدول و عدم تحقق شي ء من المعدول عنه و المعدول اليه، لا منفردا و لا مجتمعا.

مثلا إذا صلى العصر ركعتين ثم ذكر انه لم يصل الظهر فعدل الى الظهر، فاما ان يقع العصر بعد العدول و اما ان يقع الظهر (و اما) يقع كلاهما، و الكل فاسد لعدم استمرار النية على الأول و عدم نية الظهر في أول الصلاة على الثاني، و عدم مشروعية الصلاة المركبة من عنوانين ظهر و عصر على الثالث.

هذا مضافا الى مخالفة وقوع المعدول اليه للاعتبار العقلي أيضا لو لا الدليل الشرعي فإن المفروض كون صلاة الظهر طبيعة غير طبيعة العصر فإذا تحقق بمقدار ركعتين بعنوان العصر فيؤثر العدول في صيرورتها عنوانا آخر يوجب انقلاب الشي ء عما هو عليه و هو محال.

فلو دل الدليل على جوازه كان تعبدا محضا.

و حينئذ فنقول: (اما) ان يكون من النافلة إلى النافلة (أو) من الفريضة الى الفريضة (أو) من النافلة الى الفريضة (أو) بالعكس.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 117

[موارد جواز العدول]
اشارة

لا دليل على الأول و الثالث بل و لا الرابع الّا في موضعين:

(أحدهما) العدول من فريضة الوقت إلى النافلة ثم إتمامها لمن يخاف فوت الجماعة لو لم يعدل.

(ثانيهما): العدول من فريضة الظهر يوم الجمعة لمن شرع في سورة الجمعة يومها.

و الظاهر ان ما أفتوا به من الإتمام في الصورة الأولى، محمول على الاستحباب فلا يبعد جواز قطعها بمقتضى حكم النوافل من جواز قطعها اختيارا.

و اما الشق الثاني من الشقوق الأربعة، أعني العدول من الفريضة الى الفريضة- فهو أيضا على وجوه:

(أحدها) العدول من الحاضرة إلى الحاضرة.

(ثانيها) العدول من

الفائتة إلى الفائتة.

(ثالثها) العدول من الفائتة إلى الحاضرة.

(رابعها) بالعكس.

و في جميع الأقسام لا يجوز العدول من السابقة إلى اللاحقة و اما العكس فالذي ورد له الدليل هو العدول من العصر الى الظهر الحاضرتين أو الفائتتين و كذا المغرب و العشاء في الجملة، و من المغرب الحاضرة إلى العصر الفائتة، و من الغداة الحاضرة إلى العشاء الفائتة.

فاللازم نقل الأخبار الواردة في المقام فنقول:

روى الكليني رحمه اللّٰه، عن على بن إبراهيم، عن أبيه، عن إسماعيل، عن الفضل بن شاذان جميعا، عن حماد بن عيسى، عن

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 118

حريز، عن زرارة، عن أبي جعفر عليه السلام قال: إذا نسيت صلاة أو صليتها بغير وضوء، و كان عليك قضاء صلوات، فابدأ باوليهن فاذّن لها و أقم ثم صلها ثم صل ما بعدها بإقامة إقامة لكل صلاة، و قال: قال أبو جعفر عليه السلام: و ان كنت قد صليت الظهر و قد فاتتك الغداة فذكرتها فصل الغداة أي ساعة ذكرتها و لو بعد العصر، و متى ما ذكرت صلاة فاتتك صليتها، و قال: إذا نسيت الظهر حتى صليت العصر فذكرتها و أنت في الصلاة أو بعد فراغك فانوها الاولى ثم صل العصر، فإنما هي أربع مكان أربع، و ان ذكرت انك لم تصل الاولى و أنت في صلاة العصر و قد صليت منها ركعتين فانوها الاولى ثم صل الركعتين الباقيتين و قم فصل العصر و ان كنت قد ذكرت انك لم تصل العصر حتى دخل وقت المغرب و لم تخف فوتها فصل العصر ثم صل المغرب، فان كنت قد صليت المغرب فقم فصل العصر و ان كنت قد صليت من المغرب ركعتين ثم ذكرت العصر فانوها العصر ثم قم فأتمها

ركعتين ثم تسلم ثم تصلى المغرب، فان كنت قد صليت العشاء الآخر و نسيت المغرب فقم فصل المغرب، و ان كنت ذكرتها و قد صليت من العشاء الآخرة ركعتين أو قمت في الثالثة فانوها المغرب ثم سلم ثم قم فصل العشاء الآخرة، و ان كنت قد نسيت العشاء الآخرة حتى صليت الفجر فصل العشاء الآخرة، و ان كنت ذكرتها و أنت في الركعة الاولى و في الثانية من الغداة فانوها العشاء ثم قم فصل الغداة و اذّن و أقم و ان كانت المغرب و العشاء قد فاتتاك جميعا فابدأ بهما قبل أن تصلي الغداة، ابدأ بالمغرب ثم العشاء، فان خشيت أن تفوتك الغداة إن بدأت بهما فابدأ بالمغرب ثم صل الغداة ثم صل العشاء، و ان خشيت ان تفوتك

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 119

الغداة إن بدأت بالمغرب فصل الغداة ثم صل المغرب و العشاء ابدأ بأولهما لأنها جميعا قضاء أيهما ذكرت فلا تصلهما إلّا بعد شعاع الشمس، قال: قلت: و لم ذلك؟ قال: لأنك لست تخاف فوتها «1».

قوله: (إذا نسيت صلاة أو صليتها بغير وضوء و كان عليك قضاء صلوات) لا يخفى عدم فصاحة الكلام.

قوله عليه السلام: (فابدأ بأولهن فأذن لها، الى آخره) يحتمل أحد الأميرين:

(اما) ان يكون المراد به أبدا بأول صلاة فاتت منك ثم بما فات بعد ذلك، فيكون دليلا على وجوب الترتيب في قضاء الصلوات.

(و اما) ان يكون تمهيدا لقوله عليه السلام: (فاذّن لها و أقم) فلا يرد على هذا الاحتمال بأنه حينئذ يكون من قبيل توضيح الواضحات كما لا يخفى.

و قوله عليه السلام: (و قال: قال أبو جعفر عليه السلام، الى آخره) و كذا قوله: (و قال: إذا

نسيت، الى آخره) يحتمل ان يكون من تتمة هذه الرواية، و ان يكون زرارة قد سمع من الامام عليه السلام في مجلس آخر و نقله عقيب هذا الكلام لحريز.

و قوله عليه السلام: (و ان كنت قد صليت الظهر- الى قوله عليه السلام:- فصل الغداة أي ساعة ذكرتها) يحتمل أمرين:

(أحدهما) ان يكون المراد هو وجوب الإتيان في ساعة الذكر من غير تأخير إلا بمقدار رفع الحوائج الضرورية من أكل و شرب و غيرهما من الضروريات و لا يجوز الاشتغال بشي ء آخر حتى العبادات و منها الصلاة

______________________________

(1) الوسائل باب 63 حديث 1 من أبواب المواقيت ج 3 ص 211.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 120

الحاضرة كما افتى به جماعة من العلماء المتأخرين و قد نسب إلى جماعة من القدماء.

(ثانيهما) ان يكون المراد رفع توهم كراهة الصلوات المبتدئة في بعض الأوقات، فيكون المعنى ان قضاء الصلوات ليس كسائر النوافل المبتدئة بحيث تكون مكروهة في بعض الأوقات بل يصليها أي ساعة ذكرها.

و يؤيده قوله عليه السلام: (و لو بعد العصر) حيث انه من الأوقات المكروهة للنوافل المبتدئة، و كذا قوله عليه السلام: (و متى ما ذكرت صلاة فاتتك صليتها) يحتمل أمرين.

و قوله عليه السلام: (و ان ذكرت انك لم تصل الاولى- الى قوله- لم تصل- الى قوله- مكان اربع) يدل على جواز جعل الصلاة المأتية بقصد العصر ظهرا و هو غير مفتى به عند الأصحاب المتقدمين.

نعم يحكى عن بعض المتأخرين كصاحب مفتاح الكرامة العمل و عن المحقق الأردبيلي رحمه اللّٰه انه لو لا الإجماع على خلافه لكان القول به قويا.

و قد عمل به صاحب الجواهر رحمه اللّٰه و بعض المعاصرين كالسيد في العروة لكن المناط في كون

العمل بالرواية موجبا للاطمئنان بالصدور عن الامام لبيان الحكم الواقعي، هو عمل القدماء من الأصحاب الذين هم واسطة بيننا و بينهم عليهم السلام، فان ظاهر القدماء الاعراض عن هذه الفقرة من الرواية لذكرهم في فتاويهم، فيظهر عدم صدورها لبيان الحكم الواقعي فيردّ علمها الى اللّٰه تعالى.

و قوله عليه السلام: (و ان ذكرت انك لم تصل الأولى فأنت في

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 121

العصر- الى قوله عليه السلام:- و اذّن و أقم) هو مورد الاستشهاد لما نحن فيه اعنى جواز العدول من الحاضرة إلى الحاضرة و من الحاضرة إلى الفائتة.

و هذه من الروايات التي استدل بها القائل بالمضايقة على مدعاه، فان من لوازمها عند القائل هو العدول من الحاضرة إلى الفائتة لئلا ينافي الفورية التي تستلزم عدم جواز ما عدا الحوائج الضرورية كالأكل بقدر الرمق كما ذهب إليه جماعة، بل نسب إلى جماعة من القدماء.

لان المستفاد من كلمات القائلين أمور: (الأول): وجوب القضاء فورا وجوبا تكليفيا بحيث لو تخلف عصى، و لو عصى أولا لا يسقط وجوبه فهل هو شرط لصحة المتأخر أيضا أم لا؟ وجهان.

(الثاني): وجوب تقديم الفائتة على الحاضرة على الوجهين المذكورين.

(الثالث): جواز العدول من اللاحقة إلى السابقة و هذا هو محط النظر فعلا.

و بالجملة ان الصحيحة قد تضمنت لفروع أربعة: (أحدها) العدول من العصر الى الظهر (ثانيها) العدول من المغرب الى العصر (ثالثها) العدول من العشاء الى المغرب (رابعها) العدول من الغداة إلى العشاء.

و يدل على الأوّل أيضا ما رواه الشيخ رحمه اللّٰه، بإسناده، عن ابن أبي عمير، عن حماد، عن الحلبي، قال: سألت أبا عبد اللّٰه عليه السلام عن رجل أمّ قوما في العصر فذكر و هو يصلى بهم

انه لم يكن صلى الاولى؟ قال: فليجعلها الأولى التي فاتته، و يستأنف و قد قضى

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 122

القوم صلاتهم «1».

فان الظاهر هو العدول.

و هذه الرواية و ان كانت معارضة ظاهرا بما رواه هذا الراوي بعينه مثل ما رواه الشيخ رحمه اللّٰه بإسناده، عن الحسين بن سعيد عن ابن سنان، عن ابن مسكان، عن الحلبي، قال: سألته عن رجل نسي ان يصلى الاولى حتى صلى العصر؟ قال: فليجعل صلاته التي صلى الاولى ثم ليستأنف العصر «2».

لكن يمكن ان يقال: ان دلالتها على كونه بعد الصلاة ظاهرة و دلالة الأولى على كون الذكر في الأثناء أظهر فتقدم عليها و لو سلّم عدم صحة هذا الجمع باعتبار ان الاولى مشتملة على كون الصلاة جماعة و الثانية على كونها فرادى فهما مسألتان مختلفتان، فنقول: انها كالفقرة المتقدمة معرض عنها.

و يدل على المسألة الأولى أيضا ما رواه الشيخ رحمه اللّٰه بإسناده عن الحسين بن سعيد، عن محمد بن سنان، عن ابن مسكان، عن الحسن بن زياد الصيقل، قال: سألت أبا عبد اللّٰه عليه السلام عن رجل نسي الأولى حتى صلى ركعتين من العصر؟ قال: فليجعلها الاولى و ليستأنف العصر، قلت: فإنه نسي المغرب حتى صلى ركعتين من العشاء ثم ذكر؟ قال: فليتم صلاته ثم ليقض بعد المغرب، قال: قلت له: جعلت فداك قلت حين نسي الظهر ثم ذكر و هو في العصر نجعلها الاولى ثم ليستأنف، و قلت بهذا يتم صلاته ثم ليقض بعد

______________________________

(1) الوسائل باب 63 حديث 3 من أبواب المواقيت ج 3 ص 213.

(2) الوسائل باب 63 حديث 4 من أبواب المواقيت ج 3 ص 213.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 123

المغرب؟ فقال: ليس هذا مثل هذا ان العصر ليس بعدها صلاة و العشاء بعدها صلاة «1».

و الظاهر ان (بعد) في قوله: (بعد المغرب) في الموضعين بالضم، و ان المراد من قوله عليه السلام: (ليس هذا، الى آخره) هو ما ورد في الاخبار من كراهة الصلاة بعد العصر، بل عدم الجواز عند بعض العامة.

فيكون حاصل الجواب في مقام بيان الفرق بين المسألتين انه لو لم يعدل من العصر الى الظهر بل اتى بالظهر بعد العصر لزم إتيان الصلاة بعد العصر، و هو منهي عنه، بخلاف ما لو اتى بالمغرب بعد العشاء، فإنه لا يلزم ذلك، لعدم النهى عرفا بعدها، و لذلك لم يعدل من العشاء الى المغرب.

و قد يقال- في توجيه الجواب بعد قراءة (بعد) بالنصب بإضافة (بعد) الى (المغرب)-: ان المعنى يتم صلاته مغربا ثم ليقض العشاء فحذف المفعول به و يكون السؤال حينئذ عن علة التعبير في المسألة الاولى بالاستيناف، و في الثانية بالقضاء، و يكون حاصل الجواب حينئذ ان العصر ليس بعدها صلاة.

و لا يخفى بعده، و الانصاف انه إذا دار الأمر بين هذا المعنى و المعنى الذي ذكرناه كان الاولى هو ما ذكرناه بضميمة ما كان متعارفا في ذلك الزمان من عدم فعل الصلاة بعد العصر.

و يدل على المسألة الثالثة و الرابعة «2» ما رواه الكليني رحمه اللّٰه

______________________________

(1) الوسائل باب 63 حديث 5 من أبواب المواقيت ج 3 ص 213.

(2) اللتين تقدمتا.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 124

عن الحسين بن محمد الأشعري، عن معلّى بن محمد، عن الوشاء، عن ابان بن عثمان، عن عبد الرحمن بن أبي عبد اللّٰه، قال: سألت أبا عبد اللّٰه عليه السلام عن رجل نسي صلاة

حتى دخل وقت صلاة أخرى؟

فقال: إذا نسي صلاة أو نام عنها صلى حين يذكر، فإذا ذكر و هو في صلاة بدء بالتي نسي، و ان ذكرها مع إمام في صلاة المغرب أتمها بركعة ثم صلى المغرب ثم صلى العشاء بعدها، و ان كان صلى العتمة وحده فصلى منها ركعتين ثم ذكر انه نسي المغرب أتمها بركعة فتكون صلاته للمغرب ثلاث ركعات ثم يصلى العتمة بعد ذلك «1».

قوله عليه السلام: (أتمها بركعة) يريد به (أتم العصر اربع ركعات) بضميمة إتيان ركعة أخرى إليها، فهذه الرواية تتضمن المسألتين: (أحدهما) العدول من المغرب الى العصر (ثانيهما) العدول من العشاء الى المغرب، و تفرد زرارة «2» في نقل الفرع الرابع.

و القدر المتيقن من هذه الروايات ان العدول له قيدان (الأول) كون المعدول عنه الفائت، صلاة واحدة، (ثانيهما) كون المعدول عنه و اليه صلاتين متلاحقتين بحسب التكليف كالظهرين و العشاءين و المغرب و العصر.

نعم إطلاقها شامل لما إذا خرج وقت السابقة أم لا، فيكون الحاصل جواز العدول من اللاحقة إلى السابقة مطلقا، سواء كانتا ادائيتين أو قضائيتين أو مختلفتين بالنسبة الى هذه المسائل الأربعة.

______________________________

(1) الوسائل باب 63 حديث 2 من أبواب المواقيت ج 3 ص 213.

(2) المصدر، الحديث 6.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 125

و يبقى أمران:
(أحدهما) ان الاخبار هل تشمل مطلق الصلاة الفائتة

و لو كانت من غير هذا اليوم الذي تذكر فيه، فلو فاتت منه صلاة في العام الماضي فتذكر في عام بعده فهل يجب عليه العدول إلى التي فاتت منه أوّلا أم لا؟ منشأهما جواز إلغاء الخصوصية في هذين الأمرين و عدمه بان يقال- بعد حكم الامام عليه السلام في موارد عديدة بجواز العدول-: يفهم أهل العرف منه عدم خصوصية في هذه الصلوات المخصوصة بالنسبة

الى هذا الحكم.

و هذا غير القياس المنهي عنه الذي لا نقول به كما لا يخفى فالمقام حينئذ نظير ما ورد مثلا (رجلا شك، الى آخره) حيث ان مورد السؤال و ان كان خصوص الرجل لكن العرف يلغون هذه القيد و يجعلونه مثالا.

و يمكن ان يقال أيضا بدلالة رواية عبد الرحمن بن أبي عبد اللّٰه قال: سألت أبا عبد اللّٰه عليه السلام، عن رجل نسي صلاة حتى دخل وقت صلاة أخرى، الى آخره «1» بتقريب ان يقال: ان قوله في السؤال: (حتى دخل) مطلق شامل للصلاة المتصلة بالصلاة الفائتة و غيرها مما لم يتصل بها.

(و بعبارة أخرى) لا خصوصية لدخول وقت صلاة أخرى، بل المناط هو نسيان الصلاة حتى يثبت على ذمته صلاة أخرى.

لكنه خلاف الظاهر، فان ظاهر هذا الكلام هو عدم تذكر نسيان الصلاة السابقة حتى دخل وقت الصلاة اللاحقة بحيث لم يفصل بينهما صلاة أخرى.

______________________________

(1) الوسائل باب 63 حديث 2 كما تقدم.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 126

و هل تشمل الحاضرتين أيضا أم تختص بالفائتتين؟

الظاهر هو الثاني الا ان يقال ان نظره عليه السلام الى ما تعارف في ذلك من الفصل بين الصلاتين، بل اعتقاد التباين بين الوقتين- كما هو المعروف بين العامة- فيكون قوله عليه السلام: (فنسي صلاة حتى دخل وقت صلاة أخرى) معناه انه نسي الظهر أول الوقت حتى دخل وقت صلاة العصر.

________________________________________

بروجردى، آقا حسين طباطبايى، تقرير بحث السيد البروجردي، 2 جلد، دفتر انتشارات اسلامى وابسته به جامعه مدرسين حوزه علميه قم، قم - ايران، اول، 1416 ه ق

تقرير بحث السيد البروجردي؛ ج 2، ص: 126

هنا مسائل
(الاولى): لو صلى في الوقت المختص بالظهر بنية العصر ثم تذكر، فهل يجوز العدول أم لا؟

وجهان بل قولان، و هذه المسألة مبنية على قول غير الصدوقين عليهما السلام من كون الوقت الأول مختصا بالظهر بمقدار أدائها، و الا فعلى قولهما رحمهما اللّٰه من اشتراك الوقت من أول الزوال، غاية الأمر وجوب تقديم الظهر على العصر تكليفا فلا كلام.

و كيف كان، فمن يذهب الى عدم الجواز يستند في ذلك الى ان الأدلة الدالة على العدول انما تدل عليه إذا كانت العصر المتقدمة مستجمعة لجميع شرائط الصحة غير حيثية الترتيب و المفروض ان من الشرائط هو الوقت الذي يوجب الإخلال به البطلان، عمدا كان أو سهوا بمقتضى قول أبي جعفر عليه السلام في صحيحة زرارة: لا تعاد الصلاة الا من خمس، الوقت و الطهور و القبلة و الركوع و السجود «1».

______________________________

(1) الوسائل باب 9 حديث 1 من أبواب القبلة ج 3 ص 227.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 127

فكما ان أدلة العدول لا تصحح الصلاة التي وقعت بغير طهور بالعدول، فكذا إذا وقعت في غير وقتها.

و اما وجه القول بالصحة و جواز العدول، فهو ان شرائط الصلاة على قسمين: (أحدهما) ما يكون شرطا لطبيعة الصلاة كالطهارة و

الركوع و السجود و القبلة (ثانيهما) ما يكون شرطا لنوع خاص كما في ما نحن فيه، فان كون الوقت مختصا بالظهر انما هو بالنسبة الى هذا النوع لا مطلقا لصلاحية وقوع الصلاة في هذا الوقت بخلاف مثل الطهارة من الحدث، فإنها شرط لطبيعتها.

(ان قلت): لا إشكال في اشتراط وقوع الصلاة المعدول عنها صحيحة، كما يصح العدول منها إلى أخرى، و المفروض عدم صحتها عصرا، فلا فرق في هذه الصلاة بين الإخلال بالطهارة أو الوقت في البطلان.

(قلت): و ان كان الأمر كما ذكر، الا ان الكلام في انها تصير صحيحة بالعدول مستجمعة لجميع الشرائط أم لا؟ فعلى الأول تخرج عن كونها غير مستجمعة لاجتماعها حينئذ لجميع الشرائط.

و الحاصل ان هنا حيثيتين: (إحديهما) حيثية الترتيب (ثانيتهما) حيثية الوقت، و لا إشكال في صحتها من الحيثية الاولى و انما الحكم بالصحة باعتبار كون الترتيب شرطا ذكريا، المنكشف بالدليل فحينئذ يمكن ان يقال- في مقام الثبوت-: انه كما يحكم بصحة الصلاة من حيث الإخلال بالترتيب، كذا يمكن ان يحكم بالصحة من حيث الوقت.

(و بعبارة أوضح): تصير الصلاة المنسوبة عصرا بالعدول ظهرا

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 128

من الأول لا من حين العدول كي يقال بعدم صحتها من حيث الإخلال بالوقت، و الا يلزم هذا الاشكال من حيث الترتيب أيضا، لأنه أيضا شرط فحينئذ تصير الصلاة ظهرا من الأول فلا إشكال في مقام الثبوت.

(فتوهم) ان ظاهر الروايات هو فرض صحتها لو لا الإخلال بالترتيب بحيث لو أخل بغيره من الشرائط لم يجده شيئا لعدم صيرورة ما وجد باطلا صحيحا بالعدول، و المفروض انها مع قطع النظر عن مسألة الترتيب لم يصح.

(مدفوع): بان عدم صحتها عصرا كما يمكن ان

يكون للإخلال بالوقت، كذلك للإخلال بالترتيب، فكما تكون الرواية متكفلة لصحتها بالعدول من هذه الحيثية، كذلك تكون متكفلة لصحتها من حيث الإخلال بالوقت.

و بالجملة يستفاد من قولهم عليهم السلام: (يجعلها ظهرا) ان الصلاة التي شرع فيها تصير ظهرا بنفس الجعل و المفروض انها لو كانت ظهرا تكون جامعة للشرائط، فكما تصير صحيحة من حيث الترتيب فكذلك من حيث الوقت، فالإشكال العقلي غير وارد.

نعم يبقى الكلام في إطلاق الروايات أو عمومها لهذه الصورة كما لا يبعد ادعاء الإطلاق في بعض الروايات المتقدمة كصحيحة زرارة «1».

اللهم الا ان يقال: ان المتعارف في الزمان السابق- كما هو الآن عند العامة- هو إتيان الصلاة في الأوقات المتباينة، مثل الظهر في أول الزوال، و العصر بعد صيرورة ظل الشاخص مثليه، فيحمل الروايات على المتعارف.

______________________________

(1) الوسائل باب 63 حديث 6 من أبواب المواقيت ج 3 ص 213.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 129

(الثانية): لو شرع في العصر ثم عدل الى الظهر بتخيل عدم إتيانه للظهر،

ثم بان انه قد صلى الظهر فهل تصح أم لا؟ الأقوى هو الثاني، فإنه لا يخلو اما ان تصح عصرا، و المفروض عدم استمرار القصد بالنسبة إليها، و اما ان تصح ظهرا، و المفروض انه كان آتيا بها، و اما أن يتمها بقصدهما و ليس لنا صلاة مركبة من ظهر و عصر مع انه لم يقصدها معا من الابتداء، و ليس هنا فرض رابع، فتكون باطلة و يجب استيناف العصر.

(الثالثة): لو صلى العصر ثم ظهر انه لم يكن صلى الظهر

فالأقوى صحتها ان وقعت في وقت مشترك.

(و ما يقال): من جواز جعلها ظهرا و إتيان أربع ركعات أخر بقصد العصر استنادا إلى صحيحة زرارة المتقدمة، الدالة على جواز نيتها الاولى معللا بقوله عليه السلام: (فإنما هي أربع مكان اربع «1» و لكنها شاذة غير معمول بها، و قد اعرض عنها القدماء و لم يفت بمضمونها الا بعض المتأخرين كصاحب مفتاح الكرامة، و الجواهر و السيد في العروة و المناط في صحة الاستناد و العمل بمضمون رواية هو شهرة العمل بين القدماء و المفروض انهم قد تعرضوا لمضمون الرواية و لم يذكروا هذه الفتوى.

و بالجملة، المتعرضون لمسألة العدول كالشيخ رحمه اللّٰه في النهاية و أبي الصلاح الحلبي، و سلّار و ابن حمزة و ابن إدريس و المحقق و العلّامة عليهم الرحمة لم يفتوا بهذه الفقرة، نعم لم يتعرّض جملة من القدماء إلى أصل مسألة العدول.

______________________________

(1) الوسائل باب 63 حديث 1 كما تقدم ج 3 ص 213.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 130

هذا مضافا الى ما في نفس هذه الفقرة من المناقشة، فإن قوله عليه السلام: (انما هي أربع مكان اربع) تعليلا لقوله عليه السلام:

(فانوها الاولى) لا ينطبق على مفروض المسألة على كلا التقديرين، فإن أحدهما

هو انه تذكر و هو في الصلاة فلا يستقيم هذا التعليل كما لا يخفى، لعدم إتيانه أربع ركعات بعد، ليصير أربعا مكان أربع.

(الرابعة): لو صلى الظهر فتذكر انه لم يصل العصر فعدل إليها ثم ذكر انه لم يصل غداة

هذا اليوم يجوز العدول إليها، و كذا لو تذكر بعد العدول ان عليه ظهرا آخر، و هكذا يجوز ترامى العدول في الصلوات لإطلاق الأدلة.

(الخامسة): لو شرع في العشاء فتذكر قبل الدخول في الرابعة ان عليه المغرب،

فلا اشكال، و ان تذكر بعد الدخول فيها، فهل يحكم بصحة الصلاة عشاء أو تبطل؟ وجهان، بل قولان.

وجه الأول هو عموم قاعدة (لا تعاد) «1» للشرائط التي منها الترتيب توضيحه: ان أدلة الترتيب تقتضي وجوب مراعاته ما دام الإمكان فمع قطع النظر عن أدلة العدول يكون مقتضى القاعدة لزوم الإعادة و لو تذكر بعد الصلاة، و مقتضى قاعدة (لا تعاد الصلاة الا من خمس) هو عدم وجوب الإعادة مطلقا بالإخلال اللازم من غير ناحية الإخلال بالخمسة إذا دخل في شي ء لو أراد ان يتداركه يلزم زيادة الركن، و مقتضى أدلة العدول و ظاهرها انه يجب عليه العدول في مورد يمكن تصحيح الصلاة بالعدول، بمعنى انه لو عدل يكون العدول اليه صحيحا و لازم ذلك هو الاقتصار في موارد العدول على ما لا يتجاوز محله

______________________________

(1) الوسائل باب 9 حديث 1 من أبواب القبلة ج 3 ص 227.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 131

و الا فلا معنى لحكم الشارع بالعدول الذي به صارت الصلاة باطلة باطلة، فيبقى الباقي تحت عموم (لا تعاد) فتكون النتيجة انه لو تجاوز عن محل العدول يكون الصلاة صحيحة.

(السادسة): لو تذكر في أثناء الصلاة ان عليه سابقة فعدل إليها ثم تذكر ان عليه سابقة عليها، يعدل إليها،

و هكذا لو تذكر بعد العدول إليها ان عليه سابقة اخرى، و يسمى هذا، الترامي في العدول، و ذلك لإطلاق الأدلة الدالة على العدول.

و من أفعال الصلاة القيام
قد جعل القيام بعضهم أول الافعال، و بعضهم ثانيها،

و لكل وجه، فمن جعلها أولها نظر الى ان القيام قبل النية ليس قياما صلاتيا في النية ينعقد الصلاة به فيصير قيامه جزء من الصلاة.

و كيف كان لا ريب و لا خلاف في كون القيام من واجبات الصلاة

و الاخبار به متواترة، بل هو من ضروريات فقه الإسلام، لاتفاق علماء الإسلام على اعتباره في الجملة بالنسبة إلى القادر.

هذا مضافا الى دلالة غير واحدة من الآيات الشريفة، قال اللّٰه تعالى حٰافِظُوا عَلَى الصَّلَوٰاتِ وَ الصَّلٰاةِ الْوُسْطىٰ وَ قُومُوا لِلّٰهِ قٰانِتِينَ «1».

و الظاهر ان المراد من القنوت هو الإطاعة أي مطيعين كما في قوله تعالى:

______________________________

(1) سورة البقرة، الآية 138.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 132

الرِّجٰالُ قَوّٰامُونَ عَلَى النِّسٰاءِ بِمٰا فَضَّلَ اللّٰهُ بَعْضَهُمْ عَلىٰ بَعْضٍ وَ بِمٰا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوٰالِهِمْ فَالصّٰالِحٰاتُ قٰانِتٰاتٌ حٰافِظٰاتٌ، الآية «1» بمعنى مطيعات.

فالمعنى: قوموا حال كونكم مطيعين بنفس هذا القيام الذي هو عبارة عن الصلاة.

و قال عز و جل إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمٰاوٰاتِ وَ الْأَرْضِ وَ اخْتِلٰافِ اللَّيْلِ وَ النَّهٰارِ لَآيٰاتٍ لِأُولِي الْأَلْبٰابِ الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّٰهَ قِيٰاماً وَ قُعُوداً وَ عَلىٰ جُنُوبِهِمْ، وَ يَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمٰاوٰاتِ وَ الْأَرْضِ رَبَّنٰا مٰا خَلَقْتَ هٰذٰا بٰاطِلًا سُبْحٰانَكَ فَقِنٰا عَذٰابَ النّٰارِ «2».

و بضميمة ما ورد في تفسيرها كما في الكافي، عن على بن إبراهيم عن أبيه، عن ابن محبوب، عن أبي حمزة، عن أبي جعفر عليه السلام في قول اللّٰه عز و جل الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّٰهَ قِيٰاماً وَ قُعُوداً وَ عَلىٰ جُنُوبِهِمْ قال: الصحيح يصلى قائما و قعودا المريض يصلى جالسا (و على جنوبهم) الذي يكون أضعف من المريض الذي يصلى جالسا «3».

و قال اللّٰه عز و جل وَ إِذٰا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلٰاةَ فَلْتَقُمْ طٰائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ .. فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ الآية «4».

و قد نقل العامّة أيضا عن

النبي صلى الهّٰ عليه و آله و سلم «5» ما يدل على وجوب القيام مع الاستطاعة.

______________________________

(1) سورة النساء، الآية 24.

(2) سورة آل عمران، الآية 190- 191.

(3) الوسائل باب 1 حديث 1 من أبواب القيام ج 4 ص 689.

(4) سورة النساء، الآية.

(5) السنن لأبي داود: حدثنا محمد بن سليمان الأنباري حدثنا وكيع، عن إبراهيم بن طهمان، عن حسين المعلم، عن ابن بريدة عن عمران بن الحصين، قال: كان بي الناصور فسألت النبي صلى اللّٰه عليه (و آله) و سلم فقال: صل قائما، فان لم تستطع فقاعدا فان لم تستطع فعلى جنب.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 133

[هل القيام ركن]

و بالجملة لا شبهة في أصل المسألة، و انما البحث في انه هل هو ركن كما يؤخذ في كلمات عدة من القدماء و المتأخرين، و على تقدير ركنيته فهل هو ركن مطلقا أم في الجملة، و على الثاني فهل هو القيام حال تكبيرة الإحرام أو المتصل بالركوع، و على الثاني ما المراد من القيام المتصل بالركوع؟

فنقول: اما إطلاق الركن عليه، فلم يوجد في خبر من الاخبار نعم قد وقع في كلام بعض القدماء «1» لكن الظاهر انه مأخوذ من كلمات العامة، و لذا لم يطلق عليه و لا على سائر ما عدوه ركنا مثل التكبيرة و الركوع و السجدتين في الكتب المعدة لنقل الفتاوى المأثورة عن الأئمة عليهم السلام مثل المقنعة و النهاية و المقنع و الهداية و الفقيه.

______________________________

(1) قال السيد المرتضى: و يقوى في نفسي ان تكبيرة الافتتاح من الصلاة و ان التسليم أيضا من جملة الصلاة و هو ركن من أركانها (انتهى).

و قال ابن حمزة في الوسيلة: الصلاة تشتمل على أفعال و كيفيات و تروك و

على واجب و مندوب و الكيفية كذلك (الى ان قال): و الفعل الواجب ثلاثة أضرب ركن و غير ركن و مختلف فيه، فالركن ستّة أشياء:

القيام مع القدرة و استقبال القبلة مختارا و تكبيرة الإحرام و الركوع و السجود (انتهى).

و قال ابن أبي المجد في إشارة السبق- بعد تقسيم ما يخص بالمرتبة بالمختار أو المضطر-: فما يتعلق بالمختار المفرد اما فرض و ركن، و هو قيامه مع تمكنه و توجهه إلى القبلة مع تيقنه و النية بشروطها و تكبيرة الإحرام بلفظها خاصة و الركوع تاما اى بانتصابه منه و السجود في كل ركعة (انتهى)، و قال الشيخ رحمه اللّٰه في المبسوط:

القيام شرط في صحة الصلاة و ركن من أركانها مع القدرة و قال في فصل تكبيرة الافتتاح: تكبيرة الإحرام من الصلاة و هو ركن من أركانها (انتهى).

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 134

[معنى الركن]

و على اى حال فقد عرفوه بأنه ما يلزم بنقيصته البطلان، و زاد آخرون: أو زيادته.

و الذي يناسب المعنى اللغوي، هو الأول، فإن الركن عبارة عما لوجوده دخل في تحقق المركب، فزيادته مؤكّدة لتحققه لا مخل له و تسميته ركنا لشدة احتياج المركب اليه.

و اما زيادته- بمعنى وجوده الثانوي- فليس مناسبا لكون زيادته مخلا فإن زيادة الوجود بما هو وجود لا يلازم انتفاء المركب، بل يؤكده.

اللهم الا ان يقال: ان وجوده قد أخذ في المركب بقيد الوحدة بشرط لا، بمعنى انه وحده بشرط عدم الزيادة ركن فانتفائه يحصل بأحد أمرين إما بانتفائه رأسا أو بانتفاء قيد الوحدة، اللازم منه انتفائه مع هذا القيد فيرجع كلاهما إلى النقيصة.

لكنه أيضا لا يلائم ما ذكروه في تعريفه من كونه عبارة عما يوجب زيادته و نقيصته،

البطلان، و لذا عرّفه المشهور بأنه ما يوجب نقصانه البطلان، و وقع عطف (زيادته) في كلمات بعضهم لا المشهور.

هذا كله في الكلام في مفهوم أصل الركن.

[هل القيام المتصل بالركوع ركن]

و اما البحث في ان القيام هل هو ركن أم لا، فظاهر كلماتهم هو التسالم على أصل ركنيته، و انما البحث في تعيينه، فقيل: هو القيام حال تكبيرة الإحرام، و قيل: هو المتصل بالركوع، و قيل: مطلقا، و قيل:

قيام ما من بين القيامات.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 135

و لا إشكال في كون الأول ركنا، إنما الإشكال في ركنية خصوص المتصل منه بالركوع؟

الذي يمكن أن يستدل به على ركنيته أمران: (أحدهما) الروايات الواردة في كيفية الصلاة و بيان اجزائها مثل قولهم عليهم السلام (تقوم إلى الركعة الثانية و تفعل كذا ثم تقوم إلى الركعة الثالثة و تفعل كذا و كذا).

توضيحه ان المعنى المتعارف عند العرب للركعة غير ما عند العجم، فان العرب تفهم (يفهمون) من قوله عليه السلام: (تقوم إلى الركعة، الى آخره) القيام الى الركوع لا ان الركعة عبارة عن القراءة و الركوع و السجدتين، كما هو المتوهم عند العجم فيفهم من قوله عليه السلام: (تقوم) ان ماهية الركعة عبارة عن الركوع و بضميمة الأدلة الدالة على بطلان الصلاة بنسيان القراءة، اللازم منه عدم البأس بترك القيام في حال القراءة نسيانا في ضمنه يبقى القيام المتصل بالركوع.

(ان قلت): لعل الأدلة ناظرة إلى اعتبار القيام في تحقق الركوع المتحقق بحيث لو لم يسبق بالقيام لم يتحقق الركوع.

(قلنا): ان كان المراد ان القيام شرط عقلي للركوع فهو ممنوع لتحققه من غير مسبوقية به كما إذا هو للركوع فنسي فهوى الى السجود و تذكر قبل الوصول الى السجود فنهض متدرجا

الى حد الركوع فإنه يصدق عليه انه ركع و انه راكع.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 136

و ان أريد انه شرط شرعي، فهو خلاف ظاهر الأدلة، فإن ظاهرها كونه جزء مستقلا للصلاة لا شرطا، غاية الأمر دوران الأمر بين كونه جزء أو شرطا، و لا ثمرة عملية يترتب عليه، للملازمة حينئذ بين ترك القيام و ترك الركوع كما هو واضح.

(الثاني) ما ذكرنا من استفادة وجوب القيام من الآيات الشريفة فهو واجب ثبت وجوبه بالفرض الإلهي و بضميمة ما دل على ان فرض الإلهي لا يدخله شك يثبت المطلوب، فان المطلوب بطلان المركب بترك القيام الركني و لو نسيانا.

و استدل أيضا بأمور أخر: (الأوّل): ان الركوع عبارة عن الانحناء الى الحد المخصوص (و بعبارة أخرى) الحركة المخصوصة المتوسطة بين الحدين- القيام- و الوصول الى حد مخصوص من الانحناء- ملازم دائما مع القيام.

و يرد عليه (أولا) انه ليس الركوع عبارة عن الانحناء المتوسط بين الحدين لصدق الراكع على من خلق راكعا، و يصدق عليه شيخ ركع و يؤيّده ما ورد في الاخبار من التعبير عن هذا الانحناء بقوله عليه السلام: (هوى إلى الركوع) «1».

(و ثانيا) ان الدليل أعم من المدعى، لعدم ثبوت ركنية خصوص القيام المتصل بالركوع بل غايته كون قيام ما ركنا، فيمكن أحد الاحتمالات المتقدمة في ذكر الأقوال.

(الثاني) ما ورد من قوله عليه السلام: (من لم يقم صلبه في

______________________________

(1) الوسائل باب 2 حديث 3 من أبواب الركوع ج 4 ص 921.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 137

الصلاة فلا صلاة له) «1» الدالة بإطلاقها على بطلانها بتركه عمدا كان أو سهوا، و هو معنى الركن، و ببالي ان صاحب الرياض عليه الرحمة تمسك

بهذا الخبر و كذا تمسك به في الجواهر.

(و فيه): أوّلا: ان معنى قولهم: اقام صلبه، انتصب صلبه بان جعل فقرأت ظهره مستقيما في مقابل انحنائها، أعم من ان يكون قائما أو جالسا، لا انه قام، و لذا تمسك به في الصلاة جالسا أيضا، فاللازم حمله على الاستحباب.

(و ثانيا) انه أعم من المدعى، لعدم ملازمته لإثبات القيام المتصل بالركوع، بل اللازم منه كون قيام ما لازما.

فالعمدة في الاستدلال على ركنيته، هو الإجماع المدعى.

و لو شك في الركنية و عدمها فهل مقتضى القاعدة الحكم بالبطلان بتركه مطلقا أو الصحة؟ وجهان بل قولان، تعرض الشيخ الأنصاري رحمه اللّٰه في التنبيه الأول من تنبيهات الاشتغال، و اختار الأول مستدلا بعدم جواز خطاب الغافل بعد فرض عموم الخطاب الأول له و لغيره، لعدم إمكان بعثه و الا لخرج عن كونه غافلا.

(و قد يقال): بإمكان توجه الخطاب الى الغافل لا بعنوان انه غافل، بل بعنوان آخر مثل قوله (يا ايها الناس) أو (يا ايها المسلمون) أو (المؤمنون) أو بان يتوجه خطاب الأقل بالعموم و يتوجه خطاب الأكثر إلى خصوص الذاكر، فلا مانع حينئذ من جريان الأصل لو شك فيه.

______________________________

(1) الوسائل باب 2 من أبواب القيام ح 4 ص 694.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 138

(و فيه) ان الكلام في ان هنا بعثا مستقلا زائدا على البعث الذي توجه الى العموم مرددا بين الأقل و الأكثر كي يكون موردا للأصل أم لا؟ و المفروض ان الخطاب الأوّل غير مختص بالذاكرين بل يعمّهم و غيرهم.

بل التحقيق ان الخطاب غير متوجه الى مكلف خاص، و الأدلة إنما دلت على بيان ماهية الصلاة من دون نظر و توجه الى المكلف و مقتضى ذلك هو

انتفاء الماهية عند انتفاء بعض اجزائها، و ليس هنا أمر آخر وراء الأمر الأول مردد بين الأقل و الأكثر.

و بالجملة، فإن كان المراد من إجراء الأصل هو إجرائه لتكليفه الأول الذي تعرض لبيان ماهية العبادة فليس لنا فيه شك، بل الأمر متعلق بنفس الطبيعة، و ان كان المراد انه عند نسيان بعض الاجزاء يترتب عليه أمر آخر مردد بين الأقل و الأكثر، فهو ممنوع فمقتضى القاعدة هو الحكم ببطلان المركب عند انتفاء بعض اجزائه.

نعم يمكن ان يقال: بمقتضى ما ذكرناه مرارا و قررناه في الأصول من ان الأمر إذا تعلق بشي ء ذي أجزاء انبسط هذا الأمر على المركب فكل جزء تعلق به أمر و علم جزئيته يكون الأمر بالنسبة إليه منجزا و بالنسبة إلى الجزء الغير المعلوم غير منجز.

فيقال: هنا: ان القدر المعلوم تعلق الأمر باجزاء معلومة يكون تركها عمدا موجبا للبطلان و شك في ان الترك سهوا يقع كذلك أم لا؟

فيقال حينئذ: الأصل البراءة فيكون الأمر ببعضه معلوما، و ببعضه الآخر- و هو الأكثر على تقدير تحققه واقعا- غير معلوم فيجري الأصل.

لكنه أيضا محل اشكال هنا، بل ممنوع، فان توجه الأمر هنا

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 139

معلوم و أجزاء المأمور به أيضا معلومة و انما عرض للمأمور الغفلة في مقام الامتثال فليس هنا شك في مقام تعلق الأمر حتى لو سئل المأمور: لم لم تأت بالجزء الفلاني؟ كان الجواب: الغفلة عن إتيانه، و مجرد الغفلة عن إتيان المأمور به لا يوجب إحداث أمر آخر متوجه الى المكلف.

فغرض الشيخ عليه الرحمة انه لا يمكن توجه الخطاب الأول إلى الغافلين، بعدم وجوب الإتيان بالأجزاء المغفول عنها و المفروض عدم وجود خطاب آخر هنا.

فلا

وجه للإشكال عليه بإمكان الخطاب أولا إليه بعنوان آخر ثم إخراج الذاكر بدليل آخر، الى آخره، فان المفروض ان الأمر الباعث له على إتيان المكلف به هو الأمر الأولي كالذاكر، و هو تعلقه بالأكثر بالفرض فكيف يمكن ان يقال: ان تعلق الأمر بالأقل معلوم و الأكثر مشكوك فيجري الأصل.

و الحاصل انه لا وجه معقول لجريان الأقل في المسألة، فمقتضى القاعدة في المقام هو لزوم الإعادة بترك الجزء نسيانا أو جهلا أو غفلة الا ان يقوم دليل على عدم وجوبها كقاعدة لا تعاد في بعض المقامات في غير الخمس المذكورة.

فلو ثبت فيما نحن فيه ان القيام جزء الصلاة و شك في الركنية فمقتضى القاعدة الركنية.

لكن الكلام في انه جزء للصلاة أو شرط لبعض أقاويلها

من القراءة و التسبيح و القنوت؟

و ربما يقال- كما في الجواهر رحمه اللّٰه- بالثاني بمعنى ان الصلاة مركبة من أقوال و أفعال و قد اشترط في بعض الأقوال القيام

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 140

و هذا المعنى مخالف لارتكاز المتشرعة حيث يرون القيام جزء للصلاة، بل يرونها نفس القيام.

مضافا الى دلالة بعض الآيات الشريفة المتقدمة، مثل قوله تعالى حٰافِظُوا عَلَى الصَّلَوٰاتِ وَ الصَّلٰاةِ الْوُسْطىٰ وَ قُومُوا لِلّٰهِ قٰانِتِينَ «1» فان الظاهر ان القانتين صفة للفاعل من قوله (قُومُوا) و المعنى قوموا حال كونكم مطيعين، و ظاهر ان عنوان كونهم مطيعين يتحقق بنفس هذا القيام لا بشي ء آخر.

نعم يمكن ان يخدش في دلالة بعضها الآخر مثل قوله تعالى:

الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّٰهَ قِيٰاماً وَ قُعُوداً الآية «2» بأن يقال: ان (قِيٰاماً) و (قُعُوداً) و (عَلىٰ جُنُوبِكُمْ) حالات للذكر لا نفس الذكر.

بل يمكن ان يخدش في الأولى أيضا، بأن يقال: ان قوله:

(قٰانِتِينَ) و لو كان حالا للفاعل في (قُومُوا) الا انه لا يدل

على أزيد من لزوم القيام ..

[أقسام القيام في الصلاة]

و كيف كان فالعمدة هو ارتكاز المتشرعة في جزئية القيام.

إذا ثبت كون القيام جزءا في الجملة فنقول: انه على أقسام (أحدها): القيام حال تكبيرة الإحرام (ثانيها) القيام حال القراءة (ثالثها) القيام حال القنوت (رابعها) القيام المتصل بالركوع (خامسها) القيام بعد الركوع.

لا إشكال في عدم كون القيام حال القراءة ركنا بعد ورود الدليل على عدم بطلان الصلاة بترك القراءة نسيانا اللازم منه عدم بطلان الصلاة

______________________________

(1) سورة البقرة، الآية 238.

(2) سورة آل عمران، الآية: 191.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 141

بترك القيام حالها نسيانا أيضا.

كما لا خلاف في عدم ركنية الأخير أعني القيام بعد الركوع.

و انما البحث و الكلام في ان القيام الركني هل القيام حال التكبيرة أو المتصل منه بالركوع و على تقدير الأخير هل هو القيام المتحقق في الجزء الأخير من القراءة أم قيام مستقل بعد تحقق تمام القراءة.

فتحصل ان هنا مسائل: (إحداها) في ان القيام ركن أم لا؟- (ثانيها) في تعيين القيام الركني (ثالثها) في تعيين القيام المتصل بالركوع على تقدير كونه هو الركن.

(أما الأولى) فقد عرفت ان الأدلة القائمة على ركنية القيام لا تخلو عن مناقشة الا ان يتمسك بالإجماع المدعى.

(و اما الثانية) فالقدر المتيقن ان قياما ما من بين القيامات ركن.

(و اما الثالثة) أعني كون القيام المتصل بالركوع ركنا، فقد عرفت ما يمكن ان يستند اليه.

لكن لا يخفى عدم جواز استناد الفقيه إلى شي ء منها، اللهم الا ان يدعى الإجماع.

نعم يمكن ان يقال: انه القدر المتيقن لانطباق القيام حال تكبيرة الإحرام على المتصل منه بالركوع، كما إذا كبر للافتتاح و سها عن القراءة فركع.

و كذا يمكن انطباقه على الجزء الأخير من القراءة كما إذا

اتصل قيامه في الجزء الأخير منها بالركوع

[يعتبر في القيام أمور]
اشارة

و كيف كان فقد قيل: انه يعتبر فيه أمور

(أحدها) الاستقلال

بمعنى عدم جواز الاعتماد على عصا أو جدار

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 142

أو شخص آخر بحيث لو أزيل لسقط المصلى، فهل هو شرط للقيام أم للصلاة بجميع أفعالها؟ وجهان.

و المشهور المنع بالمعنى المذكور يعنى لا يجوز الاعتماد على شي ء مما ذكر، نعم يظهر من المحقق عليه الرحمة التردد، فإنه- بعد الحكم بالاشتراط في الشرائع- قال: و روى جواز الاعتماد مع القدرة (انتهى).

و الاخبار الواردة في المسألة متعارضة على الظاهر كما سنذكرها و يدل عليه قبل الاخبار، استقرار سيرة المتشرعة في صلواتهم على ذلك مضافا الى ان ذلك مقتضى الجمع بين الروايات الواردة.

فنقول: انها على أقسام: (منها): ما يدل على المنع مطلقا (و منها) ما يدل على المنع إذا لم يكن المصلى مريضا (و منها) ما يدل على الجواز.

اما الأولى: فروى في الوسائل بإسناده، عن عبد اللّٰه بن جعفر في قرب الاسناد بإسناده، عن محمد بن الوليد، عن عبد اللّٰه بن بكير قال: سألت أبا عبد اللّٰه عليه السلام عن الصلاة قاعدا أو متوكئا على عصا أو حائط؟ فقال: لا، ما شأن أبيك و شأن هذا؟ اما بلغ أبوك هذا بعد «1».

و إجمال الذيل لا يقدح في دلالة الصدر، على المطلوب، و هو عدم جواز الاعتماد و يحتمل قويا وقوع سقط في الرواية.

و اما الثانية: فروى فيه عن محمد بن الحسن، بإسناده، عن احمد بن محمد، عن النضر بن سويد، عن عبد اللّٰه بن سنان، عن

______________________________

(1) الوسائل باب 1 حديث 20 من أبواب القيام ج 4 ص 693.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 143

أبي عبد اللّٰه عليه السلام، قال: لا تمسك

بخمرك و أنت تصلي، لا تستند الى جدار و أنت تصلي الا ان تكون مريضا «1».

و هذه الرواية ظاهرة في شرطية الاستقلال في الصلاة بما هي صلاة لا لأجل القيام و لذا يمكن ان يتمسك بإطلاقها لأي قسم من أقسام الصلاة من الجلوس و الاضطجاع و الاستلقاء في غير ما اضطر في الأخيرين.

و اما الثالثة: فروى في الوسائل عن محمد بن الحسن، بإسناده عن سعد بن عبد اللّٰه، عن احمد بن الحسن بن على، عن أبيه، عن الحسين بن الحسن بن الجهم، عن الحسين بن موسى، عن سعيد ابن يسار، قال: سألت أبا عبد اللّٰه عليه السلام عن التكاءة في الصلاة على الحائط يمينا و شمالا؟ فقال: لا بأس «2».

و عنه، عن احمد بن محمد، عن الحسين بن على بن فضال، عن عبد اللّٰه بن بكير، عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام، قال: سألته عن الرجل يصلى متوكئا على عصا أو على حائط؟ قال: لا بأس بالتوكي على العصا و الاتكاء على الحائط «3».

و روى فيه عن محمد بن على بن الحسين رحمه اللّٰه بإسناده، عن على بن جعفر انه سأل أخاه موسى بن جعفر عليهما السلام عن الرجل هل يصلح له ان يستند إلى حائط المسجد و هو يصلى أو يضع يده على الحائط و هو قائم من غير مرض؟ فقال: لا بأس، و عن الرجل يكون

______________________________

(1) الوسائل باب 10 حديث 2 من أبواب القيام ج 4 ص 702.

(2) المصدر، الحديث 3.

(3) المصدر، الحديث 4.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 144

في صلاة فريضة فيقوم الركعتين الأولتين هل يصلح له ان يتناول جانب المسجد فينهض يستعين به على القيام من غير ضعف و

لا علة؟ فقال:

لا بأس به «1».

و هذه ظاهرة أيضا في شرطية الاستقلال في الصلاة بما هي صلاة لا للقيام.

و هي صريحة صدرا في جواز الاستناد من غير عذر و لذا جمع بينها و بين الاخبار الدالة على المنع بحمل النهى على الكراهة حملا للنص على الظاهر كما هو قاعدة الجمع.

هذا و لكن يمكن الجمع بينها بطريق آخر، و هو ان الاخبار المانعة صريحة في الفريضة ظاهرة في النافلة، و الاخبار المجوزة ظاهرة في الفريضة صريحة في النافلة فيرفع اليد عن ظاهر كل بنص الآخر، و القرينة على هذا الحمل قوله في رواية على بن جعفر: و عن الرجل يكون في صلاة فريضة الى آخره، حيث ان الراوي قيد في هذا السؤال الصلاة بكونها فريضة فيستشعر منها ان السؤال الأول مخصوص بالنافلة فتأمل، أو الطرد لكونها معرضا عنها الى زمن المحقق عليه الرحمة، و هو أيضا قد تردد كما عرفت.

و يؤيد ذلك أيضا استقرار سيرة المتشرعة على الاستقلال.

هذا مع ان رواية على بن جعفر المتقدمة تدل على جواز الاعتماد حال النهوض و هو للقيام.

ثم ان اعتباره هل هو على الاستقلال أو الاشتراط في القيام (و بعبارة أخرى) هل الاستقلال مقوم للقيام، بحيث لو لم يكن مستقلا

______________________________

(1) الوسائل باب 10 حديث 1 من أبواب القيام ج 4 ص 701.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 145

لم يصدق عليه انه قائم، أم هو شرط واجب فيه؟ اختار الأول في الجواهر مستدلا بأنه هو المنصرف اليه عند إطلاق القائم.

(و فيه) ما لا يخفى لعدم تقوم القيام من الاستقلال بحيث لو اتكأ على عصا أو حائط كما يعلم ذلك إذا لوحظ في غير حال الصلاة فدعوى الانصراف حينئذ ممنوعة.

مع

انك قد عرفت ان قوله عليه السلام- في رواية عبد اللّٰه بن سنان-: (تمسك بخمرك و أنت تصلي، الى آخره) ظاهر في ان الاستقلال من واجبات الصلاة، لا القيام.

و على تقدير اعتباره فيه، فلو صار عاجزا و لم يقدر على القيام فيصلى قاعدا فهل يشترط في الاستقلال في قعوده حيث انه بدل عن القيام المعتبر فيه الاستقلال، فيكون شرطا في البدل كما كان شرطا في المبدل أولا بل يشترط في القيام فقط كما هو المفروض؟ وجهان و المشهور الأول.

الثاني من الأمور المعتبرة في القيام: الاستقرار
اشارة

و هو يطلق تارة على ما يقابل الحركة الاينية التي هي عبارة عن انتقال من مكان الى آخر (و اخرى) على ما يقابل الحركة الوضعية التي هي عبارة عن عدم سكون البدن و أعضائه.

و الأول (اما) ان يكون المصلى بنفسه متحركا من دون واسطة (و اما) ان يكون مع الواسطة كالسفينة و المراكب الأخر السيارة.

لا إشكال في اعتبار الاستقرار بالمعنى الأول- أعني الحركة الاينية- بلا واسطة و كذا مع الواسطة مع الاختيار.

و هل هو شرط للصلاة أم لا؟

وجهان أوجههما الأول، لاستقرار عمل

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 146

المتشرعة على عدم إتيان الصلاة متحركا.

و الثاني اما ان يكون حركته موجبة للخروج عن صدق المصلى كان يتحرك جميع بدنه و أعضائه (و اما) ان يتحرك بعض أعضاءه بحيث لا ينافي صدق المصلى عليه، و الحركة على النحو الأول موجبة للبطلان أيضا بخلافها على الثاني، فلا يبعد عدم بطلانها بحركة بعض الأعضاء كاليد و الرجل و نحوهما.

كل ذلك بدليل عمل المتشرعة، مضافا الى الروايات الدالة على الصلوات البيانية من العامة «1» و الخاصة «2».

نعم يختص ذلك بالفريضة دون النافلة،

لجواز إتيانها حال المشي، غاية الأمر ان ذلك لدليل، لا لعدم اعتبار القيام المعتبر في مفهوم الصلاة كي يحتاج في اعتبار الأمور المذكورة في الفريضة إلى دليل.

و قد يقال: الاستقرار و يراد به عدم تحرك المصلى بنفسه مع موضعه من السفينة و سائر المراكب و يقابله عدم الاستقرار كذلك، فحينئذ يصدق المتحرك على من كان واقفا و ساكنا بنفسه مع تحرك السفينة التي هو فيها.

فهل تصح صلاته حينئذ اختيارا أم لا؟ قولان، يظهر ثانيهما من العلامة و الشهيد قدس سرهما، و استدل عليه فخر المحققين ولد العلامة قدس سرهما بقوله صلى اللّٰه عليه و آله: أعطيت خمسا لم يعط أحد قبلي، جعلت لي الأرض مسجدا و طهورا، الى آخره «3» حيث

______________________________

(1) سنن أبي داود باب افتتاح الصلاة ج 1 ص 194 طبع مصر.

(2) الوسائل باب 1 من أبواب أفعال الصلاة ج 4 ص 673.

(3) الوسائل باب 7 من أبواب التيمم ج 2 ص 969.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 147

انه صلى اللّٰه عليه و آله عيّن الأرض بكونها مسجدا له فيظهر منه ان غير الأرض لا يكون

مسجدا له.

(و فيه) ما لا يخفى، فإنه صلى اللّٰه عليه و آله في مقام بيان خصائصه التي خصّه اللّٰه تعالى بها، التي منها عدم لزوم إتيان العبادة في معابد مخصوصة مثل أهل الكتاب حيث ان عبادتهم لا بد و ان تؤتى في معابدهم، بل الأرض بأجمعها جعلت له صلى اللّٰه عليه و آله مسجدا و معبدا يصح إتيان العبادة فيها.

هذا مضافا الى عدم الالتزام بلوازم هذا الاستدلال، و هي عدم جواز إتيان الصلاة على السرير و على السقف، بل و على الفرش، لعدم صدق الأرض على شي ء منها.

فالظاهر عدم بطلان الصلاة في السفينة مع عدم حركتها الأينيّة مع فرض اجتماع سائر الشرائط من الاستقبال و نحوه.

هذا مضافا الى دلالة رواية على بن جعفر «1» الواردة في الصلاة على الرف المعلق بين النخلتين.

و على فرض ورود النهي في بعض الاخبار «2» فلا بد من حملها على صورة الحركة.

______________________________

(1) هي ما رواه الصدوق رحمه اللّٰه في الفقيه بإسناده، عن على ابن جعفر، عن أخيه موسى بن جعفر عليهما السلام، قال: سألته عن الرجل هل يصلح له ان يصلى على الرف المعلق بين نخلتين؟ فقال:- ان كان مستويا يقدر على الصلاة فيه، فلا بأس.

(2) الوسائل حديث 12- 13 من باب 14 من أبواب القيام ج 4 ص 707.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 148

و اما الصلاة في السفينة و نحوها في حال حركتها،

فان كان حركة السفينة مستلزمة لاختلال بعض شرائط الصلاة فلا إشكال في بطلان الصلاة فيها اختيارا، فيجب الخروج منها مع الإمكان و الاختيار الا مع العذر و الاضطرار.

اما لو فرض عدم استلزام حركة السفينة لاختلال شرائط الصلاة حتى الاستقبال مع عدم تحريك عضلاته و وقوفه قائما و مستقرا ففيه اشكال.

و الروايات الواردة في

الصلاة في السفينة لم يعلم انطباقها على ما تداول في زماننا هذا من السفن البخارية و الطيارات و السيارات كذلك مما يمكن ان يقوم الإنسان حال حركتها مستقرا و جامعا لسائر الشرائط و الأركان.

فإن الظاهر ان المراد من السفن في الاخبار هي السفن الجزئية الغير البخارية السائرة على مثل الفرات المسماة ب (بلم) و لا شبهة في ان المصلى فيها يتحرك أعضائه حين الصلاة فيها.

فالروايات المانعة «1» لا تدل على فساد الصلاة في السفن الكبيرة البخارية التي اخترعت في أمثال زماننا، مما لا يتحرك المصلى فيها حين

______________________________

(1) منها رواية عبد اللّٰه بن على الحلبي انه سأل أبا عبد اللّٰه عليه السلام عن الصلاة في السفينة؟ فقال: يستقبل القبلة و يصف رجليه فإذا دارت و استطاع ان يتوجه إلى القبلة، و الا فليصل حيث توجهت و ان امكنه القيام فليصل قائما، و الا فليقعد ثم يصلى، الوسائل:

باب 13 حديث 1 من أبواب القبلة ج 3 ص 233.

و لم يصرح فيها بالفريضة، فيمكن اختصاصها بالنافلة، لكن الظاهر ان نظر السائل هو هذه الجهة أي مانعية الحركة الاينية التبعية في الفرائض لعدم وجوب القيام في النافلة و لو مع الإمكان.

(و منها) ما عن جميل بن دراج قال: سألت أبا عبد اللّٰه عليه السلام عن الصلاة في السفينة؟ فقال: ان رجلا اتى أبي عليه السلام فسأله، فقال: إني أكون في السفينة و الجدد منى قريب فأخرج فأصلي عليه، فقال له أبو جعفر عليه السلام: اما ترضى ان تصلى بصلاة نوح (على نبينا و آله و عليه السلام)، هذا و ما بعده في الوسائل باب 14 حديث 11- 7 من أبواب القيام ج 4 ص 707- 706.

و ليس فيها

ظهور في الفريضة فيمكن ان يراد منها النافلة اللهم الا ان يقال بشمولها للفريضة أيضا و معه هل يدل على الجواز مطلقا أو مع اختلال الشرائط؟ وجهان.

(و منها) رواية المفضل بن صالح، قال: سألت أبا عبد اللّٰه عليه السلام عن الصلاة في الفرات و ما هو أضعف منه من الأنهار في السفينة؟

فقال: ان صليت فحسن و ان خرجت فحسن. و هي صريحة فيما استظهرناه من ان المراد بالسفينة في الاخبار غير ما تداول في أمثال زماننا و يحتمل ان يكون الصحة مفروغة عنها عند السائل لعذر و نحوه.

(و منها) رواية معاوية بن عمار، قال: سألت أبا عبد اللّٰه عليه السلام عن الصلاة في السفينة؟ قال: تستقبل القبلة بوجهك ثم تصلى كيف دارت، تصلي قائما، فان لم تستطع فجالسا يجمع فيها الصلاة ان أراد و لتصل على القير و القفر و يسجد عليه- و غير ذلك من الاخبار الواردة في هذا الباب نفيا و إثباتا. (منه دام ظلّه العالي).

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 149

الصلاة حال حركتها و يمكنه القيام و الاستقبال و إحراز سائر الشرائط و لم يعلم من الروايات اعتبار وحدة المكان من أول أفعال الصلاة الى آخرها.

بل يدل بعضها على عدم اعتباره مثل ما رواه الصدوق في الفقيه رأى عليه السلام نخامة في المسجد، فمشى إليها

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 150

بعرجون «1» من عراجات ارطاب فحكّها ثم رجع القهقرى فبنى على صلاته و قال الصادق عليه السلام: و هذا يفتح من الصلاة أبوابا كثيرة «2».

و كذا ما ورد «3» و دل على انه لو دخل المسجد و خاف فوت الجماعة لو التحق بالصف جاز التكبير في موضعه ثم يلحق

بالصف في غير حال القراءة و الذكر.

و مع فرض عدم الدليل على المانعية، فالمرجع هو الأصل، و هو هنا البراءة للشك في مانعية الحركة و عدم الاستقرار بهذا المعنى فيكون من مسألة الأقل و الأكثر و قد قرر في محله ان الأصل فيها البراءة نقلا بل عقلا على ما قويناه و بيّناه غير مرة.

[قيام العاجز]
اشارة

مسألة 1-: قد مر انه يجب القيام في الصلاة حال التكبير و القراءة و قبل الركوع و بعده و هذا كله إذا كان قادرا على القيام.

فلو كان عاجزا عنه يصلى قاعدا، و ان عجز يصلى مضطجعا على جانبه الأيمن مستقبلا لمقاديم بدنه الى القبلة، و ان عجز عنه يصلى على جنبه الأيسر كذلك، و ان عجز يصلى مستلقيا، و يكون رجلاه إلى القبلة بحيث لو جلس كان مستقبلا بوجهه إلى القبلة.

______________________________

(1) الفقيه باب القبلة رقم 851 طبع مكتبة الصدوق ج 1.

(2) الوسائل باب 46 من أبواب صلاة الجماعة ج 5 ص 443.

(3) الوسائل باب 46 من أبواب صلاة الجماعة ج 5 ص 443.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 151

و هذا الترتيب المذكور هو المشهور بين الفقهاء، و حيث ان إثبات هذا الترتيب يتوقف على التأمل في الأدلة فلا محالة نحتاج الى نقلها، فنقول بعون اللّٰه تعالى:

لا شبهة ان الوظيفة بعد العجز عن القيام هو القعود، و الاخبار به مستفيضة، و القول به مشهور «1» بين العامة و الخاصة.

ففي الكافي، عن على بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن محبوب، عن أبي حمزة الثمالي «2»، عن أبي جعفر عليه السلام، في قول اللّٰه عز و جل الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّٰهَ قِيٰاماً وَ قُعُوداً وَ عَلىٰ جُنُوبِهِمْ قال: يصلى قائما و قعودا «3»، المريض

يصلى جالسا، (و على جنوبهم) الذي يكون

______________________________

(1) في التذكرة لو عجز عن القيام أصلا صلى قاعدا بإجماع العلماء (انتهى).

(2) و لا يبعد ان يكون رواياته عنه مرسلة تكون وفاة ابن محبوب قد وقعت في قريب من 220 و وفاة أبي حمزة قد وقعت في قريب من سنة 150 و عمّر ابن محبوب سبعين سنة على ما ذكره الكشي و عن النجاشي فيصير ابن محبوب قد أدرك أبي حمزة في أوائل تولده، و لا يمكن بمقتضى العادة و المتعارف روايته عنه الا ان يكون أبوه قد استجاز من أبي حمزة لولده في رواية الحديث كما كان مرسوما عند أصحابنا الرواة فكانوا يستجيزون لصغار أولادهم- منه دام ظلّه العالي.

(3) يحتمل ان يكون هذه الكلمة زائدة من النساخ، بل الظاهر ذلك، منه دام ظله.

أقول: الظاهر عدم صحة هذا الاحتمال أو الاستظهار لأن الرواية بصدد بيان معنى الآية المشتملة على العناوين الثلاثة أعني القيام و القعود و على جنب كما يؤيد ذلك تكرار قوله تعالى (وَ عَلىٰ جُنُوبِهِمْ) لأنه في مقام البيان.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 152

أضعف من المريض الذي يصلى جالسا «1».

و في التذكرة نقلا عن العامة: انه قال النبي صلى اللّٰه عليه (و آله) و سلم لعمران بن حصين بعد تلاوة قول اللّٰه عز و جل الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّٰهَ قِيٰاماً وَ قُعُوداً الآية «2»: صل قائما، فان لم تستطع ان تصلى قائما فصل قاعدا، و ان لم تستطع ان تصلى قاعدا، فعلى جنبيك «3».

لكن المذكور في كتبهم هو ذكر الحديث بدون ان يكون تفسيرا للآية.

و رووا أيضا، عن أمير المؤمنين عليه السلام، قال: قال رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و آله: يصلى المريض، و

ان لم يستطع ان يصلى قائما صلى قاعدا، فان لم يستطع صلى على جنب مستقبل القبلة، فان لم يستطع صلى مستلقيا على قفاه و رجلاه إلى القبلة و أومى بطرفه «4».

______________________________

(1) الوسائل باب 1 حديث 1 من أبواب القيام ج 4 ص 689.

(2) سورة آل عمران، الآية 191.

(3) صحيح البخاري ج 1 ص 171 باب إذا يطق قائما الى آخره، من كتاب الصلاة.

(4) أورد نحوه في الوسائل، مع اختلاف في ألفاظه، باب 1 حديث 5 من أبواب القيام ج 4 ص 692.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 153

و روى سماعة قال: سألته عن المريض لا يستطيع الجلوس، قال:

فليصل و هو مضطجع و ليضع على جبهته شيئا إذا سجد، فإنه يجزى عنه و لم يكلّف اللّٰه ما لا طاقة له به «1».

و في الوسائل، نقلا عن على بن الحسين المرتضى في رسالة المحكم و المتشابه، نقلا عن تفسير النعماني، بإسناده، عن على عليه السلام- في حديث- قال: و اما الرخصة التي هي الإطلاق بعد النهى فمنه قوله تعالى حٰافِظُوا عَلَى الصَّلَوٰاتِ وَ الصَّلٰاةِ الْوُسْطىٰ وَ قُومُوا لِلّٰهِ قٰانِتِينَ «2» فالفريضة ان يصلى الرجل صلاة الفريضة على الأرض بركوع و سجود تام و رخص للخائف فقال سبحانه فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجٰالًا أَوْ رُكْبٰاناً «3» و مثله قوله عز و جل فَإِذٰا قَضَيْتُمُ الصَّلٰاةَ فَاذْكُرُوا اللّٰهَ قِيٰاماً وَ قُعُوداً وَ عَلىٰ جُنُوبِكُمْ «4» و معنى الآية ان الصحيح يصلى قائما و المريض يصلى قاعدا و من لم يقدر ان يصلى قاعدا صلى مضطجعا و يومى بإيماء فهذه رخصة جاءت بعد العزيمة «5».

فهذه الاخبار مع الاخبار الآتية تدل على وجوب القعود بعد القيام.

و انما الكلام في المراتب التي بعدها، [القعود]

و هي تقدم الاضطجاع على الاستلقاء،

و في الاضطجاع تقدم الأيمن على الأيسر.

______________________________

(1) الوسائل باب 1 حديث 5 من أبواب القيام ج 4 ص 690.

(2) سورة البقرة، الآية 238.

(3) سورة البقرة، الآية 239.

(4) سورة النساء، الآية 103.

(5) الوسائل باب 1 حديث 22 من أبواب القيام ج 4 ص 693.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 154

و بالجملة أفعال الصلاة من حيث الهيئات تنقسم إلى أمور (الأول) القيام، (الثاني) الجلوس، (الثالث) الاضطجاع (الرابع) الاستلقاء، و الفتوى قد استقر على لزوم مراعاة المراتب الأربع من حيث الترتيب فهنا أربع مسائل:

(الأولى): هل التكليف بعد العجز عن القعود، هو الاضطجاع ثم الاستلقاء أم لا؟

(الثانية) هل الاستلقاء مقدم على سائر الهيئات التي بعد الاستلقاء أم لا؟

(الثالثة) هل بين الهيئات الأخر بعد العجز عن القعود و الاضطجاع و الاستلقاء ترتيب أم لا؟

(الرابعة) هل الاضطجاع على الأيمن مقدم على الأيسر أم لا؟

إذا عرفت هذا (فتارة) يبحث بمقتضى القاعدة (و اخرى) بمقتضى الأدلة التعبدية.

فنقول: (اما الأولى) فمقتضى القاعدة- بعد ضميمة ما يستفاد من الاخبار من لزوم مراعاة الاستقبال ما دام الإمكان بالخصوص من اخبار المسألة- هو تقدم الاضطجاع على الاستلقاء لان فيه يكون التوجيه إلى القبلة الذي أمر به بقوله تعالى وَ حَيْثُ مٰا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ «1»، محفوظة، بخلاف الاستلقاء و يؤيده الاخبار و عليه العمل.

(و اما الثانية) فيمكن ان يقال أيضا ان المستفاد من روايات هذا الباب و الاخبار الواردة في توجيه المحتضر نحو القبلة و توجيه

______________________________

(1) سورة البقرة، الآية 144.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 155

الميت في المغتسل بل الأخبار الواردة في الصلاة على سطح الكعبة «1» هو كون الاستلقاء بحيث يكون رجلاه إلى القبلة نحو من الاستقبال بضميمة ما ذكرناه من لزوم

مراعاة الاستقبال، فيكون الاستلقاء مقدما على سائر الهيئات بمقتضى القاعدة.

و يمكن ان يقال: ان ظاهر قوله تعالى وُجُوهَكُمْ الآية «2» ان المعتبر استقبال الوجه و المفروض عدم التمكن من هذا المعنى فيسقط شرطية الاستقبال فيتخير بينه و بين سائر المراتب.

هذا و لكن لا بد من القول الأول و اختياره، و ان كان إثباته بمقتضى القاعدة غير مستقيم لدلالة الأخبار عليه و عليه عمل المشهور.

(و اما الثالثة) فمقتضى القاعدة هو التخيير و ليس هنا خبر دال على خلاف مقتضاها.

(و اما الرابعة) فليس هنا قاعدة تقتضي تقدم الاضطجاع على الأيمن على الأيسر، و لو قيل به فلا بد من التعبد.

و الذي يمكن ان يستند اليه خبران: (أحدهما) مرسلة الصدوق رحمه اللّٰه في الفقيه، قال: قال رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و آله: المريض يصلى قائما، فان لم يستطع صلى جالسا، فان لم يستطع صلى على جانبه الأيمن، فان لم يستطع صلى على جانبه الأيسر، فان لم

______________________________

(1) كرواية عبد السلام بن صالح عن الرضا عليه السلام في الذي تدركه الصلاة و هو فوق الكعبة، قال: ان قام لم يكن له قبلة و لكن يستلقي على قفاه و يفتح عينيه الى السماء و يعقد بقلبه القبلة في السماء البيت المعمور و يقرأ فإذا أراد ان يركع غمض عينيه و إذا أراد ان يرفع رأسه فتح عينه و السجود على نحو ذلك.

(2) سورة البقرة، الآية 144.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 156

يستطع استلقى و أومى إيماء و جعل وجهه نحو القبلة و جعل سجوده اخفض من ركوعه «1».

(ثانيهما) رواية عمار عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام، قال: المريض إذا لم يقدر ان يصلى قاعدا كيف قدر صلى اما

ان يوجه فيومئ إيماء و قال: يوجّه كما يوجّه الرجل في لحده و ينام على جانبه (جنبه، خ ل) الأيمن، ثم يومى بالصلاة، فان لم يقدر ان ينام على جنبه الأيمن فكيف ما قدر، فإنه له جائز و ليستقبل بوجهه القبلة ثم يومى بالصلاة إيماء «2».

و تقريب دلالتها على المراتب الأربعة ان يقال: انه عليه السلام فرض ان المريض لم يكن يقدر على القيام فيكون وظيفته القعود، و قد فرض عليه السلام أيضا عدم قدرته على القعود أيضا فيصلى حينئذ كيف قدر و يكون قوله عليه السلام: (اما ان يوجه فيومئ إيماء) بيانا لقوله عليه السلام: (كيف قدر صلى) من حيث كيفية إتيان الصلاة من حيث هيئة المصلى بعد العجز عن القعود و بعد العجز عن ذلك أيضا فكيف ما قدر.

و قوله عليه السلام (فكيف ما قدر فإنه له جائز) يدل على المطلوب فإنه (اما) ان يكون المراد هو الاضطجاع على الأيسر أو الاستلقاء أو كلاهما.

(فعلى الأوّل): و الأخير دلالتهما على تقدم الأيمن على الأيسر واضحة.

(و على الثاني): أيضا يثبت المطلوب، فان المدعى هو تقدم الأيمن على الأيسر لا التخيير، و لا العكس و لا تقدم الاستلقاء على أحدهما أو كليهما كما لا يخفى.

______________________________

(1) الوسائل باب 1 حديث 15 من أبواب القيام ج 4 ص 692.

(2) المصدر، الحديث 10 ص 691.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 157

فهذه الرواية- مع اضطرابها- تدل على المطلوب و هو الترتيب بين الأيمن و الأيسر.

فما يظهر من بعض الفقهاء كالعلامة رحمه اللّٰه في بعض كتبه من القول بالتخيير، خلاف الاحتياط، بل يمكن القول بتعينه بعد انجبار ضعف الخبرين بالعمل.

فتحصل انه في غير مسألة تقديم الأيمن على الأيسر، لا يحتاج

الى الدليل، بل مقتضى القاعدة ذلك فضلا عن ورود الأخبار الكثيرة كما أشرنا اليه.

و اما فيها فليس في المقام إلّا مرسلة الصدوق و خبر عمار المتقدمتين، و ليس تعيين العمل- بعد الانجبار- ببعيد.

نعم في المعتبر رواية عبّر عنها برواية حماد، و لا تحتاج حينئذ إلى الانجبار، مضافا الى كونها أوضح دلالة على المطلوب.

قال في المعتبر: و عن حماد، عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام، قال المريض إذا لم يقدر ان يصلى قاعدا يوجّه الرجل في لحده و ينام على جانبه الأيمن ثم يومى بالصلاة، فان لم يقدر على جانبه الأيمن فكيف ما قدر فإنه جائز و يستقبل بوجهه إلى القبلة ثم يومى بالصلاة إيماء «1».

لكن الظاهر انها هي رواية عمار و اشتبه في النسخ ب (حماد) فمبالغة صاحب الحدائق رحمه اللّٰه في الطعن على من نسب الاشتباه الى المحقق مبنية على القطع بكون نسخة المحقق قدس سره صحيحة لا اشتباه فيها.

______________________________

(1) راجع المعتبر، في البحث عن القيام- عند قوله قدس سره:

مسألة و من عجز عن القعود (الى قوله): و لما رواه أصحابنا عن حماد الى آخره، ص 170 الطبع الحجري.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 158

(و ما قيل): من انه كانت الجوامع الأولية موجودة عند المحقق و لا داعي لتبديل لفظة (عمار) ب (حماد) فلا محالة تكون هذه غير تلك، لا وجه له بعد ما ذكرنا من إمكان الاشتباه في النسخ، فان مجرد وجود الجوامع الأولية لا يوجب عدم تحقق الغلط في نسخ الكتاب فيبعد كل البعد تعدد الروايتين.

و كيف كان فالرواية- بمقتضى قوله عليه السلام: اما ان يوجه فيومئ إيماء) حيث انه عليه السلام بصدد بيان مراعاة الاستقبال- دالة على تقديم الأيمن على

الأيسر ثم الاستلقاء، فان قوله عليه السلام: (فان لم يقدر ان ينام على جانبه الأيمن فكيف ما قدر، الى آخره) بقرينة قوله عليه السلام- بعد هذا الكلام-: (و ليستقبل جانب القبلة) ظاهر في إرادة مراعاة الاستقبال ما أمكن، و الحاصل ان تأخر الاستلقاء عن الأيسر مراعاة للاستقبال مسلّم بمقتضى القاعدة و الاخبار، و المفروض ان الاضطجاع على الأيمن هو بعد العجز عن القعود فيلزم تقدمه على الاضطجاع على الأيسر للنص، و بعد العجز عن الاضطجاع على الأيمن اما ان يستلقي- و هو مخالف للاعتبار الذي هو لزوم مراعاة الاستقبال و المفروض ان مراعاة الاستقبال في الاضطجاع على الأيسر أولى، و لازمة لزوم الصلاة على الأيسر مقدما على الاستلقاء، فتأمل جيدا.

مسألة 2- هل حد العجز هو التعذر و عدم إمكان القيام أو المشقة العرفية التي لا تتحمل عادة؟

الظاهر هو الثاني، و لا مخالف فيه على الظاهر، و قد روى في ذلك عن الأئمة الأطهار عليهم السلام

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 159

بأن الإنسان على نفسه بصيرة أو هو اعرف، و غير ذلك بعد السؤال عن حد العجزى «1».

لكن روى سليمان بن حفص المروزي «2» عن الفقيه عليه السلام قال: المريض انما يصلى قاعدا إذا صار بالحال التي لا يقدر فيها على المشي مقدار صلاته الى ان يفرغ قائما «3».

و هي محتملة لوجوه: (أحدها) ان يكون المراد ان العجز عن المشي بمقدار إتيان الصلاة تمام الملاك لجواز الإتيان قاعدا و حينئذ فيكون حد العجز عدم قدرته على المشي مقدار الصلاة، لا عدم قدرته على القيام حال الصلاة.

______________________________

(1) الوسائل باب 6 من أبواب القيام ج 4 ص 698.

(2) الظاهر انه كان من أهل العلم و كان يحضر في مجلس المأمون الممهّد لمناظرة الفقهاء مع على بن موسى الرضا عليهما السلام على ما

نقله محمد بن على النوفلي، و له روايات تقرب أربعين حديثا و لم يصرح في أكثرها بمن يروى عنه، بل يعبر تارة ب (الفقيه) و اخرى ب (الرجل) و يحتمل ان يكون رواياته عن الرضا عليه السلام أو عن أبي الحسن الهادي عليه السلام، لا مكان ان يكون قد أدرك زمانهما عليهما السلام و عدم التصريح باسم المروي عنه انما هو للتقية خصوصا في زمن الهادي عليه السلام خوفا من المتوكل لعنه اللّٰه و كان الرواة في زمانه عليه السلام معدودين و صنف جماعة لعليّ بن مهزيار كتبا مسماة بأسماء الرجال الذين كانوا يروون عنه و هو غير سليمان بن جعفر بن أبي طالب الذي هو من الشرفاء- منه دام ظله العالي.

(3) الوسائل باب 5 حديث 4 من أبواب القيام ج 4 ص 699.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 160

(ثانيها) ان المراد ان العجز عن المشي بمقدار الصلاة شرط زائد على اشتراط العجز عن القيام في انتقال الوظيفة إلى القعود فهو تضييق بالنسبة إلى المكلفين، و حاصله انه يشترط في الانتقال أمران (أحدهما) العجز عن القيام (ثانيهما) العجز عن المشي مقدار الصلاة و لا يكفى تحقق أحدهما دون الآخر.

(ثالثها) كون تمام الملاك هو العجز عن الصلاة قائما، لكن حيث انه ملازم وجودا مع العجز عن المشي مقدار الصلاة عبر عنه بهذا فالملاك حقيقة هو العجز عن القيام.

(رابعها) ان يكون المراد ان الصلاة قائما سواء كان واقفا مستقرا أو ماشيا متقدمة على الصلاة قاعدا كما افتى بذلك، العلّامة على ما سيأتي في المسألة اللاحقة تفصيله في التذكرة، و نقل عن المفيد رحمه اللّٰه أيضا.

إذا عرفت هذا فنقول: لا إشكال في ان بين العجز عن الصلاة

قائما و بين العجز عن المشي مقدار الصلاة الى ان يفرغ منها عموما من وجه وجودا و لو كانتا متباينتين مفهوما، و ذلك بأنه قد يكون المريض بحيث لا يمكن معه القيام حال الصلاة، لكنه يقدر على المشي كثيرا، و قد يكون بالعكس و قد يكون معه عاجزا عن كليهما و هو واضح.

و لعل الوجه الأخير بحسب مدلول الرواية أقرب الوجوه، و ذلك لفساد الوجه الأول فإنه لو كان تمام الملاك- في انتقال القيام الى القعود- هو العجز عن المشي بمقدار إتيان الصلاة يلزم الحكم بصحتها في صورة القدرة على القيام و عدم القدرة على المشي بمقدار الصلاة و هو

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 161

و كذلك الوجه الثاني لاستلزامه ان يكون المكلف وظيفته إتيان الصلاة قائما و لو كان عاجزا عنه إذا كان عاجزا عن المشي مقدار الصلاة.

و اما الوجه الثالث: فلعدم الملازمة الوجودية بينهما كما بيّناه هذا مضافا الى شهادة الوجدان بعدم حسن هذا التعبير في مقام أداء مثل هذا المعنى مع إمكان التعبير بأحسن منه، و هو ما عبر به في الروايات الأخر.

و اما الوجه الرابع فهو بالنسبة إلى الوجوه المذكورة، لكن الفتوى بها بذلك المعنى نادر كما يأتي في المسألة اللاحقة.

مسألة 3- إذا دار الأمر بين الصلاة قائما ماشيا أو قاعدا مستقرا فهل يتعين عليه الأول أو الثاني؟

وجهان، بل قولان.

ذهب الى أولهما العلّامة في التذكرة، و ذهب جماعة من المتأخرين منهم صاحب الجواهر رحمه اللّٰه الى الثاني.

و يمكن ان يستدل للأول بإطلاق الأخبار الدالة على تقدم الصلاة قائما على الصلاة قاعدا سواء كان قادرا مع المشي أو بدونه.

و لا يصح الاستناد إلى رواية سليمان بن حفص المروزي المتقدمة «1» فإنها و ان كانت- بعد ضعف الوجوه الثلاثة المتقدمة- موجبة للظن بالوجه الرابع الا انه ظن

خارجي غير مستند الى الظهور اللفظي كما لا يخفى.

و للثاني «2» بعدم صدق الصلاة عرفا حال المشي اللهم الا ان يقال- بعد وجود النص و الفتوى بجواز إتيان الصلاة النافلة قائما

______________________________

(1) الوسائل باب 5 حديث 4 من أبواب القيام، كما تقدم.

(2) عطف على قوله قدس سره: للأول بإطلاق، الى آخره.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 162

و عدم كون هذا الاستعمال مجازا-: لا وجه لهذه الدعوى.

نعم يمكن ان يقال: ان هنا شرطين (أحدهما) الاستقرار (ثانيهما) القيام، و لا ترجيح لأحدهما على الآخر فيتوقف في تقديم أحدهما على الأخر إذا لم يحرز المرجح، فاللازم الاحتياط الا ان يقال ان للقيام بدلا بخلاف الاستقرار إذ ليس له بدل.

(ان قلت): للاستقرار أيضا بدل، و هو عدم اشتراطه بمعنى ان نفس عدم الاشتراط بدل عن القيام عند العجز فلا فرق.

(قلت): فرق بين البدل في الأول و بينه في الثاني، فإنه في الأول عنوان القعود، و عنوان الاضطجاع، بخلافه في الثاني، فإن غاية الأمر حينئذ سقوط شرطية الاستقرار و هو لا يكون عنوانا من العناوين الموضوعة لها حكم شرعي، كما في القعود و الاضطجاع.

و قد يستدل للثاني،- كما في الجواهر- بان معنى القيام هو الوقوف الغير الصادق مع المشي أصلا و الدليل على انه كذلك ذكر الفقهاء الطمأنينة شرطا في الركوع و السجود و لم يذكروه في القيام مع انه شرط إجماعا بلا اشكال و ليس له وجه الا كونه مأخوذا في مفهومه فيستغنى عن ذكره بذكر القيام، و يؤيده أمور: (الأول) ما ورد من ان سيد الساجدين سلام اللّٰه عليه إذا قام إلى الصلاة لم يتحرك منه الا ما حركته الريح (الثاني) اتصاف القيام بالطول بقولنا، مثلا: فلان

يطيل القيام (الثالث) ما ذكروه من استحباب الفصل بين الرجلين في حال القيام بمقدار ثلاث أصابع أو شبر، فلو لم يكن القيام هو الوقوف في مقابل المشي لا مورد لهذا المستحب في الصلاة ماشيا «1».

______________________________

(1) لا بدّ من ان ينبه بان ما بيّنه الأستاذ الأعظم أدام اللّٰه ظله ليس هو عين عبارة الجواهر، بل بيّنه نقلا الى المعنى و نعم ما بيّنه و لذا لا يرد عليه إيراد التقديم و التأخير في المؤيدات.

ثم ان صاحب الجواهر استشهد بعده بمنظومة السيد بحر العلوم فقال رحمه اللّٰه: قال العلامة الطباطبائي:

لا تصح الصلاة في اختيار الا من الثابت ذي القرار

و ذاك في القيام و القعود فرض و في الركوع و السجود

يعم حال فرض تلك الأربعة و الندب بالإجماع في فرض السعة

و هي بمعنى الشرط في المندوب

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 163

(و فيه) ان وجه ذكر الفقهاء الطمأنينة شرطا للركوع و السجود دون القيام، لا لما ذكره رحمه اللّٰه، بل باعتبار ان الركوع و السجود عبارة عن هيئة مخصوصة بين الحركتين و حيث انهما مسبوقان و ملحوقان بالحركة، فلا بد من ذكره كي لا يتوهم ان مجرد هاتين الحركتين كافيتان في تحققهما، بل يعتبر الوقوف و الطمأنينة.

و يؤيده أنهم يذكرون أن الطمأنينة بمقدار الذكر الواجب واجبة يريدون به ان الراكع و الساجد بعد وصوله الى حد الركوع أو السجود لا بدّ ان يكون مطمئنا بمقدار الذكر الواجب بحيث لا يكون مقدماتهما محسوبا منه، فيظهر منه ان هذا الاعتبار بملاحظة مسبوقيتهما و ملحوقيتهما بالحركة لا لأن الطمأنينة تكون بنفسها معتبرة في قوام القيام بحيث لو لم يكن معها لم يصدق عليه انه قام، فان القيام

حالة بسيطة غير مسبوقة بالحركة يتحقق مع الاطمئنان ابتداء.

فهذا الاستدلال ضعيف لا شاهد له.

فيرجع الكلام الى دعوى الانصراف، و هي ممنوعة بعد شيوع استعمال الصلاة ماشيا في الخارج كما في النافلة.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 164

(و لا يتوهم) ترجيح القيام ماشيا، بإطلاق دليل القيام بان يقال:

ان دليل القيام مطلق فيشمل ما إذا عجز عن الوقوف و قام ماشيا و المفروض ان القعود متأخر عن القيام بجميع مصاديقه.

(و بعبارة أخرى): قوله تعالى الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّٰهَ قِيٰاماً وَ قُعُوداً وَ عَلىٰ جُنُوبِهِمْ وَ يَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمٰاوٰاتِ وَ الْأَرْضِ الآية «1» بضميمة الأخبار الواردة في تفسيرها، ظاهرة في ترتب المراتب الثلاث بعضها على بعض، لا ينتقل إلى المرتبة اللاحقة مع التمكن إلى المرتبة السابقة و المفروض إمكان الصلاة قائما و لو بالمشي، هذا «2».

و اما الاحتياط بالجمع كما يظهر من العروة الوثقى للسيد المرحوم محمد كاظم الطباطبائي (ره) فلا وجه له، لان على الفقيه ان يحتال و يتدبر كي يرفع الحرج عن المريض كما رفعه الشارع عنه برفع اليد عن شرط القيام.

مسألة 4-: لو تمكن من القيام في بعض الصلاة دون بعضها الآخر

و دار الأمر بين القيام في ابتدائها و الجلوس في آخرها أو العكس ففي تقديم أيهما؟ وجهان، بل قولان، افتى بالثاني السيد رحمه اللّٰه في حاشية نجات العباد و احتاط الآخوند الخراساني رحمه اللّٰه و المشهور بين من تعرض للمسألة، هو الأول و هو الأقوى لان مقتضى أدلة اعتبار القيام في الصلاة هو ملاحظة التكليف الفعلي بحسب حاله لا التقديري كما لا يخفى و هو واضح.

______________________________

(1) سورة آل عمران، الآية 191.

(2) و اعلم ان سيدنا الأستاذ مد ظله العالي لم يتعرض للجواب عن الأخيرين لعلّه لوضوح ضعفهما، فان مجرد اتصاف قيام زين العابدين

عليه السلام بما ذكر لا تدل على ان مفهوم القيام مأخوذ فيه الاستقرار و الوقوف بل لا اشعار فيه أصلا، و ان حكم الفقهاء بالاستحباب المذكور معلوم انه إذا كان وظيفته القيام لا مطلقا كما في كثير من الأحكام المختصة بالصلاة قائمة- المقرّر.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 165

فصل في أفعال الصلاة [في تكبيرة الإحرام]
اشارة

و اعلم انا قد ذكرنا مرارا ان الصلاة مركبة من هيئات و أقوال.

و الهيئات أربعة: (أحدها) القيام بجميع مراتبه (ثانيها الى رابعها) الركوع و السجود و الجلوس ليست الصلاة بعنوانها امرا حادثا بل هي كما كانت في هذه الشريعة كانت في أوائل البعثة و ان لم يكن النبي صلى اللّٰه عليه و آله مأمورا بالابلاغ كما يحكى عن ابن عباس انه كان مع عدة من مشركي العرب جالسين، فإذا رأوا النبي صلى اللّٰه عليه و آله مع غلام و امرأة يصلون خلفه صلى اللّٰه عليه و آله فسألوا عنه؟ فقال ابن عباس: ان هذا ابن أخي يدعى انى مبعوث و هذه عبادتي أمرت بها «1».

و كيف كان و قد وردت في كتب العامة و الخاصة صلوات بيانية تشتمل على جل أركانها.

(فمنها) ما ورد في صحيحة حماد بن عيسى الطويلة «2» المشتملة

______________________________

(1) راجع خصائص مولانا أمير المؤمنين على بن أبي طالب للحافظ أبي عبد الرحمن المتوفّى 303 ص 2 طبع قاهرة.

(2) على بن إبراهيم، عن أبيه، عن حماد بن عيسى، قال: قال لي أبو عبد اللّٰه عليه السلام يوما: يا حماد، تحسن ان تصلى؟ قال:

فقلت: يا سيدي أنا أحفظ كتاب حريز في الصلاة، فقال: لا عليك يا حماد قم فصلّ، قال: فقمت بين يديه متوجها الى القبلة، فاستفتحت الصلاة فركعت و سجدت، فقال: يا حماد

لا تحسن ان تصلى، ما أقبح بالرجل منكم يأتي عليه ستون سنة أو سبعون سنة فلا يقيم صلاة واحدة بحدودها تامة، قال حماد: فأصابني في نفسي الذل، فقلت: جعلت فداك فعلمني الصلاة، فقام أبو عبد اللّٰه عليه السلام مستقبل الصلاة منتصبا فأرسل يديهما جميعا قد ضم أصابعه و قرّب بين قدميه حتى كان بينهما قدر ثلاث أصابع منفرجات و استقبل بأصابع رجليه جميعا القبلة لم يخرجهما عن القبلة، و قال- بخشوع-: اللّٰه أكبر، ثم قرء الحمد بترتيل و: قل هو اللّٰه، ثم صبر هنيئة بقدر ما يتنفس و هو قائم ثم رفع يديه حيال وجهه و قال: اللّٰه أكبر و هو قائم ثم ركع و ملأ كفيه من ركبتيه منفرجات و ردّ ركبتيه الى خلفه حتى استوى ظهره حتى لو صب عليه قطرة من ماء أو دهن لم تنزل لاستواء ظهر و مد عنقه و غمض عينيه ثم سبح ثلاثا بترتيل فقال: سبحان ربى العظيم و بحمده ثم استوى قائما فلما استمكن من القيام قال: سمع اللّٰه لمن حمده ثم كبر و هو قائم و رفع يديه حيال وجهه ثم سجد و بسط كفيه مضمومتي الأصابع بين يدي ركبتيه حيال وجهه فقال: سبحان ربّي الأعلى و بحمده ثلاث مرات و لم يضع شيئا من جسده على شي ء منه و سجد على ثمانية أعظم، الكعبين و الركبتين و أنامل إبهامي الرجلين، و الجبهة و الأنف، و قال: سبعة منها فرض يسجد عليها و هي التي ذكرها اللّٰه في كتابه فقال وَ أَنَّ الْمَسٰاجِدَ لِلّٰهِ فَلٰا تَدْعُوا مَعَ اللّٰهِ أَحَداً و هي الجبهة و الكفان و الركبتان و الإبهامان، و وضع الأنف على الأرض سنة، ثم رفع

رأسه من السجود فلما استوى جالسا قال: اللّٰه أكبر ثم قعد على فخذه الأيسر و قد وضع ظاهر قدمه الأيمن على بطن قدمه الأيسر و قال: استغفر اللّٰه ربّى و أتوب إليه ثم كبر و هو جالس و سجد الثانية و قال كما قال في الاولى و لم يضع شيئا من بدنه على شي ء في ركوع و لا سجود و كان مجنحا و لم يضع ذراعيه على الأرض فصلى ركعتين على هذا و يداه مضمومتا الأصابع و هو جالس في التشهد، فلما فرغ من التشهد سلم فقال: يا حماد هكذا فصل، الوسائل باب 1 حديث 1 من أبواب أفعال الصلاة ج 4 ص 673.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 166

على جملة من الواجبات و المندوبات للصلاة، و على تلك الهيئات و الأقوال المخصوصة و تصدق عليها صدقا عرضيا لا ذاتيا، لان الذاتي لا يتخلف، مع انه قد يصدق الصلاة على الفاقدة لبعض تلك الهيئات

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 167

و الأقوال كصلاة المؤمى، بل قد تصدق على الفاقدة للإيماء أيضا كما في صلاة الغرقى و نحوها.

فترتب جواز التمسك بالإطلاق و عدمه على مسألة الصحيح و الأعم في غير محله لان التمسك انما هو فيما إذا كان الإطلاق في مقام بيان أجزاء الماهية و المفروض ان الشارع قد بين مستقلا شرائطها و اجزائها.

تكبيرة الافتتاح و كيف كان فمن الافعال «1» تكبيرة الافتتاح و مجموع التكبيرات التي في الصلوات الخمسة- مع قطع النظر عن تكبيرات القنوتات-

______________________________

(1) و لعل وجه عدّ تكبيرة الافتتاح من الافعال مع انها قول ارادة الفعل الأعم مما صدر من اللسان، و اللّٰه العالم.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 168

تسعون،

و معها خمسة و تسعون في كل واحدة من الركعات خمس تكبيرات قبل الركوع و بعده، و قبل السجود و بعده، و الهوى للسجود الثاني و للرفع منه.

ففي الصبح أحد عشر تكبيرة مع تكبيرة الافتتاح، و في المغرب ستة عشر، و في الظهرين و العشاءين أحد و عشرون.

فهل هي واجبة كلها أو غير واجبة كلها أو تكون تكبيرة الافتتاح واجبة دون غيرها؟ المشهور بين العامة و الاتفاق بين الخاصة هو الثالث.

و ذهب بعض الى وجوبها كلها، و بعض آخر نادر الى عدم وجوب شي ء منها.

و الاخبار الواردة في ان الصلاة تحريمها التكبيرة و تحليلها التسليم كثيرة فلا حاجة الى ذكر دليل أزيد من هذه، هذا.

مضافا الى تسلم أصل الحكم بين الإمامية.

و يستحب أيضا تقديم جميع التكبيرات بعد القراءة قبل الركوع و ثمرته انه لو نسيها يحصل الكمال الذي كان يحصل لو اتى بكل واحد منها في محلّه.

نعم يستحب الست غير تكبيرة الافتتاح

مع الأدعية المأثورة بين التكبيرات، و لا كلام في أصل استحباب هذه التكبيرات.

و انما البحث و الكلام في ان ما هو تكبيرات الافتتاح،
اشارة

هل هي الأولى كما نسب الى السيد المرتضى رحمه اللّٰه و أبي الصلاح الحلبي و سلّار بن عبد العزيز (أو) الأخيرة كما نسب الى الشيخ البهائي رحمه اللّٰه و صاحب الحدائق و السيد نعمة اللّٰه الجزائري (أو) المصلى مخيّر

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 169

في جعلها ايها شاء و الباقي مستحبا كما هو المشهور على ما نسب إليهم (أو) كون ما يفتتح بها الصلاة هو المجموع من حيث المجموع فان اتى بالواحد فبالواحدة و ان اتى بالاثنين فبالاثنين و ان اتى بالثلاث فبالثلاث و ان اتى بالخمس فبالخمس و ان اتى بالسبع فبالسبع، كما ذهب إليه المجلسي الأول عليه الرحمة؟ وجوه.

قد يستظهر الأخير من رواية زرارة قال: رأيت أبا جعفر عليه السلام قال: سمعته استفتح الصلاة بسبع تكبيرات ولاء «1».

فان الظاهر ان الاستفتاح وقع بمجموع السبع.

(و فيه) انه حكاية فعل لا ظهور فيه.

نعم يمكن ان يستظهر ذلك من رواية أبي بصير عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام، قال: إذا افتتحت الصلاة فكبّر إن شئت واحدة و ان شئت ثلاثا و ان شئت خمسا و ان شئت سبعا و كل مجز عنك غير انك إذا كنت اماما لم تجهر إلا بتكبيرة «2».

فإن معنى ظاهره انك مخير في ما به يفتتح الصلاة بين الواحدة و الثلاث و الخمس و السبع فبأيهما افتتحت يكون، فكما انه إذا افتتح بواحدة يكون الافتتاح بإتمام التكبيرة، فكذلك غيره من الأقسام.

و قد يستدل لها على قول المشهور حيث ان الظاهر ان الأمر بالإجهار عند كونه اماما باعتبار انه يوجب توجه المأمومين بأنه كبر فيكبروا فبأيها اجهر تكون

تلك هي تكبيرة الافتتاح.

(و فيه) انه يمكن ان يقال: بعد كون المسألة من متفردات الإمامية ان الأمر بالإجهار للتكبيرة لعله للتقية فلا دلالة فيها على بيان الحكم

______________________________

(1) الوسائل باب 7 حديث 2 من أبواب تكبيرة الإحرام ج 4 ص 721.

(2) المصدر، الحديث 3.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 170

الواقعي كي يؤخذ بإطلاقه الا ان يقال: بدلالة بعض الاخبار على ان ذلك فعل النبي صلى اللّٰه عليه و آله و لا معنى لحمل فعله (ص) على التقية.

فحينئذ لا يبعد ان يستدل بذلك على قول المشهور بان يقال:

ان الامام إذا اجهر بتكبيرة و المفروض ان المأمومين يأتمّون بعد تكبيرة الافتتاح يلزم فيما إذا اجهر بغير الأخيرة ان يكون المأمومون قد ائتمّوا قبل دخول الإمام في الصلاة بخلاف ما إذا جعلنا ما اجهر به تكبيرة الافتتاح فتكون الرواية ردّا للقول الأخير.

و الحاصل ان الاستدلال يتوقف على أمور (الأول) إطلاق قوله عليه السلام (يجهر بتكبيرة) (الثاني) كون الجهر بها لتوجيه المأمومين لا للتقية (الثالث) عدم جواز الاقتداء قبل إتمام التكبيرة كما ذهب الشيخ رحمه اللّٰه و تبعه عدة ممن تأخر عنه و تسلم الأمور الثلاثة يكون ردا على القول الرابع.

ثم ان تحرير محل النزاع يمكن بوجهين: (أحدهما) في الحكم التكليفي بمعنى وجوب تعيين التكبيرة في واحد منها فذهب السيد رحمه اللّٰه الى وجوب تعيينها في الأخيرة، و الشيخ البهائي رحمه اللّٰه في الاولى، و المجلسي رحمه اللّٰه بالمجموع، و المشهور الى التخيير.

فحينئذ لو لم يعين أصلا فعلى قول السيد و الشيخ البهائي رحمهما اللّٰه يحتمل البطلان «1»، نظرا الى عدم التعيين، و يحتمل الصحة نظرا الى ان التعيين انما كان حكما تكليفيا، و الا فالاخيرة تصير تكبيرة

الافتتاح مطلقا على الأول، و الاولى على الثاني، و البطلان على

______________________________

(1) حبل المتين: كتاب الصلاة باب الأذان ص 202.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 171

المشهور، و الصحة على الثاني.

(ثانيهما) ان يقع البحث في صيرورتها تكبيرة الافتتاح من غير حاجة الى التعيين هذا و لكن الظاهر ان القول بالتخيير المنسوب الى المشهور لا أصل له بعد المراجعة إلى كلماتهم و التأمل فيها و لا بأس بالإشارة إلى جملة منها.

قال المفيد عليه الرحمة في المقنعة: و ليستفتح الصلاة بالتكبير فيقول: (اللّٰه أكبر) و يرفع يديه مع تكبيرة حيال وجهه و قد بسط كفه و ضم أصابع كل كف من يديه و فرق بين إبهاميه و مسحتيه، و لا تجاوز بأطراف أصابعه في رفعها للتكبير شحمتي أذنيه، و ليرسلهما مع آخر لفظه بالتكبير الى فخذيه، ثم يرفعهما و يكبر تكبيرة أخرى كالأولى و يرسلهما مع فخذيه و يكبر تكبيرة ثالثة، رافعا يديه بها حيال وجهه كما تقدم ذكره ثم يرسل يديه حسب ما وصفناه مع جنبيه الى فخذيه و يقول: اللّٰهمّ أنت الملك الحقّ المبين، الى آخره (الى ان قال): ثم يكبر تكبيرة رابعة يرفع بها يديه ثم يرسلهما، و يكبر اخرى ليكمل بها خمس تكبيرات و يرسلهما و يقول: (لبّيك و سعديك) الدعاء (الى ان قال): ثم يكبر تكبيرتين آخريتين أحدهما بعد الأخرى كما قدمناه و يقول: (وجّهت وجهي للّذي فطر السّماوات و الأرض) (انتهى).

و قال أيضا- في باب تفصيل احكام ما تقدم ذكره في الصلاة، الى آخره-: و التوجه بالتكبيرات السبع على ما ذكرناه في أول كلّ فريضة سنّة من تركه فيها أو غيرها من النوافل و اقتصر من جملته على تكبيرة الافتتاح أجزأه

ذلك.

و قال الشيخ عليه الرحمة:- في النهاية- إذا أردت الدخول

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 172

إلى الصلاة بعد دخول وقتها فقم مستقبل القبلة بخشوع و خضوع و أنت على ظهر ثم ارفع يديك بالتكبير حيال وجهك و لا تجاوز بهما طرفي أذنيك ثم أرسلها على فخذيك حيال ركبتيك ثم ارفع يديك مرة أخرى بالتكبير و افعل كما فعلت في الأول ثم ارفعهما ثالثا، و اصنع كما صنعت في الأوليين، فإذا كبرت ثلاث تكبيرات فقل: اللّٰهمّ أنت الملك الحقّ الدعاء، (الى ان قال): ثم يكبّر تكبيرتين آخرتين و تقول: لبيك و سعديك، الدعاء (الى ان قال): ثم يكبر تكبيرتين ثم تقول: وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمٰاوٰاتِ وَ الْأَرْضَ حَنِيفاً وَ مٰا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ إِنَّ صَلٰاتِي وَ نُسُكِي وَ مَحْيٰايَ وَ مَمٰاتِي لِلّٰهِ رَبِّ الْعٰالَمِينَ لٰا شَرِيكَ لَهُ وَ بِذٰلِكَ أُمِرْتُ وَ أَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ «1» (انتهى).

و قال السيد المرتضى عليه الرحمة في الانتصار: و مما تفردت به الإمامية، القول باستحباب افتتاح الصلاة بسبع تكبيرات يفصل بينهنّ بتسبيح و ذكر اللّٰه عز و جل مسطور، و انه من السنن المؤكدة و ليس أحد من باقي الفقهاء يعرف ذلك، و الوجه في ذلك إجماع الطائفة أيضا (انتهى موضع الحاجة من كلامه).

______________________________

(1) و قريب منها عبارة الصدوق رحمه اللّٰه في المقنع و عبارة سلّار في المراسم و ذكر ابن إدريس في السرائر مثل عبارة النهاية كما هو دأبه، نعم قد يوضحه بتخليط منه و لذا احتمل ان يكون المراد من تعبير الشيخ محمود الحمصي عن ابن إدريس بالمخلّط هذا يعنى انه يخلّط في عبارات القوم توضيحات من قبله- منه دام ظله العالي.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2،

ص: 173

و قال- في الناصريات-: في مقام من استدل بقوله تعالى (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكّٰى وَ ذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلّٰى) على ان تكبيرة الافتتاح ليست من الصلاة، بتقريب ان المراد من قوله تعالى (وَ ذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ) هو تكبيرة الافتتاح و قد فرع عليه قوله تعالى (فَصَلّٰى) فيظهر منه ان الصلاة مشتملة على التكبيرة ما هذا لفظه و الجواب عن ذلك انا لا نسلم أن المراد بالذكر تكبيرة الافتتاح، بل لا يمنع ان يراد به الأذكار التي يؤتى بها قبل الصلاة من الخطبة و الأذان، على ان أصحابنا يذهبون إلى أنه مسنون للمصلي أن يكبر تكبيرات قبل تكبيرة الافتتاح التي هي من الفرض و ليست هذه التكبيرات من الصلاة فيجوز ان يحمل الذي تضمنت الآية على هذه التكبيرات (انتهى موضع الحاجة من كلامه زيد في علو مقامه).

و قال ابن حمزة في الوسيلة: و من النفل عشرة أشياء: التكبيرات الست، و الأدعية الثلاثة (انتهى موضع الحاجة).

و قال السيد أبو المكارم ابن زهرة في الغنية: فالتوجه و هو ان يكبر بعد الإقامة ثلاث تكبيرات يرفع مع كل واحدة منها يديه و يقول بعد هنّ: اللّٰهمّ أنت الملك الحقّ، (الدعاء) الى ان قال: ثم يكبر تكبيرتين و يقول: لبّيك و سعديك، الى آخره، (الى ان قال): ثم يكبر واحدة ينوي بعدها الدخول في الصلاة، و ان يقول بعد تكبيرة الإحرام وجّهت وجهي للّذي فطر السّماوات و الأرض حنيفا مسلما، الى آخره.

و قال- في باب ما يقارن حال الصلاة-: و المندوب ضربان فعل و كيفية، فالفعل أربعة و ثلاثون (الى ان قال): و التوجه بسبع تكبيرات واحدة منها تكبيرة الإحرام، و ثلاثة أدعية بينها (انتهى).

و عن القاضي في

المهذب: و اما الندب، فهو افتتاح الصلاة

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 174

بسبع تكبيرات منها تكبيرة الإحرام (انتهى).

هذه جملة من كلماتهم.

و الظاهر من كلمات المفيد عليه الرحمة بل الشيخ رحمه اللّٰه ان الصلاة يستفتح بها بالتكبير الأول معينا لا غير، فإنه لو كان الأمر على ما نسب إليهم من التخيير و اختار جعل التكبيرة الأخيرة تكبيرة الافتتاح لكان التكبيرات الست المتقدمة واقعة قبل الصلاة و هو خلاف ظاهر قول المفيد: (و يستفتح الصلاة بالتكبير فيقول: اللّٰه أكبر، الى آخره) و كذا خلاف ظاهر قول الشيخ رحمه اللّٰه أيضا: (إذا أردت الدخول إلى الصلاة، الى آخره) كما لا يخفى.

و بالجملة يستفاد منها نفى القول بالتخيير، و هو ظاهر القاضي أيضا حيث قال: افتتاح الصلاة بسبع تكبيرات، و كذا الوسيلة في الموضعين و كذا الغنية، فإن عنوان (التوجه) الوارد في كلماتهما ظاهر في التوجه إلى الصلاة، فلا يكون مخيرا في جعل الأخيرة من الصلاة، فتأمل.

و لا دلالة في قول الشيخ رحمه اللّٰه في النهاية- بعد عبارته المتقدمة-: و هذه التكبيرات السبع واحدة منها فريضة لا يجوز تركها و الباقي سنة و عبادة (انتهى) على التخيير كما لا يخفى.

بل مقتضى القاعدة هو كون التكبيرة الأولى هي الواجب و الباقي (الآخر، خ ل) سنّة، فان الماهية التي أحد أفرادها واجب و الفرد أو الافراد الأخر منها مندوب، إذا اتى بفرد منها من دون ان يعيّن أحدهما ينطبق عليه ما هو واجب لا محالة فيتحقق الامتثال بالنسبة الى الأمر الوجوبي.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 175

و الدليل عليه انه لو اقتصر على ما اتى به أولا لا يصح للمولى العقاب على ترك الأفراد الأخر كما لو كان

عليه درهمان لزيد أحدهما واجب و الآخر غير واجب فدفع اليه درهما برئت ذمته من الواجب و لو لم يقصده بالخصوص، نعم لو نوى خصوص المندوب لم يبرء ذمته.

و بالجملة ظاهر أكثر عبائرهم كون التكبيرة الأولى هي تكبيرة الافتتاح لا التخيير و لا الآخرة.

نعم ظاهر المراسم بل صريحه هو كون الأخيرة تكبيرة الافتتاح حيث قال: إذا زالت الشمس فليستقبل القبلة مفرغا قلبه من علائق الدنيا و يقف وقوف العبد ثم يكبر ثلاثا، رافعا يديه في كل تكبيرة (الى ان قال) ثم يكبر تكبيرتين و يقول: (لبيك) (الى ان قال): ثم يكبر تكبيرتين الثانية منها تكبيرة الافتتاح (انتهى موضع الحاجة من كلامه زيد في علو مقامه).

فتحصل من ذلك ان ما يستفاد من كلمات القوم أقوال ثلاثة

(أحدها) كون الأولى هي تكبيرة الافتتاح، و هو الظاهر من الشيخين و الغنية و الوسيلة و السرائر (ثانيها) كون الأخيرة هي تكبيرة الافتتاح و هو ظاهر المراسم، و السيد المرتضى في الناصريات، نقل- كما في المصباح- عن الكافي و أبي الصلاح الحلبي و قد عرفت انه لا دليل عليه من حيث الرواية.

(ثالثها): التخيير و لا اثر منه في كلماتهم «1»، نعم يمكن حمل كلام الشيخ المفيد و الشيخ الطوسي عليهما الرحمة، على ما اختاره

______________________________

(1) و ببالي أن سيدنا الأستاذ أدام اللّٰه ظله العالي نقل التصريح بالتخيير عن الشيخ عليه الرحمة في المبسوط فراجعه.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 176

المجلسي عليه الرحمة. من حصول الافتتاح بمجموع التكبيرات، بان يقال ان قوله رحمه اللّٰه: (و ليستفتح الصلاة بالتكبير مع الكيفية المذكورة بعد هذا الكلام، ظاهر في ان الاستفتاح حاصل بمجموع التكبيرات.

هذا كله في كلمات القوم.

و اما الاخبار

فلا دلالة فيها أيضا على التخيير، بل دلالتها على ما اختاره المجلسي عليه الرحمة من كون المجموع من حيث المجموع يفتتح به الصلاة، أوضح.

مثل رواية محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام، قال: التكبيرة الواحدة في افتتاح الصلاة تجزى، و الثلاث أفضل، و السبع أفضل كله «1» و رواية زرارة قال: ادنى ما يجزى من التكبير في التوجه تكبيرة واحدة و ثلاث تكبيرات أحسن، و سبع أفضل «2».

و رواية زيد الشحام، قال: قلت لأبي عبد اللّٰه عليه السلام:

الافتتاح؟ فقال: تكبيرة تجزيك، قلت: فالسبع؟ قال: ذلك الفضل «3» و غيرها من الاخبار.

فإن ظاهر قوله عليه السلام: (التكبيرة الواحدة في افتتاح الصلاة، الى آخره) ظاهر في ان افتتاح الصلاة بما اتى به من التكبير ان واحدة فيها، و ان ثلاثة فبالثلاث،

و ان خمسا فبالخمس و ان سبعا فبالسبع، فكما أن التكبيرة الواحدة تكون مفتاح الصلاة، فكذا الثلاث و الخمس و السبع، فإذا أراد افتتاحها بالثلاث يكون افتتاحها بها

______________________________

(1) الوسائل باب 1 حديث 4 من أبواب تكبيرة الإحرام ج 4 ص 714.

(2) المصدر، الحديث 8.

(3) المصدر، الحديث 2 ص 713.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 177

لا بالواحدة منها كي يكون مخيرا في جعل ايها شاء و تكبيرة الافتتاح فظاهر الاخبار ان الافتتاح يكون بمجموعها لا بالواحدة.

و في رواية زرارة: فافتتح رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و آله الصلاة فكبر الحسين، فلما سمع رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و آله تكبيرة عاد فكبّر الحسين حتى كبّر رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و آله سبع تكبيرات و كبّر الحسين فجرت بذلك السنة «1».

و في رواية هشام بن الحكم، عن أبي الحسن عليه السلام ان النبي صلى اللّٰه عليه و آله لما اسرى به الى السماء قطع سبع حجب فكبّر عند كل حجاب تكبيرة، فأوصله اللّٰه عز و جل بذلك الى منتهى الكرامة «2».

و في رواية الفضل بن شاذان عن الرضا عليه السلام: انما صارت التكبيرات في أول الصلاة سبعا لأن أصل الصلاة ركعتان و استفتاحهما بسبع تكبيرات، تكبيرة الافتتاح و تكبيرة الركوع و تكبيرتي السجدتين و تكبيرة الركوع في الثانية، و تكبيرتي السجدتين، فإذا كبر الإنسان في أول الصلاة سبع تكبيرات ثم نسي شيئا من تكبيرات الاستفتاح من بعد أو سها عنها لم يدخل عليه نقص في صلاته «3».

و في رواية هشام بن الحكم، عن أبي الحسن موسى عليه السلام قال: قلت له: لأيّ علة صار التكبير في الافتتاح سبع تكبيرات أفضل (الى ان قال): قال:

يا هشام ان اللّٰه خلق السماوات سبعا و الأرضين سبعا و الحجب سبعا، فلما أسري بالنبي صلى اللّٰه عليه و آله فكان

______________________________

(1) الوسائل باب 7 قطعة من حديث 4 من أبواب تكبيرة الإحرام ج 4 ص 722.

(2) المصدر، قطعة من حديث 5.

(3) المصدر، الحديث 6.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 178

من ربّه كقاب قوسين أو أدنى رفع له حجاب من حجبه، فكبر رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و آله و جعل يقول الكلمات التي يقال في الافتتاح، فلما رفع له الثاني كبر فلم يزل كذلك حتى بلغ سبع حجب، فكبر سبع تكبيرات، فلذلك العلة يكبر للافتتاح في الصلاة سبع تكبيرات «1».

و في رواية حريز، عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام: قال: ادنى ما يجزى من التكبير في التوجه إلى الصلاة تكبيرة واحدة، و ثلاث تكبيرات و خمس، و سبع أفضل «2». و غيرها من الاخبار.

و بالجملة ظاهر هذه الاخبار ان الصلاة يفتتح بها فتكون التكبيرات داخلة في الصلاة، فلو كان مخيرا- كما نسب الى المشهور- كانت التكبيرات الست- لو جعلها آخر التكبيرات- خارجة عنها.

و كذا على القول بكون الأخيرة متعينة للاستفتاح على ما نسب الى السيد أبي المكارم ابن زهرة و سلار، فلا بد من تعيين الاولى للافتتاح فقط، و إتيان الست بعدها في الصلاة لصدق الافتتاح بسبع تكبيرات عليه حينئذ أيضا.

و ذلك لان التكبيرات لما كانت متدرجة الوجود يتحقق افتتاح الصلاة باوليها حقيقة، و يصدق على الست الباقية أيضا انه افتتح الصلاة بها بالإضافة إلى سائر أفعال الصلاة كالقراءة و الركوع و السجود.

فحينئذ نسبة التكبيرة الاولى الى الست الباقية نسبة أجزاء التكبيرة الواحدة في حصول الافتتاح بمجموعها مع تقدم بعض اجزائها،

فكما ان صدق حصول الافتتاح بها لا ينافي تقدم البعض على البعض، فكذا

______________________________

(1) الوسائل باب 7 حديث 7 من أبواب تكبيرة الإحرام ج 4 ص 723.

(2) المصدر، الحديث 9.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 179

في التكبيرات السبع.

و من هنا يمكن ان يقال: ان ظاهر النصوص يؤيد ما اختاره المجلسي عليه الرحمة، و على تقدير عدم تسليمه فتناسبها لما اختاره صاحب الحدائق عليه الرحمة من كون الأولى هي تكبيرة الافتتاح اولى مما نسب الى المشهور، أو الى ابن زهرة و سلّار بعد تعذر ارادة حصول الافتتاح حقيقة بكل واحدة منها.

نعم بين قول المجلسي رحمه اللّٰه و ما اختاره صاحب الحدائق رحمه الهّٰق فرق من وجهين يكونان هما الثمرة للقولين (أحدهما) حرمة المنافيات على الثاني بمجرد التكبيرة الواحدة بخلاف القول الأول بعدم حرمتها الا بعد إتمام السبع (ثانيهما) جواز الاقتداء فإنه يجوز اقتداء المأموم على الثاني بمجرد الشروع في التكبيرة بخلافه على الثاني لعدم جواز الاقتداء ما لم يفتتح الصلاة، بناء على ما ذهب اليه الشيخ رحمه اللّٰه و تبعه جماعة من المتأخرين- من عدم جواز الاقتداء الا بعد تحقق تكبيرة الافتتاح.

خلافا لجماعة من العامة حيث ذهبوا الى جواز الاقتداء بمجرد الدخول فيها، بخلاف الثاني فإنه لا يجوز الا بعد تمام التكبيرات، هذا.

و لكن قد يستشكل ما اختاره المجلسي عليه الرحمة باقتضائه التخيير بين الأقل و الأكثر في امتثال الواجب، و هو في التدريجيات غير معقول، لان فعل الأقل سبب لسقوط الأمر المتعلق به، فلا يعقل بعد فعل الأقل حتى يقع الأكثر امتثالا له.

و قد أجاب المحقق الفقيه الهمداني رحمه اللّٰه في المصباح بما

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 180

هذه عبارته «1»:

و فيه

ان هذه شبهة في مقابلة الضرورة، ضرورة أن الموانع التي تعلق بها الطلب بالطبيعة يكون الإتيان بمسماها أو بمقدار من افرادها أقل المجزي، و كون الأكثر أفضل في الشرعيات و العرفيات فوق حد الإحصاء، بل جميع الأفعال الواجبة المشتملة على أجزاء مستحبة خصوصا إذا كانت الأجزاء المستحبة في آخرها كالتسليمة الأخيرة في الصلاة.

و حلّه انه قد يكون الطبيعة التي تعلق بها الطلب مسماها أو مقدارا من مصاديقها كفرد أو فردين أو ثلاث مثلا، كافيا في رفع الإلزام المتعلق بها يعد ممتثلا و لا يلاحظ جزئيات تلك الطبيعة من حيث هي، مناطا للإطاعة، بل لا يلاحظ مجموع ما حصله في الخارج بذلك الداعي ما لم يتخلل بين أبعاضه المتصادق عليها الطبيعة فصل مخلّ يصدق كونه متشاغلا بتحصيلها، فان لم يوجدها بذلك إلا في ضمن فرد حصل الامتثال بذلك الفرد، و ان حصلها في ضمن الأكثر تحققت الإطاعة بفعل المجموع، و ان لم يقصد الإطاعة إلا بجزء من بعض افراد تلك الطبيعة مما يتحقق مسماها كشبر من الخط الذي تعلق به الأمر بطبيعته، حصلت الإطاعة بذلك الشبر دون ما زاد عليه، و ان كان جزء من ذلك الخط، بخلاف ما لو اتى بمجموعه بذلك الداعي، فإن الامتثال حينئذ يحصل بمجموعه.

______________________________

(1) و ليعلم ان سيدنا الأستاذ مد ظله العالي لم ينقل في الدرس عين عبارة المصباح، بل أفاد ما كان ملخصها لكني نقلتها بعينها، لعل الناظر إليها يستفيد منها زائدا على ما أفاده في الدرس- المقرر.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 181

فالطلب المتعلق بطبيعة مطلقة، امتثاله مراعى بفراغه من إيجاد ما دعاه ذلك الطلب الى فعله من مصاديقها، و لا يلاحظ كل جزئي جزئي من مصاديقها على

انه يجب على من دخل المسجد ان يتصدق بشي ء من ماله و لو بشق تمر، و ان يقرأ القرآن و لو آية منه، و ان يصلى تحية للمسجد و لو بركعتين، يفهم من ذلك ان المأمور به بهذه الأوامر هو مطلق الاشتغال و التلبس بإيجاد هذه الطبائع قلّت أو كثرت و ان الأشياء المصرح بها بين أقل المجزي في مقام امتثال الأوامر المتعلقة بها، فيجوز له اختيار الأكثر، بل أفضل.

فلو دخل المسجد جاز له ان يشتغل بقراءة القرآن من أوله الى آخره و لو مكررا أو يتصدق بكثير من ماله و يسلمه الى الفقير و لو شيئا فشيئا على سبيل التعاقب أو يصلى صلوات كثيرة قاصدا بها امتثال تلك الأوامر.

و لا تتوهم ان ما عدا الفرد الأول في مثل الصلاة و التصدق بدراهم على سبيل و كذا الزائد عن المسمى في مثل قراءة القرآن و الخط و نحوه لا يتصف بالوجوب، بل بالاستحباب لجواز تركه لا الى بدل، إذ المفروض انه لم يصل من الأمر إلا أمر واحد و قد علم من تصريحه أو من الخارج ان الإتيان بالأكثر أتم و أكمل في تحصيل مطلوبه لا ان ما زاد على المسمى مطلوب بطلب آخر و قد أشرنا آنفا الى ان الزائد ليس في حد ذاته ملحوظا على سبيل الاستقلال كي يقال: انه يجوز تركه لا الى بدل و انما الملحوظ هو مجموع عمله الذي أوجده بداعي الامتثال الذي هو عبارة عن الاشتغال بجنس الصلاة و الصدقة الذي هو كالاشتغال بالتجارة عمل واحد قابل للزيادة و النقصان، فما يقع في

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 182

الخارج بداعي الأمر يقع مجموعه امتثالا له لا أبعاضه

و ان كانت أبعاضه أيضا قابلة لذلك على تقدير الاستقلال.

(ان قلت): بل الأمر الوجوبي المتعلق بالطبيعة يبقى بعد حصول الجزء الأول الذي تحقق به المسمى أم لا؟ فإن بقي وجب ان يستحق العقاب بمخالفته فيما زاد و ان لم يبق لا يعقل وقوع الزائد امتثالا.

(قلت): إذا اتى بالقدر الذي يجوز له الاقتصار ارتفع وجوبه و لكن لو لم يقتصر عليه لم يتحقق الفراغ من الفعل الواجب، فالزائد يقع جزء من الواجب لا امتثالا لأمره الوجوبي حتى يتوقف على بقائه كما هو الشأن في جميع الأجزاء اللاحقة للواجبات التي هي من محسناتها، لا من مقومات ماهيتها كالتسليمة الأخيرة في الصلاة و لا يجب ان يكون أجزاء الواجب بأسرها مأمورا بها بأوامر غير مسببة عن الأمر بالكل كي يسأل عن حال الأمر الغيري المتعلق بما زاد عن المسمى، فإن أجزاء الواجب قد تكون من مقومات ماهيته، فيجب بوجوبها، و قد تكون من محسناته الموجبة لكونه أكمل و أنفع في تحصيل تعلق غرض الآمر كما في مثل قراءة القرآن و الصدقة و نحوهما بالنسبة الى ما زاد عن المسمى، فيكون ذلك الجزء من حيث هو مستحبا غيريّا و الفعل المشتمل عليه أفضل أفراد الواجب، و قد تكون من مشخصاته الخارجة التي لا مدخلية له في مطلوبيته كما في مثل الخط لو فرض عدم الفرق بين طويله و قصيره فيما يتعلق به غرض الآمر من امره، بل قد يكون مرجوحا كما لو فرض ان طول الخط يؤثر منقصة فيه فيكون حينئذ إيجاد الخط الطويل في مقام امتثال امره من قبيل العبادات المكروهة.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 183

و كيف كان فلا ينبغي الالتفات إلى الشبهة المزبورة في صرف

الأخبار المذكورة عن ظواهر بعد ما أشرنا إليه من ان هذا النحو من التكاليف في الشرعيات و العرفيات فوق حد الإحصاء (انتهى كلامه رفع في الخلد مقامه).

أقول: قد يتعلق الأمر بالطبيعة التي تكون تفاوت الافراد و تميز بعضها عن البعض بالطول و القصر بان تكون الطبيعة مقولة بالتشكيك كما مثل به من الخط و قراءة القرآن (و بعبارة أخرى): يكون ما به الامتياز هو عين ما به الاشتراك و لا يكون تمايز بين الافراد المتعددة بحيث يصدق انه فرد و ذاك فرد آخر الا بالحدود و لا مشخص لها غيرها.

و قد يتعلق بطبيعة يكون لها افراد تكون مميزاتها خارجة عن ماهيتها بحيث إذا وجد فرد منها في الخارج، و فرد آخر يكون فردين لا فرد طويل كما في ما نحن فيه، فان التكبيرة الواحدة تكبير، و فردين منها تكبيران لا تكبير طويل.

فحينئذ إذا شرع في التكبير و أوجد فردا منها يتحقق الامتثال بأول وجود منها، فلو اتى بالتكبيرة الثانية لا تقع امتثالا للأمر الوجوبي.

و بالجملة ظاهر الأدلة ان الأمر يتعلق بالتكبير بما هو، غاية الأمر انه يصدق عليه افتتاح الصلاة.

(ان قلت): ان ظاهر الاخبار ان الأمر قد تعلق بعنوان الافتتاح و هذا العنوان بسيط يصدق على التكبيرة الواحدة أو الثلاث أو الخمس أو السبع.

(قلت): ليس كذلك، بل الظاهر ان الأمر متعلق بعنوان التكبيرة التي هي ما يفتتح بها، فان قوله عليه السلام: (افتتح بالتكبيرة إن شئت

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 184

واحدة و ان شئت فبالثلاث، و ان شئت فبالخمس و ان شئت فبالسبع) ظاهر في ان التكليف التخييري قد تعلق بما يفتتح به لا بنفس الافتتاح كما لا يخفى.

(ان قلت): ان التكبير

في الروايات يمكن ان يحمل على معناه اللغوي بمعنى عد شي ء كبير المعبّر عنه بالفارسية ب (بزرگ شمردن) و هو يصدق على الواحد و الكثير.

(قلت): ظاهر الاخبار ان المراد بالتكبير هو لفظة (اللّٰه أكبر) و بعبارة أخرى: معناه العلمي لا اللغوي و ان كان مصدر باب التفعيل قد استعمل في جعل شي ء شيئا، كالتعديل و التفسيق.

هذا كله مضافا الى ما مر من ان لها آثارا وضعية كتحريم المنافيات و جواز الاقتداء، و لا معنى للتخيير بين ترتيبها بعد التكبيرة الأولى أو بعد الثالثة، فإنه بعد الاولى اما ان يكون داخلا في الصلاة أولا فعلى الأول لا معنى لعدم ترتبها، و على الثاني لا يجوز ترتبها كما لا يخفى.

فتحصل ان ما اختاره المجلسي عليه الرحمة من كون مجموع التكبيرات بما هو مجموعها مصداق لما يفتتح به الصلاة، محل اشكال بل منع.

و اما الأقوال الأخر، فإن قلنا: بأن تكبيرة الافتتاح ليست من العناوين القصدية فلا بد من اختيار القول بكون الأولى هي تكبيرة الافتتاح، كما نسب الى صاحب الحدائق رحمه اللّٰه، و ان لم نقل ذلك كما هو المتراءى من الاخبار من ان عنوان تكبيرة الافتتاح عنوان آخر غير عنوان أصل التكبير و زائد عليه فيحتاج الى القصد.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 185

و حينئذ فيمكن ان يختار ما اختاره الشيخ رحمه اللّٰه في المبسوط من تخيير المكلف.

لكن يلزم ما يستفاد من الاخبار خلافه، و هو انه لو اختار جعل الأولى تكبيرة الافتتاح يلزم ان يكون ما اتى به من الست الباقية جزء من الصلاة داخلة فيها، و ان جعل الأخيرة كذلك يلزم كون الست المتقدمة خارجة عنها، و ان جعلها المتوسطة فالمتقدم يكون غير جزء

و المتأخر يكون جزء.

و بالجملة يكون تحقق التكبيرات السبع في الخارج حينئذ مختلفا حسب اختلاف جعل إحداها تكبيرة الافتتاح، مع ان ظاهر الاخبار أنها تتحقق في الخارج على نحو واحد.

مثل ما رواه الكليني رحمه اللّٰه، عن على بن إبراهيم، عن أبيه عن ابن أبي عمير، عن حماد بن عثمان، عن الحلبي، عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام، قال: إذا افتتحت الصلاة فارفع كفيك ثم ابسطهما بسطا ثم كبر ثلاث تكبيرات ثم قل: اللّٰهم أنت الملك الحقّ المبين لا إله إلّا أنت سبحانك انّى ظلمت نفسي فاغفر لي ذنبي انّه لا يغفر الذنوب إلّا أنت ثم تكبر تكبيرتين ثم تقول: لبّيك و سعديك و الخير في يديك و الشرّ ليس إليك و المهدىّ من هديت لا ملجأ منك إلّا إليك سبحانك سبحانك سبحانك، ثم تكبر تكبيرتين، ثم تقول: وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمٰاوٰاتِ وَ الْأَرْضَ عالم الغيب و الشّهادة حَنِيفاً مسلما وَ مٰا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (إِنَّ صَلٰاتِي وَ نُسُكِي وَ مَحْيٰايَ وَ مَمٰاتِي لِلّٰهِ رَبِّ الْعٰالَمِينَ لٰا شَرِيكَ لَهُ وَ بِذٰلِكَ أُمِرْتُ وَ أَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ، خ ل) ثم تعوذ باللّه من

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 186

الشيطان الرجيم، ثم اقرأ فاتحة الكتاب «1».

فإن ظاهرها أن التكبيرات السبع تتحقق على نسق واحد من الوجوب أو الاستحباب.

فحينئذ يبعد ما نسب إلى المشهور من القول بالتخيير لما ذكرنا من اختلافها على كل تقدير.

اللهم إلا أن يقال: إن الأخبار الدالة على الافتتاح بسبع تكبيرات تحمل على الافتتاح الكامل بمعنى أن للافتتاح معنى واحدا إلا أنه كامل و غير كامل، فالافتتاح الكامل ما يكون بسبع تكبيرات و غير الكامل بما دونها.

فعلى تقدير اختيار الافتتاح بما زاد على

تكبيرة واحدة يكون الافتتاح كاملا إلى أن بلغ السبع لا أن التكبيرات الزائدة تتصف بالندب أو الجزئية أو من المقدمات المندوبة أو الواجبة للصلاة، بل كلها تكون مما يفتتح به الصلاة فحينئذ يرتفع الاستبعاد المذكور.

إلى هنا جفّ قلمي في تقرير بحث سيدنا الأستاذ الأكبر زعيم الحوزة العلمية بل محييها- في الحقيقة- بعد المزاحمات من قبل الحكومة الدستورية البهلوية، سيدنا المرجع الديني الأعلى آية اللّٰه العظمى المنتهى إليه الرّئاسة الدينية الحاجّ آقا حسين البروجردي قدّس اللّٰه نفسه الزكية.

اى كه تقريرات او در درس استعداد بخش اى دو صد افسوس كان كانون استعداد رفت

مرگ تو معجز آسا- زيرا كه در كليسا دستور داد ترسا بر پا كنند عزا را

______________________________

(1) الوسائل باب 8 حديث 1 من أبواب تكبيرة الإحرام ج 4 ص 724.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 187

خاتمة

الحمد للّٰه الذي وفّقني لتقرير بحث سيدنا الأستاد الأعظم المرجع الديني العام آية العظمى الحاج آقا حسين البروجردي قدس سره، بقدر فهمي القاصر و إن كان مثلي غير لائق لتقرير بحث من هو كالبحر الزاخر الموّاج لكن الميسور لا يسقط بالمعسور، و ما لا يدرك كله لا يترك كله.

فيا أسفى، قد حال العوائق بيني و بين الحضور بمحضر درسه القليل النظير بل عديمه، لكن نشكر اللّٰه تعالى على التوفيق بما وقع و الخير فيما وقع.

فلعلي (نعوذ باللّه) لم أكن قابلا و لائقا لأكثر من هذا، و اللّٰه تعالى عالم و أسأل اللّٰه ان يوفقني لترتيب تقرير بحثه قدس سره في الأصول، و هو على نحو الإجمال على الترتيب التالي:

1- نبذة من المشتقات.

2- نبذة من الأوامر و النواهي.

3- نبذة من بحث المفهوم و المنطوق.

4- نبذة من بحث

العموم و الخصوص.

5- نبذة من بحث المطلق و المقيد.

6- نبذة من بحث القطع و احكامه.

7- نبذة من بحث الظن و منه البحث في حجية الإجماع المنقول.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 188

و تم كل ذلك في سنة 1368 من الهجرة النبوية على هاجرها آلاف الثناء و التحية، و صل اللّٰه على محمد و آله الطيبين الطاهرين.

اللهم صل على محمد و آل محمد لا إله إلا اللّٰه و كان تحرير ذلك في 17 شهر رمضان 1412 بيد أقل الطلاب و أحقرهم على پناه الاشتهاردى

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 189

[القسم الثاني من] كتاب الصّلاة

اشارة

بسم اللّٰه الرحمن الرحيم أعوذ باللّه السّميع العليم من الشّيطان الرّجيم، الحمد للّٰه ربّ العالمين، و الصّلاة و السّلام على محمّد و آله الطيّبين الطّاهرين و لعنة اللّٰه على أعدائهم أجمعين «1».

و هي حقيقة شرعيّة في عبادة مخصوصة

هي توجّه العبد نحو المولى بما يليق به كمّا و كيفا، غاية الأمر اختلافها حسب اختلاف الشرائع كيفا.

و الّا فهي ثابتة قبل شرعنا كما حكى اللّٰه تعالى عن زمان الجاهليّة بقوله تعالى وَ مٰا كٰانَ صَلٰاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلّٰا مُكٰاءً وَ تَصْدِيَةً «2»، و عن عيسى بن مريم على نبيّنا و آله و عليه السلام وَ أَوْصٰانِي بِالصَّلٰاةِ وَ الزَّكٰاةِ مٰا دُمْتُ حَيًّا «3» و غيرهما، و الأمر سهل.

و كيف كان فهي واجبة في الجملة بإجماع المسلمين، بل بضرورتهم بحيث لو أسلم شخص يعلم انّ في الإسلام عبادة تسمّى صلاة.

______________________________

(1) هذه الخطبة ليست ببالي انّه- قدس سرّه- أنشأها، و انما أمليته تيمّنا و تبرّكا، و اللّٰه العالم.

(2) الأنفال/ 35.

(3) مريم/ 31.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 190

و هي على أقسام:

اليوميّة، و صلاة العيدين بشرائطها، و صلاة الآيات، و صلاة الأموات، و صلاة الطواف ان وجب، و هي مختلف فيها في الجملة.

فلنذكر الاختلاف الواقع فيها بين المسلمين، قال العلّامة (ره) في المنتهى: صلاة العيدين واجبة عندنا و عند أبي حنيفة، و قال أحمد:

هي واجبة على الكفاية، و قال مالك و أكثر أصحاب الشافعي: هي سنّة، و قال فيه أيضا: صلاة كسوف الشمس و القمر فرض على الكفاية على الأعيان، و هو مذهب أهل البيت عليهم السلام.

و قال الجمهور كافّة: انّ صلاة كسوف الشمس سنّة، و أكثرهم على أنّ خسوف القمر كذلك، و قال مالك: ليس خسوف القمر سنّة، و حكى عنه الاستحباب فرادى (انتهى).

و قال في موضع آخر: قال علمائنا: يجب صلاة الكسوف للزلزلة أيضا، و قال إسحاق و أبو ثور، و أحمد، و أبو حنيفة بالاستحباب، و قال مالك و الشافعي: لا يصلّى لها شي ء (انتهى).

و

قال في موضع آخر: تجب لأخاويف السماء (الى أن قال): و قال أصحاب الرأي يستحبّ الصلاة للآيات كلّها و خالف فيه الجمهور (انتهى).

و قال فيه أيضا: البحث الرابع في الصلاة عليه (أى على الميّت):

و هي فرض على الكفاية إذا قام به البعض سقط عن الباقين، و ان لم يقم به أحد استحقّ بأسرهم العقاب بلا خلاف بين العلماء في ذلك (انتهى).

و قال في موضع آخر: يجب الصلاة على الميّت البالغ من المسلمين بلا خلاف (انتهى موضع الحاجة) و يظهر ممّا نقلناه عنه ان صلاة الميّت واجبة بإجماع علماء الإسلام من العامّة و الخاصّة.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 191

و امّا اليوميّة فهي غنيّة عن ذكر الأقوال لما قلنا: انّ وجوبها ضروريّ.

[في صلاة الجمعة]
اشارة

نعم قد وقع في بعض أفرادها- و هو الجمعة- خلاف في الجملة، لا في أصل وجوبها في الجملة، لكونها واجبة في الجملة بلا خلاف بين المسلمين، نعم قد وقع الخلاف في شرائطها، و انّها هل هي مستقلّة أم داخلة في اليوميّة؟

ظاهر كلمات الفقهاء حيث انّهم يذكرونها مستقلّة- انّها متفردة عن اليوميّة، و اليه ذهب بعض العامّة، و عن بعضهم انها داخلة فيها.

و كيف كان فالمهم بيان شرائطها فلنقدم الأهم على المهم فنقول بعون اللّٰه تعالى: انّ من شرائطها- و هو أهمّها- وجوبا أو انعقادا- على الخلاف- وجود امام معصوم عليه السلام أو نائبه الخاصّ لها أو الأعم منها، و انّه عليه السلام أو من ذكرنا من القائم مقامه هل هو شرط مطلقا أو لا مطلقا؟

[أدلة وجوب الجمعة على غير الإمام و منصوبه أيضا]
[الأوّل الآية]

قد يستدلّ على عدم الاشتراط بوجوه، منها: قوله تعالى يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذٰا نُودِيَ لِلصَّلٰاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلىٰ ذِكْرِ اللّٰهِ وَ ذَرُوا الْبَيْعَ ذٰلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ، فَإِذٰا قُضِيَتِ الصَّلٰاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَ ابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللّٰهِ وَ اذْكُرُوا اللّٰهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ، وَ إِذٰا رَأَوْا تِجٰارَةً أَوْ لَهْواً انْفَضُّوا إِلَيْهٰا وَ تَرَكُوكَ قٰائِماً، قُلْ مٰا عِنْدَ اللّٰهِ خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ وَ مِنَ التِّجٰارَةِ وَ اللّٰهُ خَيْرُ الرّٰازِقِينَ «1».

______________________________

(1) الجمعة/ 8- 11.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 192

دلّت بإطلاقها على وجوب السعي إلى صلاة الجمعة في كلّ زمان من غير اشعار فيها على كون المقيم لها و المسعى اليه معصوما أو نائبه الخاص أو العام، بل أو غير النائب أيضا.

و قد يستشكل بأنّها نزلت بعد كون الجمعة واجبة (و بعبارة أخرى) ليست الآية الشريفة في مقام تشريع حكم الجمعة ابتداء، بل هي نزلت

في توبيخ قوم تركوا محمدا صلى اللّٰه عليه و آله قائما في حال الخطبة، و الانفضاض إلى تجارة دحية بن خليفة الكلبي «1» و غيّروا التوجّه الى آلات اللهو كالطبل و غيره، فلا إطلاق فيها.

بل هي ناظرة الى ما كان المتعارف في زمن النبي صلى اللّٰه عليه و آله، و لم يثبت في زمانه صلى اللّٰه عليه و آله أن يقيم الجمعة في بلد المدينة غيره صلى اللّٰه عليه و آله، بل هو قريب من المقطوع هذا.

و لكن يمكن أن يخدش في هذا الاستشكال بأنّ وجه نزول الآيتين الأوّلتين غير وجه نزول الآية الثالثة الدالّة على التوبيخ لأجل ترك محمد صلى اللّٰه عليه و آله و التوجّه إلى الملاهي، و الاستشكال المذكور انّما يتوجّه إذا كان وجه نزول المجموع للتنبيه على التوبيخ.

فانّ وجه نزول الآيتين هو ما أورده الطبرسي في تفسيره

______________________________

(1) عدّه جمع منهم ابن عبد البرّ و ابن مندة، و أبو نعيم من الصحابة، شهد أحدا و ما بعدها، و في أخبار الفريقتين انّ جبرئيل عليه السلام كان يأتي النبي صلى اللّٰه عليه و آله في صورته أحيانا، و ذلك دليل ثقته و بعثه رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و آله الى قيصر رسولا سنة ستّ في الهدنة فأمن به، تنقيح المقال للمحقّق المتتبّع الممقاني رحمه اللّٰه، ج 1 ص 417.

________________________________________

بروجردى، آقا حسين طباطبايى، تقرير بحث السيد البروجردي، 2 جلد، دفتر انتشارات اسلامى وابسته به جامعه مدرسين حوزه علميه قم، قم - ايران، اول، 1416 ه ق

تقرير بحث السيد البروجردي؛ ج 2، ص: 193

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 193

المجمع «1» نقلا عن ابن سيرين انّه جمع أهل المدينة قبل أن يقدم

النبي صلى اللّٰه عليه و آله، و قيل: قبل أن تنزل الجمعة، قالت الأنصار لليهود يوم يجتمعون فيه كل سبعة أيام، و للنصارى يوم أيضا مثل ذلك، فلنجعل يوما نجتمع فيه فنذكر اللّٰه عزّ و جل و نشكره، و كما قالوا يوم السبت لليهود، و يوم الأحد للنصارى فاجعلوا يوم العروبة «2» فاجتمعوا إلى أسعد بن زرارة فصلّى بهم يومئذ و ذكرهم فسمّوه يوم الجمعة حتّى اجتمعوا اليه فذبح لهم أسعد بن زرارة شاة فتغدّوا و تعشّوا من شاة واحدة، و ذلك لقلّتهم فأنزل اللّٰه تعالى في ذلك: إذا نودي للصَّلٰوةِ الآية، فهذه أوّل جمعة جمعت في الإسلام، فأمّا أول جمعة جمّعها رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و آله بأصحابه، فقيل: انّه قدم رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و آله مهاجرا حتّى نزل قبا «3» على عمرو بن عوف، و ذلك يوم

______________________________

(1) في المجمع ج 9 ص 431: و انّما سمى جمعة لأنّه تعالى فرغ فيه من خلق الأشياء، فاجتمعت فيه المخلوقات (و قيل): لأنّه تجتمع فيه الجماعات (و قيل): انّ أوّل من سمّاها جمعة كعب بن سلوى و هو أوّل من قال: أما بعد و كان يقال للجمعة العروبة عن أبي سلمة (و قيل): انّ أوّل من سمّاها الجمعة الأنصار، قال ابن سيرين جمع أهل المدينة إلخ.

(2) و عروبة باللام يوم الجمعة (القاموس) و مراده باللّام يعنى تلفّظها بها (العروبة).

(3) في الحديث مسجد قبا هو بضمّ القاف يقصر و يضم و لا يصرف، و يذكّر و يؤنّث، موضع بقرب المدينة المشرّفة من جهة الجنوب نحوا من ميلين، و هو المسجد الّذي أسّس على التقوى من أوّل يوم (مجمع البحرين).

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2،

ص: 194

الاثنين لاثنتي عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الأول حين الضحى فأقام بقبا يوم الاثنين و الثلاثاء و الأربعاء و الخميس و أسّس مسجدهم ثم خرج من بين أظهرهم يوم الجمعة عامدا المدينة فأدركته صلاة الجمعة في بني سالم بن عوف في بطن واد لهم قد اتّخذ اليوم في ذلك الموضع مسجد، و كانت هذه الجمعة أول جمعة جمّعها رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و آله في الإسلام فخطب في هذه الجمعة و هي أول خطبة خطبها بالمدينة فيما قيل فقال: الحمد للّٰه الى آخر الخطبة، ثم قال: فلهذا صارت الخطبة شرطا في انعقاد الجمعة ثم قال:

(النزول) قال جابر بن عبد اللّٰه: أقبلت عير و نحن نصلّي مع رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و آله الجمعة فانفضّ الناس إليها فما بقي غير اثنى عشر رجلا أنا فيهم فنزلت الآية وَ إِذٰا رَأَوْا تِجٰارَةً أَوْ لَهْواً، و قال الحسن و أبو مالك أصاب أهل المدينة جوع و غلاء سعر فقدم دحية بن خليفة بتجارة زيت من الشام و النبي صلى اللّٰه عليه و آله يخطب يوم الجمعة فلما رأوه قاموا اليه بالبقيع «1» خشية أن يسبقوا اليه فلم يبق مع النبي صلى اللّٰه عليه و آله الّا رهط، فنزلت الآية إلخ (انتهى موضع الحاجة).

و قريب منه في تفسير الرازي نقلا عن مقاتل.

و قريب منهما ما في تفسير الصافي، نقلا عن القمي (ره) من انّه كان رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و آله يصلّى بالناس يوم الجمعة و دخلت ميرة «2» و بين يديها قوم يضربون بالدفوف و الملاهي فترك الناس الصلاة

______________________________

(1) و البقيع من الأرض المكان المتّسع، قيل: و لا يسمّى بقيع الّا

و فيه شجر أو أصولها.

(2) بالكسر و السكون طعام يمتاره الإنسان أي يجلبه من بلد الى بلد و مارهم ميرا من باب باع أتاهم بالميرة و الميّار جالب الميرة (المجمع).

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 195

و مرّوا و ينظرون إليهم فأنزل اللّٰه (انتهى).

و الفرق بين الأخير و الأولين انّه يدلّ على انّ التوبيخ لأجل ترك الصلاة لا الخطبة بخلافهما، و قريب من الأولين ما عن تفسير ابن مسعود و منهج الصادقين.

و في تفسير الرازي: قال: قال بعضهم: قد أبطل اللّٰه قول اليهود في ثلاث افتخروا بأنّهم أولياء اللّٰه و أحبّائهم فكذبهم بقوله فتمنّوا الموت ان كنتم صادقين، و بأنهم أهل الكتاب و العرب لا كتاب لهم، فشبّههم بالحمار (يحمل أسفارا) و بالسبت و ليس للمسلمين مثله فشرّع اللّٰه لهم الجمعة «1».

فظهر بذلك كلّه أنّ الآيتين الأوليين نزلتا في مقام أصل تشريع هذا الحكم لا الإرجاع الى ما هو كان متعارفا قبل فحينئذ يصحّ التمسّك بالإطلاق.

(فإن قلت): سلمنا انّهما في مقام التشريع، و لكنها مع الفرض لا تدلّ على وجوب الإقامة، غاية الأمر هي دالّة على وجوب السعي إليها لو أقيمت و امّا دلالتها على انّ المقيم من هو؟ و انّه هل النبي صلى اللّٰه عليه و آله أو من نصبه لذلك أو للأعم فلا.

أضف الى ذلك انّ لفظة (إذا) مهملة لا دلالة فيها على العموم المدّعى بالنسبة الى كلّ زمان.

و أضف إليه أيضا ان الخطاب متوجّه الى الموجودين في زمن الخطاب و المدّعى أعمّ.

و أضف إليه أيضا انّ قوله تعالى فَاسْعَوْا إِلىٰ ذِكْرِ اللّٰهِ يدلّ على

______________________________

(1) تفسير الفخر ج 30/ ص 8.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 196

انّ اقامة الجمعة يجب أن

يكون في مكان معيّن يجب السعي إليه بقرينة لفظة (الى) في قوله تعالى إِلىٰ ذِكْرِ اللّٰهِ.

(قلت): قوله تعالى إِذٰا نُودِيَ لِلصَّلٰاةِ كناية عن دخول الوقت «1»، فكأنّه قال: إذا جاء وقت الصلاة، يجب السعي إليها و كلمة (إذا) و ان كانت سورا للقضيّة الشرطيّة المهملة على ما ذكره المنطقيّون الّا انّ العرف يأباه.

أضف الى ذلك، اقتضاء قاعدة الحكمة ذلك بعد تسليم انّها في مقام التشريع، فإنّ إيجاب السعي في وقت ما لا معنى له، فامّا أن يكون في وقت معيّن أو جميع الأوقات و الأول لا دلالة في الآية عليه فيتعيّن الثاني.

و اختصاص الخطاب بالموجودين قد قرّر في محلّه عدم صحّته في الخطابات القرآنيّة، بل تشمل كلّ واحد من المعدومين نوعا أو صنفا أو شخصا زمن وجوده متدرجا حسب تدرج وجود نفس الزمان.

و المراد من السعي إلى ذكر اللّٰه ليس المراد السعي إلى مكان معيّن، بل المراد السعي إلى الصلاة أو الخطبة أو كليهما في أيّ مكان كان.

نعم يمكن أن يقال: انّا لو خلينا و طبعنا مع هذه الآية- مع قطع النظر عن المراجعة إلى تفاسير الفريقين- لم نفهم منهم الّا انّ الصلاة كانت معهودة بين المسلمين، و هذا يستفاد من لفظة (إذا نودي) بصورة الشرط، لأنّ حرف الشرط يدخل على فعل متساو وجوده و عدمه تارة ك (ان) مثلا، و على ممتنع الوجود (اخرى) ك (لو) و على محقّقه

______________________________

(1) حكى ذلك صاحب الحدائق عن الكشاف راجع الحدائق: ج 9 ص 400 و صرّح به العلامة (ره) في المختلف ج 2 ص 240.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 197

(ثالثة) ك (إذا) كما في الآية فيدلّ على انّ النداء كان محقّقا وجوده، لا انّه

يجب النداء و الّا يقال: أيّها المؤمنون نودوا يوم الجمعة واسعوا بعد النداء.

و ما نقل عن ابن سيرين و الفخر الرازي لم يثبت من طرق أهل البيت عليهم السلام و الصلاة و الظاهر حجّة ما لم يثبت خلافه بحجّة أقوى منه.

فعلم انّها غير دالّة و لو بالظهور فضلا عن التصريح على وجوب إقامته على كلّ أحد كما ادّعى.

الثاني من أدلّة وجوب الجمعة الأخبار المستفيضة،

بل المتواترة- كما قيل- الدالّة على وجوبها بقول مطلق من غير اشتراط بكون المقيم شخصا خاصّا كامام معصوم عليه السلام أو من نصبه خصوصا أو عموما.

و قد أجيب عنها بعد تمهيد مقدمات لا بأس بذكرها (الأولى) انّ حجّية الأخبار مشروطة بعمل الأصحاب بمضمونها و الّا فكلّما ازدادت صحّة ازدادت ضعفا، لأنّ غاية ما يستفاد من أدلّة حجّية الأخبار هو بناء العقلاء و هو لم يثبت فيما إذا لم يعمل به خواص المروي عنه و حواريّه الذين لهم غاية العناية بالعمل بما يفتي به في مقام بيان الحكم الواقعي و المفروض انّ صلاة الجمعة ما كان يقيمها إلّا النبي صلى اللّٰه عليه و آله في عهده صلى اللّٰه عليه و آله، و الخلفاء المدّعين للخلافة و عليّ عليه السلام في عهده عليه السلام، و بعده الخلفاء الأمويّون و العباسيّون

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 198

و لا يزال كان أمر الجمعة كذلك.

نعم كان النبي صلى اللّٰه عليه و آله قد ينصب نائبا خاصّا لخصوص إقامتها أو لأعمّ منها، و كذا الخلفاء بعده صلى اللّٰه عليه و آله، و كذا علىّ عليه السلام كانوا ينصبون في البلاد الّتي كانت تحت يد المسلمين نوّابا لإقامتها.

و كذلك كان الأمر في صلاة الجمعة و إقامتها زمن الغيبة حيث كان أمرها بيد

سلاطين العامة إلى عهد (شاه خدا بنده) من سلاطين المغول و قد نقل عن ملّا محمّد في نفائس الفنون «1» انّ العلّامة الحلّي

______________________________

(1) نفائس الفنون في عرائس العيون، دائرة معارف موضوعيّة فارسيّة لشمس الدين محمد بن محمود الآملي، من متخرّجى المدرسة السيّارة للعلّامة الحلّي (ره) المتوفّى بشيراز 752 مرتّب على قسمين: علوم الأوائل و علوم الأواخر، لكنّه قدّم الأواخر لاشتماله على العلوم الإسلاميّة، و هو في تسع مقالات، و الآخر في خمس مقالات، قال: انّه ألّف أوّلا في كلّ فنّ رسالة، ثم أراد أن يجمع كلّها في تأليف واحد فشرع فيه حتّى بلغ المائة و العشرين علما، فألّف هذا الكتاب أوله: (حمد و ثنا و شكر بي انتها حضرت پادشاهى را كه ..) ترجمه صاحب الرياض في قسم الخاصّة و يظهر تشيّعه من مواضع من كتابه منها بحث الإمامة فقال: (انّ ذكر الخلاف بين الشيعة و السنّة فيها يوجب التطويل عصمنا اللّٰه عن زيغ الضالّين و وفّقنا على اتّباع الأئمّة الهادين المهتدين ..) و كان في عصر ألجايتو شرع فيه 736 و ختمه 742 و صدّره باسم السلطان أبي إسحاق أ ينجو المقتول 758 طبع بايران 1309 في مجلّدين ثم 1316 و بعدها مكرّرا ثم على الحروف 1377 في ثلاث مجلّدات مع مقدّمة و تعليقات لأبي الحسن الشعراني، و ترجمنا مؤلّفه في (الحقائق الراهنة) ص 203، و ذكرنا أدلّة تشيّعه (الذريعة الى تصانيف الشيعة ج 24 ص 241).

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 199

كان يدرس على مذهب الإماميّة في البلد المسمّى ب (سلطانيّة قزوين) و فيها يدرس سائر المذاهب الأربعة، إذ جاء شاه خدا بنده الّذي كان من سلاطين المغول لإقامة الجمعة.

فظهر انّ

اقامة الجمعة كانت بيد سلاطين المسلمين دائما من بدو وجوبها و مشروعيّتها حتّى نقل انّ سلاطين الصفويّة أيضا كانوا يعيّنون من قبلهم لإقامتها زعما منهم أنّهم صواحب هذا المنصب الجليل العظيم، بل سلاطين القاجار كانوا كذلك.

(الثانية) انّ فهم الروايات منوط بالاجتهاد و الجدّ و الملاحظة في خصوصياتها و ضم القرائن المتّصلة إليها التي قد ذكر في المقدمة الأولى بعضها.

و المراد بالاجتهاد، استفراغ الفقيه وسعه لتحصيل الحجّة، لا الاجتهاد المصطلح عند العامّة، فإنّهم حيث يكونون محرومين من الاستفادة عن أهل البيت عليهم السلام و لم يصل إليهم عن النبي صلى اللّٰه عليه و آله الّا قليل من الأحكام ثم نظروا فرأوا تعطيل كثير من الأحكام تشبّثوا بالقياس الذي هو ملاحظة المشابهة بين الموضوعات.

ثم لما رأوا حاجتهم في كثير من الموضوعات إلى الأحكام أخذوا بالاجتهاد، (و هو عندهم عبارة عن ملاحظة المجتهد مصالح العباد و مفاسد أمورهم و جعل حكم ما لكلّ ما له مصلحة أو مفسدة بنظرهم).

ثم انهم لمّا توجّهوا إلى أنّهم خطئوا في فهم المصالح و المفاسد

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 200

و الواقع لا يمكن أن يكون نظر كلّ واحد حقّا، قالوا بالتصويب يريدون به انّ كلّ مجتهد مصيب، فالاجتهاد عندهم مقابل للكتاب و السنّة بمعنى انّ (جملة) من الأحكام مستفادة من الكتاب (و جملة) منها من السنّة النبويّة صلوات اللّٰه على هاجرها، (و جملة) أخرى يرجع فيها الى القياس و الاستحسانات العقليّة (و جملة أخرى) بالاجتهاد و العقول البشريّة.

فيصير الأدلّة عندهم أربعة «1»، الكتاب، و السنّة، و القياس، و الاجتهاد هذا.

و أمّا الاجتهاد عند الإماميّة فلا يكون كذلك، بل هو عندهم عبارة عن تحصيل حكم اللّٰه تعالى بقول المعصوم عليه السلام

أو فعله أو تقريره، بل حجيّة ظواهر القول مشروط عندهم بعدم ورود خبر من النبي أو الوصيّ عليهما السلام على خلافها بالخصوص.

فالدليل عندهم، هو الكتاب أو قول المعصوم عليه السلام أو فعله أو تقريره لا غير فالأخبار «2» الواردة في ذمّ الاجتهاد إشارة إلى اجتهاداتهم لا الى اجتهادات الإماميّة الّتي هي عين الدليل، فتطبيق الأخبار المشار إليها على اجتهادات الإماميّة و الشروع في الطعن عليهم بأنهم يتركون أخبار الأئمّة عليهم السلام و يعملون باجتهاداتهم، بعيد عن الإنصاف غاية البعد.

و كذلك الإجماع عندهم «3» دليل مستقلّ في مقابل الأدلّة الأخر

______________________________

(1) مضافا الى الإجماع الّذي يأتي.

(2) راجع باب 6 من أبواب صفات القاضي، ج 18 ص 20.

(3) يعني العامّة.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 201

كما فصّل في محلّه و لا نطيله لأنّه ليس هنا موضع ذكره.

و أمّا الإجماع عند الإماميّة، فهو عبارة عن كشف دليل خاص بفتوى قدماء الأصحاب من الإماميّة الّذين لهم غاية الاحتياط في مقام الفتوى بحيث لا يفتون غالبا بغير حجّة و دليل قد وصل إليهم و لم يصل إلينا، لبعدنا عن زمنهم عليهم السلام.

و لأنّ «1» الجوامع الّتي دوّنت في زمن الرضا عليه و على آبائه الصلاة و السلام لم تصل إلينا كجامع البزنطي، و علىّ بن حسن بن علىّ بن فضّال، و حكم بن مسكين، و صفوان بن يحيى، و جامع ابن ماجة، و جامع ابن أبي عمير، و غيرها من الجوامع.

و لكن كانت هذه الجوامع موجودة عند قدماء أصحابنا الإماميّة كالصدوق و والده و المفيد و السيّد المرتضى، و السيّد الرضى و غيرهم من القدماء.

بل يظهر من ملاحظة الجوامع المعروفة الّتي الآن بأيدينا «2» و عليها مدار أكثر فقه

الفقهاء، أن مصنفيها لم يكونوا بصدد استيفاء ذكر تمام الأخبار، و لذا نجد في كلّ واحد أخبارا لم نجدها في الآخر.

فإذا كان هناك حكم لم نجد رواية على طبقه نرجع الى فتوى قدماء الأصحاب، فإن كانوا جميعا قد أفتوا بحكم خاصّ يستكشف وجود نصّ موجود في الجوامع القديمة لم يصل إلينا.

فالإشكال على المجتهدين أيضا بأنّهم يعتمدون في فتواهم على

______________________________

(1) عطف على قولنا: لبعدنا.

(2) كالكتب الأربعة.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 202

فهم الأموات، في غير محلّه لأنّه حقيقة اعتماد على الأخبار المرويّة عن أئمّتهم عليهم السلام بمقتضى قوله عليه السلام: خذ بما اشتهر بين أصحابك «1».

رزقنا اللّٰه و إيّاكم الاجتهاد بالمعنى الثاني، و أبعدنا و إيّاكم عن الاجتهاد بالمعنى الأوّل (الثالثة) الظاهر أنّ وجه بناء مساجد الجمعة في البلاد الواقعة في الممالك الإسلاميّة إيران و غيره، دون قرأها، هو انّ أهل هذه البلاد في الأكثر كانوا حنفيّين، و على مذهب أبي حنيفة، و كان مذهبه عدم جواز إقامة الجمعة في غير المصر.

ففي المنتهى للعلامة (ره): المصر ليس شرطا (يعني في انعقاد الجمعة) بل الوجوب متعلّق بأهل السواد و القرى إذا حصلت فيهما الشرائط كما يجب على أهل المصر و هو قول علمائنا و الشافعي، و هو منقول عن ابن عمر، و ابن عبّاس، و عمر بن عبد العزيز، و الأوزاعي، و الليث، و مكحول، و عكرمة، و مالك، و أحمد و إسحاق.

و قال أبو حنيفة: يجب على أهل السواد و نقله الجمهور، عن عليّ عليه السلام، و عن الحسن و ابن سيرين، و إبراهيم، و محمد بن الحسن (انتهى موضع الحاجة من كلامه زيد في علوّ مقامه إن شاء اللّٰه).

و لذا لا يوجد في

قرأها مسجد يسمّى مسجد الجمعة على سنة العصر أو مسجد الجامع على لغة العرب.

و الغرض من ذكر هذه المقدّمة أن لا يتوهّم أحد أنّ وجود مسجد الجمعة في البلاد يدلّ على إقامة صلاة الجمعة فيها في العهد

______________________________

(1) عوالي اللئالي ج 1 ص 225، و زاد: ودع ما ندر.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 203

القديم، ثمّ تركها المسلمون لفتوى مجتهديهم و مقلّديهم على عدم الوجوب، بل عن أبي حنيفة عدم جواز اقامة جمعتين في مصر واحد و ان كان الفصل بينهما أكثر من ثلاثة أميال.

قال العلّامة في المنتهى: و انفراد الجمعة شرط فيها بمعنى انّه لا يصلح أن تصلّى جمعتان في موضعين إذا لم يكن بينهما ثلاثة أميال فصاعدا، ذهب إليه أكثر علمائنا، و هذا التقدير لما بين الجمعتين و ان كان في بلد واحد، و قال الشافعي، و مالك، و أبو حنيفة: لا تصلّى الجمعتان في بلد واحد (انتهى).

و على هذا يحمل ما ورد: لا جمعة إلّا في مصر تقام فيه الحدود «1».

و لا يتوهّم انّه عليه السلام يريد أن يقول انّ المناط في وجوبها كون محلّ يقام فيه الجمعة محلّا للخلافة سواء كان مصرا أم قرية، بل الظاهر من القائل انّ للمصر دخلا في صحّة الجمعة.

و محصول المقدمات المذكورة، معهوديّة الجمعة بين المسلمين، و انّ مقيمها كان شخصا خاصّا، و لزوم التدبّر في فهم الأخبار لا الجمود على ظاهرها الصرف و عدم صحّة الاستدلال بوجود مساجد الجمعة في البلاد على إقامتها منذ وجبت.

إذا عرفت هذه المقدّمات، فلنذكر بعون اللّٰه تعالى، الأخبار الواردة في هذا الباب و نرجو من اللّٰه أن يكشف لنا ما هو الواقع الحق بحقّ النبيّ و آله عليهم السلام،

فنقول: الأخبار الواردة في أحكام الجمعة من حيث الوجوب و الشرائط و ادّعى انّها دالّة على وجوبها العيني، على أقسام:

______________________________

(1) الوسائل باب 3 حديث 3 من أبواب صلاة الجمعة، ج 5 ص 10.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 204

(أحدها) ورد في ذكر ثواب صلاة الجمعة كالرواية الثالثة، و السابعة، و التاسعة، و العاشرة، و السابعة عشرة، و الثامنة عشرة من الباب الأوّل من أبواب صلاة الجمعة من كتاب صلاة الوسائل «1».

(ثانيها) ما ورد في التهديد على تركها كالرواية الحادية عشرة و الثالثة عشرة، و الخامسة عشرة و الخامسة و العشرين (إلى) الثامنة و العشرين «2» منها.

(ثالثها) ما يدّعى دلالتها على الوجوب مفهوما.

فالطائفة الاولى «3» لا دلالة فيها على الوجوب، كما لا يخفى على من راجعها و تأمّلها.

و الطائفة الثانية «4» و ان اشتملت على تهديد شديد كقوله عليه السلام: من ترك الجمعة ثلاث جمع طبع اللّٰه على قلبه، و قوله عليه السلام: و لا يترك الجمعة ثلاث جمع الّا منافق الّا انّها ليست في مقام تشريعها و بيان شرائطها من حيث اشتراط الامام عليه السلام و عدمه، أو بيان العدد المعتبر و بيان عدم صحّتها إذا اختلّت الشرائط كلّها أو بعضها، بل يمكن أن يقال: انّها راجعة إلى الصلاة المعهودة المرتكزة في أذهان المسلمين في ذلك الزمان من كون مقيمها إمام الأصل عليه السلام أو نائبه هذا.

______________________________

(1) راجع الوسائل ج 5 ص 2 الى 5.

(2) الوسائل ج 5 ص 4 (الى) ص 7.

(3) ما ورد في ذكر الثواب.

(4) ما ورد في تهديد تركها.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 205

و لكن يمكن أن يستشكل بأنّ المعهوديّة و ان كانت موجبة للانصراف إليها ابتداء، الّا

انّ الامام عليه السلام بما هو إمام شأنه عليه السلام بيان الأحكام الواقعيّة لجميع المكلّفين، فلو كان مراده المعهود لبيّنه، و حيث لم يبيّن فيفيد العموم، و الانصراف بدوي يزول بعد التأمّل.

مضافا الى انّ تلك التهديدات الشديدة، يبعد غاية البعد لتحريض المسلمين الى جمعة المخالفين، فإنّ أكثر أمثال هذه الأخبار قد صدرت من مناهل الصادقين عليهما السلام، و المفروض عدم إقامة الأئمّة عليهم السلام الّا أمير المؤمنين عليه السلام في سنين معدودة.

و الحمل على ارادة بيان أحكام من يأتي بعد الغيبة الكبرى أو بعد ظهور الحجّة عجّل اللّٰه تعالى فرجه، خارج عن كيفيّة بيانهم عليه السلام من تقديمهم عليهم السلام بيان الأهم فالأهم.

فلو حملنا الأخبار على بيان وظيفة الناس بالنسبة إلى الصلاة المعهودة (أعني كون المقيم خلفاء الجور) يلزم بيان أحكام لا حاجة الى بيانها، لأنّ المفروض عدم وجوب الحضور في ذلك الزمان، فلو لم تحمل على ارادة الوجوب بعد رفع التقيّة يلزم ما ذكرنا من المحذور و هو الترغيب الى حضور صلاة خلفاء الجور.

و احتمال انّه يكفى في رفع المحذور، كون الوجوب تخييريّا في مقام البيان، مغالطة، فانّ المدّعى انّ الأخبار قد وردت في الجمعة المعهودة و المفروض انّ الجمعة المعهودة كانت واجبة عينا لا تخييرا.

فتحصّل ممّا ذكرنا الى هنا عدم دليل على الوجوب العيني و التخييري لا وجه له إذا حملنا الأخبار على الصلاة المعهودة الواقعة

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 206

في زمن الصادقين و الحمل على غيرها مستلزم للمحاذير المتقدّمة.

بقي من أخبار القسم الأول الّذي عقده في الوسائل عدّة أخبار لعلّها تبلغ إلى تسعة عشر نذكرها ان شاء اللّٰه واحدا بعد واحد و نتكلّم فيها.

(أحدها) ما رواه الصدوق ره «1»

بإسناده عن زرارة بن أعين، عن أبى جعفر الباقر عليه السلام، قال: انّما فرض اللّٰه عزّ و جلّ على الناس من الجمعة إلى الجمعة خمسا و ثلاثين صلاة منها صلاة واحدة فرضها اللّٰه عزّ و جل في جماعة، و هي الجمعة و وضعها عن تسعة، عن الصغير، و الكبير، و المجنون، و المسافر، و العبد، و المرأة، و المريض، و الأعمى، و من كان على رأس فرسخين، و رواه في الخصال مسندا عن زرارة مثله و زاد: و القراءة فيها جهار، و الغسل فيها واجب، و على الامام فيها قنوتان، قنوت في الركعة الأولى قبل الركوع، و في الثانية بعد الركوع «2».

(الثانية) و روى الكليني (ره)، عن محمد بن يحيى، عن أحمد ابن محمد، عن الحسين بن سعيد، عن النضر بن سويد، عن عاصم بن حميد، عن أبى بصير و محمد بن مسلم جميعا عن أبى عبد اللّٰه عليه السلام قال: انّ اللّٰه عزّ و جلّ فرض في كلّ سبعة أيام خمسا و ثلاثين صلاة منها صلاة واجبة على كلّ مسلم أن يشهدها الّا خمسة: المريض، و المملوك، و المسافر، و المرأة، و الصبي «3».

و يمكن أن يستدلّ بمواضع منها على الوجوب: (أحدها) قوله عليه

______________________________

(1) رواها الكليني و الشيخ في التهذيب و الأمالي مسندا عن زرارة.

(2) الوسائل باب 1 حديث 1- 2 من أبواب صلاة الجمعة ج 5 ص 2- 3.

(3) الوسائل باب 1 حديث 14 من أبواب صلاة الجمعة ج 5 ص 5.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 207

السلام: فرضها اللّٰه على الناس و لفظة (الناس) عام لجميع الناس الى يوم القيامة لا الناس الموجود حين التكلّم.

(ثانيها) إدراجها في سائر صلوات اليوم

و اللّيلة و المفروض انّ وجوب سائر الصلوات عيني دائميّ فلتكن الجمعة أيضا كذلك، و الّا يلزم استعمال اللفظ في أكثر من معنى بالنسبة إلى زمانين و هو غير جائز.

(ثالثها) قوله عليه السلام: (منها صلاة واحدة فرضها اللّٰه عز و جل في جماعة) و لفظة جماعة نكرة و هي موضوعة للفرد المنتشر، فهي واجبة في أيّ جماعة إلّا ما خرج بالدليل.

و قد يستشكل في الخبرين بوجهين (أحدهما) انّهما ليستا في مقام بيان خصوصيات إقامة الجمعة، غاية الأمر دلالتهما على وجوب الجمعة في الجملة، أمّا بيان أنها تجب مشروطا أو مطلقا فلا.

(ثانيهما) انّ قوله عليه السلام في المستثنيات: (و من كان على رأس فرسخين) قرينة على انّ هذا الحكم للمأمومين لا الإمام، لأنّ معنى هذا الاستثناء وجوب الحضور على من كان دون فرسخين كما صرّح به في رواية محمد بن مسلم و أبى بصير بقوله عليه السلام: (على كلّ مسلم أن يشهدها إلخ) فيكون إشارة إلى فرض انّ الجمعة يؤتى بها في محلّ معيّن يقيمها شخص خاص فيجب على المسلمين الحضور و لا يجوز التخلّف عنها، بل التخلّف موجب لطبع القلوب كما صرّح به في أخبار القسم الثاني.

و يؤيّد ما ذكرنا سابقا مغروسيّة أذهانهم بوجوب الحضور لا وجوب الإقامة بحيث لو خلّينا و أذهاننا عمّا خلط في أمثال زماننا، و فرضنا أنفسنا في ذلك الزمان لم نفهم من أمثال هذه التعبيرات الّا وجوب الحضور، هذا.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 208

و لكن يمكن أن يجاب عنهما، (اما عن الأوّل) فبأنه مسلّم بالنسبة إلى الشرائط المشتركة بين جميع الصلوات الخمسة من القبلة، و الطهور، و إباحة المكان، و غيرها من الشرائط المشتركة.

أمّا خصوصيّات إقامة الجمعة المختصّة

بها، كاعتبار الجماعة فيها، و وضعها عن تسعة، و كون قرائتها جهارا، و استحباب أو وجوب غسل الجمعة لأجلها و ان فيها قنوتين إلخ و قوله عليه السلام: (في جماعة) مطلق يشمل أنواع الجماعات الّا ما خرج بالدليل كاعتبار العدد المخصوص أعني الخمسة أو السبعة.

(و امّا عن الثاني) فبأنّ الأمر دائر بين تخصيص عموم قوله عليه السلام: (و من كان على رأس فرسخين) بغير من يليق للإمامة (و بعبارة أخرى) بغير إمام الجمعة، و بين التقييد بما إذا لم يكن هناك جمعة اخرى، و قد تقرّر في الأصول بأنّ دلالة العام على العموم وضعا و دلالة المطلق على الإطلاق بمقدمات الحكمة، لو فرض جريانها في المقام.

و لا شكّ انّ رفع اليد عن المطلق أولى منه عن العموم، و مجرّد المغروسيّة في أذهان أهل ذلك الزمان غير كاف في صرف الأخبار بعد فرض عموم الخطاب لمن بلغه مطلقا، هذا.

مع ان شأن الإمام عليه السلام بما هو امام، بيان الأحكام لعموم الناس لا لخصوص من كان موجودا زمن الصدور كما لا يخفى.

(الثالثة) ما رواه الشيخ (ره) بإسناده عن الحسين بن سعيد، عن صفوان «1»، عن منصور «2» عن أبى عبد اللّٰه عليه السلام قال: يجمع

______________________________

(1) في الوسائل: يعني ابن يحيى.

(2) في الوسائل: يعني ابن حازم.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 209

القوم يوم الجمعة إذا كانوا خمسة فما زادوا، فان كانوا أقلّ من خمسة فلا جمعة لهم، و الجمعة واجبة على كل أحد لا يعذر الناس فيها الّا خمسة:

المرأة، و المملوك، و المسافر، و المريض، و الصبيّ «1».

و كيفيّة الاستدلال بها على الوجوب، و الاشكال فيه بانصرافها إلى الصلاة المعهودة، و الجواب عنها بعينها ما ذكرنا

في السابقة فلا نطيل بإعادتها.

(الرابعة) ما رواه الصدوق في الفقيه مرسلا، قال: و خطب أمير المؤمنين عليه السلام (الى أن قال) عليه السلام: و الجمعة واجبة على كلّ مؤمن الّا على الصبي و المجنون و الشيخ الكبير و الأعمى و المسافر، و المرأة، و العبد المملوك، و من كان على رأس فرسخين «2».

و الكلام في الاستدلال و الجواب كسابقتيهما فتأمّل.

(الخامسة) ما رواه الشهيد الثاني في رسالة الجمعة قال: قال النبي صلى اللّٰه عليه و آله: الجمعة حقّ واجب على كلّ مسلم الّا أربعة:

عبد مملوك، أو امرأة، أو صبيّ أو مريض «3».

(السادسة) النبوي صلى اللّٰه عليه و آله أيضا- كما عن المعتبر للمحقّق قال: الجمعة واجبة على كلّ مسلم في جماعة «4».

(السابعة) نبويّ آخر- كما عن رسالة الشهيد الثاني- قال النبي

______________________________

(1) أورد صدره في الوسائل باب 2 حديث 7، و ذيله باب 1 حديث 16 من أبواب صلاة الجمعة ج 5 ص 8- 5.

(2) الوسائل باب 1 حديث 6 من أبواب صلاة الجمعة، ج 5 ص 3.

(3) الوسائل باب 1 حديث 24 من أبواب صلاة الجمعة، ج 5 ص 6.

(4) الوسائل باب 1 حديث 23 من أبواب صلاة الجمعة، ج 5 ص 6.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 210

صلى اللّٰه عليه و آله: الجمعة حقّ واجب على كلّ مسلم الّا أربعة «1».

(الثامنة) و روى الشهيد الثاني أيضا في رسالة الجمعة مرسلا عن النبي صلى اللّٰه عليه و آله انّه قال في خطبة طويلة نقلها المخالف و المؤالف: انّ اللّٰه تعالى فرض عليكم الجمعة، فمن تركها في حياتي أو بعد موتى استخفافا بها أو جحودا لها فلا جمع اللّٰه شمله و لا بارك له في

أمره الّا و لا صلاة له، ألا و لا زكاة له، ألا و لا حجّ له، ألا و لا صوم له، ألا و لا برّ له حتّى يتوب فان تاب تاب اللّٰه عليه «2».

(التاسعة) ما رواه المحقّق (صاحب الشرائع) في المعتبر، قال:

قال النبي صلى اللّٰه عليه و آله: الجمعة فريضة واجبة إلى يوم القيامة «3».

و الجواب عن هذه الأقسام الخمسة أنها في مقام بيان أصل الوجوب لا في مقام بيان خصوصيّاتها و شرائطها «4» و لذا لم ينقل انّ الأئمّة عليهم السلام بعد أمير المؤمنين قد أقاموها حتّى انّ مولانا الرضا عليه السلام قد شرط مع المأمون عند قبوله عليه السلام لولاية العهد جبرا أن لا يقيمها.

(العاشرة) ما رواه الشيخ (ره) بإسناده، عن الحسين بن سعيد عن فضالة، عن أبان بن عثمان، عن الفضل بن عبد الملك، قال: سمعت أبا عبد اللّٰه عليه السلام يقول: إذا كان القوم في قرية صلّوا الجمعة أربع

______________________________

(1) الوسائل باب 1 حديث 21 من أبواب صلاة الجمعة، ج 5 ص 6.

(2) الوسائل باب 1 حديث 28 من أبواب صلاة الجمعة.

(3) الوسائل باب 1 حديث 22 من أبواب صلاة الجمعة إلى قوله حتّى يتوب

(4) من هنا الى قوله: أن لا يقيمها لا يكون في بالي كونه من تقرير بحث سيّدنا الأستاذ (قده) فلعلّه منّى، و اللّٰه العالم.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 211

ركعات، فان كانوا لهم من يخطب لهم جمّعوا إذا كان خمس نفر، و انّما جعلت ركعتين لمكان الخطبتين «1».

(الحادية عشرة) ما رواه الصدوق (ره) بإسناده، عن الحلبي، عن أبى عبد اللّٰه عليه السلام، قال: في صلاة العيدين إذا كان القوم خمسة أو سبعة، فإنّهم يجمّعون الصلاة كما

يصنعون يوم الجمعة «2».

تقريب الاستدلال بهما أنه قد تقرّر في الأصول أنّ القضيّة الاخباريّة في مقام الإنشاء أكد في الدلالة على الوجوب من الهيآت الموضوعة للطلب ك (افعل) و (ليفعل) مثلا، قوله عليه السلام (فان كان لهم من يخطب جمّعوا) في الاولى و قوله عليه السلام: (فإنّهم يجمّعون الصلاة كما يصنعون يوم الجمعة) في الثانية يعني بهما انّه يجب عليهم أن يجمّعوا مع اجتماع من كان يقدر على الخطبة، و العدد المعتبر من الخمسة أو السبعة على القولين.

و الاشكال في الأولى بأنّ من يخطب إشارة إلى المعهود في ذلك الزمان عند المخاطب، فلا يدلّ على المطلوب، يدفعه (أوّلا) أنّ المسألة فرضيّة، لا حكاية حال حتّى يحمل على المعهود.

و (ثانيا) عدم المعهوديّة لنصب الإمامة من قبل الصادق عليه السلام و لا من سائر الأئمّة عليهم السلام الّا الأمير عليه السلام في سنين قليلة، و بقاء المنصوبين من قبل الأمير عليه السلام الى زمن الصادق عليه السلام بعيد جدّا، لأنّ المنصوبين من قبله عليه السلام كانوا معلومين و معدودين و لم ينقل انّهم كانوا باقين الى زمن الصادق عليه السلام.

______________________________

(1) الوسائل باب 2 حديث 6 من أبواب صلاة الجمعة، ج 5 ص 8.

(2) الوسائل باب 2 حديث 3 من أبواب صلاة الجمعة، ج 5 ص 8.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 212

(و ثالثا) ما ذكرناه سابقا من أنّ الامام عليه السلام بما هو إمام شأنه بيان الأحكام الواقعيّة فحمل من يخطب على بيان المعهود، يستلزم إرجاع كلامه عليه السلام الى الإرشاد، لأنّهم كانوا يعلمون انّ من كان منصوبا من قبله عليه السلام لإقامة الجمعة يجب الحضور اليه فكون هذا الكلام من قبيل قوله تعالى أَطِيعُوا اللّٰهَ

وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ «1» خلاف الظاهر.

و (رابعا) كونه بحيث يلزم التصرّف امّا في كلمة (من) بحملها على المعهود أو في كلمة (يخطب) بحمله على الاقتدار على الخطبة، و الأوّل بعيد لما ذكرنا من عدم المعهوديّة في ذلك الوقت.

و أمّا الثاني فلا استبعاد فيه الّا أن يقال: انّ تقييد الواجب المطلق الّذي هو المدّعى بقوله عليه السلام: (ان كان من يخطب) بعيد، بل غير جائز لأنّ تعلّم الخطبة حينئذ واجب كفاية، و تعلّم أقل الخطبة بمثل قوله: الحمد للّٰه و الصلاة على رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و آله، و على الأئمّة عليهم السلام، أيها الناس اتّقوا اللّٰه (أو) أوصيكم بتقوى اللّٰه ليس بمتعذّر على نوع المكلّفين، فاشتراط إقامة الجمعة على وجود من يخطب، قرينة واضحة على عدم الوجوب على الأعيان، بل هو منصب خاص لهم عليهم السلام.

اللّٰهم الّا أن يقال: انّ موضوع السؤال كون السبعة أو الخمسة من أهل القرى، و لا يبعد أن لا يكونوا عالمين بأحكام الجمعة، و لا سيّما في ذلك الزمان الّذي لم ينتشر الأحكام على ما هي كي يعلموا انّ أقلّ الخطبة هو ما اشتمل منها على الحمد و الثناء و الصلاة و غيرها،

______________________________

(1) النساء/ 59.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 213

و لا سيّما أهل ذلك الزمان الذين قد رأوا أو سمعوا خطب النبي صلى اللّٰه عليه و آله و علىّ عليه السلام مع تفصيلها، فلعلّهم تخيّلوا انّ الخطيب يجب أن يخطب مثل ما خطبوا عليهم السلام.

و لكن لا يدفع الإشكال لأنّ الإمام عليه السلام في مقام بيان الحكم الواقعي لا على النحو الّذي يعلمونه أو لا يعلمونه.

و كيف كان فهذا الاشكال من أهمّ ما

يستدلّ به على الاشتراط كما سيأتي ان شاء اللّٰه تعالى أدلّة الاشتراط.

نعم لو قيل بأنّ احتمال كون المراد ب (من يخطب) المعهود أو من يحسن الخطبتين و كان الاحتمالان متساويان، تسقط كل رواية علّقت الوجوب على وجود من يخطب، عن الاستدلال للوجوب، كما انّه إذا كان الاحتمال الأوّل أقوى تدلّ على الاشتراط بالظنّ القوى، هذا.

لكن الشأن في تساوى الاحتمالين فتأمّل جدّا.

فظهر انّ الاستدلال بمثل هذه الروايات على الاشتراط- كما استدلّ بها جماعة غير وجيه (و اللّٰه العالم).

(الثانية عشرة) ما رواه الشيخ (ره) بإسناده، عن محمد بن علىّ بن محبوب، عن العبّاس، عن حماد بن عيسى، عن ربعي، عن عمر بن يزيد عن أبى عبد اللّٰه عليه السلام قال: إذا كانوا سبعة يوم الجمعة فليصلّوا في جماعة، و ليلبس البرد و العمامة و يتوكأ على قوس أو عصا، و ليقعد قعدة بين الخطبتين و يجهر بالقراءة و يقنت في الركعة الأولى منهما قبل الركوع «1».

و هذه الرواية و ان كانت في بدو الأمر في مقام بيان العدد إلّا

______________________________

(1) الوسائل باب 2 حديث 10 من أبواب صلاة الجمعة، ج 5 ص 9.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 214

ان ضم بقيّة الأحكام التي ذكرت فيها موجب لحصول الاطمئنان بأنها في مقام بيان سائر الشرائط فيمكن أن يستدلّ بإطلاقها على عدم الاشتراط، مضافا الى انّ حمل الكلام على بيان وظيفة من هو عالم بوظيفته، خلاف الظاهر، فلو حمل قوله عليه السلام: (و ليلبس البرد إلخ) على وظيفة الإمام عليه السلام مع انّه عالم بوظيفته، لزم ما ذكرنا.

نعم يمكن أن يستشكل بأنّ ظاهر الكلام مسبوق بكلام آخر، لعدم ذكر المرجع، فلعلّ الامام عليه السلام قد بيّن انّ شرطه

هو وجود الإمام الأصل فيعود ضمير قوله عليه السلام: (و ليلبس) الى ذلك الإمام فحينئذ تصير الرواية مجملة من ذلك و القدر المتيقّن استفادة العدد لا غير.

(الثالثة عشرة) ما رواه الصدوق (ره) بإسناده، عن زرارة، عن أبى جعفر عليه السلام قال: تجب الجمعة على سبعة نفر من المسلمين، و لا جمعة لأقل من خمسة أحدهم الإمام، فإذا اجتمع سبعة و لم يخافوا أمّهم بعضهم و خطبهم «1».

وجه الاستدلال انّه عليه السلام- بقرينة السؤال- في مقام بيان انّها تجب على كم عدد من المسلمين، و لذا قال عليه السلام:

(تجب على سبعة نفر من المسلمين).

و يستفاد من قوله عليه السلام: (و لا جمعة لأقلّ من خمسة أحدهما الإمام) أمور ثلاثة:

(أحدها) جوازها لأقلّ من السبعة (ثانيها) انّ هذا على وجه التخيير فحينئذ لا يجوز حمل قوله عليه السلام: (تجب على سبعة نفر من المسلمين) على الوجوب التخييري، و الّا يلزم حمل قوله عليه السلام: (و لا

______________________________

(1) الوسائل باب 2 حديث 4 من أبواب صلاة الجمعة، ج 2 ص 8.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 215

جمعة لأقلّ من الخمسة) على الجواز بالمعنى الأخص بمعنى عدم وجوبها و لو تخييرا و هو احداث قول جديد لم يقل به أحد، لأنّ الأقوال منحصرة في الحرمة، أو الوجوب العيني أو التخييري، و أما الجواز بالمعنى الأخصّ أو الاستحباب بالمعنى الأخصّ من دون اتّصافها بالوجوب أصلا، فلا معنى له أصلا.

(ثالثها) انّ السبعة الّذين تجب معهم الجمعة هم مع الامام دفعا لأن يتوهّم السامع أنّ السبعة هم المأمومون فقط ليصيروا مع الإمام ثمانية.

ثم بيّن عليه السلام انّ الامام المذكور في كلامه عليه السلام من هو؟

فقال: (فإذا اجتمع سبعة و لم يخافوا أمّهم

بعضهم و خطبهم) إرشادا الى انّ الامام المذكور مطلق من يؤم من غير فرق في السبعة بين أفرادها في كون أحدهم الإمام فأيهم أمّهم يجب على الباقي الايتمام مقدّمة لإقامة الجمعة.

و لم يبق عليه السلام في هذه الرواية عذرا للقائلين بعدم الوجوب من حيث الإمامة و ان الامام لا بدّ أن يكون إمام الأصل أو نائبه.

نعم يمكن للمتصدّين للتوجيه أن يقولوا «1»: انّ المراد من كلمة (بعضهم) في قوله عليه السلام: (أمّهم بعضهم) هو المعهود المنصوب من قبل الامام عليه السلام، و لا يخفى ما فيه.

نعم يمكن أن يقال: انّ قوله: (فإذا اجتمع سبعة و لم يخافوا

______________________________

(1) لا يكاد ينقضي تعجّبي كيف يتجرّأ على هذا التوجيه الّا أن يكون للموجه نفس قدسىّ له نحو ارتباط بالمبادي الغيبيّة و يكون مؤيّدا و أدرك ما هو الواقع.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 216

أمّهم بعضهم و خطبهم) من كلام الصدوق (ره) و فتواه كما احتمله بعض الأعاظم «1» رضى اللّٰه عنه.

فحينئذ كانت الرواية ساكتة من حيث إمام الجمعة و لم يكن لها إطلاق.

و القرينة على صحّة الاحتمال المذكور كثرة وقوع أمثال ذلك من الصدوق (ره) في الفقيه رحمه اللّٰه، و خصوص قوله بعد هذا-: (و قال أبو جعفر عليه السلام: و انّما وضعت الركعتان اللّتان أضافهما النبي صلى اللّٰه عليه و آله لمكان الخطبتين مع الإمام إلخ) فإنّه (ره) فصل بين قوله: (فإذا اجتمع إلخ) و بين قوله: (و انّما وضعت الركعتان إلخ) بقوله رحمه اللّٰه: (و قال أبو جعفر عليه السلام إلخ) و هو قرينة كون الفقرة الّتي قبل قوله (ره) فتواه لا كلام الامام عليه السلام، فإذا احتملنا ذلك و القرينة أيضا شاهدة، سقطت

الرواية عن الاستدلال بهذه الفقرة.

نعم يمكن أن يقال: انّ الصدوق رحمه اللّٰه و نظرائه من القدماء كان دأبهم و ديدنهم أنهم لا يفتون بغير رواية فيكشف بهذا الفتوى وصول رواية إليه رحمه اللّٰه و لو بالمضمون، هذا.

و لكن يمكن أن يخدش في أصل هذا الاحتمال، بأنّ مجرّد الفصل بقوله (ره): (قال أبو جعفر عليه السلام إلخ) لا يكون قرينة على كون ما قبله من كلامه (ره)، و الّا فيمكن أن يقال: انّ الرواية الّتي رواه محمد

______________________________

(1) في تعليقة الفقيه المطبوع 1392 ب (مكتبة الصدوق) عند قوله:

(و لا جمعة لأقل إلخ) هكذا: قال الفاضل التفريشى: لعلّه من كلام المؤلّف- الفقيه ج 1 ص 412، و لكن الظاهر ان ليس مراد سيّدنا الأستاذ الأكبر (قده) هو هذا.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 217

ابن مسلم عن أبى جعفر عليه السلام و استدلّ القائلون بالاشتراط، بها، بل هي العمدة في استدلالاتهم غير قابلة للاستدلال فانّ الفقيه روى أوّلا بقوله (ره):

و روى محمد بن مسلم، عن أبى جعفر عليه السلام قال: تجب الجمعة على سبعة نفر من المؤمنين (المسلمين- خ الوسائل) و لا تجب على أقل منهم، الامام و قاضيه، و المدعى حقا، و المدعى عليه، و الشاهدان، و الذي يضرب الحدود بين يدي الإمام، ثم قال: و قال أبو جعفر عليه السلام: أول وقت الجمعة «1».

فلقائل أن يقول حينئذ ان قوله: قال أبو جعفر عليه السلام قرينه على انّ قوله: الامام و قاضية إلى آخر السبعة من كلام الصدوق (ره) و الحال انّه لم يحتمله أحد.

فظهر انّ مجرّد الفصل بقوله: (قال) لا يصحّح الحمل على انّه من كلام الصدوق (ره) فتأمّل، فراجع الفقيه تجد صدق ما بينّاه،

فإنّ ظنّي انّه يعبّر عن الرواية الصحيحة عنده بقوله رضى اللّٰه عنه بقوله: (قال الصادق أو قال الباقر عليهما السلام) و أمّا إذا كان فيها من يحتمل عدم وثاقته يعبّر بقوله (ره): (و روى فلان عن الباقر أو الصادق عليهما السلام) مثلا فافهم.

(الرابعة عشرة) ما رواه الشيخ رحمه اللّٰه في التهذيبين مسندا عن عمر بن أذينة، عن زرارة، قال: قال أبو جعفر عليه السلام: الجمعة واجبة على من ان صلّى الغداة في أهله أدرك الجمعة و كان رسول اللّٰه صلى اللّٰه

______________________________

(1) من لا يحضره الفقيه ج 1 ص 413 طبع مكتبة الصدوق و الوسائل باب 2 حديث 9 من أبواب صلاة الجمعة ج 5 ص 9، و باب 8 حديث 13 منها ص 19.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 218

عليه و آله انّما يصلى العصر في وقت الظهر في سائر الأيّام كي إذا قضوا الصلاة مع رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و آله رجعوا الى رحالهم قبل اللّيل و ذلك سنة الى يوم القيامة «1».

فإنّه يستشمّ منها وجوبها مطلقا من غير اشتراط وجود الإمام أو نائبه فإنّ قوله عليه السلام: (و ذلك سنّة الى يوم القيامة) إشارة الى جميع ما بينه عليه السلام في تلك الرواية و من قوله عليه السلام- في أوّلها-:

الجمعة واجبة إلخ.

و لكن يمكن ان يخدش فيه انّ هذا الحكم حيثىّ، فالمعنى ان حكم الجمعة من حيث بعد الحاضرين للجمعة و قربهم كذلك الى يوم القيامة و لا ينافي هذا عدم وجوبها من حيث عدم وجود شرط وجوبها.

(الخامسة عشر) ما رواه الصدوق (ره) في الفقيه بإسناده، عن سماعة عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام قال: صلاة الجمعة مع الامام ركعتان،

فمن صلى وحده فهي أربع ركعات «2».

و في الكافي و التهذيب روياه، عن سماعة هكذا: قال،: سمعت أبا عبد اللّٰه عليه السلام عن الصلاة يوم الجمعة فقال: امّا مع الامام فركعتان و اما من يصلّى وحده فهي أربع ركعات بمنزلة الظهر يعني إذا كان امام يخطب فاما إذا لم يكن امام يخطب فهي أربع ركعات و ان صلوا جماعة «3».

و الكلام فيها نقضا و إبراما قد مرّ في نظيرها رواية عمر بن يزيد،

______________________________

(1) الوسائل باب 4 حديث 1 من أبواب صلاة الجمعة ج 5 ص 11.

(2) الوسائل باب 4 حديث 2 من أبواب صلاة الجمعة ج 5 ص 14.

(3) الوسائل باب 5 حديث 3 من أبواب صلاة الجمعة ج 5 ص 13.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 219

فلا نعيد مضافا الى أنّ قوله: (يعني إذا كان امام يخطب (إلخ) ان كان من كلام الامام عليه السلام يقوى القول بأنّ كل مورد ذكر فيه لفظة (الامام) ليس المراد إمام الأصل عليه السلام، بل المراد الامام الخطيب مطلقا، و ان كان من كلام الرّاوي يكون ذلك قرينة على أنّ استعمال لفظة الإمام في الإمام الخطيب ارتكازيّا عند الرّواة.

(السادسة عشر) ما رواه الشيخ (ره) بإسناده عن الحسين بن سعيد، عن زرعة، عن سماعة، قال: سألته عن القنوت في الجمعة؟ قال: أمّا مع الامام فعليه القنوت في الرّكعة الأولى بعد ما يفرغ من القراءة قبل أن يركع و في الثانية بعد ما يرفع رأسه من الرّكوع قبل السّجود، و انّما صلاة الجمعة مع الامام ركعتان، فمن صلّى من غير امام وحده فهي أربع ركعات بمنزلة الظهر، فمن شاء قنت في الركعة الثانية قبل أن يركع و ان شاء

لم يقنت، و ذلك إذا صلّى وحده «1» و في هذه الرّواية و ان لم يكن و لم يقل: (إذا كان امام يخطب) الّا انّه معلوم أنّ المراد من قوله: (صلّى وحده) يعنى به أنّه صلّى منفردا عن امام جامع لشرائط إقامة الجمعة معه و لو كان هو الامام الجامع لشرائط الإمامة مع قدرته على الخطبة، نظير إمامته لسائر الصلوات.

(السابعة عشر) ما رواه الشيخ في التهذيب بإسناده عن الحسين ابن سعيد، عن ابن أبى عمر، عن هشام بن سالم، عن زرارة قال: حثّنا أبو عبد اللّٰه عليه السلام على صلاة الجمعة حتّى ظننت أنّه يريد أن نأتيه،

______________________________

(1) الوسائل أورد قطعة منه في الوسائل باب 5 حديث 8 من أبواب القنوت ج 4 ص 904 و قطعة في باب 6 حديث 6 من أبواب صلاة الجمعة ج 5 ص 12.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 220

فقلت: نغدو عليك فقال: لا انّما عنيت عندكم «1».

يمكن الاستدلال بها على القولين، الوجوب و عدمه.

أمّا بيان دلالتها على الوجوب من غير اشتراط بوجود الامام عليه السلام، فلأنها لو كانت مشروطة بوجوده مباشرة أو إذنا- و المفروض انه عليه السلام لم يقمها- لما كان لترغيب زرارة إليها معنى فهو حينئذ نظير ترغيب الفقير على الحج مع فرض عدم استطاعته من حيث المال و ذلك قبيح عن العاقل فضلا عن الحكيم العادل.

و حملها على الاذن الخاص و ان كان محتملا الا انّه يبعده عدم معلوميّة المأذون في هذه الرواية.

و احتمال كونه معلوما بقرينة لم تصل إلينا، موجب لسقوط الظواهر عن الحجّية لقيامه في كثير من الرّوايات لو لم يكن أكثرها.

الا أن يقال: انّ قوله: (حثّنا) غير دال على الوجوب فلا يقال

مثلا حثّنا فلان على أكل الطّعام بقدر القوت.

اللهمّ الّا أن يقال: انّ الإنسان إذا كان ممنوعا من الطّبيب عن الأكل و لو بقدر القوت لمرض و نحوه من الموانع ثمّ أجاز له ذلك إرشادا إلى رفع المانع، لا ينافي ذلك للوجوب.

ففي المقام كان زرارة و نظائره من أتباع الصادق عليه السلام ممنوعين من اقامة الجمعة مع الامام عليه السلام لشدّة التقيّة و كانت قد خفّت في الجمعة في برهة من زمن الصادق عليه السلام، لكن لا بنحو يمكن للإمام عليه السلام أن يقيم الجمعة بنفسه أرشد هم إلى إقامتها.

و يؤيّده أنّه قال: (ظننت أن نأتيه فقلت: نغدو عليك) حيث أن زرارة زعم أنّ التقيّة قد ارتفعت بحيث يمكن للإمام أن يقيمها، فقال عليه

______________________________

(1) الوسائل باب 5 حديث 1 من أبواب صلاة الجمعة ج 5 ص 12.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 221

السلام: (لا انّما عنيت عندكم).

و أمّا بيان دلالتها على اشتراط الإمام مباشرة أو إذنا فبأن يقال:

انّها لو لم تكن مشروطة بارتكاز الرّاوي- و هو زرارة- الذي كان من أفقه تلامذة الصادق عليه السلام لما كان وجه لقوله: (ظننت) أن نأتيه فقلت: (نغدو عليك) فكأنّ أصل الاشتراط كان مسلّما لدى الرّاوي و سؤاله عنه انّما كان عن لزوم الحضور فأجاب عليه السلام بقوله: (لا انّما عنيت عندكم).

(ان قلت) إذا كان الامام عليه السلام لا يمكنه إقامتها، فكذا اتباعه فإنّهم بتبعه عليه السلام كانوا تحت حكومة الجائر بحيث لو عرفته الحكومة الكذائيّة لآذاهم فكيف يأذن الإمام عليه السلام لهم أن يقيموها.

(قلت) انّ المراد من قوله، عليه السلام: (لا انّما عنيت عندكم).

هو الحضور عند جماعتهم كي لا يتخلّفوا عن جماعاتهم فيعرفوا فيعدوا من المتخلّفين عن

الجماعة عندهم كما حكى ذلك عن المفيد في المقنعة (و بعبارة أخرى) ترغيبه عليه السلام و حثّه على الجمعة انّما كان صونا لهم عن الفتنة.

و يؤيّده أنّه لم ينقل في تاريخ و لا رواية أنّ زرارة الرّاوي لهذا الخبر قد أقام الجمعة في جميع عمره زمن الصادق و لا الباقر عليهما السلام و لو دفعة و لو أقامها لنقل إلينا لتوفّر الدّواعي بنقل أقوال الشيعة و ضبطها.

هذا محصل ما قيل أو يقال في توجيه هذه الرّواية، فعلى المتأمّل أن يتأمّل فيها و يحكم بما هو الحق، و يبعد الحمل على الترغيب الى جمعتهم أنّ صيانتهم يكفف فيه الاذن المطلق و الحثّ زائد عليهم.

و يبعد الحمل على الاذن الخاص أنّ الأمور الإذنيّة التي تكون منصبا لمن كان واجب الإطاعة، لا تحتاج الى الحثّ و الترغيب، بل كلّما

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 222

أمر بذلك يجب اطاعته و الحثّ أو الترغيب يستعمل في الأمور الاختياريّة.

اللّٰهم الّا أن يقال: ان في صورة عدم بسط يد الامام عليه السلام تكون مستحبّة مع التمكن و عدم الخوف فتكون أفضل فردي الواجب التخييري كما يأتي أدلّتهم ان شاء اللّٰه تعالى فتكون الرواية من أدلّة الواجب التخييري.

(الثامنة عشر) ما رواه الشيخ (ره) بإسناده، عن الحسين بن سعيد عن ابان بن عثمان، عن الفضل بن عبد الملك، قال: سمعت أبا عبد اللّٰه عليه السلام يقول: إذا كان القوم في قرية، صلّوا الجمعة أربع ركعات، فان كان لهم من يخطب لهم جمّعوا إذا كانوا خمس نفر و انما جعلت ركعتين لمكان الخطبتين «1».

(التاسعة عشر) ما رواه الشيخ (ره) أيضا بإسناده عن الحسين بن سعيد عن صفوان، عن عبد اللّٰه بن بكير، قال:

سألت أبا عبد اللّٰه عليه السلام عن قوم في قرية ليس لهم من يجمّع بهم أ يصلّون الظهر يوم الجمعة في جماعة؟ قال: إذا لم يخافوا «2».

(العشرون) ما رواه أيضا بإسناده، عن الحسين بن سعيد، عن صفوان، عن العلاء، عن محمد بن مسلم، عن أحدهما عليهما السلام، قال سألته عن أناس في قرية هل يصلون الجمعة جماعة؟ قال: نعم (و- خ)

______________________________

(1) الوسائل باب 2 حديث 6 من أبواب صلاة الجمعة ج 5 ص 12.

(2) الوسائل باب 12 حديث 1 من أبواب صلاة الجمعة ج 5 ص 26 و قال الشيخ في التهذيب: فصرّح عليه السلام في هذا الخبر أنّ الجمعة إذا لم يكن الحال حال التقيّة تجب (انتهى) أقول فالاستدلال على صلاة الجمعة موقوف على إرادة الجمعة من الظهر.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 223

يصلّون أربعا إذا لم يكن من يخطب «1».

تقرير الاستدلال بهذه الثلاث أنه عليه السلام علّق جواز إيتاء أربع ركعات بعنوان الظهر على عدم وجود من يخطب بهم فلو كان الظهر جائزة مع وجوده لما كان للتعليق وجه.

و فيه أنّ الرواية الثانية أجنبية عن المقام، لأنها بصدد بيان جواز الجماعة في غير الجمعة ردّا على أبى حنيفة القائل بعدم جواز إقامة الجمعة لأهل القرى، و السواد الذين لم يتمكنوا من الجمعة.

قال العلّامة قدّس سره في المنتهى ج 1 ص 319: مسألة المصر ليس شرطا في الجمعة، بل الوجوب متعلق بأهل السواد و القرى إذا حصلت فيها الشرائط كما يجوز على أهل المصر، و هو قول علمائنا و الشافعي و هو منقول عن ابن عمر، و ابن عباس، و عمر بن عبد العزيز، و الأوزاعي و اللّيث، و مكحول، و عكرمة، و

مالك، و احمد، و إسحاق، و قال أبو حنيفة: لا يجب على أهل السواد، و نقله الجمهور عن عليّ عليه السلام، و عن الحسن، و ابن سيرين، و إبراهيم، و محمد بن حسن (انتهى) كلامه رفع مقامه.

و قال في موضع آخر منه ص 336: الرابع من لا يجب عليه الجمعة كالمسافر و المرأة و العبد و غيرهم من المعذورين، يجوز له فعل الظهر قبل صلاة الامام، و عليه قول علمائنا اجمع و أكثر الجمهور، خلافا لشذوذ الى أن قال: الخامس لا يكره لهؤلاء أن يصلّى الظهر جماعة، و هو قول علمائنا، و فعل ذلك ابن مسعود، و هو قول الأعمش، و الشافعي و إسحاق، و أحمد، و كرّهه الحسن، و أبو قلابة، و أبو حنيفة (انتهى

______________________________

(1) الوسائل باب 3 حديث 1 من أبواب صلاة الجمعة ج 5 ص 10.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 224

موضع الحاجة من كلامه رفع مقامه).

و الحاصل أنّ وجه السؤال في هذه الرواية أنّ القرى لمّا كانت خالية غالبا ممن يخطب و كانوا معذورين في إقامة الجمعة ربّما يتوهّم السّائل أنّ الحكم كراهة إقامة الجماعة حينئذ.

و أما الاولى و الأخيرة فلا تدلّان على وجوب الجمعة أوّلا و على كون من يخطب من هو؟ ثانيا، بل يمكن أن يقال: كونه معهودا عند السائل.

ان قلت: ما وجه العدول عن لفظ (الإمام) إلى لفظ (من يخطب) فلم لم يقل عليه السلام: (إذا لم يكن لهم إمام) كي يرتفع الاشتباه كما في سائر الرّوايات مثل قوله عليه السلام: (أمّا مع الامام فركعتان و أمّا لمن صلّى وحده فأربع ركعات) «1» و غيرها من الروايات فيكشف ذلك أنّ التعبير الثاني أعمّ فيشمل الامام و

غيره.

(قلت): لعل وجه العدول كون الخطبة سببا لسقوط الركعتين و عند عدمها يجب أربع ركعات، فلمّا بين الامام عليه السلام في هاتين الروايتين، الركعتين تارة و أربع ركعات اخرى عبّر ب (الامام) بما يناسب التعبير ب (الركعات) و يشير الى ما ذكرناه من اللّطيفة قوله عليه السلام في كثير من الروايات: (و انّما وضعت أو جعلت الركعتان لمكان الخطبتين) «2» و حاصل المعنى أنّه إذا كان من يحصل معه البدل يسقط المبدل.

(ان قلت): لمّا كان السؤال عن أناس في قرية و يكون أهل القرى

______________________________

(1) راجع الوسائل باب 6 من أبواب صلاة الجمعة ج 5 ص 14.

(2) راجع باب 6 من أبواب صلاة الجمعة.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 225

غير متمكّنين غالبا من اقامة الجمعة، ففرض السؤال في مورد لا يكون فيه من يخطب بهم فتقييد الامام مع ذلك صلاة، أربع ركعات بعدم وجود من يخطب قرينه على أنّ المراد من من يخطب غير ما هو المعهود عند السائل، بل هو من يقدر على قراءة الخطبتين فحمله على المعهود خلاف قاعدة إتيان القيود لأنها تؤتى في مورد يكون تحقق القيد و عدمه غير مفروضين، و قد قلنا: أنّ مفروض السؤال هو عدم تحققه.

(قلت): هذا غاية ما يمكن توجيهه للشيخ الطوسي قدس سره حيث استفاد من أمثال هذه الروايات جواز الجمعة لأهل القرى و السواد كما نقل عنه في الخلاف حيث قال- بعد الاستدلال باشتراط انعقاد الجمعة بالسلطان العادل أو من نصبه-: ما لفظه:

(ان قلت): أ ليس قد رويتم في كتبكم ممّا مضى أنّه يجوز لأهل القرى و السواد و المؤمنين أن يجمّعوا (قلت): ذلك مأذون فيه مرغّب فيه مجرى ذلك مجرى أن ينصبه الامام

(انتهى).

و يأتي بعض كلماته الأخرى مع بيان تهافتها و بيان ما يمكن أن يكون وجه الجمع بينهما إن شاء اللّٰه تعالى.

لكن نقول هنا- في جواب هذا الاشكال-: أنّ الامام عليه السلام قد أجاب بمقتضى ما هو الغالب في القرى من عدم وجود من يخطب، و هو وجوب أربع ركعات و لمّا كان من الممكن أن يتوهّم السائل أنّ أهل القرى بما هو أهل القرى لا يجب عليهم الجمعة كما يقوله أبو حنيفة، قال ردا لذلك التوهّم-: إذا لم يكن من يخطب ليفهم السامع أنّ أهل القرى و غيرهم متساوون في هذا الحكم هذا.

و لكن في صحيفة محمد بن مسلم المتقدّمة و هي الثانية من الثلاثة

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 226

المذكورة كما سمعت من الوسائل: نعم و يصلّون أربعا إذا لم يكن لهم من يخطب «1» مع الواو، فيصير المعنى أنّهم يصلّون الجمعة في القرى و إذا لم يكن لهم من يخطب يصلّون أربعا.

فيستفاد منه عكس المعنى المذكور في هذا الجواب، لأنّ القيد لا يرد على شي ء فيكون غالب الوجود معه.

اللّٰهم الا أن يقال: أنّ صحيحة الفضل بن عبد الملك «2» و سائر النسخ في صحيحة محمد بن مسلم قرينة على عدم وجود الواو فتأمّل.

فتحصّل من جميع ما ذكرناه أنّ ادّعاء كون الأدلّة دالّة على الوجوب مطلقا- فيحتاج القائل بعدم الوجوب الى دليل الاشتراط- مما يمكن منعه من دون تكلّف.

هذا بعض الكلام في الاستدلال على عدم اشتراط إقامة الجمعة بوجود الامام عليه السلام أو من نصبه على ما استفدناه من بحث سيّدنا الأستاذ الأكبر الآية العظمى البروجردي (قده).

و لنذكر الأدلّة المستدل بها على الاشتراط.
(أحدها) عمل المسلمين من أوّل زمن تشريع صلاة الجمعة إلى آخر زمانه

صلى اللّٰه عليه و آله و بعده زمن الخلفاء «3» الثلاثة، و في عهد عليّ

عليه السلام، و كذا من بعده من المدّعين للخلافة من الأمويّين و العباسيين فإنه ما كان أقام الجمعة إلّا السلاطين أو من نصبوه و لم يصل في تاريخ و لا رواية اقامة غيرهم لها من غير إذنهم و هذا يكشف عن اختصاص هذا

______________________________

(1) الوسائل باب 3 حديث 1 من أبواب صلاة الجمعة ج 5 ص 10.

(2) راجع الوسائل باب 3 حديث 2 من أبواب صلاة الجمعة ج 5 ص 10.

(3) المدّعين للخلافة.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 227

العمل بهم حيث كان من لوازم السلطنة كما ذكرناه في المقدّمة الاولى من المقدّمات الثلاث المتقدّمة.

(ان قلت): العمل الخارجي لا يكون دليلا على كون هذا العمل كان من حيث اختصاص الإقامة بهم، فانّ الفعل كما قرّر في الأصول أمر مجمل يمكن إيقاعه على وجهين فكما يحتمل أن يكون لأجل الاختصاص يحتمل أن يكون لأجل الأولويّة، و الأعمّ لا يدلّ على الأخصّ.

(قلت): نعم لو كان هذا العمل غير مختص بهم لنصب الأئمة عليهم السلام أدلّة وافية تدلّ على جوازه لغيرهم كما نصبوا عليهم السلام في مسألة العول و التعصيب، و مسألة عدم إرث الزوجة في الجملة «1» من العقار في الجملة «2» و غير ذلك من متفرّدات الإمامية رضى اللّٰه عنهم.

(فان قلت): لعلّ عدم بيانهم عليهم السلام كان لأجل الخوف منهم و عدم البيان لأجل أمر ضروري، لا يدل على رضاهم عليهم السلام (و بعبارة أخرى) السكوت في مقام التقيّة ليس دليلا على الإمضاء و الرضا كما قرر في الأصول.

(قلت): فرق بين القول و العمل، و التقيّة انما كانت في الثاني دون الأوّل، فإنّ بيان أنّ الجمعة ليست إقامتها بيدهم ليس بأدنى من مسألة أصل الخلافة و

قد بيّنوه عليهم السلام في موارد متعدّدة بحيث صارت أخبارنا المرويّة عنهم عليهم السلام متواترة بل فوق التواتر، و أوضحوا عليهم السلام بعد النبي صلى اللّٰه عليه و آله كونها مختصّة بعلىّ و أولاده المعصومين

______________________________

(1) للخلاف في محروميّة الزوجة ذات الولد.

(2) للخلاف في الأراضي غير المسكونة.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 228

عليهم السلام.

بل يمكن أن يقال انّ تعرضهم عليهم السلام لتلك دون هذا دليل على كون الكبرى مسلّمة عندهم عليهم السلام، و هي أنّ اقامة الجمعة من مناصب الامام عليه السلام و انما النزاع في تعيين الامام و انه من هو هل هو منصوب من قبل النبي صلى اللّٰه عليه و آله أم موكول الى اختيار الناس.

فالإنصاف أنّ هذا الدليل لو تمّ لكفى في إثبات الاشتراط.

لكن يمكن أن يورد عليه بأمرين (أحدهما) أنّ القائلين بالوجوب يدّعون البيان بمثل العمومات و الإطلاقات، بل و التصريحات بكونها واجبة إلى يوم القيامة حتّى أنّ المجلسي الأوّل عليه الرحمة، قد ادّعى أنّ الاخبار الواردة في هذا الباب تبلغ مأتي خبر «1»، فالدال على الوجوب صريحا أربعون خبرا، و الدالّ عليه ظاهرا خمسون، و الدال على مشروعيّتها في الجملة أعمّ من الوجوب العيني و التخييري تسعون، و الدال على وجوبها الى يوم القيامة اثنان، و الدال على عدم اشتراط الامام عليه السلام أو من نصبه ستة عشر جزء (انتهى ما معناه).

أقول: لم أجد ما ادّعاه قدس سرّه في أخبار الكتب التي بأيدينا، و لعلّه وجد ما لم تجده.

و كيف كان فالمقصود من ذكر هذا المعنى منه أنّ القائلين بالوجوب

______________________________

(1) أقول: ذكر صاحب الوسائل أيضا عقيب رواية محمّد بن مسلم الآتية في الدليل الثاني (في ضمن كلام له

على المستدلّين بالاشتراط):

ما لفظه: فعلم أنها (الجمعة) تجب على جماعة بعددهم (السبعة) أو أكثر منهم لا أقل مع دلالة الآية و الأحاديث المتواترة الّتي تزيد على مأتي حديث (انتهى) راجع ذيل باب 5 ج 5 ص 14.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 229

يدّعون تصريح الأئمّة عليهم السلام به، فلا ينفعهم «1» القول بأنّ الامام عليه السلام لو كان شرطا لبيّنوه عليهم السلام.

اللّٰهمّ الّا أن يقال بعدم دلالة ما ادّعوه على الوجوب مطلقا، فعلى المنصف النظر في الأدلّة.

(و ثانيهما) «2» أنّه على تقدير عدم دليل دالّ على الوجوب مطلقا،

يثبت بهذا الدليل الاشتراط في الجمعة، أمّا انّ وجود الامام عليه السلام شرط في انعقادها مطلقا حتى في فرض عدم بسط يده عليه السلام، فلا.

و القائلون بوجوبها لا ينكرون ذلك، و انّ اقامة الجمعة مختصّة به عليه السلام عند تمكّنه منها، و انّما يدّعون اذنه عليه السلام في إقامتها للشيعة بقول مطلق على نحو الوجوب كما صرّح به صاحب الوسائل عليه الرحمة قال في آخر باب 25 من أبواب صلاة الجمعة- بعد نقل خبر العيون و العلل عن الفضل بن شاذان عن الرضا عليه السلام، و ذكر جملة من المطالب: ما هذا لفظه: على أنّه مخصوص بمكان حضور الأمير عليه السلام و لا دلالة على حكم غيره، و الاذن حاصل بالنص العام و الأوامر الكثيرة كما ذكره الشيخ (ره) و غيره (انتهى كلامه ره).

بل يمكن أن يقال: انّ جميع من يقول بالوجوب التخييري معترف بصدور الاذن من الامام عليه السلام، فيمكن أن يدّعى الإجماع على ذلك الا النادر منهم لشبهة حصلت لهم من عدم العمل بالاخبار الآحاد كابن إدريس و السيّد المرتضى (ره) و الخلاف انّما هو في كيفيّة الاذن هل هو على نحو الوجوب أو الاستحباب

أو الجواز، فبعد ثبوت الملازمة بين جوازها

______________________________

(1) يعنى المنكرين.

(2) عطف على قوله (أحدهما) انّ القائلين.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 230

و وجوبها لا مانع من استفادة الوجوب العيني حينئذ.

نعم يمكن أن يقال: عدم وجوب الحضور على من كان رأس فرسخين، لأنّ وجوب الحضور من أحكام صلاة الجمعة و من الممكن عدم ترتب حكم، لمانع، و هذا لا ينافي القول بوجوب إقامتها إذا اجتمع العدد الّذين ينعقد بهم الجمعة، بل بمقتضى الأخبار الناطقة بذلك «1».

______________________________

(1) و ببالي أنّ سيّدنا الأستاذ الأكبر (قده) أورد على القائل بالوجوب إيرادات ثلاثة (أحدها) استلزم القول بالوجوب لوجوب الحضور على كل من كان دون فرسخين إذا أقيمت في القرى (ثانيها) وجوب تعلّم الخطبة و سورة الجمعة و المنافقين على القول بوجوبهما حينئذ (ثالثها) وجوب تحصيل العدالة على النحو الوجوب الكفائي على أهل القرى و لم ينبّهوا عليهم السلام على شي ء من هذه الأمور.

و يمكن أن يجاب عن الأوّل بالوجوب الحضور فيما إذا كان المقيم لها غير الامام عليه السلام ممنوع لأنّ أدلّة الفرسخين منصرفة عن ذلك أو غير شاملة (و عن الثاني) أيضا بمثل ذلك فان منطوق الروايات الكثيرة مصرّحة بأنّه ان كان لهم من يخطب بهم على نحو الشرط فعند عدم من يخطب لا تجب إقامتها فهو بمنزلة الواجب المشروط (و عن الثالث) بان وجوب تحصيل ملكة العدالة غير متوقّف على وجوب إقامة الجمعة بل هو واجب مطلقا فان حفظ ظواهر الشريعة المقدّسة الإسلاميّة واجب و كذا الخوف من اللّٰه تعالى بالنسبة إلى فعل الواجبات سواء قلنا بوجوب إقامة الجمعة أم لا، و بالجملة تحصيل شرائط الإمامة بمنزلة وجوب العدد المعتبر من الخمسة أو السبعة فكما لا ينافي

القول بوجوبها مع عدم العدد فكذا هنا و اللّٰه العالم.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 231

(الثاني) من أدلّة القائل بالاشتراط ما رواه الشيخ، عن محمّد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال: تجب الجمعة على سبعة نفر من المؤمنين و لا تجب على أقل منهم، الامام، و قاضيه، و المدّعى حقّا، و المدّعى عليه، و الشاهدان و الّذي يضرب الحدود بين يدي الإمام «1».

بتقريب أن يقال: لا شبهة في أنّ (الامام) في هذه الرواية لا يراد منه مطلق إمام الجماعة الّذي اجتمع فيه شرائط إمامة الجماعة قطعا، ضرورة انّه ليس له الستّة المذكورون فيظهر منه ان المقيم لها هو الإمام الأصل أوّلا و بالذات ثم من يأذن له الامام.

(ان قلت): لا دخل لأعيان الأشخاص الستّة في انعقادها، فكذا أوّل السبعة.

(قلت): خروجه لأجل القطع بعدم مدخليّتهم، لا يوجب خروج الامام المشكوك دخالته بالخصوص فهو بحكم الدخيل في الانعقاد بخصوصه الا ان يقطع بخلافه.

(ان قلت): فما وجه ذكر هؤلاء الستّة مع الامام مع فرض انعقادها بغيرهم أيضا معه قطعا.

(قلت): الوجه كونهم غالبيى المصاحبة معه فذكرهم لأجل ذكر الأفراد الغالبة و للإشارة الى أنّ هذه الصلاة ثبت انعقادها بسبب رئيس الستّة المستلزم رئاسته عليهم رئاسته على سائر المسلمين، و للتنبيه على انّ التمدّن «2» اقتضى تشريع هذه الصلاة، و لازمة ان لا تجب و لا

______________________________

(1) الوسائل باب 2 حديث 9 من أبواب صلاة الجمعة ج 5 ص 9.

(2) لعلّ مراده دام ظلّه انّ هذا التعبير يقضى لزوم الافراد الّذين يلزم وجودهم مع الامام عليه السلام و هذه الأفراد منشأ التمدن الاجتماعى كما لا يخفى.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 232

تنعقد بغير من بيده انتظامات

المدن دينا و دنيا هذا.

و لكن يرد عليه (أوّلا) بانّ في الرواية قرينة على انّها للتقيّة، و هو قوله عليه السلام: (و قاضيه) فان المراد من الامام لو كان هو إمام الأصل لما كان له قاض فإنه عليه السلام هو بنفسه قاض كما يشهد له دكّة القضاء المعروفة بمسجد الكوفة لأمير المؤمنين عليه السلام و ارادة القاضي الّذي منصوب من قبله عليه السلام لبلد آخر ليس هو عليه السلام فيه حمل للمطلق على الفرد الغير الغالب أو النادر، فما في الاستدلال بأنّ الستّة غالبوا المصاحبة معه عليه السلام، ممنوع، بل فلمّا يتّفق ذلك «1».

(ثانيا) على تقدير التسليم لا دلالة لها الّا على الاشتراط بمعنى أنه لو كان الامام عليه السلام حاضرا فاقامتها وظيفته عليه السلام، و لا منافات بين كون شي ء علّة للجعل حدوثا لا بقاء.

و اقتضاء التمدّن تشريع مثل هذا الحكم لا يستلزم كونه بقاء أيضا كذلك كما لا يخفى فحملها على التقيّة لكونها موافقة لأكثر العامّة ليس بأولى من حملها على الاشتراط و الحاصل أنّ الرواية قابلة للحمل على الوجهين فلا يتعيّن أحدهما.

(ان قلت): مجرد موافقة العامّة لا توجب حملها على مذهبهم و الا يلزم حمل كثير من الرّوايات عليه و اختلّ نظام الاستنباط.

(قلت): نعم إذا أحرز انّ ما وافق العامّة قد ثبت عند الخاصّة بحجّة شرعيّة و المفروض انّ المقام أوّل الدعوى.

(و ثالثا) أنّها في مقام بيان العدد لا خصوصيّة المعدود، و يؤيده

______________________________

(1) مع أنّه لو كان المراد ذلك لوجب عليه أن يقيم في البلد الّذي نصب قاضيا فيه فانّ اقامة الجمعة واجبة في جميع البلاد مع شرائطها.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 233

بل يدلّ عليه «1» قوله عليه السلام:

(و لا تجب على أقلّ منهم) و لم يقل عليه السلام: (على غيرهم) نبّه عليه صاحب الوسائل.

(الثالث) من أدلّة الاشتراط، دعاء السجاد على بن الحسين عليهما السلام في يوم الجمعة

و ثاني العيدين- أعنى الأضحى- مناجيا للّٰه تعالى و شاكيا اليه سبحانه بقوله عليه السلام: اللّٰهم انّ هذا المقام لخلفائك و أصفيائك و مواضع أمنائك في الدرجات الرفيعة التي اختصصتهم بها قد ابتزّوها، و أنت المقدّر لذلك لا يغالب أمرك و لا يجاوز المحتوم من تدبيرك كيف شئت و أنّى شئت، و لما أنت أعلم به غير متّهم على خلقك، و لا لإرادتك حتّى عاد صفوتك و خلفاؤك مغلوبين مبترين، يرون حكمك و كتابك منبوذا، و فرائضك محرّفة عن جهات اشراعك، و سنن نبيك متروكة، اللّهم العن أعدائك من الأوّلين و الآخرين، و من رضى بفعالهم و أشياعهم و أتباعهم اللّٰهم صلّ على محمّد و آل محمّد إلخ «2».

تقريب الاستدلال على اشتراط الامام أنه عليه السلام كان لما رأى يوم الجمعة يوم ظهور السلطنة الحقّة، و يوم إعلاء كلمة الحقّ بين النّاس و بيان أحكام الإسلام بعد اقامة سلطان اللّٰه و امام الأصل صلاة الجمعة في الخطبتين و كان هذا المعنى مفقودا في أيّامه و يرى عليه السلام غصب الغاصبين الجائرين، ما هو حق لسلطان الحق و يرى عليه السلام انّ ذلك عسر له عليه السلام، فلا جرم يناجى عليه السلام ربّه بهذه المناجاة و يشتكي

______________________________

(1) لاحظ الوسائل ذيل باب 5 من أبواب صلاة الجمعة ج 5 ص 14.

(2) الصحيفة السجاديّة مع ترجمتها لفيض الإسلام السيّد على نقى (قدّس سرّه) الدعاء الثّامن و الأربعون ص 364 الى 366 و أورد قطعة من الدّعاء في ذيل باب 5 من أبواب صلاة الجمعة من الوسائل ج 5 ص 14.

تقرير

بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 234

الى اللّٰه تعالى منهم، و الّا فلا مناسبة بين الدّعاء يوم الجمعة تقتضي ذلك.

(و فيه) أوّلا أنّ مقام المناجات غير مقام بيان الاحكام، و الّذي ينفع في المقام هو الثاني دون الأوّل.

(و ثانيا) عدم معلوميّة المشار اليه بقوله عليه السلام: (انّ هذا المقام، فيمكن كونه أصل مقام الخلافة و الرئاسة العامّة) مع أنّ لنا ان نقول- ان كان إشارة إلى إقامة الجمعة- بكفاية أولويّتهم من سائر المؤمنين.

(و ثالثا) عدم الريب و الاشكال في اختصاص إقامتها بالإمام عليه السلام في زمان وجوده و بسط يده عليه السلام و هذا خارج عن محل النزاع الّذي في زمن عدم البسط أو عدم الحضور.

(و رابعا) انّ ظاهر كلامه عليه السلام- على تقدير كون الإشارة إلى إقامة- إنّ مقام إقامة الجمعة ليس للمخالفين، لا انّه لنا فقط في مقابل ثبوته لشيعتهم عليهم السلام، فانّ كلّ مقام أذنوا لشيعتهم عليهم السلام سواء كان مثل إقامة الجمعة أو سائر المناصب فهو لهم عليهم السلام فلا وجه معتد به للشكاية كما لا يخفى على من تدبّر التدبر التّام.

(الرابع) من أدلّة الاشتراط خبر عبد اللّٰه بن ذبيان

الّذي رواه الكليني و الشيخ في الكافي و التهذيب مسندا و كذا الصدوق في العلل و رواه في الفقيه مرسلا عن أبى جعفر عليه السلام قال: يا عبد اللّٰه ما من يوم عيد للمسلمين أضحى و لا فطر الّا و هو يجدّد «1» (اللّٰه) لآل محمّد عليهم السلام فيه حزنا (حزن) قال: قلت و لم؟ قال: انهم يرون حقّهم في

______________________________

(1) ان كان الحديث بدون لفظة (الجلالة) يقرأ مجهولا فكلمة (حزن نائب الفاعل) و ان كان معها يقرأ معلوما فهي مفعول به و لعلّ الأوّل أنسب و اللّٰه العالم.

تقرير

بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 235

أيدي غيرهم «1».

تقريب الاستدلال أنّ وجه تجديد الحزن لآل محمّد عليهم السلام يوم العيد عدم بروز حقّهم في متن الواقع و أنّه قد غصب حقّهم و المفروض أنّ الجمعة أيضا كما يومئ اليه كلام على عليه السلام في خطبة يوم الجمعة: (ألا أنّ هذا اليوم، يوم جعله اللّٰه لكم عيدا و هو سيّد أيّامكم و أفضل أعيادكم «2».

و في رواية أخرى، عن سلمة، عن أبى عبد اللّٰه عليه السلام، قال:

اجتمع عيدان على عهد أمير المؤمنين عليه السلام فخطب النّاس، فقال:

هذا يوم اجتمع فيه عيدان فمن أحبّ أن يجمّع معنا فليفعل، و من لم يفعل فانّ له رخصته يعنى من كان متنحّيا «3».

و في خبر إسحاق بن عمّار، عن جعفر، عن أبيه أنّ على بن أبى طالب عليهم السلام كان يقول: إذا اجتمع عيدان للناس في يوم واحد، فإنّه ينبغي للإمام أن يقول للناس في خطبته «4» الاولى: أنّه قد اجتمع لكم فأنا أصلّيهما جميعا، فمن كان مكانه قاصيا فأحب أن ينصرف عن الآخر فقد أذنت له «5».

و عن العلل: انّ الجمعة عيد و صلاة العيد ركعتان «6».

______________________________

(1) الوسائل باب 31 حديث 1 من أبواب صلاة العيد ج 5 ص 136.

(2) الوسائل باب 40 قطعة من حديث 12 من أبواب صلاة الجمعة ج 5 ص 65.

(3) الوسائل باب 15 حديث 2 من أبواب صلاة العيدين ج 5 ص 116.

(4) يعني في خطبة الصلاة الأولى.

(5) الوسائل باب 15 حديث 3 من أبواب صلاة العيدين ج 5 ص 116.

(6) الوسائل باب 6 ذيل حديث 3 من أبواب صلاة الجمعة ج 5 ص 15.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 236

و غيرها من

الأخبار، و لا يتصوّر حق لهم عليهم السلام يوم الجمعة إلّا إقامة الجمعة الّتي يرونها في أيدي أعدائهم فيزيد لهم حزن على حزنهم عليهم السلام.

(و فيه) انّه يمكن ان يقال انّ السبب في تجدد حزنهم عليهم السلام انّ يوم الجمعة يوم متوقّع فيه ظهور أمرهم عليهم السلام و بروز مغلوبيّة أعدائهم فكل يوم جمعة يرون عدم تحقق الأمر المتوقّع يجدد لهم حزن.

هذا مع قطع النظر عن سندها، و الا يمكن أن يخدش فيه.

و في معناها روايات أخر لا يبعد أن يكون كل واحدة تحكي حكاية واحدة، و الكلام فيها واحد و ان كان خصوصيّات العبارة متفاوتة.

(الخامس من أدلّة الاشتراط) ما رواه الصدوق محمّد بن على بن الحسين بن بابويه القمي رضى اللّٰه عنه في العلل

(في ضمن رواية طويلة جدّا) عن عبد الواحد بن محمّد بن عبدوس النيسابوري العطّار، قال:

حدّثنا أبو الحسن على بن محمّد بن قتيبة النيسابوري، قال: قال أبو محمّد الفضل بن شاذان النيسابوري: أنّه سئل سائل فقال: أخبرني هل يجوز ان يكلف الحكيم عبده فعلا من الأفاعيل بغير علّة و لا معنى؟ قيل له: لا يجوز ذلك، لانّه حكيم غير عابث و لا جاهل (الى ان قال):

فان قيل: و لم جعل اولى الأمر و أمر بطاعتهم؟ قيل: لعلل كثيرة منها ان الخلق وقفوا على حد محدود و أمروا ان لا يتعدوا تلك الحدود (الى ان قال): و منها أنا لا نجد فرقة من الفرق و لا ملّة من الملل بقوا و عاشوا الا بقيّم و رئيس لما لا بدّ لهم منه في أمر الدين و الدنيا فلم يجز في حكمة الحكيم ان يترك الخلق ممّا يعلم أنه لا بد لهم منه و لا قوام لهم الّا به فيقاتلون به عدوّهم و يقسّموا به فيئهم و يقيمون به جمعتهم و

تقرير بحث

السيد البروجردي، ج 2، ص: 237

جماعتهم و يمنع ظالمهم من مظلومهم (الى أن قال): فان قال: لم صارت صلاة الجمعة إذا كان مع الامام ركعتين و إذا كان بغير امام ركعتين و ركعتين؟ قيل: لعلل شتّى (منها) ان الناس يتخطون إلى الجمعة من بعد فأحبّ اللّٰه عزّ و جلّ أن يخفّف عنهم لموضع التعب الّذي صاروا اليه، (منها) ان الامام يحبسهم للخطبة و هم ينتظرون للصلاة و من انتظر للصلاة فهو في الصلاة في الحكم التام، (منها) ان الصلاة خلف الإمام أتمّ و أكمل لعلمه و فقهه و فضله و عدله، (و منها) أن الجمعة عيد و صلاة العيد ركعتان و لم تقصر لمكان الخطبتين، (فان قال) فلم جعلت الخطبة؟

قيل: لأنّ الجمعة مشهد عام فأراد أن يكون للأمير سبب الى موعظتهم و ترغيبهم في الطاعة و ترهيبهم عن المعصية و فعلهم و توقيفهم على ما أرادوا من مصلحة دينهم و دنياهم و مخبرهم بما ورد عليهم من الآفاق و الأهوال الّتي لهم فيها المضرّة و المنفعة و لا يكون الصائر فيهم منفصلا و ليس بفاعل غيرهم ممن يؤم الناس في غير يوم الجمعة (فإن قال): فلم جعلت خطبتين؟ قيل: لان تكون واحدة للثناء و التمجيد و التقديس للّٰه عزّ و جلّ و الأخرى للحوائج و الإنذار و الدعاء، و لما يريد أن يعلّمهم من أمره و نهيه ما فيه الصلاح الحديث «1».

و في مواضع من هذا الحديث الشريف دلالة على الاشتراط و الاختصاص (أحدها) قوله عليه السلام: (و يقيمون به (الامام) جمعتهم إلخ) و الاشكال بانّ اقامة الجماعة أيضا قد عطفت على الجمعة، مدفوع بأنّه لا يضر بعد قيام الدليل في الجماعة على جواز إقامتها

بغيره أيضا، بل يمكن أن

______________________________

(1) علل الشرائع باب 182 و أصول الإسلام حديث 69 ج 1 ص 235 طبع قم مكتبة الطباطبائي.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 238

يقال: أنّها أيضا حق للإمام عليه السلام أوّلا و بالذات، غاية الأمر أنّهم عليهم السلام قد أذنوا في ذلك لغيرهم نسب ذلك الى المفيد و هكذا الكلام في قوله عليه السلام: و يمنع ظالمهم من مظلومهم فتأمّل.

و الحاصل أنّ المستفاد من قوله عليه السلام: فلم يجز في حكمة الحكيم أن يترك الخلق ممّا يعلم أنّه لا بدّ لهم منه و لا قوام لهم الّا به أنّ الأمور الّتي فرّعها عليه السلام على هذا الكلام أمور مختصّة به عليه السلام و قد ذكرها أربعة منها، المقاتلة، و التقسيم، و اقامة الجمعة و الجماعة، و منع الظالم من المظلوم و قد ثبت بالدليل ما ثبت لغيره عليه السلام أيضا و بقي الباقي فتأمّل.

(ثانيها) قوله عليه السلام: (انّ النّاس يتخطون من بعد إلخ) فإنه يدلّ على أنّ الجمعة قد أقيمت في موضع خاصّ و لو كانت واجبة على كل من دون الامام عليه السلام، لما كان ترجيع لموضع دون موضع، فللمتخطين أن يقولوا: نحن نقيم الجمعة في موضع يجب على غيرنا التخطي إلينا و لغيرهم أيضا ذلك فينجرّ الى النزاع فيخلّ بالمقصود، لأنّ المقصود من تشريع الجمعة انتظام النّاس و إلقاء المحبّة لا إيجاد العداوة و البغض.

(ثالثها) قوله عليه السلام: (أنّ الصلاة خلف الإمام أتمّ و أكمل لعلمه و فقهه) فلو كان المراد غير الامام المعصوم عليه السلام فربّما لا يكون لإمام الجمعة علم و لا فقه.

و أيضا لا بدّ من حمل قوله عليه السلام: (و عدله) على العدل

الخاصّ، و الّا فالعدل في مطلق إمام الجماعة شرط و لا اختصاص له بالجماعة الخاصّة كي يكون علّة لسقوط الركعتين اللّٰهم الا أن يقال: أن

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 239

المجموع من حيث المجموع علّة لا كل واحد.

(رابعها) قوله عليه السلام: (فأراد أن يكون للأمير سبب الى موعظتهم و ترغيبهم في الطّاعة و ترهيبهم عن المعصية، فإن المراد من الأمير الإمام المعصوم عليه السلام الّذي له امارة الدّنيا و الآخرة).

(خامسها) قوله عليه السلام: (و مخبرهم بما ورد عليهم من الآفاق) (سادسها) قوله عليه السلام: (و ليس بفاعل غيره ممّن يؤمّ النّاس في غير يوم الجمعة)، بل قد ادّعى «1» أنّه صريح أو كالصريح.

(سابعها) قوله عليه السلام: (و لما يريد أن يعلمهم من أمره و نهيه، فيه الصلاح، و امام الجماعة غير إمام الأصل ليس له أمر و لا نهى بالنسبة إلى المأمومين كما لا يخفى.

و الانصاف أنّه لو لم يكن سند هذا الخبر ضعيفا كما سنذكره إن شاء اللّٰه تعالى، لكانت دلالته صريحة على أنّ هذه الصلاة غير الصلوات الأخر من حيث الامام.

و مجرد كون هذه الأمور حكمة لا علّة لا يضرّ بالنسبة إلى أصل التشريع، فإنّها دالّة على أن صلاة الجمعة شرعت لأجل انّه ان احتيج الى هذه الأمور فعلى الامام مراعاتها كما لا يخفى، و لا شبهة في لزوم السلطان العادل لإصلاح تلك الأمور.

و أمّا سندها، فنقول: امّا عبد الواحد، فلا شبهة في أنّه كان من

______________________________

(1) المدّعى صاحب مصباح الفقيه، المحقق الحاجّ آقا رضا الهمداني رحمه اللّٰه.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 240

مشايخ الصّدوق (ره) و انّه قد ترضى له و في باب الكفّارات و انّه موثّق و ان

لم ينقل التوثيق من أحد من أهل الرجال الّا أنّه يمكن أن يقال: انّهم اكتفوا عن توثيقه بكونه شيخا للصدوق هذا مع أنّ العلّامة قد صحّح في التحرير رواية لزوم كفّارة الجمع و في سندها عبد الواحد، و كذا الشهيد الثاني (ره)، بل صرّح الصدوق (ره) بعد نقل رواية دالّة على وجوب كفّارة الجمع في إفطار رمضان بالحرام بطرق ثلاثة- بأن طريق عبد الواحد عبدوس عندي أصحّ «1»، و المحكي عن المجلسي الثاني رحمه اللّٰه أيضا تحسينه.

و لا ينافي ما في التحرير قوله (ره) في المختلف- بعد نقل رواية كفّارة الجمع-: و لم يحضر لنا الآن حال عبد الواحد بن عبدوس كما في موضع أو أن ثبت وثاقته صار الخبر صحيحا كما في موضع آخر، و ذلك لان عدم التذكّر أعمّ من تذكّر الصحّة، و القول بضعفه نسب الى المحقّق خاصّة و هو لا يقاوم ما ذكرناه و نقلناه، (و بعبارة أخرى) حصول الوثوق بقول هؤلاء الفضلاء أكثر من حصوله بقول هذا المحقّق رحمة اللّٰه عليهم جميعا.

(و أمّا على بن محمّد)، فعن الشيخ رحمه اللّٰه أنّه فاضل اعتمد عليه الكشي (ره) و كان تلميذ فضل بن شاذان، و كذا عن العلّامة رحمه اللّٰه في الخلاصة، و عن السيّد الداماد (ره) مدحه مدحا معتدا به، و قد وثقه بالوجيزة و البلغة على ما نقله المامقاني (ره)، فكيف كان فهو ثقة أو حسن.

______________________________

(1) العيون ج 2 طبع قم (چاپخانه دار العلم) باب 35 حديث 2 ص 127 قال: حديث عبد الواحد بن محمّد بن عبدوس رضى اللّٰه عنه عندي أصحّ و لا قوّة إلّا باللّه (انتهى).

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 241

(و امّا الفضل بن شاذان)

فهو أجلّ من أن يذكر و ان نقل فيه روايات ذامّة محمولة على كونه محمودا عند أهل زمانه من العامّة و الخاصة للدين أو الدنيا «1».

(و امّا احتمال) انّ في متن الرواية خللا لاحتمال أن يكون الفضل قد ذكره من عند نفسه اجتهادا أو عقلا، (فمدفوع) بما رواه الصدوق (ره) في العلل، قال: حدثنا عبد الواحد بن محمّد بن عبدوس النيسابوري العطار رضى اللّٰه عنه قال: حدّثنا على بن محمّد بن قتيبة النيسابوري، قال:

قلت للفضل بن شاذان لما سمعت منه هذه العلل: أخبرني عن هذه العلل الّتي ذكرتها عن الاستنباط و الاستخراج أو هي من نتائج العقل، أو هي ممّا سمعته و رويته؟ فقال لي: ما كنت أعلم مراد اللّٰه عزّ و جل بما فرض و لا مراد رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و آله بما شرع و سنّ و لا أعلل من ذات نفسي، بل سمعتها من مولاي أبي الحسن على بن موسى الرضا عليهما السلام مرّة بعد مرّة، و الشي ء بعد الشي ء فجمعتها، فقلت: فأحدث بها عنك عن الرضا عليه السلام؟ فقال: نعم «2».

فهذا الكلام دال على أنّ الأمور المذكورة لو لم تكن عين الرواية فلا أقلّ من أن تكون معناها كما هو واضح لمن تدبّر قوله رضى اللّٰه عنه- في الجواب-: (بل سمعتها من مولاي أبي الحسن على بن موسى الرضا عليهما السلام مرّة بعد مرّة إلخ).

نعم يمكن أن يستشكل فيها بأنّها حكم لا علل فلا يعتبر في بقائها بقاء الحكم اللهم الّا أن يقال: انها تدل على انّ تشريع الجمعة أوّلا كان كذلك،

______________________________

(1) لف و نشر مرتب يعنى من العامّة للدين و من الخاصة للدنيا.

(2) علل الشرائع: 274 في آخر باب

182.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 242

فبقاؤه يحتاج الى الدليل و يمكن أن يستشكل أيضا بأنّها لا تدل الا على اعتبار هذه الأمور في زمان بسط يد الامام عليه السلام، و يمكن أن يجاب بمثل ما أجبناه به عن الإشكال الأوّل.

(السادس) من أدلّة الاشتراط- و هو العمدة في المقام- الإجماع

على عدم وجوب أو عدم الانعقاد ادعاه في محكي الخلاف، و المبسوط، و النهاية «1» و المعتبر في موضعين منه، و التذكرة، و التحرير و المنتهى، و الذكرى، و محكي التنقيح، و كنز العرفان، و عن رسالة الكركي، و به قال في جامعه، و حاشية الإرشاد، و الروضة، و عن الروض في مواضع متعدّدة، و مجمع البرهان، و عن آيات الاحكام، و عن مقامات العليّة، و عن الداماد و شرح المفاتيح، و كشف الأستاذ الأكبر «2» و كشف اللثام.

و بالجملة قد ادّعى ثمانية عشر من الفقهاء العظام من فقهائنا الإجماع على عدم الوجوب العيني، مضافا الى إجماع المسلمين أيضا كما نقله الشيخ (ره) في الخلاف.

قال في الخلاف: من شرط انعقاد الجمعة الإمام أو من يأمره الإمام بذلك، من قاض أو أمير و نحو ذلك و متى أقيمت بغير أمره لم تصحّ و به قال الأوزاعي و أبو حنيفة، و قال محمد ان مرض الإمام أو سافر أو مات فقدّمت الرعيّة من يصلّى بهم الجمعة صحّت لأنّه موضع ضرورة، و صلاة العيدين عندهم مثل صلاة الجمعة، و قال الشافعي: ليس من شرط الجمعة الامام و لا أمر الامام و متى اجتمع جماعة من غير أمر الإمام فأقاموها بغير إذنه

______________________________

(1) يعنى نهاية الإحكام للعلامة لا نهاية الشيخ الطوسي (ره) فلا تغفل

(2) و هو الشيخ جعفر الكبير من أساتذة صاحب الجواهر.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2،

ص: 243

جاز، و به قال مالك و أحمد (دليلنا) أنّه لا خلاف أنّها تنعقد بالإمام أو من يأمره و ليس على انعقادها إذا لم يكن امام و لا أمره دليل، (فان قيل): أ ليس قد رويتم فيما مضى من كتبكم أنّه يجوز لأهل القرايا و السواد و المؤمنين إذا اجتمعوا العدد الذين تنعقد بهم أن يصلّوا الجمعة؟

(قلنا): ذلك مأذون فيه مرغب فيه مجرى ذلك مجرى ان ينصب الامام من يصلّى بهم، و أيضا عليه إجماع الفرقة فإنّهم لا يختلفون أن من شرط الجمعة الامام و قاضيه و المدّعى حقّا و المدّعى عليه و الشاهدان و الذي يضرب الحدود بين يدي الامام، و أيضا فإنّه إجماع، فإن من عهد النبي صلى اللّٰه عليه و آله الى وقتنا هذا ما أقام الجمعة إلّا الخلفاء و الأمراء و من ولّي الصلاة، فعلم انّ ذلك إجماع أهل الأعصار و لو انعقدت بالرعيّة لصلّوها كذلك (انتهى) «1».

و قال في المبسوط: و أما الشرط الراجعة إلى صحة الانعقاد فأربعة، السلطان العادل أو من يأمره السلطان، و العدد سبعة وجوبا و خمسة ندبا، و ان يكون بين الجمعتين ثلاثة أميال فما زاد عليها، و ان يخطب خطبتين (و قال في أواخر بحث الجمعة): و لا بأس ان يجمع المؤمنون في زمان التقيّة بحيث لا ضرر عليهم فيصلون جمعة بخطبتين، فان لم يتمكنوا من الخطبة صلّوا جماعة ظهرا أربع ركعات «2» (انتهى).

(و في باب الأمر بالمعروف و النهى عن المنكر إلخ) من كتاب النهاية: و يجوز لفقهاء أهل الحق أن يجمّعوا في الصلوات كلّها و صلاة

______________________________

(1) يعني محمّد بن الحسن الشيباني تلميذ أبي حنيفة الخلاف ج 1 ص 94 بالطبع الحجر

مسألة 43.

(2) المبسوط الطبع الحجري.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 244

الجمعة و العيدين و يخطبون الخطبتين و يصلّون بهم صلاة الكسوف ما لم يخافوا من ذلك ضررا، فان خافوا في ذلك، الضرر لم يجز لهم، التعرّض لذلك على حال (انتهى).

و قد يقال: انّ بين كلمات الشيخ (ره) في كتبه الثلاثة، الخلاف و المبسوط و النهاية في باب الأمر بالمعروف تهافتا.

بيانه انّه جوز في الجمعة لكل أحد في الخلاف، سواء كان فقيها أم لا، و ظاهره في المبسوط عدم الانعقاد حيث ذكر لانعقاده شروطا أربعة أحدها السلطان العادل و جوّز في النهاية للفقهاء فقط و لازمة عدم الجواز لغيرهم.

فالتهافت من وجهين (أحدهما) الجواز مطلقا في الأوّل و عدمه في الثاني (ثانيهما) الجواز للمؤمنين فقط و الجواز للفقهاء فقط.

و يمكن أن يرفع بأن يحمل قوله في الخلاف في جواب أن قلت بقوله (ره): قلنا ذلك مأذون فيه فجرى ذلك مجرى أن ينصب الإمام إلخ على الأخبار بالإذن لا الفتوى و يحمل ما ذكره رحمه اللّٰه في باب الأمر بالمعروف من النهاية على ذلك أيضا (أو) يحمل على الفتوى في الموضعين و لا معارضة بينهما.

نعم لو حمل ما في الخلاف على الفتوى لزم لغويّة ما في النهاية.

و حيث أنّه رحمه اللّٰه صرّح في الأوّل بقوله: (و ذلك مأذون فيه) و بقوله فجرى ذلك مجرى أن ينصب الامام عليه السلام إلخ فالأرجح أنّه في الموضعين أراد به الإذن فحينئذ لا يثبت الوجوب التخييري، لأنّ القائلين بالوجوب التخييري يذهبون الى ان حكم اللّٰه تعالى في ذلك هو التخيير.

و وجه شدّة الاعتناء بجميع كلمات الشيخ (ره) أنّه (ره) رأس القائلين بالتخيير فإذا لم يصح هو لم يصح سائر الأقوال أيضا

كما لا يخفى فان

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 245

مستندهم واحد غالبا ثم لا يخفى انّ وجه ادّعاء الشيخ (ره) إجماع المسلمين بقوله: و أيضا فإنّه (إجماع) مع مخالفة مالك و الشافعي و أحمد، هو أنّ قولهم انّما هو نشأ لشبهة حصلت لهم، و هي أنّ أمير المؤمنين عليه السلام قد أقام الجمعة مع محصوريّة عثمان، فيظهر من ذلك عدم اشتراط وجود الامام «1» بنفسه كما لا يخفى.

و هي شبهة مردودة عند الإماميّة كما هو واضح «2».

و عن السيّد رحمه اللّٰه في المسائل الميافارقيات: صلاة الجمعة ركعتان من غير زيادة عليهما و لا جمعة إلّا بالإمام العادل أو من نصبه فإذا عدم صلّيت أربع ركعات.

و عن سلّار في المراسم- في باب الأمر بالمعروف-: (فقد فوّضوا الى الفقهاء اقامة الحدود و الأحكام (الى أن قال): و لفقهاء الشيعة إقامة الصلاة في الأعياد و الاستسقاء، و أمّا الجمع فلا).

و عن المفيد في المقنعة: (و للفقهاء من الشيعة أن يجمّعوا بإخوانهم في الصلوات الخمس و صلوات الأعياد و الاستسقاء إذا تمكّنوا و لم يخافوا من معرّة الفساد) و لعل وجه عدم ذكر خصوص الجمعة عدم تجويزه الجمعة مثل سلّار «3».

و قريب ممّا ذكراه ما ذكره ابن إدريس في السرائر.

و الحاصل أن قدماء أصحابنا من الفقهاء لم يظهر منهم الا

______________________________

(1) يعنون به عثمان.

(2) لأنّ الإمام الأصلي كان هو عليه السلام لا عثمان.

(3) يمكن دعوى شمول الصلوات الخمس لها مع أنّه ذكر الأعياد و هي بحكمها و اللّٰه العالم.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 246

القولان (أحدهما) الحرمة (ثانيهما) الوجوب العيني، و أمّا الوجوب فلا عين منه و لا أثر إلى زمن سلاطين الصفويّة «1»، فإذا كان

الأمر كذلك فكيف يجترئ الفقيه أن يفتي بالوجوب العيني مع هذه الإجماعات

______________________________

(1) أوّلهم الشّاه إسماعيل الأوّل الّذي كان مبدأ سلطنته سنة 906 الهجريّة القمريّة قال المحدّث المتتبّع الحاج الشيخ عبّاس القمّي رحمه اللّٰه:

صفى الدين الأردبيلي هو قطب الأقطاب برهان الأصفياء الكاملين الشيخ صفى الدين أبو الفتح إسحاق بن السيّد أمين الدين جبرئيل الأردبيلي الموسوي ينتهي نسبه الى حمزة بن الامام موسى الكاظم عليه السلام توفي سنة 735 في الأردبيل و دفن بها و دفن عنده جماعة كثيرة من أولاده و أحفاده كالشيخ صدر الدين، و الشيخ جنيد، و ابنه الشاة إسماعيل و الشاة محمّد خدابنده، و الشاة عبّاس الأوّل و غيرهم رضوان اللّٰه عليهم أجمعين ينسب اليه السلاطين الصفويّة الذين اهتمّوا بنشر أعلام الدين و ترويج شيعة أمير المؤمنين عليه السلام أوّلهم الشاة إسماعيل الأوّل ابن السلطان حيدر، ابن السلطان شيخ جنيد المقتول، ابن السلطان شيخ إبراهيم ابن الخواجة علىّ المشهور ب (سياه پوش) المتوفّى سنة 833 في بيت المقدس ابن الشيخ صدر الدين موسى بن الشيخ صفى الدين كان مبدأ سلطنته سنة 906 و توفّى سنة 930 ثم ذكر عددهم (الى أن قال): التاسع ابنه (يعني الشاة سليمان) الشاة سلطان حسين و هو آخر السلاطين الصفوية اتّصلت بفتنة الأفاغنة فأخذ السلطان حسين أسيرا و حبس في سنة 1137 و قتل في محبسة 22 محرّم سنة 1140 فحمل نعشه الى قم و دفن عند آبائه في جوار الحضرة الفاطميّة لا زالت مهبطا للفيوضات السبحانيّة (الكنى ج 2 ص 384 طبع مطبعة العرفان صيدا).

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 247

المستفيضة بل المتواترة كما قيل على عدم الوجوب العيني.

و احتمال أن يكون جميع هذه الإجماعات

الإجماع المدّعى في الخلاف عن الشيخ (ره) (و بعبارة أخرى) أنّهم ادّعوا الإجماع من دون تفحّص و تتبّع بعيد عن شأنهم رضوان اللّٰه عليهم و لا سيّما من مثل المحقق و العلامة و الشهيد الأوّل، و الشهيد الثاني في غير رسالته المنسوبة اليه و صاحب الرياض و المحقّق القمّي و كاشف الغطاء و صاحب الجواهر و غيرهم من الفقهاء العظام رحمهم اللّٰه فإنّهم كانوا متتبّعين بقدر وسعهم و طاقتهم و لذا ترى أنّهم وجدوا كثيرا ممّا لم نجده نعم يمكن أن يخدش في أصل الإجماع من المتقدّمين أوّلا بمعنى نسبة القول بعدم الوجوب العيني إليهم.

قال المفيد (ره) في المقنعة: أعلم أنّ الرواية جاءت عن الصادقين عليهم السلام انّ اللّٰه جلّ جلاله فرض على عباده من الجمعة إلى الجمعة خمسا و ثلاثين لم يفرض فيها الاجتماع إلّا في صلاة الجمعة فقال جل من قائل: يا أيّها الذين آمنوا الآية، و قال الصادق عليه السلام من ترك الجمعة من غير علّة طبع اللّٰه على قلبه ففرضها وفقك اللّٰه الاجتماع على ما قدمناه الّا انّه يشترط حضور إمام مأمون على صفات يتقدّم الجماعة و يخطبهم خطبتين يسقط بهما و بالاجتماع عن المجتمعين ركعتان من أربع ركعات و إذا حضر الامام وجبت الجمعة على سائر المكلّفين الّا من عذرهم الهّٰع منهم و ان لم يحضر امام سقط فرض الاجتماع و ان حضر امام يخلّ بشريطة من يتقدّم فيصلح به الاجتماع، فحكم حضوره حكم عدم الامام، و الشرائط التي تجب فيمن تجب معه الاجتماع، أن يكون حرّا بالغا طاهرا في ولادته صحيحا في الأمراض، الجذام، و البرص خاصّة في خلقته، مسلما، مؤمنا

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 248

معتقدا

للحق في ديانته، مصلّيا للفرض في ساعته، فإذا كان كذلك و اجتمع معه أربعة نفر وجب الاجتماع، و من صلّى خلف امام بخلاف من وصفناه رتّب الفرض على المشروع ممّا قدّمناه، و يجب حضور الجمعة مع من وصفناه فرضا، و يستحب مع من خالفناهم تقيّة و ندبا، و قد روى هشام بن سالم، عن زرارة بن أعين قال: حثّنا أبو عبد اللّٰه عليه السلام على صلاة الجمعة حتّى ظننت أنّه يريد أن نأتيه، فقلت: نغدو عليك؟ فقال لا انّما عنيت عندكم، و لا بأس بالصلاة لمن عدم الإمام في منزله و مسجد قبيلته غير أن إتيان المسجد الأعظم على كل حال لا ضرر فيها، أفضل «1» (انتهى موضع الحاجة من المقنعة).

و عن كتاب الإشراق له رحمه اللّٰه أيضا- ففي باب عند ما يجب الاجتماع في صلاة الجمعة-: عدد ذلك ثمانية عشرة خصلة، الحرّيّة، و البلوغ، و التذكير، و سلامة العقل، و صحّة الجسم، و السّلامة من العمى، و حضور البصر، و الشهادة للنداء، و تخلية السرب، و وجود أربعة ممّا تقدّم ذكره في هذه الصفات، و وجود الخامس منهم و له صفات بها على الإيجاب ظاهر الايمان، و الطّهارة في المولد من السفاح، و السلامة من ثلاثة أدواء، البرص، و الجذام و المعرّة بالحدود المشينة أو أقيمت عليه في الإسلام، و المعرفة بفقه الصلاة، و الإفصاح بالخطبة و القرآن، و اقامة فرض الصلاة في وقتها من غير تقديم و لا تأخير عنه بحال، و الخطبة بما تصدق عليه من الكلام، و إذا اجتمعت هذه الثمانية عشر خصلة وجب الاجتماع في الظهر يوم الجمعة على ما ذكرناه و كان فرضها على النصف من فرض الظهر للحاضر

في سائر الأيّام (انتهى).

______________________________

(1) المقنعة باب 1 العمل في ليلة الجمعة و يومها ص 27.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 249

و عن أبى الصلاح الحلبي في كتابه الكافي حيث قال: لا تنعقد الجمعة إلا بإمام الملّة أو منصوب من قبله أو من تكامل له صفات إمام الجماعة عند تعذّر الأمرين.

و قال في باب الجماعة: و أولى النّاس بها إمام الملّة أو من نصبه فان تعذّر الأمران إلخ ثم قال أخيرا: و إذا تكاملت هذه الشروط انعقدت جمعة و انتقل فرض الظهر من أربع ركعات الى ركعتين بعد الخطبة و تعيّن فرض الحضور على كل رجل مسلم بالغ سليم مخلّى السرب حاضر، بينه و بينها فرسخان فما دونهما و يسقط فرضها عمّن عداه، فان حضرها تعيّن عليه فرض الدخول فيها جمعة.

و ربّما نسب إلى الكليني رحمه اللّٰه أيضا في الكافي، قال: باب وجوب الجمعة و على كم تجب ثمّ نقل صحيحة محمّد بن مسلم و أبى بصير، و صحيحة زرارة ثمّ سائر خصوصيّتها من العدد و الفصل و غيرها فيستفاد من مجموع هذه العبارات و الكلمات الوجوب بضميمة ما ذكره في ديباجة كتابه من قوله (ره):

و ذكرت أنّ أمورا قد أشكلت عليك لا تعرف حقائقها لاختلاف الرواية فيها، و انّك تعلم أنّ اختلاف الرواية لاختلاف عللها و أسبابها، و انك لا تجد بحضرتك من تذاكره و تفاوضه ممّن تثق بعلمه فيها و قلت: انك تحب أن يكون عندك كتاب كاف يجمع فيه من جميع فنون علم الدّين، ما يكتفى به المتعلّم و يرجع اليه المسترشد، و يأخذ منه من يريد علم الدّين و العمل به بالآثار الصحيحة عن الصادقين عليهم السلام و السنن القائمة الّتي

عليها المعوّل (العمل- خ) و بها يؤدّى فرض اللّٰه عزّ و جلّ و سنّة نبيّه صلى اللّٰه عليه و آله (الى أن قال): و قد يسّر اللّٰه و له الحمد-

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 250

تأليف ما سألت و أرجو أن يكون بحيث توخّيت «1» (انتهى موضع الحاجة من كلامه رفع اللّٰه مقامه).

و قد نسب الى أبى جعفر الصّدوق رحمه اللّٰه أيضا في الفقيه فإنّه عنون باب وجوب الجمعة و فضلها ثمّ نقل الروايات الدالة على وجوبها على المسلمين عدا ما استثنى، مثل رواية زرارة، و أبى بصير و محمّد بن مسلم و غيرها من الروايات.

هذا نبذة من أقوال المتقدّمين، الّتي تدعى ظهورها في الوجوب مطلقا.

و أمّا المتأخرون فقد نسب القول بالوجوب العيني إلى الشهيد الثاني رحمه اللّٰه في رسالته المعروفة، و الى سبطه صاحب المدارك و صاحب الحدائق، و المجلسي رحمهم اللّٰه و أكثر الأخباريين.

و مع هذا فكيف يدّعى الإجماع على عدم وجوبها؟ هذا.

و لكن قد يشكل في صحّة نسبة عدم الوجوب الى المتقدّمين من الأصحاب.

أمّا المفيد (ره)، فيمكن أن يستفاد من قوله (ره): (و إذا حضر امام، وجب على المكلّفين الا من عذّر اللّٰه منهم، و ان لم يحضر امام سقط فرض الاجتماع، و ان حضر امام يخلّ بشريطة من تقدّم فيصلح به الاجتماع فحكم حضوره حكم عدم الامام- انّ مراده «2» من الامام، إمام الجمعة لا مطلق إمام الجماعة.

و أمّا أبو الصلاح، فيمكن أن يريد بقوله: أو منصوب من قبله- في

______________________________

(1) أصول الكافي ج 1 ص 8 طبع الغفاري.

(2) نائب الفاعل لقوله: ان يستفاد.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 251

موضعين- ما يشمل الفقهاء الّذين نصبوا بالنّصب العام، لا كل

إمام جماعة، فمع وجوده لا ينعقد بغيره و ان كان هذا الاحتمال بعيدا.

و امّا الكليني (ره) فلم يعلم أنّه (ره) أفتى بمضمون كل خبر نقله في كتابه الكافي، و الا فالروايات المتعارضة كثيرة كما لا يخفى على المراجع.

و أمّا الصدوق (ره) فقد نقل غير واحدة أنّه رحمه اللّٰه لم يبق على قوله في أوّل كتابه الفقيه: و لم أقصد فيه قصد المصنّفين في إيراد جميع ما رووه، بل قصدت إلى إيراد ما أفتى به و أحكم بصحّته و أعتقد فيه أنّه حجّة فيما بيني و بين ربّى تقدّس ذكره و تعالت قدرته (انتهى).

و واضح أنّ المناط في تحقق الإجماع هو قول المتقدّمين، و الا فإجماع المتأخرين لا يكون حجّة بناء على أنّ وجه «حجّية» الإجماع كونه كاشفا عن رواية قد وصلت إليهم و لم تصل إلينا، بضميمة أنّ المتقدّمين كانوا لا يفتون الّا بما صدر من الأئمّة عليهم السلام.

و أمّا المتأخرون فليس دأبهم و دينهم كذلك، بل يفرّعون على الأصول فروعا كما لا يخفى على من راجع أقوال الطائفتين.

فحينئذ يمكن أن يقال: انّ الإجماع القطعي انعقد على عدم وجوب إقامة الجمعة على غير الامام و منصوبه الخاص أو العام «1».

______________________________

(1) أقول: لو كان هناك إطلاق يدل على الوجوب يشكل إثبات المقيد لأنّ غاية ما في الباب، الإجماع المنقول، لأنّ أقوال جميع من تقدّم على الشيخ الطّوسي (ره) ليست بيدنا اليوم و الاكتفاء بنقل الشيخ (ره) يثبت ما ذكرناه من كونه إجماعا منقولا، و هو على تقدير تسليم حجيّته يصير كالخبر المرسل لا يقاوم الأدلّة المطلقة المتكثّرة على تقدير تسلّم إطلاقها.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 252

و كيف كان «1» فعلى تقدير عدم الوجوب العيني على الكل، فهل يجب إقامتها على الفقيه المنصوب عموما أم لا؟

فلنذكره بنبذة مختصره من مناصب الفقيه المنصوب من

قبل الامام عليه السلام ثمّ نتكلّم في انّها

______________________________

(1) و حاصل ما أفاده سيّدنا الأستاذ الأكبر (قده) الى هنا انّ هنا أمرين (أحدهما) اشتراط وجوب إقامة الجمعة بحضور الإمام أو من نصبه في الجمعة، فعلى تقدير الإثبات في الجمعة يشكل تقييد الدليل بصورة فرض وجوده بالخصوص لأنّ دليل الاشتراط حينئذ مطلق غير مقيد بالحضور و عدمه، فالقدر المتيقّن حينئذ انعقادها بسبب عقد الامام عليه السلام أو من نصبه ففي غيرهما يشكّ في انعقادها فيحتاج الى توظيف من الشرع و لم يثبت.

(ثانيهما) دعوى إطلاق الأدلّة من دون تقييدها بوجوده عليه السلام فحينئذ يشكل إثبات التقييد بحضوره أو منصوبه، لأنّ كل واحد من الأدلّة الّتي أقيمت للاشتراط مجمل صالح يمكن أن يحمل على التقييد بعد تسليم سندها ان كان من الأخبار، و دلالتها ان كان غيرها من الآيات و الإجماع أو العقل الحاكم باقتضاء نظام هذا الأمر العظيم اماما واجب الإطاعة، و على تقدير تسليم دلالتها، فالقدر المتيقّن منه بل الظاهر منه بالنسبة إلى كثير من أدلّة الاشتراط، هو اشتراط إقامتها بالإمام أو من نصبه في زمان الحضور، فيبقى أدلّة الوجوب بحالة.

فالحوالة حينئذ إلى فهم المجتهدين المستنبطين، فلينظروا بعين الإنصاف أنّ المنسبق الى الفهم- قبل الرجوع الى الأقوال- أى المعنيين الّذين ذكرناهما و أشرنا إليهما و اللّٰه العالم.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 253

تشمل مثل إقامة الجمعة أو العيدين مثلا أم لا؟.

فنقول- بعون اللّٰه الملك الوهّاب العلّام-: انّه لا ريب و لا شبهة أنّ الأمور الّتي يحتاج صدورها إلى أبناء النوع، على قسمين (أحدهما) ما يمكن و يصحّ صدوره عن كل أحد كالزراعة، و التجارة، و الخياطة و النّجارة و نحوها من أنواع المكاسب و الصناعات

و الأفعال الّتي لا تحتاج الى شخص يكون له نحو تفوّق على الأفراد الأخر و لو كان إيجادها و صدورها يحتاج إلى المعاونة عن الغير.

(ثانيهما) ما لا يصدر عن كل شخص، بل عن شخص خاصّ موصوف بصفات مخصوصة كتنظيم أمور العسكر، و إرسال العدّة، و تهيئة العدّة لحدود أراضي المسلمين و ثغورها، و الأمر بالجهاد أو الدّفاع بإرسال عسكر أو سريّة لحفظ دينهم و دنياهم عن هجوم الاعداء، و تعيين القيّم لأموال القصّر و الغيّب بحيث لا يجوز لأحد مخالفته، و التصرّف في الأموال المجهولة المالك، و أمثال ذلك.

فإنّه لا شكّ في عدم صدورها عن كل أحد، فذلك الشخص الّذي يصدر منه هذه الأفعال يسمّى اماما و سلطانا.

و لا شبهة أيضا في وجوده في كل ملّة و قوم كما تشهد به التواريخ و المشاهدات في كل زمان و الى ذلك أشار عليه السلام فيما رواه في العلل عن الفضل بن شاذان عن على بن موسى الرّضا عليه السلام- كما نقلنا منها سابقا و فيها:

فان قيل: فلم جعل اولى الأمر و أمر بطاعتهم؟

قيل: لعلل كثيرة (منها) أنّ الخلق لمّا وقفوا على حدّ محدود و أمروا أن لا يتعدّوا تلك الحدود (الى أن قال): (و منها) انّا لا نجد فرقة

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 254

من الفرق، و لا ملّة من الملل بقوا و عاشوا الّا بقيّم و رئيس لما لا بدّ لهم منه في أمر الدّين و الدّنيا فلم يجز في حكمة الحكيم أن يترك الخلق ممّا يعلم أنّه لا بدّ لهم منه و لا قوام لهم الّا به فيقاتلون به عدوّهم و يقسمون فيئهم و يقيمون به جمعتهم و جماعتهم و يمنع ظالمهم

من مظلومهم (و منها) انّه لو لم يجعل لهم اماما قيّما أمينا حافظا مستودعا لدرست الملّة و ذهب الدّين و غيّرت السنن و الأحكام، و لزاد فيه المبتدعون و نقص منه الملحدون و شبّهوا ذلك على المسلمين إلخ «1».

فليس جعل الامام و السلطان من مخترعات و مؤسسات الإسلام، بل يمكن دعوى ذلك ممّن لا دين له أصلا فإنّهم يجعلون لأنفسهم قيّما و رئيسا، غاية الأمر انّه قد اشترط في الإسلام للإمام عليه السلام شرائط و أوصافا خاصّة، ممّن لم يكن فيه تلك الأوصاف و الشرائط لم يكن اماما و سلطانا بل لم يمكن ذلك و لو فرض اجتماع النّاس على جعله اماما، و من كانت فيه تلك الشرائط و الأوصاف فهو امام و ان انعزل عنه جميع النّاس و حيث لم يكن مرام جميع الملل بمعلوم لنا فلنقتصر على ذكر مرام المسلمين فقط من العامّة و الخاصّة فنقول:

قد ذهب العامّة إلى جواز جعل الأئمّة بأنفسهم اماما للنّاس و ذهب الخاصّة الى عدم جواز جعله الّا من اللّٰه و رسوله صلى اللّٰه عليه و آله فالمسلمون مجمعون على لزوم الجعل في الجملة و مختلفون في كيفيّة الجعل و في أوصاف المجعول.

و لا شبهة أيضا في أنّ غير الفقيه ليس بمنصوب من قبل الامام عليه السلام في زمن الغيبة بل الأمر يدور بين عدم الجعل أصلا أو جعل الفقيه

______________________________

(1) علل الشرائع ج 1 ص 240 طبع قم المطبعة العلميّة.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 255

و نصبه و لا واسطة فحيث قلنا بعدم جواز إهمال الخلق فلا بد من ان يكون الفقيه منصوبا.

فحاصل هذا الاستدلال يرجع الى قياس استثنائي مركب من مقدم سلبي و قال إيجابي

ينتج برفع المقدم هكذا.

أمّا ان لا ينصب الإمام أحدا أصلا أو ينصب الفقيه فقط، لكن عدم النصب منفي بالدليل، فنصب الفقيه ثابت.

فهذا الدّليل قطعيّ لا شبهة فيه و لا خدشة هذا.

مضافا الى مقبولة عمر بن حنظلة رواه الكليني (ره)، عن محمّد بن يحيى، عن محمّد بن الحسين، عن محمّد بن عيسى، عن صفوان بن يحيى، عن داود بن حصين، عن عمر بن حنظلة، قال: سألت أبا عبد اللّٰه عليه السلام، عن رجلين من أصحابنا بينهما منازعة في دين أو ميراث فتحاكما الى السلطان أو الى القضاة أ يحلّ ذلك؟ فقال عليه السلام: من تحاكم إليهم في حق أو باطل فإنّما تحاكم الى طاغوت و ما يحكم له فإنّما يأخذ سحتا و ان كان حقّه ثابتا لأنّه أخذه بحكم الطاغوت و قد أمروا أن يكفروا به، قلت: كيف يصنعان؟ قال: ينظران (انظروا- خ) الى من كان منكم قد روى حديثنا و نظر في حلالنا و حرامنا و عرف أحكامنا فارضوا به حكما فانّى قد جعلته عليكم حاكما فإذا حكم بحكمنا فلم يقبله منه فإنّما بحكم اللّٰه استخفّ و علينا ردّ و الراد علينا، الرادّ على اللّٰه و هو على حد الشرك باللّه الحديث «1».

______________________________

(1) أصول الكافي ج 1 باب اختلاف الحديث حديث 10 و قطعة منه في فروع الكافي باب كراهة الارتفاع الى قضاة الجور حديث 4 ج 2 طبع أمير بهادرى ص 258 من كتاب القضاء و الوسائل باب 9 حديث 1 من أبواب صفات القاضي ج 18 ص 75.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 256

يستفاد من هذا الحديث الشريف عدم جواز ردّ حكمه لكونه حاكما، فكأنّ الحاكميّة موضوعة لهذا، لأنّ الحاكميّة مترتّبة على

عدم جواز ردّه، فإذا كان موضوع عدم جواز الردّ كونه حاكما فيترتّب عليه باقي لوازم الحكومة من الأمور المذكورة الّتي عددنا بعضها.

بل يمكن أن يقال: لو لا كونه حاكما بقول مطلق لاختلّ نظام المسلمين بعد ملاحظة غلبة الشياطين في هذا العالم على أهل الحق و غصبهم حقوقهم و لعلّه الى هذا يشير قول السّائل- في هذه المقولة- بعد تحريم الامام عليه السلام المراجعة إلى الطّاغوت و أمره بأن يكفر به قلت: «كيف يصنعان» فكأنّ السائل كان يرى أنّهما لو لم يرجعا اليه و و لم يكن لهم حاكم آخر لبقيا متحيّرين و لم يكن الامام عليه السلام قد أمر ببقاء المسلمين متحيّرين في أمورهم فسأله عليه السلام متعجّبا فأجاب عليه السلام بقوله: (ينظران- انظروا) من كان منكم قد روى حديثنا إلخ.

و حاصله أنّى لم آمركم ببقاء منازعتكم في أموركم، بل جعلت لكم حاكما فارجعوا اليه ثمّ لا تردّوا حكمه البتّة.

فيعلم من ذلك أنّ كل ما كان وظيفة الحاكم سواء كان محتاجا إلى إعمال القوّة و القدرة مثل تنظيم العسكر و الأمر بالجهاد أو الدّفاع و و نحوهما أم لا يكون كذلك مثل تعيين القيّم و اجازة التّصرف في الأموال المجهولة المالك، فهو ثابت للفقيه العارف بالأحكام الشّرعيّة و يجب على النّاس اطاعته و لا يجوز ردّ حكمه.

إذا عرفت فنقول: فهل يشمل جعل الحكومة، إقامة صلاة الجمعة أم لا؟ وجهان من كونها من مناصب الحكومة ان قلنا به، و من أن المتيقّن من هذا الجعل شموله للأمور الّتي لا مزاحمة فيها لفقيه

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 257

على فقيه و يجوز أقدام كل واحد عليها، و امّا مثل صلاة الجمعة (الّتي لا يجوز إقامتها

في مسافة أقل من ثلاثة أميال إلّا لواحد منهم، فلو كان في البلد الواحد فقهاء متعدّدون لا يجوز إقامتها إلّا لواحد فلا يشمل جعل الوجوب المفروض لمثله، لإمكان أدائه إلى التّنازع في إقامتها و لو لدواع أخر من ناحية الأشخاص القاطنين في المحلّات العديدة فكل يميل إلى إقامتها في محلّته فينجرّ الى النّزاع و الجدال.

فتأمّل، فإنّه بعد فرض كون النّصب شاملا لجميع ما يكون من مناصب الحكومة فإخراج بعض المناصب يحتاج الى دليل حاكم، و بمجرد إمكان المنازعة بين الأفراد و القاطنين في المحلّات- بعد فرض وجوب إطاعة الفقهاء لا يقع النّزاع بينهم بأنفسهم لأجل أمر نفساني لأجل منافاته للعدالة- لا يصلح دليلا لإخراج هذا الفرض عن عموم الحكم و لو فرض كون التشاح لأمر ديني، فهو في حكم التشاح في إمامة الجماعة غير الجمعة، فيرجع في المرجح إلى الأدلّة.

فتأمّل فإنّه يمكن أن يقال: أنّ أدلة الترجيح في تشاح الأئمّة منصرفة عن صلاة الجمعة باعتبار كونها صلاة مخصوصة لها كيفيّة خاصّة و شرائط مخصوصة و أدلّة المرجحات في نشاح الأئمّة الذين لا اختصاص فيها بامامة امام خاص و شخص خاص بخلاف المقام، فانّ المفروض انّها من مناصب الامام عليه السلام أو من نصبه عموما أو خصوصا فلا تشمل تلك المرجحات، مثل صلاة الجمعة.

فافهم ذلك فإنّه دقيق.

فتحصل من ذلك عدم وجود دليل قطعي على وجوب إقامتها على الفقيه فعلى فرض عدم الوجوب، فهل يجوز إقامتها أم لا؟ وجهان

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 258

أوجههما الجواز، لأنّ الدليل الّذي ذكرناه لعدم وجوب الإقامة على تقدير تسليمه انّما هو يدلّ على نفى الوجوب العيني التعييني، أمّا الجواز فلا دليل على منعه بعد فرض كونه منصوبا على

نحو العموم من قبل الامام عليه السلام.

و يمكن ان يستدل على الجواز- مضافا الى ما ذكر- بخصوص صحيحة زرارة، قال: حثّنا أبو عبد اللّٰه عليه السلام على صلاة الجمعة حتّى ظننت أنّه يريد أن نأتيه، فقلت: نغدو عليك؟ فقال: لا انّما عنيت عندكم «1».

بناء على أنّ المراد من قوله عليه السلام: (عندكم) هو من كان على نحو ما كان عليه زرارة من كونه فقيها، لا الحضور في صلاة الجمعة العامّة كما يظهر من عبارة المفيد المتقدّمة حيث قال: و يستحب مع من خالفهم تقيّة و روى زرارة أنّه قال: حثّنا إلخ فإن الظاهر أن نقل هذه الرواية عقيب قوله: و يستحب إلخ قرينة فهمه رحمه اللّٰه إرادته عليه السلام حضور الشيعة في صلاة المخالفين، و لا النّصب الخاصّ كما احتمله بعض.

و خصوص «2» صحيحة محمّد بن مسلم الواردة في تعليمه عليه السلام للخطبة عليه السلام: الخطبة الأولى: الحمد للّٰه نحمده و نستعينه و نستغفره و نستهد به و نعوذ باللّه من شرور أنفسنا (الى أن قال): ثمّ اقرأ سورة من القرآن و ادع ربّك (الى أن قال): ثمّ تقول: اللّهمّ صل على أمير المؤمنين و وصىّ رسول ربّ العالمين ثمّ تسمّى الأئمّة حتّى تنتهي إلى صاحبك ثمّ تقول: اللّهمّ افتح له فتحا يسيرا و انصره نصرا عزيزا، اللّهمّ

______________________________

(1) الوسائل باب 5 حديث 1 من أبواب صلاة الجمعة ج 5 ص 12.

(2) عطف على قولنا: بخصوص صحيحة زرارة.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 259

أظهر به دينك و سنّة نبيّك إلخ ما في أخر دعاء الافتتاح الوارد من صاحب الزّمان «1» صلوات اللّٰه عليه في حقّ نفسه عليه السلام «2».

تقرير الاستدلال أنّ أمر الإمام عليه

السلام محمّد بن مسلم بقوله عليه السلام: (ثمّ تقول كذا و كذا) (الى قوله) عليه السلام: ثمّ تقول:

اللّٰهمّ صلّ على أمير المؤمنين إلخ لا يمكن أن يكون للتقيّة، لأنّ الخطبة بهذه الكيفيّة المخصوصة من اشتمالها على الأئمّة عليهم السلام و تسميتهم بأسمائهم لا يكون مطابقا لفتوى أحد من العامّة قطعا فيكشف ذلك عن أنّ الأصحاب كانوا يصلّون الجمعة في ذلك الزمان، فامّا أن يكون هذا اذنا عموميّا منه عليه السلام للعموم أو لخصوص أمثال محمّد بن مسلم و أيّهما كان يثبت جواز إقامتها للفقيه و كذا يمكن أن يستدلّ بخصوص رواية أبي بصير الدالّة على القنوت في الركعة الأولى قبل الركوع، و في الثانية بعد الركوع «3».

و هذه الكيفيّة من متفرّدات الإماميّة و لا يقول بها أحد من العامّة و كذا يدلّ على انعقادها بسبب الفقيه كل خبر دالّ على اعتبار العدد الخمسة أو السبعة، بناء على كون الامام المشار إليه في الخبر إشارة إلى المعهود في ذلك الزمان أعنى نفس الامام عليه السلام أو من نصبه و المفروض شمول النصب له كما لا يخفى.

______________________________

(1) في كتاب الدعاء و الزيارة للآية المجاهد السيّد محمّد الشيرازي هكذا: عن صاحب الأمر عجّل اللّٰه تعالى فرجه أنّه كتب الى الشيعة أن يقرءوا هذا الدعاء (الافتتاح) في كل ليلة ص 302.

(2) الوسائل باب 25 حديث 1 نقلا الى المعنى في الجملة ج 5 ص 38.

(3) راجع الوسائل باب 5 حديث 12 من أبواب القنوت ج 4 ص 904.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 260

فانقدح من جميع ما ذكرنا أنّ الأقوال في صلاة الجمعة ستّة أو أربعة ترجع إلى الستّة،

الحرمة، و القول بجواز إقامتها للفقهاء فقط، و القول بجواز إقامتها لكل من جمع شرائط إمام الجماعة في سائر الصلوات.

و القولان الأخيران مشتركان في

كون الإقامة بإذنه عليه السلام أو من نصبه و يحتمل كل من القولين المشتركين في الاذن للوجوب العيني أو التخييري (و مدرك) القول بالحرمة أنّ العبادة توقيفيّة تحتاج الى توظيف من الشرع و ما ادّعى من الأخبار الدّالة على الوجوب أو الجواز أخبار أحاد لا ثمرة في دلالتها على الوجوب أو الجواز.

(و مدرك) القول بانعقادها بإقامة الفقيه ان الفقيه منصوب من قبله عليه السلام.

(و مدرك) القول بجواز إقامتها لكل امام جامع لشرائط إمامة الجماعة فقط، الأخبار صريحا أو ظهورا كما ادّعى، مطابقة أو التزاما و لم يثبت لنا الدليل المقيّد جوازها بحضور الامام عليه السلام أو من نصبه إلا في زمان بسط يده عليه السلام و لا كلام لنا فيه بوجه.

(مدرك) القول بالوجوب العيني على كل أحد مع اجتماع الشرائط ما ذكرناه، مع ادّعاء ظهور الأدلّة بل صريح بعضها في العينيّة.

(و مدرك) القول بوجوبها العيني في زمان الحضور انّ ذلك مقتضى الجمع بين ما دلّ على أنّ ذلك منصب الامام عليه السلام و بين ما دلّ على وجوب إقامتها بقول مطلق، فيحمل الأوّل على زمان الحضور مع بسط يده، و الثاني على زمان الغيبة.

نعم القول السابع الذي لم نذكره في تعداد الأقوال عدم

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 261

اشتراطها بشي ء من الامام أو من نصبه سواء كان في حضور، أو غيبة، و سواء كان مبسوط اليد أم لا حتّى أنّه يجب إقامتها على سائر المسلمين و ان لم يقمها الامام عليه السلام مع تمكّنه، و ذلك لمصلحة يراها لعدم إقامتها، و هذا القول نادر شاذ مخالف لظواهر الآيات و الاخبار و و الإجماعات و لم نجد له وجها صحيحا، فافهم ما ذكرنا ينفعك

إن شاء اللّٰه تعالى.

فالأقوال الخمسة مشتركة في أصل جوازها فالمعنى الأعمّ للفقيه، غاية الأمر اختلافها من حيث الوجوب و عدمه عينا أو تخييرا.

و اما غير الفقيه فالقولان منها مشتركان في جوازها كذلك، و الأقوال الأربعة الأخر غير منافية له فإن الحرمة لو قيل بها فإنّما هي تشريعيّة نظير شرب الخمر و الكذب الضّار مثلا الا ان ينصب نفسه قاضيا مدعيا أنّه يجب اقتداء النّاس به، فالأمر يدور حينئذ بين الحرمة التشريعيّة و الوجوب الذاتي، و حيث أنّ الأولى خفيفة المئونة لارتفاعها بإتيانها رجاءا فالأحوط لمن أرادها أتيانها مع التمكّن من الخطبة و اجتماع العدد و عدم الخوف من الحاكم الجائر.

و اما الاكتفاء بها عن الظهر، فمشكل بعد فرض أنّ الظهر واجبة عينا بعد مضى وقت الجمعة ان قلنا بان وقت الجمعة أضيق من وقت الظهر، و ان قلنا: ببقاء وقتها ببقاء وقت الظهر في سائر الأيّام على ما، هو ظاهر الشهيد الأول في اللمعة بل ظاهر الثاني في شرحها فلا فرق حينئذ «1».

______________________________

(1) و كيف كان فبعد رفع الحرمة الذاتيّة، فالاحتياط ما أمكن سبيل النّجاة، أخوك دينك فاحتط لدينك، و اللّٰه العالم.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 262

هذا كلّه في أصل إقامتها.

و امّا وجوب الحضور إذا أقامها غير الإمام أو منصوبه الخاص كالفقيه أو غيره ان قلنا بصحّة إقامة غيره أيضا، ففي ثبوته و عدمه وجهان أوجههما عدم الوجوب لأنّ القدر المتيقّن من وجوب الحضور ما إذا كان العاقد لها الإمام أو من نصبه لإقامتها و المفروض انّ وجوب الحضور ليس من آثار صحّة الجمعة، بل من أحكام وجوب عقدها كما هو المفروض (ثانيهما) أنّه ليس كل حكم ثبت لموضوع خاصّ يثبت له مطلقا،

بل مشروط بكل ما له دخل في تحقّق ذلك الموضوع الخاص، و في المقام، الموضوع الخاص هو عقد الامام عليه السلام أو المنصوب لها من قبله، فيحكم بوجوب الحضور و غيره ليس ذاك الموضوع فلا يحكم به، نعم الاحتياط الحضور و لا يخفى وجهه.

و من الشرائط لانعقادها الجماعة

و الدليل عليه صحيحة زرارة عنه عليه السلام: فرض اللّٰه من الجمعة الى الى الجمعة خمسا و ثلاثين صلاة منها صلاة واحدة فرضها اللّٰه في جماعة و هي الجمعة إلخ «1».

لكن في هذه الجماعة خصوصيّات لا تكون في غيرها من الفرائض الخمسة الأخر (منها) العدد و (منها) اعتبار كونهم ذكورا، و (منها) عدم انعقاد جماعة أخرى في فصل أقل من ثلاثة أميال من آخر الصّف إحديهما إلى أوّل الصّف من الأخرى.

______________________________

(1) الوسائل باب 1، حديث 1 من أبواب صلاة الجمعة: ج 5 ص 2.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 263

أمّا العدد فلا خلاف بين علماء الإسلام في اعتباره في الجملة كما نقله العلامة في المنتهى قال رحمه اللّٰه في المنتهى: العدد شرط في انعقاد الجمعة، و هو مذهب علماء الإسلام فلا يتعيّن بالإمام وحده ابتداء فان الخلاف في كميّته، فالّذي أكثر علمائنا عليه خمسة نفر أحدهم الإمام، ذهب اليه المفيد، و السيّد المرتضى، و ابن أبى عقيل، و سلّار و أبو الصّلاح، و ابن إدريس، و قال ابن حمزة، و ابن بابويه: انّ أقل العدد الذين يجب عليهم الجمعة سبعة نفر فيستحب للخمسة، و قال الشافعي و مالك، و أحمد في إحدى الروايتين عنه: أنّ الشرط حضور أربعين و هو قول عمر بن عبد العزيز و عبيد اللّٰه بن عبد اللّٰه بن عتبة و إسحاق، و الرواية الأخرى عن أحمد

خمسون، و قال ربيعة ينعقد باثني عشر لا بأقل، و قال الثّوري و أبو حنيفة و محمّد بأربعة الإمام أحدهم و قال الليث بن سعد و الأوزاعي و أبو ثور و أبو يوسف: ينعقد بثلاثة الإمام أحدهم، و قال الحسن بن صالح بن حيّ: ينعقد باثنين (انتهى) موضع الحاجة).

و المشهور بين الخاصّة بل يمكن كونه إجماعا هو القول بالخمسة أو السبعة بمعنى أنّ شرط انعقادها أحد العددين، غاية الأمر الوجوب مع السبعة و الاستحباب مع الخمسة و امّا وجوبها مع السبعة و عدم الجواز مع الخمسة كما حكى عن الشيخ عماد الدين في كتاب الإشارة فنادر لا دليل عليه من آية أو رواية.

و أمّا ما ذهب إليه العامّة على اختلاف مذاهبهم من اعتبار الخمسين أو الأربعين أو اثنى عشر أو أربعة أو ثلاثة أو اثنين، مستندين فيها الى اعتبارات واهية ضعيفة و الى روايات غير نقيّة السند، فكلّها

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 264

مردودة بإجماع أهل البيت عليهم السلام على خلافها كلّها و لم يرد منهم عليهم السلام مع كثرة التّقيّة على أحد هذه الأقوال رواية واحدة و لو ضعيفة فضلا عن الموثّق و الحسن و الصحيح.

فالمهم صرف الكلام الى القولين المشهورين تقريبا و بيان دليلهما.

فنقول- بعون اللّٰه-: انّ أخبار المسألة على طوائف ثلاث (أحدها) مجمل لا ظهور فيه في شي ء منهما، مثل ما رواه الكليني رحمه اللّٰه، عن الحسين بن محمّد، عن عبد اللّٰه بن عامر، عن على بن مهزيار عن فضالة، عن ابان بن عثمان، عن أبى العبّاس، عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام قال: ادنى ما يجزى في الجمعة سبعة أو خمسة أدناه «1».

و روى الصدوق (ره) بإسناده عن الحلبي،

عن أبى عبد اللّٰه عليه السلام قال: في صلاة العيدين إذا كان القوم خمسة أو سبعة فإنهم يجمّعون الصلاة كما يصنعون يوم الجمعة «2».

(ثانيها) ما يدل على اعتبار الخمسة في الوجوب لا أزيد، مثل ما رواه الشيخ (ره) عن الحسين بن سعيد، عن صفوان- يعنى ابن يحيى- ئل- عن منصور- يعنى ابن حازم- ئل- عن أبى عبد اللّٰه عليه السلام قال: يجمّع القوم يوم الجمعة إذا كانوا خمسة فما زاد، فان كانوا أقل من خمسة فلا جمعة لهم، و الجمعة واجبة على كل أحد الحديث «3».

______________________________

(1) الوسائل باب 2 حديث 1 من أبواب صلاة الجمعة ج 5 ص 7.

(2) الوسائل باب 2 حديث 3 من أبواب صلاة الجمعة ج 5 ص 8.

(3) الوسائل باب 2 حديث 7 من أبواب صلاة الجمعة ج 5 ص 8.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 265

و بإسناده، عن الفضل بن عبد الملك، قال: سمعت أبا عبد اللّٰه عليه السلام يقول: إذا كان القوم في قرية صلّوا الجمعة أربع ركعات، فان كان لهم من يخطب لهم جمّعوا إذا كانوا خمس نفر و انّما جعلت ركعتين لمكان الخطبتين «1».

و بإسناده، عن ابن أبى يعفور، عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام قال:

لا تكون جمعة ما لم يكن القوم خمسة «2».

________________________________________

بروجردى، آقا حسين طباطبايى، تقرير بحث السيد البروجردي، 2 جلد، دفتر انتشارات اسلامى وابسته به جامعه مدرسين حوزه علميه قم، قم - ايران، اول، 1416 ه ق

تقرير بحث السيد البروجردي؛ ج 2، ص: 265

و ما أخرجه محمّد بن عمر بن عبد العزيز الكشي في كتاب الرجال عن على بن محمّد بن قتيبة، عن الفضل بن شاذان، عن ابن أبى عمير عن غير واحد

من أصحابنا، عن محمّد بن حكيم و غيره، عن محمّد بن مسلم، عن محمّد بن على «3»، عن أبيه، عن جدّه، عن النّبي صلّى اللّٰه عليه و آله، قال: إذا اجتمع خمسة أحدهم الإمام فلهم أن يجمّعوا «4».

و هذه الرواية و ان لم تكن فيها دلالة على الوجوب الا ان الملازمة بين انعقادها و وجوبها موجبة للحمل عليه.

(ثالثها) ما يدلّ على اعتبار السبعة في الوجوب و الخمسة في الاستحباب على ما ادّعى، مثل ما رواه الصدوق (ره) بإسناده، عن زرارة، قال: قلت لأبي جعفر عليه السلام: على من تجب الجمعة؟ قال:

تجب على سبعة نفر من المسلمين و لا جمعة لأقل من خمسة من المسلمين أحدهم الإمام، فإذا اجتمع سبعة و لم يخافوا أمّهم بعضهم و

______________________________

(1) الوسائل باب 2 حديث 6 من أبواب صلاة الجمعة ج 5 ص 8.

(2) الوسائل باب 2 حديث 8 من أبواب صلاة الجمعة ج 5 ص 9.

(3) الظاهر انّ المراد عن محمّد بن على الباقر عن أبيه، عن جدّه على عليه السلام.

(4) الوسائل باب 2 حديث 11 من أبواب صلاة الجمعة.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 266

و خطبهم «1».

و ما رواه الشيخ (ره) بإسناده، عن محمّد بن أحمد بن يحيى عن محمّد بن الحسين، عن الحكم بن مسكين، عن العلاء، عن محمّد بن مسلم، عن أبى جعفر عليه السلام، قال: تجب الجمعة على سبعة نفر من المسلمين، و لا تجب على أقل منهم، الامام و قاضيه، و المدّعى حقّا، و المدّعى عليه، و الشاهدان، و الذي يضرب الحدود بين يدي الامام «2» و امّا وجه الجمع فقد نقل عن الشيخ (ره) و جماعة حمل ما تضمّن على السبعة، و

ما تضمّن الخمسة على الاستحباب جمعا.

و عن جماعة من المتأخرين أنّهم حملوا أخبار الخمسة على الاستحباب لظهورها في اعتبار الخمسة في الوجوب بقرينة، ما ذكر من النص على عدم الوجوب سيّما صحيحة زرارة المذكورة في الثالث حيث انّها مسبوقة بالسؤال بقوله عليه السلام: (على من تجب الجمعة، فهي في مقابل التحديد، بخلاف أخبار الخمسة، فإنّه ليس شي ء منها في مقام التحديد الذي يذكر في جواب سؤال).

(و فيه) (أوّلا) عدم معهوديّة الاستحباب في زمان صدور الروايات عن الصادقين عليهما السلام كي تحمل أخبار الخمسة عليه.

(و ثانيا) انّه مسلّم لو لم يذكر الخمسة و السبعة معا مجتمعا في رواية واحدة (و بعبارة أخرى) لو لم يصدرا في مجلس واحد في كلام واحد امّا لو ذكرا كذلك فبعد بيان الامام عليه السلام حكمين للجمعة بالنسبة إلى وجوبها، أحدهما التعييني و الآخر التخييري.

______________________________

(1) الوسائل باب 2 حديث 4 من أبواب صلاة الجمعة.

(2) الوسائل باب 2 حديث 9 من أبواب صلاة الجمعة.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 267

بل يمكن دعوى دلالة قوله عليه السلام- في رواية منصور المذكورة في القسم الثاني-: (إذا كانوا خمسة فما زاد) انّ المناط في الوجوب هو الخمسة و الّا فيبعد ان يريد المتكلّم الحكيم من قوله عليه السلام: (فما زاد) خصوص الواحد بمعنى انّهم إذا كانوا خمسة أو ستّة يستحب و إذا بلغوا سبعة تصير واجبا عينيّا تعيينيا مع فرض كون التعبير بعبارة واحدة.

فالجمع الدلالي بالوجهين المذكورين بعيد جدّا فلا بدّ من الجمع السندي.

فيقال: انّ أخبار الخمسة أكثر عددا و قائلا أيضا، فإنّ أكثر فقهائنا المتقدّمين ذهبوا الى اعتبار الخمسة في الوجوب، و اخبار السبعة و ان كانت أصرح دلالة أيضا الا انّ عدم

معهوديّة الوجوبين- التعييني و التخييري- يوهنها.

و الحاصل أنّ القاعدة تقتضي ما ذكره الشيخ (ره) الّا أنّ القرينة الخارجيّة قائمة على خلافه، و هي أنّ انعقاد الجمعة ملازم للوجوب التعييني في زمان الصدور.

مضافا الى أنّ العمدة في الاستدلال هي رواية محمّد بن مسلم، و الّا فرواية زرارة محتملة أن يكون، من قوله عليه السلام: (و لا جمعة لأقل من خمسة) من فتوى الصدوق رحمه اللّٰه على ما يظهر من الفقيه المطبوع جديدا في الهند، و معلوم أنّ الرواية الواحدة لا تقاوم الروايات المتكثرة مضافا الى أنّ روايات الخمسة «1» أشبه بالقواعد كما قاله المحقق

______________________________

(1) قد قرّر المصنف أدام اللّٰه ظلّه أنّ كل ما في كتابه من قوله:

(الأشهر) يعنى به من الروايات المختلفة (و الأظهر) في فتاوى الأصحاب (و الأشبه) ما تدل عليه أصول المذهب من العمومات و الإطلاقات أو دلالة عقل، أو تمسّك بالأصل، و في معناه (الأنسب و الأصح) من الأقوال ممّا لا يحتمل عند المنصف، و يستعمل (الأحوط) بمعنى المندوب و الأولويّة.

كشف الرموز للفاضل الآبي أحد تلامذة المحقق: ج 1 ص 399 طبع مؤسّسة النشر الإسلامي.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 268

في الشرائع كما قلنا من عدم القول بالوجوب التخييري في ذلك الزمان.

مضافا الى ذهاب الأكثر إلى العمل بأخبار الخمسة فالأظهر من حيث الجمع و ان كان هو اختيار أخبار السبعة إلّا أنّ الأشبه و الأقوى كفاية الخمسة في الوجوب فتأمّل.

و الحمد للّٰه أوّلا، و آخرا، و ظاهرا، و باطنا اللّٰهمّ اغفر لنا و لأساتيذنا و لأبوينا و لجميع الملتمسين منّا الدعاء 13/ شعبان/ 1367 أقلّ الطلبة على پناه الاشتهاردى.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 269

بسم اللّٰه الرّحمن الرّحيم

القول في أوقات الصّلوات و فيه فصلان
الأوّل في أوقات الفرائض
اشارة

لا خلاف

بين المسلمين في أن الصلوات الخمس من الواجبات الموقّتة، بل كونها كذلك من ضروريّات الفقه لو لم يكن من ضروريات الدين.

و يدل عليه- مضافا الى ما ذكرتا من الإجماع- آيات (منها) قوله تعالى فَإِذٰا قَضَيْتُمُ الصَّلٰاةَ فَاذْكُرُوا اللّٰهَ قِيٰاماً وَ قُعُوداً وَ عَلىٰ جُنُوبِكُمْ فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلٰاةَ إِنَّ الصَّلٰاةَ كٰانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتٰاباً مَوْقُوتاً «1».

بناء على ما هو المعروف بين المفسّرين من أنّ المراد من الموقوت ما جعل له الوقت لا المفروض و المأمور به كما عن كنز العرفان.

(و منها) قوله تعالى أَقِمِ الصَّلٰاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلىٰ غَسَقِ اللَّيْلِ وَ قُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كٰانَ مَشْهُوداً وَ مِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نٰافِلَةً لَكَ عَسىٰ أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقٰاماً مَحْمُوداً «2».

سواء كان اللام في (لدلوك إلخ) بمعنى (عند) أو التعليل، و هذه

______________________________

(1) سورة النساء، الآية 103.

(2) سورة الإسراء، الآية 78 و 79.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 270

الآية أوضح من سابقتها من حيث دلالتها على الوقت باعتبار دلالتها على مبدئه و منتهاه كما قيل و قد ورد في الخبر أيضا أنّها بيّنت و أشارت إلى الصلوات الخمس ان كان المراد من قرآن الفجر هو صلاة الصبح كما هو الظاهر و استدلّ به بعض الحنفيّة إنّ القراءة ركن بقرينة تعبيره تعالى عن الصلاة بها.

(و فيه) ما فيه، فانّ مجرد التعبير لا يدلّ على ركنيّته كما لا يخفى.

و امّا احتمال أن يكون المراد نافلة الفجر فبعيد جدّا، فإنّه عطف على قوله: (الصلاة) فكما يقال: أقم قرآن الفجر، و التعبير عن النافلة ب (أقمها) بعيد.

و الحاصل أنّه تعالى أمر بإقامة الصلاة من زوال الشمس الى غسق الليل، و سيجي ء إن شاء اللّٰه معنى الزوال، و

المراد من (الغسق) امّا مجتمع الظلمة و هو انتصاف الليل أو أوّله، فعلى الأوّل يكون المراد اقامة اربع صلوات، الظهرين، و العشاءين، و على الثاني اقامة الظهرين فقط و الأوّل أظهر.

(و منها) قوله تعالى وَ أَقِمِ الصَّلٰاةَ طَرَفَيِ النَّهٰارِ وَ زُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنٰاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئٰاتِ ذٰلِكَ ذِكْرىٰ لِلذّٰاكِرِينَ «1».

بناء على أنّ المراد كما في بعض الأخبار من (طَرَفَيِ النَّهٰارِ) صلاة الصبح و العصر، فيكون المراد من قوله (وَ زُلَفاً) صلاة المغرب و العشاء، و يحتمل أن يريد من (طَرَفَيِ النَّهٰارِ) الصبح و المغرب، فيكون الزلف هو العشاء فقط.

(و منها) قوله تعالى فَسُبْحٰانَ اللّٰهِ حِينَ تُمْسُونَ وَ حِينَ تُصْبِحُونَ

______________________________

(1) سورة هود، الآية 114.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 271

وَ لَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمٰاوٰاتِ وَ الْأَرْضِ وَ عَشِيًّا وَ حِينَ تُظْهِرُونَ «1».

و قد سئل ابن عبّاس: هل وجدت آية تدلّ على أوقات الصلوات الخمس؟ قال: نعم و تلا هذه الآية، و الظاهر أنّ المراد من التسبيح مساء هي صلاة العشاء و صباحا هي صلاة الصبح، و من (الحمد في السماوات و الأرض) عبادة الملائكة و سائر المخلوقين، (و عشيّا) هي صلاة العشاء (و حين تظهرون) هي صلاة الظهر و العصر.

(و منها) قوله تعالى فَاصْبِرْ عَلىٰ مٰا يَقُولُونَ وَ سَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَ قَبْلَ غُرُوبِهٰا وَ مِنْ آنٰاءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَ أَطْرٰافَ النَّهٰارِ لَعَلَّكَ تَرْضىٰ «2».

يحتمل أن يكون المراد بالتسبيح مقترنا بالحمد قبل الطلوع، صلاة الصبح (و قبل غروبها) صلاة الظهرين (و من آناء الليل) صلاة العشاءين (و أطراف النهار) صلاة الصبح في طرف منه و الظهرين في طرف آخر منه، فلعلّ التكرار حينئذ، للدلالة على التكرار.

و بالجملة فدلالتها على أنّ الصلاة

موقّتة في الجملة منّا لا ريب فيه و لا شبهة، و يدل عليه أيضا الأخبار المتواترة معنى و انّما الاختلاف في التفصيل كما يأتي إن شاء اللّٰه تعالى.

و لا شبهة أيضا في كونها من الموقّتات الموسعة بمعنى أنّ الوقت المضروب لها- زائدا عليها و ان حكى عن المفيد منّا رحمه اللّٰه اختصاصها بأوّل الوقت، مستظهرا ذلك من قوله عليه السلام: أوّل الوقت رضوان اللّٰه و آخر الوقت عفو اللّٰه و العفو لا يكون الّا عن ذنب «3».

______________________________

(1) سورة الروم، الآية 17، 18.

(2) سورة طه، الآية: 130.

(3) الوسائل باب 3 حديث 16 من أبواب المواقيت، ج 2 ص 90.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 272

و عن أبي حنيفة أيضا اختصاصه بأخرة مستندا الى ان ما هو المتّصف حقيقة- بالوجوب ما يكون واجبا لا الى بدل.

و الأوّل على تقدير صحّة النسبة- محجوج بالإجماع و الأخبار على خلافه، و الثاني خلط في معنى الوجوب، فانّ معناه كما قرّر في محلّه تعلّق الإرادة الأكيدة بطبيعة كليّة تنطبق على مصاديقها، فلا فرق حينئذ بين أجزاء الوقت.

مسائل
المسألة الأولى أوّل وقت الظهر زوال الشمس،

و المراد وصولها إلى دائرة نصف النهار التي هي دائرة نوعيّة- لا شخصيّة- فتختلف باختلاف الأمكنة و الأفق.

و هل المراد وصول أوّلها إليها أو وسطها أو آخرها؟ وجوه أوسطها الوسط و ان كان الأخير أيضا لا يخلو من وجه جمودا على ظاهر الدليل المعبّر بزوال الشمس الظاهر في زوال جميعها لكنّ المناط في انتصاف النهار تنصيف حركة الشمس من المشرق الى المغرب و هو ينطبق على وصولها اليه.

و كيف كان فلا خلاف في أصل المسألة بين المسلمين الّا ما يحكى عن مالك بن انس حيث شرط في دخول وقتها مضيّ الظهر قدر الشراك،

و لعلّه احتياط في إحراز دخول الوقت و الّا فهو محجوج بالإجماع على ما ذكرنا.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 273

نعم قد ورد في عدّة أخبار، التحديد بغير ذلك كالتحديد بالذراع في رواية زرارة عن أبى جعفر عليه السلام، و روايات إسماعيل، و يعقوب بن شعيب، و ابن مسكان عن زرارة، و عبد اللّٰه بن سنان «1» و كالتحديد بالقدم في رواية ذريح المحاربي، و إسماعيل بن عبد الخالق و سعيد الأعرج «2» و كالتحديد بالقدمين في رواية الفضلاء الخمسة «3».

و كالتحديد بالقامة في مضمرة أحمد بن محمّد بن أبى نصر «4».

و كالتحديد بثلثي القامة في رواية أبي بصير «5».

و كالتحديد بصيرورة الظلّ مثل الشاخص في رواية ابن بكير «6»، و غيرها من الروايات المختلفة التعبير، و لكنّها بقرينة الروايات الأخر الدالّة على أنّ تلك الأوقات للإتيان بالنافلة باعتبار اختلاف الأشخاص بطؤ و سرعة في إتيانها، مضافا الى صريح القرآن بقوله تعالى أَقِمِ الصَّلٰاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إلخ «7» محمولة على ذلك.

و يشهد له بل يدلّ عليه صريحا ما رواه الشيخ (ره) بإسناده عن

______________________________

(1) راجع الوسائل باب 8 حديث 3- 10- 18- 7 من أبواب المواقيت، ج 3 ص 103.

(2) راجع الوسائل باب 8 حديث 22- 11- 17 من أبواب المواقيت، ج 3 ص 103.

(3) المصدر حديث 1، 2 من أبواب المواقيت، ج 3 ص 103.

(4) المصدر حديث 12 من أبواب المواقيت، ج 3 ص 103.

(5) المصدر حديث 23 من أبواب المواقيت، ج 3 ص 103.

(6) المصدر حديث 33 من أبواب المواقيت، ج 3 ص 103.

(7) سورة الإسراء، الآية: 78.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 274

الحسن بن محمّد بن سماعة، عن عبد اللّٰه

بن مسكان، عن زرارة عن أبى جعفر عليه السلام، قال: أ تدرى لم جعل الذراع و الذراعان؟، قلت:

لم؟ قال: لمكان الفريضة، لك أن تتنفّل من زوال الشمس الى أن تبلغ ذراعا، فإذا بلغت ذراعا بدأت بالفريضة و تركت النافلة «1».

و في رواية إسماعيل الجعفي، عن أبى جعفر عليه السلام، قال:

أ تدرى لم جعل الذراع و الذراعان؟ قلت: لا فقال حتى لا يكون تطوّع في وقت مكتوبة «2».

و يشهد له أيضا ما رواه الشيخ من كتاب الحسن بن محمّد بن سماعة، عن صفوان بن يحيى، عن الحرث بن المغيرة، عن عمر بن حنظلة، قال: كنت أقيس الشمس عند أبى عبد اللّٰه عليه السلام، فقال:

يا عمر الا أنبّئك بأبين من هذا؟ قال: قلت: بلى جعلت فداك، قال: إذا زالت الشمس فقد وقع الظهر الّا أن بين يديها سبحة و ذلك إليك، فإن أنت خففت فحين تفرغ من سبحتك، و ان طوّلت فحين تفرغ من سبحتك «3».

و عنه، عن محمّد بن زياد- يعنى ابن أبى عمير- عن عبد اللّٰه بن يحيى الكاهلي، عن زرارة، قال: قلت لأبي عبد اللّٰه عليه السلام:

أصوم فلا أقيل حتّى تزول الشمس، فإذا زالت الشمس صلّيت نوافلي ثم صلّيت الظهر ثمّ صلّيت نوافلي ثمّ صلّيت العصر ثمّ نمت و ذلك قبل أن يصلّى الناس، فقال: يا زرارة إذا زالت الشمس فقد دخل الوقت و لكنّي

______________________________

(1) الوسائل باب 8 حديث 20 من أبواب المواقيت، ج 3 ص 106.

(2) الوسائل باب 35 حديث 11 من أبواب المواقيت، ج 3 ص 166.

(3) الوسائل باب 5 حديث 9 من أبواب المواقيت، ج 3 ص 98.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 275

أكره لك أن تتّخذه وقتا دائما

«1».

دلّت الاوّلى على أنّه لا يحتاج إلى مقايسة الشمس، بل الحكم أوسع من هذا و هو أنّه إذا زالت فقد دخل وقت الظهر و وقت إتيان النافلة، و الثانية على أنّ الزوال وقت الظهر و بعد إتيان الظهر يدخل وقت العصر و لا تحتاج الى أن تصبر حتّى يصير ظلّ الشاخص مثله أو ذراعا و كيف كان فحيث كان دخول وقت الظهر بمجرّد الزوال يقينا، و عليه الأخبار المتواترة إجمالا فلا بدّ من حمل ما يخالفها على ذكر أو على وقت الفضيلة.

و هل تكون الأخبار الواردة في القدم أو القدمين أو الذراع أو الذراعين أو القامة أو ثلثي القامة «2» في مقام بيان تحديد النافلة من غير نظر الى بيان فضيلة الظهر، أم تدل على أن أوّل وقت الفضيلة هو بعد القدمين أو القدم مثلا؟

و على الثاني فهل يختصّ هذه الفضيلة بما إذا شرع النافلة للمصلّي، فلو لم يشرع له النافلة يكون أوّل وقت الفضيلة أوّل الزوال أم لا؟

(و بعبارة أخرى) هل تدل أخبار القدمين على أنّ وقت فضيلة الظهر مطلقا هو ما إذا صار ظلّ كلّ شي ء سبعي الشاخص مثلا بمعنى أنّ لدخول هذا الوقت بما هو دخل في تحقّق الفضيلة، فكما أنّه إذا صلّى بعد هذا الوقت فات وقت الفضيلة فكذا لو صلّى قبله أم هي في مقام بيان كيفيّة درك الفضيلتين بمعنى أنّ وقت فضيلة الظهر من أوّل الوقت الى وقت صيرورة الظلّ مثل الشاخص فمن أراد أن يدرك فضيلة

______________________________

(1) الوسائل باب 5 حديث 10 من أبواب المواقيت، ج 3 ص 98.

(2) راجع الوسائل باب 8 من أبواب المواقيت، ج 3 ص 102 الى 110.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 276

النافلة و الفريضة فليأت بالأولى قبل القدمين و بالثانية بعده؟

الظاهر، الثاني، فإنّ حملها على الأوّل- بناء على كونها في مقام بيان وقت الفضيلة لا تحديد وقت النافلة- بعيد جدّا.

هذا مع كثرة الأخبار الدالّة على كون أوّل الوقت أفضل الأوقات مضافا الى الآيات الدالّة بعمومها مثل قوله تعالى فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرٰاتِ «1» أو بإطلاقها مثل قوله تعالى وَ سٰارِعُوا إِلىٰ مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ «2»، على استحباب المبادرة إليها، و لا شبهة في أنّ صلاة الفريضة من أفضل الخيرات و أحسن أسباب المغفرة (رزقنا اللّٰه و إيّاكم للمسارعة إلى الخيرات بحق النبي و آله الأخيار).

مضافا الى حكم العقل بحسن المبادرة إلى امتثال أمر المولى الحقيقي و لذا قد يقال بأنّ الأمر إذا لم يكن متعلّقه موسعا يقتضي الفوريّة بحكم العقل بعدم جواز تأخير متعلّق الأمر مع الإمكان.

و كيف كان فلا شبهة في كون الإتيان في أوّل الوقت أفضل لو لم يزاحمه فضيلة اخرى كفضيلة فعل النافلة مثلا فمعها يدرك الفضيلتين وفّقنا اللّٰه و إيّاكم لهما ان شاء اللّٰه تعالى

المسألة الثانية آخر وقت الظهر هل هو وقت صيرورة الظل مثل الشاخص

أم هو باق الى المغرب أو ممتدّ الى أن يبقى أربع ركعات؟ وجوه، بل أقوال بين العامّة و الخاصّة.

و لا خلاف بين المسلمين في امتداد. وقت الظهر إلى صيرورة مثل الشاخص كما في المنتهى للعلامة، و انّما الخلاف في الزائد عليه،

______________________________

(1) سورة الحديد، الآية: 21.

(2) سورة آل عمران، الآية: 133.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 277

فعن أبي حنيفة امتداده الى أن يصير ظلّ كلّ شي ء مثليه، فإذا تجاوز صارت قضاء، و عن محمّد بن جرير الطبري، و محمّد بن الحسن الشيباني و أبى يوسف تلميذي أبي حنيفة امتداد وقتها الى أن يمضي بعد المثل بمقدار أربع ركعات،

و عن الشافعي امتداده الى أن يصير ظلّ كلّ شي ء مثله.

و عن علم الهدى السيد المرتضى رحمه اللّٰه كون ما حكيناه عن أبي حنيفة وقت الفضيلة، و هو منقول عن ابن الجنيد أيضا، و عن الشيخ أبى جعفر الطوسي رحمه اللّٰه تخصيصه بالمختار، و امتداده لغير المختار الى الغروب.

و حيث يطول ذكر استدلالات العامّة و الجواب عنها و لا يليق بهذا المختصر فلنقتصر على ما هو مورد الخلاف بين الخاصّة.

فنقول: انّ الإماميّة على قولين (أحدهما) ما ذهب اليه السيّد و من تبعه (و الثاني) ما ينسب الى الشيخ (ره) و ان كان في دلالة كلامه في النهاية على ما نسب إليه تأمّل كما سيأتي إن شاء اللّٰه تعالى.

و منشأ الاختلاف اختلاف الأخبار، ففي عدّة منها كون آخره غروب الشمس «1» و في بعضها، آخره أن يبقى مقدار أربع ركعات «2» و في كثير منها صيرورة الظلّ مثل الشاخص «3»، و من ثمّ وقع الاختلاف

______________________________

(1) لاحظ الوسائل باب 10 حديث 4، 9 من أبواب المواقيت ص 115 الى 116.

(2) لاحظ الوسائل باب 4 حديث 5، 7، 18 من أبواب المواقيت ص 91 الى 94.

(3) لاحظ الوسائل باب 10 حديث 1 من أبواب المواقيت ص 114.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 278

في كيفيّة الجمع- بين الفقهاء الإماميّة، فلننقل كلماتهم في ذلك فنقول- بعون اللّٰه تعالى:

قال الشيخ أبو جعفر الطوسي رحمه اللّٰه في النهاية: اعلم أنّ لكل صلاة من الصلوات المفروضة وقتين أوّلا و آخرا، فالوقت الأوّل وقت من لا عذر له، و الثاني وقت لمن له عذر من المرض أو السفر أو غير ذلك، و لا يجوز لمن ليس له عذر أن يؤخر الصلوات من

أوّل وقتها الى آخره مع الاختيار، فإن أخرها كان مخطئا مهملا لفضيلة عظيمة و ان لم يستحق العقاب لأنّ اللّٰه قد عفى له عن ذلك، و صاحب العذر يجوز تأخير الصلاة الى آخر الوقت على كل حال (انتهى موضع الحاجة).

و قال في المبسوط: لكل صلاة أوّل و آخر، فأوّل الوقت وقت من لا عذر له و لا ضرورة تمنعه، و الوقت الآخر وقت من لا عذر له أو به ضرورة، و الاعذار أربعة أقسام: السفر، و المطر، و المرض، و أشغال تضرّ تركها في باب الدين و الدنيا (الى أن قال): فإذا زالت الشمس فقد دخل وقت فريضة الظهر و يختص به مقدار ما يصلّى فيه أربع ركعات ثمّ يشترك الوقت بعده بينه و بين العصر الى أن يصير ظلّ كل شي ء مثله (الى أن قال): هذا وقت الاختيار، فأمّا وقت الضرورة فهما مشتركان فيه الى أن يبقى من النهار ما يصلّى فيه أربع ركعات، فإذا صار كذلك اختصّ بوقت العصر الى أن تغرب الشمس (انتهى) و بمثله قاله على بن حمزة الطوسي (ره) في الوسيلة مع تفاوت يسير.

و قال المفيد رحمه اللّٰه في المقنعة: وقت العصر بعد الفراغ من الظهر إذا صلّيت في أوّل أوقاتها و هو بعد الزوال بلا فاصلة، و هو ممتد الى أن يتغيّر لون الشمس باصفرارها للغروب، و للمضطر و الناسي إلى

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 279

مغيبها بسقوط القرص عمّا تبلغه أبصارنا (انتهى موضع الحاجة).

و قال الصدوق رحمه اللّٰه في الهداية: إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الصلاتين الا أنّ بين يديها سبعة (الى أن قال): فأوّل وقت الظهر من زوال الشمس الى أن يمضي قدمان، و

وقت العصر من حيث يمضى قدمان من زوال الشمس الى أن تغيب الشمس و انتهى موضع الحاجة.

و قال السيّد أبو المكارم حمزة بن على بن زهرة في الغنية: أمّا أوقات فرائض اليوم و الليلة فلكلّ واحد أوّل و آخر، فأوّل وقت الظهر إذا زالت الشمس، فإذا مضى من زوالها بمقدار أداء الظهر و دخل وقت العصر و اشترك وقتاهما الى أن يبقى من غروب الشمس مقدار أداء العصر فيخرج وقت الظهر و يخلص هذا المقدار للعصر (الى أن قال): (فان قيل): أ ليس قد ذهب أصحابكم الى أنّ وقت الظهر أن يصير ظلّ كل شي ء مثله، و آخر وقت المغرب غيبوبة الشفق و هو الحمرة و وردت الرواية بذلك عن أئمّتكم و هذا يقتضي خلاف ما ذكرتموه فكيف تدعون إجماع الإماميّة عليه (قلنا): التحديد لا ينافي ما ذكرنا لأنّه انّما جعل ليفعل فيه النوافل و التسبيح و الدعاء و ذلك هو الأفضل فكان ذلك المقدار حدّا للفصل لا للجوار (انتهى).

و قال الشيخ أبو يعلى سالّار بن عبد العزيز الديلمي رحمه اللّٰه في المراسم- بعد تقسيم الأوقات-: فإذا زالت الشمس فقد دخل وقت الظهر و وقت العصر عند الفراغ من الظهر (الى أن قال): و أنت في فسحة من تأخير صلاة الظهر و العصر الى أن يبقى الى مغيب الشمس مقدار أداء ثمان ركعات خفاف فان تصرّم منه مقدار أداء أربع ركعات

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 280

خلص الوقت للعصر خاصّة (انتهى).

و مثل الغنية قاله محمّد بن إدريس رحمه اللّٰه في السرائر، و علم الهدى السيّد المرتضى في الناصريّات، و المحقّق و العلّامة و أكثر المتأخرين منهم.

بل يمكن استفادة ذلك من الشيخ (ره) في

النهاية حيث حكم بعدم جواز التأخر لمن لا عذر له عن الوقت الأوّل المحمول على تأكّد الاستحباب بقرينة حكمه بكونه مخطئا مهملا لفضيلة عظيمة، و تصريحه بعدم العقاب على تقدير التأخير.

بل في المبسوط أيضا أنّه عدّ من الاعذار و الاشتغال بما يضر تركه في باب الدين أو الدنيا، و من المعلوم عدم جواز التأخير لأمر ديني إلّا إذا كان أهمّ أو دنيوي كذلك فيظهر أنّ مراده وقت الفضيلة.

فاللازم حمل كلام الوسيلة أيضا على ذلك، بل و المراسم أيضا التعبير بلفظة (العذر) الظاهر في ذلك أيضا.

بل لا يبعد حمل كلام المفيد (ره) أيضا على ما ذكره السيّد المرتضى (ره)، غاية الأمر فصّل في آخر الوقت بين اصفرار الشمس، و سقوطها، و لعلّ المراد بالاصفرار غيبوبتها عن الأنظار الموجبة لاصفرار الهواء.

و كيف كان يمكن أن يقال بعدم الاختلاف بين القدماء بحسب أصل الوقت، غاية الأمر عبّر بعضهم بالوقت للمختار و المضطر و بعضهم بالفضيلة و الاجزاء، فنسبة الاختلاف بينهم على طريق الجزم و البثّ إليهم محلّ التأمّل فتأمّل.

و كيف كان فلا شبهة في دخول الوقت بزوال الشمس، و لا في

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 281

بقائه في الجملة إلى غروب الشمس، و المدّعي يدّعي تخصيص الأخبار الدالّة بإطلاقها على بقاء الوقت لكل أحد بمن لا عذر له، فان كان مراده أنّه ان أخّر فهو مستحق للعقوبة فقد صرّح الشيخ الطوسي- المنسوب اليه هذا القول- بعدمها، و ان كان المراد أنّه ان أخّر عمدا و بلا عذر عن وقت المختار كان قاضيا لا مؤديا، فهو بعيد جدّا لاستلزامه أن يكون المصليان في ذلك الوقت إذا كان التأخير من أحدهما عمدا، و من الآخر بعذر مختلفين في

القضاء و الأداء مضافا الى أنّ التأخير لعذر يوجب عدم العقاب لأنّه يوجب توسعة الوقت، فلا شبهة فيما اختاره السيّد المرتضى.

و كما لا بدّ من حمل أخبار الذراع و الذراعين، أو القامة و القامتين أو سبع الشاخص و سبعيه أو القدم و القدمين، على بيان وقت النافلة و كذا لا بدّ من حمل المثل و المثلين على بيان فضيلة الصلاة في ذلك الوقت.

المسألة الثالثة أوّل وقت العصر، الفراغ من الظهر،
اشارة

و الكلام في آخره هو الكلام في آخر وقت الظهر قولا و قائلا و اختيارا و اضطرارا إلا أنّك تبدل المثل بالمثلين بالنسبة إلى مورد الاختلاف بين الخاصّة.

(المسألة الثالثة) هل الوقت بجميع أجزائه مشترك بين الظهرين الى مغيب الشمس أم يختصّ من أوّله بمقدار أداء الظهر، بها، و من آخره بمقدار أداء العصر بها؟ ظاهر ما نسب الى الصدوقين-

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 282

حيث أنّهما عبّرا بأنّه إذا زالت الشمس دخل الوقتان معا الّا أنّ هذه قبل هذه- هو الاشتراك.

و الذي يظهر من المفيد في المقنعة، و السيد المرتضى في الناصريات، و الشيخ في النهاية و المبسوط، و ابن زهرة في الغنية، و سالار في المراسم، و ابن حمزة في الوسيلة، و ابن إدريس في السرائر و المحقّق في المعتبر و الشرائع، و العلامة في المختلف أنّه مذهب باقي علمائنا غير الصدوقين، بل في المنتهى انّ مرادهما أيضا ذلك كما يظهر لمن راجعه فراجع المنتهى، ج 1 ص 201 ذيل قوله (ره): فائدة أخرى ظهر من ذلك إلخ «1».

نعم قد جعل هو في المختلف و التذكرة القول بالاختصاص مقابلا للاشتراك، لكن بناء على ما في المنتهى فالمسألة تكون تسالم عليه الفقهاء الى زمن العلّامة (ره).

و كيف كان فالمتّبع الدليل فنقول:

قد يستدل بالروايات «2» المعبّرة بقوله عليه السلام: إذا زالت الشمس فقد دخل الوقتان إلخ كما في صحيحة زرارة، أو وقت الصلاتين كما في رواية صباح بن السيابة،

______________________________

(1) قاله- بعد كلام له-: و مع هذا التحقيق ظهر أنّ الإطلاق بدخول وقت الصلاتين الموجود في كلام الأئمّة عليهم السلام و عبارات علمائنا، محمول على ما قلناه (الى أن قال): فإنّهم لم يطلقوا ذلك بل قيّدوا بقولهم: الّا أنّ هذه قبل هذه و هذا يدل على الاشتراك فيما عدا وقت الاختصاص (انتهى).

(2) راجع الوسائل باب 4 حديث 1، 5، 8، 9، 10، 11، 21 22، من أبواب المواقيت، ج 3 ص 91 الى 95.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 283

و سفيان بن السمط، و مالك الجهني، و منصور بن يونس، أو بزيادة قوله عليه السلام: (الّا أنّ هذه قبل هذه) كما في رواية عبيد بن زرارة، أو بزيادة قوله عليه السلام: (ثمّ أنت في وقت منها جميعا حتى تغيب الشمس) كما في روايته الأخرى على الاشتراك «1».

بما حاصله أنّ المفروض امتناع ارادة دخول الوقت الفعلي بكليهما كما هو واضح، فيدور الأمر بين حملها على دخول الوقت على سبيل التوزيع و حملها على دخول وقت الظهر فعلا و وقت العصر شأنا بمعنى أنّه إذا اتّفق أمور غير طبيعيّة على خلاف العادة، كما إذا سها و صلّى العصر في أوّل الوقت أو زعم دخول الوقت فصلّى قبل دخول الوقت مع جزء من الظهر في الوقت أو صلّى بزعم دخول الوقت ثمّ شكّ بعد في الزوال، فإنّه يحكم بصحّة الظهر بقاعدة الفراغ، ثمّ صلّى العصر في الصورتين في الوقت المختص بالظهر.

و الحمل الثاني أولى من الأوّل باعتبار أنّ الأمر

بالنسبة إلى العصر دائر بين رفع اليد عن دلالته على خصوص الفعليّة و بقاء الدليل بالنسبة إلى الوقت الشأني.

و بالجملة يتصوّر للعصر أوقات ثلاثة، الشأني، و الفعلي، و المنجز فيحمل الأخبار الدالّة على دخول الوقت بالنسبة إلى الصلاتين على الأوّل و مرسلة داود بن أبى يزيد الآتية على الثاني.

بمعنى أنّ أوّل الوقت و لو كان له شأنيّة لوقوع العصر صحيحة باعتبار عروض الأمور النادرة الغير الطبيعيّة كالفروض الثلاثة المتقدّمة الّا أنّ فعليّة الوقت للعصر متوقّف على مضيّ مقدار أربع ركعات من أوّله (و بعبارة

______________________________

(1) متعلّق بقوله: و قد يستدل و كذا قوله: بما حاصله إلخ.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 284

اخرى)، الوقت الشأني للعصر انّما يفيد فيما إذا حصل الترتيب المعتبر مع وقوع الظهر صحيحة كالفروض المذكورة، و الفعلي يفيد و لو لم يحصل الترتيب المعتبر كما إذا توهّم إتيان الظهر في أوّل الوقت فشرع في العصر بعد مضى مقدار أداء الظهر ثمّ بان أنّه لم يأت بها فحينئذ تقع العصر صحيحة لسقوط الترتيب عند المشهور و المفروض وقوعها في وقتها الفعلي.

و الحاصل أنّه في الوقت الشأني غير مأمور بإتيان العصر، بخلاف الفعلي فإنّه مأمور فعلا بالعصر غاية الأمر بعد إتيان الظهر، و الأخبار الدالّة على أنّ وقت العصر عند الفراغ من الظهر على الثالث بمعنى أنّه بعد إتيانه الظهر ينجّز عليه إتيان العصر.

و يمكن أن يجاب (أوّلا) بأنّ الأخبار الناطقة بأنّه إذا زالت الشمس فقد دخل الوقتان أو وقت الصلاتين ناظرة إلى ردّ ما هو كان مركوزا في الأذهان من التفكيك بين الوقتين بملاحظة فتوى العامّة، فإنّ المشهور بينهم أنّ وقت الظهر من أوّل الزوال الى أن يصير ظلّ كلّ شي ء مثله

فيخرج وقت الظهر و يدخل وقت العصر بعد خروج وقت الظهر استنادا الى خبر إتيان جبرئيل عليه السلام لرسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و آله أوقات الصلوات في يومين «1».

و عن أبي حنيفة اعتبار المثلين، و عن الطبري و الشيباني و أبى يوسف، اعتبار مضى مقدار أربع ركعات بعد المثل.

و لكن كلّهم موافقون في أنّ وقت العصر منفك عن وقت الظهر بحيث كان إتيان العصر بعد الظهر بلا فصل مستنكرا بين المسلمين من العامّة نعم قد يسند إلى أنس بن مالك دخول وقت العصر بعد إتيان

______________________________

(1) راجع الوسائل باب 10 حديث 5 من أبواب المواقيت: ج 3 ص 115.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 285

الظهر أوّل الزوال كما عن المنتهى للعلامة، عن ابن أبي أسامة، قال:

صلّينا مع عمر بن عبد العزيز الظهر ثمّ دخلنا على انس و هو يصلّى العصر فقلنا: يا عمر، ما هذه الصلاة؟ فقال: العصر و هذه صلاة رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه و آله «1».

و انس بن مالك و ان لم يرد فيه توثيق، بل عن الكشي ما يدل على تضعيفه باعتبار مخالفته لشهادته لعليّ عليه السلام بالخلافة، و عن تهذيب الأسماء «2» أيضا نقل ذلك، و عن الوجيزة للمجلسي الأوّل تضعيفه الّا أنّه كان خادما لرسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و آله مدّة عشر سنين و قد رأى رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و آله أنّه يصلّى الصلاتين متكررا.

و كيف كان فهذه الرواية تدل على أنّ إتيان صلاة العصر قبل أن يصير الظلّ مثل الشاخص كان مستنكرا بحيث احتيج إلى السؤال على وجه الإنكار فلمّا كان هذا المعنى متداولا بينهم كان السؤال عن الامام عليه السلام لرفع هذا

الاحتمال فأجاب عليه السلام بقوله: (إذا زالت الشمس دخل الوقتان) يعنى لا يلزم أن تصبر بعد أداء الظهر حتّى يصير ظل كلّ شي ء مثله، بل لك أن تأتي بها جميعا متواليتين من دون فصل بينهما كما زعمه العامّة فهذه الأخبار في مقام بيان عدم لزوم الفصل بينهما، الّا أنّ أوّل الوقت وقت لكليهما.

(و ثانيا) «3» بعد تسليم أنّ العمل بظاهرها متعذّر لا نسلّم أنّ

______________________________

(1) المنتهى، ج 1 ص 201 مسألة أوّل وقت العصر إلخ.

(2) لم نعثر على مؤلّفه.

(3) عطف على قوله: و يمكن أن يجاب أوّلا إلخ.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 286

حملها على الاشتراك أولى من الحمل على دخول الوقت على سبيل التوزيع بمعنى أنّ الجزء الأوّل منها منطبق على الجزء الأوّل منه كما في دخول صلاة الظهر أوّل الزوال فكأنّ مجموع الصلاتين أمر ممتدّ واحد يدخل أوّله في أوّل الوقت، فالحمل على هذا المعنى أولى من الحمل عليه.

(و ثالثا) على تقدير الشك في ترجيح أحد الحملين فالقدر المتيقّن دخول وقت الظهر فيستصحب عدم دخول وقت العصر.

(و رابعا) إذا لوحظ ما يستفاد من هذه الأخبار مع ما يدلّ عليه خبر داود بن فرقد الآتي كان ظهور الثاني في الاختصاص أقوى من ظهور هذه في الاشتراك.

(و خامسا) قوله عليه السلام في رواية عبيد بن زرارة المتقدّمة: (الا أنّ هذه قبل هذه) «1» ظاهر بقرينة السؤال عن دخول وقت الصلاتين، في كون الظهر داخلة قبل العصر يعني إذا زالت الشمس دخل وقت الصلاتين على سبيل التدريج بمعنى أنّ الظهر تدخل قبل دخول وقت العصر، لا أنّ إتيان الظهر قبل إتيان العصر، فانّ الدليل على لزوم الترتيب بينهما غير هذه كان لزوم تقديم الظهر على

العصر ضروريا بين المسلمين و ليس موردا للسؤال.

(و سادسا) قوله عليه السلام أيضا في تلك الرواية: (ثمّ أنت في وقت منها جميعا إلخ) دالّ على أنّه لو لم يكن أوّل الزوال في وقت منها، بل كان مختصّا بالظهر، فبعد دخول وقت الظهر يكون الوقت مشتركا الى مغيب الشمس.

و بالجملة، حمل خبر داود بن فرقد الآتي لمّا يكون كالنصّ في

______________________________

(1) راجع الوسائل باب 10 حديث 4 من أبواب المواقيت، ج 3 ص 115.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 287

دخول وقت، الظهر بمقدار ما يصلّى المصلّي أربع ركعات، على الاشتراك لا شاهد له، و ان شئت فتأمّل أنت في الخبر روى الشيخ رحمه اللّٰه بإسناده، عن سعد بن عبد اللّٰه، عن أحمد بن محمّد بن عيسى و موسى بن جعفر بن أبى جعفر جميعا، عن عبد اللّٰه بن الصلت، عن الحسن بن على بن فضال، عن داود بن أبى يزيد- و هو داود بن فرقد- عن بعض أصحابنا، عن أبى عبد اللّٰه عليه السلام قال: إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الظهر و العصر حتى يبقى من الشمس مقدار ما يصلّى المصلّي أربع ركعات، فإذا بقي مقدار ذلك فقد خرج وقت الظهر و بقي وقت العصر حتى تغيب الشمس الحديث «1».

فعلى تقدير المعارضة بين الروايات السابقة و هذه الرواية، يكون حمل تلك عليهما أولى من العكس.

(لا يقال) أنّها مرسلة فلا تعارض الصحاح (فإنّه يقال) بعد عمل حمل الفقهاء المتقدّمين بل المتأخرين أيضا لا يبقى وجه لهذا الاشكال.

(لا يقال): كيف يصح هذا الحمل مع أنّها ليست إلّا رواية واحدة و الحكم إذا كان محلا للابتلاء ينبغي أن يبيّنوا عليهم له ببيانات عديدة (فإنّه يقال): ليس كلّما

لم يصل إلينا منهم عليهم السلام غير مبيّن منهم عليهم السلام، بل يمكن أن يكونوا قد بيّنوا عليهم السلام ببيانات عديدة و مجرّد عدم الوصول لا يدل على عدم البيان، فإنّ الأصول المصنّفة في زمن الرضا عليه السلام لم يصل إلينا، فكيف يمكن أن يقال أنّهم عليهم السلام لم يبيّنوا.

(لا يقال): انّ المراد بدخول وقت الظهر في رواية داود و هو

______________________________

(1) الوسائل باب 4 حديث 7 من أبواب المواقيت: ج 3 ص 92.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 288

وقت إتيانها مع ملاحظة الترتيب، فلا يدل على الاختصاص.

(فإنّه يقال): لا يمكن هذا الحمل بالنسبة إلى آخر الوقت حيث صرّح عليه السلام بقوله عليه السلام: (يخرج وقت الظهر و يبقى وقت العصر) فانّ الترتيب شرط في صحّة العصر، لا في صحّة الظهر، فلا وجه لخروج وقت الظهر الّا خروجه رأسا.

و الفرق بين أوّل الوقت و آخره بالاشتراك في الأوّل و الاختصاص في الثاني لا يقول القائل بالاشتراك هذا.

مضافا الى دلالة صحيحة الحلبي التي رواها الشيخ (ره) بإسناده عن الحسين بن سعيد، عن ابن سنان، عن ابن مسكان، عن الحلبي- و فيها- قال: سألته عن رجل نسي الاولى و العصر جميعا ثمّ ذكر ذلك عند غروب الشمس، فقال: ان كان في وقت لا يخاف فوت إحديهما فليصلّ الظهر ثمّ ليصلّ العصر، و ان هو خاف ان تفوته فليبدأ بالعصر و لا يؤخرها فتفوته فيكون قد فاتتا جميعا، و لكن يصلّى العصر فيما بقي من وقتها ثمّ يصلّى الاولى بعد ذلك على أثرها «1».

و الى روايات دلّت على أنّ الحائض إذا حاضت و قد بقي بمقدار أداء العصر يجب عليها إتيان العصر «2».

و الى رواية دلّت عليه

أنّه إذا بقي إلى طلوع الفجر مقدار أداء العشاء صلّى العشاء فقط «3» بضميمة عدم الفرق بين العشاءين و بين

______________________________

(1) الوسائل باب 4 حديث 18 من أبواب المواقيت، ج 3 ص 94.

(2) راجع الوسائل باب 48 من أبواب الحيض: ج 2 ص 596.

(3) راجع الوسائل باب 49 من أبواب الحيض، ج 2 ص 598.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 289

الظهرين في هذا الحكم و ان كان هذا لم يذهب اليه المشهور لكن يدل عليه على القول بالاختصاص فظهر من جميع ما ذكرنا أنّ الأظهر بحسب الأدلّة هو القول بالاشتراك، و هو الأقوى.

فائدة

قد علم ممّا ذكرنا أنّ وقت العصر يدخل بعد مضى مقدار أربع ركعات للحاضر، إذ لا خصوصيّة في مضيّ هذا المقدار المخصوص، فإن الأخبار الدالّة على أنّه إذا زالت الشمس دخل الوقتان و ان كانت دلالتها على الاشتراك- بالنسبة إلى دلالة مرسلة داود بن أبى يزيد على الاختصاص- مرجوحة الّا أنّ دلالتها على مقدار الاختصاص أظهر من المرسلة فإنّ قوله عليه السلام: (إذا زالت الشمس إلخ) يدل على أنّ لك أن تشرع بالعصر إذا فرغت من الظهر، فلا فرق بين وظيفة إتيان أربع ركعات أو الركعتين قبل الزوال كالمسافر، و صلاة شدّة الخوف، و صلاة الغرقى، فكلّما فرغ من صلاته و كانت صحيحة بحسب وظيفته فقد دخل وقت العصر بالنسبة إلى الشخص.

و من هنا يظهر صحّة قول المحقّق رحمه اللّٰه في المعتبر فيما إذا صلّى قبل الظهر بزعم دخول الوقت فبأن عدم دخوله في أوّل الشروع و لكن وقع جزء منه في أوّل الزوال، «1» بأنّ هذا المقدار فقط مختصّ بالظهر.

و ليس المراد من الاختصاص الواقع في كلمات الأصحاب إلّا ما

ذكرنا لا ما قد يقال بأنّ المراد منه عدم صحّة وقوع الشريكة فيه مع عدم

______________________________

(1) متعلق بقوله: قول المحقّق.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 290

صاحبة الوقت و لا غيرها مطلقا، فانّ لفظ الاختصاص بهذا العنوان لم يرد في آية و لا في رواية، و لا دليل عليه الّا رواية داود بن فرقد المتقدّمة و فيها: (فإذا بقي مقدار ما يصلّى المصلّي أربع ركعات يخرج وقت الظهر و يبقى وقت العصر إلخ) «1» فقوله عليه السلام: يخرج إلخ دال على أنّ هذا المقدار من الوقت ليس وقتا للظهر، و قوله عليه السلام:

يبقى وقت للعصر إلخ دال على عدم خروجه، لا أنّه لا يصحّ صلاة فيه كالصوم في شهر رمضان مثلا.

فتحصّل أنّ المراد بوقت الاختصاص عدم دخول وقت الشريكة في الأوّل و عدم بقائه في الآخر، لا عدم صحّة الشريكة كما عن نجات العباد لصاحب الجواهر، فكما أنّ صلاة الظهر قبل الزوال باطلة كذلك العصر في أوّل الزوال قبل إتيان الظهر بخلاف ما لو أتى بالوجه الصحيح كما لو أحرز دخول وقت الظهر بالأمارات الشرعيّة فصلّى الظهر و وقع جزء منها في أوّل الزوال فحينئذ يصحّ الدخول في العصر، و كما لو زعم فعل العصر سهوا في الوقت المشترك فصلّى الظهر في الوقت المختص بالعصر فهي صحيحة.

و هل هي صحيحة قضاءا أو أداء أو التفصيل بين ما إذا انكشف عدم فعل العصر فالقضاء و عدمه فالأداء؟ الأقوى كونها قضاءا و ان كان التفصيل أيضا لا يخلو عن وجه بدعوى انصراف أدلّة الاختصاص إلى صورة عدم إتيان العصر و أمّا إذا كان قد أتى بها فلا يجب العصر حتى تحتاج الى وقت.

و كيف كان فلا إشكال

في صحّة غير الشريكة في أوّل الوقت عملا

______________________________

(1) لاحظ الوسائل باب 4 حديث 7 من أبواب المواقيت، ج 3 ص 92.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 291

أو سهوا و كذا في آخر الوقت المختص بالعصر إذا اعتقد أنّه أتى بها و أمّا إذا لم يأت بها، ففي صحّة غير الشريكة كقضاء الصبح أو المغرب أو الظهرين مثلا من السابق اشكال.

فروع
(الأوّل) لو صلّى عصرا بزعم كون الوقت مختصّا ثمّ بان بقاء مقدار أربع ركعات

فهل يبطل العصر فيجب إعادتها عصرا أو تصح و يجب إتيان الظهر أداء، أو إتيانها قضاء، أولا أداء و لا قضاء بل يجب عليه الصبر الى أن ينقضي الوقت؟ وجوه بل أقوال عن الجواهر (ره).

وجه الأوّل أمران (أحدهما) كون الوقت المتصل بالوقت المختص بالعصر مختصّا بالظهر (ثانيهما) عدم تحقّق الترتيب.

و يرد على الأوّل عدم الدليل على هذا الاختصاص، بل الدليل على خلافه أعني رواية عبيد بن زرارة، و زرارة، و داود بن فرقد «1»، و غيرها، الدالّة على اشتراك الوقت الى غروب الشمس غاية الأمر اختصاص العصر بمقدار أداء العصر بتصريح رواية داود بن فرقد و يبقى الباقي تحت أدلّة الاشتراك.

و يرد على الثاني، سقوط الترتيب بالنسبة إلى المعذورين و المفروض أنّه كان مأمورا بالعصر بحسب اعتقاده، و كما إذا قدّم العصر سهوا أو غفلة في الوقت المشترك، كذا إذا قدّمها غفلة عن بقاء وقت

______________________________

(1) راجع الوسائل باب 4 حديث 1، 5، 7 و غيرها من أبواب مواقيت الصلاة، ج 3 ص 91 و 92.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 292

العصر و كان مخطئا في اعتقاده.

(و وجه الثاني) دعوى انصراف الأدلّة الدالّة على اختصاص آخر الوقت بالعصر عن صورة إتيانها مرّة.

(و وجه الثالث) أنّ العصر محكومة بالصحّة لوقوعها في الوقت المشترك

مع كونه معذورا في ترك الترتيب و المفروض خروج وقتها بمقتضى رواية داود بن فرقد فتصير قضاءا.

(و وجه الرابع)- بعد الحكم بصحّة العصر- في وقوع الظهر في الوقت المختص بالعصر فاللازم الصبر حتى ينقضي الوقت ثمّ يأتي بالظهر قضاءا على الفور أو التراضي بناء على المضايقة أو المواسعة.

(و فيه) ما مرّ من عدم وقوع لفظ الاختصاص حتّى يكون مقتضاه بطلان الشريكة.

و يحتمل وجه خامس، و هو وقوع الظهر أداء من باب التعارض في وقتي الظهر و العصر و هو تحكّم.

و الأوجه هو الثالث و ان كان الثاني أيضا لا يخلو من وجه.

(الفرع الثاني) قد علم ممّا مرّ أنّه يجب الإتيان بالعصر إذا بقي من الوقت مقدار أداء أربع ركعات

لخروج وقت الظهر، و كذا العشاء بالنسبة إلى المغرب و لا يتوهّم أنّه لو بقي الى نصف الليل مقدار أداء أربع ركعات يأتي بها أداء «1»، و كذلك لخروج وقت المغرب بتمامه و ما بقي فهو مختص بالعشاء.

(الفرع الثالث) لو بقي من آخر الوقت بمقدار أداء الركعة يجب عليه إتيان العصر فورا

و لا يجوز التأخير عن ذلك كما لا يجوز تأخير

______________________________

(1) كما قد ينسب الى المحقّق القمي رحمة اللّٰه عليه.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 293

الصلاتين عن بقاء أقل من مقدار أداء ثمانية ركعات و تكون العصر أداء على المشهور بين العامّة و الخاصّة، و لو لا الّا هذه الشهرة العظيمة لكفتنا دليلا كيف و قد ورد عن النبي صلى اللّٰه عليه و آله من طرق العامة و عن الأئمّة عليهم السلام من طرق الخاصّة ما يدلّ عليه.

فممّا من طرق العامّة ما عن سنن أبى داود، عن ابن طاوس، عن أبيه، عن ابن عبّاس، عن أبي هريرة قال، قال رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه (و آله) و سلّم: من أدرك من العصر ركعة قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك و من أدرك من الفجر ركعة قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك «1» و هكذا نقل هذا الخبر بطرق مختلفة، عن أبي هريرة في صحيح مسلم و البخاري و الترمذي و موطإ مالك.

و كذا روى العامّة: من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة «2» بناء على عدم كون الرواية لبيان درك فضيلة الجماعة.

و يظهر من المحقّق في المعتبر، و العلامة في المنتهى أن الرواية جاءت: من أدرك ركعة من الوقت فقد أدرك الوقت «3».

و أمّا من طرق الخاصّة فمثل ما رواه الشيخ (ره) بإسناده، عن سعد

______________________________

(1) سنن أبى داود باب في وقت صلاة العصر رقم

412، ج 1 صفحة 112، مطبعة مصطفى محمّد.

(2) سنن أبى داود، ج 1 ص 292. باب من أدرك من الجمعة.

(3) راجع المعتبر، ص 139 طبع مشير السلطنة و المنتهى، ج 1 ص 209 آخر الفرع الثاني.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 294

بن عبد اللّٰه «1»، عن محمّد بن الحسين بن أبى الخطاب «2» و عبد اللّٰه بن محمّد بن عيسى «3»، عن عمرو بن عثمان «4»، عن أبي جميلة المفضل بن صالح «5»، عن سعد بن ظريف «6»، عن الأصبغ بن نباتة «7» قال:

قال أمير المؤمنين عليه السلام: من أدرك من الغداة ركعة قبل طلوع الشمس فقد أدرك الغداة تامّة «8».

و بإسناده عنه أيضا، عن أحمد بن الحسن بن على بن فضال «9» عن عمرو بن سعيد، عن مصدق بن صدقة، عن عمّار الساباطي، عن أبى عبد اللّٰه عليه السلام في الرجل إذا غلبته عينه أو عاقه أمر أن يصلّى المكتوبة من الفجر ما بين أن يطلع الفجر الى أن يطلع الشمس و ذلك في المكتوبة خاصّة، فإن صلّى ركعة من الغداة ثمّ طلعت الشمس فليتم و قد جازت صلاته «10».

و الظاهر أنّها بتمامها أداء كما ينبّه عليه قوله عليه السلام: (فقد أدرك الغداة تامّة) لا أنّها صحيحة فقط من غير كونها أداء و الّا فلا وجه للتقييد بقوله عليه السلام: (من أدرك ركعة).

و الحاصل أنّ الأدلّة الدالّة على وجوب إتيان الصلاة في الوقت

______________________________

(1) ثقة.

(2) ثقة.

(3) ثقة.

(4) ثقة كما عن النجاشي.

(5) مختلف فيه و لا يبعد كونه ثقة.

(6) ثقة.

(7) ثقة.

(8) الوسائل باب 30 حديث 2 من أبواب المواقيت، ج 3 ص 158.

(9) موثق لكنّه فطحي و هكذا من بعده من الرواة على احتمال.

(10)

الوسائل باب 30 حديث 1 من أبواب المواقيت.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 295

تدل على حكمين، تكليفي و هو وجوب إتيان الصلاة في ما بين الحدين و حرمة تأخيرها عنه، و وضعي و هو كونها أداء فمقتضى القاعدة عدم صحتها أداء إذا خرج الوقت و لو ببعضه و حرمة التأخير و لو ببعضها، و روايات من أدرك حاكمة على الأدلّة الأوّليّة بالنسبة إلى الحكم الوضعي لا التكليفي، فإذا أخرها عمدا الى بقاء أداء مقدار ركعة واحدة كان عاصيا، لكنّ العصر منه كانت أداء فلتحفظ هذه العلّة بنفعك بعيد هذا

(الفرع الرابع) لو بقي من الغروب أو انتصاف الليل مقدار خمس ركعات،

فالمشهور بين القدماء و المتأخرين كون الظهرين و العشاءين معا أداء، استنادا الى روايات من أدرك، بمفهوم الموافقة بمعنى إلغاء الخصوصيّة عرفا، و اسراء الحكم الى غيره، و قد مرّ آنفا أنّ قاعدة من أدرك حاكمة على الأدلّة الأوّلية الدالّة على لزوم إتيان الصلاة بجميعها في الوقت من حيث الحكم الوضعي.

نعم قد يشكل- كما عن بعض الأعاظم من المتأخرين، فإنّه بعد حكمه بشمول من أدرك بهذا المورد مؤيّدا بفهم المشهور قديما و حديثا قال: الّا أنّ الاستدلال به لوجوب المبادرة للصلاة فيما لم يزاحمها، واجب مضيّق آخر في محلّه كصلاة الغداة التي تقع ركعة منها بعد طلوع الشمس، و كصلاة المغرب التي تقع ثلاث ركعات منها في المغرب، أمّا لو زاحمها في ذلك كما في الظهرين كما لو كان له خمس ركعات فاشتغل بالظهر حيث تقع ثلاث ركعات منها في الوقت المختص بالعصر الذي تعيّن عليه الإتيان به بمقتضى الأدلّة فمحل اشكال «1» (انتهى موضع الحاجة من كلامه زيد في علوّ مقامه).

______________________________

(1) جواب لقوله مدّ ظلّه لو زاحمها.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 296

(و بعبارة أخرى) يمكن أن يستشكل بوجهين (أحدهما) من حيث اختصاص ثلاث ركعات منها بالعصر (ثانيهما) وجوب المبادرة إلى إتيان العصر في وقتها الأصلي.

و يرد على الأوّل ما مرّ من عدم ورود لفظ الاختصاص في الأدلّة حتى تقتضي عدم صحّة غيرها و المفروض شمول قوله عليه السلام: (من أدرك إلخ) لهذه الصورة و إمكان إتيان كليهما أداء و وجوب إتيانهما أداء مع الإمكان، فالأمر دائر بين تقديم الظهر و إتيانها أداء مع وقوع ثلاث ركعات من كل منهما خارج الوقت و بين تقديم العصر و إتيانها بتمامها في الوقت و قضاء الظهر و لا شبهة في أنّ الأوّل أولى بالمراعاة.

هذا مضافا الى لزوم مراعاة الترتيب مع الإمكان كما هو المفروض.

و الى عدم الدليل على جواز تفويت وقت الظهر الذي بقي منه بمقدار أداء ركعة.

(و على الثاني) عدم الدليل على حرمة التأخير و وجوب إتيان الصلاة بجميع أجزائها في الوقت إلّا الإجماع و المفروض أنّه في المسألة على خلافه.

و قد يشكل أيضا بعدم جواز إلغاء الخصوصيّة لوجود خصوصيّة في المورد ليس في غيره و هي عدم المزاحمة بواجب آخر.

(و فيه) أنّه لا إشكال في أنّ العرف يفهمون من قوله عليه السلام:

من أدرك ركعة من الغداة إلخ أنّ المناط هو إدراك الركعة، و لذا لا يتأمّل في شموله لصلاة العشاء مع عدم ورود الدليل بالنسبة إليه فيرجع الإشكال إلى الإشكال الأوّل، و الجواب، الجواب.

و أمّا دعوى شمول النبوي صلى اللّٰه عليه و آله: (من أدرك ركعة من

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 297

الصلاة فقد أدرك الصلاة) لهذه الصورة (فمدفوعة) بأنّها محتملة للحمل على إدراك ركعة في صلاة الجماعة كما هو في صحيح البخاري بإسناده عن

سلمة بن عبد الرحمن، عن أبي هريرة عنه صلى اللّٰه عليه (و آله) و سلّم بزيادة قوله: (مع الامام) «1».

و ما في المعتبر للمحقّق من الاستدلال لهذه للمسألة بقوله: لقوله عليه السلام: (من أدرك ركعة من الوقت فقد أدرك الوقت) و كذا في المنتهى للعلامة بقوله: في لفظ آخر (من أدرك ركعة إلخ) فلم نجده لا في كتب الخاصّة و لا في الصحاح و غيرها من الكتب المعدّة لنقل الروايات النبويّة و غيرها.

(الفرع الخامس) لا فرق بين العمد و غيره في كون صلاته أداء من حيث الحكم الوضعي

و ان كان عاصيا في صورة تعمّد تأخيره عن مقدار أداء ثماني ركعات بحسب حاله.

تبصرة

قد ذكر الفقهاء المتقدّمون، لعلامة الزوال أمرين (أحدهما) حدوث الظل بعد نقصانه (ثانيهما) ميل الشمس لمن يلي القبلة إلى الحاجب الأيمن.

و السر لعدم ذكرهم لحدوثه بعد العلامة- مع كونه علامة- هو

______________________________

(1) صحيح البخاري، ج 1 ص 96 باب من أدرك من الصلاة ركعة، و لكن ليس فيه لفظ (مع الامام) فراجع و تتبع لعلّه في موضع آخر منه، و اللّٰه العالم.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 298

قلّة البلاد التي يقع فيها الظل كذلك، و قلّة انعدام الظل في أيّام السنة في البلاد التي يقع ذلك الانعدام.

بيانه أنّ الشمس إذا طلعت في زمان الاعتدال الربيعي مثلا، ثم تميل الى الشمال حتى تصل الى الميل الأعظم في أوّل السرطان، ثمّ تعود الى الشمال حتى الاعتدال الخريفي، ثمّ تميل الى الجنوب حتى تصل الى الميل الأعظم في أوّل الجدي، فكل بلد وقع في نقطة الميل الأعظم شمالا و جنوبا يعدم الظل فيه يوما، و كل بلد يقع فيما بين الميلين ينعدم فيه الظل يومين صعودا و هبوطا، و باقي البلاد و كذا البلاد الواقعة في خط ميل الشمس شمالا و جنوبا في غير يوم أو يومين يبقى فيها ظل الشاخص عند الزوال فانعدام الظل بالنسبة إلى نادر من البلاد في نادر من الأيّام فلذا لم يقع السؤال عنها في شي ء من الروايات.

و أمّا العلامة الثانية أعني ميل الشمس، فلم يصل إلينا شي ء من الأخبار، «1» و لعلّه أيضا لما ذكرنا من قلّة البلاد التي يكون فيها هذا علامة لحدوث الزوال بالنسبة إلى قليل من بلاد العراق كالموصل، و الّا فهو لوجود

الزوال لحدوثه.

و كذا يعرف الزوال بالدائرة الهنديّة.

______________________________

(1) أقول و لعل سيّدنا الأستاذ مدّ ظلّه العالي لم يعتن بما عن مجالس الشيخ الطوسي رحمه اللّٰه مسندا عن أمير المؤمنين عليه السلام أن رجلا سئل رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و آله عن أوقات الصلاة فقال عليه السلام: أتاني جبرئيل عليه السلام فأراني وقت الظهر حين زالت الشمس فكانت على الحاجب الأيمن الحديث.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 299

و لا يبعد أيضا معرفته بالساعات المخترعة المستحدثة إذا كانت صحيحة.

و بالجملة الحكم معلّق بالدلوك لقوله تعالى أَقِمِ الصَّلٰاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ الآية «1»، فكل ما دلّ على هذا الدلوك فهو معتبر.

المسألة الرابعة لا خلاف بين المسلمين في أنّ أوّل وقت صلاة المغرب من غروب الشمس
اشارة

و لكن قد يرى في كلمات جماعة من قدماء الإماميّة أنّ علامة الغروب زوال الحمرة المشرقيّة.

قال الصدوق عليه الرحمة في صوم المقنع: اعلم أنّه لا يحلّ لك الإفطار إلّا إذا بدت لك ثلاثة أنجم و هي تطلع مع طلوع الشمس (انتهى).

و قال المفيد رحمه اللّٰه: و أوّل وقت المغرب مغيب الشمس و علامة مغيبها عدم الحمرة من المشرق المقابل للمغرب و ذلك أنّ المشرق مطلّ على المغرب (انتهى).

و قال الشيخ أبو جعفر الطوسي رحمه اللّٰه في النهاية: و أوّل وقت صلاة المغرب عند غيبوبته و علامته سقوط القرص و علامته سقوط عدم الحمرة من ناحية المشرق (انتهى).

و قال الحلبي في الكافي: أوّل وقت المغرب غروب الشمس و علامته اسوداد المشرق بذهاب الحمرة (انتهى).

______________________________

(1) سورة الإسراء، الآية: 78.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 300

و قال على بن حمزة الطوسي (ره) في الوسيلة: وقت المغرب غروب الشمس و علامته زوال الحمرة من ناحية المشرق (انتهى).

و قال محمّد بن إدريس في السرائر: فإذا غربت الشمس و يعرف غروبها بذهاب

الحمرة من ناحية المشرق، فإذا ذهبت دخل وقت صلاة المغرب (انتهى).

و قال الشيخ علاء الدين على بن أبى الفضل الحلبي في إشارة السبق: و زوال الحمرة المشرقيّة علامة غروب الشمس و هو أوّل وقت المغرب (انتهى موضع الحاجة).

و ظاهر هذه الكلمات- كما ترى- عدم الاختلاف بين الفقهاء في كون أوّل وقت المغرب غروب الشمس، غاية الأمر اختلافهم انّما هو في أنّ مجرّد الاستتار من دون زوال الحمرة أو هو معها كاف؟

فقبل بيان ما هو الحق لا بدّ من الإشارة إجمالا- و ان كان يأتي في الأثناء نقل بعضها تفصيلا- الى الأخبار الواردة في ذلك.

فنقول- بعون اللّٰه تعالى-: انّها على طوائف أربع:

(أحدها) ما دلّ على أنّ وقت المغرب غياب الشمس و سقوط قرصها كرواية بريد و عبد اللّٰه بن سنان، و رواية زرارة، و مرسلتي الصدوق و رواية جارود و رواية جابر عن أبى جعفر عليه السلام، و رواية داود بن أبى زياد، و رواية ربيع بن سليمان و ابان بن أرقم و غيرها و مرسلة على بن الحكم، و رواية عمرو بن أبى بصير، و رواية صفوان بن مهران الجمّال.

(ثانيها) ما يدل على أنّ وقته هو الغروب، كرواية عبيد بن زرارة و إسماعيل بن جابر، و رواية إسماعيل بن مهران «1».

______________________________

(1) راجع الوسائل باب 16 حديث 22، 24، 29 من أبواب المواقيت، ج 3 ص 131 الى 133 و باب 17 حديث 14 منها.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 301

(ثالثها) ما أمر فيها بالماء، كرواية يعقوب بن شعيب و رواية جارود و رواية بكر بن محمّد، و فيها في مقام الجواب عن وقت المغرب:

أنّ اللّٰه يقول في كتابه: فلمّا جنّ عليه الليل رأى كوكبا

قال: هذا ربى؟

هذا أوّل وقت المغرب الحديث، و رواية شهاب بن عبد ربّه، قال: قال أبو جعفر عليه السلام: يا شهاب: انّى أحب إذا صلّيت المغرب أن أرى في السماء كوكبا «1».

(رابعها) ما يدل على أنّ وقت المغرب بعد زوال الحمرة من المشرق كرواية بريد بن معاوية، و مرسلة على بن أحمد بن أشيم، و مرسلة ابن أبى عمير و رواية أبان بن تغلب- على الظاهر- و رواية محمّد بن على عن الرضا عليه السلام و رواية عمّار الساباطي، و رواية محمّد بن شريح و رواية عبد اللّٰه بن وضاح «2» و غير ذلك من الأخبار التي يحدها المتتبع.

إذا عرفت هذا فنقول- بعون اللّٰه تعالى

انّ الحق هو القول باعتبار زوال الحمرة في دخول وقت المغرب لوجوه.
(الأوّل) اختصاص هذا القول بالإماميّة

القائلين بحجيّة أقوال الأئمّة الاثنى عشر المعصومين عليهم السلام حيث أنّه لم يقل بذلك أحد من المسلمين و المفروض أنّهم- لا سيّما القدماء منهم- كانوا متعبّدين بأقوالهم عليهم السلام، فلو لم يصل إليهم منهم عليهم السلام هذا المعنى لمّا أفتوا به، فبملاحظة هذا المعنى يحصل القطع بأنّه كان صادرا منهم عليهم السلام و أنّه رأيهم عليهم السلام.

______________________________

(1) راجع الوسائل باب 16 حديث 5، 9، 13، 15 من أبواب المواقيت

(2) راجع الوسائل باب 16 حديث 1، 3، 4، 5، 8، 10، 12، 14 من أبواب المواقيت، ج 3 ص 126 ..

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 302

(الثاني) انّا لو خلّينا و طبعنا مع الأخبار الدالّة على اعتبار الغروب

من غير تقييد بزوال الحمرة، لحكمنا باعتبار الزوال من باب القدر المتيقّن، لاحتمال ارادة غيبوبتها عن الإفطار و لو كانت لمانع من جبل أو حائط أو غيبوبتها في أرض مستوية بحيث لو لا المانع لقيل: انّها غابت أو غيبوبتها عن سطح أفق المصلّى، أو عن الأرض بحيث يصدق أنّها غابت و غربت عن وجه الأرض في منتهى مري ء الرائي فالقدر المتيقّن ما ذكرنا.

(الثالث) انّا لو اخترنا أخبار غروب الشمس

لزم طرح أخبار زوال الحمرة بخلاف العكس.

(الرابع) كون أخبار زوال الحمرة حاكمة «1» على أخبار غروب الشمس

فلا معارضة.

(ان قلت) يمكن أن يكون المراد من زوال الحمرة هو غروب الشمس (قلت): لا يمكن ارادة ذلك لأنّا نجد بالحس أنّ بعد غروبها يبقى حمرة متصلة بأفق الأرض ثمّ ترتفع قليلا قليلا الى الفوق ثمّ تزول و لا شبهة في الفصل بين الغروب و الزوال، فلا يمكن الجمع بينهما بما ذكرت.

و بالجملة أخبار الزوال دالّة على أنّ ما هو الموضوع لوقت وجوب صلاة المغرب هو غيابها عن وجه الأرض بحيث لو كانت الأرض مستوية لصدق أنّها غابت كما ينبّه عليه ما رواه ابن فضال و الحسين بن سعيد و ابن أبى عمير، عن القاسم ابن عروة، عن بريد بن معاوية، عن أبى جعفر عليه السلام قال: إذا غابت الحمرة من هذا الجانب- يعنى من

______________________________

(1) بمعنى أنّها مفسّرة للغروب و الغياب لا بمعنى مذهبة لموضوعها فلا تغفل.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 303

المشرق- فقد غابت الشمس من شرق الأرض و غربها «1».

نعم قد يستشكل- كما في الجواهر نقلا عن بعض الأعاظم من مقاربى عصره و لعلّه الوحيد البهبهاني رحمه اللّٰه- بأنّه لو اعتبرت الحمرة المشرقيّة من حيث دلالتها على زوال القرص في المغرب لاعتبرت المغربيّة بالنسبة إلى الطلوع المعلوم خلافه (انتهى).

و لكن يمكن الفرق بينهما (أوّلا) بأنّ الشرع قد راعى في طرف المغرب ما هو مطابق للاستصحاب على تقدير أن يكون المكلّف شاكّا في دخول وقت المغرب (و بعبارة أوضح) مع قطع النظر عن أخبار زوال الحمرة، لو شككنا في دخول وقت المغرب لاستصحبنا عدم دخوله فهي مطابقة له بخلافه في طرف الطلوع فإنّه على العكس فيستصحب عدم خروجه (و ثانيا) بأنّ صلاة العشاءين حيث تكون

من الصلوات الليليّة، فالمعتبر صدق دخول الليل كما ينبّه عليه قوله تعالى ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيٰامَ إِلَى اللَّيْلِ «2».

و قول الصادق عليه السلام في رواية بكر بن محمّد لمّا سأله سائل عن وقت المغرب: انّ اللّٰه يقول في كتابه لإبراهيم عليه و على نبيّنا و آله السلام: فلمّا جنّ عليه اللّيل رأى كوكبا قال: هذا ربّى، و هذا أوّل الوقت الحديث «3».

و رواية يعقوب بن شعيب عن أبى عبد اللّٰه عليه السلام، قال: قال

______________________________

(1) الوسائل باب 16 حديث 1 من أبواب المواقيت، ج 3 ص 126.

(2) سورة البقرة، الآية: 187.

(3) الوسائل باب 16 حديث 6 من أبواب المواقيت، ج 3 صفحة 127، و الآية في الأنعام، 76.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 304

لي: مسّوا بالمغرب قليلا الحديث «1».

و رواية محمّد بن أبي حمزة عن جارود، قال: قال لي أبو عبد اللّٰه عليه السلام: يا جارود ينصحون فلا يقبلون و ان سمعوا بشي ء نادوا به أو حدّثوا بشي ء أذاعوه، قلت لهم مسّوا بالمغرب قليلا فتركوها حتى اشتبكت النجوم الحديث «2».

حيث عبّر فيهما بقوله عليه السلام: مسّوا الدال على اعتبار دخول المساء في الجملة و هذا بخلافه في طرف الطلوع هذا.

و قد يجاب عن أصل الإشكال بمرسلة على بن أحمد بن أشيم عن أبى عبد اللّٰه عليه السلام، قال: سمعته يقول: وقت المغرب إذا ذهبت الحمرة من المشرق و تدري كيف ذلك؟ قلت: لا، قال: لأنّ المشرق مطلّ على المغرب هكذا و رفع يمينه فوق يساره «3».

(و فيه) أنّه لا يدفع الإيراد لإمكان أن يريد بقوله عليه السلام:

(لأنّ المشرق مطلّ «4» على المغرب) انّ موضع بقاء الحمرة مطلّ على موضع الغروب.

أقول: لا يخفى أنّه خلاف الظاهر،

لأنّ المشرق مقابل المغرب، فإذا أريد من المغرب موضع الغروب فليكن المراد من المشرق أيضا موضع الطلوع، مضافا الى أنّ إطلاق المشرق على موضع الحمرة غير معهود، بل

______________________________

(1) الوسائل باب 16 حديث 13 من أبواب المواقيت، ج 3 ص 127.

(2) الوسائل باب 16 حديث 15 من أبواب المواقيت، ج 3 ص 127.

(3) الوسائل باب 16 حديث 3 من أبواب المواقيت، ج 3 ص 126.

(4) أطلّ علينا مثل أشرف وزنا و معنى و منه الحديث، المشرق مطلّ على المغرب أى مشرف عليه (مجمع البحرين).

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 305

غير صحيح الّا مجازا و المفروض عدم القرينة أيضا.

تذكرة

هل المراد بالحمرة في قوله عليه السلام في رواية بريد: (إذا غابت الحمرة إلخ) و في رواية ابن أشيم (إذا ذهبت الحمرة إلخ) و في رواية عمّار الساباطي (إذا زالت الحمرة إلخ) و في رواية عبيد اللّٰه بن وضاح (تذهب الحمرة إلخ) «1» هو ذهابها في الجملة و لو كانت باقية في طرف المشرق (و بعبارة أخرى) هل يكفى مجرّد انفصال الحمرة عن الأفق المرئي (بمعنى أخذها في الذهاب) فوق الأرض أم يعتبر ذهابها و زوالها بالتمام؟

ظاهر الأدلّة، هو الثاني.

نعم في بعض الأخبار ما يوهم خلاف ذلك لخبر محمّد بن شريح عن أبى عبد اللّٰه عليه السلام، قال: سألته عن وقت المغرب، فقال: إذا تغيّرت الحمرة في الأفق و ذهبت الصفرة و قبل أن تشتبك النجوم «2»، فان ظاهرها أنّ نفس تغيّر الحمرة كاف في دخول الليل، لكن يمكن أن يقال أنّ اجتماع الأمور الثلاثة علامة للمغرب، لا كل واحد منها، بل هو الظاهر للعطف بالواو، مضافا الى مرسلة ابن أبى عمير «3» الدالّة على

______________________________

(1)

مواضع هذه الروايات في باب 16 من أبواب المواقيت من الوسائل، ج 3 ص 126، كما تقدّم.

(2) الوسائل باب 16 حديث 12 من أبواب المواقيت، ج 3 ص 129.

(3) الوسائل باب 16 حديث 4 من أبواب المواقيت، ج 3 ص 129.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 306

اعتبار تجاوزها عن قمّة الرأس «1».

«تفريع»

قد علم ممّا ذكرنا من الأدلّة الدالّة على اعتبار زوال الحمرة في دخول وقت المغرب، أنّ وقت الظهرين أيضا يمتدّ الى ذلك الوقت و ان كان الأحوط عدم التأخير عن استتار القرص، لعدم الفصل بين آخر وقت الظهرين و أوّل وقت العشاءين.

المسألة الخامسة قد اختلف العامّة و كذا الخاصّة في آخر وقت المغرب

(فعن الشافعي- فقيه المصر) و (الأوزاعي- فقيه الشام) انّ وقت المغرب مضيّق بمقدار أدائها مع شرائطها (و عن مشهور العامّة) أنّ آخره سقوط الشفق و اختلف هؤلاء في معنى سقوط الشفق (فعن أبي حنيفة) هو زوال البياض من طرف المغرب (و عن أحمد و أبى إسحاق و كثير من العامّة) هو زوال الحمرة المغربيّة، (و عن مالك أنّ وقت المغرب يمتد الى طلوع الفجر الثاني) قال الشيخ في الخلاف: أوّل وقت المغرب إذا غابت الشمس، و آخره إذا غاب الشفق و هو الحمرة، و به قال أبو حنيفة و الثوري، و أحمد، و إسحاق، و أبو بكر بن المنذر في اختياره، و حكى

______________________________

(1) القمّة بالكسر أعلى الرأس و منه الحديث الحمرة التي ترفع من المشرق إذا جاوزت قمّة الرأس أى أعلاه (مجمع البحرين).

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 307

أبو ثور هذا المذهب عن الشافعي و لم يصحّحه أصحابه الّا أبا حنيفة قال: الشفق هو البياض لكنّه كرّه تأخير المغرب، و قال الشافعي و أصحابه: إنّ وقت المغرب وقت واحد، فإن أخر الابتداء عن هذا الوقت فقد فاته، و به قال الأوزاعي، و ذهب مالك الى أنّ وقت المغرب ممتدّ الى طلوع الفجر الثاني كما أنّ وقت الظهر ممتدّ الى المغرب، و في أصحابنا من قال بذلك و منهم من قال: انّ وقته ممتدّ الى ربع الليل (انتهى).

و قال في موضع آخر:

الأظهر من مذهب أصحابنا و من رواياتهم أنّ آخر وقت العشاء الآخرة إذا ذهب ثلث الليل، و قد روى نصف الليل و روى الى طلوع الفجر، و قال الشافعي في الجديد: انّ آخر وقتها المختار الى ثلث الليل، و روى ذلك، عن عمر و أبى هريرة و عمر بن عبد العزيز، و قال في القديم و الإملاء: آخر وقتها الى نصف الليل و هذا وقت الاختيار، فامّا وقت الضرورة و الاجزاء فإنّه باق الى طلوع الفجر كما قالوا في الظهر و العصر الى غروب الشمس، و به قال الثوري و أبو حنيفة و أصحابه، و قال قوم: وقتها ممتدّ الى طلوع الفجر الثاني، و روى ذلك عن ابن عبّاس، و عطاء، و عكرمة، و طاوس، و مالك، و قال النخعي: آخر وقتها ربع الليل (انتهى).

و الغرض من نقل هذا: هو معرفة أقوال العامّة، و انّه ليس فيهم من يقول بامتداد وقت المغرب الى نصف الليل، فهذا القول بالنسبة إلى المغرب من متفرّدات الإماميّة.

فباعتبار اختلاف الأقوال بين العامّة اختلفت الأخبار أيضا و هي على ستّة أقسام

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 308

(أحدها) ما يدلّ على أنّ وقتها مضيّق كرواية حريز عن زيد الشحّام عن الصادق و رواية زرارة و الفضيل عن أبى جعفر عليه السلام، و رواية إسماعيل بن مهران، و رواية أديم بن الحرّ «1» فهذه الأخبار موافقة لقول الشافعي «2» كما سمعت من الشيخ (ره).

(ثانيها) ما يدلّ على أنّ وقتها الى ثلث الليل كما في خبر أو ربعه كما في آخر مثل رواية عمر بن يزيد التي رواها الكليني و الشيخ مسندا، عن ابان بن عثمان، عن عمر بن يزيد، عن الصادق

عليه السلام و مثل ما رواه الشيخ (ره) مسندا عن عبد اللّٰه بن سنان عن عمر بن يزيد عن الصادق عليه السلام ففي الأوّل إلى ثلث الليل و في الثاني إلى مربعه «3».

(ثالثها) ما يدلّ على أنّ وقتها الى اشتباك النجوم، مثل ما رواه الشيخ (ره)- كما في الوسائل بإسناده، عن الحسين بن سعيد، عن النضر و فضالة، عن ابن سنان- يعنى عبد اللّٰه- عن أبى عبد اللّٰه عليه السلام (في حديث) قال عليه السلام وقت المغرب حين تجب الشمس

______________________________

(1) راجع الوسائل باب 18 حديث 1، 2، 4، 11 من أبواب المواقيت، ج 3 ص 136.

(2) نعم مجرّد الموافقة لا يوجب الحمل على التقيّة لعدم وجود الشافعي في زمن الباقر عليه السلام بل الصادق عليه السلام أيضا كما لا يخفى.

(3) راجع الوسائل باب 19 حديث 1، 2، 5، 8، 11 من أبواب المواقيت.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 309

الى أن تشتبك النجوم «1».

(رابعها) ما يدل على أنّه إلى سقوط الشفق، مثل ما رواه الشيخ رحمه اللّٰه، عن الحسن بن محمّد بن سماعة، عن صفوان بن يحيى، عن إسماعيل بن جابر، قال: سألته عن وقت المغرب، فقال: ما بين غروب الشمس الى سقوط الشفق «2».

و بإسناده عنه، عن ابن جبلة، عن ذريح عن أبى عبد اللّٰه عليه السلام، قال: انّ جبرئيل أتى رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و آله في الوقت الثاني في المغرب قيل سقوط الشفق الحديث «3».

(خامسها) ما يدل على أنّه إلى انتصاف الليل مثل مرسلة الصدوق رحمه اللّٰه قال: قال الصادق عليه السلام: إذا غابت الشمس فقد حلّ الإفطار و وجبت الصلاة، و إذا صلّيت المغرب فقد دخل وقت العشاء الآخرة

إلى انتصاف الليل «4».

و رواية داود بن فرقد المتقدّمة «5».

و رواية عبيد بن زرارة التي رواها الكليني رحمه اللّٰه مسندا عن أبى عبد اللّٰه عليه السلام، قال: إذا غابت الشمس دخل وقت الصلاتين الّا أن هذه قبل هذه و رواه الشيخ (ره) و زاد: الى نصف الليل «6».

______________________________

(1) الوسائل باب 18 حديث 10 من أبواب المواقيت، ج 3 ص 138.

(2) الوسائل باب 16 حديث 29 من أبواب المواقيت، ج 3 ص 133.

(3) الوسائل باب 18 حديث 13 من أبواب المواقيت، ج 3 ص 138.

(4) الوسائل باب 16 حديث 19 من أبواب المواقيت، ص 130.

(5) الوسائل باب 17 حديث 4 من أبواب المواقيت، ص 134.

(6) الوسائل باب 17 حديث 11 من أبواب المواقيت، ص 134 و لاحظ ذيل رواية 4 من باب 10، ص 115.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 310

(سادسها) ما يدل على امتداده الى طلوع الفجر، امّا مطلقا مثل رواية عبيد بن زرارة عن أبى عبد اللّٰه عليه السلام، قال: لا تفوت الصلاة من أراد الصلاة، و لا تفوت صلاة النهار حتى تغيب الشمس، و لا صلاة اللّيل حتّى يطلع الفجر، و لا صلاة الفجر حتّى تطلع الشمس «1».

(و أمّا) الطائفة الخاصّة مثل النائم و الحائض، مثل ما رواه الشيخ (ره) بإسناده عن الحسين بن سعيد، عن حماد بن عيسى، عن شعيب، عن أبى بصير، عن أبى عبد اللّٰه عليه السلام، قال: ان نام رجل و لم يصل صلاة المغرب و العشاء الآخرة أو نسي، فان استيقظ قبل الفجر قدر ما يصلّيهما كلتيهما فليصلّ، و ان خشي أن تفوته إحديهما فليبدأ بالعشاء الآخرة، و ان استيقظ بعد الفجر فليبدأ فليصلّ الفجر ثمّ المغرب،

ثمّ العشاء الآخرة قبل طلوع الشمس، فان خاف أن تطلع الشمس فتفوته احدى الصلاتين فليصل المغرب و يدع العشاء الآخرة حتّى تطلع الشمس و يذهب شعاعها ثمّ ليصلّيها «2».

و نحوه ما رواه الشيخ (ره) بإسناده عنه، عن فضالة، عن ابن مسكان عن أبى عبد اللّٰه عليه السلام (الى قوله) قبل طلوع الشمس «3».

و مثل ما رواه بإسناده، عن على بن الحسن بن فضال، عن محمّد بن عبد اللّٰه بن زرارة، عن محمّد بن فضيل، عن أبى الصباح الكناني، عن أبى عبد اللّٰه عليه السلام، قال: إذا طهرت المرأة قبل طلوع الفجر صلّت المغرب و العشاء الآخرة، و ان طهرت قبل أن تغيب الشمس

______________________________

(1) الوسائل باب 10 حديث 9 من أبواب المواقيت، ج 3 ص 116.

(2) الوسائل باب 62 حديث 3 من أبواب المواقيت، ج 3 ص 209.

(3) الوسائل باب 62 حديث 4 من أبواب المواقيت، ج 3 ص 209.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 311

صلّت الظهر و العصر «1».

و عنه، عن عبد الرحمن بن أبى نجران، عن عبد اللّٰه بن سنان، عن أبى عبد اللّٰه عليه السلام، قال: إذا طهرت المرأة قبل غروب الشمس فلتصلّ الظهر و العصر، و ان طهرت من آخر الليل فلتصلّ المغرب و العشاء «2».

و عنه، عن أحمد بن الحسن، عن أبيه، عن ثعلبة، عن معمر بن يحيى، عن داود الزجاجي، عن أبى جعفر عليه السلام، قال: إذا كانت المرأة حائضا فطهرت قبل غروب الشمس صلّت الظهر و العصر و ان طهرت من آخر الليل صلّت المغرب و العشاء الآخرة «3».

و عنه، عن محمّد بن على، عن أبي جميلة، عن عمر بن حنظلة، عن الشيخ عليه السلام، قال: إذا

طهرت المرأة قبل طلوع الفجر صلّت المغرب و العشاء، و ان طهرت قبل أن تغيب الشمس صلّت الظهر و العصر «4».

إذا عرفت فنقول: لا شبهة في عدم صحّة القول بالتضييق فإنّه مخالف لجميع المسلمين إلّا الشافعي و أصحابه، فالأخبار الدالّة عليه تحمل على التقيّة «5».

______________________________

(1) الوسائل باب 49 حديث 7 من أبواب الحيض، ج 2 ص 599.

(2) الوسائل باب 49 حديث 10 من أبواب الحيض، ج 2 ص 599.

(3) الوسائل باب 49 حديث 11 من أبواب الحيض، ج 2 ص 599.

(4) الوسائل باب 49 حديث 12 من أبواب الحيض، ج 2 ص 599.

(5) قد بيّنتها سابقا عدم إمكان الحمل على التقيّة لأنّ الأخبار الدالّة على التضييق صادرة عن الباقر و الصادق عليهما السلام و لم يكن الشافعي إذ ذاك بموجود فالعمدة عدم العمل بها و انّها معرض عنها.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 312

و ذهب جماعة من القدماء الى العمل بالروايات الدالّة على أنّ آخره مغيب الشفق «1» كالصدوق في الهداية و المفيد في المقنعة، و السيد المرتضى في الناصريّات، و سالّار بن عبد العزيز في المراسم، و الشيخ أبى جعفر الطوسي رحمه اللّٰه في النهاية و المبسوط، و ابن حمزة في الوسيلة، و قد نقل عن ابن أبى عقيل و أبى الصلاح أيضا.

ففي الهداية: و وقت المغرب أضيق الأوقات و هو من حين غيبوبة الشمس إلى غيبوبة الشفق، و وقت العشاء من غيبوبة الشفق الى ثلث الليل (انتهى).

و في المقنعة: و أوّل وقت المغرب مغيب الشمس (الى أن قال):

و آخره وقت العشاء الآخرة، و أوّل وقت العشاء مغيب الشفق و هو الحمرة- في المغرب و آخره الثلث الأوّل من الليل (انتهى).

و في الناصريّات:

أوّل وقت المغرب مغيب الشمس و آخر وقتها مغيب الشفق الذي هو الحمرة، و ربع الليل، و حكى بعض أصحابنا أن وقته يمتدّ الى نصف الليل (انتهى).

و في النهاية: و أوّل صلاة المغرب عند غيبوبة الشمس (الى أن قال): و آخر وقته سقوط الشفق- و هو الحمرة- من ناحية المغرب (انتهى).

و في المراسم- لسلّار-: أمّا العشاء الاولى فيمتدّ وقته الى أن يبقى الى غياب الشفق الأحمر مقدار ثلاث ركعات، و أمّا العشاء الآخرة فيمتد وقتها الى أن يبقى لانتصاف الليل مقدار أداء أربع ركعات (انتهى).

______________________________

(1) و هو القسم الرابع منها.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 313

و في الوسيلة- لابن حمزة- وقت المغرب غروب الشمس (الى أن قال): الى غروب الشفق و آخره المختار الى ربع الليل لصاحب العذر، و أوّل وقت العشاء الآخرة بعد الفراغ من فريضة المغرب، و روى: بعد غيبوبة الشفق و آخره ثلث الليل للمختار و نصفه لصاحب العذر (انتهى).

و ذهب جماعة من القدماء الى العمل بالروايات الدالّة على بقاء وقته الى انتصاف الليل «1» كالسيّد المرتضى في الجمل- على ما في المختلف- و ابن الجنيد، و ابن زهرة في الغنية، و ابن إدريس في السرائر، بل المشهور بين المتأخّرين مثل المحقّق و العلامة و الشهيدين و غيرهم رضوان اللّٰه عليهم، و يظهر من السيّد (ره) في الناصريّات أنّ قبله أيضا كان قائل من الأصحاب بذلك.

و هو الحق لسلامة الأخبار الدالّة عليه من موافقة العامّة فكانت أبعد من التقيّة و إمكان حمل أخبار الشفق، و الربع، و الثلث على الفضيلة كما قلنا من أنّ لكل صلاة وقتين، و قلنا: أنّ الأوّل وقت الفضيلة و الآخر للاجزاء، بل يمكن استفادته من نهاية

الشيخ رحمه اللّٰه أيضا كما يظهر لمن راجع العبارة التي نقلناها من النهاية في مسألة بيان وقت الظهرين فلاحظ و لا اشكال فيه.

نعم يبقى الكلام في الروايات الدالّة على امتداد الوقت الى طلوع الفجر «2»، و في سند بعضها- مثل رواية عبيد بن زرارة- و ان كان كلام الّا أنّ بعضها الآخر كصحيح ابن مسكان و صحيح أبي بصير، صحيح فالإشكال على رواية عبيد بن زرارة بمنع صحّة السند (أوّلا) و بالحمل على

______________________________

(1) و هو القسم الخامس المتقدّم.

(2) و هو القسم السادس المتقدّم.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 314

مطلق الصلاة الشاملة للفرض و النقل كما في المختلف، غير وجيه، لعدم انحصار الدليل في رواية عبيد بن زرارة (أوّلا) و ظهور الرواية- بقرينة ذكر مغيب الشمس و طلوعها- في الصلاة المفروضة (ثانيا).

و قد يقال: بالحمل على التقيّة لإطباق الفقهاء الأربعة على ذلك كما في الروض للشهيد الثاني رحمه اللّٰه.

(و فيه) عدم القول في ذلك بالنسبة إلى المغرب الّا عن مالك كما سمعت من الشيخ (ره) في الخلاف، نعم بالنسبة إلى العشاء لا يبعد ذلك لإطباق العامّة على امتداد وقتها الى طلوع الفجر و ان اختلفوا في الاختياريّة و الاضطراريّة، فمالك و أبو حنيفة على امتدادها اختيارا و أحمد و الشافعي على امتدادها الى طلوع الفجر اضطرارا، و الروايات واردة في العشاءين كلتيهما، فلا يمكن حملها على التقيّة بالنسبة إليهما معا.

لكن يمكن أن يقال «1» أنّه يكفى في الحمل على التقيّة موافقة الروايات للعامّة في الجملة، فبالنسبة إلى المغرب، لموافقتهما لمالك، و بالنسبة إلى العشاء لموافقتها للفقهاء الأربعة، و لعلّ نظر الشهيد (ره) في الروض أيضا الى ذلك.

مضافا الى أنّه بعد ظهور الروايات في امتداد

أصل الوقت الى طلوع الفجر كما سيأتي بيانه ان شاء اللّٰه تعالى، و عدم استلزام كون صلاة المغرب أداء قبل طلوع الفجر، لبقاء الوقت عند العامّة، لكون وقت الصلاتين متباينتين عندهم، فلذا يحملون جمع النبي صلّى اللّٰه عليه

______________________________

(1) قوله: لكن يمكن (الى قوله) الى ذلك من المقرّر لا الأستاذ، و اللّٰه العالم.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 315

و آله بين الظهرين و كذا العشاءين، على جواز إيقاع الظهر في وقت العصر و إيقاع المغرب في وقت العشاء فالروايات الدالّة على الامتداد موافقة لهم من حيث أصل جواز إتيانها، لا في امتداد وقتها، و المفروض ظهورها في امتداد الوقت أيضا فبهذا المعنى لا يصح حملها على التقيّة «1».

و قد يتوهّم عدم دلالتها على امتداد وقت المغرب الى طلوع الفجر، غاية الأمر دلالتها على جواز أو وجوب إتيان المغرب قبل طلوع الفجر، فيمكن أن يكون الوقت خارجا مع وجوب إتيانها.

(و فيه) (أوّلا) بأنّ الروايات ظاهرة بقرينة ذكر الظهر و العصر قبل الغروب المفروض كونه وقتا لهما في امتداد العشاءين أيضا في ذلك.

(و ثانيا)- بعد نسبتها الى الروايات الدالّة على عدم وجوب الصلاة على الحائض إذا ظهرت بعد الوقت- يكون الأمر دائرا بين التخصّص و التخصيص، فانّ الوقت ان كان ممتدا الى طلوع الفجر بالنسبة إلى العشاءين يكون وجوب الصلاتين عليهما تخصّصا، و ان لم يكن ممتدّا يكون تخصيصا، و التخصص أولى عند الدوران.

فتحصل أنّ الروايات من حيث الصدور وجيهة و من حيث الدلالة سالمة عن الاشكال نعم يمكن أن يخدش فيها من حيث إعراض الأصحاب نعم قد حكم الشيخ رحمه اللّٰه في النهاية و المبسوط باستحباب إتيان

______________________________

(1) أقول هذا أمر دقيق جدّا قد أفاده

الأستاذ الأكبر مدّ ظلّه العالي، و لكنّه مخالف لما نقل في الخلاف عن مالك من القول بامتداد وقت المغرب الى طلوع الفجر لا مجرّد إتيان المغرب الى طلوع كيلا تكون الروايات موافقة لهم بالنسبة الى هذه الخصوصيّة.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 316

العشاءين إذا تمكّنت بأن ظهرت الحائض قبل طلوع الفجر بمقدار يمكن لها أدائها.

و كذلك «1» حكم المحقّق في طهارة المعتبر و ان كان يظهر منه في أوقات الصلاة منه امتداد وقت العشاءين المضطرّ الى طلوع الفجر.

فيمكن أن يقال بعدم ثبوت الأعراض، فلا يبعد الحكم بالنسبة إلى مواردها من النائم و الناسي و الحائض، بل الى غيرهم من ذوي الاعذار.

(و دعوى) معارضة هذه الاخبار أخبار النصف (مدفوعة) بأنّها دالّة مفهوما على عدم الوقت بعد النصف و هذه منطوقا.

(ان قلت): لا دلالة لها على بقاء الوقت، غاية الأمر جواز إتيان الصلاة للحائض إذا طهرت قبل طلوع الفجر.

(قلت): قد مرّ أنّه لا معنى لوجوب القضاء على الحائض إذا طهرت قبل الفجر الّا كونه وقتا للعشاءين، نعم لا إشكال في عدم التأخير عمدا عن النصف تكليفا.

فتحصّل أنّ الأظهر امتداد الوقت المضطرّ الى طلوع الفجر.

فهل يتعدّى الحكم الى العامد بمعنى أنّه و ان كان آثما في التأخير الّا أنّ صلاته وقعت في الوقت أم لا؟ وجهان لا يبعد التعدّي بعدم ثبوت الاعراض، فانّ العرف يلغى خصوصيّة كونه نائما أو ناسيا أو حائضا، بل الحكم بوجوب القضاء عليهم من آثار بقاء أصل الوقت، لا أنّ الوقت المجعول شرعا على قسمين طويل و قصير «2».

______________________________

(1) و كذا العلامة في المنتهى قد حمل رواية عبد اللّٰه بن سنان على الاستحباب على وجه.

(2) لو لا تصريح رواية داود بن فرقد بخروج

وقت المغرب قبل نصف؟ الليل بمقدار أداء العشاء لكان هذا القول حسنا، فيمكن حينئذ أن يقال: بأنّ الجمع بين الأخبار باختصاص أخبار الامتداد الى طلوع الفجر بذوي الاعذار أولى.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 317

و كيف كان فالأحوط للعامّة إذا بقي إلى طلوع الفجر مقدار أداء العشاء أن يأتي بها ثمّ المغرب ثمّ اعادة العشاء أيضا لاحتمال خروج الوقت فلا يحصل الترتيب من دون الإعادة.

و أمّا المضطرّ فيعلم ان شاء اللّٰه تعالى بعد تحقيق القول في وقت العشاء أوّلا و آخرا.

المسألة السّادسة قد اختلف العامّة و كذا الخاصّة في أوّل وقت العشاء الآخرة.

قال الشيخ (ره) في الخلاف: الأظهر من مذهب أصحابنا و من رواياتهم أنّ أوّل وقت العشاء الآخرة غيبوبة الشفق الذي هو الحمرة، و في أصحابنا من قال: إذا غابت الشمس فقد دخل وقت الصلاتين، و لا خلاف بين الفقهاء «1» في أنّ أوّل وقت العشاء الآخرة غيبوبة الشفق، و انّما اختلفوا في ماهيّة الشفق، فذهب الشافعي إلى أنّه الحمرة، فإذا غابت بأجمعها فقد دخل وقت العشاء الآخرة و روى ذلك، عن عبد اللّٰه بن عبّاس و عبد اللّٰه بن عمر، و عبد اللّٰه بن مسعود، و أبى هريرة، و عبادة بن الصامت، و شدّاد بن أوس، و به قال مالك، و الثوري، و محمّد، و قال قوم: الشفق هو البياض لا يجوز الصلاة إلّا بعد غيبوبته، ذهب إليه

______________________________

(1) يعني فقهاء العامّة.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 318

الأوزاعي، و أبو حنيفة و زفر و روى ذلك، عن عمر بن عبد العزيز، و هو اختيار المزني، و ذهب أحمد الى أنّ وقتها في البلدان و الأبنية غيبوبة البياض و في الصحاري و الفضاء غيبوبة الحمرة، لأنّ البنيان يستر فاحتيط بتأخير الصلاة الى غيبوبة

البياض ليتحقّق معه غيبوبة الحمرة و في الصحراء، لا حائل يمنع من ذلك فلم يعتبر ذلك لا أنّه جعل الوقت مختلفا في الصحاري و البنيان (انتهى).

و يعلم من ذلك أنّه لا خلاف بين المسلمين في جواز إتيان العشاء بعد سقوط البياض و دخول وقتها.

و المشهور بينهم دخول وقتها بعد سقوط الحمرة المغربيّة أيضا، و دليلهم عليه أمران (أحدهما) العمل المستمر من زمن النبي صلّى اللّٰه عليه و آله الّا ما شهد من إتيانه صلّى اللّٰه عليه و آله لها بعد سقوط الشفق (ثانيهما) حديث إتيان جبرئيل عليه السلام أوقات الصلوات و قد أتى بالعشاء في اليوم الأوّل عند سقوط الشفق، و في الثاني عند ذهاب ثلث الليل «1».

و يرد (على الأوّل) أنّه لا يدل على تعيّنه لذلك سيّما بعد روايتهم من فعله صلّى اللّٰه عليه و آله صلاة العشاء قبل سقوط الشفق «2» (و على

______________________________

(1) لاحظ الوسائل باب 10 حديث 5 من أبواب المواقيت، ج 3 ص 115.

(2) يمكن استفادة ذلك ممّا رواه أبو داود السجستاني في باب وقت الصلاة من سننه، ج 1 ص 109 مسندا عن محمّد بن عمرو و هو ابن الحسن بن على بن أبى طالب قال: سألنا جابرا عن وقت صلاة النبي صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم فقال: كان يصلّى الظهر بالهاجرة و العصر و الشمس حيّة و المغرب إذا غربت الشمس و العشاء إذا كثر الناس عجّل و إذا قلّوا أخّر و الصبح بغلس (انتهى) فانّ قوله: محل يشمل سقوط الشفق، و اللّٰه العالم.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 319

الثاني) عدم دلالته على انحصار الوقت فيما بينهما.

مضافا الى ما سيأتي من الروايات الدالّة على جواز

إتيان العشاء قبل سقوط الشفق رواها أصحابنا عن الأئمّة عليهم السلام الذين هم أدرى بما في البيت، فمقتضى أصول المذهب عدم الإشكال في سقوط دليلهم.

(و أمّا الخاصّة) فاختلفوا أيضا، فذهب الشيخ في الخلاف، و المبسوط، و مصباح المتهجّدين، و النهاية، و المفيد (ره) في المقنعة، إلى أنّ أوّل وقتها سقوط الشفق، و هو الحمرة.

و عن الصدوق (ره) في الهداية أيضا ذلك حيث قال: و وقت العشاء من غيبوبة الشفق الى ثلث الليل.

و حكى عن ابن أبى عقيل و سلار في المراسم أيضا.

و ظاهرا السيّد المرتضى أيضا في الناصريّات في مسألة معنى الشفق، هل هو البياض أو الحمرة و ان كان يظهر من آخر المسألة، القول الثاني و هو جواز إتيان العشاء قبل سقوط الشفق بل صرّح بذلك بقوله: بل يجوز عندنا أن يصلّى العشاء الآخرة عقيب المغرب بلا فصل (انتهى).

و ذهب جماعة إلى القول بجوازه قبل سقوط الشفق بكلا المعنيين كالسيّد المرتضى في الناصريّات، و الشيخ علاء الدين على بن حسن بن أبى المجد الحلبي (ره) و السيّد أبى المكارم حمزة بن على بن زهرة الحسيني في الغنية، و على بن حمزة الطوسي في الوسيلة و محمّد بن

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 320

إدريس في السرائر، و المحقّق و العلامة في كتبهما، و جملة من المتأخرين، بل استقرّ عليه المذهب عندهم.

و هو الحق للروايات الكثيرة الدالّة على جواز إتيان العشاء الآخرة قبل سقوط الشفق (امّا) لعلّة، مثل رواية عبيد اللّٰه الحلبي، عن أبى عبد اللّٰه عليه السلام، قال: لا بأس أن يؤخّر المغرب في السفر حتّى يغيب الشفق، و لا بأس أن تعجّل العتمة في السفر قبل أن يغيب الشفق «1».

و مثلها رواية

حماد عن الحلبي عنه عليه السلام «2».

و مثل رواية ابن مسكان، عن عبيدة، قال: سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: كان رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه و آله ان كانت ليلة مظلمة و ريح و مطر صلّى المغرب ثمّ مكث قدر ما يتنفّل الناس ثمّ أقام مؤذنه ثمّ صلّى العشاء الآخرة ثمّ انصرفوا «3».

و مثل رواية إسحاق البطّيخي، قال: رأيت أبا عبد اللّٰه عليه السلام صلّى العشاء الآخرة قبل سقوط الشفق ثمّ ارتحل «4».

(و امّا) مطلقا كرواية زرارة عن أبى جعفر عليه السلام، قال: إذا زالت الشمس دخل الوقتان الظهر و العصر، فإذا غابت الشمس دخل الوقتان المغرب و العشاء الآخرة «5».

______________________________

(1) الوسائل باب 22 حديث 1 من أبواب المواقيت، ج 3 ص 147.

(2) الوسائل باب 22 حديث 1 من أبواب المواقيت، ج 3 ص 147.

(3) الوسائل باب 22 حديث 3 من أبواب المواقيت، ج 3 ص 147.

(4) الوسائل باب 22 حديث 7 من أبواب المواقيت، ج 3 ص 147.

(5) الوسائل باب 17 حديث 1 من أبواب المواقيت، ج 3 ص 34.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 321

و رواية أخرى له عنه عليه السلام، قال: صلّى رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه و آله بالناس المغرب و العشاء الآخرة قبل الشفق من غير علّة في جماعة، و انّما فعل ذلك ليتّسع الوقت على الأمّة «1».

و رواية داود بن فرقد المتقدّمة «2».

و مرسلة الصدوق رحمه اللّٰه، قال: قال الصادق عليه السلام: إذا غابت الشمس فقد حلّ الإفطار و وجبت الصلاة، و إذا صلّيت المغرب فقد دخل وقت العشاء الآخرة إلى انتصاف الليل «3».

و رواية عبيد بن زرارة، عن أبى عبد اللّٰه عليه السلام، قال: إذا غربت

الشمس دخل وقت الصلاتين الّا أنّ هذه قبل هذه «4».

و رواية ضحّاك بن زيد، عن عبيد بن زرارة، عن أبى عبد اللّٰه عليه السلام في قوله تعالى أَقِمِ الصَّلٰاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلىٰ غَسَقِ اللَّيْلِ (الى أن قال) و منها صلاتان أوّل وقتهما من غروب الشمس الى انتصاف الليل الّا أنّ هذه قبل هذه «5».

و رواية إسحاق بن عمّار، قال: سألت أبا عبد اللّٰه عليه السلام بجمع بين المغرب و العشاء في الحضر قبل أن يغيب الشفق من غير علّة؟

قال: لا بأس «6».

______________________________

(1) الوسائل باب 22 حديث 2 من أبواب المواقيت، ج 3 ص 148.

(2) الوسائل باب 4 حديث 7 من أبواب المواقيت، ج 3 ص 92.

(3) الوسائل باب 16 حديث 19 من أبواب المواقيت، ج 3 ص 130.

(4) الوسائل باب 16 حديث 24 من أبواب المواقيت، ج 3 ص 130.

(5) الوسائل باب 10 حديث 4 من أبواب المواقيت، ج 3 ص 14.

(6) الوسائل باب 22 حديث 6 من أبواب المواقيت، ج 3 ص 148.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 322

و رواية عمران و عبيد اللّٰه ابني على الحلبيّين، قال: كنّا نختصم في الطريق صلاة العشاء الآخرة قبل سقوط الشفق و كان منّا من يضيق بذلك صدره فدخلنا على أبى عبد اللّٰه عليه السلام فسألناه عن صلاة العشاء الآخرة قبل سقوط الشفق، فقال: لا بأس بذلك، قلنا: فأيّ شي ء الشفق؟

فقال: الحمرة «1».

و حيث أنّ اعتبار سقوط الشفق كان من الأمور المسلّمة عند العامّة فالأرجح حمل الروايات الدالّة على ذلك على التقيّة، نعم لا مانع من حملها على امتداد وقت الفضيلة إلى كونه أوّل وقت الفضيلة.

المسألة السابعة اختلف العامّة، و كذا الخاصّة في آخر وقت العشاء الآخرة
اشارة

و قد ذكرنا عبارة الخلاف في الاختلاف في آخر وقت

العشاء، فللعامّة أقوال أربعة:

(أحدها) عن إبراهيم النخعي ان أخرها ربع الليل (ثانيها) عن الشافعي في القديم، و كذا المروي، عن عمر، و أبى هريرة، و عمر بن عبد العزيز أن أخر وقتها للمختار الى ثلث الليل و للمضطر الى طلوع الفجر (ثالثها) للشافعي أيضا عن الجديد و الإملاء، و كذا عن أبي حنيفة و أصحابه و الثوري، للمختار الى نصف الليل و للمضطر الى طلوع الفجر (رابعها) عن قوم أنّ وقتها مختارا الى طلوع الفجر، و هو مروي عن ابن عبّاس، و عطاء، و عكرمة، و طاوس.

______________________________

(1) الوسائل باب 22 حديث 6 من أبواب المواقيت: ج 3 ص 148.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 323

فعلم أنّ المشهور بينهم امتداد وقت العشاء الى طلوع الفجر في الجملة و ان اختلفوا في الاختيار و الاضطرار، فاحفظه لعلّه ينفعك.

و قد علم أيضا أنّ القول بجواز التأخير الى نصف الليل كان دائرا بينهم، هذا.

و أمّا الخاصّة فقد اختلفوا أيضا، ففي الهداية للصدوق (ره)، و المقنعة للمفيد (ره) أنّ آخر وقتها ثلث الليل من غير تفصيل، و كذا عن ابن البراج كما في المختلف.

و في النهاية و المبسوط أيضا ذلك الّا أنّه في الأخير قيّد ذلك للمختار، و كذا الوسيلة لعلي بن حمزة الطوسي (ره).

و عن ابن أبى عقيل، آخره ربع الليل، و كذا في الفقه المنسوب الى الرضا عليه السلام و في إشارة السبق لابن أبى المجد الحلبي، و المراسم لسلار بن عبد العزيز، و الغنية لعلي بن زهرة الحسيني، و السرائر لابن إدريس، و الشرائع و النافع و المعتبر للمحقّق، و المختلف و النهاية للعلامة، و كافّة المتأخرين، أنّ آخره نصف الليل، و اختص المعتبر بأنّ آخره

للمضطر الى طلوع الفجر.

و منشأ الاختلاف، اختلاف الأخبار، ففي عدّة منها ما يدلّ على الأوّل، مثل رواية يزيد بن خليفة «1»، و رواية إتيان جبرئيل أوقات الصلوات المرويّة بطرق مختلفة متعدّدة «2»، و رواية العلل التي رواها فضل بن شاذان عن مولانا الرضا عليه

______________________________

(1) الوسائل باب 10 حديث 1 من أبواب المواقيت: ج 3 ص 114.

(2) راجع الوسائل باب 10 حديث 5، 6، 7، 8 من أبواب المواقيت صفحة 115.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 324

السلام «1»، و رواية أبي إسحاق الهمداني، عن أمير المؤمنين عليه السلام التي نقلها في الوسائل عن مجالس الحسن بن محمّد بن الحسن الطوسي «2».

و في كثير منها ما يدل على انتصاف الليل، لمرسلتي الصدوق (ره) عن الصادق عليه السلام و مرسلة ابن داود بن أبى يزيد، و مرفوعة ابن مسكان، و رواية أبي بصير، و رواية بكر بن محمّد، و رواية معلّى بن خنيس، و رواية الحلبي، و رواية عبيد بن زرارة كلّها عن الصادق عليه السلام «3».

و لم نجد لقول ابن أبى عقيل رواية «4» دالّة صريحا الّا ما في الفقه المنسوب الى الرضا عليه السلام- كما تقدّم- و لم يثبت حجيته.

و حيث قد علمت أنّ لكل صلاة وقتين بلا خلاف بين علماء الإسلام و انّما الخلاف في كون الأوّل وقت فضيلة و الثاني وقت أجزاء أو الأوّل وقت الاختيار و الثاني وقت الاضطرار و عرفت أيضا أنّ الحقّ هو الأوّل

______________________________

(1) و لعل المراد خبر 11 من باب 10 من أبواب المواقيت من الوسائل، ج 3 ص 117.

(2) و لعل المراد خبر 12 من باب 10 من أبواب المواقيت من الوسائل: ج 3 ص 118.

(3)

راجع الوسائل باب 17 حديث 2، 3، 4، 5، 6، 7، 8، 9، 11 من أبواب المواقيت، ج 3 ص 34 الى 135.

(4) نعم لكن في الكافي عقيب نقل خبر أبى بصير الدالّ على امتداده الى ثلث الليل، قال: و روى الى ربع الليل راجع الوسائل ج 3، صفحة 146، عقيب خبر 2.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 325

و وفاقا للسيّد المرتضى (ره) في الانتصار- تعرف أنّ حمل الروايات الدالّة على الثلث أو سقوط الشفق على الفضيلة متعيّن و لا كلام فيه.

انّما الكلام فيما دلّ على امتداده الى طلوع الفجر كما ذكرنا في وقت المغرب من الروايات السبعة و الثمانية، و قد نبّهناك آنفا أنّ القول بامتدادها الى طلوع الفجر في الجملة كان مشهورا بين العامّة، فيمكن حملها على التقيّة أيضا إلّا أنّ في بعضها ما يدلّ على أنّه إذا بقي إلى طلوع الفجر مقدار أربع ركعات قدّم العشاء.

كرواية أبي بصير، عن أبى عبد اللّٰه عليه السلام، قال: ان نام رجل و لم يصل صلاة المغرب و العشاء الآخرة أو نسي، فإن استيقظ قبل الفجر قدر ما يصلّيهما كلتيهما، فليصلّهما و ان خشي أن تفوته إحديهما فليبدأ بالعشاء الآخرة الحديث «1».

و تقديم العشاء و لم يقل به العامّة، فيبعد حمل هذه الرواية على التقيّة، فلذا أفتى المحقّق رحمه اللّٰه في المعتبر- و هو آخر كتبه- بامتداد الوقت بالنسبة إلى المضطر الى طلوع الفجر.

تنبيه

قد عنون في كلمات الفقهاء لفظة (الجمع) و المراد به عند العامّة إيقاع إحدى الصلاتين في وقت الآخر، و عند الخاصّة إتيان الصلاتين بلا فصل معتد به فالأوّل كوقوع العشاء الآخرة قبل سقوط الشفق الذي

______________________________

(1) الوسائل باب 62 حديث 3

من أبواب المواقيت: ج 3 ص 209.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 326

هو خارج عن وقت المغرب و كذا الظهر و العصر بالنسبة الى ما قبل المثل أو المثلين، فإذا أوقع صلاة المغرب قبل سقوط الشفق بمقدار ثلاث ركعات ثمّ صلّى العشاء الآخرة في أوّل سقوط الشفق، فليس بجمع عند العامّة بخلاف ما عند الخاصّة.

المسألة الثامنة أوّل وقت صلاة الغداة طلوع الفجر الثاني

بلا خلاف بين علماء الإسلام، و لا يحتاج الى الاستدلال بالروايات و ان كان لا بأس بذكر بعضها تبرّكا.

روى الكليني (ره) في الكافي، عن على بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبى عمير، عن حماد، عن الحلبي، عن أبى عبد اللّٰه عليه السلام، قال: وقت الفجر حين ينشق الفجر الى أن يتجلّل الصبح السماء، و لا ينبغي تأخير ذلك عمدا، و لكنّه وقت لمن شغل أو نسي أو نام «1».

و بالإسناد، عن ابن أبى عمير، عن ابن أذينة، عن زرارة، عن أبى جعفر عليه السلام، (في حديث) قال: إذا طلع الفجر فقد دخل وقت الغداة «2».

و عن على بن إبراهيم، عن محمّد بن عيسى، عن يونس، عن يزيد بن خليفة، عن أبى عبد اللّٰه عليه السلام، قال: وقت الفجر حين يبدو حتى يضي ء «3».

______________________________

(1) الوسائل باب 26 حديث 1 من أبواب المواقيت، ج 3 ص 151.

(2) الوسائل باب 26 حديث 2 من أبواب المواقيت، ج 3 ص 151.

(3) الوسائل باب 26 حديث 3 من أبواب المواقيت، ج 3 ص 151.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 327

و غيرها من الروايات التي لا يهمّنا ذكرها لعدم الاختلاف في المسألة، و هو كاف نعم اختلفت العامّة في أنّ الأفضل هل هو الإسفار أو التغليس، و اليه ينظر ما رواه الشيخ في

الصحيح، عن محمّد بن مسلم قال: قلت لأبي عبد اللّٰه عليه السلام: رجل صلّى الفجر حين طلع الفجر، فقال: لا بأس «1».

المسألة التاسعة آخر وقتها طلوع الشمس على المشهور،
اشارة

و عن الشيخ في الخلاف أنّ آخر وقتها للمختار أن يسفر الصبح، و المضطرّ الى طلوع الشمس، و قد مرّ- في بيان وقت الظهر- أنّ ما استدلّ به للوقت الاختياري لا يدلّ على التعيّن، بل الأفضليّة.

فائدة

الفرق بين الفجر الصادق و الكاذب من وجوه ثلاثة (أحدها) كون بياض الأول مستطيلا و الثاني معترضا (ثانيها) عدم اتصال البياض في الأوّل بالأفق، و اتصاله في الثاني (ثالثها) ازدياد البياض بمضي الوقت في الثاني دون الأوّل.

______________________________

(1) الوسائل باب 26 حديث 4 من أبواب المواقيت، ج 3 ص 151.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 328

تنبيه

المراد من طلوع الفجر واقعه دون تبيّنه عند المكلّف كما قد يتوهّم من ظاهر الآية الشريفة كُلُوا وَ اشْرَبُوا حَتّٰى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيٰامَ إِلَى اللَّيْلِ الآية «1».

لكن لا يخفى أنّ التبيّن لنا غير دخيل في دخول الوقت فلا فرق بين من كان عينه قويّة أو ضعيفة، و لا بين وجود القمر أو عدمه، و يؤيّد ما قلنا قوله تعالى في ذيل الآية المتقدّمة ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيٰامَ إِلَى اللَّيْلِ إلخ حيث أنّه بيّن أنّ زمان الصوم هو النهار المقابل للّيل، و كون النهار طويلا أو قصيرا لا يدور مدار وجود القمر و عدمه فلا إشكال في المسألة.

فذلكة

قد عرفت أوقات الصلوات الخمس أوّلا و آخرا.

و أنّ ثلاث مسائل منها اتفاقيّة، أوّل الظهر، و المغرب، و الصبح و ان اختلف فيما به يتحقّق المغرب.

و أنّ الظهرين يمتدّ الى غروب الشمس مع اختصاص أوّلها بمقدار أدائها، و آخرها و كذلك العصر و كذلك العشاءين الى نصف الليل اختيارا، و فيما بعده لا يترك الاحتياط تكليفا و وضعا كما مرّ تفصيلا.

و انّ وقت الصبح يمتد الى طلوع الشمس، و قد أشرنا إلى أدلّة

______________________________

(1) سورة البقرة، الآية: 187.

________________________________________

بروجردى، آقا حسين طباطبايى، تقرير بحث السيد البروجردي، 2 جلد، دفتر انتشارات اسلامى وابسته به جامعه مدرسين حوزه علميه قم، قم - ايران، اول، 1416 ه ق

تقرير بحث السيد البروجردي؛ ج 2، ص: 329

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 329

ذلك كلّه بحمد اللّٰه.

نعم ما اشتهر بين الخاصّة من أنّ وقت فضيلة الصبح يمتد الى طلوع الحمرة من جانب المشرق لم نجد به دليلا إلّا الشهرة بين الفقهاء فيمكن أن يستكشف بها وجود

نفي معتبر (و اللّٰه العالم).

مسألة لا شبهة في أنّ أفضل الأوقات أوّلها بالنسبة إلى المغرب و الصبح، و كذا الظهر لمن لا تكون النافلة مشروعة له كالمسافر مثلا أو لا يفعلها، يدرك الفضيلتين لو صلّى النافلة ثمّ فريضة الظهر.

و أمّا العصر و العشاء، فهل الأفضل إتيانهما بعد الفريضة الأولى أو بعد صيرورة ظلّ الشاخص مثله في الأوّل، و سقوط الشفق في الثاني أم التفصيل بينهما بأفضليّة الأوّل في الأولى و الثاني في الثانية؟ وجوه:

(وجه الأول) إطلاق الأدلّة الدالّة على أنّ أفضل الأوقات أوّلها «1»، و خير الخير ما عجّل فيه «2»، و حسن المسارعة إلى أسباب المغفرة «3»، و الاستباق الى الخيرات «4».

(و وجه الثاني) ما نقل و حكى من فعل النبي صلّى اللّٰه عليه و آله في الأغلب إتيان الصلاتين في هذين الوقتين «5»، مضافا الى خبر إتيان

______________________________

(1) راجع الوسائل باب 3 من أبواب المواقيت، ج 3 ص 86.

(2) الوسائل باب 3 حديث 12 منها و فيه: أنّ اللّٰه عزّ و جلّ يحب من الخير ما يعجّل.

(3) إشارة إلى قوله تعالى وَ سٰارِعُوا إِلىٰ مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَ جَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمٰاوٰاتُ وَ الْأَرْضُ، سورة آل عمران، الآية: 133.

(4) إشارة إلى قوله تعالى فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرٰاتِ البقرة 148، المائدة 48

(5) راجع سنن أبى داود، ج 1 في وقت صلاة النبي صلّى اللّٰه عليه (و آله) و سلّم، ص 109 طبع مصر.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 330

جبرئيل عليه السلام أوقات الصلوات «1»، مضافا الى الأخبار الدالّة على فضيلة تأخير العصر و العشاء- على اختلاف التعابير- من أربعة أقدام و ذراعين، و المثل في الأولى- بناء على نقل قوله: (لمكان الفريضة)- و سقوط الشفق و

ثلث الليل في الثانية «2».

(و وجه الثالث) قوله عليه السلام في رواية زرارة المنقولة بطرق عديدة انّما جعل الذراع و الذراعان لمكان النافلة.

و كذا في رواية إسماعيل الجعفي الذي هو امّا ابن جابر، أو ابن عبد الرحمن و كلاهما ثقتان «3» و لم يثبت لنا فعل النبي صلّى اللّٰه عليه و آله في الأغلب الصلاتين كما ادّعى، بل يستفاد من الأخبار الواردة عن الأئمّة عليهم السلام خلافه «4»، هذا بالنسبة إلى العصر.

و أمّا بالنسبة إلى العشاء فقد يستدل على أفضليّة إتيانها عند سقوط الشفق فقوله عليه السلام- في روايات عديدة-: لو لا أنّ أشق على أمتي- كما في بعضها- «5» أو لو لا ضعف الضعيف و نوم الصبيان- كما في آخر، لأخّرت العتمة إلى ثلث الليل «6».

فظهر أنّ الأفضل في كلّ صلاة، إتيانها في أوّل الوقت الّا العشاء

______________________________

(1) راجع الوسائل باب 10 حديث 5 الى 8 من أبواب المواقيت جلد 3، ص 116.

(2) راجع الوسائل باب 8 من أبواب المواقيت: ج 3 ص 102.

(3) الوسائل باب 8 حديث 20، 21 و غيرها، و لكن لم نعثر على قوله عليه السلام (لمكان النافلة) فتتبّع.

(4) لاحظ الوسائل باب 31 من أبواب المواقيت: ج 3 ص 159.

(5) لاحظ الوسائل باب 21 من أبواب المواقيت: ج 3 ص 145.

(6) لاحظ الوسائل باب 21 من أبواب المواقيت: ج 3 ص 145.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 331

فإنّ الأفضل تأخيرها إلى سقوط الشفق، لما ذكر.

و أمّا ما ذكر بعض الأعاظم المتأخّرين من كون إتيان العصر عند الذراع و المثل و ان كان أفضل بما هو وقت الّا أن كون إتيانها قبلا أيضا بما هو مسارعة إلى أسباب المغفرة و

استباق الى الخيرات، فغير جيّد، لأنّ الكلام في أفضليّة إتيان الصلوات من حيث الوقت أوّلا و إمكان تساوى العنوانين من حيث الفضل ثانيا فلا مرجّح لا فضليّة الإتيان قبل الذراع أو المثل فالأوجه في الدليل ما ذكرنا من الوجه و هو عدم ثبوت فعل النبي صلّى اللّٰه عليه و آله بالنسبة إلى العصر على نحو الغالب بحيث يكشف عن استحبابه.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 333

الفصل الثاني في أوقات النوافل المرتّبة
(مسألة 1) لا خلاف بين المسلمين في جواز الإتيان بنافلة الظهر، و كذا في نافلة العصر بعد الظهر من زوال الشمس،

و انّما الخلاف في امتدادها بعد الزوال الى كم؟

فعن بعض امتداد وقت نافلة الظهرين بامتداد وقتهما، استنادا إلى إطلاق الروايات الدالّة على أنّ نافلة الظهر ثمان ركعات قبلها، و نافلة العصر ثمان ركعات قبلها.

و عن جماعة إلى المثل و المثلين، و المظنون أنّهم هم القائلون بامتداد وقتيهما الى ذلك فيتمسّكون في التحديد بذلك بإطلاق الأدلّة.

و قد نسب الى المشهور أنّه يمتدّ الى الذراع في نافلة الظهر

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 334

و الذراعين في نافلة العصر، و يمكن أن يستدل لهم بروايات لا تخلو دلالتها على مدعاهم من تأمّل.

(منها) ما رواه الصدوق عليه الرحمة بإسناده عن زرارة عن أبى جعفر عليه السلام، قال: سألته عن وقت الظهر فقال: ذراع من زوال الشمس و وقت العصر ذراع من وقت الظهر فذاك أربعة أقدام من زوال الشمس ثمّ قال: انّ حائط مسجد رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه و آله كان قامة فكان إذا مضى منه ذراع صلّى الظهر، و إذا مضى منه ذراعان صلّى العصر، ثمّ قال: أ تدرى لم جعل الذراع و الذراعان؟ قلت: لم جعل ذلك؟ قال:

لمكان النافلة، لك أن تتنفّل من زوال الشمس الى أن يمضي ذراع، فإذا بلغ فيئك ذراعا من الزوال بدأت بالفريضة

و تركت النافلة، و إذا بلغ فيئك ذراعين بدأت بالفريضة و تركت النافلة «1».

و في رواية أبان عن إسماعيل الجعفي عن أبى جعفر عليه السلام (لمكان الفريضة) بدل قوله عليه السلام (لمكان النافلة) و في ذيلها قوله عليه السلام: لئلا يؤخذ من وقت هذه و يدخل في وقت هذه «2».

و في رواية إسحاق بن عمّار، عن إسماعيل، عن أبى جعفر عليه السلام: و انّما جعل الذراع و الذراعان لئلا يكون تطوع في وقت فريضة «3» (و منها) ما رواه الكليني (ره) عن على بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبى عمير، عن أبي أيّوب، عن محمّد بن مسلم، قال: قلت لأبي عبد

______________________________

(1) الوسائل باب 8، حديث 3- 4 من أبواب المواقيت، ج 3، ص 103، و الفقيه، ج 1، باب مواقيت الصلاة رقم 653 طبع مكتبة الصدوق.

(2) الوسائل باب 8، حديث 21، ج 3 ص 107.

(3) الوسائل باب 8، ذيل حديث 27، ص 108.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 335

اللّٰه: إذا دخل وقت الفريضة أنتقل أو أبدأ بالفريضة؟ قال: انّ الفضل أن تبدأ بالفريضة و انّما أخرت الظهر ذراعا من عند الزوال من أجل صلاة الأوّابين «1».

(و منها) ما رواه الشيخ أبو جعفر الطوسي بإسناده، عن محمّد ابن أحمد بن يحيى، عن أحمد بن الحسن، عن عمرو بن سعيد، عن مصدق بن صدقة، عن عمّار، عن أبى عبد اللّٰه عليه السلام (في حديث)، قال: وقت صلاة الجمعة إذا زالت الشمس شراك أو نصف، و قال للرجل أن يصلّى الزوال «2» الى أن يمضي قدمان، و ان كان قد صلّى (بقي خ ل) من الزوال «3» ركعة واحدة و (أو خ ل) قبل أن

يمضي قدمان أتمّ الصلاة حتى يصلّى تمام الركعات، فان مضى قدمان قبل ان يصلّى ركعة بدأ بالأولى و لم يصلّ الزوال «4» الّا بعد ذلك «5» الحديث.

و عن الحسن بن محمّد بن سماعة، عن محمّد بن سكين، عن معاوية بن عمّار، عن نجيّة، قال: قلت لأبي جعفر عليه السلام: تدركني الصلاة و يدخل وقتها فأبدأ بالنافلة؟ قال: و قال أبو جعفر عليه السلام:

لا، و لكن ابدأ بالمكتوبة و اقض النافلة «6».

______________________________

(1) الوسائل باب 8، حديث 2، 3 منها ص 167.

(2) يعني نافلة الظهر.

(3) يعني نافلة الظهر.

(4) يعني نافلة الظهر.

(5) الوسائل باب 40 صدر حديث 1 من أبواب المواقيت، ج 3 ص 178.

(6) الوسائل باب 35، حديث 5، من أبواب المواقيت، ج 3، ص 165 و فيه بخيّة بالباء و الخاء المعجمة و الظاهر كونه غلطا من المطبعة.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 336

و عنه، عن وهيب بن حفص، عن أبى بصير، عن أبى عبد اللّٰه عليه السلام، قال: الصلاة في الحضر ثمان ركعات إذا زالت الشمس ما بينك و بين أن يذهب ثلث القامة فإذا ذهب ثلثا القامة بدأت بالفريضة «1» و الظاهر ان المراد من ثلثي القامة هو أربعة أقدام و شي ء يسير.

و لكن يرد على الأوّلين أن الظاهر- بقرينة صدر الرواية في رواية زرارة- أنّ المراد من قوله عليه السلام: (أ تدرى لم جعل الذراع و الذراعان) هو الفعل الخارجي الذي كان عليه النبي صلّى اللّٰه عليه و آله من حضوره لإقامة الجماعة للمسلمين فكأنّ الراوي استبعد ذلك حيث أنّ من المعلوم بالضرورة دخول الوقت بمجرّد الزوال فلم كان رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه و آله يصلّى الظهر بعد ذراع و العصر

بعد ذراعين؟

فأجاب- دفعا لهذا التوهّم- بأنّه كان لمكان النافلة يعني حيث أن المسلمين كانوا يتنقّلون في أوّل الزوال كان صلّى اللّٰه عليه و آله يحضر بعد تمام نوافلهم، و لا دلالة فيها على تحديد وقت النافلة بذلك بحيث لو أتى بها بعد الفريضة كانت قضاءا ان ثبت استحباب القضاء و الّا كانت غير مشروعة.

(و على الثالثة) انّ دلالتها على خلاف المطلوب أظهر، لأنّ قوله عليه السلام: (انّ الفضل أن تبدأ بالفريضة) يدل على أنّه ان أخرت لا يكون لك فضل، فيستفاد أن التأخير عن الذراع يكون مفضولا فيستشعر أنّه ان جاء بها بعد الذراع يكون مفضولا، لا أنّه غير مشروع هذا.

مضافا الى أنّ المراد من تأخير الظهر ليس هو تأخير وقتها، بالضرورة، بل تأخير فعلها.

______________________________

(1) الوسائل باب 8، حديث 23 من أبواب المواقيت: ج 3، ص 107.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 337

و لا يصح أيضا ان يقال: انّ المراد تأخير وقت فضيلتها أيضا لعدم القول بكون وقت فضيلة الظهر متأخّرا عن الزوال الّا نادرا فيتعيّن أن يكون المراد عملها الخارجي المعهود للنبي صلّى اللّٰه عليه و آله.

(و على الرابعة) انّها لا تدل على التوقيت الى القدمين، بل تدل على أنّ النافلة تزاحم الفريضة في وقت فضيلتها إذا كان قد صلّى منها قبل القدمين ركعة و بقي سبعة ركعات و أمّا أنّه قد صلّى تمام الثمان بعد الإتيان بالفريضة فليست أداء، بل قضاءا فلا دلالة فيها.

(و على الخامسة) أنّ مفهومها غير معمول بها، لأنّها تدل على أنّه ان صلّى الفريضة أوّل الزوال تكون النافلة قضاءا و ان لم تمض بقدر الذراع و لم يقل القائل بالتوقيت بذلك، فلا بدّ أن يحمل القضاء على الإتيان

بالنافلة لا المعنى المصطلح الذي هو عبارة عن إتيان العمل الموقت في خارج الوقت.

(و على السادسة) أنّه لم يوجد القائل بمضمونها بالخصوص.

هذا مضافا الى أنّ التعبير في الروايات سؤالا و جوابا وقع بقوله عليه السلام: (ابدأ بالنافلة) و هو يدل على أنّه بعد ذلك الوقت يمكن أن يأتي بها، غاية الأمر، الابتداء بالفريضة أولى و أفضل.

فتحصل أنّه لا دليل يعتدّ به، على التوقيت بالذراع أو الذراعين.

فإذا لم يثبت التوقيت الخاص فهل هي موقّتة في الجملة أم لا؟ و على الأوّل، فهل وقتها تمام النهار بمعنى جواز إتيانها قبل الزوال أم لا؟ وجوه.

قد يستدل على جواز إتيانها قبل الزوال بأخبار، مثل ما رواه الكليني رحمه اللّٰه، عن الحسين بن محمّد، عن عبد اللّٰه بن عامر، عن

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 338

على بن مهزيار، و عن الحسين بن سعيد، عن حماد بن عيسى، عن يزيد بن ضمرة الليثي، عن محمّد بن مسلم، قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عن الرجل يشتغل عن الزوال أ يعجّل من أوّل النهار؟ قال عليه السلام: نعم إذا علم أنّه يشتغل بتعجيلها في صدر النهار كلّها «1».

و ما رواه الشيخ (ره) بإسناده، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن على بن الحكم، عن أبي أيّوب، عن إسماعيل بن جابر، قال: قلت لأبي عبد اللّٰه عليه السلام: انّى أشتغل، قال: فاصنع كما تصنع، صلّ ست ركعات ان كانت الشمس في مثل موضعها من صلاة العصر يعنى ارتفاع الضحى الأكبر و أعتدّ بها من الزوال «2».

و بإسناده، عن محمّد بن أحمد بن يحيى، عن إبراهيم بن هاشم، عن عمرو بن عثمان، عن محمّد بن عذافر، قال: قال أبو عبد اللّٰه عليه

السلام: صلاة التطوع بمنزلة الهديّة متى ما اتى بها قبلت، فقدم منها ما شئت و أخّر منها ما شئت «3».

و رواه الكليني، عن على بن محمّد، عن سهل بن زياد، عن عمرو ابن عثمان، عن محمّد بن عذافر، عن عمر بن يزيد، عنه عليه السلام «4».

و عن أحمد بن عيسى، عن على بن الحكم، عن بعض أصحابه، عن أبى عبد اللّٰه عليه السلام، قال: قال لي صلاة النهار ست عشر ركعة صلّها أى النهار شئت، ان شئت في أوّله و ان شئت في وسطه، و ان شئت في

______________________________

(1) الوسائل باب 37، حديث 1 من أبواب المواقيت: ج 3 ص 168.

(2) الوسائل باب 37، حديث 4 من أبواب المواقيت: ج 3 ص 168.

(3) الوسائل باب 37، حديث 8 من أبواب المواقيت: ج 3 ص 167.

(4) الوسائل باب 37، حديث 3 الى قوله عليه السلام قبلت، ص 168.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 339

آخره «1».

و بهذا الاسناد عن سيف، عن عبد الأعلى، قال: سألت أبا عبد اللّٰه عليه السلام عن نافلة النهار، قال: ست عشر ركعة متى ما نشطت، ان على بن الحسين- عليهما السلام- كانت له ساعات من النهار يصلّى فيها، فإذا شغله ضيعة أو سلطان قضاها، إنّما النافلة مثل الهدية متى ما أتى بها قبلت «2».

و ما رواه الصدوق (ره) بإسناده، عن زرارة، عن أبى جعفر عليه السلام أنّه قال: ما صلّى رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه و آله الضحى قط، قال:

فقلت له: ألم تخبرني أنّه كان يصلّى في صدر النهار أربع ركعات؟ قال:

بلى انّه كان يجعلها من الثمان التي بعد الظهر «3».

و يرد (على الأولين) أنّهما في المشتغل لا مطلقا.

(و على الثالثة)

و الرابعة انّه يمكن حملها على المبتدئة.

(و على السادسة) أنّها في مقام بيان أنّ النافلة يؤتى بها عند النشاط في مقابل تركها عند الهمّ و الغمّ كما روى أنّ أبا الحسن عليه السلام موسى بن جعفر عليهما السلام يترك النوافل إذا اهتمّ أو اغتمّ.

(و على السابعة) أنّها تدلّ على خلاف المطلوب لأنّها تدل على أنّ النافلة هي التي يؤتى بها بعد الظهر فإذا أتى بها قبل الزوال فلا بد أن تحتسب من الثمان الموظفة لا أنّها وقعت في محلّها.

نعم الظاهر دلالة الخامسة- على بن الحكم عن بعض أصحابه- على

______________________________

(1) الوسائل باب 37 حديث 6 منها، ج 3 ص 168.

(2) الوسائل باب 37 حديث 7 من أبواب المواقيت: ج 3 ص 169.

(3) الوسائل باب 37 حديث 10 من أبواب المواقيت: ج 3 ص 169.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 340

المراد و يؤيّدها ما ورد من ما دلّ على إتيان خصوص النوافل- الظاهرة في النوافل المرتّبة- قبل الزوال و انّ إتيانها في مواقيتها أفضل.

مثل ما رواه الشيخ (ره) بإسناده، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن عمّار بن المبارك، عن ظريف بن ناصح، عن القاسم بن الوليد الغسّاني (العماري خ-) (الغفاري خ-) عن أبى عبد اللّٰه عليه السلام، قال: قلت له: جعلت فداك صلاة النهار صلاة النوافل في كم هي؟ قال:

ست عشر ركعة في أي ساعات النهار شئت أن تصلّيها إلّا أنّك إذا صلّيتها في مواقيتها أفضل «1».

فإنّها مخدوشة سندا، فانّ عمّار بن المبارك لم يوثّق صريحا من الرجاليين و كذا القاسم بن الوليد لم يذكر له مدح و لا ذمّ من المتصدين لبيان أحوال الرجال كالشيخ و النجاشي و الكشي رحمهم اللّٰه و ان

كان المنقول عن الشيخ (ره) في رجاله و النجاشي انّه كان من أصحاب أبى عبد اللّٰه عليه السلام، و له كتاب يرويه على بن الحسن بن رباط.

فتحصّل أنّه لا دليل على جواز تقديم النوافل الّا بعض الروايات «2» التي قد عرفت الجواب عنه.

______________________________

(1) الوسائل باب 37 حديث 5 من أبواب المواقيت، ج 3 ص 169.

(2) الوسائل باب 37 حديث 6 من أبواب المواقيت، لكن لم يقدم منه دام ظلّه الجواب عنه و لعلّنا غفلنا عن ضبطه و يحتمل كون الجواب كونها مرسلة و احتمال اتحادها مع السادسة التي هي رواية 7 من ذلك الباب و قد عرفت الجواب، بأنّها في مقام بيان النافلة يؤتى بها عند النشاط و اللّٰه العالم.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 341

فتعجّب بعض الأعاظم «1» من عدم ذهاب المشهور الى الجواز مع كثرة الروايات الدالّة عليه، في غير محلّه.

فالأظهر عدم جواز التقديم الّا للمشتغل، بل الأحوط له أيضا الإعادة على تقدير الإتيان بها قبل الزوال إذا تمكّن منها عند الزوال.

كما أنّ القدر المتيقّن من الأدلّة امتدادها الى الذراع و الذراعين لا لدلالة قوله عليه السلام في رواية زرارة و إسماعيل الجعفي: (لم جعل الذراع و الذراعين إلخ) لما عرفت من عدم دلالتهما على التحديد بذلك، بل لعدم الدليل على أكثر من ذاك من حيث القدر المتيقّن.

نعم لا شبهة في جواز إتيان النافلة مع قطع النظر عن مسألة التطوّع في وقت الفريضة التي سيأتي حكمها ان شاء اللّٰه تعالى للروايات الكثيرة الدالّة على جواز بل استحباب قضاء النوافل فيما بعد الذراعين امّا أن يكون وقتا لها أو لا يكون و على التقديرين يجوز إتيانهما، و الأولى بل الأحوط إتيانها بعد الذراع

و الذراعين بقصد الأمر المتعلّق به من دون نيّة الأداء و القضاء.

فقد يتمسّك للامتداد الى المثل و المثلين أو الى امتداد وقت الفريضة بالاستصحاب.

(و فيه) أنّه ان كان المراد به استصحاب بقاء الرجحان فلا شكّ فيه و ان كان المراد استصحاب كونها أداء فلا وجه له بعد اليقين بانتفاء الموضوع، لأنّ المفروض أنّ الوقت له دخل في موضوع الأداء و هو كان متيقّن الثبوت الى الذراع و الذراعين، و بعد هذا الوقت يكون وقتا آخر غير السابق فالمتيقّن غير المشكوك و لا بدّ من اتحادهما في الاستصحاب

______________________________

(1) هو المحقق الفقيه الهمداني في مصباحه.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 342

كما قرّر في محلّه.

(و بعبارة أخرى أوضح) كانت القضيّة هكذا: النافلة أداء بشرط وقوعها ما بين زوال الشمس الى الذراع و الذراعين، و هذه القضيّة مع هذا الشرط قابلة للاستصحاب دائما، و المدّعى استصحاب الأداء بدون الشرط المذكور، فبقاء الموضوع، غير محرز بل مقطوع العدم.

و هذا الكلام جاء في كلّ مورد يكون الوقت جزءا أو شرطا لتحقّق الموضوع و شكّ في امتداده زائدا على القدر المتيقّن كما لا يخفى.

مسألة 2- وقت نافلة المغرب بعد المغرب الى ذهاب الشفق على المشهور

استنادا إلى أنّه المعهود من فعل النبي صلّى اللّٰه عليه و آله له كما عن الجواهر (ره).

و انّه المنساق من الأدلّة.

و انّه المناسب لكون ما بعده وقت فضيلة العشاء و كان تقديمها أولى.

و بعدم جواز التطوّع في وقت الفريضة كما في المعتبر و يرد (على الأوّل) عدم ثبوت معهوديّة فعل النبي صلّى اللّٰه عليه و آله بحيث يكشف عن توقيتها بذلك.

(و على الثاني) بأنّه استحسان محض.

(و على الثالث) بعدم المنافاة بين كون الوقت للنافلة و بين عدم جواز النافلة في وقتها امّا بحمله على المضيّق، أو

بحملها على المبتدئة و الّا لنافى ما ثبت بالإجماع و الأخبار من جواز استحباب نافلة الظهرين قبلهما و سيأتي ان شاء اللّٰه تحقيقه.

نعم يمكن أن يقال انّ القدر المتيقّن هو الامتداد الى ذهاب

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 343

الحمرة المغربيّة، قال في الدروس: و وقت نافلة المغرب بعد فراغها الى ذهاب الحمرة المغربيّة في المشهور بين المتأخرين، و لا يزاحم بها، و لو قيل بامتدادها كوقت الفريضة كان وجها نعم تقديمها أفضل (انتهى) و عن كشف اللثام أنّه استجوده، و عن سيّد المدارك أنّه متّجه.

و قد يستدل لربّما رواه الكليني (ره)، عن الحسين بن محمّد، عن عبد اللّٰه بن عامر، عن على بن مهزيار، عن ابن أبى عمير، عن عبد الرحمن بن الحجّاج، عن ابان بن تغلّب «1»، قال: صلّيت خلف أبى عبد اللّٰه عليه السلام بالمزدلفة، فلمّا انصرف عليه السلام أقام الصلاة فصلّى العشاء لم يركع بينهما، ثمّ صلّيت معه عليه السلام بعد ذلك بسنة فصلّى المغرب ثم قام عليه السلام فتنفل بأربع ركعات ثمّ قام عليه السلام فصلّى العشاء الآخرة، الحديث «2».

بيان الاستدلال أنّ الحركة من عرفات- بعد المغرب إلى المزدلفة لا بدّ لها من زمان يتجاوز عن ذهاب الحمرة المغربيّة نوعا.

الّا أن يقال: انّ فعل الامام عليه السلام لا يدل على كونها أداء أو قضاءا فيحتمل الثاني.

لكن يمكن أن يقال: انّ ظاهر فعل الامام عليه السلام النافلة عقيب صلاة المغرب من دون بيان أنّ هذا على وجه القضاء مشعر بأنّه أداء لا قضاء هذا لكن الأحوط إتيانها بقصد ما في الذمّة إذا أتى بها بعد ذهاب الحمرة عليها حينئذ لاحتمال أن يكون من التطوّع في وقت الفريضة.

و أمّا التمسّك باستصحاب

بقاء وقت النافلة الى بعد ذهاب الحمرة

______________________________

(1) رواة هذا الخبر كلّهم ثقات على ما يستفاد من كتب الرجال.

(2) الوسائل باب 33 حديث 1 من أبواب المواقيت، ج 3 ص 163.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 344

فقد مضى بيانه و ردّه فلا نعيد.

مسألة 3: وقت نافلة العشاء بعدها و يمتد بامتدادها على المشهور،

بل قيل أنّه إجماعي.

و الظاهر أنّ مستندهم إطلاق الدليل الدالّ على انّها بعد العشاء.

(و فيه) أنّه بما هو لا يدلّ على المطلوب، نعم حيث أنّ المشهور أفتوا بذلك يمكن أن يستكشف ذلك من فتاويهم و يكون إطلاق الأخبار مؤيّد له، بل يمكن أن يستفاد من بعض الأخبار امتدادها الى طلوع الفجر، مثل قوله عليه السلام: من كان يؤمن باللّه و اليوم الآخر فلا يبيتنّ الّا بوتر «1».

بناء على أن يكون هو المراد من البيتوتة ما يعبّر عنه في الفارسيّة في قول أهل الفارس ب (شب را بروز آوردن) يقابلها (ظل) (روز را به شب آوردن) على ما هو المستفاد من كلمات أهل اللّغة، و يعتبر في صدق مفهوم البيتوتة، النوم كما «2» هو المتراءى من الجواهر (ره) استنادا الى عدم الصدق العرفي إذا لم يتمّ «3»، نعم لو كان المراد من الوتر هو

______________________________

(1) الوسائل باب 29، حديث 1، 3، 4 من أبواب أعداد الفرائض، ج 3 ص 70.

(2) مثال للمنفي لا للنفي.

(3) و يؤيّد ما استظهره سيّدنا الأستاذ الأكبر مدّ ظلّه العالي كلمات جماعة من أهل اللغة ففي النهاية لابن الأثير: و كل من أدركه الليل فقد بات نام أو لم ينم (انتهى) و في الصحاح: باب الرجل يبيت و يبات بيتوتة و بات يفعل كذا، إذا فعله ليلا (انتهى) و في القاموس: و من أدركه الليل فقد بات (انتهى)

و في مجمع البحرين: قوله تعالى:

وَ الَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّداً وَ قِيٰاماً قال: كأنّه من قولهم باب يفعل كذا إذا فعله ليلا كما يقال: ظلّ يفعل كذا إذا فعله نهارا (انتهى).

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 345

الوتر المقابل للشفع فلا دلالة فيها على المطلوب.

و كيف كان فالمشهور أن إتيانها في آخر تعقيبات العشاء أفضل و ان لم يكن له دليل خاصّ كما عن المدارك.

مسألة 4: لا شبهة في أنّ وقت صلاة الليل بعد انتصاف الليل،

كما لا ريب أنّها ممتدّة إلى طلوع الفجر الثاني، و احتمال كون وقتها في تمام الليل كما نسب الى بعض متأخري المتأخّرين استنادا الى ظاهر بعض الأخبار «1» الشامل بإطلاقه لغير مورد الضرورة و السفر مدفوع بعدم العمل من أحد من المتقدّمين الذي هم العمدة في شرائط حجيّة الأخبار كما أنّ احتمال بقاء وقتها حتى بعد طلوع الفجر الصادق لا يعتنى به، نعم يجوز تقديمها على نصف الليل لا بما هو آت لها في وقتها، بل بنيّة التقديم في موارد.

(أحدها) السفر (ثانيها) الشاب الذي يمنعه رطوبة رأسه (ثالثها) خائف الجنابة (رابعها) خائف البرد (خامسها) خائف النوم (سادسها) خائف المرض.

و يدلّ عليها الأخبار الواردة عن الأئمّة الأطهار عليهم صلوات الملك الجبّار «2».

مسألة 5: المشهور أنّ صلاة الليل كلّما قربت من الفجر كانت أفضل

______________________________

(1) راجع الوسائل باب 44 حديث 14 من أبواب المواقيت: ج 3 ص 181.

(2) راجع الوسائل و لاحظ أكثر أحاديث 44 من أبواب المواقيت.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 346

و لم نجد دليلا معتدا به، نعم قد يقال: انّ الأخبار الواردة في فضل وقت السحر، و انّ الدعاء فيه مستجاب، و انّه وقت الاستغفار «1»، و انّه الوقت الذي وعد يعقوب النبي على نبيّنا و آله و عليه السلام بنية أن يستغفر لهم، تدل على أفضليّته بالنسبة الى ما قبله، و لا كلام فيه انّما الكلام في المراد من السحر.

و قد يقال: بأنّه قبل الفجر و قد يقال: قبيل الفجر، و قد يقال:

السدس الأخير من الليل و هو المنسوب الى المحقّقين من أهل اللغة كما في الجواهر «2».

______________________________

(1) إشارة إلى قوله تعالى قٰالُوا يٰا أَبٰانَا اسْتَغْفِرْ لَنٰا ذُنُوبَنٰا إِنّٰا كُنّٰا خٰاطِئِينَ، قٰالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ يوسف الآية: 96

و 97.

(2) و الأولى نقل عبارة الجواهر بعينها قال: عند شرح عبارة الشرائع: (و كلّما قرب من الفجر كان أفضل: ما هذا لفظه: بلا خلاف معتدّ به، بل في المعتبر و عن الناصريّة و الخلاف و المنتهى و ظاهر التذكرة الإجماع (الى أن قال): و تجديد السحر من أحد طرفيه و هو الآخر معلوم لاتّصاله بالفجر بإجماع العلماء و امّا طرفه الآخر- و هو الأوّل- المخالط لدجى الليل فربّما اكتسى ثوب الإجمال لعدم وقوع التصريح به من أكثر اللغويّين و الأدباء كما قيل، غير أنّ المعلوم من كلماتهم و من محاورات أهل العرف و تتبع الاستعمالات الواردة، بطلان ما ظنّ من التوسعة، و لعلّ أوسع ما قيل في معناه، ما عن جامع الشيخ الثقة أبى علىّ الطبرسي و كشاف رئيس علماء اللغة و البلاغة جار اللّٰه الزمخشري و أبى حامد الغزالي، و احياء الفاضل القاساني، السدس الأخير من الليل، بل قال بعض المتبحّرين انّى لم أجد لأحد من المعتبرين تحديده بالأكثر من ذلك، بل ظاهر الأكثر أنه أقل منه كما أنّه ربّما يقاربه قول البعض: امّا الزيادة فلا، و كأنّه أراد بقول البعض تفسيره بآخر الليل كما في مجمع البحار أو قبيل الصبح كما في المجمل و الصحاح أو قبله من دون تصغير كما في القاموس، ثم قال: و يقال الطرف كلّ شي ء (انتهى موضع الحاجة من كلامه زيد في علوّ مقامه).

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 347

و قد استدلّ لأفضليّة صلاة الليل في السحر بما رواه الشيخ (ره) بإسناده، عن محمّد بن أحمد بن يحيى، عن على بن محمد القاساني، عن سليمان بن حفص المروزي عن الرجل العسكري عليه السلام قال: إذا انتصف

الليل ظهر بياض في وسط السماء شبه عمود من حديد تضي ء له الدنيا فيكون ساعة و يذهب ثمّ يظلم، فإن بقي الثلث الأخير من الليل ظهر بياض من قبل المشرق فأضاءت له الدنيا فيكون ساعة ثمّ يذهب و هو وقت صلاة الليل ثمّ تظلم قبل الفجر ثمّ يطلع الفجر الصادق من قبل المشرق، و قال: من أراد أن يصلّى في نصف الليل فذلك له «1».

و فيه أنّه يحتاج إلى إثبات ذلك أعنى البياض من قبل المشرق في ذلك الوقت، مضافا الى عدم تطبيق ذلك في الرواية مع السّحر.

و قد يستدل له أيضا بما ورد في الأخبار من الأئمّة الأطهار عليهم السلام من كثرة الأدعية و لا سيّما مثل الدعاء لأبي حمزة الثمالي المروي عن السجاد أنّه عليه السلام كان يقرؤه في السحر.

(و فيه) أوّلا أن المستحبات الكثيرة إذا وردت عنهم عليهم السلام

______________________________

(1) الوسائل باب 43، حديث 1 من أبواب المواقيت: ج 3 ص 180 و فيه: (فبطول) فذلك له.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 348

في وقت خاصّ، تحمل على مراتب حالات الأشخاص و المكلّفين، فبعض يميل إلى الصلاة، و بعض الى قراءة القرآن، و بعض الى الدعاء و الأذكار، فيمكن حمل أمثال تلك الأخبار الواردة في زمان واحد على التخيير حسب ما يقتضيه حاله.

(و ثانيا) لا غرو في قراءة دعاء أبي حمزة الثمالي للإمام عليه السلام الذي كان هو منشأ له، مع انّ العرب- و المفروض كونه عليه السلام منهم- أسرع في القراءة من العجم.

مسألة 6: وقت نافلة الصبح بعد طلوع الفجر و يجوز تقديمها عليه
اشارة

و جعلها من صلاة الليل بالدّسّ فيها و جعلها حشوا لها و الأخبار في ذلك على أقسام (أحدها) ما يدل بظاهره على تعيّنها قبل الطلوع، مثل رواية ابن

أبى نصر عن الرضا عليه السلام، و رواية ابن مسكان، عن أبى بصير، عن أبى عبد اللّٰه عليه السلام، و رواية هشام بن سالم، و ابن أذينة، عن زرارة، عن أبى جعفر عليه السلام، و رواية على بن مهزيار و ابن أبى نصر، عن أبى جعفر الثاني عليه السلام «1».

(ثانيها) ما يدل بظاهره على تعيّنها بعد طلوع الفجر مثل رواية سليمان بن خالد، عن أبى عبد اللّٰه عليه السلام «2» و رواية أبي بكر

______________________________

(1) راجع الوسائل باب 5، حديث 1، 3، 4، 5، 7، 8 من أبواب المواقيت، ج 3 ص 193 و لم نجد رواية ابن أبى نصر عن أبى جعفر الثاني و لعلّ السهو منّى في النسبة و اللّٰه العالم.

(2) لكن رواية سليمان كما في التهذيب هكذا: قال: سألت أبا عبد اللّٰه عليه السلام عن الركعتين قبل الفجر، قال: تركهما حين تترك الغداة، انّهما قبل الغداة و في الوسائل جعل بدل قوله: حين تترك (حين تنزل) و في الاستبصار- في باب وقت ركعتي الفجر- حين تنوّر الغداة و الكل مشتركون في قوله عليه السلام: (انّها قبل الغداة) و لعلّ الاشتباه منّى في جعل هذه الرواية في أعداد ما دلّ على تعيّنها بعد طلوع الفجر و اللّٰه العالم.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 349

الحضرمي عنه عليه السلام «1».

(ثالثها) ما يكون ظاهرا في جواز إتيانها قبل الفجر و معه و بعده مثل رواية محمّد بن مسلم، عن أبى جعفر و عن الصادق بطرق عديدة، و رواية إسحاق بن عمّار و رواية ابن أبى يعفور «2».

و الظاهر وقوع المعارضة بين الأوّليين، فيمكن بينهما بأحد وجهين (أحدهما) جعل الثالثة شاهدة جمع بينهما، فيكون مخيّرا في

الإتيان بهما قبله و بعده (ثانيهما) حمل الثانية على التقيّة و الأولى على التعيّن أو حمل الأولى على كونها في مقام دفع توهّم الحظر، و الثانية على التقيّة، فإنّ العامّة كانوا يصلّونها بعد طلوع الفجر الثاني.

و الشاهد على هذا الجمع «3» ما رواه الشيخ (ره) بإسناده، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن على بن الحكم، عن على بن أبي حمزة، عن أبى بصير، قال: قلت لأبي عبد اللّٰه عليه السلام: متى أصلّي ركعتي الفجر؟

قال: فقال لي: بعد طلوع الفجر، قلت له: انّ أبا جعفر عليه السلام أمرني أن أصلّيهما قبل طلوع الفجر، فقال: يا أبا محمد انّ الشيعة أتوا

______________________________

(1) الوسائل باب 51، حديث 10، ج 3 ص 194.

(2) راجع الوسائل باب 52، حديث 1، 2، 3، 4، 5، 6، من أبواب المواقيت، ج 3 ص 194 ..

(3) أى الحمل على التقيّة.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 350

أبي مسترشدين فأفتاهم بمرّ الحقّ، و أتوني شكّاكا فأفتيتهم بالتقيّة «1».

و الظاهر أنّ المراد بالتقيّة هنا، هو التقيّة في التعيّن لا الجواز بقرينة الطائفة الثالثة فتحصل انّ الأظهر جوازها قبل الفجر أو بعده أو معه و لا اشكال فيه في الجملة.

نعم يقع الكلام في أوّل وقتهما و آخره، فانّ الظاهر من بعض الروايات هو أنّ أوّل وقتهما السدس الباقي من الليل، مثل ما رواه الشيخ (ره) بإسناده، عن الحسين بن سعيد، عن حماد بن عيسى، عن محمّد ابن حمزة بن بديع، عن محمّد بن مسلم، قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عن أوّل ركعتي الفجر، فقال: سدس الليل الباقي «2» و الظاهر كون (الباقي) صفة للمضاف لا للمضاف اليه، فيكون المعنى إذا ذهب من الليل خمسة

أسداس، فالسدس الباقي الأخير، هو أوّل ركعتي الفجر هذا.

و لكنّ المشهور فتوى انّ أوّل وقتها هو طلوع الفجر الكاذب و حكموا بجواز تقديمها عليه، و بأفضليّة إعادتها بعده، و سيأتي الكلام في الآخرين.

أمّا الأوّل «3» فإن استكشفنا من فتاويهم وجود نصّ معتبر يدل على أنّ أوّلهما طلوع الفجر الكاذب و فرض أنّه مؤخر عن أوّل سدس الليل الباقي نقيّد به رواية محمّد بن مسلم، لكن ذلك مشكل لظهور الرواية لو لا صراحتها في أنّ أوّل وقتها سدس الليل الباقي، فلا يصلح للتقييد،

______________________________

(1) الوسائل باب 50، حديث 2 من أبواب المواقيت: ج 3 ص 192.

(2) الوسائل باب 50، حديث 5 من أبواب المواقيت: ج 3 ص 192.

(3) و هو كون أوّل وقتها هو طلوع الفجر.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 351

فيتعارضان.

و لا يبعد تقديم النصّ المكشوف حينئذ ما عليها، لإعراض الأصحاب عنها المسقط للحجّية كما قرّر في محلّه.

اللّٰهمّ الّا أن يقال: بعدم ثبوت شهرة توجب ذلك فحينئذ لا يبعد جواز الفتوى بتلك الرواية.

هنا مسائل
(الأولى) هل المراد بالفجر الوارد في الروايات، الفجر الأوّل أو الثاني؟

المتبادر من إطلاق الفجر هو الأوّل، مضافا الى ظهور بعض الروايات في ذلك مثل حسنة زرارة أو صحيحته، قال: قلت لأبي جعفر عليه السلام: الركعتان اللتان قبل الغداة أين موضعهما؟ فقال: قبل طلوع الفجر، فإذا طلع الفجر فقد دخل وقت الغداة «1».

و في رواية أخرى له- و فيها- أ تريد أن تقايس؟ لو كان عليك من شهر رمضان أ كنت تطوّع إذا دخل عليك وقت الفريضة، فابدأ بالفريضة «2».

نعم ظاهر عدّة من الروايات، إطلاق الفجر من غير قرينة توجب صرفها إلى أحدهما و لكن قد عرفت ما هو المتبادر.

فحينئذ «3» يشكل ما هو المتراءى من كلمات بعض الفقهاء كالمحقّق في

______________________________

(1) الوسائل

باب 50، حديث 7 من أبواب المواقيت، ج 3 ص 192.

(2) الوسائل باب 50، قطعة من حديث 3 من أبواب المواقيت: ج 3 ص 192.

(3) يعنى بناء على الحمل على الفجر الثاني بقرينة الرواية المذكورة.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 352

الشرائع و المعتبر من كون أوّل وقتهما طلوع الفجر الأوّل، فكأنّه رحمه اللّٰه حمل لفظة (الفجر) الواردة في الروايات على الفجر الأوّل و حكم بكون الوقت هو ذلك، غاية الأمر يجوز تقديمهما هذا.

مع أنّه بناء على ما ذكرنا ليس لنا رواية ظاهرة، في كون الفجر هو الأوّل اللّٰهمّ الّا أن يقال بإمكان دعوى دلالة رواية أبي بكر الحضرمي عن الصادق عليه السلام: قلت: متى أصلّي ركعتي الفجر؟ قال: حين يعترض الفجر و هو الذي يسمّيه العرب الصديع «1»- بان يقال: ان الفجر أريد به- بقرينة تفسير الامام عليه السلام- الفجر الأوّل و الّا لم يكن الفجر الثاني مجملا حتى يحتاج إلى السؤال و الجواب هذا.

مع أنّ مقتضى الروايات الدالّة على أنّهما من صلاة الليل، و قوله عليه السلام: احشوا بهما صلاة الليل «2» كما في بعض أو (حشوا) كما في آخر «3»، و ان «4» صلاة الليل ثلاث عشرة ركعة، هو كون أوّل وقتهما هو وقت صلاة الليل، و بعد انتصاف الليل لا الفجر الأوّل، و هو الأظهر.

(الثانية) هل يكون جواز إتيانها قبل الفجر الأوّل مقيّدا بإتيان صلاة الليل

فلو لم يأت بها كان المتعيّن إتيانها بعد الفجر الأوّل أم لا؟

مقتضى قوله عليه السلام: (احشوا بهما صلاة الليل) و قوله عليه السلام:

(و انّهما من صلاة الليل ثلاث عشر ركعات) «5» الأوّل، و مقتضى قوله عليه

______________________________

(1) الوسائل باب 51، حديث 10 من أبواب المواقيت: ج 3 ص 194.

(2) الوسائل باب 50، حديث 1 من أبواب

المواقيت: ج 3 ص 191.

(3) الوسائل باب 50، حديث 8 من أبواب المواقيت: ج 3 ص 193.

(4) الوسائل باب 25، حديث 1 و 6 من أبواب أعداد الفرائض: ج 3 ص 66.

(5) الوسائل باب 50، حديث 4 من أبواب المواقيت: ج 3 ص 192.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 353

السلام في المستفيضة- بعد السؤال عن وقتهما: (قبله و معه و بعده) «1» عدم التقييد بإتيان صلاة الليل، و هو الأظهر لعدم المنافاة بينهما و عدم إحراز وحدة الحكم ليكون أحدهما مقيّدا للآخر.

و على الأوّل هل يجوز إتيانهما قبل صلاة الليل ثمّ إتيانهما أم لا؟

الأظهر هو الثاني لقوله عليه السلام: (احشوا بهما إلخ) و معنى الحشو جعل الشي ء دثارا لشي ء آخر كبطانة الثوب بالنسبة إلى ظهارته، و البطانة فرع من الظهارة.

(الثالثة) هل يجوز تقديمهما على وقت صلاة الليل- و هو الانتصاف أم لا؟

مقتضى إطلاق دليل جواز تقديم صلاة الليل بضميمة كونها منها جوازه و مقتضى كونهما صلاة مستقلّة ذات عنوان مخصوص كعنوانى الشفع و الوتر، عدم الدليل على الجواز، و هو يكفي في عدم المشروعيّة، نعم لو أتى بهما من يجوز له تقديم صلاة رجاء أثيب إن شاء اللّٰه تعالى.

(الرابعة) لو أتى بهما قبل الفجر الأوّل فنام ثمّ استيقظ يجوز بل يستحب إعادتهما

يدل عليه ما رواه الشيخ (ره) بإسناده، عن صفوان بن يحيى، عن ابن بكير، عن زرارة قال: سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول:

انّى لا صلّى صلاة الليل و أفرغ من صلاتي و أصلّي الركعتين فأنام ما شاء اللّٰه قبل أن يطلع الفجر فان استيقظت عند الفجر أعدتهما «2».

لكن ظاهرها بقرينة التبادر- هو الفجر الثاني، و ظاهر كلمات جماعة من العلماء استحباب الإعادة إذا صلّاهما قبل الفجر الأوّل بعده فيقع الإشكال حينئذ لعدم العمل على هذه الرواية بظاهرها.

هذا كلّه في البحث في أوّل وقت الركعتين.

______________________________

(1) الوسائل باب 52، حديث 2 من أبواب المواقيت: ج 3 ص 195.

(2) الوسائل باب 51، حديث 9 من أبواب المواقيت: ج 3 ص 194.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 354

و أمّا امتدادها في المنتهى، فالظاهر امتداده الى طلوع الحمرة في طرف المشرق يدل عليه ما رواه الشيخ (ره) بإسناده، عن أحمد بن محمّد، عن الحسن بن على بن يقطين، عن أخيه الحسين، عن على بن يقطين، قال: سألت أبا الحسن عليه السلام عن الرجل لا يصلّى الغداة حتى يسفر و تظهر الحمرة و لم يركع ركعتي الفجر أ يركعهما أو يؤخّرهما؟

قال: يؤخّرهما «1».

مسألة 7: هل يجوز التطوّع في وقت الفريضة أم لا؟

فعن الشيخ المفيد في المقنعة، و الشيخ الطوسي في النهاية و المبسوط و الحمل و العقود و الاقتصاد، و ابن إدريس في السرائر، و المحقّق في كتبه الثلاثة، و جملة من المتأخّرين، المنع و الروايات في هذه المسألة على قسمين.

(أحدهما) ما يدل على المنع، مثل موثّقة محمّد بن مسلم، عن أبى جعفر عليه السلام، و رواية زياد بن أبى عتاب، عن أبى عبد اللّٰه عليه السلام، و حسنة نجيّة، عن أبى جعفر عليه السلام، و موثقة أديم

بن الحر، عن الصادق عليه السلام، و موثقة أبي بكر الحضرمي، عن جعفر بن محمّد عليهما السلام، و صحيحة زرارة- المنقولة من مستطرفات السرائر، عن أبى جعفر عليه السلام، و رواية الخصال في حديث الأربعمائة، و رواية إسماعيل- المرويّة عن العلل «2».

و صحيحة زرارة، عن أبى جعفر عليه السلام، و صحيحة يعقوب بن

______________________________

(1) الوسائل باب 51، حديث 1 من أبواب المواقيت: ج 3 ص 193.

(2) راجع الوسائل باب 35، حديث 3، 4، 5، 6، 7، 8، 10 11 من أبواب المواقيت: ج 3 ص 164.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 355

شعيب، و الصحيحة المنقولة في الذكرى عن زرارة، عن أبى جعفر عليه السلام «1».

(ثانيهما) ما يدل على الجواز، مثل موثقة سماعة، و موثقة إسحاق بن عمّار «2».

و حسنة محمّد بن مسلم، عن أبى عبد اللّٰه عليه السلام، و رواية منهال عن الصادق عليه السلام «3» و صحيحة عمر بن يزيد عن الصادق عليه السلام «4».

و يمكن الجمع بينهما بأحد وجوه ثلاثة.

(أحدها) حمل المانعة على الكارهة و المجوّزة على الجواز مع الكراهة.

(ثانيهما) حمل المانعة على الجماعة و المجوّزة على المنفرد ما لم يقم الإمام الجماعة.

(ثالثها) حمل المنع على ضيق وقت الفريضة و المجوّزة على سعته.

و يشهد للأوّل قاعدة حمل النصّ على الظاهر.

و للثاني ما رواه الكليني رحمه اللّٰه عن أحمد بن محمّد، عن الحسين بن سعيد، عن عثمان بن عيسى، عن إسحاق بن عمّار، قال: قلت:

أصلّي في وقت فريضة نافلة؟ قال: نعم في أوّل الوقت إذا كنت مع امام

______________________________

(1) راجع الوسائل باب 61، حديث 3، 4، 6 من أبواب المواقيت: ج 3 ص 206.

(2) راجع الوسائل باب 35، حديث 1، 2 من أبواب

المواقيت: ج 3 ص 164.

(3) راجع الوسائل باب 26، حديث 2، 4 من أبواب المواقيت: ج 3 ص 166.

(4) راجع الوسائل باب 35، حديث 9 من أبواب المواقيت: ج 3 ص 164.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 356

تقتدى به، فإذا كنت وحدك فابدأ بالمكتوبة «1».

و للثالث ما رواه أيضا، عن محمّد بن يحيى، عن محمّد بن الحسن عن عثمان بن عيسى، عن سماعة قال: سألته عن الرجل يأتي المسجد و قد صلّى أهله أ يبتدئ بالمكتوبة أو يتطوّع؟ فقال: ان كان في وقت حسن فلا بأس بالتطوّع قبل الفريضة، و ان كان خاف الفوت من أجل ما مضى من الوقت فليبدأ بالفريضة، و هو حقّ اللّٰه ثمّ ليتطوّع ما شاء، الأمر موسع أن يصلّى الإنسان في أوّل دخول وقت الفريضة النوافل الّا أن يخاف فوت الفريضة، و الفضل إذا صلّى الإنسان وحده أن يبدأ بالفريضة الحديث «2» و سيأتي إن شاء اللّٰه تعالى، الجمع بوجه آخرا حسن من هذه الوجوه الثلاثة.

و قد يقال: انّ روايات المنع ناظرة إلى النوافل المبتدئة، و روايات الجواز إلى المرتبة و بذلك يجمع بين الأخبار المتعارضة.

(و فيه) أنّ ظاهر أكثر الأخبار المانعة هو النوافل المرتّبة، فالأولى أن ننقل الأخبار تفصيلا كما أشرنا إليها إجمالا.

(فمنها) ما رواه الشيخ (ره) بإسناده، عن الحسن بن محمّد بن سماعة، عن محمّد بن مسكين، عن معاوية بن عمّار، عن نجيّة، قال:

قلت لأبي جعفر عليه السلام: تدركني الصلاة و يدخل وقتها، فأبدأ بالنافلة؟ قال: فقال أبو جعفر عليه السلام: لا و لكن ابدأ بالمكتوبة و اقض النافلة «3».

______________________________

(1) الوسائل باب 35، حديث 2 من أبواب المواقيت: ج 3 ص 165.

(2) الوسائل باب 35، حديث 1

من أبواب المواقيت: ج 3 ص 164.

(3) الوسائل باب 35، حديث 5 من أبواب المواقيت.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 357

فانّ قوله عليه السلام: (تدركني الصلاة) يحتمل أن يراد به دخول أوّل وقتها، فنهى عن إيقاع النافلة في أوّل وقتها فهذا لا يناسب قوله عليه السلام: (ابدأ بالمكتوبة) و كذا قوله عليه السلام: (و اقض النافلة) لظهور القضاء في كون أصلها موقتة فينطبق مع المرتّبة (و توهّم) انّ القضاء هنا بمعنى الفعل لا القضاء المصطلح (مدفوع) بأنّه لا معنى حينئذ لقوله عليه السلام: (ابدأ بالمكتوبة و اقض النافلة).

و يحتمل «1» أن يراد دخول وقت فضيلتها، فكذلك لا يناسب أيضا ذيل كلامه عليه السلام و ان كان المراد من الوقت هو أوّله و من النافلة هي المرتّبة فهذا خلاف الإجماع و الأخبار المتواترة من جواز فعل المرتبة في أوّل الوقت فيما كان نقلها مقدّما عليها.

و يحتمل أن يراد ذلك صلاة الجماعة فحينئذ لا مانع من القول بعدم جواز النافلة عند إقامة الجماعة.

و لكن الاحتمالين الأوّلين غير مناسب كما عرفت و الاحتمال الثالث «2» خلاف الإجماع و الرابع لا مانع منه كما هو أحد وجوه الجمع كما مرّ «3».

(و منها) خبر أديم بن الحرّ، قال: سمعت أبا عبد الهّٰل عليه السلام يقول: لا يتنفّل الرجل إذا دخل وقت الفريضة، فإذا دخلت وقت فريضته فابدأ بها «4».

______________________________

(1) عطف على قوله مدّ ظلّه يحتمل أن يراد به دخول إلخ و كذا قوله فيما بعد و يحتمل إلخ.

(2) و هو كون المراد من الوقت أوّله و من النافلة هي المرتّبة.

(3) من قوله مدّ ظلّه: حمل المانعة على الجماعة إلخ.

(4) الوسائل باب 35، حديث 6 من أبواب المواقيت: ج 3

ص 165.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 358

فانّ في قوله عليه السلام: (فابدأ بها) إشعارا بأنّ المراد بالنافلة المرتّبة و لا أقلّ من الإطلاق.

(و منها) خبر زياد بن أبى عتاب، عن أبى عبد اللّٰه عليه السلام، قال: سمعته يقول: إذا حضرت المكتوبة فابدأ بها فلا تضرّك أن تترك ما قبلها من النافلة «1».

و دلالة هذه الرواية على المنع- بعد ملاحظة قوله عليه السلام:

(فلا يضرّك إلخ) محل منع و المراد من عدم الضرر امّا تدارك ما فاته من فضيلة النافلة بفعل الفريضة في الابتداء و امّا إمكان فعلها بعد الفريضة من دون نقصان في فضلها إذا بدأ بالفريضة بخلاف العكس كما عن الجواهر و كيف كان فظاهر لفظة (ابدأ) كون ما تركه من النافلة موقّتة فلا بدّ من حملها على حضور وقت فضيلة الصلاة لا أوّل وقتها.

(و منها) رواية محمّد بن مسلم، عن أبى جعفر عليه السلام، قال:

قال لي رجل من أهل المدينة: يا أبا جعفر عليه السلام ما لي لا أراك تطوّع بين الأذان و الإقامة كما يصنع الناس؟ فقلت: انا إذا أردنا أن نتطوّع كان تطوّعنا في غير وقت فريضة، فإذا دخلت الفريضة فلا تطوّع «2» و هذه الرواية لا دلالة فيها على إرادة المبتدئة، فإنّ الصلاة التي كان الناس يأتون بها بين الأذان و الإقامة و كان موردا للاعتراض على أبى جعفر عليه السلام، غير معلومة المراد، فيحتمل أن تكون صلاة مخصوصة قد وضعوها بأن تصلّي بينهما و كان عليه السلام لا يرى استحبابها بهذه الكيفيّة المخصوصة و لكنّه عليه السلام في مقام الجواب

______________________________

(1) الوسائل باب 35، حديث 4 من أبواب المواقيت: ج 3 ص 165.

(2) الوسائل باب 35، حديث 3

من أبواب المواقيت: ج 3 ص 165.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 359

أجاب عليه السلام بما كان مقنعا لهم تقيّة هذه.

مضافا الى عدم معلوميّة كون المراد ما بين الأذان و الإقامة للظهرين اللتين كان نافلتهما مقدّمة عليهما أو العشاءين اللتين كانت نافلة المغرب بعدها.

و مضافا الى كونها قضيّة في واقعة فلا تكون دليلا على المنع قبول مطلق و كذا سائر الروايات المانعة لا تخلو عن الاحتمالات المذكورة.

فالأولى أن يقال: انّ المغروس في أذهانهم هو جواز النافلة في مقدار من الوقت المضروب للفريضة كالذراع و الذراعين في الظهرين، و الى ذهاب الحمرة المغربيّة في العشاء بمقدار الركعتين على نحو التخيير في الفجر.

و مع هذه المغروسيّة لا يفهم من النهى عن التطوّع في وقت الفريضة إلّا بعد هذا الوقت، فهي في هذا المقدار من الوقت لا دليل ظاهرا على النهى عنها مطلقا لا تكليفا تحريما و تنزيها، و لا وضعا بطلانا و منقصته في الثواب.

و أمّا بالنسبة الى بعد هذا الوقت فيتصوّر على وجوه، فإنّها امّا عند إرادة إتيان صلاة الفريضة جماعة أو إتيانها فرادى، و على الأوّل فامّا قد أقيمت الجماعة فعلا و أمّا أن ينتظر للجماعة.

أمّا الأوّل «1» فالأظهر فيه الكراهة مطلقا، بصحيحة عمر بن يزيد قال: سألت أبا عبد اللّٰه عليه السلام عن الرواية التي يروون أنّه لا ينبغي أن يتطوّع في وقت فريضة، ما حدّ هذا الوقت؟ قال: إذا أقيمت الصلاة قلت: انّ الناس يختلفون في الإقامة، قال: المقيم الذي تصلّى معه «2».

______________________________

(1) و هو زمن إرادة الجماعة.

(2) الوسائل باب 35، حديث 9 من أبواب المواقيت: ج 3 ص 166.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 360

و لا يبعد أن يكون المراد

بالرواية المشار إليها في السؤال هي ما رووا عن أبي هريرة عن النبي صلّى اللّٰه عليه و آله، قال: إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلّا مكتوبة «1».

و الظاهر أنّ المراد بالصلاة المقام بها هي الجماعة، و الصلاة المنتهية هي التنفّل عندها و التعبير بقوله: (لا ينبغي) امّا لفهم الراوي منها الكراهة، و امّا كون الفتوى عند العامّة هي الكراهة، فتدل الصحيحة على كراهة التنفّل عند إقامة الجماعة، فإذا ثبت كراهته عند إقامة الجماعة فعند الانفراد بطريق أولى، فإنّ للتنفّل حينئذ جهتين، مزاحمة وقت الفريضة، و مزاحمة الجماعة، و في فرض الانفراد يزاحم الجهة الأولى فهي أولى بالجواز هذا.

و التحقيق أن يقال- بعد الفراغ من عدم المنع مطلقا عن التنفّل في وقت الفريضة و عند إرادة الجماعة ما لم يقمها الامام-: انّ التنفّل في وقت الفريضة للمنفرد يتصوّر على وجوه خمسة بل ستّة على اشكال في السادس.

فإنّه (امّا) أن يكون حراما تكليفيّا بمعنى أنّه إذا أتى بالنافلة يكون عاصيا و امّا أن يكون مكروها كذلك بمعنى أنّ النافلة و ان لم تنقص من ثوابها الذاتي بفعل قبيح.

و امّا «2» أن يكون منهيّا وضعا امّا بطلانا بمعنى النافلة في وقت الفريضة من دون أن يكون قد فعل حراما و امّا منقّصة للثواب أعنى ثواب النافلة.

______________________________

(1) مسند ابن حنبل ج 2 ص 455.

(2) و هذا الشق على صورتين فلا تغفل فتصير خمسة.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 361

و امّا أن لا يكون شي ء من ذلك، بل يكون فعل الفريضة أولى من فعل النافلة بمعنى أن إتيان الفريضة في هذا الوقت أكثر ثوابا منه في غير هذا الوقت من غير أن ينقص من ثوابها شي ء.

و قد يتوهّم احتمال

سادس، و هو أن تكون النافلة محرّمة مع فرض استحباب المسارعة بالنسبة الى الفريضة، و لكنّه غير معقول لأنّ المفروض كون مصلحة المسارعة غير لازمة الاستيفاء فكيف تصير النافلة حراما و أظهر الاحتمالات الخمسة هو الأخير «1».

فالأقوى استحباب المسارعة الى الفريضة في ذلك الوقت، لا كراهة النافلة، و الفرق واضح.

و الحمد للّٰه ربّ العالمين، هذا آخر ما استفدته من أحكام الأوقات من مجلس بحث سيّدنا الأستاذ الأكبر المرجع الديني الأعظم البروجردي- قدّس سرّه- و ذلك في اليوم الواحد و العشرين من شهر شعبان المعظم سنة 1369 تسعة و ستين و ثلاثمائة بعد الألف من الهجرة النبويّة اللّهمّ صلّ على محمّد و آل محمّد.

______________________________

(1) هذا هو الذي أشار إليه- قدّس سرّه- في مقام بيان وجوه الجمع بين الأخبار بقوله: و سيأتي الجمع بوجه آخر أحسن من هذه الوجوه الثلاثة.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 362

فلنرجع الى بعض المباحث الراجعة إلى أصل الصّلاة
[في عدد ركعات النوافل]
اشارة

فنقول- بعون اللّٰه الملك العلام-: أنّه كما ذكرنا لا إشكال في وجوب الصلاة، بل هو من ضروريّات الدين و منكره كافر.

و لا إشكال أيضا و لا خلاف في كون فرائضها سبع عشرة ركعة في خمس صلوات.

و لا إشكال أيضا في استحباب النوافل بل و لا خلاف أيضا بين العامّة و انّما الخلاف في عدد ركعاتها و المشهور بين فقهاء الإماميّة بل صار إجماعا من زمن الرّضا عليه السلام في كونها احدى و خمسين ركعة.

و لا إشكال أيضا في أنّ نافلة الظهر ثمان ركعات على الأصح و نافلة العصر ثمان ركعات، و نافلة المغرب أربع ركعات، و نافلة الليل احدى عشر ركعة، و نافلة الغداة ركعتان.

(و بعبارة أخرى) لا اشكال و لا كلام في نافلة الليل و الغداة و الظهر و

المغرب ثبوتا و عددا و في نافلة العصر ثبوتا دون عددا، و في نافلة العشاء عددا دون ثبوتا.

نعم يستفاد من بعض الاخبار «1» كون نافلة العصر ست ركعات و نافلة المغرب اثنتان، و العشاء ليس له نافلة، و لكن تلك الرواية موافقة لأبي حنيفة في الحكم الأوّل و يحمل في الثاني على ارادة الاستحباب المؤكّد في ركعتين منها و في الثالث على أنّها ليست على حد سائر النوافل و كيف كان فقد استقرّ رأي علمائنا الإماميّة بعد زمن الرضا عليه

______________________________

(1) راجع الوسائل باب 14 من أبواب أعداد الفرائض ج 3 ص 42.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 363

الصلاة و السلام وفاقا لما يستفاد من رواية إسماعيل بن سعد و فضل بن شاذان «1» و غيرهما من أصحاب الرّضا عليه السلام، على كون النوافل احدى و خمسين ركعة على التفصيل الذي ذكرنا و يدل عليه الروايات المستفيضة بل المتواترة معنى بالنسبة إلى بعضها.

و هنا أمور
الأوّل لا اشكال على الظاهر في جواز انفكاك كل من نوافل الصلوات الخمس عن الآخر

بأن يأتي مثلا بنافلة الظهر دون نافلة العصر أو العكس أو يأتي بنافلة المغرب دون نافلة العشاء أو العكس أو يأتي بنافلة الليل دون نافلة الغداة و هكذا.

و ذلك لأنّ النوافل و ان وردت في عدّة من الأخبار بعنوان احدى و خمسين الّا أنّ كل واحدة منها أيضا قد وردت بعنوان مستقل كنافلة الظهر مثلا كذا، و نافلة العصر كذا و هكذا.

و لا إشكال أيضا على الظاهر في جواز إتيان نافلة الليل ثمان ركعات دون ثلاث الوتر، لظهور الأخبار في أنّ كل واحدة من الثمان و الثلاث متعلّقة للحكم مستقلّة و في جواز إتيان الوتر المفردة دون الشفع اشكال، و قد يؤيّد الجواز حديث شرائع الدين التي رواه سليمان بن مهران

الأعمش و فيها: و الشفع ركعتان و الوتر ركعة «2».

______________________________

(1) راجع الوسائل باب 13 حديث 11 و 22 و غيرهما من أبواب أعداد الفرائض.

(2) الوسائل باب 13 قطعة من حديث 25 من أبواب أعداد الفرائض ج 3 ص 41.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 364

و ما ورد في تفسير قوله تعالى (وَ الشَّفْعِ وَ الْوَتْرِ) أنّهما صلاتان «1»، لكن في إثبات الحكم بمثلها مشكل، نعم لا إشكال في جواز إتيان إحديهما دون الأخرى بما هي صلاة و قربان كل تقى و ان كان الأحوط إتيانها رجاء.

و هل يجوز الإتيان ببعض نافلة الظهر و العصر مثلا أم يشترط في كونها نافلة إتيان جميع ثمان ركعات؟ ظاهر الأدلّة الدالّة على أنّ نافلة الظهر ثمان ركعات مثلا كونها بأجمعها عبادة واحدة و انّما هي مأمورة بأمر واحد لا بأوامر متعدّدة بحيث يكون كل من الركعتين مأمورة بأمر مستقل و ما ورد بعض الروايات بالنسبة الى بعض الصلوات كالعصر و المغرب، قد سمعت وجهه، فلو أتى بالركعتين بعنوان النافلة بقصد عدم الإتيان بالباقي كان تشريعا محرّما.

(الثاني) قد ورد في الاخبار «2»، الترغيب بالتنفّل بين المغرب و العشاء أعني ساعة الغفلة

بمقتضى الاخبار فهل المراد نافلة المغرب عينا أم غيرها مصداقا كما أنّها غيرها مفهوما قطعا؟ و على الأوّل فهل بينهما عموم من وجه أم مطلق أم تباين أم تساوى؟

و الأظهر أنّها غيرها مصداقا و بينهما عموم و خصوص مطلق، لأنّ نافلة المغرب غير مقيّدة بقيد، و مطلق التنفّل أيضا غير مناف إتيانه بقصد النافلة، لأنّ الغرض من أخبار التنفّل عدم اخلاء ساعة الغفلة عن التنفّل

______________________________

(1) تفسير البرهان ج 4 حديث 3 ص 457 في أوائل تفسير قوله تعالى وَ الْفَجْرِ إلخ.

(2) راجع الوسائل باب 20 من أبواب بقيّة الصلوات المندوبة ج

5 ص 249.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 365

(الثالث) قد ورد في الأخبار «1»، الترغيب في الركعتين اللتين تسمّيان في الألسنة بالغفيلة،

و بركعتين أخريين تسمّيان بصلاة الوصيّة و انّ وقتاهما ما بين العشاءين و كان المراد ما بين وقت العشاءين لا نفس المغرب و العشاءين، و ما بين وقتيهما هو بعد إتيان المغرب في أوّل الوقت الى ذهاب الشفق و هو وقت فضيلة العشاء عندنا و وقت أجزائها عند العامّة.

و هل يكون المراد بالغفيلة و الوصيّة عين نافلة المغرب بحيث لو أتى بالنافلة أربع ركعات، لم يجز إتيانهما، و كذا لو أتى بهما لا بقصد النافلة فلا يجزى، أم يكون المراد بالغفيلة و الوصيّة عين نافلة المغرب أو يكون المراد أعمّ من ذلك؟ وجوه مبنيّة.

على أنّ قوله عليه السلام- في رواية هشام بن سالم على، ما عن كتاب المصباح للشيخ- عن أبى عبد اللّٰه عليه السلام قال: من صلّى بين العشاءين ركعتين يقرأ في الأولى الحمد و ذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغٰاضِباً (الى قوله تعالى) وَ كَذٰلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ و في الثانية الحمد و قوله تعالى وَ عِنْدَهُ مَفٰاتِحُ الْغَيْبِ (الى قوله) في كتاب مبين، و إذا فرغ من القراءة في الثانية رفع يده الى آخر الرواية «2».

هل أريد بما بين العشاءين ما بين المغرب فقط و العشاء من دون نافلة المغرب، أم المراد المغرب مع ما يتبعه شرعا من النوافل، أم أعم من ذلك؟

______________________________

(1) راجع الوسائل باب 20 حديث 2 ص 249 و باب 17 من أبواب بقيّة الصلوات المندوبة.

(2) الوسائل باب 20 حديث 2 من أبواب بقيّة الصلوات المندوبة.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 366

فعلى الأوّل يثبت الأوّل، و على الثاني، الثاني، و على الثالث الثالث، و الفرق بين هذه الثلاثة انّه (على

الأوّل) لا يجوز الإتيان بهما إذا اتى بالنافلة و لا يجوز إتيانهما أيضا إذا لم يقصد بهما نافلة المغرب (و على الثاني) يجوز إتيانهما مع النافلة و بعدها، لا قبلها (و على الثالث) يجوز الإتيان قبلها و معها و بعدها.

يمكن أن يقال بالأوّل بتقريب أن يقال: انّ قوله عليه السلام: (من صلّى ما بين العشاءين إلخ) إشارة إلى المعهود بين المسلمين من إتيانهم أربع ركعات بعنوان نافلة المغرب، غاية الأمر قد رغّب عليه السلام إتيانها بهذه الكيفيّة المخصوصة.

و هذا الوجه و ان كان قريبا من وجه الّا أنّه بعيد بالنظر الى ظاهر الرواية، فإنّ الآثار المترتّبة على صلاتي الغفيلة و الوصيّة غير الآثار المترتّبة على نافلة المغرب فإنّها في الأوّل قضاء الحاجة، أو كونه من المؤمنين أو المحسنين، أو لا يحصى ثوابه الّا اللّٰه كما في خبر صلاة الوصيّة و في الثاني تكميل الفرائض بحسب ما يعلمه اللّٰه من المصلّى من عدم إقباله على الصلاة في أفعال الصلاة و أقوالها، و اختلاف الأثر يدل على اختلاف المؤثّر كما هو ظاهر.

الّا أن يقال: انّ الأثر الخاص يترتّب على الكيفيّة المخصوصة لا على أصل الصلاة و هو خلاف الظاهر أيضا.

و الوجه الثاني أيضا خلاف ظاهر الخبر لأنّ العشاءين اسم لنفس المغرب و العشاءين لا لهما مع توابعهما كما لا يخفى.

فالأقرب حينئذ، الوجه الثالث، لكنّه قد يشكل بأنّه على تقدير إتيانه بركعتي الغفيلة مع قصد نافلة المغرب يلزم أن تكون هنا عبادة

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 367

مستقلّة باعتبار أنّها غفيلة و جزء عبادة باعتبار أنّها جزء نافلة المغرب بناء على ما سبق من أن نافلة كل صلاة اسم لجميعها.

و يمكن دفع الإشكال بأن العبادات المركّبة

كلّها كذلك، مثلا إذا اتى بركعتين من نافلة الظهر، فباعتبار أنّها صلاة مستقلّة، عبادة مستقلّة، و باعتبار أنّها جزء النافلة، جزء عبادة، و كذلك إذا كبّر للإحرام مثلا في الصلاة الواجبة أو المندوبة، فباعتبار أنّه تكبير، عبادة مستقلّة، و باعتبار أنّها جزء الصلاة جزء عبادة.

الّا أن يقال: انّه قياس مع الفارق، فإنّ المصلّي لا يكبّر في الصلاة بقصد التكبير و الجزئيّة، بل بقصد الثاني فقط بخلاف المقام فان المفروض أنّه يأتي لصلاة الغفيلة بقصد الغفيلة في ضمن النافلة فيشكل قصد التقرّب فإنّه إذا اتى بالركعتين بالكيفيّة المخصوصة بقصد النافلة فإنّ عنوان الغفيلة و ان لم يكن مأخوذا في لسان الدليل الّا أنّ النافلة تكون من ذوات العناوين القصديّة، فالآتي بالركعتين بقصد النافلة هل يقصد التقرّب بهذا الفعل الذي يكون عبادة مستقلّة أم بتلك النّافلة الّتي لا تتحقّق الّا بعد إتيان أربع ركعات.

فالأولى لمن يأتي نافلة المغرب بكيفيّة الغفيلة ان يأتي بها رجاء و بقصد مطلق المطلوبيّة.

(الرابع) هل يجوز أن يأتي نافلة العشاء قائما أم يتعيّن جالسا؟

الذي استقرّ عليه رأى المشهور، بل الإجماع إتيانها ركعتين من جلوس تعدّان بركعة من قيام.

يدل عليه أمور (الأوّل) الأخبار العامّة الدالّة على أنّ نافلة الليل و النهار احدى و خمسون ركعة، فلو كانت نافلة العشاء يؤتى بها قائما

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 368

لصارت اثنتين و خمسين، و احتمال عدّ نافلة العشاء و مطلقا تعد بركعة بعيد غليته.

(الثاني) الاخبار الخاصّة كخبر فضل بن شاذان، و خبر أحمد بن محمّد بن أبى نصر البزنطي عن الرّضا عليه السلام، و خبر هشام المشرقي، و خبر أبى عبد اللّٰه القزويني «1» و غيرها من الأخبار.

(الثالث) استقرار رأى الفقهاء رضوان اللّٰه عليهم أجمعين إلى زمن الشهيد الأوّل، فقد حكى عنه جواز

إتيانها قائما، بل قيل: ان قيامها أفضل استنادا الى بعض الروايات التي حملها على التقيّة طريق الجمع باعتبار أنّ بعض العامّة قد أفتى بعدم النافلة للعشاء و بعضهم بكونها أربع ركعات، و بعضهم بكونها ثمانية ركعات، و بعضها بكونها اثنتين من قيام، فكونها ركعتين من جلوس تعدّان بركعة من قيام، من متفرّدات الإماميّة، فالأخبار المخالفة لهذا المذهب محمولة على التقيّة كما لا يخفى.

هذا كلّه في الحضر، و أمّا في السّفر فالمشهور سقوط نافلة العشاء أيضا، و نسب بقائها على الاستحباب الى الشيخ (ره) في النهاية و الفاضل الآبي في كشف الرّموز «2» استنادا إلى رواية فضل بن شاذان عن الرّضا عليه السلام، الدالّة على عدم سقوطها تصريحا و هي و ان كانت ناصّة دلالة إلّا انّ في سندها تأمّلا كما لا يخفى.

______________________________

(1) راجع الوسائل باب 13 حديث 2، 3، 7، 23، 25، و باب 29 حديث 6، 7، 9 من أبواب أعداد الفرائض و نوافلها ج 3 ص 30 و 31.

(2) لكن في كشف الرموز ج 1 ص 126- بعد نقل القول بالتخيير عن النّهاية-: فالأظهر السقوط (انتهى) و لعل نسخة الناسب كان فيها: عدم السقوط.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 369

و كيف كان فقد نسب ذلك الى ابن فهد تلميذ الشهيد، و نسب أيضا الى صاحب المدارك و شيخه المحقّق الأردبيلي (رحمهما الله) لو لا ضعف رواية رجاء بن أبى الضّحاك و مخالفة الإجماع و لكن لم نجد ذلك في رواية ابن أبى الضّحاك، و تردّد بعض الفقهاء.

و كيف كان فمقتضى الأخبار الدالّة على أنّ الصلاة في السفر ركعتان لا شي ء قبلها، و لا بعدها أو لا يكون قبلها و لا بعدها شي ء

و كذا قوله عليه السلام: يا بنى لو صلحت النافلة في السفر تمّت الفريضة، سقوطها.

بل عن الفقه الرضوي: كل ما لا تقصير فيه فلا يسقط نافلتها، و كل ما فيه تقصير يسقط نافلتها «1».

الا ان يمنع كون الوتيرة نافلة بمقتضى رواية الفضل بن شاذان كما أشرنا إليه، لكنّه ممنوع، لاشتمال كثير من الأخبار على كونها نافلة مع ذهاب الأكثر إلى كونها نافلة كما يلوح ذلك من عبائرهم بأنّ نافلة الليل و النّهار احدى و خمسون ركعة، أو انّ نافلة المغرب أربع ركعات، سقوطها.

و الظاهر سقوط الأربع الركعات أيضا الزائدة على نافلة سائر الأيّام يوم الجمعة، لإطلاق الأخبار بسقوط النوافل النهاريّة الشامل لها أيضا.

______________________________

(1) الفقه المنسوب الى الرّضا عليه السلام باب صلاة المسافر و المريض ص 160 طبع مؤسّسة آل البيت عليهم السلام و لكن عنده الكتاب هكذا: و إذا سافرت في هذه الوجوه وجب عليك التقصير و ان كان غير هذه الوجوه وجب عليك الإتمام (انتهى).

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 370

و هل تسقط النافلة في أماكن التخيير مطلقا أم لا مطلق أم التفصيل بين إرادة الإتمام فلا و ارادة القصر فتسقط؟ وجوه بل أقوال.

نقل الشيخ ابن نما «1»، عن أستاده الحلّي ثبوت النوافل مطلقا و يمكن أن يستفاد ذلك من مكاتبة على بن مهزيار الى أبى جعفر الجواد عليه السلام في سؤاله عن الإتمام و القصر في الحرمين و جوابه عليه السلام بقوله: فأنا أحب لك إذا دخلتها أن لا تقصّر و تكثّر فيها من الصّلاة «2» بناء على حمل قوله عليه السلام: (و تكثّر) على الكثرة العدديّة لا الكيفيّة فيكون عطفا تفسيريّا بقوله: (و لا تقصّر).

و كذا الأخبار «3» الدالّة على جواز

التطوّع- و لو كان مسافرا- في أماكن التخيير.

______________________________

(1) نجيب الدين أبو إبراهيم محمّد بن جعفر بن أبى البقاء هبة اللّٰه بن نما بن على بن حمدون الحلّي شيخ الفقهاء في عصره أحد مشايخ المحقّق الحلّي و الشيخ سديد الدين والد العلامة، و السيّد أحمد رضي الدين ابني طاوس، قال المحقّق الكركي (ره): و أعلم مشايخه بفقه أهل البيت الشيخ الفقيه السعيد الأوحد محمّد بن نما الحلّي، و أجل أشياخه الامام المحقّق قدوة المتأخّرين فخر الدين محمّد بن إدريس الحلّي العجلي برّد اللّٰه مضجعه (انتهى) يروى عن الشيخ محمّد بن المشهدي و عن والده جعفر بن نما عن ابن إدريس و عن أبيه هبة اللّٰه بن نما و غير ذلك توفّى بالنّجف الأشرف سنة 665 (الكنى المحدث القمّي) ج 1 ص 428.

(2) راجع الوسائل باب 25 حديث 4 من أبواب صلاة المسافر ج 5 ص 544.

(3) راجع للوسائل باب 26 من أبواب صلاة المسافر ج 5 ص 552.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 371

الّا أن يقال: انّ المراد من التطوّع غير النافلة المعهودة، و يبعّده انّ التصريح بجواز التطوّع بقوله عليه السلام: (تطوّع عنده (قبر الحسين) و أنت مقصر ما شئت و في المسجد الحرام و في مسجد الرسول) يقتضي أن يكون نظره عليه السلام الى تلك النوافل لإتمام الصلاة و قصرها.

و يمكن أن يقال أيضا: ان مقتضى قوله عليه السلام: (يا بنىّ لو صلحت النافلة لتمّت الفريضة) عدم سقوطها، لأنّ المراد من قوله عليه السلام: (لتمّت)، (لصلحت) و المفروض صلاحيّة الفريضة للإتمام في الأماكن الأربعة، لكنّه خلاف ظاهر قوله عليه السلام: (لتمّت) فانّ الظاهر (لتمّت) معيّنا لا مخيّرا بينه و بين القصر، و اللّٰه

العالم.

و حيث انجرّ الكلام الى سقوط النوافل في السفر ناسب أن نذكر نبذة من أحكام صلاة المسافر و بيان شرائط السفر و كيفيّة تحقّقه.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 373

صلاة المسافر
اشارة

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 374

[صلاة المسافر] فنقول: بعون اللّٰه الملك العلّام

يتحقق السفر الشرعي بشروط
(الأوّل) المسافة
اشارة

بإجماع جميع علماء الإسلام و ان اختلفوا في مقداره.

قال العلّامة رحمه اللّٰه تعالى- في (المنتهى): ذهب علمائنا أجمع إلى أنّ المسافة شرط للقصر و هو قول عامّة أهل العلم و انّما وقع التشاجر في تقدير المسافة فالذي ذهب إليه علمائنا أنّه أربعة و عشرون ميلا مسيرة يوم تامّ ثمانية فراسخ بريدان، و هو احدى الروايتين عن ابن عبّاس، و به قال الأوزاعي، و به قال عامّة العلماء، و به نأخذ، و قال الشافعي في الأمّ و الإملاء ستّة و أربعون ميلا بالهاشمي «1»، و قال في النويطى: ثمانية و أربعون ميلا مسيرة يومين قاصدين «2» سير النعل و قال في موضع من النويطى: مسيرة يوم و ليلة، و قال في القديم: يقصّر في ما جاوز أربعين ميلا، و قال في موضع: أربعة برد، و البريد أربعة فراسخ و قال أبو حنيفة و الثوري: لا يقصّر إلّا في ثلاث مراحل أربعة و عشرين فرسخا، و به قال ابن مسعود و سعيد بن جبير و النّخعي، و قال مالك و أحمد و إسحاق و أبو ثور: ثمانية و أربعين ميلا، و قال داود يقصّر في قليل السفر و كثيره، و قال الزّهري: يقصّر في ثلاثين ميلا (انتهى موضع

______________________________

(1) بالميل الهاشمي الذي صنعه بنو أميّة باسمهم ثمّ بدله بنو هاشم المراد بهم بنو عبّاس و قالوا لأنّ الحديث هاشمي، راجع الوسائل باب 2 حديث 13 ج 5 ص 497.

(2) يعنى يومين مقتصدين.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 375

الحاجة من كلامه زيد في علوّ مقامه).

و يدل على اعتبار المسافة- قبل الإجماع- قوله

تعالى:

وَ إِذٰا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنٰاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلٰاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنَّ الْكٰافِرِينَ كٰانُوا لَكُمْ عَدُوًّا مُبِيناً «1».

نعم المسافرة إلى أربعة فراسخ هل تكون موجبة للقصر مطلقا أو الإتمام مطلقا أو القصر لمريد الرجوع ليومه و الإتمام لغيره أو التخيير أو يكون مخيّرا من أوّل الأمر؟ أقوال تبلغ ثمانية.

(الأوّل) تعيّن القصر مطلقا نسب إلى الكليني (ره) لاقتصاره في الكافي على نقل أخبار أربعة فراسخ، و عن الحدائق نسبته الى بعض المتأخرين.

(الثاني) تعيّن الإتمام مطلقا لم يوجد مصرّح به، لكن يلوح ذلك من الكافي للحلبي، و ابن زهرة إذ ذكرا في كتابيهما (الكافي- الغنية) «2» أنّ السفر الموجب للقصر بريدان، و عن الماحوزيّة أنّه نسب ذلك الى الأكثر.

(الثالث) التخيير بينهما نسبه أيضا الى الكليني (ره) قيل:

و يظهر من التهذيب، و هو خيرة الروض و المدارك و المنتقى لصاحب المعالم.

(الرابع) تعيّن القصر مطلقا ان أراد الرجوع ليومه، و من لم يرد الرجوع ليومه تعيّن الإتمام، قيل: يظهر ذلك من عبارة العماني المحكيّة في المختلف «3».

______________________________

(1) سورة النّساء، آية 101.

(2) من قوله فيها- عند تعداد من وجب عليه التمام-: أو كان سفره أقل من بريدين و هما ثمانية فراسخ (انتهى).

(3) و قال ابن أبى عقيل: كل سفر كان مبلغه بريد ان و هو ثمانية فراسخ أو بريد ذاهبا و جائيا و هو أربعة فراسخ في يوم واحد أو ما دون عشرة أيّام فعلى من سافره عند آل الرّسول عليهم السلام إذا خلف حيطان مصره أو قريته وراء ظهره و غاب عنه منها صوت الأذان أن يصلّى صلاة السفر ركعتين (المختلف ص 162).

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 376

(الخامس) تعيّن القصر

لمن أراد الرّجوع مطلقا و تخيّر غيره بين الإتمام و القصر لم نجد قائله.

(السادس) التخيير لمن أراد الرجوع ليومه و تعيّن الإتمام لمن يرد الرّجوع ليومه.

(السابع) تعيّن القصر لمن أراد الرّجوع ليومه و تعيّن الإتمام لمن لم يرد الرّجوع ليومه، نسب ذلك الى المرتضى و ابن إدريس و ابن أبى المجد الحلبي و أكثر المتأخّرين.

(الثامن) تعيّن القصر لمن أراد الرّجوع ليومه و التخيير لمن لم يرد الرّجوع ليومه، و هو مذهب أكثر القدماء.

و منشأ الاختلاف، اختلاف الأخبار و اختلاف فهمها و هي على أقسام ثلاثة.

(أحدها) ما يدل على أنّ السفر الموجب للقصر ثمانية فراسخ أو بريدان أو أربعة و عشرون ميلا مثل روايات محمّد بن مسلم، و عبد اللّٰه بن يحيى الكاهلي و رواية أبي أيوب و أبى بصير و سماعة و عيص بن القاسم، و ما رواه في العلل و العيون و الفقيه «1»، و رواية سليمان بن مهران الأعمش في حديث شرائع الدّين.

(ثانيها) ما يدل على اعتبار سير أربعة فراسخ فقط بريد- اثنى

______________________________

(1) راجع الوسائل باب 1 حديث 1 و 3 و 4 و 7 و 8 و 11 و 13 و 14 و 17 من أبواب صلاة المسافر ج 5 ص 490- 493.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 377

عشر ميلا مثل رواية زرارة، و زيد الشحام، و إسماعيل بن الفضل الهاشمي و زياد بن المنذر أبى الجارود، و عبد اللّٰه بن بكير، بناء على أنّ بين القادسيّة التي مورد السؤال فيها و بين الكوفة خمسة فراسخ تقريبا بضميمة عدم الخصوصيّة لخمسة فراسخ، و رواية ابن أبى بكير، عن أبي أيوب، و رواية محمّد بن يحيى الخزاز، عن بعض أصحابنا، عن

أبى عبد اللّٰه عليه السلام، و رواية إسحاق بن عمّار عن أبى الحسن عليه السلام «1».

(ثالثها) ما يدل على أنّ أربعة الذهاب إذا انضمّ إلى أربعة الإياب يصير المجموع ثمانية فيجوز حينئذ القصر مثل رواية معاوية بن وهب و سليمان بن حفص المروزي و إبراهيم بن هاشم عن رجل، عن صفوان عن الرضا عليه السلام و محمّد بن مسلم و ما رواه في العلل عن الفضل بن شاذان عن الرّضا عليه السلام و ما رواه الحسن بن شعبة في تحف العقول عنه عليه السلام في كتابه إلى المأمون «2».

وجه الجمع أنّ الظاهر وقوع التعارض بين القسمين الأولين حيث أنّ الأوّل ظاهر في دخله في المسافة الامتداديّة و الثاني على كفاية التلفيقيّة فيمكن الجمع بينهما بحمل الأوّل على تعيّن القصر و الثاني على التخيير، و هذا بعيد مخالف للأخبار الدالّة على وجوب القصر معينا.

فالأولى بل المتعيّن بقرينة القسم الثالث حمل الثاني على كفاية التلفيق في المسافة بمعنى أنّه يكفي قصد البعد عن منزله بقدر أربعة

______________________________

(1) راجع الوسائل باب 2 حديث 1 و 3 و 5 و 6 و 10 و 11 و 13 و 14 من أبواب صلاة المسافر ج 5 ص 494 الى ص 501.

(2) راجع الوسائل باب 2 حديث 2 و 4 و 8 و 9 و 18 و 19 من أبواب صلاة المسافر ج 5 ص 494 الى ص 499.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 378

فراسخ مع قصده للعدد في الجملة على تفصيل يأتي إن شاء اللّٰه تعالى.

هنا أمور لا بدّ من ذكرها
الأمر الأوّل هل يعتبر في المسافة الملفّقة أن يكون الذهاب أربعة فراسخ

فما زاد و الإياب أيضا كذلك أم يعتبر ذلك في الذهاب فقط دون الإياب أم لا يعتبر في واحد منها، بل المعتبر كون

المسافة الملفّقة ثمانية فراسخ بأي وجه اتّفق؟

الظاهر هو الوسط، لأنّ الأقسام الثلاثة المذكورة من الأخبار مشتركة كلها في اعتبار أربعة فراسخ، غاية الأمر في القسم الأوّل مع زيادة أربعة أخرى ذهابا امتداديّة (و بعبارة أخرى) أخبار الثمانية متضمّنة لحكمين (أحدها) اعتبار ثمانية فراسخ (ثانيهما) كونها امتداديّة و أخبار أربعة فراسخ أيضا متضمّنة لأمرين (أحدهما) كونها موضوعة لوجوب أربعة فراسخ أيضا متضمّنة لأمرين (أحدهما) كونها موضوعة لوجوب القصر (ثانيهما) اعتبار كونها امتداديّة و أخبار القسم الثالث المشتملة على التلفيق شاهدة على رفع اليد عن ظهور القسم الأوّل بكلا شقيه، و عن أخبار القسم الثاني بالنسبة إلى الحكم الأوّل أعني دخالتها فقط في الموضوعيّة و أمّا اعتبار كونها امتداديّة بحيث لا تكفي الملفّقة فلا.

و الحاصل أنّه كلّما كان هناك خبران متعارضان و يكون شاهد جمع بينهما، فاللازم رفع اليد عنهما به فيما يتعارضان فيه لا عن كل ما يكونان ظاهرين فيه فلا تنافي بين الطّوائف الثلاث من هذه الحيثيّة.

فالأظهر اعتبار عدم كون الذهاب أقل من أربعة فراسخ.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 379

و أمّا عدم اعتبار كون الإياب أربعة فراسخ بل يكفى و ان كان أقل مع فرض كون المجموع ثمانية فراسخ كما هو مفاد القسم الثالث (و بعبارة اخرى) انّ التعليل الوارد في القسم الثالث تعليل لتتميم الثمانية بالإياب لا بالذهاب و الإياب كي يلزمه الاكتفاء بأي وجه حصلت.

(ان قلت) قد قرّر في الأصول أنّ الحكم إذا كان معلّلا بعلّة يكون تمام الموضوع لذلك الحكم، هو العلّة كما في قول القائل: لا تأكل الحامض، يكون ما هو تمام الموضوع لحرمة الرّمان، هو الحموضة، فكأنّه قال: لا تأكل الحامض، و ما نحن فيه من هذا القبيل،

لأنّه إذا علّل وجوب القصر عند ذهاب الأربعة بكونها تصير ثمانية بالإياب فكأنّه عليه السلام قال: الثمانية الملفقة موضوعة لوجوب القصر، و لازم ذلك، الحكم بلزوم القصر عند كون السير كذلك بأيّ وجه اتّفق.

(قلت): هذا غاية تقريب الوجه الثالث، لكنّه مدفوع بما ذكرنا من أنّ العلّة راجعة إلى تتميم الثمانية بالإياب فقط لا بأي وجه اتّفق.

مضافا الى فهم العرف من مجموع الأقسام الثلاثة ذلك كما لا يخفى فإن أخبار التلفيق لا دلالة فيها على لزوم كون الذهاب أربعة لا أزيد، فلو فرضنا أنّه سار ستّة فراسخ فامّا أن يكون الفرسخان الزائد ان على أربعة فراسخ جزءا لسيرة الذي يكون له دخل في حكم القصر، و أما ان لا يكون كذلك لا سبيل الى الثاني كما هو واضح و على الثاني، فاما ان يعتبر في الإياب قدر الذهاب أعني الأربعة فقط أو المتمّم للثمانية، فعلى الأوّلين يلزم أن يكون موضوع القصر اثنى عشر فرسخا أو عشرة فراسخ، و هو باطل قطعا للإجماع على خلافه، فالمتعيّن هو الثالث، و هو ما ذكرنا من عدم اعتبار كون الإياب أربعة فراسخ، بل المعتبر كونه متمّما للثمانية.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 380

الأمر الثاني هل يعتبر في المسافة الملفقة الرّجوع ليومه

أم يكفي الرجوع قبل عشرة أيّام؟ إطلاق الأخبار يقتضي عدم الاعتبار في بدو النظر، بل لم نجد في الكتب المدوّنة لاستنباط الأحكام من أخبارها خبرا دالا على اعتبار الرّجوع ليومه.

بل يستفاد من عدّة أخبار دالّة على عدم اعتبار الرّجوع ليومه، مثل ما ورد في وجوب القصر على الحاج من أهل مكّة إذا ذهب الى عرفات «1» مع أنّ الذاهب لا يرجع ليومه قطعا هذا.

و لكن مع ذلك قد ذهب جماعة من القدماء الى اعتباره كالسيّد المرتضى

و ابن إدريس، بل يمكن نسبته الى شيخ الطّائفة أيضا فإنّه اعتبر في وجوب القصر كون الذهاب أربعة فراسخ، نعم لو لم يرجع تخيّر بين القصر و التمام، و على هذا يمكن اسناد هذا القول الى جلّ العلماء.

و ذهب ابن أبى عقيل الى وجوب القصر و ان لم يرجع ليومه، بل نسبه الى آل الرّسول صلّى اللّٰه عليه و آله و اختاره جملة من المتأخّرين.

و يمكن أن يستدل له بإطلاق أخبار القسم الثالث المتقدّم المعلّلة بأنّه إذا رجع يصير المجموع ثمانية من غير تقييد بالرّجوع ليومه و بالروايات الدالّة على أنّ الخارج الى عرفات من أهل مكّة يجب عليه التقصير، كرواية معاوية بن عمّار المنقولة بثلاث طرق، و رواية إسحاق بن عمّار و رواية الحلبي

______________________________

(1) راجع الوسائل باب 3 حديث 1 و 2 و 3 و 5 و 6 و 8 و 9 و 12 من أبواب صلاة المسافر ج 5 ص 499.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 381

و مرسلة المفيد «1».

و يرد (على الأوّل) أنه يمكن حمل القسم الثالث على تنزيل المسافة التلفيقيّة منزلة الامتداديّة أو كونه مفسرا و مبيّنا لأخبار الثمانية فمع احتمال الوجهين لا معيّن للحمل على الثاني.

(و على الثالث) أوّلا بأنّ التأمّل في الرواية يقتضي حملها على القسم الثالث الدال على كون المسافة أربعة فراسخ لا غير، نعم بعد جمعه مع القسم الأوّل و الثالث بحمله على الملفقة يمكن أن يستدل بإطلاق أخبار مكّة بالنسبة إلى الرّجوع ليومه، بل صريح بعضها.

(و ثانيا) انّ أهل مكّة لا يتعيّن أن يكون المراد منهم هم الساكنون و القاطنون في خصوص بلدة مكّة (شرّفها اللّٰه تعالى) بل أعم منهم، بل يمكن أن يقال

بصراحة بعض الأخبار بإرادة غير أهلها الخاص بقرينة قوله عليه السلام: (فإذا زاروا و رجعوا الى منازلهم أتمّوا الصلاة و ان لم يدخلوا منازلهم قصّروا) «2» فلو كان المراد خصوصهم لما كان لقوله عليه السلام: (زاروا و رجعوا) معنى كما لا يخفى.

و أمّا الاستدلال بصحيحة زرارة الدالّة على أنّ الرسول صلّى اللّٰه عليه و آله صلّى قصرا بعرفات و كذا أبو بكر و عمر في زمن خلافتهما و كذا عثمان إلى مدة ستة سنين من خلافته ثمّ أتم مع الناس صلاة الظهر ثم تمارض و أمر عليّا عليه السلام بالإتمام مع الناس لصلاة العصر و أبى

______________________________

(1) راجع الوسائل باب 3 حديث 1، 2، 4، 5، 6، 8، 12 من أبواب صلاة المسافر ج 5 ص 499 الى 502.

(2) الوسائل باب 3 حديث 4 من أبواب صلاة المسافر ج 5 ص 500.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 382

عليه السلام الا أن يقصّر، ثم صلّى عثمان العصر كذلك، ثم صلّى معاوية صلاة الظهر في سنة الحج مع الناس قصرا فشنع الناس على معاوية حتى صلّى العصر تماما كما صلّى عثمان تماما بعد ست سنين «1».

فخارج عمّا نحن فيه لأنّ هذه الصحيحة تدل على أصل لزوم القصر في مقابل العامّة القائلين بالتخيير بين القصر و الإتمام لا على كون القصر واجبا على من سافر أربع فراسخ و لم يرجع ليومه.

و يؤيّد ما ذكرنا أنّ الرسول صلّى اللّٰه عليه و آله قد صلّى مع الناس و هم قد أتوا من أطراف العالم لا يختص بمن أتى عرفات من مكّة.

و توهّم أنّه صلّى اللّٰه عليه و آله يمكن أن يكون قاصدا للإقامة في مكّة فيكون كالمتواطئ فيثبت المطلوب

(مدفوع) بمخالفته بما نقل عن التواريخ من أنّه صلّى اللّٰه عليه و آله قد سافر لحجّة الوداع في شهر ذي القعدة و قد بقي منه أربعة أيّام و نزل مكّة في ذي الحجّة و قد مضت منه أربعة أيّام، ثم ارتحل يوم التروية و بعد إتيان أعمال الحج ارتحل من منى و قد مضت من ذي الحجّة ثلاثة عشر يوما إلى الأبطح و الحجّة التي صلّى فيها مع الناس قد أمر بذلك ليتعلّموا مناسكهم منه صلّى اللّٰه عليه و آله «2».

نعم هنا روايتان (إحديهما) مصرّحة بعدم اعتبار الرجوع ليومه و الأخرى بترك الاستفصال يستفاد منها ذلك.

فالأولى ما رواه محمّد بن يعقوب الكليني (ره)، عن عدّة من

______________________________

(1) لاحظ الوسائل باب 3 حديث 9 من أبواب صلاة المسافر، ج 5 ص 500

(2) ان أردت تفصيل هذا الإجمال فراجع الوسائل باب 2 من أبواب أقسام الحج حديث 4 ج 8 ص 150.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 383

أصحابنا، عن أحمد بن محمّد البرقي، عن محمّد بن أسلم الطبري، عن صباح الحذاء، عن إسحاق بن عمّار، قال: سألت أبا الحسن موسى بن جعفر عليهما السلام عن قوم خرجوا في سفر فلمّا انتهوا الى الموضع الذي يجب عليهم فيه التقصير قصّروا من الصّلاة، فلمّا صاروا على فرسخين أو على ثلاثة فراسخ أو على أربعة تخلّف عنهم رجل لا يستقيم لهم سفرهم الا به فأقاموا ينتظرون مجيئه إليهم و هم لا يستقيم لهم السفر إلا بمجيئه إليهم فأقاموا على ذلك أيّاما لا يدرون هل يمضون في سفرهم أو ينصرفون، هل ينبغي لهم أن يتمّوا الصلاة أو يقيموا على تقصيرهم؟ قال: ان كانوا بلغوا مسيرة أربعة فراسخ فليقيموا على تقصيرهم،

أقاموا أم انصرفوا، و ان كانوا ساروا أقلّ من أربعة فراسخ فليتمّوا الصلاة- ما أقاموا فإذا انصرفوا- قاموا أو انصرفوا، فإذا مضوا فليقصروا «1».

و هذه كما ترى صريحة فيما قلنا بقرينة قول السائل: (فأقاموا على ذلك أياما إلخ)، و كذا قوله عليه السلام في الجواب: (إذا كانوا بلغوا مسيرة أربعة فراسخ فليتمّوا الصلاة أقاموا أم انصرفوا إلخ).

و الثانية، ما رواه الشيخ (ره)، بإسناده، عن أحمد بن محمّد، عن الحسن بن محبوب، عن أبى ولاد، قال: قلت لأبي عبد اللّٰه عليه السلام انى كنت خرجت من الكوفة في سفينة إلى قصر ابن هبيرة و هو من الكوفة على نحو من عشرين فرسخا في الماء فسرت يومى ذلك أقصر للصلاة ثم بدا لي في الليل الرجوع الى الكوفة فلم أدر أصلّي في رجوعي بتقصير أم بتمام.

و كيف كان ينبغي أن أصنع؟ فقال: ان كنت سرت في يومك الذي

______________________________

(1) الوسائل باب 3 حديث 10 من أبواب صلاة المسافر ج 5 ص 501.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 384

خرجت فيه بريدا فكان عليك حين رجعت أن تصلّى بالتقصير لأنّك كنت مسافرا الى أن تصير الى منزلك، قال: و ان كنت لم تسر في يومك الذي خرجت فيه بريدا فان عليك أن تقضى كل صلاة صلّيتها في يومك ذلك بالتقصير بتمام من قبل أن تؤم من مكانك ذلك، لأنك لم تبلغ الموضع الذي يجوز فيه التقصير حتى رجعت، فوجب عليك قضاء ما قصّرت و عليك إذا رجعت أن تتمّ الصلاة حتى تصير الى منزلك «1».

و هذه و ان كانت دالّة صدرا على فرض الرجوع في ليلة ذلك اليوم فلم تكن البيتوتة فاصلة كما يظهر من قول السائل: (ثم

بدا لي في الليل الرجوع إلخ) الّا أن الجواب بقوله عليه السلام: (فكان عليك حين رجعت أن تصلّى بالتقصير) شامل بعمومه لمريد الرجوع ليومه و غده.

و يرد على الأولى ضعف السند، فإن أحمد بن محمّد بن خالد البرقي و ان كان بنفسه ثقة الّا أنّه اشتهر منه انّه يروى عن الضعفاء و يعتمد المراسيل من غير نكير.

و عن النجاشي أن محمّد بن أسلم الطبري الجبلّي يقال: أنّه كان غالبا فاسد المذهب، و عن الخلاصة (للعلّامة) يقال: أنّه كان غالبا فاسد الحديث، و عن ابن داود أنّه يرمى بالغلوّ، و في رجال المامقاني نسبة تضعيفه الى الوجيرة (للمجلسي)، و عن الحاوي «2» أنّه من

______________________________

(1) الوسائل باب 5 حديث 1 من أبواب صلاة المسافر ج 5 ص 504.

(2) للشيخ عبد النبي بن الشيخ سعد الجزائري الغروي الحائري المتوفّى (1021) كما أرّخه الشيخ البهائي في بعض فوائده المطبوع في أوائل رجال المامقاني و ذكر أنّه توفّي في قرية بين أصفهان و شيراز و قبره الان بشيراز الذريعة ج 6 ص 237.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 385

الضعفاء و كان ضعفه مسلّما عندهم.

و أمّا صبّاح الحذّاء فان كان متّحدا مع صباح بن صبيح الحذّاء يكون موثقا و الّا فمجهول و يؤيّد الاتّحاد اتّحاد الراوي عنهما و هو عيسى بن هشام على ما حكى.

و كيف كان فهذه الرواية لم تصل الى حدّ الحجيّة كي تعارض سائر الأدلّة.

و أمّا الثانية فهي لا تقاوم في الحكم المخالف لجلّ القدماء القائلين بالتخيير أو الإتمام معيّنا، بل هي- ان دلّت على التقصير- بمنزلة العام أو المطلق مخصوصة أو مقيّدة بما في الفقه الرضوي بناء على اعتباره كما عن المحقق المجلسي رحمه اللّٰه

عليه، استنادا إلى موافقة أكثر فتاواه لفتاوى الشيخ على بن بابويه «1» القمّي والد الصدوق عليهما الرحمة في رسالته التي يرجع إليها الأصحاب عند إعواز النّصوص «2» و كذا اعتماد السيّد المرتضى عليه الرحمة عليها كما يظهر من جواب مسائل الموصليات الثانية «3»، و قد سئل عن جواز الاعتماد على الفقه الرضوي و كتاب التكليف للشلمغانى، فأجاز العمل على الفقه الرضوي و تأمّل في

______________________________

(1) و كانت هذه الرسالة موجودة عند العلامة كما يظهر من نقله في المختلف منها- اللهم اغفر لنا جميعا.

(2) كما ذكر الشهيد في الذكرى.

(3) في رجال المامقاني (ره) (عند تعداد كتب علم الهدى): و المسائل الموصوليّة الأولة الثلاثة و هي المسألة في التوحيد، و المسألة في القياس و إبطاله و المسألة في الاعتماد و له مسائل أهل الموصل الثانية و له مسائلهم الثالثة ج 2 ص 284.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 386

كتاب الشلمغاني-:

فإن كان سفرك بريدا واحدا و أردت أن ترجع من يومك قصرت، لان ذهابك و مجيئك بريدان (الى أن قال): و ان سافرت الى موضع مقدار أربعة فراسخ و لم ترد الرجوع من يومك فأنت بالخيار، فإن شئت أتممت، و ان شئت قصرت «1».

فالحكم بعد اعتبار الرجوع ليومه لأجل تلك الرواية (رواية أبي ولاد) مع احتمال تخصيصها بما ذكرنا من الفقه الرضوي و مخالفتها للمشهور، مشكل.

كما رفع اليد عن الاخبار الكثيرة المستفيضة الغير المقيّدة في شي ء على اعتبار الرجوع ليومه مع تأييدها بفهم كثير من المتأخرين، لا يقصر عن الإشكال في مخالفة المشهور و قد يستدل أيضا لعدم اعتبار الرجوع ليومه في وجوب القصر، بما رواه للصدوق في الفقيه في الصحيح عن جميل بن درّاج، عن زرارة

بن أعين، قال: سألت أبا عبد اللّٰه عليه السلام عن التقصير؟ فقال: بريد ذاهب، و بريد جائي، و كان رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه و آله إذا أتى ذبابا «2» قصّر، و ذباب على بريد و انما فعل ذلك لأنّه إذا رجع كان سفره بريدين ثمانية فراسخ.

فعلّل عليه السلام وجوب القصر بكون المسير يصير ثمانية فراسخ فيتراءى ان مناط وجوب القصر كون المسير كذلك مطلقا من غير تقييد بكونه في يومين أو يوم واحد، بل ظاهر قوله عليه السلام: و كان رسول اللّٰه

______________________________

(1) الفقه الرضوي ص 159 الى 161 طبع مؤسسة آل البيت عليهم السلام

(2) الذباب أيضا نكتة في جوف حدقة الفرس (الى ان قال): و جبل بالمدينة (القاموس).

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 387

صلّى اللّٰه عليه و آله إذا أتى ذباب قصّر إلخ أنّ ذهابه كان متكررا منه صلّى اللّٰه عليه و آله بقرينة لفظة (كان)، و يبعد رجوعه صلّى اللّٰه عليه و آله ليومه كلّما ذهب اليه كما لا يخفى.

مضافا الى أنّه كما يكون قوله عليه السلام: (ثمانية فراسخ) ظاهرا في إرادة السير المتّصل كذلك يكون قوله عليه السلام: (بريد، ذاهب، و بريد جائي) ظاهرا في السير المتّصل، و كذا جميع روايات التلفيق.

و لعلّ هذا هو السّر في التعبير في بعض الروايات- في مقام التحديد في الجمع بينهما- بقوله عليه السلام: (بريدان ذاهبا أو بريد ذاهبا و بريد جائيا) يراد به أنّ السفر الموجب للقصر أمّا ثمانية فراسخ ممتدة طولا أو أربعة ممتدّة إلى الإياب، فحينئذ كما لا يعتبر في سير ثمانية فراسخ أن يكون في يوم واحد، فكذا في الملفقة، و كما لا يرفع اليد عن ظهور كون السير في

ثمانية متّصلا فكذا لا يرفع اليد عن ظهوره فيه في الملفقة، هذا.

و لكن قد تعارض هذه الرواية موثّقة محمّد بن مسلم- لوجود حسن بن على بن فضال- عن أبى جعفر عليه السلام، قال: سألته عن التقصير، قال: في بريد، قلت: في بريد؟ قال: انّه إذا ذهب بريدا و رجع بريدا فقد شغل يومه «1».

فإنّها ظاهرة ذيلا أنّ المعتبر في التلفيق شغل اليوم فعلا، و المراد باليوم مقداره، و هذا لا ينافي ظهور قوله عليه السلام: (شغل) في الشغل الفعلي.

بل يمكن دعوى تقدّمها عليها بتقريب أن يقال: انّ صدرها دال

______________________________

(1) الوسائل باب 2 حديث 9 من أبواب صلاة المسافر ج 5 ص 496.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 388

على اعتبار البريدين و ذيلها على اعتبار الشغل الفعلي بانضمام اعتبار البريدين فيقيّد الصدر بالذيل بل يمكن أن يقال: أنّه لا إطلاق في الصدر أصلا لأنّ المتكلّم ما دام متشاغلا بالكلام له أن يلحق بكلامه ما شاء من اللواحق، فله أن يأتي بالمخصّص أو المقيّد.

و الاولى أن نذكر الوجوه التي يتصوّر بحسب الثبوت في هذه الرواية و نكل الترجيح إلى عهده الناظر.

فنقول- بعون اللّٰه تعالى-: أنّه لا إشكال في أن سؤاله بمقتضى الظاهر في مقدار المسافة التي بها يجب على المسافر التقصير فأجاب عليه السلام: بأنّه بريد.

فقول الراوي: (قلت في بريد) اما أن يكون تعجّبا من قلّة المسافة في مقابل العامّة القائلين بمرحلتين أو ثلاث مراحل.

أو يكون تعجّبا من أنّه عليه السلام كيف أجاب بأنّه في بريد مع أنّ المنقول عن الأئمّة عليهم السلام أنّه في بريدين.

أو يكون تعجّبا من أنّ البريد لا يكون بمقدار مسير يوم أو بياض يوم كما قد سمعه من المسلمين أو

المنقول عنهم عليهم السلام ذلك أيضا.

أو يكون تعجّبه من أنّ البريد لا يشتمل على واحد من مسير يوم أو بياض يوم مع أنّ المنقول عنهم عليهم السلام اعتبار كليهما كما في بعض الروايات.

أو يكون تعجّبه من أنّه عليه السلام كيف لم يجب باعتبار شغل اليوم مع أنّ المعتبر ذلك.

قد يقال بتعيّن الأخير، لأنّ مساواة المحذوف للمذكور أولى من الاختلاف و المفروض أنّ المذكور شغل اليوم فكأنّه عليه السلام أجاب بأن

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 389

شغل اليوم، و كل شغل اليوم يوجب التقصير في المسافة التلفيقيّة فهذا يوجب التقصير في المسافة التلفيقيّة.

و يمكن أن يجاب بأنّ غاية هذا أن يدل على أنّ الشغل الفعلي موجب للتقصير و لا يدل على اعتباره فيه، اللهم الّا أن يقال: يكفى عدم الدليل، لأنّ الأحكام توقيفيّة، نعم لو تمّ التمسّك بالعمومات لكفى دليلا و ان كان في تماميّته أيضا إشكال، لأنّها واردة في مقام تعيين أصل المسافة و أمّا خصوصيّتها فلا.

و كيف كان فلا دليل على تعيين الوجه الأخير، بل الأظهر هو الوجه الأوّل، لأنّ المعروف في ذلك الزمان بين المسلمين كون المسافة مرحلتين أو ثلاث مراحل، فأجاب عليه السلام بأنّ التقصير في بريد فتعجّب الرّاوي بأنّه كيف يكون بريدا مع انّ المسافة قليلة جدّا فأجاب عليه السلام بأنّه إذا ذهب بريدا و رجع بريدا فقد شغل يومه فلا يكون قليلا، بل يكون شاغلا لليوم.

و أمّا باقي الوجوه المتوسّطة فبعيدة (أمّا أوّلا) فبأنّ محمّد بن مسلم لم يرو رواية تدل على لزوم مسير اليوم أو بياضه أو شغل اليوم، بل لم يصل إلينا من طريق صحيح الى زمان الباقر عليه السلام دليل يدل على اعتبار اليوم أو

البريدين أو أربعة و عشرين ميلا أو بياض يوم، فكيف يكون ذهن محمّد بن مسلم مسبوقا الى هذه الأمور ليتعجّب من قول الباقر عليه السلام في تعيين الحدّ بقوله عليه السلام: (في بريد).

(و أمّا ثانيا) فلأنّ جميع الرّوايات التي تدل على اعتبار هذه الأمور قد رويت امّا عن الصادق عليه السلام كرواية عبد اللّٰه بن يحيى الكاهلي و أبى أيّوب و سماعة مرّتين و أبى بصير و عبد الرّحمن بن

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 390

الحجّاج «1»، و امّا عن الرّضا عليه السلام كرواية فضل بن شاذان و زكريا بن آدم على وجه «2» و على بن يقطين «3»، فكيف يتعجّب من شي ء لم يسمعه.

(و أمّا ثالثا) فلأنّه بعيد جدّا أن يعبر عن لزوم البريدين أو بياض يوم أو ثمانية فراسخ، بشغل اليوم فإنّه تعبير عن الملزوم باللازم بوسائط فإنّه يصير الكلام هكذا: يعتبر في وجوب التقصير بريدان ثمانية فراسخ و البريد ان أعمّ من الممتدّة و الملفّقة، و الملفّقة أعمّ من الرّجوع ليومه أم يومه، فإذا كان مريدا للرّجوع ليومه، فعبّر عن اعتبار بريدين بشغل اليوم، و هو كما ترى فحينئذ يكون جواب الامام عليه السلام تأسيسا جديدا لا إشارة إلى شي ء معهود.

(فان قلت): يلزم من ذلك أنّ الامام عليه السلام لم يأت أوّلا بجواب الرّاوي حقّ الجواب حيث قال عليه السلام: (في بريد) ثمّ سكت فلو لم يسأل الرّاوي ثانيا لم يعلم أنّ لشغل اليوم دخلا في الحكم.

(قلت): نعم و لكن يمكن أن يقال: أنّه عليه السلام امّا أن يكون عالما بأنّ محمّد بن مسلم يسأل ثانيا فحينئذ يكون بيان الحكم كذلك أولى من البيان الابتدائي من غير سؤال فإنّه يصير

بمنزلة العلّة، و أمّا

______________________________

(1) لاحظ الوسائل باب 1 حديث 3 و 4 و 5 و 7 و 11 و 15 من أبواب صلاة المسافر ج 5 ص 90.

(2) انّما قال: على وجه لأنّ قوله عليه السلام فيها: (التقصير في مسير يوم و ليلة) مجمل فيحمل على ارادة مقدار كل واحد منها لا المجموع

(3) راجع الوسائل باب 1 حديث 1 و 5 و 16 من أبواب صلاة المسافر ص 490 الى 493.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 391

أن لا يكون وقت حاجته فيجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة فتأمّل في الثاني.

و كيف كان فهذه الرّواية، بناء على ما قلنا من أظهريّة الوجه الأوّل من الوجوه المذكورة تكون مقيّدة للرّوايات التي تدلّ بإطلاقها على لزوم القصر و لو لم يرجع ليومه أيضا لا إشارة إلى تعيين مصداق الثمانية أو البريدين أو بياض اليوم أو أربعة و عشرين ميلا هذا.

و لكنّها معارضة لرواية إسحاق بن عمّار المتقدّمة «1» و ان كان سندها مخدوشا كما أوضحنا وجه الخدشة هناك، و لروايات صلاة أهل مكّة بعرفة «2» الدالّة صريحا بعدم اعتبار الرّجوع ليومه بعد ملاحظة الجمع بينها و بين القسم الثالث «3» الدال على أنّ المسافة الملفّقة أيضا توجب القصر و فيها عدّة صحاح.

بل يمكن أن يستدل أيضا على عدم اعتبار الرجوع ليومه بما رواه الشيخ رحمه اللّٰه بإسناده، عن أحمد بن محمّد، عن الحسن بن محبوب عن أبى ولاد، قال: قلت لأبي عبد اللّٰه عليه السلام: أنّى كنت خرجت من الكوفة في سفينة إلى قصر ابن هبيرة و هو من الكوفة على نحو من عشرين فرسخا في الماء فسرت يومى ذلك أقصّر الصلاة ثمّ بدا لي في

الليل الرجوع الى الكوفة فلم أدر أصلّي في رجوعي بتقصير أم بتمام و كيف كان ينبغي أن أصنع؟ فقال: ان كنت سرت في يومك الذي خرجت فيه بريدا فكان عليك حين رجعت أن تصلّى بالتقصير لأنّك كنت مسافرا الى أن تصير الى منزلك

______________________________

(1) راجع الوسائل باب 3 حديث 10 من أبواب صلاة المسافر.

(2) راجع الوسائل باب 3 من أبواب صلاة المسافر.

(3) لاحظ الوسائل باب 2 من أبواب صلاة المسافر.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 392

قال: و ان كنت لم تسر في يومك الذي خرجت فيه بريدا فانّ عليك أن تقضى كل صلاة صلّيتها في يومك ذلك بالتقصير بتمام من قبل أن تؤم من مكانك الحديث «1».

فإنّه عليه السلام- مع فرض السائل الرّجوع في ليلته لا يومه- حكم بوجوب القصر نعم في حكمه عليه السلام بالقضاء تأويلا و هو الحمل على الاستحباب أو يحمل على ما إذا وقع بعد الرّجوع عن قصد السفر في محل الرّجوع و الطريق كما حمله صاحب الوسائل (ره) «2».

و حاصل أصل البحث الى هنا أنّه لا إشكال في وجوب القصر إذا كان سيره ثمانية فراسخ ممتدّة أو ملفقة من دون تخلّل بيتوتة و فصل عرفا و الدليل ما تقدّم من القسم الأوّل و الثالث من أخبار الثمانية الممتدة و الملفّقة بعد حملها على ارادة الذهاب و الإياب متّصلا عرفا أو على القدر المتيقّن أو جعل رواية محمّد بن مسلم مقيّدة لإطلاقها.

و لا إشكال أيضا في وجوب الإتمام إذا ذهب بريدا مع إرادة تخلل أحد القواطع مثل إقامة عشرة أيّام أو المرور على الوطن أو غيرهما من القواطع.

و انّما الاشكال و الخلاف فيما إذا سار بريدا و لم يرد الرّجوع

أو أراد عدم الرّجوع ففيه أقوال أربعة:

(أوّلها) تعيّن القصر في الصلاة و الصوم ذهب اليه ابن أبي عقيل العماني

______________________________

(1) الوسائل باب 5 حديث 1 من أبواب صلاة المسافر.

(2) قال في الوسائل- بعد نقل الحديث و الأمر بالقضاء مخصوص بما وقع بعد الرّجوع عن قصد السفر في محل الرّجوع و الطريق أو محمول على الاستحباب لما مضى و يأتي (انتهى) ج 5 ص 505.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 393

على ما نقل عنه العلامة رحمه اللّٰه في المختلف «1» و الشيخ عماد الدين ابن أبي المجد الحلبي في إشارة السبق.

(ثانيها) تعيّن الإتمام في الصلاة و الصوم، ذهب اليه ابن إدريس في السرائر، و السيّد المرتضى، و المحقّق في المعتبر و العلّامة في المختلف و استظهره من كلام ابن البرّاج أيضا.

(ثالثها) التخيير في الصلاة و الصوم، ذهب اليه الشيخ محمد بن على بن بابويه و أبيه علىّ بن بابويه و الشيخ أبو جعفر الطوسي، و الشيخ المفيد رحمهم اللّٰه في الفقيه و النهاية، و المبسوط و الاستبصار و المقنعة.

(رابعها) التخيير بين القصر و الإتمام في الصلاة، و تعيّن الإتمام في الصوم على ما ذهب اليه الشيخ الطوسي في النهاية «2» على ما نقله العلّامة (ره) عنه.

(دليل الأول) مقتضى الجمع بين روايات الثمانية (القسم الأوّل) و الأربعة (القسم الثالث) مطلقا، و الأربعة ذهابا و الأربعة إيابا و جعل القسم الثالث مقيّدا للأوّلين، و حمل رواية محمد بن مسلم المتقدّمة المشتملة على قوله عليه السلام: (فقد شغل يومه) على ذلك أيضا.

(دليل الثاني) عدم دليل معتد به على جواز القصر في غير مريد

______________________________

(1) نقله عنه في الوسائل باب 3 حديث 14 ج 5 ص 502 ثم قال:

بعد

نقله: و كلام ابن أبى عقيل هنا حديث مرسل عن آل الرسول و هو ثقة جليل (انتهى).

(2) قال في النهاية و متى كان سفره أربعة فراسخ و لم يرد الرجوع فيه لم يجز له الإفطار، و هو مخيّر في التقصير في الصلاة حسب ما قدّمناه. (انتهى).

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 394

الرجوع ليومه و لاستصحاب التمام، و لصدق شغل اليوم فيه دون غيره.

(دليل الثالث) امّا مقتضى الجمع بين رواية عبد الرحمن بن الحجّاج، عن أبى عبد اللّٰه عليه السلام، قال: سألته عن التقصير في الصلاة فقلت له: انّ لي ضيعة قريبة من الكوفة و هي بمنزلة القادسيّة «1» من الكوفة فربما عرضت لي حاجة أنتفع بها أو يضرّني القعود منها في رمضان فأكره الخروج إليها لأني لا أدرى أصوم أو أفطر؟ فقال لي: فاخرج و أتمّ الصلاة و صم فانّى قد رأيت القادسيّة الحديث «2».

و رواية إسحاق بن عمّار المتقدّمة، و روايات سفر أهل مكّة الى عرفات «3» بعد الجمع بين الأقسام الثلاثة بما ذكرنا.

و امّا نكشف من الأدلّة بأنّ للّٰه تعالى في حكمه الواقعي حكمين لهذا المسافر، و الكاشف لجواز الإتمام رواية عبد الرحمن بن الحجّاج «4» و الكاشف بجواز القصر روايات سفر أهل مكة الى عرفات و منى بقرينة قوله عليه السلام كما في بعض تلك الأخبار: (ويحهم) المقول في مقام اللينة و اللطف لا في مقام اللزوم.

______________________________

(1) القادسيّة قرية قريبة من الكوفة إذا خرجت منها أشرفت على النجف (الى أن قال): و قال في المغرب: بينها و بين الكوفة خمسة عشر ميلا، و في المصباح القادسيّة قرية قريبة من الكوفة من جهة الغرب على طرف البادية على نحو خمسة عشر فرسخا

و هي آخر أرض العرب، و أول حدود سواد العراق (مجمع البحرين).

(2) الوسائل باب 14 حديث 4 من أبواب صلاة المسافر ج 5 ص 521.

(3) راجع باب 3 من أبواب صلاة المسافر.

(4) تقدّمت آنفا.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 395

لكن الإنصاف ان كلا الوجهين كما ترى.

(و كيف كان، لا اشكال من حيث الأخبار في قوّة قول المتأخرين و هو وجوب القصر عليه في المقام) أعنى لغير المريد للرّجوع ليومه أيضا، الّا أنّ ذهاب المشهور من القدماء بل يمكن دعوى الإجماع على خلاف المتأخرين.

نعم بعد الإجماع على عدم تعيّن القصر اختلفوا في أنّ الوظيفة التخيير مطلقا أم التفصيل بين الصلاة و الصوم فيه أو تعيّن الإتمام، و عدم تفطّنهم لتلك الرّوايات التي ذكرناها بعيدا جدّا.

و بالجملة فالمسئلة من قبيل الدوران بين المتباينين و مقتضى القاعدة في أمثالها الاحتياط بالجمع بين القصر و الإتمام و الصوم و قضائه.

الأمر الثالث قد ورد في بعض الأخبار- في مقام تحديد المسافة- التعبير بأمور

(الأوّل) ثمانية فراسخ (الثاني) أربعة و عشرين ميلا (الثالث) بريدان (الرّابع) بياض يوم أو مسيرة يوم.

فهل الاعتبار بنفس هذه الأمور أم هي كاشفة عن المسافة الواقعيّة و على الأوّل هل المعتبر حصول المجموع أو يكفي حصول كل منهما أم المناط كما عن الشهيد الثاني (ره) ثمانية فراسخ أم يقدّر بالأخير كما عن الشهيد الأوّل؟ وجوه بل أقوال.

و التحقيق أن يقال: انّ الموضوع لوجوب القصر أمر وحدانيّ لا اختلاف فيه بحسب الواقع و لكنّه حيث علم أنّ هذا الموضوع لا يحصل به

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 396

العلم غالبا جعل الشارع له علامات و أمارات كاشفة عنه فكل واحد من المذكورات كاشف عن ذاك الأمر الوحدانيّ الذي هو الموضوع في الحقيقة فلا تسامح في موضوع القصر كما

توهّم، بل التّسامح في الأمارات الدال عليه كل واحد منها بالنسبة إلى الآخر بمعنى أنّه يمكن أن يختلف مسيرة يوم مع ثمانية فراسخ أو أربعة و عشرين ميلا في كونه دالا على الواقع و ان اختلاف التعابير بحسب اختلاف الأشخاص و الأماكن.

________________________________________

بروجردى، آقا حسين طباطبايى، تقرير بحث السيد البروجردي، 2 جلد، دفتر انتشارات اسلامى وابسته به جامعه مدرسين حوزه علميه قم، قم - ايران، اول، 1416 ه ق

تقرير بحث السيد البروجردي؛ ج 2، ص: 396

فإنّ الفرسخ مثلا معرّب (پرسنگ) مأخوذ من لغة الفرس كانوا يضعون على كل مقدار من المسافة أحجارا ليكون علامة على أنّه فرسخ فان لفظة (پر) في لغة الفرس موضوعة للمجتمع فيكون معناه (پرسنگ) مجتمع الحجر، و كذا التعبير بالبريد باعتبار آخر و التعبير بالميل باعتبار ثالث.

قال ابن إدريس (ره) في السرائر: و البريد أربعة فراسخ، و الفرسخ ثلاثة أميال و الميل أربعة آلاف ذراع على ما ذكره المسعودي «1» في كتاب مروج الذهب، فإنّه قال: الميل أربعة آلاف ذراع بذراع الأسود

______________________________

(1) شيخ المؤرّخين و عمادهم أبو الحسن على بن الحسين بن على المسعودي الهذلي العالم الجليل الألمعي ذكره العلامة (ره) في القسم الأوّل من (الخلاصة) و قال: له كتاب في الإمامية و غيرها منها كتاب في إثبات الوصيّة لعلي بن أبى طالب عليه السلام و هو صاحب مروج الذهب (انتهى) (الى أن قال): قال العلامة المجلسي في مقدّمة البحار:

و المسعودي عده النجاشي في فهرسته من رواة الشيعة، و قال: له كتب منها كتاب إثبات الوصيّة لعلي بن أبى طالب عليه السلام و كتاب مروج الذهب مات سنة 333 (انتهى) و قيل أنّه بقي إلى سنة 345 (الكنى للمحدّث القمّي ج

3 ص 153.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 397

و هو الذي وضعه المأمون لذرع الثياب و مساحة البناء و قسمة المنازل، و الذراع أربعة و عشرون إصبعا، و أصل البريد أنّهم كانوا ينصبون في الطرق أعلاما، فإذا بلغ بعضها راكب البريد نزل عنه و سلّم ما معه من الكتب الى غيره فكان ما به من الحرّ و التعب يبرد في ذلك، أو ينام فيه الرّاكب و النوم يسمّى بردا، فيسمّى ما بين الموضعين بريدا، و انّما الأصل، الموضع الذي ينزل فيه الرّاكب، ثمّ قيل للدابّة بريد، و انّما كانت البرد للملوك ثمّ قيل للسير بريد (انتهى موضع الحاجة من كلامه رحمه اللّٰه) «1».

فظهر من كلامه رحمه اللّٰه وجه التعبير بالاميال و البريدين، و التعبير بمسيرة يوم أيضا باعتبار الأماكن التي ليس فيها تلك النصب و الاعلام أو باعتبار الأشخاص الذين يكون مسيرهم على غير تلك الأماكن.

و ممّا نقله السرائر عن المسعودي من كون الميل أربعة آلاف ذراع بذراع الأسود و هو الذراع الذي وضعه المأمون لذرع الثياب إلخ، يظهر أنّ تحديد الذراع بذرع اليد كما فعله المحقق (ره) في الشرائع ليس، بجيّد، لأنّ ذراع اليد تختلف جدّا.

و الحاصل أنّ الذراع الذي يقدّر به الميل كان شيئا مضبوطا لا يزيد و لا ينقص فلهذا تقيّد تارة بذراع القدماء، و أخرى بذراع المحدثين.

قال الفيروزآبادي في القاموس: الميل بالكسر، الملمول، و قدر مدّ البصر، و منار يبنى للمسافر، أو مسافة من الأرض متراخية بلا حدّ، أو مائة ألف إصبع، أو ثلاثة أو أربعة آلاف ذراع بحسب اختلافهم في الفرسخ، هل هو تسعة آلاف بذراع القدماء، أو أثنى عشر ألف ذراع بذراع المحدّثين (ج) أميال و ميول (انتهى).

______________________________

(1)

يعنى ابن إدريس.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 398

أقول: لا يخفى أنّ نقل القاموس ما هو المراد من الفرسخ هنا مخالف لما نقله في مادّة (فرسخ) قال: الفرسخ ذكره الجوهري و لم يذكر له معنا و هو السكون و الراحة و منه فرسخ الطريق و هو ثلاثة أميال هاشميّة، أو أثنى عشر ألف ذراع أو عشرة آلاف ذراع (انتهى موضع الحاجة).

و كيف كان ليس المراد من الذراع في قول أهل اللغة ذراع اليد بل ما كان معيارا لمسافة الأشياء كما نقله المسعودي على ما في السرائر، و نقله في أمثال هذه الأمور حجّة باعتبار أنّه أهل لذلك.

نعم تقدير الميل بمدّ البصر ان لم يرجع بما عيّنه من الأصابع، لا اعتبار به لأنّه غير معلوم المراد من كونه أىّ بصر؟ في أي زمان؟

و كذلك قوله: (أو مسافة من الأرض متراخية بلا حدّ).

نعم لا يبعد أن يقال: انّ الآلة التي يقدر بها الميل كانت أولا بمقدار ذراع يد، ثمّ صارت علما للمقدار المخصوص.

و كيف كان فقد قيل: أنّ الإصبع بمقدار سبع شعيرات أو ستة و الشعير مقدار سبع شعرات من أواسط شعر البرذون.

الأمر الرّابع لو شكّ في المسافة،

فهل يجب عليه الفحص ثم الرّجوع الى القواعد المقرّرة أم؟ و ما قيل أو يمكن أن يقال: وجوه (الأوّل)، قال الشيخ الأنصاري رحمه اللّٰه: و هل يجب الفحص أم لا؟ وجهان من أصالة العدم التي لا يعتبر فيها الفحص عند إجرائها في موضوعات الاحكام، و من

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 399

تعليق الحكم بالقصر على المسافة النّفس الأمريّة، فيجب تحصيل الواقع عند الشّك أمّا الجمع، و أمّا الفحص و الأوّل منتف هنا بالإجماع فتعيّن الثاني (انتهى موضع الحاجة من كلامه زيد

في علوّ مقامه).

و لا نفهم المراد من ثاني الوجهين، فانّ الظاهر أنّ مقصوده من قوله (ره): (و من تعلّق إلخ) حصول العلم الإجمالي إمّا بوجوب القصر أو بوجوب الإتمام، فإن كان المراد من قوله (ره): (فيجب أمّا الجمع أو الفحص) وجوب أحدهما على التعيّن نمنع انحصاره فيها، بل يمكن تخييره في أحدهما، و ان كان المراد، الوجوب التخييريّ نمنع الإجماع على انتفائه مضافا الى أنّ مجرّد الإجماع على عدم وجوب الجمع لا يلزم القول بوجوب الفحص فإنّه لا ملازمة بينهما كما لا يخفى.

(الثاني) ما قاله الفقيه الهمداني «1» رحمه اللّٰه في صلواته، فإنّه رحمه اللّٰه بعد ما أفاد أنّ هذا العلم الإجمالي غير منجّز للواقع على كل تقدير كي يوجب الاحتياط على المكلّف حتى بعد الفحص أيضا قال:

لكنّه مانع عن الرّجوع الى الأصول قبل الفحص كما في الشبهات الحكميّة، فإنّ ما دلّ على معذوريّة العامل بالأصول النافية قبل الفحص شموله لمثل المقام لا يخلو من تأمّل، فالقول بوجوب الفحص ما لم يكن حرجا لعلّه أقوى (انتهى كلامه زيد في علوّ مقامه).

و حاصل الاستدلال، التفكيك بين تنجّزه للواقع و منعه لجريان الأصول بعدم كونه موجدا للأوّل و منعه للثاني.

(و فيه) أنّ التفكيك في آثار العلم و أحكامه العقليّة غير معقول،

______________________________

(1) هو الفقيه المحقّق الحاج آقا رضا الهمدانيّ المتوفّى 1322 الهجري القمري صاحب مصباح الفقيه.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 400

فان لم يوجب الاحتياط لم يمنع من جريان الأصول، و ان منع منه فهو ملزم للاحتياط فالتفكيك بينهما لا وجه له ظاهرا.

(الثالث) ما ذكره صاحب الجواهر رحمه اللّٰه- فإنّه بعد كلام له- قال:

نعم في وجوب الاعتبار وجهان من أصل البراءة، و من توقّف الامتثال عليه (انتهى

موضع الحاجة من كلامه زيد في علوّ مقامه).

و لعل مراده (ره) من توقّف الامتثال عدم حصول قصد القربة بدونه و لا نفهم المراد منه، فان ذلك فرع ثبوت وجوب الفحص [1].

______________________________

[1] أقول: و قد يستدل لعدم وجوب الفحص، بما في صحيحة زرارة- و فيها- قلت: فهل علىّ ان شككت في أنّه أصابه شي ء أن أنظر فيه؟ قال: لا و لكنّك تريد أن تذهب الشكّ الذي وقع في نفسك إلخ «1».

وجه الاستدلال أنّه عليه السلام قد صرّح بعدم وجوب النظر مع كونه سهلا جدّا.

(و فيه) أنّه يمكن أن يختص هذا الحكم- أعنى عدم وجوب النظر- بباب الطّهارة و النّجاسة حيث أنّه معلوم من طريقة الشرع، التوسعة في باب الطّهارة.

نعم لو طبق الكبرى- أعنى قوله عليه السلام: (لا تنقض اليقين بالشكّ) على هذا لكان استفادة العموم ممكنا لكنّه عليه السلام لم يطبّقها عليه، بل على بعض فقرأتها الأخرى فراجعها.

و التحقيق أن يقال: انّ الشبهات الموضوعيّة على قسمين، قسم راجع الى حقوق الناس ككونه مديونا بالاقتراض أو الزكاة أو نحوهما،

______________________________

(1) الوسائل باب 37 قطعة من حديث 1 من أبواب النجاسات ج 2 ص 1053.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 401

______________________________

لأنّا نعلم من طريقة الشرع أنّه لا يرضى بإجراء الأصول في الأمور المتعلّقة بحقوق الناس، و الّا يلزم تضييع أكثر الحقوق، فيجب عليه الاحتساب بالنسبة إلى النّصاب أو أرباح المكاسب أو كونه مديونا خمسة أو عشرة مثلا.

فامّا الحج فهو و ان لم يكن من حقوق الناس الّا أنّ تعليق الوجوب على الاستطاعة التي لا نعلم لغالب المستطيعين الّا بعد الاحتساب، فلو لم يجب التفحّص لزم أن لا يجب على الأوحدي من الناس، و هو خلاف الغرض من تشريع

وجوبه.

و قسم لا يكون راجعا الى حقوقهم فحينئذ تارة يكون الشّبهة بدويّة وجوبيّة فيجري أصل البراءة من دون تفحّص بلا إشكال، أو بدويّة تحريميّة فتجري أيضا على الأصح.

و اخرى تكون مقرونة بالعلم الإجمالي كما في نحن فيه، فهل يجرى فيه أصل البراءة قبل الفحص أم لا؟ مقتضى الوجوه المذكورة وجوبه.

لكنّها بعد محل تأمّل كما ذكرنا تفصيلا، قال المحقّق القمّي رحمه اللّٰه في القوانين: من شكّ في كون ماله بقدر الاستطاعة لعدم علمه بمقدار المال، لا يمكنه أن يقول: انّى لا أعلم أنّى مستطيع و لا يجب شي ء، بل يجب عليه محاسبة ماله ليعلم أنّه واجد الاستطاعة أو فاقد لها.

و قال المحقّق المتتبّع السيّد على في حاشيته على القوانين: و هذا الحكم ليس بإجماع، لمصير جماعة منهم الفاضل «1» الكلباسي في مسألتي

______________________________

(1) الشيخ الأجلّ الأفقه الأورع الحاج مولى محمّد إبراهيم بن محمّد حسن الكاخكي الأصبهاني المعروف بالكلباسى (الى أن قال) تتلمذ على العلامة الطباطبائي بحر العلوم و الشيخ الأكبر و صاحب الرّياض و غيرهم رضوان اللّٰه عليهم بل أدرك مجلس الأستاذ الأكبر المحقّق البهبهاني، توفّي سنة 1262 و قبره بأصبهان جنب مسجد الحكيم مزار معروف و ابنه أبو المعالي (الكنى) ج 3 ص 89 طبع مطبعة العرفان- صيدا 1358.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 402

______________________________

الاستطاعة و النّصاب الى عدم الوجوب و مخالفته لمسألة اجماعيّة، و هي عدم وجوب الفحص في الشبهات الموضوعيّة (الى أن قال):

و احتمل في الإشارات كون الوجه في الحكم المذكور فهم العرف فقال: انّه لما كان الناس صنفين فالمفهوم عرفا وجوب الفحص، فانّ المولى إذا أمر عبده بأنّه ان كان عنده الف دينار فليأت منها بمائة، و من كان عنده مائة فليأت

بعشرة فيفهم عرفا وجوب المحاسبة على كل حتى تبيّن عن غيره (الى أن قال):

و فيه منع فهم العرف و لا شهادة في المثال لأنّ وجوب الفحص فيه من حكم العقل من جهة كونه مقدمة لعلم كل إجمالا ببلوغ ما عنده ما وجب عليه أحد الأمرين (الى أن قال):

و من مشايخنا من وجّه الحكم الذي يمكن أن يقال في وجوب الفحص أنّه إذا كان العلم بالموضوع المنوط به التكليف يتوقّف كثيرا، تعيّن- بحكم العقلاء- اعتبار الفحص ثمّ العمل بالبراءة (الى أن قال):

و يشكل بأنّ مخالفة التكليف، اللازمة ان أريد بها مخالفة التكليف الواقعي، فكثرة لزومها غير قادحة في العمل بالأصل، لأنّ مبناه على نفى الفعلي، و ان أريد بها مخالفة التكليف الفعلي فالملازمة غير مسلّمة لأنّ مفاده نفى الفعلي في موضع الشّك فيه فلا يلزم المخالفة أصلا فإنّ العلم شرط في فعليّة التكليف و هو منتف بالفرض.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 403

فلو تفحّص، فامّا أن يحصل له العلم أم لا؟ فعلى الأوّل لو فرض حصوله باخبار معصوم عليه السلام مثلا أو بسبب الآلات و الأدوات الخاصة التي يتجزّى الماء عن النجس، فلا كلام.

(و على الثاني) فامّا أن يقوم به البيّنة عن حسّ لا عن حدس أو خبر الواحد العدل، بناء على حجيّة قوله في الموضوعات، و لا سيّما في أمثال المقام ممّا يتعسّر العلم أو البيّنة غالبا أوّلا (و على الأوّل) فلا كلام أيضا و ان قيل: انّ حجيّة البيّنة مختصّة بفصل الخصومات، لكنّه مدفوع بخبر مسعدة بن صدقة من قوله عليه السلام: (و الأشياء كلّها على هذا

______________________________

و الذي ينبغي أن يحقّق المقام هو أنّ الفحص حيثىّ يجب في العمل بالأصل، فإنّما يجب

بالوجوب الشرطي لكونه شرطا للعمل به باعتبار أنّه يحرز به موضوع الأصل و لا يستقيم ذلك الّا فيما إذا كان موضوعه، العجز عن العلم بالواقع و ما يقوم مقامه كما في الشّبهات الحكميّة فإنّه لا يحرز الّا بالفحص و أمّا ما كان موضوعه عدم العلم و ان كان أمكن تحصيله كالشبهات الموضوعيّة ممّا كان الشّك «1».

و المقصود من نقل عبارة صاحب القوانين و حاشية السيّد علي- رحمهما اللّٰه- مع اشتمالهما على فوائد- التنبيه على أنّ هذه المسألة- كانت غير صافية عن الاشكال و لا سيّما في أمثال المقام من موارد العلم الإجمالي فالمقام من حيث أنّه من موارد العلم الإجمالي- يقتضي وجوب الفحص ثم إجراء الأصل على ما سيأتي إن شاء اللّٰه، و من حيث أنّه غير منجّز للواقع فحكمه حكم الشّبهات البدويّة، و كيف كان فالاحتياط يقتضي الفحص.

______________________________

(1) تقديم نظيره فيما من كان بياضا.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 404

حتّى يستبين لك أو تقوم به البيّنة «1» إلخ الشامل للمقام أيضا.

و على الثاني، فهل يعتبر الظنّ، كما عن ذكري الشّهيد (ره) أم لا؟

مقتضى ما تقرّر في الأصول من عدم حجيّة الظنّ الّا ما خرج بالدليل، عدم الحجيّة، لأنّه لا دليل عليه ظاهرا معتدا به الّا أن يقال بالانسداد الصغير بان يقال: بانّا نعلم بانّ غرض الشارع تعلّق بوجوب القصر في أوّل مرتبة المسافة و نعلم عدم حصول العلم بأوّلها غالبا لغالب المسلمين و نعلم عدم قيام البيّنة و لا خبر العدل لغالبهم أيضا، فحينئذ إمّا أن يجرى أصل عدم القصر أو يكتفى بالظنّ في أمثال هذه الموضوعات التي لا طريق الى العلم بها غالبا، و إجراء الأصل لا بدّ من أن يستند الى

حكم الشارع أيضا فيلزم رفع اليد عن أوّل مرتبة المسافة غالبا، و نعلم أنّه لم يرفع اليد عنه، فيجب العمل بالظنّ.

و لعلّه مراد الشهيد في ما نقل عنه من أنّ الظنّ يكفي في الموضوعات التي لا طريق الى العلم بها.

و يؤيّد ذلك ما رواه من الأخبار الواردة في تحديد المسافة الواقعيّة بأربعة و عشرين ميلا أو ثمانية فراسخ أو بريدين أو بياض يوم، أو مسيرة يوم «2»، فإنّها لا تثبت غالبا بغير الظنّ كما لا يخفى فلا يبعد الاكتفاء بالظنّ في مورد يتعسّر تحصيل العلم.

و أمّا الشياع فهو بنفسه ليس موضوعا لحكم، بل باعتبار أنّه مفيد للظنّ، فلذا لا يهمّنا البحث عن مفهومه في أنّ المعبّر منه هل هو الشياع في البلد أو في المحلّة.

______________________________

(1) الوسائل باب 4 حديث 4 من أبواب ما يكتسب به ج 12 ص 60.

(2) راجع الوسائل باب 1 من أبواب صلاة المسافر ج 5 ص 490.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 405

فإذا قلنا باعتبار الظنّ في أمثال المقام- كما هو ليس بعيد- فالمعتبر إفادة الشياع له و الّا يكتفى بالمفيد للعلم، فان لم يحصل العلم و لا البيّنة و لا العدل الواحد، و لا الظنّ فهل الأصل، القصر أو الإتمام؟ وجهان مبنيّان على أنّ الأصل هو الإتمام إلّا ما ثبت القصر فيه أو العكس.

فلا بدّ أوّلا من بيان أنّ موضوع القصر و الإتمام أمران وجوديان كي لا يثبت أحدهما بنفي الآخر شرعا أم لا؟

و الظاهر المستفاد من قوله تعالى وَ إِذٰا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنٰاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلٰاةِ الآية «1» انّ موضوع القصر قد قيّد بالضرب في الأرض.

و أيضا يستفاد منها أنّ الصلاة كانت غير مقصورة

أوّلا ثمّ قصرت، فموضوع الإتمام هو المكلّف و موضوع القصر هو المكلّف الضّارب في الأرض بالمقدار المخصوص، فإذا أجرينا الأصل عدم وجود ما يوجب القصر لزم الإتمام.

(فإن قلت): قد قرّر في الأصول أنّ الموضوع للعام بعد مجي ء الخاصّ يقيّد قهرا بعدم الخاص فيكون الموضوع العام في المقام هو المكلّف المقيّد بعدم كونه ضاربا في الأرض فإجراء الأصل لا يثبت هذا التقييد فيكون مثبتا.

(قلت) نعم و لكنّ المقام من الموضوعات المركّبة التي يثبت بعض اجزائها بالأصل و بعضها بالوجدان فكونه مكلّفا وجداني و عدم كونه ضاربا في الأرض بالأصل فلا إشكال.

______________________________

(1) سورة النّساء، آية 101.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 406

و قد يقال باستصحاب وجوب إتمام الصلاة (و فيه) أنّ هذه الصلاة التي يريد أن يأتي بها، ليست مسبوقة بشي ء، فالموضوع غير محرز.

الأمر الخامس هل المناط في مبدأ مقدار المسافة المتقدّرة هو ابتداء داره المسكونة،
اشارة

أو حياطه و منزله أو قريته و خيمته، أو خروجه عن حدّ الترخّص؟

وجوه لم يوجد لغير الثلاثة الأخيرة «1» قائل بل لم نجد محتملا له «2».

و اعلم أنّ هذه المسألة لم تكن معنونة في كلمات القدماء و لم يرد عليها نصّ بالخصوص، نعم يستفاد من كلمات العلامة (ره) كون المناط في صدق المسافر، خروجه عن البلد، مثل ما في المختلف- عند الاستدلال على اعتبار الوصول الى مكان خفي الجدران و لم يسمع الأذان- بقوله (ره): (لنا) قوله تعالى وَ إِذٰا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنٰاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلٰاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الآية «3» فعلّق نفى الباب بالضرب في الأرض و لا يتحقّق في المنازل، فلا بدّ من اعتبار الخروج عن البلد، و انّما يتحقّق بغيبوبة الأذان و الجدران (انتهى).

و في المنتهى- بعد الاستدلال بالآية- بقوله (ره): علّق على الضرب

و لا يتحقّق مع الحضور في البلد فلا بدّ من التباعد الذي يصرف

______________________________

(1) هي القرية و الخيمة و حدّ الترخّص.

(2) أقول: في المنتهى: و قال بعض أصحاب الحديث منّا: إذا خرج من منزله قصر (انتهى) ج 1 ص 291.

(3) سورة النّساء، آية: 101.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 407

معه اسم الأرض و هو ما قلناه «1»، (انتهى) «2».

و قال في التذكرة: لأنّ السفر شرط القصر و لا يتحقّق في بلده (انتهى).

و أوّل من عنون هذه المسألة، الشهيد الأوّل رحمه اللّٰه و اختار أنّ مبدأها خارج البلد و تبعه الشيخ أحمد بن فهد الحلّي، و جماعة و منهم الشهيد الثاني رحمه اللّٰه، و ادّعى السيّد صاحب الرّياض الإجماع.

و هو في غير محلّه، لما قلنا من كون المسألة معنونة الى زمن الشهيد (ره).

و عن المحقّق الثاني (ره) أن ساكن البادية، مبدإ سفره الخروج من منزله.

و كيف كان فالمشهور بين المتأخّرين عن الشهيد (ره) اختيار مختاره.

و التحقيق في توجيهه امّا أن يقال بعدم صدق السفر فيما دون الخروج عن البلد كما ذكره العلامة (ره) في كتبه، و أمّا عدم ملاحظة العرف في التحديدات الواقعة في الشرع الّا بما وقع بين البلدين كتقديره بثمانية فراسخ أو أربعة و عشرين ميلا أو بريدين على ما ذكره الفقيه

______________________________

(1) يعنى خفاء الأذان أو غيبوبة الجدران.

(2) المنتهى ج 1 ص 291، أقول: و يستفاد أيضا من كلام المنتهى اناطة صدق السفر موضوعا بخفاء الأذان و توارى الجدران قال في مسألة رجوع المسافر الى وطنه بعد اختياره أنّه الموضوع الذي ابتدأ فيه بالتقصير (الى أن قال) و لأنّ الحدّ الذي ذكرناه حدّ السفر فما نقص يدخل به الإنسان في الحضر (انتهى).

تقرير

بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 408

الهمداني.

و قد يستدل للقول بكون مبدئها الخروج عن حدّ الترخّص بانّ مناط مشروعيّة القصر ذاهبا و جائيا تحصله في مكان لا يسمع فيه الأذان و يتوارى عنه الجدران فيستكشف أنّ غير الواصل اليه لم يكن مسافرا فلم يجب عليه القصر، و توضيحه أنّ الأمر دائر بين التخصيص و التخصّص فيقدم الثاني.

(و فيه) عدم الملازمة بين كونه مسافرا و بين وجوب القصر (و بعبارة أخرى) اعتبار وجوب القصر بنظر الشارع عن حد التّرخص، غير ملازم لاعتبار صدق المسافر بنظره، و اعتبار عدم صدق المسافر في محلّ، لا يلازم اعتبار عدم وجوب القصر.

فرع

قد يفرق- بناء على مذهب الشهيد الذي صار مشهورا بعده من الفرق بين البلاد المتعارفة و البلاد الوسيعة- بأن يقال بكفاية الخروج عن المحلّة في الثانية دون الاولى.

(و فيه) عدم الدليل على ذلك، و مجرّد كونه وسيعا لا يوجب الفرق، فانّ حكم العرف لمن كان داره في آخر محلّة، بكونه مسافرا بمجرد خروجه عنها و دخوله في أخرى، بعيد جدّا.

نعم لو كان البلد في السّعة بمثابة يصدق على الخارج من ناحية إلى اخرى أنّه. مسافر لا نتحاشى عن الحكم بوجوب القصر عليه إذا سار اليه قاصدا من الأوّل لشمول أدلّة السفر و المسافر، و لكنّ الصدق أيضا

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 409

ما لم يخرج عن البلد مشكل.

الشرط الثاني لوجوب القصر قصد المسافة
اشارة

المذكورة حين خروجه بلا خلاف منقول، لا عن المتقدّمين و لا عن المتأخّرين و روايتا «1» صفوان و عمّار أيضا دالّتان عليه مضافا الى أنّ المفهوم من الإطلاقات انسباق ذلك الى الأذهان، و كيف كان فالإجماع كاف.

______________________________

(1) الاولى قال سألت الرّضا عليه السلام، عن رجل خرج من بغداد يريد أن يلحق رجلا على رأس ميل فلم يزل يتبعه حتى بلغ النهروان و هي أربعة فراسخ من بغداد أ يفطر إذا أراد الرّجوع أو يقصّر؟ قال: لا يقصّر و لا يفطر لانّه خرج من منزله و ليس يريد السفر ثمانية فراسخ انّما خرج يريد أن يلحق صاحبه في بعض الطريق فتمادى به السير الى الموضع الذي بلغه، و لو أنّه خرج من منزله يريد النهروان ذاهبا و جائيا لكان عليه أن ينوي من الليل سفرا و الإفطار، فإن هو أصبح و لم ينو السفر فبدا له بعد أن أصبح في السفر قصّر و لم يفطر يومه

ذلك.

و الثانية قال: سألت أبا عبد اللّٰه عليه السلام عن الرّجل يخرج في حاجة له و هو لا يريد السفر فيمضي في ذلك فتمادى به المضي حتّى مضى به ثمانية فراسخ كيف يصنع في صلاته؟ قال: يقصّر و لا يتمّ الصلاة حتى يرجع الى منزله (الوسائل باب 4 حديث 1، 2 من أبواب صلاة المسافر ج 5 ص 503).

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 410

فرع

التابع في السير- كالزوجة و الولد مثلا- لو قصد المسافة و لو تبعا لمتبوعه فلا كلام في وجوب القصر، و لو كان عازما على العود أو متردّدا في السير و عدمه فلا كلام أيضا في عدم وجوب القصر.

أمّا لو كان عازما على العودة على تقدير مثل أنّ الزوجة أو العبد يريد الرّجوع على تقدير الطلاق أو العتق أو الاذن للعود و لو من دون طلاق و عتق، فعن ذكري الشهيد (ره) وجوب الإتمام عند ظهور أمارات وقوع ما احتملاه.

و عن الجواهر وجوب القصر استنادا الى أنّ الاحتمال لو كان مضرا لما تحقّق قصد، أصلا لمسافر مع انّا نقطع بخلافه.

فالتحقيق عدم كون الاحتمالات الغير العقلائيّة و غير العاديّة مضرا، مضافا الى أنّ الزوجة أو العبد التابع قاصد للمسافة قهرا، غاية الأمر ليس هذا القصد ناشيا عن اختيارهما و ليس القصد كذلك بمعتبر، إذ القدر المتيقّن من تقييد إطلاقات الأدلّة تقييدها بالقصد بالإجماع و النصّ، و أمّا اعتبار كون القصد باختيار فلا دليل عليه لو لم يكن دليل- مثل الإطلاقات- على خلاف هذا.

مضافا الى أنّ العلم بالمسافة مساوق لقصدها لو لم يكن عينها كما يقوله أهل المعقول على ما نقل عنهم، فالأظهر وجوب القصر و لو لم يكن له اختيار أبدا.

(ان

قلت): انّ الأسير و المقهور لا يكون لهم قصد و ارادة إلى

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 411

طيّ مسافة مقصد السابي و القاهر فكيف يقصّران؟

(قلت) ليس كذلك فانّ مثل المقهور أيضا قاصد، غاية الأمران هذا القصد لم ينشأ عن الاختيار الذي هو الأخذ بما فيه خيره بعد ملاحظة طرفي الوجود و العدم كما لا يخفى.

و الحاصل أنّ الإرادة، تارة تنشأ من الميل بأحد الطرفين كما في إرادة الحيوان، و أخرى تنشأ عن الاختيار بعد ملاحظة الصلاح و الفساد، و المعتبر في لزوم القصر هو الجامع بينهما لا خصوص الثاني.

الشرط الثالث عدم عملية السفر
اشارة

و المتداول في الألسنة في مقام التعبير عن هذا الشرط- عدم كونه كثير السفر.

و عن الشيخ في المبسوط و النهاية و الجمل و الاقتصاد، و السيد علم الهدى (ره) في النّاصريّات و جمل العلم، و المفيد في المقنعة و سلار في المراسم، و المحقّق في الشرائع و مختصره، و العلّامة في التذكرة و المختلف و التلخيص و الإرشاد، التعبير عن هذا الشرط، بأن لا يكون سفره أكثر من حضره.

و عن المعتبر للمحقّق (ره) أنّه استشكل بأنّ ذلك مجمل عرفا، و جعل التعبير بأن لا يكون من يجب عليه الإتمام مستحسنا.

و عبّر جماعة من متأخّري المتأخّرين بأن لا يكون السفر عمله و لا يكون بيته.

و عن جماعة كالصّدوق (ره) و غيره، الحكم بلزوم الإتمام على من كان

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 412

معنونا بأحد العناوين الواردة في الأخبار على اختلافها في التعديد و هي عشرة عناوين و هي الملّاح، و المكاري، و الجمال، و التاجر الذي يدور في تجارته، و الجابي الذي يدور في جبايته، و الأمير الذي يدور في امارته، و الكري،

و الأشتقان «1»، و البدوي، و الأعرابي.

و ذكر الشيخ (ره) في النهاية سبعة منها بإسقاط الكرى و الأشتقان و أدخل الجمال في المكاري.

و كيف كان فهل يكون بينهما جامع أولا؟ وجهان، و الروايات أيضا مختلفة، فبعضها حكم بأنّ أصحاب السفن يتمّون الصلاة «2» و بعضها ورد في خصوص الملّاحين «3»، و بعضها في الأعرابي «4»، و بعضها في كليهما «5» و علل في الأخيرين بقوله معهم، و في بعضها ورد أنّ أربعة يتمّون الصلاة أو خمسة و علل فيها بأنّه عملهم «6» فالأربعة المكاري و الكرى، و الرّاعي، و الأشتقان، و الخمسة هي مع اضافة الملّاح و فسر الأشتقان بالبريد و علل فيها بأنّه عملهم، و في رواية إسماعيل بن أبى زياد السكوني: سبعة «7» و لا يبعد اتّحاد بعضها مع بعض بقرينة اتحاد الرّاوين في السند، و بقرينة اتحاد المتن في البعض الآخر.

______________________________

(1) معرّب دشتبان.

(2) لاحظ الوسائل باب 1 حديث 7 من أبواب صلاة المسافر ج 5 ص 516

(3) المصدر حديث 11 منها.

(4) المصدر حديث 6 منها.

(5) المصدر حديث 5 منها.

(6) المصدر حديث 5- 12 منها.

(7) المصدر حديث 9 منها.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 413

إذا عرفت هذا فنقول: أمّا التي علّل فيها بأنّ بيوتهم معهم فيمكن أن يقال: أنّ قوله تعالى وَ إِذٰا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنٰاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلٰاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا «1»، غير شامل لهم، فانّ ظاهرها استلزام البعد من المقرّ و الوطن لوجوب القصر لا مطلق الضرب فلا يصدق عليهم أنّهم سافروا، بل هم دائما في حضر.

و أمّا التي علّل فيها بأنّ السفر عمله، بناء على عود الضمير اليه، فتحتمل وجهين (الأوّل أنّ

المراد بالعمل، الاكتساب بمعنى اكتسابهم و مئونة معيشتهم من السفر (الثاني) أنّ المراد أنّ المسافرة و الاختلاف من بلد الى بلد فشغلهم و عملهم كما يقال: انّ الكتابة مثلا شغل زيد بمعنى أنّه يكتب دائما أو غالبا من غير نظر الى أنّه لا يأخذ الأجرة أو يأخذ، و لا بدّ من الحمل على هذا المعنى ان لم يكن ظاهرا فيه للقطع بعدم كون الاكتساب في السفر دخيلا في القصر، و كذا تطبيق التعليل على الذين لا يكون السفر دائميّا لهم يدل على عدم اعتبار الدّوام في السفر.

و الحاصل أنّه يلغى اعتبار الاكتساب و دوام السفر، و لازم ذلك كون السفر أكثر من الحضر كثرة يندك فيه الحضر بحيث يصحّ أن يقال:

أنّ السفر هو عمله و هذا هو الذي اعتبره جماعة من القدماء «2» فعلى هذا يعمل بعموم التعليل، فكل من كان السفر بنفسه عمله سواء كان داخلا في العناوين الواردة في الروايات أم لا يجب عليه التمام.

فحيث أنّ المسألة محلّ ابتلاء للعموم، فالأولى تفصيل بعض العناوين الواردة في الاخبار عن الأئمّة الأطهار عليهم السلام فنقول

______________________________

(1) سورة النساء، آية 101.

(2) و عبّروا عنه بقولهم: أن لا يكون سفره أكثر من حضره.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 414

بعون اللّٰه تعالى.

(منها) التاجر الذي يدور في تجارته من السوق الى السوق،

اعلم أنّ التجارة تتصوّر على أقسام: (منها) اكتسابه في مقرّه من دون أن يسافر بنفسه أو بوكيله، (و منها) مسافرته على مال التّجارة من سوق الى سوق و اكتسابه بهذه الوسيلة (و منها) إرسال مال التجارة إلى الأطراف من دون سفره بنفسه (و بعبارة أخرى أوضح) تكون تجارته باختلاف الأمكنة مع سيره بمال التجارة.

و محل الكلام و مورد الرواية هو الأخير و شمول الرواية للتاجر

الذي يدور من سوق خارج عن بلده و ما بحكمه، الى سوق كذلك هو المتيقّن.

و هل يشمل التاجر الذي يشترى المتاع من سوق بلده و يبيعه في سوق بلد آخر؟ وجهان من إطلاق قوله عليه السلام: (من سوق الى سوق) الشامل له، و من أنّ الظاهر المتبادر هو كون المبدأ و المنتهى كليهما، في السفر و الّا يلزم أن يحكم بلزوم الإتمام على كل من يشترى المتاع من بلده و يبيع في بلد آخر، سواء كان تاجرا أم لا حتّى في السفر الأوّل، فإنّ التجارة لا دخل لها في الحكم، نعم لو تكرّر ذلك منه بحيث يصدق عرفا أنّه يدور من سوق الى سوق.

و أيضا و هل يشمل الاكتساب الأخروي أيضا مثل أن يذهب من وطنه الى كربلاء للزيارة و من كربلاء الى النجف الأشرف، و منه الى المدينة الطيّبة، و منها الى الكاظمين، و من الكاظمين الى مشهد الرّضا عليه السلام، أم لا؟ وجهان لا يبعد عدم الشمول لهم الّا أن يقال: ان المناط كثرة السفر بما هو سفر لا كونه عملا و شغلا له، و فيه بعد.

(و منها) الأمير و الجابي اللذان يدوران في الامارة و الجباية

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 415

و المراد من هذين العنوانين غير معلوم هل هما بحدّ يصدق عليهما انّهما يسافران كثيرا، أو أنّ سفرهما أكثر من حضرهما، أو يصدق عليهما أنّ السفر عملهما؟ و سيأتي ان شاء اللّٰه تعالى ما يمكن إدراجهما فيه.

(و منها) الرّاعي،

و هو ان كان يرعى الغنم أو الإبل مثلا فيما دون المسافة و ينصرف إلى منزله ليلا، فهو بحكم الحاضر، و ان كان شغله، السفر دائما و ليس له مكان معين و بلد معيّن فهو بحكم البدوي، و ان كان له بلد معيّن و لكن يطلب مواضع القطر و الغيث و النبت مثلا و يسافر دائميّا أو أغلبيّا لذلك فهو مشمول الدليل من هذا الحيث بمعنى أنّه يتمّ في السفر.

لما رواه المشايخ الثلاثة «1» بأسانيدهم، عن زرارة، قال: قال أبو جعفر عليه السلام: أربعة قد تجب عليهم التمام في السفر كانوا أو الحضر، المكاري و الكري، و الرّاعي، و الأشتقان لأنّه عملهم «2».

و حيث أنّ قوله عليه السلام: (لأنّه عملهم) تعليل للحكم المذكور فلنتكلّم فيما يفهم من هذه الجملة فنقول

هنا مسائل.
(الأولى) هل الضمير في قوله عليه السلام: (لأنّه) عائد إلى مصادر المذكورات أو الى السفر المذكور في اللفظ؟

الظاهر، الثاني، فلو كان

______________________________

(1) هم محمّد بن يعقوب الكليني و محمّد بن على بن الحسين بن بابويه القمّي، و محمّد بن الحسن الطوسي رحمهم الهّٰ .

(2) الوسائل باب 11 حديث 2 من أبواب صلاة المسافر ج 5 ص 515 في هامش الكافي: الكرى على وزن فعيل بمعنى المكترى و هو البريد و الأشتقان قيل: هو الأمير الذي بعثه السلطان على حفظ البيادر (مجمع البحرين) انتهى.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 416

عمله أحد المذكورات فيما دون المسافة في ذلك العمل لا المسافة لا يجب عليه الإتمام لعدم صدق أنّ السفر عمله.

نعم لو كان المراد من السفر، هو السفر العرفي- لا الشرعي- لكان القول بوجوب الإتمام متوجّها، و لكنّه خلاف الظاهر، لأنّ المراد أنّ الذين يجب عليهم القصر- مع قطع النظر عن عمليّة السفر- يتمّون معها فحينئذ يكون المراد، السفر الشرعي، و كذا حكم

من كان يجب عليه الإتمام لجهة أخرى من كون سفره معصية أو كونه غير قاصد أو مارّا على وطنه أو غير ذلك من الموانع أو القواطع، لتحقّق السفر الشرعي.

(الثانية) هل تكون عمليّة السفر دائما شرطا في وجوب الإتمام أم يكفي و لو في بعض الأحيان؟

من أنّ قوله عليه السلام: (لأنّه عمله) يفهم منه اشتراط صدق دائميّة السفر بحيث يصدق عليه بقول مطلق من دون تقييده بزمان خاص، «1» أنّ السفر عمله، أو يفهم منه أنّ عمله في الصيف أو الشتاء كل سنة.

و يمكن أن يقال: حيث أنّ أقسام المكاري مختلفة من حيث أن بعضهم دائم السفر و بعضهم في زمان معيّن، و بعضهم في السفر الواحد الطويل مدّة السنة، و مع هذا الاختلاف فقد حكم عليه السلام بوجوب الإتمام عليه بقول مطلق من دون تعيين بعض الأقسام فنستظهر منه عموم الحكم لها (و بعبارة أخرى) قد أثبت الحكم لعنوان المكاري و علّله بأنّه عمله، فكلّما يصدق عليه هذا العنوان يجب عليه الإتمام.

(و فيه) إمكان الخدشة فيه بأنّ العلّة كما هي معمّمة كذلك هي مخصّصة، فيظهر منها أنّ المكاري بقول مطلق لا يثبت له هذا الحكم بل،

______________________________

(1) فاعل يصدق.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 417

الذي كان السفر عمله، فلو كان هنا مكار لا يصدق عليه عمليّة السفر لا يجب عليه التمام، فنفى هذا التعليل يدل على عدم عموم الحكم لتمام أقسام المكاري.

(الثالثة) قال العلامة في التذكرة- في الفرع الخامس من فروع المسألة:-

هل يعتبر هذا الحكم في غيرهم حتّى لو كان غير هؤلاء يردد في السفر اعتبر فيه ضابطة الإقامة عشرة أو لا؟ إشكال ينشأ من الوقوف على مورد النصّ، و من المشاركة في المعنى (انتهى كلامه زيد في علوّ مقامه) و نقل عن المحقّق أيضا في المعتبر، التوقّف في المذكورات.

و التحقيق أن يقال: انّ كل من كان السفر له سببا لان يعيش في أمر دنياه بحيث كان نشاطه فيه، و سأمه و ملالته في الحضر بعكس سائر المسافرين ممن لا يكون شغله ذلك، فالإتمام له واجب سواء كان

داخلا في أحد العناوين الواردة في الروايات أم لا، كمن يكري الطيّارة و السيّارة المعمولة في زماننا هذا، و الا فالقصر، فالمناط في وجوب الإتمام هو ما ذكرناه لا كون السفر عملا له مطلقا، و لعلّه المراد من قوله عليه السلام: (لانّه عملهم) لا ما ذكرناه، و لا كونه كثير السفر كما هو متداول في السنة بعض المتأخرين، و لا كون سفره أكثر من حضره كما هو تعبير كثير من القدماء، و لا عدم زيادة السفر على الحضر شرطا في وجوب القصر كما في التذكرة، فإن كان إشكال العلامة في تحقّق المعنى الذي ذكرناه، فله وجه و الّا فلا وجه له.

بيان ما يقطع عملية السفر أو كثرته

اعلم أنّ المتيقّن ممّا هو قاطع للعمليّة أو الكثرة إقامته في بلده

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 418

عشرة أيّام و أمّا في غير بلده فسيأتي الكلام فيه إن شاء اللّٰه، أمّا إقامته في بلده عشرة أيّام فقد نقل عن الشيخ (ره) في التهذيب و الاستبصار، و الجمل و العقود، و المبسوط و تبعه القاضي ابن البراج و الحلّي و ابن حمزة في الوسيلة لكنّ الشيخ (ره) أوجب القصر إذا أقام أكثره و في الجمل و العقود أوجب التمام في العشرة و لكن لم يتعرّض لمسألة قطع هذا الحكم بالإقامة عشرة أيّام، و الصدوق رحمه اللّٰه في الهداية و السيد في الانتصار، و المفيد (ره) في المقنعة و أبو الصلاح في الكافي و سلار في المراسم و السيّد أبو المكارم ابن زهرة في الغنية و الشيخ أبو المكارم ابن أبى المجد في إشارة السبق.

بل لم يتعرّض لأصل هذه المسألة أعنى الحكم الخاص للمكاري و أشباهه ابن أبى عقيل و محمّد بن على بن

بابويه في المقنع بل حكما على الإطلاق بوجوب القصر على المسافرين غير استثناء للمكاري و نحوه.

و كيف كان، فقد ذهب جماعة كثيرة الى انقطاع حكم أمثال المكاري بالإقامة عشرة أيّام في بلده و الحق جمع منهم إقامتها في غير البلد أيضا امّا مطلقا- كما هو محكي عن المفتاح عن الرسالة النجيبيّة- إمّا مع القصد، كما عن أكثر القائلين بالإلحاق.

و الحق أيضا جمع اقامة ثلاثين مترددا، و آخرون إذا بقي عشرا بعد الثلاثين و كيف كان فقد ادّعى الإجماع بالنسبة إلى الإقامة في البلد ابن إدريس في السرائر، و عن المحقّق في المعتبر أنّ ادّعاء الإجماع في مثل هذه المسألة غلط أقول: وجه كونه غلطا ما عرفت من عدم تعرّض جماعة كثيرة للمسألة فكيف يدّعى الإجماع.

نعم قد نقل عن الشيخ رحمه اللّٰه كفاية إقامة خمسة أيّام في انقطاع الحكم،

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 419

و الظاهر عدم إفتاء أحد بذلك، و ان وردت به رواية الصدوق (ره) بإسناده عن عبد اللّٰه بن سنان «1» عن أبى عبد اللّٰه عليه السلام، مضافا الى معارضتها لرواية يونس عن بعض رجاله عن أبى عبد اللّٰه عليه السلام المعمول بها بين جمع كثير من العلماء، فالأولى نقلها أولا، ثمّ التكلم في مفادها فنقول:

روى الشيخ (ره)، بإسناده، عن سعد، عن إبراهيم بن هاشم، عن إسماعيل بن مرّار، عن يونس بن عبد الرّحمن، عن عبد اللّٰه بن سنان عن أبى عبد اللّٰه عليه السلام، قال: المكاري ان (إذا- فيه) لم يستقر في منزله إلّا خمسة أيّام و (أو- فيه) أقل قصّر في سفره بالنهار و أتمّ صلاته بالليل (صلاة الليل- فيه) و عليه صوم شهر رمضان، فان كان له مقام في

البلد الذي يذهب إليه عشرة أيّام و أكثر (و ينصرف إلى منزله و يكون له مقام عشرة أيّام أو أكثر- فيه) قصّر في سفره و أفطر، و رواه الصدوق بإسناده، عن عبد اللّٰه بن سنان عن أبى عبد اللّٰه عليه السلام مع اختلاف يسير «2».

لكن طريق الصدوق (ره) الى عبد اللّٰه بن سنان صحيح «3» و طريق

______________________________

(1) على ما يأتي عن قريب.

(2) الوسائل باب 2 حديث 5 من أبواب صلاة المسافر ج 5 ص 519.

(3) في مشيخة الفقيه ج 4 طبع مكتبة الصدوق: و ما كان فيه، عن عبد اللّٰه بن سنان فقد رويته عن أبي رضى اللّٰه عنه عن عبد اللّٰه بن جعفر الحميري، عن أيّوب بن نوح، عن محمّد بن أبى عمير، عن عبد اللّٰه بن سنان، و هو الذي ذكر عند الصادق عليه السلام فقال: امّا أنّه يزيد على السن خيرا (انتهى).

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 420

الشيخ (ره) فيه كلام بإسماعيل بن مرّار.

و روى الشيخ (ره) أيضا بإسناده، عن محمّد بن أحمد بن يحيى، عن إبراهيم بن هاشم، عن إسماعيل بن مرار، عن يونس بن عبد الرّحمن عن بعض رجاله، عن أبى عبد اللّٰه عليه السلام قال: سألته عن حدّ المكاري الذي يصوم و يتمّ، قال: أىّ مكار أقام في منزله أم في البلد الذي يدخله أقل من مقام عشرة أيّام وجب عليه الصيام و التمام أبدا، و ان كان مقامه في منزله أو في البلد الذي يدخله أكثر من عشرة أيّام فعليه التقصير و الإتمام «1».

و عن السيّد بحر العلوم، انّ الروايات الثلاثة واحدة، و ادّعى عليه القطع باعتبار اتحاد طريقي الشيخ، غاية الأمر أحدهما مرسلة، و الأخرى

مسندة، و اتحاد الراوي الأخير في الثلاثة إذا حملنا لفظة (بعض رجاله) على ارادة عبد اللّٰه بن سنان «2».

لكنه مشكل لأنّ مجرد اتحاد الطريق لا يدل على اتحاد الروايات سلمنا لكن في مثل المقام مشكل، لأنّ في طريق الصدوق (ره) قد تعرض لحكم خمسة أيّام التي لا أثر له في مرسلة يونس و يبعد كل البعد اشتباه الراوي في الزيادة في رواية الصدوق (ره) أو النقيصة في مرسلة يونس.

و أمّا مفاد الروايات الثلاثة، فنقول: امّا رواية يونس، عن عبد اللّٰه بن سنان، بناء على رواية الشيخ رحمه اللّٰه- بعد إسقاط ما اشتملت عليه من انقطاع حكم المكاري بإقامة خمسة أيّام لإعراض المشهور عنها-

______________________________

(1) الوسائل باب 12 حديث 1 من أبواب صلاة المسافر ج 5 ص 517.

(2) و قد نقل في تنقيح المقال للمامقاني ج 3 ص 343 عن جامع الرواة رواية يونس عن عبد اللّٰه بن سنان (فحمل بعض رجاله) عليه ليس بمستنكر.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 421

فظاهرها أنّ اقامة عشرة أيّام موجبة لانقطاع حكم المكاراة و يصير القصر واجبا عليه، لكنّه مشكل على رواية الصدوق رحمه اللّٰه، فانّ ظاهرها أن اقامة أقلّ من عشرة أيّام في منزله أو في البلد الذي يذهب إليه كافية في وجوب الإتمام، مع أنّ ذيلها يدلّ على أنّ اقامة عشرة أيّام في أحدهما قاطع لحكم المكاري، فيتعارضان صدرا و ذيلا.

اللّٰهمّ الّا أن يقال: انّ معنى رواية الصدوق (ره) هو أنّ المكاري إذا كان منه عادة أنّه إذا اتى الى بلدة مكث عشرة أيّام، و إذا أتى بلدا آخر مكث كذلك فلا يكون مثل هذا المكاري داخلا في حكم كثير السفر بحيث يجب عليه الإتمام، بل مثل هذا

الشخص يقصّر أبدا.

و أمّا رواية يونس، عن بعض رجاله، فيمكن أن يكون المراد أنّ المكاري إذا أقام في بلده أقلّ من عشرة أيّام أتمّ و إذا أقام عشرة أو أكثر قصّر، و كذا إذا أقام في بلد آخر عشرة أيّام أو أكثر، قصّر ففي الحقيقة يكون السؤال عن مقدار مكث يقطع عمليّة السفر بحيث يجب عليه الإتمام في بلده أو بلد آخر فأجاب عليه السلام بما أجاب.

فمحصل مجموع الروايات أنّها تدل على أنّ حكم عمليّة السفر الذي هو الإتمام يسقط إذا كان مقيما في بلده عشرة أيّام أو أكثر.

و الظاهر أنّ مستند هذا الحكم، مرسلة يونس و ان كانت ضعيفة بالإرسال لكنّها منجبرة بعمل الأصحاب سيّما القدماء بالنسبة إلى الإقامة في بلده.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 422

تذنيب
اشارة

و هل يلحق بالإقامة في بلده، الإقامة في غير بلده في انقطاع عمليّة السفر أو كثرته- كما أشرنا إليه- أم لا؟ وجهان بل قولان، من الشهرة المتأخرة بين المتأخرين، و من أنّ الأصحاب إلى زمن المحقّق لم يفتوا بها، و إنّما افتى بها المحقّق و العلامة- رحمهما اللّٰه- و من تأخر عنهما نعم قد يؤيّد الأوّل ما تقدّم من روايتي عبد اللّٰه بن سنان اللتين قد رواهما الشيخ و الصدوق رحمهما اللّٰه، و مجرّد عدم تعرّض القدماء للمسألة لا يكون خلافا لهم للمتأخرين أو إعراضا عن مضمون الرواية، فلا عذر لنا في ترك الجزء الأخير من الرواية فالأوجه الإلحاق.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 423

فروع
(الأوّل) الظاهر عدم اختصاص حكم الانقطاع بعنوان المسافر

كما قد يقال بالاختصاص، لأنّ المناط كون الإقامة، قاطعة لمن يجب عليه الإتمام في سفره، و يؤيّده لفظة (الذي) الواقعة في سؤال الراوي بقوله:

(سألته عن المكاري الذي يقوم و يتمّ (إلخ) «1».

(الثاني) قد مرّ أنّ إلحاق إقامة العشرة في غير بلده لم يوجد في كلمات من تقدم على المحقّق

في النافع و العلامة في أكثر كتبه مقيّدين باعتبار لزوم القصد فيها، و عن المفتاح «2» نقلا عن الرسالة النجيبيّة «3»

______________________________

(1) الظاهر أنّ وجه التأييد ما اشتهر من أنّ تعليق الحكم على الوصف مشعر بالعليّة فكانّ حيثيّته القيام علّة في المكاري فيعمّ غيره أيضا و اللّٰه العالم.

(2) يعنى (قده) مفتاح الكرامة.

(3) لم يتعرض في (الذريعة) لها تأليفا و مؤلّفا.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 424

اعتباره فيها، و عن بعض عدم اعتباره و كيف كان فهل يستفاد من الرواية المتقدّمة اعتباره مطلقا كما عن الرسالة، أو عدم اعتباره مطلقا أم التفصيل بين البلد و غيره باعتباره في الأوّل دون الثاني أو عدم الإلحاق مطلقا؟

وجوه.

يرد (على الأوّل) عدم التزام أحد من العلماء الذين وصل إلينا فتاويهم فانّ المكاري إذا وصل الى وطنه يصير حاضرا فلا يحتاج الى القصر.

(و على الثاني)، انّ الحكم بلزوم القصر بعد إقامة العشرة في غير بلده مع صدق عمليّة السفر عليه من دون تفاوت بين ما قبل العشرة و ما بعدها في نظر العرف- بعيد عن مساق الروايات الدالّة على لزوم الإتمام على من كان السفر عمله.

الّا أن يقال: انّه ما دام يصدق عليه أنّ السفر عمله يتمّ إلّا إذا خرج عن هذا الصدق حقيقة كما في إقامته في وطنه، أو شرعا فقط كما في الإقامة في غير بلده.

(و على الثالث) اتّحاد سياق الرواية في الإقامتين من دون تفاوت بينهما.

(و على الأخير) أنّ الشهرة المحقّقة زمن المحقّق و العلامة- رحمهما

اللّٰه- على الإلحاق فلا يجوز مخالفتها.

اللّٰهمّ الّا أن يقال: بان نقل الصدوق و الشيخ- رحمهما اللّٰه- و كذا فتوى المحقّق و العلامة- رحمهما اللّٰه- على مضمونها يعضدها.

و كيف كان، فالترجيح مع التفصيل، لكن لا يترك الاحتياط فيما إذا أقام بغير النيّة بالجمع في السفر الأوّل بعد الإقامة عشرا في غير بلده بلا نيّة.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 425

(الثالث) [المناط في الإقامة عدم السفر الشرعي]

عن الشهيدين في الدروس و الروضة، و كذا عن المحقّق الثاني في جامع المقاصد، و عن الشيخ أحمد بن هلال في الرسالة الهلاليّة، انّ المناط في الإقامة عدم السفر الشرعي، فلو أقام في بلده يوما ثم سافر الى ما دون المسافة الشرعيّة، ثمّ أقام في بلده يوما، ثمّ في ما دون المسافة و هكذا الى العشرة، تكون عمليّة السفر منقطعا.

و هو غريب «1» لأنّ الروايات تدل على أنّه ان أقام في بلده عشرة أيّام إلخ قصر و أفطر و هو لا يصدق قطعا على من خرج كل يوم أربع فراسخ الّا ربع فرسخ مثلا أنّه أقام في بلده فهذا الحكم مقطوع العدم، و كذا اعتبار الإقامة الى ما دون حدّ الترخّص لا وجه له و لا دليل عليه، بل المناط الصدق العرفي بحيث يصدق عرفا الإقامة المعبّر في لسان الفرس ب (لنگ كردن).

(الرابع) [قاطعيّة هذه الإقامة في السفر الأوّل فقط،]

قد نقل عن الفاضل الآوي «2» كاشف رموز النافع الذي للمحقّق (ره) شيخه أنّه حكى عنه مذاكرة، أنّ قاطعيّة هذه الإقامة في السفر الأوّل فقط، و لا يبعد صحّته لأنّ المتيقّن من قوله عليه السلام:

(أىّ مكار أقام في منزله أو في البلد الذي يدخله عشرة أيّام أو أكثر قصر في سفره و أفطر) هو السفر الأوّل، مضافا الى أنّه عليه السلام في مقام البيان حيث لم ينبّه على أنّ هذا الحكم مختصّ بالسفر الأوّل أم يعمّ، و حمله على كل سفر يقع بعد ذلك كائنا ما كان مقطوع العدم، فالأقوى

______________________________

(1) هذا من كلام سيّدنا الأستاذ (قده) فلا تغفل.

(2) هو زين الدين أبو على الحسن بن أبى طالب ابن أبى المجد اليوسفي المعروف بالفاضل و المحقّق الآبي أحد تلامذة المحقّق صاحب الشرائع

و النافع و كشف الرموز شرح للثاني.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 426

وجوب القصر في السفر الأوّل فقط.

و من هنا يظهر أنّه يقصّر في السفر الأوّل فيما إذا أخذ المكاراة و نحوها عملا له لأنّ من كان مسبوقا بعمليّة السفر إذا كان يجب عليه القصر في السفر الأوّل، ففيما لم يكن مسبوقا يقصّر بطريق أولى كما لا يخفى.

الشرط الرّابع كون السفر مباحا
اشارة

بمعنى أن لا يكون معصية، و هذا يتصوّر على وجوه تأتى إن شاء اللّٰه تعالى بعد نقل الأخبار الواردة عن الأئمّة عليهم السلام فنقول- بعون اللّٰه تعالى:

روى محمّد بن يعقوب الكليني رحمه اللّٰه، عن الحسين بن محمّد، عن معلّى بن محمّد، عن الوشّاء، عن حماد بن عثمان «1»، عن أبى عبد اللّٰه عليه السلام في قول اللّٰه عزّ و جلّ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بٰاغٍ وَ لٰا عٰادٍ؟ قال:

الباغي، الصيد، و العادي، السارق، و ليس لهما أن يأكلا الميتة إذا اضطرّا إليها، هي عليهما حرام، ليس هي عليهما كما هي على المسلمين و ليس لهما أن يقصّرا في الصلاة «2» و روى الصدوق رحمه اللّٰه، بإسناده عن الحسن بن محبوب، عن أبي أيّوب، عن عمار بن مروان «3»، عن أبى عبد اللّٰه عليه السلام، قال: سمعته يقول: من سافر قصّر و أفطر إلّا

______________________________

(1) رواة هذه الرواية كلّهم ثقات.

(2) الوسائل باب 8 حديث 2 من أبواب صلاة المسافر ج 5 ص 509.

(3) رواة هذا الخبر أيضا كلّهم ثقات، و طريق الصدوق الى الحسن بن محبوب صحيح، و حسن، و موثّق كما في روضة المتقين ج 14 ص 514.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 427

أن يكون رجلا سفره الى صيد أو في معصية اللّٰه أو رسولا لمن

يعصى اللّٰه أو في طلب شحناء أو سعاية أو ضرر على قوم من المسلمين «1» و روى الشيخ رحمه اللّٰه بإسناده، عن محمّد بن على بن محبوب، عن أحمد بن محمّد، عن الحسن، عن زرعة، عن سماعة «2»، قال: سألته عن المسافر (الى أن قال): و من سافر قصّر أو أفطر الّا أن يكون رجلا مشيّعا لسلطان جائر أو خرج الى صيد أو الى قرية له تكون مسيرة يوم يثبت إلى أهله لا يقصّر و لا يفطر «3».

و بإسناده، عن أحمد بن محمّد، عن محمّد بن عيسى، عن عبد اللّٰه بن المغيرة، عن إسماعيل بن أبى زياد السكوني، عن جعفر، عن أبيه عليهما السلام قال: سبعة يقصّرون الصلاة (الى أن قال): الرجل يطلب الصيد يريد لهو الدنيا يقطع السبيل «4».

و بإسناده عن الصفّار، عن الحسن بن على، عن أحمد بن هلال، عن أبى سعيد الخراساني قال: دخل رجلان على أبى الحسن الرّضا عليه السلام، بخراسان فسألاه عن التقصير، فقال لأحدهما: وجب عليك التقصير لأنّك قصدتني، و قال للآخر: وجب عليك التمام لأنّك قصدت السلطان «5».

و أمّا الاستدلال بمرسلة ابن أبى عمير، عن أبى عبد اللّٰه عليه السلام قال: لا يفطر الرجل في شهر رمضان إلّا في سبيل حقّ «6».

______________________________

(1) الوسائل باب 8 حديث 3 من أبواب صلاة المسافر ج 5 ص 510.

(2) رواة هذا الخبر كلّهم موثقون إلّا سماعة فإنّه موثّق عاصيّ.

(3) المصدر حديث 4 منها.

(4) المصدر حديث 5 منها.

(5) المصدر حديث 6 منها.

(6) المصدر حديث 1 منها.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 428

فغير جيّد لعدم الدلالة على المطلوب، و كيف كان فشهرة أصل المسألة بل كونها اجماعيّة يغنينا عن التمسّك بالاخبار مع ورود

الأخبار الكثيرة و فيها الصحيح، و الموثّق.

فالأولى صرف الكلام في تنقيح المراد من المعصية فنقول بعون اللّٰه الملك العلام: أنّها تتصوّر على وجوه (الأوّل) أن يكون نفس السفر معصية كالفرار من الزحف مثلا.

(الثاني) أن يكون السفر سفر معصية كالسفر لسعاية مؤمن بعد بلوغ المسافة أو للمحاربة أو للوصول الى السلطان الجائر كما في رواية أبي سعيد المتقدّمة.

(الثالث) أن يكون ضدّا للواجب، و هذا على وجهين (أحدهما) أن يكون سفره للفرار من الواجب (ثانيهما) كون سفره ملازما لترك الواجب و ان لم يكن السفر علّة للترك، بل لو كان في الحضر أيضا لتركه.

(الرابع) أن يكون متّحد الوجود مع المعصية.

(أمّا الأوّلين) فيدلّ عليهما الروايات المتقدّمة من حيث المجموع و لم ينقل الخلاف أيضا من العلماء أيضا إلّا عن الشهيد (ره) في روض الجنان في الثاني مستدلّا بانّ القدر المتيقّن من الأدلّة هو ما إذا كان نفس السفر معصية و امّا إذا كان غاية السفر معصية فشمول الأدلّة له مشكل، و قد يؤيّد أيضا بأنّ الأدلّة الدالّة على كون سفر المعصية موجبا للإتمام منصرفة عن هذا السفر، فانّ المقصود الأصلي هنا هو المعصية و السفر مندكّ فيها هذا.

لكنّ الأقوى خلافه لشمول صحيحة عمّار بن مروان بقوله عليه السلام:

(أو يكون في معصية اللّٰه).

(و أمّا الثالث) فهل يوجب- بكلا قسميه- الإتمام أم يجب عليه

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 429

القصر مطلقا أم التفصيل بين الوجه الأوّل فالإتمام و الثاني فالقصر؟ وجوه أوجهها الأخير.

و عليه فهل الحكم بوجوب الإتمام من باب اقتضاء الأمر بالشي ء، النهي عن ضدّه الخاص، أو من باب صدق كون سفره في المعصية؟ الأرجح الثاني، بل هو بنفسه معصية على بعض الوجوه فعلى الأوّل لا يكون

حراما شرعيا، لأنّا قد قرّرنا في الأصول أنّ أحد الضدّين لم يصر سببا للآخر و لا مقدّما عليه بوجوه من وجوه التقدّم.

و أمّا الرّابع فقد مثّل له بأمثلة، كالسفر مع اللباس المغصوب أو الرّكوب على الدابّة المغصوبة أو السفر على الطريق المغصوبة.

فقد يقال بوجوب الإتمام في هذه الأمثلة كلّها، لأنّ حركة المسافر و حركة اللباس أو الدابّة و ان كانتا متغايرتين و متعدّدتين الّا أنّ جهة الصدور أعنى تحريك المسافر «1» متحدة، فانّ حركة اللباس و الدابّة بعين ما هو حركة نفسه.

(و فيه) أنّ جهة الصدور و ان كانت واحدة الّا أنّ جهة الحرمة ليست هي الحركة، بل التصرّف في مال الغير، و المستفاد من الأدلّة الدالّة على كون سفر المعصية موجبا للإتمام حرمة نفس السفر لا حرمة عنوان آخر متّحد مع السفر.

و قد يقال بالفرق بين المثالين الأوّلين و بين الأخير لصدق سفر المعصية فيه و عدمه فيها، مستدلّا باتّحاد الوجوب فيه دونهما.

(و فيه) انّه كما أنّ جهة الحرمة فيه بما هو هو التصرّف كذلك جهة الحرمة فيهما أيضا ذلك، و كما أنّه فيهما يكون حراما حدوثا و بقاء و لا دخل للمسافرة في ذلك، كذلك فيه.

______________________________

(1) من قبيل اضافة المصدر الى الفاعل.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 431

فروع
(الأوّل لو سافر في معصية اللّٰه ثمّ عدل أو بالعكس،

فهل يكون حكمه وجوب الإتمام أو القصر، أو يكون تابعا لقصده، فما دام عاصيا يجب الإتمام و الّا فالقصر؟ وجوه.

يمكن أن يستدل للأخير بأنّ القدر المتيقّن عمومات أدلّة الإتمام هو ما إذا كان متلبّسا بالمعصية فإذا عدل يرجع الى عمومات أدلّة القصر و للوسط بأنّ الأدلّة المخصّصة للعمومات وجوب القصر على المسافر تدل على أنّ المسافر إذا كان عاصيا بسفره يجب عليه الإتمام، و

السفر اسم لمجموع المسافة أعني ثمانية فراسخ، فإذا كان بعضها لا في معصية اللّٰه لم يصدق أنّه كان عاصيا بسفره فيجب عليه القصر مطلق.

و يرد عليهما أنّ المستفاد من الأدلّة المخصّصة للعمومات، عدم تأثير ما قطع في معصية اللّٰه في وجوب القصر، فسيره هذا و ان كان يصدق عليه السفر عرفا الا أنّه لا يصدق عليه السفر الشرعي، فما دام متلبّسا بها لا يجب عليه القصر قطعا و المفروض عدم كون الباقي مسافة مستقلّة.

(و بعبارة أخرى أوضح)، السفر إذا كان في معصية اللّٰه، يكون كلّ جزء جزء منه جزء العلّة لوجوب الإتمام فيه و في جزء آخر منه بحيث يكون مجموع السفر علّة تامّة لوجوب الإتمام، لا أن يكون بالنسبة إلى نفسه تمام العلّة، و بالنسبة إلى جزء آخر جزء العلّة كي يقال حينئذ:

انّ تأثيره بالنسبة إلى نفسه قد خرج بالدليل و أمّا تأثيره في وجوب قصر

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 432

جزء آخر، لا في معصية اللّٰه باق.

و الحاصل أنّ العلّة التامّة لوجوب القصر في مجموع هذه المسافة كون مجموعه، لا في معصية اللّٰه، فإذا انتفى بعض هذه الأجزاء يجب عليه الإتمام مطلقا، فالأظهر هو الوجه الأول.

(الثاني) إذا سافر بريدين لا في معصية اللّٰه ثمّ عدل

و سار بريدين فيها فلكل حكمه، ثمّ إذا كان متلبسا بالسفر فما دام لم يقصد المعصية يجب عليه القصر و بعد قصدها يجب عليه الإتمام.

و أمّا إذا سار بريدين ثمّ نزل، فعدل عن قصده الأوّل ثم أراد أن يصلّى في المنزل، فهل يجب عليه الإتمام مطلقا أو القصر مطلقا أو يكون تابعا لما قبله، فان كان ما سارة من البريدين لا في معصية اللّٰه يجب عليه القصر، و ان كان فيها يجب عليه الإتمام؟

قد يقال:

بالأخير مستدلا بأنّ وجوب القصر على المسافر في منزله لا باعتبار أنّه متلبّس بالسفر فعلا، بل باعتبار كونه مسافرا قبل، لأنّ السفر الحقيقي الذي هو بالحمل الشائع سفره عبارة عن الحركة من مكان الى مكان، الموجبة للبعد عن الوطن، ففي المنزل لا يصدق السفر بهذا المعنى، فإذا كان سفره أولا باعتبار كونه في معصية اللّٰه موجبا للإتمام يجب عليه ذلك تبعا لما قبله، و إذا كان باعتبار كونه لا في معصية اللّٰه موجبا للقصر، ففي المنزل أيضا كذلك لذلك.

(و فيه) أنّ السفر- كما يأتي في تضاعيف بحث الوطن- كان في زمن صدور الروايات عبارة عن قطع مقدار من المسافة و توقّف مقدار من الزمان بحيث يكون مجموع قطع المسافة و التوقّف بمقدار يوم أو أزيد، فهو مسافر حقيقة حتّى بالنسبة إلى زمن التوقّف أيضا، فوجوب الإتمام عليه

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 433

فيما نحن فيه في المنزل إذا كان سفره معصية لا باعتبار أنّه كان سفرا في المعصية فيتعبد في المنزل، بل باعتبار أنّ ما قطعه من المسافة لم يكن موجبا للقصر و المفروض أنّه لم يتلبّس بعد بالمسافرة ثانيا كي يجب عليه القصر، بخلاف العكس فإنّه بمجرّد تلبّسه بالمعصية يجب عليه الإتمام سواء شرع في السير أم لا، لعدم موجب الإتمام.

و الحاصل أنّ موضوع وجوب القصر مقيّد بكونه سفرا لا في معصية اللّٰه، فإذا انتفى القيد لم يجب عليه القصر، سواء كان مسافرا أم لا.

فظهر أنّ الأجود في المسألة وجوب الإتمام في المنزل سواء سار أوّلا في معصية اللّٰه تعالى ثمّ عدل أو بالعكس.

(الثالث) إذا سار بريدا لا في معصيته ثمّ سار بريدين فيها ثمّ عدل و سار بريدا لا فيها،

لا إشكال في وجوب الإتمام في البريدين المتوسّطين، و هل الحكم كذلك أيضا أم يجب القصر فيها؟ وجهان

مبنيّان على أنّ الأدلّة الدالّة على وجوب القصر ظاهرة في المسافة المتصلة بحيث لا يتخلّل بينهما ما يوجب تغيير الحكم أم شاملة للمسافة المنفصلة أيضا.

و قد يتوهّم وجوب القصر و لم لو تكن الأدلّة شاملة للمنفصلة، بدعوى أنّ ما قطعه في المعصية بقدر المسافة، فبعد العدول الى ترك المعصية يصدق أنّه سافر لا في معصية اللّٰه فيجب عليه القصر.

(و فيه) ما تقدم في الفرع الأوّل من أنّ سفره في المعصية قد أخرجه بحكم الشارع عن كونه مؤثرا في وجوب القصر مطلقا، فلا دخل حينئذ للبريدين المتوسّطين في كونهما سفرا فيبقى ما ذكرنا من الاحتمالين.

فعلى أى حال، لو شككنا في مفاد الدليل فهل يكون مقتضى

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 434

القاعدة وجوب القصر أو الإتمام أم الاحتياط بالجمع؟ وجوه، فان قلنا انّ التخصيص يوجب صيرورة العموم معنونا بعدم الخاص فمقتضاها الاحتياط، لأنّ كلّا من وجوب القصر و الإتمام حينئذ يترتّب على موضوع نشكّ في تحقّقه فيجب الاحتياط بحكم العقل، و الّا فالأقوى هو القصر لأنّ كونه مسافرا بالنسبة إلى البريدين معلوم و نشكّ في أنّ الاتصال أيضا شرط أم لا؟ فيتمسّك بالعموم الدال على وجوب القصر عند سير بريدين لا في معصية اللّٰه.

(الرابع) إذا رجع عن سفر المعصية فهل يجب الإتمام مطلقا أيضا

كما في الذهاب أم القصر مطلقا أم التفصيل بين التوبة فالقصر و عدمها فالإتمام؟ وجوه (من) أنّ الإياب مسبب عن إرادة مستقلّة و المفروض عدم المعصية حينئذ فيجب القصر حينئذ بمقتضى عموم أدلّة القصر.

(و من) أنّ المجموع المركب من الذهاب و الإياب يعدّ سفرا واحدا عرفا فالعود يتبع الذهاب في الحكم الشرعي لا في حكم الحركة الطبيعيّة بعد الحركة القسريّة، فلذا لو عاد الحجر الى الهواء فحركته الايابيّة بمقتضى الطبع محكومة

بحكم القسرية، فلذا لو عاد الحجر فأصاب شخصا فجرحه أو قتله يترتّب عليه حكم العمد قصاصا و غيره.

و يؤيّده أيضا أنّ الأجر و الثواب في سفر الطاعة منبثّ و موزع على الذهاب و الإياب أيضا كما أشير إليه في حقّ المجاهدين بقوله تعالى:

مٰا كٰانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَ مَنْ حَوْلَهُمْ (الى قوله تعالى) ذٰلِكَ بِأَنَّهُمْ لٰا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَ لٰا نَصَبٌ وَ لٰا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللّٰهِ وَ لٰا يَطَؤُنَ مَوْطِئاً يَغِيظُ الْكُفّٰارَ وَ لٰا يَنٰالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلًا إِلّٰا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صٰالِحٌ إِنَّ اللّٰهَ لٰا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ «1».

______________________________

(1) سورة التوبة، الآية: 120.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 435

فإنّها تدلّ على ترتّب الثواب على الوطء لأجل الجهاد في سبيل اللّٰه و إطلاقه شامل للإياب أيضا، و بالجملة يعدّ هذا السفر سفرا واحدا فيجب الإتمام أيضا.

(و من) أنّ التوبة تسقط حكم ما قبلها و كذا ما هو من لوازم ما قبلها كما قلنا في الأصول في مسألة التوسّط في الأرض المغصوبة، و المفروض كون الإياب، بقدر المسافة.

و يحتمل التفصيل بين التوبة قبل الوصول إلى المعصية فالإتمام و بين التوبة بعده فالقصر.

و الوجوه الأربعة و ان كان لكل وجه الّا أنّ الثالث هو الأقوى.

(الخامس) إذا سافر لأمرين، المعصية، و غيرها،

فان كان أحدهما مستقلّا و الآخر تبعا فحكمه حكم ما لو كان مستقلّا في غائيّة السفر من وجوب القصر أو الإتمام، و ان كان كلاهما سببا بحيث لو لم يكن أحدهما لم يكن يسافر، ففي كونه موجبا للقصر أو الإتمام؟ وجهان لا يبعد الثاني لعدم صدق كون السفر لا في معصية.

(السادس) هل المدار في المعصية هو الواقع أو الاعتقاد و لو كان الاعتقاد مقتضى الأصل؟

لا يبعد أن يقال بأنّ المناط هو الثاني، لأنّ نفس العمل معتقدا أنّه معصية يعنونه بعنوان المعصية كما قلنا في الأصول في مسألة التجري بنفس هذا العنوان من العناوين المحرّمة، لأنّ الملاك في تقبيح العقل عصيان اللّٰه موجود في التجرّي أيضا فيصدق أنّ سفره في معصية اللّٰه، بل أقول: لو شككنا أيضا في كون المدار هو الواقع أو الاعتقاد، فمقتضى القاعدة هو الإتمام، لعدم إحراز أنّ السفر سفر لا في معصية اللّٰه.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 436

(السابع) لو نذر أنّ يصلّى تماما يمكن أن يقال بعدم انعقاد نذره

لعدم رجحان متعلّقه لأنّه ليس راجحا بالنسبة إلى القصر، بل كلاهما سواء بالنسبة إلى الامتثال الّا أن يرجع نذره الى ترك السفر و كان الترك مثلا راجحا.

و على تقدير انعقاده لو سافر فهل يكون سفره في المعصية أم لا؟

يمكن أن يقال بالأوّل لوجهين (الأوّل) أنّه بسفره قد جعل العمل بالنذر متعذّرا و نفس هذا العنوان أعني إيجاد ما يوجب تعذّر العمل بالواجب يكون معصية فيصدق أنّ سفره في المعصية فيتمّ.

(الثاني) ان ترك السفر واجب، و ترك هذا الترك و ان كان مغايرا لفعل السفر مفهوما الّا أنّ ما هو بالحمل الشائع يكون تركا للترك يكون تعينه هو فعل السفر، و هو نقيضه، و نقيض الواجب حرام فهو سفر في المعصية.

الكلام في سفر الصّيد و فيه بحثان
(الأوّل) في أنّه هل يكون موجبا للقصر أم لا

(الثاني) في أنّه هل يكون حراما أم لا؟

أمّا الأوّل، فلا شبهة نصّا و فتوى في كون السفر للصيد إذا كان لغير القوت و التجارة غير موجب للقصر، بل يبقى على تمامه، و لا إشكال في كونه موجبا له إذا كان للقوت و انّما الاشكال و الخلاف فيما إذا كان للتجارة كما سيأتي إن شاء اللّٰه تعالى.

امّا الأوّل فلأنّ مقتضى حمل المطلق على المقيّد هو ذلك فإنّ الأخبار

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 437

على أقسام ثلاثة (أحدها) ما دلّ بإطلاقه على وجوب الإتمام، مثل موثقة عبيد بن زرارة قال: سألت أبا عبد اللّٰه عليه السلام عن الرجل يخرج الى الصيد أ يقصّر أو يتمّ؟ قال يتمّ لانّه ليس بمسير حق «1».

و رواية ابن بكير، قال: سألت أبا عبد اللّٰه عليه السلام عن الرجل يتصيّد اليوم و اليومين و الثلاثة أ يقصّر الصلاة؟ قال: لا الّا أن يشيّع الرجل أخاه في الدين فانّ التصيّد مسير

باطل لا تقصر الصلاة فيه، و قال: يقصّر إذا شيّع أخاه «2».

(ثانيها) ما دلّ بإطلاقه على وجوب القصر، مثل ما رواه الشيخ (ره) بإسناده، عن محمّد بن على بن محبوب، عن محمّد بن الحسين، عن صفوان، عن عبد اللّٰه، قال: سألت أبا عبد اللّٰه عليه السلام عن الرجل يتصيّد، فقال: ان كان يدور حوله فلا يقصّر، و ان كان تجاوز الوقت فليقصّر و المراد من الوقت هو المكان- لا الزمان- و هو يطلق عليه كما (في الميقات) فإنّه اسم لمكان الإحرام و مثلها صحيحة عيص بن القاسم عن الصادق عليه السلام «3».

و بإسناده عنه، عن العباس معروف، عن الحسن بن محبوب، عن بعض أصحابنا، عن أبى بصير، عن أبى عبد اللّٰه عليه السلام، قال:

ليس على صاحب الصيد تقصير ثلاثة أيّام، و إذا جاوز الثلاثة لزمه «4».

و المراد بالثلاثة هنا ثلاث مراحل و فيها من هذه الخصوصيّة إيماء

______________________________

(1) الوسائل باب 9 حديث 4 من أبواب صلاة المسافر ج 5 ص 511.

(2) الوسائل باب 9 حديث 7 من أبواب صلاة المسافر ج 5 ص 511.

(3) الوسائل باب 9 حديث 2 من أبواب صلاة المسافر ج 5 ص 511.

(4) الوسائل باب 9 حديث 3 من أبواب صلاة المسافر ج 5 ص 511.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 438

الى التقيّة «1».

(ثالثها) ما يدلّ على التفصيل بين كون الصيد للقوت أو للفضول بالإتمام في الأوّل دون الثاني مثل ما رواه الشيخ (ره) بإسناده، عن أحمد بن محمّد، عن عمران بن محمّد بن عمران القمّي، عن بعض أصحابنا، عن أبى عبد اللّٰه عليه السلام، قال: قلت له: الرجل يخرج الى الصيد مسيرة يوم أو يومين (أو ثلاثة- خ) يقصّر

أو يتمّ؟ قال: ان خرج لقوته و قوت عياله فليفطر و ليقصّر و ان خرج لطلب الفضول فلا و لا كرامة «2».

و طريق الجمع واضح، فإنّ إطلاق الأوّلين يقيّد بالثالث صدرا و ذيلا.

و أمّا الثالث- و هو الصيد للتجارة- فمحلّ اشكال و تأمّل، فمن ثمّ اختلف الأقوال فيه، فالأولى ذكر كلمات عدّة من فقهائنا كي ينظر الناظر و يحكم بمقتضاها فإنّه ليس هنا نصّ بالخصوص فيما فصّلوه في مسألة الصيد للتجارة فنقول- بعون اللّٰه:

قال أبو جعفر محمّد بن على بن بابويه الصدوق رحمهما اللّٰه في صلاة المقنع: و لا يحلّ التمام في السفر الّا لمن كان السفر في معصية اللّٰه أو سفرا الى صيد، و إذا خرجت الى صيد بطرا «3» أو أشرا «4» فعليك

______________________________

(1) و قد قرّر في محلّه إمكان حجيّة الخبر المشتمل على أمرين بالنسبة إلى أحدهما دون الآخر.

(2) الوسائل باب 9، حديث 5 من أبواب صلاة المسافر: ج 5 ص 512.

(3) و قد تكرّر في الحديث ذكر البطر، و هو كما قيل سوء احتمال الغنى و الطغيان عند النعمة (مجمع البحرين).

(4) الأشر بكسر الشين الفرح و البطر كأنّه يريد كفران النعمة و عدم شكرها (مجمع البحرين).

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 439

التمام في الصلاة و الصوم، و ان كان صيدك ممّا تعود به على عيالك فعليك التقصير في الصوم و الصلاة (انتهى).

و قال رحمه اللّٰه في صوم المقنع: و صاحب الصيد إذا كان صيده بطرا أو أشرا فعليه التمام في الصلاة و الإفطار في الصوم، و إذا كان صيده ممّا يعود به على عياله فعليه التقصير في الصوم و الصلاة (انتهى).

و قال رحمه اللّٰه في صلاة الهداية مثل ما في

صلاة المقنع.

و قال الشيخ محمّد بن محمّد بن النعمان المفيد عليه الرحمة في صوم المقنعة: و كلّ مسافر في طاعة اللّٰه عزّ و جلّ ممّن حضره أكثر من سفره يجب عليه التقصير في الصوم و الصلاة و كلّ مسافر في سفر مباح فذلك حكمه الّا المسافر في طلب الصيد للتجارة خاصّة، فإنّه يلزمه التقصير في الصيام و يجب عليه إتمام الصلاة (انتهى).

و قال الشيخ أبو جعفر محمّد بن الحسن الطوسي عليه الرّحمة في صلاة النهاية: و لا يجوز التقصير الّا لمن كان سفره طاعة للّٰه أو في سفر مباح، فان كان سفره معصية أو اتباعا لسلطان جائر لم يجز له التقصير و كذلك ان كان سفره الى صيد لهوا، لم يجز له التقصير، و ان كان الصيد لقوته و قوت عياله وجب أيضا التقصير، و إذا كان صيدا للتجارة وجب عليه الإتمام في الصلاة و التقصير في الصوم (انتهى).

و قال رحمه اللّٰه في المبسوط بعد ذكر القسمين الأوّلين: و ان كان للتجارة روى أصحابنا أنّه يتمّ الصلاة و يقصّر الصوم (انتهى موضع الحاجة من كلامه رفع مقامه).

و قال الشيخ علاء الدين في الصلاة من اشارة السبق: و من عداه من المسافرين حكم سفره في الإتمام كحضره، و هو المسافر في معصية أو

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 440

لعب أو صيد لا تدعو الحاجة إليه (انتهى).

و قال السيّد أبو المكارم ابن زهرة في الغنية في صلاة الغنية- بعد بيان عدد الركعات: هذا في حقّ الحاضر و في حقّ من كان حكمه حكم الحاضرين من المسافرين و هو من كان سفره أكثر من حضره كالجمّال و المكاري و البادي أو في معصية اللّٰه أو اللعب

و النزهة (انتهى).

و قال الشيخ على بن حمزة الطوسي عليه الرحمة في صلاة الوسيلة- بعد ما قسم المسافر الناوي الخارج على أقسام ثمانية: ما لفظه: و الثاني على ثلاثة أضرب إمّا عدل الى الصيد لهوا و لا يجوز التقصير، أو لطلب القوت و يلزمه التقصير، أو للتجارة، و يلزمه التقصير في الصلاة دون الصوم (الى أن قال): و من الصيد لهوا (انتهى).

و في الفقه المنسوب الى الرّضا عليه السلام: و لا يحلّ التمام في السفر الّا لمن كان سفره للّٰه جلّ و عزّ معصية أو سفرا الى صيد، و من خرج الى صيد فعليه التمام إذا كان صيده بطرا أو أشرا، و إذا كان صيده للتجارة فعليه التمام في الصلاة، و التقصير في الصوم، و إذا كان صيده اضطرارا ليعوده على عياله فعليه التقصير في الصلاة و الصوم «1» (انتهى موضع الحاجة).

و قال محمّد بن إدريس عليه الرّحمة في صلاة السرائر، و الرّابع سفر المعصية مثل الباغي (الى ان قال) أو طلب صيد اللهو و البطر، فانّ جميع ذلك لا يجوز فيه التقصير لا في الصوم و لا في الصلاة، فامّا

______________________________

(1) الفقه المنسوب للإمام الرضا عليه السلام ص 162 من باب 21 طبع: مؤسّسة آل البيت عليهم السلام 1406 ه ق، و انّما أردفه سيّدنا الأستاذ في ضمن أقوال الأصحاب لأجل عدم ثبوت كون الكتاب له عليه السلام.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 441

الصيد الذي لقوته و قوت عياله، فإنّه يجب فيه التقصير في الصّوم و الصلاة، فامّا ان كان الصيد للتجارة دون الحاجة للقوت، روى أصحابنا بأجمعهم أنّه يتمّ الصلاة و يفطر الصوم و كلّ سفر أوجب التقصير في الصوم وجب التقصير

في الصلاة إلّا هذه المسألة فحسب للإجماع عليها (انتهى موضع الحاجة).

و يستفاد من كلام المفيد (ره)، و الشيخ (ره) في النهاية، و المبسوط، و ابن حمزة الطوسي (ره) و ابن إدريس التفصيل بين الصلاة فيتمّ و الصوم فيقصر و هو المستفاد من الرّضوي أيضا، بل يظهر من ابن إدريس أنّه رواية جميع أصحابنا كما هو ظاهر المبسوط أيضا، بل نسب التفصيل في المختلف الى على بن بابويه و ابن البرّاج أيضا، و ابن إدريس (ره) نسبه الى جماعة.

نعم لم يتعرّض في المقنع و الهداية مسألة الصيد للتجارة.

و الحاصل أنّ هذا التفصيل كان مشهورا بين القدماء الى زمن المحقّق صاحب الشرائع و العلّامة، و ليست المسألة ممّا للعقل سبيل إليها، و ليس هنا عموم يتمسّك به في الصلاة دون الصوم أو بالعكس، مع أنّ الملازمة بينهما في التقصير فيهما كانت معلومة عندهم و كانوا متوجّهين إليها كما صرّح به ابن إدريس (ره)، فلا يمكن الاستشكال عليهم بثبوت الملازمة بينهما كما ذكره المحقّق و العلّامة و استشكلا عليهم بمطالبة الدليل، فإنّه بعد تصريح الشيخ (ره) في المبسوط، و الحلّي في السرائر بأنّه رواية أصحابنا لا وجه لمطالبته و مجرّد عدم وجدانهما الدليل- مع عدم وجود الجوامع الأوّليّة المدوّنة في الفقه في زمن الرّضا عليه السلام عندهم- لا يدلّ على عدم وجوده.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 442

و لا وجه أيضا للاستدلال بالاعتبار ببيان أنّه امّا أن يكون معصية فيجب الإتمام و الّا فيقصّر، و الّا فالتخيير كما استشكله المحقّق في المعتبر و كذا العلّامة في المختلف، و التذكرة، و المنتهى.

و يظهر من العلّامة في الإرشاد التردّد حيث قال: و الصّائد للتجارة يقصّر في صلاته و صومه

على رأى (انتهى) حيث نسبه الى الرّأي.

و كيف كان فقد ذهب المحقّق و العلّامة و أكثر المتأخّرين عنهما الى أنّ الصائد للتجارة يقصّر مطلقا، قال في المعتبر: و لو كان للتجارة قال الشيخ في النهاية و المبسوط يقصّر صلاته و يتمّ صومه و تابعه جماعة من الأصحاب و نحن نطالبهم بدلالة الفرق (الى أن قال): و يؤيّد ذلك ما رواه معاوية بن وهب ثمّ ذكر رواية الملازمة بينهما «1».

و قريب منه مع بيان مستقصى في المختلف.

فالمسئلة حينئذ ذات قولين و لا يبعد استكشاف نصّ قد خفي علينا كان دالّا على التفصيل كما صرّح به الشيخ و ابن إدريس في عبارتهما المتقدّمة، و لا يخلو عن قوّة و ان كان الأحوط الجمع في الصلاة، و أمّا الصوم فيقصّر على القولين.

هذا كلّه في الكلام في كون سفر الصيد موجبا للقصر أعنى الحكم الوضعي.

و أمّا البحث الثاني- أعني الحكم التكليفي-

و هو الحرمة و انّه هل يكون سفره له حراما أم لا؟

فنقول: لا إشكال في حليته للقوت أو التجارة حتّى على قول القدماء

______________________________

(1) الوسائل باب 4 حديث 1 من أبواب من يصحّ منه الصوم ج 6 ص 130.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 443

و هو التفصيل، فانّ ظاهرهم عدم حرمة هذا السفر و ان كان موجبا لإتمام الصلاة، و امّا إذا كان لهوا و بطرا فنقول: لا يبعد أن يقال بعموم الآيات الدالّة على جواز الاصطياد مثل قوله تعالى أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعٰامِ إِلّٰا مٰا يُتْلىٰ عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَ أَنْتُمْ حُرُمٌ «1» الآية و قوله تعالى أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ (الى قوله تعالى) وَ حُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مٰا دُمْتُمْ حُرُماً «2» و قوله تعالى وَ إِذٰا حَلَلْتُمْ فَاصْطٰادُوا «3».

و

إطلاق هذه الآيات و أمثالها يقتضي الجواز مطلقا ما لم يقم دليل على خلافه، و التعبير في الروايات بأنّه (مسير باطل) «4» أو أنّه (ليس المسير حقّ) «5» غير مناف للإطلاقات كما لا يخفى.

نعم يمكن أن يستدل عليه بما رواه حماد بن عثمان- عن أبى عبد اللّٰه عليه السلام «6» كما تقدّم نقله فإنّه عليه السلام فسّر قوله تعالى فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بٰاغٍ وَ لٰا عٰادٍ فَلٰا إِثْمَ عَلَيْهِ ب (باغي الصيد و السارق) فيدل على حرمة أكل الميتة عليه حتّى عند الاضطرار المجوّز لأكلها في غيرهما، و في المختلف استوجه الحكم بعدم جواز أكله و لا يلزم منه ترك الأهمّ الذي هو حفظ نفس المهمّ الذي هو بغى الصيد، لأنّه اختياري، فيمكن التوبة ثم أكلها كما أفاده العلامة عليه الرحمة، فإذا كان كذلك يكون الصيد حراما.

______________________________

(1) سورة المائدة، آية 1.

(2) سورة المائدة، آية 96.

(3) سورة المائدة، آية 2.

(4) راجع الوسائل باب 9 حديث 7 من أبواب صلاة المسافر ج 5 ص 512.

(5) راجع الوسائل باب 9 حديث 4 من أبواب صلاة المسافر ج 5 ص 512.

(6) راجع الوسائل باب 8 حديث 2 من أبواب صلاة المسافر ج 5 ص 509.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 444

و يمكن أن تحمل الرواية على أنّ الصيد كان مقصودا بالذات للصائد بحيث يكون باغيا للصيد فقط، فلا يرد الإشكال بأنّها مطلقة مع انّ القائل بالحرمة لا يقول بها مطلقا، هذا كلّه في الروايات.

و أمّا الأقوال، فعن المحقّق و العلّامة، و الشيخ ابن فهد في مهذب البارع و الآبي في كشف الرّموز كونه معصية، و كذا يظهر من آخر كلام ابن حمزة حيث أنّه عدّ في عداد العاصي

بسفره فراجع ما نقلناه عنه.

و عن الشيخ في الخلاف أنّه عنون الصيد- بعد عنوان سفر المعصية و نقل فيها الخلاف عن العامّة كلهم في كونه موجبا للإتمام مع أنّه في الثاني نقل موافقة بعضهم كالشافعي، و أحمد، و مالك، و كذا يظهر من الصدوق عدم كونه معصية فإنّه (ره)- بعد نقل الأخبار- قال: و من كان سفره معصية للّٰه عزّ و جلّ فعليه التمام في الصلاة و الصوم، و عن أبى البرّاج في المهذب أنّه قبيح، و عن المقدّس البغدادي: لا شبهة في كونه مباحا، و يظهر من الوسيلة لابن حمزة و السرائر لابن إدريس أيضا أنّه معصية.

و يمكن أن يقال: ان كونه معصية مبنى على حرمة مطلق اللهو و عدمها، و لكن الظاهر انّ القدر المتيقّن من أدلّة حرمته هو ما كان ملهيا عن ذكر اللّٰه تعالى بحيث يحصل للإنسان حالة خارجة عن الحالة الطبيعيّة بواسطة الآلات المخصوصة و الأصوات و التغنيات الملهية.

فالحكم بعدم كون السفر لصيد اللهو معصية و ان كان لا يخلو من وجه الّا أنّ الاحتياط لا يترك حدا.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 445

فرع

لو سافر عاصيا بسفره و كان صائما في شهر رمضان ثمّ عدل عن المعصية، فإن كان العدول قبل الزوال يجوز له الإفطار بلا اشكال و لا ينوى الصوم و ان كان بعد الزوال فهل يفطر ثمّ يقضى أم لا؟ وجهان لا يخلو ثانيهما من قوّة، لأنّ المفروض أنّه قبل الزّوال كان مأمورا بالصوم و بعده يدخل تحت أدلّة وجوب الصوم إذا خرج بعد الزّوال بعد ما كان المفروض عدم تأثير ما قطع في لزوم الإفطار (و بعبارة أوضح) العادل بعد الزوال كالخارج من منزله في

لزوم الصوم.

الشرط الخامس بلوغه حدا يعبّر عنه بحدّ التّرخّص
اشارة

و عمدة ما رواه في هذا الشرط روايتان صحيحتان (إحديهما) رواها محمّد بن مسلم، قال: قلت لأبي عبد اللّٰه عليه السلام: الرجل يريد السفر فيخرج متى يقصر؟ قال: إذا توارى من البيوت «1».

(ثانيهما) رواها عبد اللّٰه بن سنان، عن أبى عبد اللّٰه عليه السلام قال: سألته عن التقصير، قال: إذا كنت في الموضع الذي لم تسمع الأذان فقصّر، و إذا قدمت من سفرك فمثل ذلك «2»، هكذا في نسختين من الإستبصار «3».

______________________________

(1) الوسائل باب 6 حديث 1 من أبواب صلاة المسافر ج 5 ص 505.

(2) المصدر حديث 3 منها.

(3) راجع الاستبصار، ج 1 ص 243 باب 143 رقم 862 طبع الاخوندى.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 446

و لكن نقلها الشيخ الحرّ في الوسائل «1» هكذا: إذا كنت في الموضع الذي تسمع فيه الأذان فأتم و إذا كنت إلخ و لعلّه كانت عنده نسخة اخرى غير ما عندنا.

و قد وقع الخلاف في أنّ المدار على أيّهما هل يكتفى بأحدهما المعيّن أو المخيّر أو اللازم تحقّق كليهما؟ وجوه، فعن بعض ترجيح الصحيحة الأولى لذكر المشايخ الثلاثة لها دون الثانية، و عن بعض، العكس فرجحها على الأولى لتأيّدها بروايات اخرى و يرد على كلا الوجهين من القولين «2» انّ مجرّد عدم نقل الرواية في جميع الكتب الأربعة الأصليّة لا يوجب موهونيّتها بعدم كونها معمولة عند الأصحاب و انّ تأييدها «3» بروايات لا يوجب ترجيحها بذلك.

و عن جماعة، التخيير بينهما (و فيه) أنّه ان كان المراد، التخيير الواقعي فلا وجه للحمل عليه، لأنّه بين حكمين متضادّين لا بين الموضوع الواقعي الذي هو حدّ واحد حقيقي، فإنّ التحقيق- كما سيأتي بيانه- أنّهما كنايتان عن موضوع حقيقي واحد،

لا انّهما حدّان و ان كان المراد التخيير الظاهري بمعنى تخيير المجتهد- في العمل بأيّهما شاء- كما في تخيير الحائض في الأخذ بإحدى الرّوايات- ستّة ستّة أو سبعة سبعة، أو ثلاثة في شهر و عشرة في آخر فيما ان تجاوز دمها عن العشر- و لم يكن لها أقران و لا أقرباء على التفصيل المذكور في بابه- فلا وجه له

______________________________

(1) و الظاهر أنّه نقله من التهذيب فانّ في التهذيب كما في الوسائل فراجع التهذيب باب حكم المسافر و المريض إلخ.

(2) ردّ للوجه الأوّل.

(3) ردّ للوجه الثاني.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 447

أيضا بعد فرض أنّ الحدّ الواقعي حقيقي موضوع لوجوب القصر.

و عن جماعة الجمع بتقييد منطوق إحديهما بمنطوق الأخرى كي ينتج شرطيّة كليهما، أو رفع اليد عن مفهوم الاولى بمنطوق الثانية لينتج كفاية أحد الأمرين (و فيه) أنّ التقييد انّما يكون في المفهوم الذي قابل لأن يصير مقيّدا بالمفهوم الآخر و أمّا المصداق الخارجي فلا كما في نحن فيه، فانّ المراد بيان مقدار من البعد الذي يوجب التقصير في السفر، و البعد الخارجي لا يقبل التقييد بمفهوم آخر، فان ما هو الموضوع لتعيّن التقصير على المسافر أمّا بمقدار بعد يتحقّق به كلا الأمرين أو يتحقّق أحدهما و أيّهما كان فلا تقييد.

فظهر أنّ الترجيح أو التخيير مطلقا لا وجه له، و كذا الجمع بأحد الوجهين خلاف التحقيق مضافا الى عدم إحراز التنافي بين الروايتين بعد عدم معلوميّة المراد من التواري و عدم سماع الأذان لاختلافهما باختلاف أصوات المؤذّنين و السامعين و الرّائين، و باختلاف مكان الأذان، و اختلاف الجدران من حيث الطول و القصر، و باختلاف الأهوية بعصف الرّيح تارة إلى الجهة التي يسافر إليها

و أخرى بعصفها الى غير تلك الجهة.

و على تقدير حمل الأمرين في كل واحد من المذكورات على المتوسط فيمكن عدم التنافي أيضا بعد ما أشرنا من كونهما كنايتين عن بعد خاص موجب لتبدّل الحكم.

فحينئذ يمكن أن يقال: انّ عدم سماع الأذان مع تواريه عن البيوت يقعان مقترنين، نعم ما عبّر به الأصحاب رضوان اللّٰه تعالى عليهم من توارى الجدران عنه يشكل كونهما مقترنين، فانّ توارى الجدران عن

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 448

المسافر يقع غالبا بعد عدم سماع الأذان.

فالأولى أن يقال بأحد الوجهين، (فامّا) أن يكون توارى المسافر عن البيوت متّحدا مع عدم سماع الأذان غالبا، فيكون النكتة في التعبير بأحد الأمرين لراو كمحمّد بن مسلم و بالآخر لآخر كعبد اللّٰه بن سنان هو تمكّن أحدهما بالنسبة إلى أحدهما و الآخر بالنسبة إلى الآخر، فأيّهما حصل يكشف عن حصول الآخر.

(و امّا) أن يكونا كلاهما أمارتين على الأمر الوحداني الواقعي لا أن لكل واحد منهما خصوصيّة، فالاختلاف بينهما في مقدار البعد الحاصل بهما لمّا كان قليلا، يغتفر في أمثال المقام ممّا هو غير معلوم عندنا و ان كان معلوما في الواقع و حقيقة، فإنّ الأمارات الشرعيّة سواء كانت على الاحكام أو الموضوعات انّما جعلت كذلك بملاحظة غلبة المطابقة لا دوامها- كما قرّر في محلّه.

و يمكن أن يقال أيضا: انّ رواية عبد اللّٰه بن سنان تدل على أنّ المسافر، يقصّر في صورة عدم السماع، و لا دلالة على أنّه أوّل الحدّ، فيمكن أن يكون أوّله، التواري و يكون عدم السماع كاشفا قطعيّا بعد تعسّر إحراز الحدّ الحقيقي (و بعبارة أخرى) فتبيّن أنّه لا يبعد أن يقال: انّ المعتبر أحد الأمرين كما عبّر به الأصحاب، لا

أنّ أحدهما المعيّن معيّن و لا أنّ أحدهما المخيّر متعيّن امّا تخييرا واقعيّا أو ظاهريّا ابتدائيّا أو استمراريّا، و لا أنّه يرفع اليد عن مفهوم أحدهما بمنطوق الآخر، كما ذهب الى كلّ فريق بمعنى كون كلّ واحد منها طريقا الى الحدّ الواقعي فأيّهما حصل تحقّق ذو الطريق، كما ذهب الى كل فريق.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 449

هنا مسائل
(الاولى) لو صلّى قصرا زعما منه أنّه وصل الى حدّ الترخّص فبان عدمه

يراعى في الإعادة و القضاء تماما أو قصرا حال الفوت.

(الثانية) لو كان وظيفته الصلاة ماشيا أو راكبا فشرع فيها في محل يجب عليه الإتمام فبلغ في الركعة الثانية مثلا الى حدّ الترخّص،

فهل يجب عليه إتمامها رباعيّة أو القصر؟ وجهان بل قولان، قال العلّامة رحمه اللّٰه في التذكرة: و لو أحرم في السفينة قبل أن تشير و هو في الحضر ثمّ سارت حتّى خفي الأذان و الجدران لم يجز له القصر لأنّه دخل في الصلاة على التمام (انتهى موضع الحاجة من كلامه رفع في الخلد مقامه)، و عن بعضهم وجوب القصر مستدلّا بإطلاق قوله عليه السلام: إذا كنت في موضع لا تسمع الأذان فقصر، إلخ بدعوى أنّ نيّة القصر أو الإتمام ليست معيّنة للمنوي بناء على ما هو التحقيق من القصر و الإتمام ليسا حقيقتين مختلفتين، بل حقيقة الصلاة وحدانيّة، و القصر و الإتمام أمران ينتزعان من المرتبة المتأخّرة عن العمل، فان كان وظيفته السلام على اثنتين ينتزع القصر و ان كانت السلام على الأربع ينتزع الإتمام.

و من هنا يندفع الاستدلال على الأوّل بقوله عليه السلام: (الصلاة على ما افتتحت به) «1» وجه الاندفاع أنّه اشارة إلى العناوين الموجبة

______________________________

(1) لعلّه مأخوذ ممّا رواه معاوية، قال: سألت أبا عبد اللّٰه عليه السلام عن رجل قام في الصلاة المكتوبة فسها فظنّ أنّها نافلة أو قام في النافلة فظنّ أنّها مكتوبة، قال: هي على ما افتتح الصلاة عليه- الوسائل باب 2 حديث 2 من أبواب النيّة ج 4 ص 712 و يستفاد منها أنّ عنواني الفريضة و النافلة كعنوانى الظهر و العصر و غيرهما و اللّٰه العالم.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 450

لتغاير المعنونات كعنوان الظهر و العصر و غيرهما.

و الحاصل أنّ القصر و الإتمام ليسا كالقيام المعنون تارة بالتعظيم، و أخرى بالتوهين فإنّ النيّة في أمثال ذلك

معيّنة للمنوي هذا.

و لكن يمكن أن يقال: بعدم شمول الدليل الذي في مقام التحديد و بيان الحدّ، لأنّ ظاهره سؤالا و جوابا، بيان الحدّ الذي يجب عليه إيجاد الصلاة قصرا و ينتقل فرضه من الإتمام إليه في مقابل العامّة الذاهبين إلى كفاية الخروج من المنزل- كما عن بعض أو من سور البلد- كما عن آخر، بل يمكن أن يقال بلزوم الإتمام، فإنّ المسافر ما لم يصل الى ذلك الحدّ لا يصدق عليه الضرب في الأرض في نظر الشرع و ان كان يصدق في نظر العرف فتأمّل فعدم شمول أدلّة القصر و ان كان أرجح في النظر الّا أنّ شمول الإطلاق المستفاد من قوله تعالى فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنٰاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا إلخ «1» فإنّ ظاهره أنّ الصلاة كانت تامّة فقصرت، اشكالا «2» فلا يترك الاحتياط بالإتمام ثمّ الإعادة قصرا.

(الثالثة) إذا لم يكن المسافرة من محلّ يؤذّن فيه

أو لم يكن هناك بيوت يعتبران بالنسبة إلى موضع يوجدان و يفرض أحدهما ثمّ يعتبر بالنسبة الى ذلك.

(الرابعة) صوت غير الأذان أيضا بحكم الأذان

إذا كان بقدره.

(الخامسة) الظاهر انّ حدّ الترخّص يعتبر فيما إذا كان سفره معصية ثمّ تاب عنها

______________________________

(1) سورة النساء، آية 101.

(2) اسم انّ.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 451

فبمجرّد العدول- مع شروطه في السير مع قصده المسافة يقصّر فلا يحتاج الى بلوغه الى موضع لا يسمع أذان موضع العدول.

(السادسة) هل يختص اعتبار حدّ الترخّص بالخارج من وطنه أو يشمل الداخل إليه أيضا

أو يعمّ الخارج من محلّ الإقامة و الداخل اليه أو الخارج منه فقط؟ وجوه، بل أقوال، الأشهر بل المشهور شموله للداخل أيضا، و هو الأقوى تمسّكا بروايتي ابن سنان و ابن مسلم، و تضعيفا لما رواه على خلافهما الدال على أنّ الاعتبار في الرّجوع الى البيت أو الى المنزل «1»، (امّا) بمنع دلالتها على ذلك لقابليّتها للحمل على ما ذكرنا، (و امّا) لعدم حجيّتها باعراض المشهور، (و امّا) لعدم مقاومتها للمعارضة، لموافقتها لبعض العامّة كعطا، و شذوذ القائل بها، و عدم العمل بها.

و أمّا دلالة الروايتين على الخروج من محلّ الإقامة أو الدخول، فلا يبعد أن يقال بدلالة رواية محمّد بن مسلم على الخروج به فانّ قوله عليه السلام في جواب السّائل: الرجل يريد السّفر فيخرج: (إذا توارى من البيوت) يشمل الخروج من محلّ يجب عليه الإتمام إذا كان فيه تأمّل.

و أمّا الدخول اليه فلا دليل عليه الّا التنزيل الوارد من أنّ المقيم بمكّة (بمنزلة أهل مكّة) «2» و شموله لمثل المقام مشكل فلا يترك الاحتياط امّا بالصلاة بعد الوصول الى حدّ يعلم معه الحكم و امّا بالجمع.

______________________________

(1) راجع الوسائل باب 7 حديث 1- 3- 5- 6 من أبواب صلاة المسافر، ج 5 ص 507 و 508.

(2) راجع الوسائل باب 6 حديث 6 من أبواب صلاة المسافر: ج 5 ص 506.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 452

فصل في قواطع السّفر
اشارة

و قد ذكرها الفقهاء رضوان اللّٰه عليهم في موضعين (أحدهما) عند ذكر شرائط وجوب القصر (و ثانيها) عند ذكر أحكام المسافر.

و اعلم أنّهم ذكروا أنّها ثلاثة (أحدهما) إقامة ثلاثين يوما مترددا (ثانيهما) إرادة إقامة عشرة أيّام في غير بلده (ثالثها) مروره على وطنه و قد ذكر في

بعض الأخبار، الوصل الى ضيعته أو الى بلد قبيلته «1» و لكن يشكل الاستدلال بها فلا اعتبار بها.

و أمّا الأوّلان فسيأتي الكلام ان شاء اللّٰه تعالى.

و أمّا الثالث [مروره على وطنه]

فنقول: قد اختلف كلمات الفقهاء في معنى الوطن (فعن) بعض هو موضع تولّده، (و عن) آخر هو مكان مقرّه دائما مع قصد البقاء (و عن) ثالث زيادة و مقرّ أبيه أيضا (و عن) رابع اعتبار الاثنين منها (و عن) خامس اعتبار الثلاثة و لكن لا يخفى أنّه لا يكون لكلّ واحد منها قائل، بل هي احتمالات.

و الذي يقتضيه التتبّع في كلمات العرب في موارد استعمالات هذه الكلمة أعني الوطن هو عدم اعتبار واحد منها، بل الوطن عبارة عن محل و مكان قد استقرّ فيه زمانا يصدق به عليه أنّ مقرّه و مأواه بحيث يكون مسافرته منه باعتبار بعده عن ذلك المكان، و حضوره باعتبار وجوده فيه كما قد يتّفق كثيرا ما للذين يجاورون المشاهد المشرّفة، بل للطلاب الساكنين في النجف الأشرف و سائر الحوزات العلميّة حيث أنّه بعد

______________________________

(1) راجع الوسائل باب 14 حديث 1 من أبواب صلاة المسافر: ج 5 ص 520.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 453

برهة الزمان- يصدق عند العرف أنّه وطنهم، بل الإطلاقات اللغوية أيضا ذلك.

و في القاموس: الوطن محرّكة و يسكن منزل الإقامة كالموطن، و مربط الغنم ج: أوطان، و وطن به يطن، و أوطن، أقام، و أوطنه وطّنه و استوطنه اتّخذه وطنا، و مواطن مكّة مواقفها (انتهى موضع الحاجة).

و في الصحاح: الوطن محلّ الإنسان، و أوطان الغنم مرابضها و أوطن الأرض و وطّنها و استوطنها و اتّطنها أى اتخذها وطنا.

و عن روبة:

أوطنت وطنا لم يكن من وطني لو لم تكن عامله لم

أسكن

و في المجمع: و الوطن بالتحريك مكان الإنسان و محلّه أوطنت الأرض و وطنتها توطّنا و استوطنتها أى اتّخذتها وطنا (انتهى).

و في المنتخب- للشاه جهانى-: وطن بفتحتين، جائى بودن و اقامت كردن مردم، أوطان جمع (انتهى).

و ظاهر هذه الكلمات كلّها، هو كون الوطن ليس له عنوان مخصوص بل هو مرادف للإقامة و السكنى.

و كيف كان فقد قسمه المتأخرون إلى أصلي، و شرعي، و نسبوا الى المتقدّمين القول بالوطن الشرعي، و ليس كذلك لأنّهم لا يقولون بالوطن الشرعي بمعنى أنّ الشارع بما هو شارع قد حكم بكون المكان الذي أقام فيه المسافر ستة أشهر أنّه وطنه تعبّدا مع فرض عدم صدق الوطن عرفا أو أنّه جعل للوطن معنيين أحدهما مسقط رأسه (ثانيهما) ما أقام فيه المدّة المذكورة.

و لعلّ هذه النسبة قد نشأت من تعبير المتقدّمين بالاستيطان أو

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 454

التوطّن مثلا و قد قلنا: انّ الاستيطان ليس له معنى غير الإقامة و السكنى كما سمعت من القاموس و الصحاح، و المجمع، و المنتخب، و السرّ في تعبيرهم بالاستيطان لا بالإقامة و السكنى، هو متابعة الروايات في التعبير كما هو دأبهم رضوان اللّٰه تعالى عليهم.

فلا بدّ من نقل الروايات أوّلا على اختلافها و معارضتها ثمّ الجمع بينها، ثمّ بيان ما هو الحق في المسألة.

فنقول بعون اللّٰه تعالى: انها على أربعة أقسام، القسم الأوّل ما ورد في أنّ مالك الضيعة بما هو مالك لا حكم خاص له، بل هو كغيره في أنّه إذا أراد الإقامة عشرة في ضيعته أتمّ و الّا قصّر.

مثل ما رواه الشيخ رحمه اللّٰه بإسناده، عن سعد بن عبد اللّٰه، عن إبراهيم بن هاشم، عن إسماعيل بن مرّار، عن

يونس بن عبد الرّحمن، عن عبد اللّٰه بن سنان، عن أبى عبد اللّٰه عليه السلام، قال: من أتى ضيعته ثمّ لم يرد المقام عشرة أيّام قصّر، و ان أراد المقام عشرة أيّام أتمّ الصلاة «1».

و عنه، عن إبراهيم، عن البرقي، عن سليمان بن جعفر الجعفري، عن موسى بن حمزة بن بزيع، قال: قلت لأبي الحسن عليه السلام: جعلت فداك انّ لي ضيعة دون بغداد، فأخرج من الكوفة أريد بغداد، فأقيم في تلك الضيعة أقصّر أو أتمّ؟ فقال: ان لم تنو المقام عشرة أيّام فقصّر «2» (القسم الثاني) ما يدل على أنّ كونه مالكا لشي ء في الضيعة في الجملة كاف و لو لم يكن قابلا للسكنى.

______________________________

(1) الوسائل باب 15 حديث 6 من أبواب صلاة المسافر، ج 5 ص 525.

(2) الوسائل باب 15 حديث 7 من أبواب صلاة المسافر، ج 5 ص 526.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 455

مثل ما رواه الشيخ رحمه اللّٰه، بإسناده، عن محمّد بن أحمد بن يحيى، عن أحمد بن الحسن، بن على بن فضال، عن عمرو بن سعيد، عن مصدّق بن صدقة، عن عمّار بن موسى، عن أبى عبد اللّٰه عليه السلام في الرجل يخرج في سفره فيمرّ بقرية أو دار فينزل فيها، قال: يتمّ الصلاة و لو لم يكن له الّا نخلة واحدة و لا يقصّر، و ليصم إذا حضره الصوم و هو فيها «1».

و ما رواه الصدوق عليه الرّحمة بإسناده، عن إسماعيل بن الفضل الهاشمي، قال: سألت أبا عبد اللّٰه عليه السلام عن الرجل يسافر من أرض إلى أرض و انّما ينزل قراه و ضيعته، قال: إذا نزلت قراك و ضيعتك (و أرضك- الوسائل) فأتمّ الصلاة، و إذا كنت

في غير أرضك فقصّر «2».

و ما رواه محمّد بن يعقوب الكليني رحمه اللّٰه عليه، عن محمّد بن الحسن و غيره، عن سهل بن زياد، عن احمد بن محمّد بن أبى نصر، قال: سألت الرّضا عليه السلام عن الرجل يخرج الى ضيعته فيقيم اليوم و اليومين و الثلاثة أ يقصّر أم يتمّ؟ قال: يتمّ الصلاة كلّما أتى ضيعة من ضياعه «3».

(و القسم الثالث) ما يدل على أنّ الموضوع لوجوب الإتمام هو الاستيطان، مثل ما رواه الصدوق عليه الرّحمة، بإسناده، عن على بن يقطين، عن أبى الحسن الأوّل عليه السلام أنّه قال: كلّ منزل من منازلك لا تستوطنه فعليك فيه التقصير «4».

______________________________

(1) الوسائل باب 14 حديث 5 من أبواب صلاة المسافر، ج 5 ص 521.

(2) الوسائل باب 14 حديث 2 من أبواب صلاة المسافر، ج 5 ص 520.

(3) الوسائل باب 14 حديث 17 من أبواب صلاة المسافر، ج 5 ص 524.

(4) الوسائل باب 14 حديث 1 من أبواب صلاة المسافر، ج 5 ص 520.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 456

و ما رواه الشيخ رحمه اللّٰه، بإسناده، عن سعد، عن أحمد بن محمّد، عن ابن أبى نصر، عن حماد بن عثمان، عن على بن يقطين، قال:

قلت لأبي الحسن الأوّل عليه السلام: الرجل يتخذ المنزل فيمرّ به أ يتمّ أم يقصّر؟ قال: كل منزل لا تستوطنه فليس لك بمنزل و ليس لك أن تتم فيه «1».

و عنه، عن أحمد، عن الحسن بن على بن يقطين، عن أخيه الحسين بن على، قال: سألت أبا الحسن الأوّل عليه السلام، عن رجل يمرّ ببعض الأمصار و له بالمصر دار و ليس المصر وطنه أ يتمّ صلاته أم يقصّر؟ قال: يقصّر الصلاة،

و الضياع مثل ذلك إذا مرّ بها «2».

و عنه، عن أيّوب بن نوح، عن ابن أبى عمير، عن حماد بن عثمان «3»، عن أبى عبد اللّٰه عليه السلام في الرجل يسافر فيمرّ بالمنزل له في الطريق يتمّ الصلاة أم يقصّر؟ قال: يقصّر انّما هو المنزل الذي توطّنه «4».

و عنه، عن أيوب بن نوح، عن صفوان بن يحيى، عن سعد بن أبى خلف، قال: سئل على بن يقطين أبا الحسن الأوّل عن الدار تكون للرجل بمصر و الضيعة فيمرّ بها قال: ان كان ممّا قد سكنه أتمّ فيه الصلاة و ان كان ممّا لم يسكنه فليقصّر «5».

______________________________

(1) الوسائل باب 14 حديث 6 من أبواب صلاة المسافر، ج 5 ص 520.

(2) الوسائل باب 14 حديث 7 من أبواب صلاة المسافر، ج 5 ص 520.

(3) و عن الوافي عن الحلبي، عن أبى عبد اللّٰه عليه السلام قال سيّدنا الأستاذ مدّ ظلّه: و هو الأصح.

(4) الوسائل باب 14 حديث 7 من أبواب صلاة المسافر.

(5) الوسائل باب 14 حديث 9 من أبواب صلاة المسافر.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 457

و عنه، عن أيّوب، عن أبى طالب، عن أحمد بن محمّد بن أبى نصر، عن حماد بن عثمان، عن على بن يقطين، قال: قلت لأبي الحسن الأوّل: انّ لي ضياعا و منازل بين القرية و القريتين، و الفرسخ و الفرسخين و الثلاثة، فقال: كلّ منزل من منازلك لا تستوطنه فعليك فيه القصر «1».

(القسم الرابع) ما يدلّ على عدم كفاية مطلق الاستيطان، بل يعتبر الإقامة فيه ستّة أشهر.

مثل ما رواه الشيخ رحمه اللّٰه، عن سعد، عن محمّد بن أحمد بن يحيى، عن أحمد بن الحسن، عن محمّد بن إسماعيل بن بزيع،

عن أبى الرّضا عليه السلام، قال: سألته عن الرجل يقصّر في ضيعته؟ فقال: لا بأس ما لم ينو مقام عشرة الّا أن يكون له فيها منزل يستوطنه، فقلت: ما الاستيطان؟ فقال: ان يكون له فيها منزل يستوطنه ستّة أشهر، فإذا كان كذلك يتمّ متى دخلها «2».

و وجه الجمع «3» أنّ القسم الأوّل يدلّ على أنّ الضيعة بما هي هي لا حكم لها بمعنى أنّ كونها ضيعته غير مقتض لشي ء، لا أنّه مقتض لعدم الإتمام.

و القسم الثاني يدلّ على أنّه مقتض الإتمام فلا تعارض، لأنّ مفاد الأوّل هو اللااقتضاء و الثاني هو اقتضاء العدم و ليس بينهما

______________________________

(1) الوسائل باب 4 حديث 6 من أبواب صلاة المسافر، ج 5 ص 521.

(2) الوسائل باب 4 حديث 11 من أبواب صلاة المسافر، ج 5 ص 522.

(3) و انّما لم يتعرّض الأستاذ مدّ ظلّه للقسم الرابع لأنّه أخص من الكل، مضافا الى أنّه بعد إرجاع البعض يرجع إليه في النتيجة فانتظر.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 458

تعارض كما هو واضح و انّما التعارض- ان كان- بين القسم الثاني و الثالث فانّ القسم الثاني يدلّ على كفاية الاستيطان مطلق و الثالث على كفاية كونها ضيعته مطلقا.

و لكنّ الظاهر أنّ تعارضهما انّما هو بالإطلاق و التقييد، فتقيّد أخبار كفاية مجرّد الضيعة بأخبار الاستيطان، فيصير الحاصل أنّ الورود في الضيعة التي استوطن فيها موجب للإتمام و قد يتوهم بانّ بين القسم الأوّل و الثالث عموما من وجه فإنّ الأوّل دالّ على أنّ الإتمام في الضيعة وجودا و عدما يدور مدار الإقامة و عدمها سواء كانت مع الاستيطان و عدمه، و الثاني دالّ على أنّ الإتمام فيها وجودا و عدما يدور مدار

الاستيطان و عدمه ففي صورة الاستيطان و الإقامة لا معارضة، و في صورة عدم الإقامة و عدم الاستيطان لا معارضة أيضا، و في صورة الإقامة و عدم الاستيطان أو الاستيطان و عدم الإقامة يتعارضان فلا بدّ حينئذ أما من التوقّف أو التخيير كما هو مقتضى التعارض الّا أن يكون هناك مرجح كما في المقام و هو الإجماع للإجماع عن كون العزم على الإقامة مطلقا موجبا للإتمام، بخلاف الاستيطان مع عدم الإقامة، فإنّ فيه خلافا فيقيّد الاستيطان بالإقامة دونها.

و لكنّه مدفوع بما أشرنا إليه من أنّ القسم الأوّل يدل على أنّ المرور بالضيعة لا حكم له من حيث أنّه مرور بها، و لا إطلاق له بالنسبة إلى الاستيطان و عدمه.

و القسم الثالث يدلّ على أنّ الاستيطان له حكم إذا كان في الضيعة فيقيّد به (و بعبارة أخرى) حكم الإقامة كان معلوما عند السائل و انّما كان شكّه في المرور على الضيعة لأجل اختلاف فقهاء المسلمين،

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 459

فعن الشافعي في أحد قوليه أنّ المرور عليها موجب للإتمام مستدلّا بأنّها كالوطن، و في القول الآخر له أنّه يقصّر مستدلا بعدم إتمام أصحاب رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه و آله حين خرجوا معه صلّى اللّٰه عليه و آله إلى مكّة مع أنّه كان لهم ضياعا و عقارا قبل مهاجرتهم فصار هذا الاختلاف سببا لسؤال أصحاب الأئمّة عليهم السلام منهم عليهم السلام فأجابوا عليهم السلام بما أجابوا.

و أمّا السؤال عن حكم الإقامة فلم يكن له وجه لانّه لا خلاف بينهم في أنّ الإقامة في الجملة موجبة للإتمام، غاية الأمر كان الاختلاف في مقدارها فلا اشكال لهم حينئذ من هذه الحيثيّة.

و انّما الكلام و البحث في

إثبات الوطن الشرعي بهذه الروايات كما هو منسوب الى المشهور الى زمن صاحب الرياض رحمه اللّٰه، أو الوطن العرفي كما هو المتراءى من كلامه و كلام من تأخّر عنه الى زماننا هذا.

فلا بدّ من بيان معنى الوطن عرفا كي يتّضح الحال، فنقول- بعون اللّٰه تعالى-: أنّه عبارة من مكان يكون الإنسان باعتباره بعده عنه يعدّ مسافرا، و باعتبار كونه فيه يعدّ حاضرا.

و لكن ليس الحكم بوجوب الإتمام موقوفا على صدق عنوان (الوطن) كي نشكّ في وجوب الإتمام عند الشكّ في تحقّقه، بل هو دائر مدار أن لا يكون ضاربا في الأرض كما بينّا آنفا فكلّ موضع لا يصدق- باعتبار كونه فيه- أنّه ضارب في الأرض يجب عليه الإتمام فعلى هذا يمكن أن يكون له وطنان، سواء كان إقامته فيهما على نحو التساوي أم لا، فصدق المسافر عليه حينئذ باعتبار بعده عنهما أو عن أحدهما ينقطع حكم السفر إذا خرج من أحدهما و مر على الآخر.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 460

و المراد بالوطن الشرعي الذي منسوب الى المشهور- و سنشير الى ما في النسبة- أنّه مع كونه مسافرا عرفا قد تعبّده الشارع بكونه وطنا له، أو جعل الشارع توسعة في معنى الوطن العرفي.

لكن كلمات المشهور آبية على الحمل على ذلك المعنى، بل هم قائلون بأنّ المسافر مع صدق كونه مسافرا «1» يجب عليه التمام لا أنّه جعل الشارع معنى خاصا للوطن على خلاف متفاهم العرف.

و مستندهم رواية حماد عن الصادق عليه السلام، و رواية على بن يقطين بطرق خمسة عن أبى الحسن الأوّل عليه السلام، و رواية محمّد بن إسماعيل بن بزيع، عن الرّضا عليه السلام و قد عبّر فيها بلفظ الاستيطان فعبّر الشيخ

في المبسوط، و ابن إدريس في السرائر، و المحقّق و من تأخّر عنه الى زمن صاحب الرّياض بلفظ الرّواية، فتوّهم أنّهم قائلون بالوطن الشرعي مع أنّ الوطن كما قلنا و نقلنا كلمات أهل اللغة ليس له معنى غير الإقامة و السكنى.

و يؤيّده التعبير بالسكونة في رواية سعد بن أبى خلف التي هي بعينها الرواية التي نقلها غيره عن الكاظم عليه السلام بقوله عليه السلام:

(ان كان ممّا قد سكنه إلخ، و ان لم يكن ممّا قد سكنه إلخ) «2»، فليس عنوان (الوطن) محلّا للكلام بين الاعلام كما توهّم و ليس البحث في معنى هذا العنوان بكثير فائدة.

نعم يمكن أن يبحث في أنّ اقامة الستّة أشهر موجبة للإتمام تعبّدا أو تكون أحد مصاديق الوطن العرفي الذي ذكرنا المراد منه.

______________________________

(1) فالتعبّد انّما هو في الحكم دون الموضوع حينئذ.

(2) راجع الوسائل باب 14 حديث 9 من أبواب صلاة المسافر ج 5 ص 22.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 461

فلا بدّ من ذكر كلمات العلماء المتقدّمين مقدّما ثمّ نتكلّم في المراد ممّا رواه ابن بزيع التي نقلناها في القسم الرّابع فنقول:

قال الشيخ رحمه اللّٰه في المبسوط- الذي وضعه لذكر الفروع المتفرّعة على الأصل الذي جاء عن المعصومين عليهم السلام بخلاف النهاية فإنّه وضعها لذكر الفتاوى المتلقّاة منهم عليهم السلام: و إذا سافر فمرّ في طريقه بضيعة له أو على مال له أو كانت له أصهار أو زوجة فنزل عليهم و لم ينو المقام عشرة قصّر، و قد روى أنّه عليه التمام، و قد بيّنا الجمع بينهما و هو ما روى أنّه ان كان منزله أو ضيعته ممّا قد استوطنه ستّة أشهر فصاعدا تمّم و ان لم يكن استوطن ذلك

قصّر (انتهى).

و قال في النهاية: و من خرج الى ضيعة له و كان له فيها موضع فينزله و يستوطنه وجب عليه الإتمام، فان لم يكن له فيها مسكن وجب عليه التقصير (انتهى).

و قال محمّد بن إدريس في السرائر: و السفر خلاف الاستيطان و المقام، فاذن لا بدّ من ذكر حدّ الاستيطان و حدّه ستّة أشهر فصاعدا سواء كانت متفرّقة أم متوالية، فعلى هذا التقرير و التحرير من نزل في سفره قرية أو مدينة و له فيها منزل أو مملوك قد استوطنه ستّة أشهر أتمّ (الى أن قال) و ان لم يكن كذلك قصّر (انتهى).

و قال أبو جعفر محمّد بن على بن حمزة المشهدي الطوسي تلميذ الشيخ في الوسيلة- بعد ما قسّم المسافر على أقسام-: و الثالث أن كان له مسكن نزل به ستّة أشهر فصاعدا أتمّ و ان لم يكن، قصّر إلّا إذا نوى الإقامة عشرة (انتهى).

و عن القاضي ابن البرّاج تلميذ المفيد (ره) في المهذب: و من

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 462

مرّ في طريقه على مال له أو ضيعة يملكها أو كان له في طريقه أهل أو من يجرى مجراهم و نزل عليهم و لم ينو المقام عندهم عشرة أيّام كان عليه التقصير (انتهى).

و عن أبى الصلاح الحلبي- معاصر الشيخ-: فان دخل مصرا له فيها وطن فنزل فيه فعليه التمام و لو صلاة واحدة و ان لم ينزله و لم يكن له فيها وطن فيعزم على إقامة عشرة أيّام أتمّ، و ان لم يعزم قصّر ما بينه و بين شهر (انتهى).

و قال المحقّق في الشرائع: الشرط الثالث أن لا يقطع السفر بإقامة في أثنائه، فلو عزم على مسافة و في طريقه

ملك له قد استوطنه ستّة أشهر أتمّ في طريقه و في ملكه (انتهى).

و قال في المعتبر: إذا استوطن منزلا ستّة أشهر فصاعدا أتمّ إذا مرّ به و قصّر في طريقه ان كانت مسافة، و قال الشافعي: لا يلزمه التمام لأنّ النبي صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم و أصحابه مرّوا في حجّهم بمكّة و لهم فيها مساكن و لم يتمّوا (انتهى).

و قال العلامة رحمه اللّٰه عليه في المختلف: و الأقرب عندي الإتمام سواء نزل في منزله الذي في البلد أولا، بشرطين، ثبوت الملك، و الاستيطان في البلد «1» لا اشتراط الاستيطان في المنزل المملوك بل لو استوطن في البلد في غير ملكه ستة أشهر وجب التمام، بل لو لم يكن له منزل، بل لو كان له في البلد ضيعة أو مزرعة أو بستان، بل و لو نخلة، وجب الإتمام مع استيطان ستة أشهر في البلد (انتهى موضع

______________________________

(1) يريد انه لا يشترط صيرورة الحكم هو الإتمام كونه مستوطنا في المنزل الذي هو ملك له بل يكفى مطلق الاستيطان ستة أشهر مطلقا.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 463

الحاجة من كلامه زيد في علوّ مقامه)، و قال الصدوق رحمة اللّٰه عليه في كتاب من لا يحضره الفقيه: و سأل إسماعيل بن الفضل أبا عبد اللّٰه عليه السلام عن الرجل يسافر من أرض إلى أرض و انّما ينزل قراه و ضيعته فقال: إذا نزلت قراك و أرضك فأتمّ الصلاة، و إذا كنت في غير أرضك فقصر، قال مصنف هذا الكتاب: يعنى بذلك إذا أراد المقام في قراه و أرضه عشرة أيّام، و متى لم يرد المقام بها عشرة أيّام قصّر الّا أن يكون له بها منزل

يكون فيه في السنة ستّة أشهر، فإن كان كذلك أتمّ متى دخلها، و تصديق ذلك ما رواه محمّد بن إسماعيل بن بزيع «1» إلخ ثمّ ساق الحديث (انتهى).

و يستفاد من مجموع هذه الكلمات أقوال (أحدها) القول بأنّ الإقامة ستّة أشهر في منزل يكون له فيه ملك و لو لم يكن قابلا للسكنى، موجبة للإتمام إذا مرّ عليه «2».

(ثانيها) كفاية مطلق الاستيطان و لو لم يكن ستّة أشهر كما هو ظاهر النهاية.

(ثالثها) كفاية مطلق المنزل أو الملك كما هو ظاهر المهذب.

(رابعها) اعتبار إقامة الستّة أشهر كما هو أحد احتمالي كلام الفقيه.

(خامسها) كفاية إقامتها في سنة واحدة كما هو الاحتمال الآخر من كلامه.

و الأوّل ظاهر المبسوط، و السرائر، و الوسيلة على وجه أن يكون المراد

______________________________

(1) الفقيه، ج 1 أواخر باب الصلاة في السفر، ص 451 طبع مكتبة الصدوق

(2) يأتي عن قريب ذكر قائله.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 464

من قوله (ره) (له فيها مسكن مملوك يسكن فيه) هو الاستيطان، و الّا يكون قولا سادسا.

و هو قول المحقّق و العلامة- رحمهما اللّٰه- و من تأخر عنهما الى زمن صاحب الرّياض «1» فقد حمل الروايات الدالّة على هذا القول كلّها حتّى رواية محمّد بن إسماعيل بن بزيع «2»، على الوطن العرفي، قال في الرياض- بعد ما استشكل على القول المشهور و انّ المعتبر فعليّة الاستيطان لا مجرّد الاستيطان ستّة أشهر، و بعد أن حمل كلمات المشهور على ارادة فعليّة الاستيطان: ما هذا لفظه: يتحصّل ممّا ذكرنا أنّه لا اشكال و لا خلاف في عدم اعتبار الملك في الوطن المستوفى فيه المدّة المزبورة كلّ سنة، و لا في اعتباره في المستوطن منه تلك المدة مرّة و انّما الخلاف

و الاشكال في كون مثل الوطن الأخير و لو مع الملك قاطعا، و لكن الأقوى فيه العدم كما تقدّم، و مرجعه إلى إنكار الوطن الشرعي و انحصاره في العرفي، و هو قسمان، أصلي نشأ فيه أو اتخذه و طارئ «3» يعتبر في قطعه السفر فعليه الاستيطان فيه ستّة أشهر بمقتضى الصحيحة المتقدّمة (انتهى).

و مراده من الصحيحة صحيحة ابن بزيع، و تبعه على هذا من تأخر عنه فصارت الأقوال ستّة أو سبعة، و المهم منها ثلاثة، (الأوّل) هو كونه

______________________________

(1) المتوفّى سنة 1231 ه ق سنة رحلة المحقّق القمّي صاحب القوانين.

(2) المذكورة في القسم الرابع المتقدّم.

(3) هكذا في النسخة التي عندي من الرّياض، و لعلّ الصواب:

(أو اتّخذه وطنا و يعتبر إلخ).

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 465

وطنا عرفيّا و استدلّ له بأنّ الروايات الدالّة على الاستيطان لا تدل على أزيد من الوطن العرفي فتحمل رواية ابن بزيع عليه، و ظهور المفسّر بالكسر و لو كان مقدّما على ظهور المفسّر بالفتح- الّا أنّ قوّة ظهور الثاني موجبة لتقدّمه على الأوّل و الّا يلزم الإغراء بالجهل حيث أنّ كثيرا من المطلقات في مقام البيان.

(ان قلت): على هذا لا فائدة في سؤال ابن بزيع عن الاستيطان بقوله: قلت: (ما الاستيطان) فإنّه لو كان المراد هو الاستيطان العرفي لكان مبيّنا (بالفتح) فلا يحتاج إلى السؤال ثانيا، بخلاف لو ما كان المراد، الوطن الشرعي أو كان المراد العلم بأنّه امّا هو أو ذاك، أو المراد احتمال أحدهما، فإنّ الفائدة على الأوّل طلب بيان الوطن الشرعي، و على الثاني طلب تعيينه، و على الثالث طلب تعيّن المحتمل.

(قلت): يمكن أن يكون وجه السؤال بملاحظة أنّ الراوي قد فرض كون الرجل مسافرا يدخل

ضيعة نفسه كما يظهر من قوله: (في الرجل يقصّر في ضيعته؟) فحكم الامام عليه السلام بوجوب الإتمام في صورة الاستيطان، صار سببا لتعجّبه في أنّه مع عدم كونه وطنا فكيف يجب عليه الإتمام فأجاب عليه السلام بإمكان تعدّد الوطن.

________________________________________

بروجردى، آقا حسين طباطبايى، تقرير بحث السيد البروجردي، 2 جلد، دفتر انتشارات اسلامى وابسته به جامعه مدرسين حوزه علميه قم، قم - ايران، اول، 1416 ه ق

تقرير بحث السيد البروجردي؛ ج 2، ص: 465

(ان قلت): فما فائدة ذكر الستّة أشهر لا غير.

(قلت): من باب أنّه أشهر مصاديق تعدد الوطن العرفي باعتبار تنصيف جميع السنة على نحو تساو.

(ان قلت): فما فائدة ذكر المنزل مع أنّ الوطن العرفي لا يعتبر فيه ذلك، و لا الملك، و لا كونه ذا ضيعة، و لا غيرها، نعم يعتبر فقط إقامة مدّة يصدق بها أنّه وطنه.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 466

(قلت): هذه القيود قد وردت مورد الغالب، فانّ الغالب في مكان جعلوه وطنا لهم عرفا أن يكون لهم فيه أحد الأمور المذكورة فحينئذ لا مفهوم لها.

هذا محصّل ما استدلّ للقائلين بالوطن العرفي.

و لكن يمكن أن يجاب عن هذا الاستدلال، بأنّ سوق السؤال يدل على أنّ السائل فرض أنّ للرجل وطنا أصليّا غير الضيعة و قد خرج إليها كما هو معمول الآن أيضا بين المالكين من خروجهم إليها للمشاغل التي لهم فيها، يوما أو يومين أو أياما قليلة لا بقصد التوطّن، فلذا قال:

سألته عن الرجل يقصّر في ضيعته؟ إلخ فلو كان الخروج بقصد التوطّن العرفي لم يكن لهذا السؤال وجه.

فسوق السؤال دال على أنّ الرجل الوارد في ضيعته يكون مسافرا و مع ذلك هل يجب عليه التقصير أم لا فإنّ للعامّة قولين

حتّى نقل عن الشافعي وحده قولان أحدهما وجوب الإتمام باعتبار الوارد في ضيعته لا مشقّة عليه فلا تقصر، لأنّ القصر لرفع المشقّة الحاصلة بالسفر باعتبار كونه في غير منزله و ثانيهما لزوم القصر للعمومات، و لأنّ النبي صلّى اللّٰه عليه و آله و الصحابة مرّ في حجّهم بمكّة و لهم فيها مساكن و لم يتمّوا «1».

فأراد ابن بزيع رفع الشبهة عن نفسه فأجاب عليه السلام بأنّه ما لم يتحقّق أحد الأمرين يقصّر، و هما عزم إقامة العشرة و اقامة ستّة أشهر و لو مع عدم العزم.

و أمّا قولهم: بلزوم حمل المطلق على الفرد الغالب، فمبنىّ على كون الوطن بعنوانه موضوعا لوجوب الإتمام و ليس كذلك، لأنّ الحكم بالإتمام متوقّف

______________________________

(1) حكاه المحقّق (ره) في المعتبر كما تقدّم نقله.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 467

على الإقامة كذلك كما ذكرنا و نقلنا عن أهل اللّغة، أنّ الوطن و الاستيطان و التوطّن و الاتطان و الايطان بمعنى الإقامة و السكنى، و أيّدنا ذلك برواية سعد بن أبى خلف «1» حيث علّق عليه السلام الحكم فيها بالسكنى و عدمها و ليس للوطن معنى غير جعل الموضع مسكنا، و حيث أنّ جعله مسكنا مقول بالتشكيك سئل ابن بزيع عن مقدار السكنى الموجب للإتمام فأجاب عليه السلام بما أجاب عليه السلام.

و بما ذكرنا من الجواب يظهر وجه القول بكون الإقامة ستّة أشهر موجبة للإتمام مطلقا لا باعتبار أنّه وطن له عرفا.

و يؤيّده الاستثناء الواقع في صحيحة ابن بزيع فإنّه لو كان المراد الوطن العرفي لكان الاستثناء منقطعا لأنّ المعنى حينئذ هكذا: انّ المسافر إذا دخل ضيعته يقصّر الّا أن لا يكون مسافرا عرفا بل كان هناك له وطن عرفا و

هو- كما ترى- خلاف ظاهر الاستثناء و خلاف أصله الموضوع له، فإنّ الأصل فيه أن يكون متّصلا خصوصا بقرينة ذكره بعد عزم إقامة عشرة أيّام فإنّه يكون فيه قطعا.

اللّٰهمّ الّا أن يمنع كونه مسافرا مع عزمه كذلك كما سيأتي ان شاء اللّٰه.

فتحصّل أنّ قول المشهور- أعنى بهم الشيخ، و ابن إدريس، و المحقّق، و العلامة و من تأخّر عنهم الى زمن صاحب الرّياض- أظهر الأقوال.

و أمّا ما نسب الى الصدوق عليه الرّحمة من اعتبار إقامة ستّة أشهر في كلّ سنة، فمع تسليم النسبة لا نسلّم دلالة صحيحة ابن بزيع عليه.

______________________________

(1) راجع الوسائل باب 14 حديث 9 من أبواب صلاة المسافر، ج 5 ص 522.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 468

و يؤيّده ما ذكرناه- من كون الإقامة في بلد الملك ستّة أشهر غير أخذ ذلك البلد دار إقامته و وطنه عرفا عند الأصحاب- ما ذكره العلامة عليه الرّحمة في التذكرة في الفرع التاسع على هذه المسألة قال:

ط «1»، لو اتّخذ بلدا دار إقامته كان حكمه حكم الملك و ان لم يكن له فيه ملك بحيث لو اجتاز عليه وجب عليه الإتمام فيه ما لم يغيّر نيّة الإقامة، و لو اتخذ بلدين فما زاد موضع إقامته كان بحكم ملكه و ان لم يكن له فيها ملك (انتهى).

و هو أوّل من عنون هذا الفرع ثمّ تبعه الشهيد في الدروس فإنّه قال- بعد مسألة الاستيطان: و من اتّخذ بلدا دار إقامته فالأقرب إلحاقه بالملك (انتهى موضع الحاجة)، و هو كذلك، و عدم تعرّض القدماء لذلك، لا لعدم تفطّنهم لذلك، بل لأنّ هذه المسألة كانت واضحة عندهم غير محتاجة إلى التعرّض لها.

و كيف كان يقع الكلام في اعتبار الاستيطان

الفعلي و عدمه فنقول: انّ الروايات المذكورة على قسمين.

(أحدهما) ما عبّر فيه بلفظ الماضي كرواية سعد بن أبى خلف و قد عبّر عليه السلام فيها بقوله: (ممّا قد سكنه إلخ) «2» و كذا قوله عليه السلام:

(و ان كان ممّا لم يسكنه إلخ) بصيغة الجحد الذي هو نفى الفعل عن الفاعل في الماضي، و رواية حماد بن عثمان، عن أبى عبد اللّٰه، عن أبى عبد اللّٰه عليه السلام، و فيها: (انّما هو المنزل الذي توطّنه «3» بناء

______________________________

(1) هكذا في التذكرة فعلى هذا يكون فرعا تاسعا على حسب ترتيب حروف الأبجد لا سابعا.

(2) الوسائل باب 14 حديث 9 من أبواب صلاة المسافر، ج 5 ص 522.

(3) الوسائل باب 14 حديث 8 من أبواب صلاة المسافر، ج 5 ص 522.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 469

على كونه بصيغة الماضي من باب التفعّل.

(ثانيهما) ما عبّر فيه بلفظ المضارع، مثل ما رواه على بن يقطين عن أبى الحسن الأوّل عليه السلام بطرق مختلفة من قوله عليه السلام: (كل منزل من منازلك لا تستوطنه فليس لك بمنزل) «1» كما في بعض الطرق أو (فعليك فيه التقصير) «2» كما في آخره و ما رواه محمّد بن إسماعيل بن بزيع عن الرضا عليه السلام من قوله عليه السلام: (الّا أن يكون له فيها منزل استوطنه، فقلت: ما الاستيطان؟ فقال: أن يكون له فيها منزل يقيم فيه ستة أشهر فإذا كان كذلك يتمّ متى دخلها) «3».

و دلالة القسم الأوّل على كفاية مطلق الاستيطان المدّة المذكورة في الزمان واضحة و يمكن أن يقال بدلالة القسم الثاني أيضا عليه، أمّا غير الأخيرة، فبأن يكون المراد تحقّق الاستيطان في الخارج من غير نظر الى كونه

فعليّا، و أمّا الأخيرة، فبأنّ السؤال فيها انّما هو في الاستيطان الذي وقع صفة لقوله عليه السلام: (أن يكون له منزل يستوطنه).

و الظاهر أن قوله عليه السلام ثانيا: (أن يكون له فيها منزل يقيم ستّة أشهر) في الجواب تكرار للموصوف.

كما أنّ الظاهر أنّ ماله دخل في الجواب و يبيّن به المراد، هو بيان ستّة أشهر لا قوله عليه السلام: (يقيم) لأنّ مفهوم الاستيطان كان مبيّنا عند الراوي، و هو الإقامة و انّما كان سؤاله عن مقدار الإقامة الموجبة لتغيّر الحكم فيصير المعنى حينئذ انّ اقامة ستة هو المراد من

______________________________

(1) الوسائل باب 14 حديث 1، 6 من أبواب صلاة المسافر، ج 5 ص 522.

(2) الوسائل باب 14 حديث 10 من أبواب صلاة المسافر، ج 5 ص 522.

(3) الوسائل باب 14 حديث 11 من أبواب صلاة المسافر، ج 5 ص 522.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 470

الاستيطان لا مطلق الاستيطان.

و الظاهر عدم الإشكال في عدم إرادة إقامة الستّة في هذا السفر لوجوب الإتمام حينئذ من باب قصد الإقامة كما لا إشكال في عدم إرادة الإقامة في المستقبل فتعيّن أن يكون المراد أنّ المسافر إذا أقام في بلد ستّة أشهر فالمرور عليه يقطع حكم السفر.

إذا ثبت هذا، فهل ذلك مترتّب على إقامة مرّة واحدة كما هو قول المشهور أم لا بدّ له من الإقامة في كل سنة كما نسب الى الصدوق عليه الرحمة على أحد احتمالي كلامه المتقدّم؟ و الظاهر أنّ مستند الوجهين هو الرواية و اختلاف فهمها لعدم نصّ خاصّ ظاهرا غير ما بأيدينا.

وجه الأوّل أنّ قوله عليه السلام: (يقيم) يصدق على إقامة واحدة في سنة واحدة بعد الفراغ عن كون المراد منها هو الإقامة

في الزمان الماضي.

و وجه الثاني كون المراد من قوله عليه السلام: (يقيم) أنّه يقيم في الماضي و يعزم على الإقامة كذلك في المستقبل و لازمة تعداد الإقامة حسب تعداد السنوات.

لكن فيه أنّه خلاف الظاهر، مضافا الى أنّ في أصل النسبة كلاما لعدم ظهور كلام الصدوق عليه الرحمة في مخالفة المشهور و قد تقدّم عين عبارته فراجع.

و الظاهر كفاية مطلق الملك على القول باعتباره و لو لم يكن قابلا للسكنى لدلالة رواية عمّار الساباطي المتقدّمة «1» عليه.

هذا و لكن في أصل المسألة أعني ثبوت الوطن الشرعي اشكال

______________________________

(1) راجع الوسائل باب 14 حديث 5 من أبواب صلاة المسافر، ج 5 ص 23.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 471

لعدم تحقّق الشهرة بل ظاهر جملة منهم كالشيخ رحمه اللّٰه في النهاية و ابن إدريس على وجه، و صريح المحقّق و العلامة- رحمهما اللّٰه- في المعتبر و التذكرة و المنتهى، هو وجوب الإتمام في المحلّ المذكور من باب صدق الوطن العرفي، لا أنّ هناك تعبدا من الشرع، بل صرّح المحقّق (ره)، بأنّ الشارع لم يجعل للوطن حدّا، و جعل رواية ابن بزيع مؤيّدة لمقصوده، بل العلامة عليه الرحمة لم يستند إليها في بعض كتبه و استند الى الصدق العرفي.

فنسبة القول بوجوب الإتمام في المحلّ المذكور إليهم، و لا سيّما المحقّق و العلامة في غير محلّها، فإذا ثبت عدم صحّة النسبة إلى زمن المحقّق و العلامة فإلى من كان بعد زمانهما أيضا يكون الأمر كذلك.

نعم قد نسب المستند و صاحب الرياض عليهما الرحمة إلى المشهور القول بالوطن الشرعي و هو أيضا ليس بصحيح، لما سنذكر عبارات عدة منهم الدالّة ظهورا أو صريحا من كون المناط عندهم الصدق العرفي بكونه

وطنه لا أنّ الشارع جعل للوطن حدّا خاصّا تعبّدا.

نعم عبارة عدّة من الفقهاء مجملة فإنّهم عبّروا بما في رواية ابن بزيع المتقدّمة «1» و لم يبيّنوا وجه هذا التعبير هل هو من باب التعبّد أو كان تبعا للرواية.

و الحاصل أنّ كتب القوم التي بأيدينا على قسمين (أحدهما) ما اكتفى فيها بذكر الفتوى من دون بيان الاستدلال و كيفيّته (ثانيهما) استدلاليّة و نحن لما نظرنا الثاني نرى أنّهم استدلّوا للحكم بصدق الوطن

______________________________

(1) الوسائل باب 15 حديث 8 من أبواب صلاة المسافر، ج 5 ص 520.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 472

العرفي فيمكن أن يستكشف أنّ الأولى أيضا كذلك، غاية الأمر أنّهم لم يصرّحوا بذلك.

فالمناسب نقل عبارات عدّة من الفقهاء في القسم الثاني كي يتّضح الحال قال المحقّق (ره) في المعتبر: إذا استوطن منزلا ستّة أشهر فصاعدا أتمّ إذا مرّ و قصّر طريقه ان كانت مسافة، و قال الشافعي: لا يلزمه التمام لأنّ النبي صلّى اللّٰه عليه و آله و الصحابة مرّوا في حجّهم و لهم فيها مساكن، و لم يتمّوا (لنا) أنّه لا بدّ من حدّ للاستيطان و حيث لم يحده الشرع قدرناه لما يسمّى في العادة استيطانا و من أقام في ملكه هذا القدر فقد مرّ عليه فصلان مختلفان فقضى العرف بأنّه وطن، و أيّد ذلك ما رواه محمّد بن إسماعيل بن بزيع عن الرضا عليه السلام، قال: سألته «1» ثمّ ساق الحديث كما تقدّم و قال العلامة عليه الرحمة في التذكرة: لو كان في أثناء المسافة له ملك قد استوطنه ستّة أشهر انقطع سفره بوصوله اليه و وجب عليه الإتمام فيه عند علمائنا، سواء عزم على الإقامة فيه أولا و هو أحد

قولي الشافعي، لأنّه حاله فيها يشبه حال المقيمين، و لقول الرضا عليه السلام و قد سأله محمّد بزيع (الى أن قال): و لأنّه بلد إقامته فلا يعدّ في العرف مسافرا (انتهى موضع الحاجة من كلامه زيد في علوّ مقامه).

و قال في المنتهى- و هو آخر ما صنفه على ما قيل-: و عدم قطع السفر شرط، و القطع يحصل بأمرين أحدهما أن يعزم على الإقامة (الى أن قال): الثاني أن يكون له في الأثناء منزل قد استوطنه ستّة أشهر فصاعدا فإنّه يتمّ فيه و في الطريق اليه و غيره ان كان لكلّ واحد منها دون

______________________________

(1) تقدّم موضع الرواية من الوسائل.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 473

المسافة (الى أن قال): (لنا) ما رواه الجمهور عن عثمان أنّه صلّى بمنى أربع ركعات (الى أن قال): و لأنّه لا بدّ للاستيطان من التشبه بالبلد الذي خرج منه، و مع إقامة ستّة أشهر يمرّ عليه فصلان مختلفان، فيقضى العرف عليه بالاستيطان (انتهى).

الّا أنّ هذين العلمين عليهما الرحمة قد استدلّا بالصدق، بل الأوّل قد صرّح بكون الشارع لم يحدّ الاستيطان و الثاني في الثاني لم يستند إلى الرواية أصلا، فكيف يمكن استناد القول بالوطن الشرعي إليهما؟ أو أنّهما قائلان بأنّ المرور على ذلك المكان موجب للإتمام تعبدا، بل كلامهما كالصريح في الاستيطان الفعلي نعم يمكن أن يستفاد من كلامهما- بل ظاهر بعض كلمات العلامة في بعض المقامات- أنّ الإقامة إذا كانت دون ستّة أشهر لا يترتّب عليه هذا الحكم، و هذا غير ما هو محلّ النزاع أعني إثبات الوطن الشرعي أو كون الحكم بالإتمام تعبديا.

فيمكن حينئذ أن يورد عليهما بأنّا لا نسلّم توقّف الصدق على ذلك المقدار من الإقامة

بل قد يصدق ممّا دونها أيضا.

كما أنّ من الممكن دعوى ظهور كلامهما في اشتراط الملك، و هذا أيضا يمكن ردّه بأنّه بعد التسليم يكون المناط هو حكم العرف بتحقيق الوطن، فلا فرق بين من يكون مالكا و غيره.

و المقصود من اطالة الكلام- مع أنّها ليست مناسبة للمقام- هو إثبات أنّ المشهور قائلون بالوطن العرفي لا ما نسب إليهم من الشرعي.

نعم ظاهر كلام الشيخ (ره) في المبسوط، و ابن حمزة في الوسيلة كونه مسافرا فراجع، و كيف كان، فعليك بالتأمّل في كلمات الأعلام، نسأل

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 474

اللّٰه تعالى أن يعصمنا من الزلل في الأقدام و الأقلام بحقّ النبي و آله الكرام.

هذا كلّه في البحث في القاطع الثالث

و أمّا الأوّلان أعني إرادة الإقامة عشرة أيّام و اقامة ثلاثين يوما متردّدا
اشارة

فنقول: أمّا أوّلهما أعني إقامة العشرة فقد اتّفق الفريقان- أعني العامّة و الخاصّة- على كون الإقامة في الجملة موجبة للإتمام، فعن عائشة أنّ المسافر ما دام لم يضع الزاد يقصّر فإذا وضع يتمّم، و عن الشافعي و مالك و أبى ثور كون إقامة أربعة أيّام- غير يوم الورود و الخروج- موجبة، و عن أبي حنيفة خمسة عشر.

و هذان القولان «1» مشتركان في عدم الفرق بين العزم و عدمه الّا أنّه يتمّ في الأوّل دون الثاني.

و أمّا الإماميّة فقد فصلّوا- تبعا للروايات الواردة- عن أهل بيت الوحي- بين العزم و عدمه فاكتفوا في الفرض الأوّل «2» بالعزم على إقامة عشرة أيّام و في الثاني «3» بثلاثين يوما أو شهر على الوجهين كما سيأتي إن شاء اللّٰه تعالى.

و هذه المسألة إجماعيّة، و الأخبار بها مستفيضة لو لم تكن متواترة فلا إشكال في أصلها إنّما الإشكال في خصوصيّتها، و لا بأس بالإشارة إلى الأخبار إجمالا.

فنقول: انّها

على أقسام ثلاثة (أحدها) ما يدلّ على أنّ العزم

______________________________

(1) المراد قول الشافعي و أبي حنيفة.

(2) ارادة الإقامة.

(3) عدم العزم.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 475

عشرة أيّام يوجب الإتمام و نشير اليه على نحو الإجمال.

مثل ما رواه على بن جعفر بسندين عن أخيه عليه السلام، و ما رواه عبد اللّٰه بن سنان عن أبى عبد اللّٰه عليه السلام، و ما رواه منصور بن حازم عن أبى عبد اللّٰه عليه السلام أيضا، و ما رواه محمّد بن إسماعيل بن بزيع عن الرضا عليه السلام، و ما رواه رجاء بن أبى الضحّاك عن الرضا عليه السلام أيضا، و ما رواه موسى بن حمزة بن بزيع، عن أبى الحسن عليه السلام، و ما رواه زرارة، عن أبى جعفر عليه السلام «1».

(ثانيها) ما يدلّ على كفاية أحد الأمرين أمّا العزم عشرة أيّام أو إقامة ثلاثين يوما متردّدا.

مثل موقوفة أبي بصير، و روايته الأخرى، عن أبى عبد اللّٰه عليه السلام، و رواية أبي ولّاد عنه عليه السلام و رواية أبي أيّوب، و رواية معاوية بن وهب عنه عليه السلام، و رواية سويد بن غفلة عن علي عليه السلام «2».

(ثالثها) ما يدلّ على كفاية إقامة ثلاثين يوما متردّدا.

مثل رواية إسحاق بن عمّار، عن أبى الحسن عليه السلام «3».

و يستفاد من مجموعها أنّ اقامة عشرة أيّام مع العزم أو إقامة ثلاثين

______________________________

(1) راجع الوسائل باب 15 حديث 1، 6، 4، 8، 18، 7، 13، 10 من أبواب صلاة المسافر، ج 5 ص 524 الى ص 528.

(2) راجع الوسائل باب 15 حديث 3، 13، 5، 12، 17 من أبواب صلاة المسافر.

(3) راجع الوسائل باب 15 حديث 11 من أبواب صلاة المسافر.

تقرير بحث

السيد البروجردي، ج 2، ص: 476

يوما أو إقامة شهر بدونه يوجب إتمام الصلاة و بعده يتمّ و لو لم ينو الإقامة و لا اشكال فيه أيضا.

هنا جهات من البحث
(الأولى) هل يشمل الإقامة جميع مواضع الإقامة من البلد و القرية و الخيام و الصحراء و غيرها؟

الظاهر ذلك، لأنّ المناط أن يكون المسافر عازما على إقامة عشرة أيّام في مكان معينا، (و دعوى) انصراف الأخبار الى البلدان و القرى دون الصحراء و الخيام و إثبات الحكم في أمثالها بالإجماع أو عدم الخلاف (ممنوعة) بأنّه انصراف بدوي يزول بعد التأمّل، ان سلمنا الانصراف الابتدائي.

(الثانية) هل يعتبر في محلّ الإقامة جهة وحدة أم يكفي قصد الإقامة في موضعين

كالكوفة و بغداد و قم و مسجد صاحب الزمان (جمكران) مثلا؟ و على الأوّل فهل يكون مناط الوحدة اتصال الابنية أو الخيام، سواء كان البلد صغيرا أو كبيرا بحيث لو لوحظ بالنسبة إلى الصحراء لرئي في غير المقام؟ الظاهر اعتبارها فلا يكفى مثل المثالين المذكورين في وجوب الإتمام.

(الثالثة) هل المناط قصد الإقامة مستقلا أم يكفي و لو تبعا للغير،
اشارة

فلو قصد الزوجة ما قصده الزوج أو قصد المملوك ما قصده مولاه لا يكفي في وجوب الإتمام و لو كان التابع يقصد المتبوع فهل يكون التابع بحكم المتبوع على الأوّل دون الثاني؟ الظاهر عدم الفرق بين الاستدلال في الإرادة و عدمه

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 477

بعد فرض تحقّق العلم بها.

فرع على الثالثة

لو قصد الزوجة ما قصده الزوج و لم تعلم أنّ زوجها قصد عشرة أيّام فهل تقصر أم لا، و على الأوّل فهل يجب عليها الإعادة إتماما إذا بان أنّه قصدها أم لا؟ قد يقال بوجوب اعادة ما صلّتها قصرا إتماما للكشف بأنّ وظيفتها واقعا هو الإتمام و كان المأتي به قصرا مأمورا به بأمر ظاهري.

(و فيه) (أوّلا) أنّه لا دليل على وجوب القصر و التمسّك بعمومات أدلّة القصر، تمسّك بالعموم في الشبهة المصداقيّة بعد معلوميّة كونها مخصّصة و استصحاب وجوب القصر، مدفوع بعدم الحالة السابقة بالنسبة الى هذه الصلاة التي يريد إتيانها (و ثانيا) لا دليل على وجوب الإعادة إتماما إلّا إذا أدرجناه في مسألة أنّ الأمر الظاهري غير مجزى عن الواقعي و الحق فيها- كما قرّرناه في الأصول- هو الاجزاء و لا دليل عقلي و لا نقلي على عدم الإجزاء.

(الرابعة) هل يعتبر في تحقّق قصد الإقامة عنوانها
اشارة

أم يكفي القصد في مقدار اقامة تكون بالحمل الشائع الصناعي عشرة أيّام؟ ظاهر الأدلّة هو الأوّل كما في رواية أبي ولاد عن أبى عبد اللّٰه عليه السلام و فيها: ان شئت فانو المقام عشرا «1» إلخ.

و كما في رواية عبد اللّٰه بن سنان، عن أبى عبد اللّٰه عليه السلام

______________________________

(1) الوسائل باب 15 حديث 5 من أبواب صلاة المسافر، ج 5 ص 525.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 478

قال: من أتى ضيعته ثمّ لم يرد المقام عشرة أيّام إلخ «1».

و كما في رواية ابن بزيع، و فيها: فقال: ان لم تنو المقام عشرا فقصّر «2».

و كما في رواية معاوية بن وهب عن أبى عبد اللّٰه عليه السلام، قال:

إذا دخلت بلدا و أنت تريد مقام عشرة أيّام فأتمّ الصلاة «3» إلخ.

و كما في رواية

زرارة عن أبى جعفر عليه السلام، قال: قلت له:

أ رأيت من قدم بلدة الى متى ينبغي له أن يكون مقصّرا و متى ينبغي له أن يتمّ؟ فقال: إذا دخلت أرضا فأيقنت أنّ لك بها مقام عشرة أيّام فأتم الصلاة إلخ «4».

و رواية منصور بن حازم عن أبى عبد اللّٰه عليه السلام: إذا أتيت بلد، فأجمعت المقام عشرة أيّام فأتمّ الصلاة إلخ «5».

و رواية سويد بن غفلة، عن على عليه السلام: إذا كنت مسافرا ثمّ مررت ببلدة بريد أن تقيم عشرة أيّام فأتمّ الصلاة إلخ «6».

و يترتب عليه أنّه لو قصد أنّه يقيم الى آخر الشهر و لم يتمكّن من الفحص، وجب عليه القصر، و لو بان كونه عشرة أيّام، و على الثاني يجب

______________________________

(1) المصدر حديث 6 منها.

(2) المصدر حديث 7 منها.

(3) المصدر حديث 17 منها.

(4) المصدر حديث 17.

(5) المصدر حديث 4 منها.

(6) المصدر حديث 20 منها.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 479

عليه الإتمام.

مسائل
(الاولى) لا يخفى أنّ الحكم في الثلاثين غير مختص بالمتردد كذلك،

بان يقول: غدا أخرج أو بعد غد، بل المناط عدم كونه قاصدا لإقامة عشرة أيّام و هكذا بقيّة الأيّام إلى ثلاثين.

(الثانية) لا فرق الإقامة الموجبة للإتمام بين كونه مكلّفا أو غير مكلّف

من صبي أو مجنون أو حائض، فلو عزم على إقامة عشرة أيّام صبيّا أو مجنونا- أن تمشّي منه القصد- أو حائضا و لو في تمام العشرة ثمّ بلغ أو عقل أو طهرت وجب عليه الإتمام في باقي الأيّام.

(الثالثة) لا احتياج الى قصد اقامة جديدة

بعد إتمام الإقامة العشرة الأولى.

(الخامسة) «1» هل الإقامة المعتبرة في العشرة أو الثلاثين يوما متردّدا، عبارة عن عدم الخروج عن خطّة سور البلد،

أو عن حدّ الترخّص أو عن ما دون المسافة، أو عن التوابع المتّصلة؟ وجوه بل أقوال:

نسب الأوّل إلى الشيخ المهدى الفتّوني «2» أستاذ بحر العلوم «3»، و كان معاصرا للوحيد البهبهاني «4»، و الثاني إلى الشهيدين و الثالث

______________________________

(1) عطف على قوله: مدّ ظله، الرابعة: هل يعتبر في تحقيق قصد الإقامة إلخ فلا تشتبه.

(2) المتوفّى 1183 ه ق.

(3) المتوفّى 1312 ه ق.

(4) المتوفّى 1118 ه ق.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 480

إلى العلّامة في جواب المسائل المهنائيّة و الرابع هو المختار.

(وجه الأوّل) أنّ لفظة البلد مثلا موضوعة لذلك، فإذا خرج عن خطّة سورة لم يصدق أنّه أقام فيه عشرة أيّام فلا يصدق لو عزم عليها كذلك.

(و فيه) أنّه أمر عرفي، مضافا الى أنّ الكلام في الإقامة لا في البلد.

(وجه الثاني) أنّ الإقامة إنّما تنقطع بالسفر الشرعي، فما لم يصر مسافرا شرعيّا يصدق عليه أنّه مقيم.

(و فيه) انقطاع الإقامة الشرعيّة بالسفر الشرعي، غير معنى الإقامة عرفا في مكان فعدم الانقطاع بالنسبة إلى الأوّل لا يستلزم عدمه بالنسبة الى الثاني.

(وجه الثالث) أمور عمدتها أنّ حدّ الترخّص هو الحد الذي قد عيّنه الشارع لتحديد الخروج عن البلد، فما دام لم يصل الى ذلك الحد يصدق عليه عرفا أنّه مقيم في البلد.

(و فيه) أنّ تحديد الشارع لوجوب الإتمام عند الخروج عن الوطن لا يستلزم تحديد الإقامة في البلد بذلك.

و قد يقال- تأييدا للوجه الثالث-: انّ الإقامة الدالّة على انقطاع السفر بالعزم على الإقامة عشرا أو الإقامة ثلاثين يوما متردّدا لا تدل على أزيد من كونه مقيما في تلك المدّة في ذلك المكان، فالخروج ساعة أو ساعتين أو ثلاث مثلا و لو الى ما

دون المسافة لا ينافي في ذلك، نعم لو خرج الى ما دون المسافة و بقي فيه ليلة بتمامها أو يوما بتمامه يضر صدق الإقامة عشرة أيّام أو ثلاثين يوما.

و بالجملة، المناط تحقّق الإقامة العرفيّة في تلك المدّة عرفا، لا تحقّق الإقامة في ذلك المكان و بينهما فرق في نظر العرف، فانّ

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 481

الخروج ساعة الى ما دون المسافة غير مضرّ بناء على الأوّل دون الثاني.

(و فيه) أنّه خلاف التحقيق.

(و وجه الرابع)- و هو عدم المنافاة لو خرج الى التوابع المتصلة- و بيانه يحتاج الى مقدّمة و هي أنّه لا شبهة في أنّ المسافرة المتعارفة في زمن صدور الروايات كانت مع الحيوانات التي كان سيرها المتعارف في كل يوم ثمانية فراسخ و كان المسافرون يقطعون قدرا من اليوم و الليل ثم يستريحون قدرا آخر، و يعبّر عن تلك الاستراحة بالإقامة.

فيحتمل في مقام الثبوت أن يكون المراد من الإقامة هو بقائه في منزل واحد في تلك المدّة بمعنى أن يكون بيتوتة في ذلك المكان، فلا ينافي خروجه الى ما دون المسافة.

فعلى هذا لو نوى أن يبيت في مقام يوما فاتفق خروجه الى ما دون المسافة و رجع ليلا فبات فيه ثمّ اتفق غدا كذلك و كان كذلك الى ثلاثين يوما مترددا يجب عليه التمام بعد ذلك، و كذلك إذا عزم أن يبيت ليلا في مكان عشرة ليالي و يخرج نهارا الى ما دون المسافة و يرجع يكون العزم الكذائي موجبا للإتمام.

و يحتمل أن يكون المراد من الإقامة هي اقامة مقدار كان يقطعه من اليوم أو الليل بمعنى أن لا يقطع ذلك و يعطّل عمله و يبقى في بلد.

فحينئذ في المثالين لا

يجب عليه التمام بعد الثلاثين في الأوّل و في العشرة في الثاني.

و أمّا في مقام الإثبات فالظاهر أنّ المراد هو الثاني، لأنّ المتعارف من المسافرة في ذلك الزمن، بل الى زماننا هذا إذا كان يسير ماشيا أو كانت راحلته من جنس الإبل و الفرس و الحمير، هو قطع الطريق في

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 482

مقدار من الزمان بحيث لو لم يقطع ذلك يقال: أنّه أقام، و هو الذي يعبر عنه في الفارسيّة ب (لنگ كردن) و لا يعتبر في قطع هذا المقدار من المسافة أن يكون بقدر المسافة.

و يؤيّده قوله عليه السلام: (غدا أخرج أو بعد غد إلخ) «1» فإن الظاهر أنّ المراد من الخروج هو الخروج المتعارف الذي تارة يكون بمقدار المسافة و أخرى بما دونه فلا ملازمة بين الإقامة و الخروج الى ما دون المسافة، بل يمكن أن لا يصدق الإقامة مع عدم خروجه الّا الى ما دون المسافة.

و أيضا لو كان المناط في صدق الإقامة، البيتوتة في مكان لزم أن لا يكون الخروج إلى المسافة أيضا قادحا في صدقها إذا رجع ليبيت ليلا في محلّ إقامته و لا يلتزمه القائل بذلك.

و بذلك يظهر دفع ما جعل تأييدا للوجه الثالث، لأنّ المناط، المسافرة المعهودة في زمن صدور الروايات، فكلّما كان قادحا في ذلك الزمن يكون قادحا فعلا و لو لم يكن بحسب التغييرات الواقعة في المسافرة قادحا.

نعم يمكن أن يقال: أنّ التوابع المتّصلة، بحكم البلد بحسب متعارف كل زمان، فلو كان المتعارف في ذلك الزمان عدم الخروج إلى أزيد من نصف فرسخ باعتبار لزوم المشقّة و صار في زمان آخر الخروج إلى أزيد منه بالآلات سهلا، يمكن أن يقال أنّ

الخروج حينئذ مثلا الى فرسخ لا يكون منافيا لصدق الإقامة، بخلافه في ذلك الزمان فتأمّل، فإنّه

______________________________

(1) راجع الوسائل باب 15 حديث 9- 13- 14- 17- 20 من أبواب صلاة المسافر، ج 5 ص 525.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 483

لا يخلو عن إشكال.

(السادسة) هل المراد بالروايات الدالّة على وجوب الإتمام عند العزم على إقامة عشرة أيّام هو أنّ حدوث العزم موجب للإتمام

و لو لم يبق الى زمان تعلّق الأمر بالصلاة، (أو) أنّه يجب عليه الإتمام عند كلّ صلاة و صوم إذا كان العزم باقيا، و القصر و الإفطار إذا لم يكن باقيا، (أو) العزم المستمر حتّى بالنسبة إلى الصلاة الأولى، (أو) أنّ العزم الى زمان تعلّق الأمر بالإتمام شرط لوجوب الإتمام مطلقا؟ وجوه.

و المستفاد من صحيحة أبي ولاد الآتية وجه خامس، و هو أن بقاء العزم الى أن يأتي بصلاة رباعيّة تامّة، موجب لبقاء الحكم بالإتمام حتّى بالنسبة إلى الصلاة التي يؤتى بها بعد زوال العزم.

و لنذكر الرواية، هي ما رواه الشيخ رحمه اللّٰه بإسناده، عن سعد عن أبى جعفر يعني أحمد بن محمّد، عن الحسن بن محبوب، عن أبى ولاد الحنّاط، قال: قلت لأبي عبد اللّٰه عليه السلام: أنّى كنت نويت حين دخلت المدينة أن أقيم بها أيّاما و أتمّ الصلاة، ثمّ بدا لي بعد أن أقيم بها، فما ترى لي أتمّ أم أقصّر؟، قال: ان كنت دخلت المدينة صلّيت بها صلاة واحدة فريضة بتمام «1» فليس لك أن تقصّر حتى تخرج منها فان كنت حين دخلتها على نيّتك التمام فلا تصل فيها صلاة فريضة واحدة بتمام حتى بدا لك أن لا تقيم، فأنت في تلك الحال بالخيار، أن شئت فانوا المقام عشرا و أتمّ و ان لم تنو المقام عشرا فقصّر ما بينك و بين شهر فإذا مضى لك

شهر فأتمّ الصلاة «2».

______________________________

(1) في التهذيب و الاستبصار: صلّيت بها صلاة فريضة واحدة.

(2) الوسائل باب 18 حديث 1 من أبواب صلاة المسافر، ج 5 ص 532.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 484

و قد عمل بها الأصحاب رضوان اللّٰه عليهم و لا كلام فيها.

انّما الكلام في أنّ غير الصلاة الرّباعيّة من الأفعال المختصّة بالمقيم من الصوم الواجب أو المندوب بناء على عدم جوازه في السفر، أو إتيان نافلة الظهر مثلا أو العشاء- بناء على سقوطها في السفر- هل هي بحكم الصلاة الرّباعيّة أم لا؟ و على الثاني هل تدلّ الرّواية على عدم الإلحاق أم لا؟ وجوه.

نسب الى مشهور المتقدّمين، الإلحاق، و يمكن أن يقال: لتقريبه:

أنّ المقصود من قوله عليه السلام: (ان كنت دخلت المدينة و صلّيت بها صلاة واحدة بتمام إلخ) هو الإتيان بما هو مسبب عن عزم الإقامة، و ذكر الصلاة من باب المثال، فكأنّه قال: ان أتيت بوظيفة المقيم مطلقا صلاة أو غيرها، يجب عليك التمام بقيّة الأيّام.

و يؤيّده ما ذكرنا- من كون ذكر الصلاة من باب المثال- أنّ الراوي فرّع على قوله: (نويت حين دخلت المدينة أن أقيم بها أيّاما و أتمّ الصلاة إلخ) و لم يقل: (و أصوم) فإنّه يدلّ بظاهره على أنّ زمان نيّته، ما كان يجب عليه الصلاة، فكأنّ القضيّة شخصيّة كما أنّ النافلة أيضا لا يكون سقوطها على نحو العزيمة فلذا لم يتعرّض لها.

و الحاصل أنّ عدم تعرّض الصوم و النافلة لعلّة خارجيّة، لا يدل على اختصاص الحكم فيصير المعنى أنّ العزم المؤثر في الشرع بعمل المقيم يكفي في بقاء الإتمام بالنسبة إلى الأعمال الواقعة في ذلك المكان ما لم يخرج منه.

وجه عدم إلحاق الصوم و النافلة أنّ

القضيّة الشرطيّة الواقعة في الذيل و هي قوله عليه السلام: (فان كنت حين دخلتها على نيّتك التمام

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 485

فلم تصل إلخ) تدلّ بإطلاقها على أنّ غير الصلاة غير مؤثر في بقائه على حكم المقيم، فإذا صام الى الزوال أو الى الغروب أو صلّى نافلة الظهر ثم عدل عن نيّته، يصدق أنّه لم يكن صلّى صلاة واحدة بتمام، فيجب عليه القصر.

فامّا وجه عدم دلالة الرواية على عدم الإلحاق، فلأنّ ذيل الكلام مفهوم للصدر فلا إطلاق في مفهوم الذيل لأنّ الذيل لا يكون حينئذ كلاما مستقلا مستأنفا كي يكون لمفهومه إطلاق كما لا يخفى.

و الحاصل أنّ صحيحة أبي ولاد لا تدلّ على عدم الفرق بين الصلاة و الصوم كما لا تدلّ على أنّ الصوم لا يؤثّر بقرينة الجملة الثانية فحينئذ اما أن يقال: انّ عدم الدلالة يكفي في الحكم بوجوب القصر، و امّا أن يقال:

انّ الروايات الدالّة على وجوب الإتمام عند العزم على الإقامة مطلقة شاملة لمجرّد العزم و لو لم يفعل بالمعزوم عليه و قد مرّ التأمّل في الدلالة على ذلك، و امّا أن يرجع الى عمومات أدلّة القصر.

أقول: لو «1» استشكل في الرجوع الى عمومات الأدلّة بلزوم التمسّك بها في الشبهة المصداقيّة باعتبار تخصيصها بمسافر عازم على الإقامة عشرا مع كونه قد صلّى في تلك الحال صلاة رباعيّة و صار ذلك مجملا، فالأحوط الجمع.

______________________________

(1) فعل شرط و جزائه قوله مدّ ظلّه: فالأحوط الجمع.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 487

فروع
(الأوّل) هل إتيان الرباعيّة القضائيّة يكفي في البقاء على الإتمام أم لا؟

وجهان، من أنّ القضاء إتماما مسبب، عن عزم الإقامة، و من أنّه لا يكون مترتّبا على العزم بلا واسطة، بل السبب ظاهرا في وجوب القضاء إتماما هو الفوت كذلك

و لا يكون العزم حين الإتيان مؤثّرا في وجوب الإتمام، فلذا لو أتى به في طريق المسافرة لوجب عليه الإتمام.

و بالجملة، المستفاد من صحيحة أبي ولاد و وجوب الإتمام في بقيّة الأيّام بعد العدول عن نيّة الإقامة إذا اتى برباعيّة يكون إتيانها مسبّبا عن العزم الفعلي الباقي حين إتيانها، لا عن العزم السابق الموجب لاستقرار وجوب الإتمام بقيّة الأيّام و لو لم يأت بالفريضة بتمام.

لكنّه خلاف الظاهر حيث أنّه عليه السلام علّق بقاء الحكم بالإتمام على تحقّق الرباعيّة في الخارج المستفاد من قوله عليه السلام: (ان صلّيت صلاة فريضة واحدة بتمام إلخ) بصيغة الماضي الدالّة على تحقّق العمل في الخارج قبل زمن العدول.

(الثاني) لو صلّى فريضة واحدة بتمام لا لاستناده الى العزم حين العمل، بل لنسيانه

أو لشرف البقعة، فهل يلحقه الحكم أم لا؟ وجهان مبنيّان على أنّ الصلاة التامّة المأتي بها هل يعتبر إتيانها مستنده الى العزم حين العمل أم يكفي مطابقته بالواقع و لو لم يكن متوجّها الى قصره.

و هذا الفرع غير الفرع السابق حيث قوينا فيه اشتراط المسببيّة عن العزم و كنا مردّدين في هذه لأنّ هناك في كفاية العزم في زمان ما

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 488

لوجوب الإتمام و لو لم يأت به في وقته، و هنا في أنّه بعد فرض إتيانه في وقته هل يشترط توجّهه حين العمل الى عزمه أم يكفي مطلق مطابقة المأتي به للمأمور به فلا تغفل.

(الثالث) لو أقام عشرة أيّام أو صلّى صلاة رباعيّة ثمّ خرج عن محلّ الإقامة

فلا يخلو امّا أن يخرج إلى مسافة أولا، (و على الأوّل) فامّا أن يقصد الإقامة في المقصد أولا، فعلى الثاني لا إشكال في وجوب القصر ذهابا و في المقصد و إيابا و في محلّ الإقامة أن لم يقصد الإقامة بقصد جديد، و على الأوّل، فإن كانت المسافرة ممتدّة يقصّر في الذهاب و الإياب و يتمّ في المقصد، و في وجوب القصر في محلّ الإقامة مطلقا أو الإتمام مطلقا أو التفصيل بين أن يقصد المرور عليه الى وطنه بعد الإياب فيقصّر و بين أن يقصد البيتوتة ليلة أو ليلتين الى ما دون العشرة فيتمّ؟ وجوه.

أظهرها بناء على ما سبق من أن معنى الإقامة ليس هو البيتوتة في مكان مطلقا بمعنى جعل معيّن محلّ استراحته ليلا ثمّ الخروج نهارا الى الخارج عنه.

بل المناط تعطل المسافر عن المسافرة، فلا وجه للتفصيل، كما أنّ وجوب الإتمام الذي هو الاحتمال الثاني معلّق على عموم التنزيل و المنزلة، و هو ممنوع، مع أنّه لا قائل به بين الفقهاء، (و

التمسّك) برواية زرارة «1» حيث دلّت على وجوب الإتمام بعد المراجعة من منى الى مكّة المشرّفة (ممنوع) بأنّها موهونة بإعراض الأصحاب و لو كانت صحيحة

______________________________

(1) راجع الوسائل باب 3 حديث 3 من أبواب صلاة المسافر، ج 5 ص 499.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 489

سندا، بل كلّما ازدادت صحّة ازدادت ضعفا كما قرّر في محلّه.

و ان كانت ملفقة و كان الذهاب أربعة فراسخ، يتمّ في الذهاب و في المقصد، و كذا في الإياب ان قصد اقامة جديدة، فكالمسألة السابقة في الوجوه الثلاثة و في المختار «1».

و هذا كلّه فيما إذا خرج الى مسافة و لو ملفّقة على تقدير «2» أن لا يقصد الإقامة في المقصد و امّا إذا خرج الى ما دون المسافة- كما هو في القسم الثاني من أصل التقسيم- و لم يقصد الإقامة في المقصد و لا في محلّ الإقامة، بل يعزم على المرور على محلّ الإقامة و العود الى الوطن و كان المجموع مسافة فصاعدا لاختلاف «3» في وجوب القصر عند العود عن المقصد الى محلّ الإقامة ثمّ منه الى الوطن.

و انّما الكلام في الذهاب الى المقصد الذي لا يكون المسافة إليه أربعة فراسخ، و كذا في المقصد، فقد حكم الشيخ (ره) في المبسوط بوجوب القصر، و ظاهر كلامه (ره) الإطلاق فإنّه قال: إذا خرج حاجّا إلى مكّة و بينه و بينها مسافة يقصّر فيها الصلاة و لو نوى أن يقيم بها عشرا قصّر في الطريق، فإذا وصل إليها أتمّ، فإن خرج الى عرفة يريد قضاء نسكه و لا يريد مقام عشرة أيّام إذا رجع الى مكّة كان له القصر لأنّه نقض مقامه لسفر بينه و بين بلده و يقصّر

(انتهى موضع الحاجة من كلامه (ره)).

و تبعه عليه جماعة من الفقهاء، بل أنّه المشهور، بل تصدّى جماعة

______________________________

(1) هو الوجه الأوّل.

(2) قيد للملفقة.

(3) يعنى بين القدماء، لما يأتي من مخالفة الشهيد الثاني (ره) في بعض الفروع.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 490

لتحصيل الإجماع خلافا للشهيد الأوّل رحمه اللّٰه و من تبعه حيث حكموا بوجوب الإتمام في الذهاب و القصر في المقصد و الإياب، و بعضهم ممّن تبعه حكم بوجوب الإتمام في الذهاب و المقصد، و القصر في العود فقط.

و ليعلم أوّلا أن المسألة كانت في الأوّل ذات قولين ثمّ زادت و صارت أقوالا باعتبار اختلاف الفرض (و ثانيا) انّها ليست ممّا يكون مخالفة الإجماع فيها قادحة، لأنّ أوّل من عنون أصل المسألة هو الشيخ (ره) كما سمعت من المبسوط، و مبسوطة هذا كتاب وضع لذكر المسائل أعمّ ممّا كانت بعينها متلقّاة من المعصومين عليهم السلام، أم كانت تفريعيّة تتفرّع على أصل متلقّاة منهم عليهم السلام، بخلاف سائر كتبه كالنهاية و التهذيب و الاستبصار، فإنّها موضوعة لذكر فتاوى الأئمّة عليهم السلام من دون زيادة أو تفريع كما صرّح بذلك كلّه هو قدّس سرّه في أوائل كتبه.

و الحاصل أنّها ليست ممّا ورد فيها نصّ خاصّ و لا مذكورة في الكتب المعدّة لذكر فتاوى الأئمّة عليهم السلام كالمقنع للصدوق (ره) و المقنعة للمفيد (ره)، و الكتب الثلاثة للشيخ (ره) فالمتكلّف للإجماع كما تصدّى به بعض غير مفيد، فإنّه ليس بحجّة ما لم يكشف به رأى المعصوم عليه السلام و كذلك حكم كلّ مسألة ليس فيها نصّ و لم تذكر في الكتب المعدّة لذكر عين فتاوى الأئمّة عليهم السلام، فإنّ الإجماع فيها غير حجّة.

إذا عرفت فلنرجع الى بيان

مقتضى القواعد هل هو موافق لكلام الشيخ (ره) و من تبعه أو لكلام الشهيد (ره) و من تبعه.

يمكن أن يستدل بإطلاق قوله عليه السلام في صحيحة أبي ولاد المتقدّمة: (فليس لك أن تقصّر حتّى تخرج منها) «1» فانّ الظاهر أن

______________________________

(1) راجع الوسائل باب 5 حديث من أبواب صلاة المسافر، ج 5 ص 504.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 491

المراد بالخروج هو كونه بحيث لا يصدق عليه أنّه مقيم، و الخارج الى ما دون المسافة إذا كان خارجا عن التوابع المتصلة يصدق عليه أنّه خارج.

(و فيه) أنّ الظاهر أنّ المراد بالخروج صيرورته مسافرا لا مطلق الخروج، مضافا الى أنّه عليه السلام ليس في مقام بيان كيفيّة الخروج و كميّته فلا إطلاق به.

و يمكن أن يستدل للثاني بأنّ المسافرة امّا أن تكون امتداديّة أو ملفّقة و المفروض عدم الاولى، و الثانية أيضا غير متحقّقة، لأنّ الذهاب يكون أقلّ من الأربعة و قد مرّ اشتراطه في الملفقة.

(و فيه) أنّ اشتراط كون الذهاب أقلّ من أربعة انّما استفيد من الأدلّة التي دلّت على أنّ المسافر إذا ذهب بريدا و رجع بريدا فقد شغل يومه أو صارت ثمانية فراسخ «1» و مناط ذلك أنّه باعتبار ذهابه يبعد عن وطنه، و باعتبار إيابه يقرب الى وطنه.

(و بعبارة أخرى) المستفاد من تلك الروايات أنّ المسافر إذا كان غاية بعده عن وطنه أربعة فراسخ، يقصّر إذا كان مع إيابه الموجب للقرب ثمانية فراسخ و ما نحن فيه ليس كذلك، فإنّه لو رجع لا يقرب الى وطنه، بل الى محلّ إقامته فهو على كلّ حال بعيد عن وطنه بمقدار المسافة.

فيمكن أن يقال بكفاية مجرّد الخروج في وجوب القصر و لو لم يكن

الذهاب أربعة فراسخ و لو سلّم عدم دلالة هذا الدليل فلا أقلّ من عدم دلالته على وجوب الإتمام فيرجع الى الأدلّة الدالّة على وجوب القصر فإنّه يصدق عليه أنّه مسافر، فالحكم بوجوب القصر باعتبار أنّه مسافر بالمسافرة الامتداديّة.

______________________________

(1) راجع الوسائل باب 2 من أبواب صلاة المسافر، ج 5 ص 494.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 492

فالمقام نظير ما إذا سافر من وطنه ثلاثة فراسخ و رجع ثمانية، فإنّه يقصّر، لا لكونه مسافرا بالمسافة التلفيقيّة، بل لأنّ رجوعه ثمانية فراسخ يوجب صيرورته مسافرا فعلا و لو لم تكن المسافة الذهابيّة جزءا لها (و بعبارة أخرى) ليس الحكم معلّقا على صدق عنوان سير الثمانية، بل مطلق صدق عنوان المسافر و المفروض أنّه مسافر بعد خروجه عن توابع البلد، فالأظهر هو قول الشيخ رحمه اللّٰه.

و لا فرق في ذلك بين كون رجوعه مستقيما أو منحرفا منحنيا، موافقا أو مخالفا أو عرضا خلافا للشهيد الثاني عليه الرحمة في الأخير فإنه (ره) حكم بوجوب الإتمام من المقصد الى محلّ الإقامة ثمّ القصر منه الى وطنه.

(الرابع) هل العدول عن نيّة الإقامة بعد إتيان صلاة تامّة، كاشف عن عدم تأثير العزم من الأوّل، أم ناقل من حين العدول؟

وجهان.

قد يستدل للثاني بأنّه لو كان الأوّل لزم اشتراط الحكم بوجود متعلّقة و هو محال، مثلا الحكم بوجوب الإتمام متوقّف على تحقّق الإتمام، و لا يمكن كون الشي ء وجودا شرطا للحكم بإيجاده.

و لكن يمكن الخدشة فيه بأنّه في الواقع و ان كان كذلك الّا أنّه يمكن إحرازه بالاستصحاب بمعنى أنّه إذا شكّ في عدوله و عدمه يحكم بمقتضى الاستصحاب ببقائه.

(و فيه) أولا عدم إحراز الاستصحاب في الحالات النفسيّة من الشك و الظن و اليقين، و العزم و عدمه من هذا القبيل (و ثانيا) موضوع الاستصحاب هو الشكّ، و لا يمكن الشك في العزم و

عدمه.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 493

في أحكام المسافر
(الاولى) لو أتمّ في موضع القصر،
اشارة

فامّا أن يكون عن جهل أو عن علم و عمد، و امّا أن يكون عن نسيان موضوعا أو حكما.

لا إشكال في وجوب الإعادة مطلقا إذا كان عن علم و عمد، و امّا إذا كان عن جهل فهل تجب عليه الإعادة مطلقا أو لا مطلقا أو التفصيل بين الوقت و خارجه بوجوبها في الأوّل دون الثاني؟ وجوه و منشأ الاختلاف، اختلاف الاخبار و اختلاف الفهم منها.

فلا بدّ أولا من ذكرها ثمّ بيان ما يستفاد منها إن شاء اللّٰه.

فنقول- بعون اللّٰه تعالى: انّها على أقسام أربعة (الأوّل) ما يدلّ على وجوب الإعادة مطلقا كخبر الأعمش- في حديث شرائع الدين- قال: و من لم يقصّر في السفر لم تجز صلاته لانّه قد زاد في فرض اللّٰه عزّ و جلّ «1».

و صحيحة الحلبي، قال: قلت لأبي عبد اللّٰه عليه السلام: صليت الظهر أربع ركعات و أنا في سفر، قال: أعد «2».

و ان كان في دلالة الأخيرة على حكم العالم العامد نظر من حيث جلالة الراوي و عدم اقدامه على ذلك، الّا أن تحمل على صورة الفرض

______________________________

(1) الوسائل باب 17 قطعة من حديث 8 من أبواب صلاة المسافر ج، 5- ص 532.

(2) الوسائل باب 17 قطعة من حديث 6 من أبواب صلاة المسافر ج، 5- ص 532.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 494

و التقدير لا الوقوع الخارجي فتأمّل «1» و بمضمونها أفتى العماني (ره) «2».

و بهذا المضمون أفتى ابن الجنيد (ره) «3» و لم يفرق بين الجاهل و غيره و الناسي و غيره.

(الثاني) ما يدلّ على وجوب الإعادة في الوقت دون خارجه من غير فرق بين العالم و الجاهل و

الناسي مطلقا، مثل صحيحة العيص بن القاسم، قال: سألت أبا عبد اللّٰه عليه السلام عن رجل صلّى و هو مسافر فأتمّ الصلاة، قال: ان كانت في وقت فليعد، و ان كان الوقت قد مضى فلا.

______________________________

(1) يمكن أن يكون إشارة الى أنّ الفرض و التقدير أيضا لا بد أن يكون ممّن يمكن من السائل بحسب مقامه ذلك و ان لم يقع فعلا، و يمكن أن يكون إشارة الى عدم الحاجة الى الفرض، بل هو سؤال في مقابل العامة القائلين بالتخيير بين القصر و الإتمام لشبهة حصلت لهم من قوله تعالى:

فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنٰاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا و إلخ، حيث أنّه تعالى نفى الجناح عن القصر و اللّٰه العالم.

(2) هو الحسن بن أبى عقيل أبو محمّد العمّاني الحذّاء شيخ فقيه متكلّم جليل، قال صاحب السرائر في حقّه: وجه من وجوه أصحابنا ثقة فقيه متكلّم كان يثنى عليه الشيخ المفيد و كتابه أى كتاب المتمسّك بحبل آل الرسول كتاب حسن كبير و هو عندي قد ذكره شيخنا أبو جعفر في الفهرست و أثنى عليه، انتهى (الكنى للمحدّث القمّي، ج 1 ص 190).

(3) هو محمّد بن أحمد بن الجنيد أبو على الكاتب الإسكافي من أكابر علماء الشيعة الإماميّة (الى أن قال: قيل مات بالري سنة 381، شفا) يروى عنه المفيد و غيره (الكنى، ج 2 ص 22).

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 495

(الثالث) ما يدلّ على التفصيل بين الوقت و خارجه، مثل صحيحة أبي بصير، عن أبى عبد اللّٰه عليه السلام، قال: سألته عن الرجل ينسى فيصلّي في السفر أربع ركعات، قال: ان ذكر في ذلك اليوم فليعد و ان لم يذكر حتى يمضى ذلك اليوم فلا اعادة عليه «1».

لكنّها

في مورد الناسي و لا منافاة بينها و بين السابقة لكونها من مصاديقها، نعم لو كان قيد النسيان في كلام الامام عليه السلام لكانت مقيدة لها.

(الرابع) ما يدلّ على التفصيل بين العالم و الجاهل بوجوب الإعادة على الأوّل دون الثاني من غير تفصيل بين الناسي و غيره، كصحيحة زرارة و محمّد بن مسلم، قالا: قلنا لأبي جعفر عليه السلام: رجل صلّى في السفر أربعا أ يعيد أم لا؟ قال: ان كانت قرئت عليه آية التقصير و فسّرت له فصلّى أربعا أعاده، و ان لم يكن قرئت عليه و لم يعلمها فلا اعادة عليه «2».

هذا بحسب الروايات، و أمّا بحسب الفتاوى فلا شبهة و لا خلاف في وجوب الإعادة على العالم العامد، و كذا عدم وجوبها على الجاهل في الوقت و خارجه الّا عن العماني رحمه اللّٰه، و لا يضرّ خلافه- بعد احتمال وصول الجوامع الأوّليّة المكتوبة في زمن الرّضا عليه السلام اليه و كذا الجوامع التي بأيدينا بحمد اللّٰه فعلا لأنّ العماني كان متقدّما زمانا على مؤلّفيها حتى على الكليني عليه الرحمة مؤلف الكافي الشريف أصولا و فروعا «3».

______________________________

(1) الوسائل باب 17 حديث 2 من أبواب صلاة المسافر، ج 5 ص 530.

(2) الوسائل باب 17 حديث 4 من أبواب صلاة المسافر، ج 5 ص 530.

(3) فانّ وفاة الكليني (ره) 328- 329 و العمّاني (ره) كان قبل الإسكافي المتوفّى 381 بطبقة غاية الأمر كونه معاصرا للكليني (ره) حين تأليفه للكافي، و اللّٰه العالم.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 496

هذا مضافا الى عدم معلوميّة الفتوى منه بذلك، لاحتمال نقل ذلك الخبر.

و كيف كان فلا ضير في خلافه بعد فتوى المشهور بعده على خلافه كما لا ضير

في خلاف ابن الجنيد لما ذكرنا و ان كان زمانه متأخّرا عن العماني بطبقة.

و لا معارضة بين القسمين الأوّلين و القسم الثالث كما لا معارضة بين الثالث و بين القسم الرابع المفصل بين العالم و الجاهل بناء على عدم شمولها للعالم، و أمّا بناء على عمومها فيتعارضان صدرا و ذيلا، فيقع التعارض بين صدر رواية زرارة و محمّد بن مسلم، و ذيل رواية العيص- في العالم بعد خروج الوقت حيث أنّ مقتضى الاولى وجوب الإعادة لأنّه عالم و مقتضى الثانية عدم وجوبها لأنّ الوقت قد خرج، و بين ذيل الاولى و صدر الثانية في الجاهل إذا تذكر في الوقت حيث أنّ مقتضى الاولى عدم وجوب الإعادة لأنّه جاهل و مقتضى الثانية وجوبها لأنّ الوقت باق.

و يمكن دفع المعارضة بأحد الوجوه الثلاثة (أحدها) التفصيل بين الوقت و خارجه بوجوب الإعادة في الأوّل و عدمه في الثاني من دون فرق بين العالم و الجاهل، و هذا خلاف صريح بين رواية زرارة و محمّد بن مسلم الدالّة على الفرق بين العالم و الجاهل.

(ثانيها) تقييد وجوب الإعادة على العالم بالوقت دون خارجه، و هذا خلاف المشهور حيث ذهبوا الى وجوب الإعادة على العالم مطلقا إذا كان عامدا.

(ثالثها) تقييد عدم وجوبها على الجاهل بما إذا تذكّر في خارج الوقت، و هذا أيضا خلاف ما تسالم عليه المشهور من عدم وجوبها عليه مطلقا.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 497

و أوسط الوجوه، الوسط مع التزام وجوب الإعادة على العالم، و لعلّ المشهور ما فهموا من رواية العيص «1» عدم وجوبها على العالم.

و بالجملة يدور الأمر بين مخالفة المشهور في وجوب الإعادة على العالم و بين مخالفتهم في عدمه على الجاهل في

خارج الوقت، و الأوّل أهون من حيث ظهور الرواية و حاصل الجمع بتقرير آخر عليّة كل واحد من الجهل و خروج الوقت لعدم وجوب الإعادة، على نحو العليّة التامّة و مقتضى القاعدة في صورة العلم و ان كان وجوبها مطلقا الّا أنّه خرج منها ما إذا تذكّر بعد خروج الوقت بالدّليل، و بقي الباقي، و أمّا في صورة الجهل فيكشف بهذه الرواية عدم فعليّة وجوب القصر في حقّه مطلقا فلا اشكال بحمد اللّٰه و منّه.

فروع
(أحدها) القدر المتيقّن من معذوريّة الجاهل،

الجاهل بأصل المسألة كما هو ظاهر قوله عليه السلام: (ان قرئت عليه آية التقصير و فسّرت له إلخ) حيث أنّ ما هو يعلم بها و يعرف تفسيرها هو أصل وجوب القصر على المسافر لا الجهل بخصوصيّاتها.

(ثانيها) لو قصّر في موضع الإتمام

يجب عليه الإعادة مطلقا و ان ورد بعد وجوب الإعادة رواية لكنّها شاذّة «2».

(ثالثها) لو قصّر المغرب جهلا وجبت الإعادة مطلقا،

و لا يصغى

______________________________

(1) راجع الوسائل باب 17 حديث 2 من أبواب صلاة المسافر.

(2) لاحظ الوسائل باب 17 حديث 3 من أبواب صلاة المسافر.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 498

الى ما ورد في رواية شاذة «1» دالّة على عدم وجوب الإعادة.

(رابعها) لا إشكال في كفاية الصوم في السفر إذا كان جاهلا بوجوب الإفطار

للروايات «2» المتعدّدة في خصوص هذا الحكم.

اشكال مشهور و دفع

أمّا الإشكال، فهو أنّه كيف يصحّ الجمع بين الحكم بصحّة إتمام المسافر الجاهل المتوقّفة على وجود الأمر به و بين استحقاقه العقاب على ترك القصر المتوقّف على وجود الأمر به و هل هو الّا الجمع بين الضدّين؟

و أمّا الدفع فهو مع استحقاقه العقاب بحكم العقل بعد إتيانه بما هو مطلوب المولى، و الاشكال انّما نشأ من توهّم تعدّد الأمر بالنسبة إلى القصر و الإتمام و ليس كذلك فإنّه ليس هناك إلّا أمر واحد بطبيعة الصلاة ذات أفراد مختلفة، غاية الأمر ان سلّم على ركعتين ينتزع منها القصر، و ان سلّم على أربع ينتزع الإتمام فالمصلّي أربعا آت بالركعتين قهرا، فبناء على عدم وجوب السلام المخرج أو عدم كونه جزءا لا إشكال في انتزاع القصر و لو لم يعلم به المكلّف فإنّ الأمور الانتزاعيّة لا يشترط فيها القصد، و على القول بوجوبه- كما هو الحق- ينتزع أيضا، غاية الأمر تكون كالصلاة التي نسي السلام فيها.

(ان قلت) فعلى هذا يمكن في صورة العمد أيضا ذلك و هو باطل

______________________________

(1) راجع الوسائل باب 17 حديث 17 من أبواب صلاة المسافر، ج 5 ص 531.

(2) راجع الوسائل باب 2 حديث 3- 5- 6 من أبواب من يصح منه الصوم، ج 6 ص 126- 127.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 499

قطعا.

(قلت) يمكن في مقام الثبوت ترتّب عنوان آخر على هذه الصلاة في صورة العمد كردّ الصدقة مثلا حيث أنّ في بعض الأخبار أنّ اللّٰه تصدّق عليكم بوضع الركعتين و لا يترتّب على هذا العنوان في صورة الجهل و الإمكان بحسب الثبوت يكفينا في رفع الاشكال.

و الحاصل أنّه بعد الإتيان بطبيعة الصلاة لا

وجه للحكم باستحقاق العقوبة و الشهرة المدّعاة، ممنوعة، مضافا الى عدم كونها في أمثال المقام مفيدة كما لا يخفى.

(المسألة الثانية) «1» لو كان في أوّل الوقت مسافرا و لم يصل حتّى دخل أهله أو بالعكس

بأن كان في أوّل الوقت حاضرا ثمّ صار في آخره حاضرا (فتارة) نتكلّم في مفاد الأدلّة الأوّليّة الدالّة على وجوب القصر على المسافر و الإتمام على غيره (و اخرى) يعبّر عنه بأنّه هل المناط في وجوب القصر و الإتمام عند الوجوب أو عند الأداء (و ثالثة) ينظر الى الأخبار الخاصّة الواردة في المسألتين.

أمّا الكلام على الاولى فيقال: هل يدلّ قوله تعالى إِذٰا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنٰاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلٰاةِ إلخ «2» على اشتراط وجوب القصر بكونه مسافرا و ضاربا في الأرض في تمام الوقت (أم) يكفي كونه كذلك بقدر أداء الصلاة المقصورة (أم) يرجع الى الأدلّة الأوّليّة على وجوب الإتمام على كل أحد خرج منها ما هو المتيقّن و هو ما لو كان في تمام الوقت مسافرا؟ وجوه.

______________________________

(1) عطف على قوله مدّ ظلّه الأولى لو أتمّ المسافر إلخ.

(2) سورة النساء، آية 101.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 500

(فعلى الأوّل) يجب الإتمام في المسألتين، (و على الثاني) الإتمام فيها (و على الثالث) يقصّر في الاولى و يتمّ في الثانية (و على الرابع) يتمّ.

و يحتمل خامس و هو تعارض الدليلين و الرجوع الى التخيير.

و بهذا البيان يعرف وجه المبنى في الجهة الثانية «1» المشهورة في السنة متأخري المتأخرين و أمّا التكلّم في الجهة الثالثة فلا بدّ من ذكر الروايات الواردة في المسألة الأولى لكونها دخيلة في استنباط حكم الثانية فنقول- قبل نقل الأخبار-:

لا شبهة في عدم وجوب التأخير إذا كان أوّل الوقت- حتى يصل الى وطنه و لم يحتمله أحد أيضا و انّما الكلام

فيما إذا بلغ الى وطنه في الوقت تصادفا و لم يصلّ في السفر فالمشهور بين المتقدّمين و المتأخرين وجوب الإتمام.

(و قيل) بوجوب القصر، كما هو المحكي عن الذكرى و روض الجنان بل و عن المنتهى و النهاية للعلامة.

(و قيل) بالتخيير كما هو المحكي عن ابن الجنيد.

(و قيل) بالتفصيل بين ضيق الوقت و سعته بالإتمام في الثاني و القصر في الأوّل كما هو محكي عن مسائل الخلاف للشيخ (ره)، و لكن في السرائر لم يقل بذلك أحد منّا و لا من مخالفينا غير شيخنا أبى جعفر و قد أورده إيرادا لا اعتقادا.

هذا ما وصل إلينا من أقوال الخاصّة.

و أمّا العامّة فالظاهر إجماعهم على وجوب الإتمام كما عن ابن

______________________________

(1) و هو قولهم: هل المناط في وجوب القصر و الإتمام إلى آخر ما تقدّم آنفا.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 501

إدريس في ردّ قول الشيخ رحمه اللّٰه: (بأنّه لم يقل به أحد منّا و لا من مخالفينا).

و أظهر الأقوال هو قول المشهور بحسب الأدلة الخاصّة فلنذكرها بعون اللّٰه تعالى: روى الشيخ أبو جعفر الطوسي رحمه اللّٰه بسند صحيح «1» عن إسماعيل بن جابر، قال: قلت لأبي عبد اللّٰه عليه السلام: يدخل على وقت الصلاة و انا في سفر و لا أصلّي حتّى أدخل أهلي، فقال: صل و أتم الصلاة، قلت: فدخل علىّ وقت الصلاة و أنا في أهلي أريد السفر فلا أصلّي حتّى أخرج، فقال: صلّ و قصّر، فان لم تفعل فقد خالفت اللّٰه و رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه و آله، و رواه الصدوق رحمه اللّٰه بإسناده عن إسماعيل بن جابر «2».

حلف الامام عليه السلام يحتمل أن يكون لأجل بيان القصر في السفر عزيمة لا

رخصة و انّه كذلك وصل عن رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه و آله.

و امّا احتمال أن يكون المراد: انّ هذا الحكم الذي قلته من وجوب القصر في هذه الصورة لو خالفته فقد خالفت رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه و آله، فبعيد لعدم وصول خصوص هذا الحكم منه صلّى اللّٰه عليه و آله بحيث صار مشهورا عند الرواة في ذلك الزمان.

و بسند صحيح عن العيص بن القاسم، قال: سألت أبا عبد اللّٰه عليه السلام عن الرجل يدخل عليه وقت الصلاة في السفر ثمّ يدخل بيته قبل أن يصلّيها، قال: يصليها أربعا، و قال: لا يزال يقصّر حتّى يدخل بيته «3».

______________________________

(1) و لعلّ وجه عدم إضافة الصحّة إلى إسماعيل كونه مختلفا فيه في وثاقته و عدمها راجع تنقيح المقال، ج 1، ص 130.

(2) الوسائل باب 21 حديث 2 من أبواب صلاة المسافر.

(3) الوسائل باب 21 حديث 4 من أبواب صلاة المسافر، ج 5 ص 535.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 502

فامّا ما رواه الشيخ (ره) بسند صحيح، عن محمّد بن مسلم، قال:

سألت أبا عبد اللّٰه عليه السلام عن الرجل يدخل من سفره، و قد دخل وقت الصلاة و هو في الطريق، فقال: يصلّى ركعتين الحديث «1».

فيحمل على أنّ من أراد أن يدخل من سفره، لا يجب عليه أن يصبر حتّى يدخل أهله فيصلّي أربع ركعات، بل يجوز له أن يصلّى ركعتين في السفر و لو كان عالما بأنّه يدخل أهله قبل انقضاء الوقت.

و كذا يحمل على ارادة الدخول- لا الدخول- ما رواه إسحاق بن عمّار، قال: سمعت أبا الحسن عليه السلام يقول في الرجل يقدم من سفره في وقت الصلاة فقال: ان كان لا يخاف فوت

الوقت فليتمّ و ان كان يخاف خروج الوقت فليقصّر «2» و بهذه الرواية استدل الشيخ (ره) في مصيره في بعض كتبه الى التفصيل بين السعة و الضيق، و لكنّه محمول على ما ذكرنا.

و يؤيّد ما ذكرنا، بل يدلّ عليه ما رواه بسند صحيح عن محمّد بن مسلم، عن أبى عبد اللّٰه عليه السلام في الرجل يقدم من الغيبة فيدخل عليه وقت الصلاة، فقال: ان كان لا يخاف أن يخرج الوقت فليدخل و ليتمّ، و ان كان يخاف أن يخرج الوقت قبل أن يدخل فليصلّ و ليقصّر «3».

فإنّه عليه السلام قال: (فيدخل) و هو دالّ على أنّ الوقت لم يدخل بعد الى موضع يجب عليه الإتمام.

و عليه أيضا يحمل ما رواه عن الشيخ (ره) بسند صحيح عن منصور

______________________________

(1) الوسائل باب 21 حديث 5 من أبواب صلاة المسافر، ج 5 ص 535.

(2) الوسائل باب 21 حديث 6 من أبواب صلاة المسافر، ج 5 ص 535.

(3) الوسائل باب 21 حديث 9 من أبواب صلاة المسافر، ج 5 ص 536.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 503

بن حازم، قال: سمعت أبا عبد اللّٰه عليه السلام يقول: إذا كان في سفر فدخل عليه وقت الصلاة قبل أن يدخل أهله فسار حتّى يدخل أهله، فإن شاء قصّر و ان شاء أتمّ، و الإتمام أحبّ إليّ «1».

يعنى ان شاء لم يدخل فيقصّر وجوبا و ان شاء يدخل أهله فيتم وجوبا، لا أنّه في السفر مخيّر بينهما كما ذهب إليه أبو على محمّد بن أحمد بن الجنيد الإسكافي البغدادي (ره) و بالجملة فلا منافاة بين صحيحة إسماعيل بن جابر الدالّة صريحا على وجوب الإتمام بعد الدخول على أهله، و بين صحيحة محمّد

بن مسلم القابلة للحمل على ما ذكره المؤيّدة بعضها ببعض، فإنّه لا شبهة أنّ رواية محمّد بن مسلم واحدة قد نقلت بألفاظ مختلفة باختلاف الروات عنه في الضبط و عدمه.

فإذا كانت واحدة- مع كون ما نقل على بعض الألفاظ لا تعارض صحيحة إسماعيل بن جابر- فلا وجه لمعادلة المعارضة بينهما و طلب المرجع، و كيف كان فلا إشكال في حكم المسألة المعنونة في أنّ الملاك مراعاة وقت الأداء.

و امّا عكس المسألة أعني ما إذا كان أول الوقت حاضرا ثمّ صار مسافرا قبل أنّ يصلّى ففيه أيضا أقوال أشبهها أنّ الاعتبار أيضا بحال الأداء.

لكن ذهب من الفقهاء و منهم العلامة في أكثر كتبه الى أنّ الاعتبار بحال تعلّق الوجوب مع ذهابه في الفرض الأوّل إلى كون الاعتبار بحال الأداء.

و عمدة مستندهم صحيحة محمّد بن مسلم، عن أبى عبد اللّٰه عليه

______________________________

(1) الوسائل باب 21 حديث 9 من أبواب صلاة المسافر، ج 5 ص 536.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 504

السلام و قد رواها المشايخ الثلاثة في كتبهم (تارة) بتوسط حريز (و أخرى) بتوسط علاء بن رزين، قال: سألت أبا عبد اللّٰه عليه السلام عن الرجل يدخل من سفره و قد دخل وقت الصلاة و هو في الطريق، فقال: يصلّى ركعتين، و ان خرج الى سفره و قد دخل وقت الصلاة فليصلّ أربعا «1».

و كذا رواية الحسن بن على الوشاء، قال: سمعت الرضا عليه السلام يقول: إذا زالت الشمس و أنت في المصر و أنت تريد السفر فأتم، فإذا خرجت (خرج، خ) بعد الزوال قصّر العصر «2».

و كذا ما في مستطرفات السرائر من كتاب جميل بن دراج، عن زرارة عن أحدهما عليهما السلام أنّه قال: في

رجل مسافر نسي الظهر في السفر حتّى دخل أهله، قال: يصلّى أربع ركعات، و قال لمن نسي الظهر و العصر و هو مقيم حتى يخرج، قال: يصلّى أربع ركعات في سفره، و قال:

إذا دخل على الرجل وقت الصلاة و هو مقيم ثمّ سافر صلّى تلك الصلاة التي دخل وقتها عليه و هو مقيم أربع ركعات في سفره «3».

و يمكن أن يخدش في الكل، أمّا الأولى فلمعارضتها لصحيحته الأخرى، (في حديث) قال: قلت لأبي عبد اللّٰه عليه السلام: الرجل يريد السفر فيخرج حين تزول الشمس، فقال: إذا خرجت فصلّ ركعتين «4».

مع إمكان حملها على ما لا ينافي صحيحة إسماعيل بن جابر بعد صراحتها في كون المدار على حال الأداء، بكون المعنى أنّه إذا أراد

______________________________

(1) الوسائل باب 21 حديث 5 من أبواب صلاة المسافر، ج 5 ص 535.

(2) الوسائل باب 21 حديث 12 من أبواب صلاة المسافر، ج 5 ص 535.

(3) الوسائل باب 21 حديث 13، 14 من أبواب صلاة المسافر، ج 5 ص 535.

(4) الوسائل باب 21 حديث 1 من أبواب صلاة المسافر، ج 5 ص 535.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 505

أن يدخل يصلّى ركعتين قبل الدخول و ان أراد الخروج فليصلّ أربعا.

و أمّا الثانية فللزوم حملها على القول بها على عدم دخول وقت العصر بالزوال حيث قال: (قصّر العصر) و هو يخالف مذهب الإماميّة.

و أمّا رواية المستطرفات، فلعدم ثبوت كون الكتاب لجميل بن دراج و كذا الرواية التي نقلها المجلسي رحمه اللّٰه من كتاب محمّد بن الحسن المثنّى الحضرمي التي تدلّ على مختار العلامة في غير كتاب التبصرة فلا دليل يعارض صحيحة إسماعيل بن جابر و على تقدير المعارضة فهي موافقة لإطلاق

الكتاب، و غيره ممّا سيق مساق الآية كقوله عليه السلام:

الصلاة في السفر ركعتان «1» و نحوها.

فالأظهر من حيث الدلالة لزوم مراعاة وقت الأداء.

(المسألة الثالثة) إذا كان مسافرا في بعض الوقت و حاضرا أو بحكمه في بعضه الآخر و لم يصلّ حتى خرج الوقت كلّه،

فهل يجب في القضاء مراعاة حال الوجوب، أو حال الفوت أو مخيّر بينهما؟ وجوه.

لا إشكال في أنّه إذا اعتبر وقت تعلّق الوجوب في المسألتين السابقتين يعتبر هنا أيضا ذلك و انّما الكلام فيما إذا اخترنا في السابقة لزوم مراعاة حال الأداء كما اخترناه، فهل المناط وقت الوجوب أو وقت الفوت (فتارة) نتكلّم بمقتضى القاعدة مع قطع النظر عن الدليل الخاص (و اخرى) مع النظر اليه.

أمّا الأوّل فمقتضاها لزوم مراعاة حال الفوت لأنّه كان في أوّل الوقت مخيّرا عقلا بين الإتمام و القصر باعتبار اختياره في تبديل موضوعها الى موضوع أخر كتبديل موضوع المسافر الى الحاضر أو العكس، و حينئذ

______________________________

(1) راجع الوسائل باب 21 ذيل حديث 2 من أبواب أعداد الفرائض: ج 3.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 506

إذا صار آخر الوقت يتعيّن عليه ما كان وجب عليه آخر الوقت هذا.

و لكن قد يقال بكون مقتضى القاعدة هو التخيير بين القصر و الإتمام لأنّ الأمر تعلّق بطبيعة الصلاة، غاية الأمر انّ زمان إتيانها موسع، ففي كلّ جزء من الزمان لو أتى بها كان ممتثلا باعتبار أنّه أتى بها، لا باعتبار أنّه اتى بالفرد كما بالنسبة إلى مكان المأمور به.

مثلا إذا وجب الوقوف بعرفات، ففي كل موضع وقف فيه يصدق أنّه وقف بعرفات لا أنّه وقف في المكان الخاصّ.

فكما أنّه لو أتى بالسفر يصدق أنّه أتى بالصلاة في ذلك، كذلك لو تركها في ذلك الوقت يصدق أنّه فاتت منه في ذلك الوقت و المفروض أنّ الذي وجب هو الإتمام في بعض الوقت

و القصر في البعض الآخر فهو مخيّر في القضاء أيضا بين القصر و الإتمام.

(و فيه) أوّلا أنّ مقتضى ذلك ليس هو التخيير في مقام القضاء، فانّ تخييره في الأداء باعتبار اختلاف حالاته الموجب لاختلاف الاحكام و المفروض عدم خصوصيّته القصر و الإتمام في متعلّق الأمر فليس في مقام القضاء و اختلاف الحالة كي يكون مخيّرا بل يمكن أن يقال باقتضاء ذلك وجوب الإتمام باعتبار أنّ الأدلّة الأوّلية تقتضي وجوب الإتمام إذا لم يكن هناك خصوصيّة موجبة للإتمام و القصر و المفروض عدم حصولها.

(و ثانيا) يمكن الخدشة في أصل التقريب، لأنّ الأدلّة الدالّة على أنّ صلاة الحضر تقضى تماما و لو في السفر، و صلاة السفر تقضى قصرا و لو في الحضر «1»، تدلّ على أنّ المأمور به في القضاء يتخصّص بخصوصيّة القصريّة و الإتماميّة و لو لم نقل بتخصّصها بالادائيّة و القضائيّة

______________________________

(1) راجع الوسائل باب 6 من أبواب قضاء الصلوات، ج 5 ص 359.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 507

كما ذكرنا في التقريب- و هو التحقيق.

و لا منافاة بين تعلّق الأمر بنفس الطبيعة في الأداء و بين تعلّقه بها مع خصوصيّة مدلول عليها بأدلّة، فحينئذ فاللازم ملاحظة حال الفوت، و أنّه هل خصوص الصلاة السفريّة أو الحضريّة هذا.

و ربّما قيل بلزوم مراعاة أوّل الوقت، و القائل ابن إدريس في السرائر مدّعيا عليه إجماع الأصحاب كالصدوق (ره) في رسالته و المفيد (ره)، و السيّد المرتضى (ره)، و الشيخ الطوسي (ره) في بعض كتبه مستدلّا بأنّه أوّل ما وجب عليه فيستقرّ عليه ذلك إذا لم يأت بعد ببدلها مقايسا ذلك بالمرأة الحائض بعد مضى مقدار زمان يسع الصلاة مع شرائطها بحسب حالها.

و يرد عليه (أوّلا)

بعدم تحقّق الإجماع بمجرّد فتوى جماعة من الأصحاب (و ثانيا) عدم تعيّن الوجوب بمجرّد دخول الوقت، بل هو مخيّر في كلّ جزء بين القصر و الإتمام بحسب تخييره في إيجاد موضوعيهما.

و قياسه بالمرأة الحائض، مع الفارق لتعيّن الوجوب عليها و واقعا في الفرض، غاية الأمر، لها حكم ظاهري بجواز تأخير الصلاة بمقتضى الاستصحاب، فإذا حاضت يكشف عن تعيّن الوجوب، بخلاف المقام كما لا يخفى.

و ربّما يؤيّد هذا القول ما رواه موسى بن بكر الواسطي، عن زرارة، عن أبى جعفر عليه السلام أنّه سئل عن رجل دخل وقت الصلاة و هو في السفر فأخّر الصلاة حتّى قدم و هو يريد يصلّيها إذا قدم إلى أهله فنسي حين قدم إلى أهله أن يصلّيها حتّى ذهب وقتها، قال: يصلّيها ركعتين صلاة المسافر لأنّ الوقت دخل و هو مسافر كان ينبغي له أن يصلّى عند

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 508

ذلك «1».

(و فيه) أنّ المحكي عن الشيخ الطوسي رحمه اللّٰه في الفهرست و الرجال نسبة الوقوف الى موسى بن بكر و كذا عن العلامة (ره) في الخلاصة، و مجرّد عدم تعرّض النجاشي و الكشي مذهبه لا يدلّ على كونه إماميّا كما قيل «2».

و على تقدير الأدلّة، كلام الشيخ و العلامة (رحمهما الله) صريح فيما رمياه و عدم تعرّض غيرهما ظاهر مضافا الى عدم معروفيّة العمل بتلك الرواية من الأصحاب رضوان اللّٰه عليهم، و لعلّ من أفتى بما هو مطابق لمضمونها باعتبار انطباقه للقاعدة بنظره كما هو صريح ابن إدريس (ره) في السرائر.

و قد يستعان بها للقول بالتخيير فإنّه عليه السلام قال: (كان ينبغي له أن يصلّى عند ذلك) و لم يقل عليه السلام: (كان يجب إلخ).

(و فيه)

أنّه من الممكن كون أولويّة أداء الفريضة في أوّل وقتها موجبا لتعيّن مراعاة أوّل الوقت في مورد القضاء فلا دلالة فيها عليه، فلا وجه للقول بتعيّن مراعاة أوّل الوقت و كذا التخيير، الّا دعوى كونه مقتضى القاعدة التي توهّم كونه كذلك، و قد بيّنا أنّ القولين خلاف التحقيق، فالأشبه بالقواعد لزوم مراعاة وقت الفوت و ان كان لا ينبغي ترك الاحتياط بالجمع بين القصر و الإتمام.

و أمّا ما يتراءى من بعض العبائر من أنّ مقتضى الاحتياط مراعاة آخر الوقت كما عن بعض أو أوّل الوقت كما عن آخر فلا نعلم له وجها، و اللّٰه

______________________________

(1) الوسائل باب 20 حديث 3 من أبواب صلاة المسافر، ج 5 ص 535.

(2) القائل المامقاني في تنقيحه، ج 3.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 509

يعلم.

(المسألة الرابعة) قد مرّ أنّ مذهب الإماميّة تبعا لأئمّتهم عليهم السلام قد استقرّ على تعيّن القصر على المسافر الّا ما خرج
اشارة

كما سمعت في أثناء المسائل، و لكنّ المشهور من زمن الشيخ أبى جعفر الطوسي رحمه اللّٰه، التخيير في المواضع الأربعة التي تأتي (إلّا) عن صاحب المدارك رحمه اللّٰه فخصّه بالحرمين و سيأتي (و الّا) عن الصدوق عليه الرحمة حيث حكم بعدم الفرق بين الأماكن الأربعة و غيرها و حمل الروايات الدالّة على جواز الإتمام أو استحبابه، على استحباب نية الإتمام، و تبعه من متأخّري المتأخّرين، الوحيد البهبهاني (ره) و السيّد بحر العلوم (قده)، (و الّا) عن السيّد المرتضى (ره) فإنّه حكم بوجوب الإتمام فيها و يمكن أن يكون مستند الصدوق رحمه اللّٰه و من تبعه، شهرة إتيان الصلاة قصرا في زمن أصحاب الأئمّة عليهم السلام كما نقل عن الشيخ أبى جعفر محمّد بن قولويه، عن أبيه، عن سعد بن عبد اللّٰه المتوفّى سنة 300، عن أيّوب بن نوح وكيل الهادي عليه السلام أنّه قال:

أنا أقصّر، و نقل عن صفوان بن يحيى المتوفّى سنة 208 و هو من أصحاب الإجماع أنّه كان ممّن يقصّر.

و يشهد له أيضا ما رواه الشيخ بإسناده عن على بن مهزيار قال:

كتبت الى أبى جعفر الثاني عليه السلام: انّ الرواية قد اختلفت عن آبائك في الإتمام و التقصير للصلاة في الحرمين، فمنها أن يتمّ الصلاة و لو صلاة واحدة، و منها أن يقصّر ما لم ينو مقام عشرة أيّام و لم أزل على الإتمام فيها الى أن صدرنا في حجّنا في عامنا هذا فانّ فقهاء أصحابنا أشاروا إلىّ بالتقصير إذا كنت لا أنوى مقام عشرة أيّام الحديث «1».

______________________________

(1) الوسائل باب 25 حديث 4 من أبواب صلاة المسافر، ج 5 ص 544.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 510

فانّ قوله: (فانّ فقهاء أصحابنا أشاروا إلىّ بالتقصير) ظاهر بل صريح في أنّ المعروف بين الأصحاب عدم الإتمام.

و يشهد له أيضا ما رواه الشيخ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن على بن حديد، قال: سألت الرضا عليه السلام، فقلت: انّ أصحابنا اختلفوا في الحرمين فبعضهم يقصّر و أنا ممّن يتمّ على رواية أصحابنا في التمام و ذكرت عبد اللّٰه بن جندب أنّه كان يتمّ، فقال: رحم اللّٰه عبد اللّٰه بن جندب ثمّ قال لي: لا يكون الإتمام الّا أن تجمع على إقامة عشرة أيّام الحديث.

فانّ ظاهر صدر الحديث معروفيّة القصر.

(لا يقال): أنّ الشهرة قائمة على جواز الإتمام (لأنّه يقال):

الشهرة الفتوائيّة القدمائيّة مقدّمة على الشهرة المتأخرة هذا.

لكنّ الأقوى و الأظهر ثبوت أصل الحكم في الجملة، فإنّه لا إشكال في أنّ فقه الإماميّة من زمن أبى جعفر الباقر عليه السلام الذي أوّل زمان وجد فيه الفقهاء و صنّف الكتب

الفقهيّة كان باقيا الى زمن مصنّفي الكتب الأربعة و كان الأصحاب يأخذونه طبقا عن طبق، و هذه الروايات التي في الكتب المأخوذة من الطبقة السابقة و هكذا الى زمن الامام عليه السلام، تدل على أنّ الحكم في الجملة كان ثابتا و منشأ اختلاف الأصحاب أيضا كان اختلاف بيانات الأئمّة عليهم السلام.

و لعلّ السر في ذلك عدم رضائهم عليهم السلام إفشاء هذا الحكم الذي لا يعلمه الّا الراسخون.

كما يشير اليه، بل يدل عليه قوله عليه السلام في صحيحة حماد بن عيسى التي رواه الشيخ (ره): من مخزون علم اللّٰه، الإتمام في أربعة مواطن

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 511

حرم اللّٰه، و حرم رسوله صلّى اللّٰه عليه و آله، و حرم أمير المؤمنين، و حرّم الحسين بن على عليهم السلام «1».

و في رواية مسمع بن عبد اللّٰه، عن أبي إبراهيم عليه السلام، قال:

كان أبى يرى لهذين الحرمين ما لا يرى لغيرهما، و يقول: انّ الإتمام فيهما من الأمر المذخور «2».

و فيما رواه الكليني (ره)، عن على بن إبراهيم، عن أبيه، عن إسماعيل بن مرّار، عن يونس بن عبد الرحمن، عن معاوية بن عمّار، عن أبى عبد اللّٰه عليه السلام انّ من الأمر المذخور الإتمام في الحرمين.

و في مرسلة حماد بن عيسى التي رواها جعفر بن محمّد بن قولويه في المزار عن أبى عبد اللّٰه عليه السلام، قال: من الأمر المذخور إتمام الصلاة في أربعة مواطن، مكّة، و المدينة، و مسجد الكوفة، و الحائر «3».

و غيرها من الأخبار المستفيضة، بل يمكن دعوى تواترها الإجمالي فلا إشكال في أصل الحكم في الجملة.

و انّما الكلام في تعيين المواضع الأربعة
فنقول: امّا ما هو راجع الى الحرمين

فالأخبار فيه على ثلاثة أقسام.

(أحدها) ما عبّر فيه بالحرمين، و هو أكثرها، مثل رواية مسمع،

و حماد بن عيسى، و على بن مهزيار، و عبد الرحمن، و زياد بن مروان

______________________________

(1) الوسائل باب 25 حديث 1 من أبواب صلاة المسافر، ج 5 ص 543.

(2) الوسائل باب 25 حديث 2 من أبواب صلاة المسافر، ج 5 ص 543.

(3) راجع الوسائل باب 25 حديث 1- 2- 4- 6- 13- 17- 21- 30- 31 33- 34 من أبواب صلاة المسافر: ج 5 ص 543 تا 551.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 512

القندي مرّتين، و محمّد بن إبراهيم الحضيني، و عثمان بن عيسى، و عمرو بن مرزوق، و قائد الحنّاط، و على بن حديد، و معاوية بن وهب «1».

(ثانيها) ما عبّر فيه بلفظ (مكّة) و (المدينة) كرواية معاوية بن عمّار، و على بن مهزيار، و عبد الرحمن بن حجّاج، و مسمع، و عمرو بن رياح، و على بن يقطين، و رواية محمّد بن إسماعيل بن بزيع، و مرسلة حماد بن عيسى، و مرسلة الصدوق (ره) «2».

(ثالثها) ما عبّر فيه بلفظ (المسجد) مثل رواية عمران بن حمران و عبد الحميد خادم إسماعيل بن جعفر، و إبراهيم بن أبى البلاد، و حذيفة بن منصور عمّن سمع، و إسحاق بن حريز عن أبى بصير و صالح بن عبد اللّٰه الخثعمي «3».

أمّا وجه الجمع فيمكن العمل بكل واحد من الأقسام الثلاثة، و مقتضى القسم الأوّل جواز الإتمام في خارج البلدين أيضا إذا كان من الحرم.

و يمكن الجمع بوجه آخر و هو أن يقال: انّ المراد من الحرمين- كما يظهر من رواية على بن مهزيار حيث سئل أبا جعفر الثاني كتبا فأجاب عليه السلام بما أجاب (الى أن قال): فقلت له بعد ذلك بسنتين مشافهة

______________________________

(1) راجع الوسائل

باب 25 حديث 3، 4، 5، 7، 8، 10- 32 من أبواب صلاة المسافر.

(2) راجع الوسائل باب 25 ذيل حديث 4- 5- 7- 8- 10 16- 19- 32- 39- 26 من أبواب صلاة المسافر.

(3) راجع الوسائل باب 25 حديث 11- 14- 22- 23-، 25- 28.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 513

انّى كتبت إليك بكذا و أجبتني بكذا فقال: نعم فقلت: أى شي ء تعني بالحرمين فقال: مكّة و المدينة «1» هو خصوص البلدين.

نعم يبقى الكلام في ترجيع أحد القسمين الأخيرين، و الظاهر بقرينة عدم ذكر شي ء من الروايات يدل على تعدد الحكم هو اتحاد الحكم فلا يصح الجمع بحمل روايات المسجدين على الاستحباب المؤكّد، و روايات البلدين على مرتبة منه.

و حيث أنّ الحكم الأصلي على خلاف الأصل المستفاد من عمومات أدلّة القصر على كلّ مسافر، فالأحوط الاقتصار على خصوص المسجدين.

بل يمكن أن يقال أنّه الأقوى، لأنّ المسألة بين التخيير و التعيين الّا أن يقال: بتقديم روايات البلدين مع كثرتها و عدم إجمالها سيّما رواية على بن مهزيار التي هي كالنص في الإطلاق و المفسّر لباقي الروايات فتأمّل و لكن يمكن أن يردّ، بأنّه بعد إحراز وحدة الحكم كما ذكرنا يكون ظهور روايات المسجدين في كونها تمام الموضوع أقوى من ظهور روايات البلدين لأنّ الأوّل ناش عن ذكر الخصوصيّة التي هي أمر وجودي، و الثاني من عدم ذكرها، الذي هو أمر عدميّ، و الظهور الناشئ من الوجودي أقوى من الناشئ من العدمي فافهم.

و أمّا ما هو راجع الى عنوان (الكوفة)

ففي بعض الأخبار التعبير ب (الكوفة) كرواية زياد بن مروان القندي، و في بعضها لفظة (حرم أمير المؤمنين عليه السلام) كرواية حماد بن عيسى، و في بعضها (مسجد الكوفة) كرواية حذيفة بن منصور

عمن سمع، و رواية أبي بصير، و رواية عبد الحميد خادم إسماعيل، و مرسلة الصدوق (ره) «2».

______________________________

(1) الوسائل باب 25 حديث 4 من أبواب صلاة المسافر.

(2) راجع الوسائل باب 25 حديث 1، 3، 13، 14، 25، 26.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 514

و الظاهر أنّ المراد من الحرم أيضا الكوفة أو مسجد الكوفة ما سمى به لاحترامه بخلافة الأمير عليه السلام، و الكلام في كيفيّة الجمع كالكلام في الحرمين، و المقول بالاختصار على مسجد الكوفة أقوى لكثرة الروايات، و كون الحكم على خلاف الأصل كما سمعت.

و أمّا ما هو تراجع إلى الحائر الحسيني

(روحي و أرواح العالمين له و لآبائه الفداء) فالأمر أشكل، لأنّه قد عبّر فيه ب (حرم الحسين عليه السلام) كما في صحيحة حماد بن عيسى، و حذيفة بن منصور، و أبى بصير «1» و في بعضها: (أتمّ الصلاة عنده) كما في رواية أبي شبل أو (عند قبر الحسين عليه السلام) كما في رواية زياد القندي، و مرسلة إبراهيم بن أبى البلاد أو (الحائر) كما في مرسلة حماد بن عيسى «2»، و لم يعبّر في الفتاوى غالبا إلّا الأخير.

و سمّى بالحرم، لاحترام التربة الشريفة بوقوع شهادته عليه السلام (جعلنا اللّٰه من الناصرين له) و الظاهر أنّ لفظة (عنده) و (عند قبر الحسين عليه السلام) من الألفاظ المقولة بالتشكيك و يطلق (الحائر) على الأرض المنخفضة المطمئنّة، و على ما دار عليه سوار المشهد الشريف، و المسجد، و على ما تحيّر عنده الماء و لم يتعد.

و هل المراد من الحائر، المعنى الأوّل «3» باعتبار كون محل شهادته عليه السلام منخفضا و كان أطرافه مرتفعا من غير جهة القبلة، (أو الثاني) «4» باعتبار أنّ البناء الذي عليه في زمن الصادق كان مسجدا

______________________________

(1) راجع الوسائل باب 25 حديث 1، 25، 33.

(2) الوسائل باب 25 حديث 12، 22، 23، 29 منها.

(3) الأرض المنخفضة.

(4) ما دار عليه سوار المشهد الشريف.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 515

و هو أوّل بناء عليه، ثمّ خرّبه هارون الرشيد، ثمّ بناه ابنه الأمين، ثمّ خرّبه المتوكّل أربع مرّات، ثمّ بناه المعتصم، و هكذا يخرّبونه مرّة بعد أخرى و يبنونه كذلك، (أو الثالث) «1» باعتبار الماء عند قبره الشريف و عدم تجاوزه كما قيل؟ وجوه لا سبيل لنا الى تعيين أحدها، و الاكتفاء بالقدر المتيقّن «2» طريق الاحتياط.

ثمّ أنّه قد يطلق عليه الحير أيضا كما يرشد اليه ما رواه في الكافي، عن عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن أبى هاشم الجعفري «3»، قال: بعث الىّ أبو الحسن عليه السلام في مرضه، و الى محمّد بن حمزة «4»، فسبقني إليه محمّد بن حمزة، و أخبرني محمّد ما زال يقول:

ابعثوا الى الحير، ابعثوا الى الحير، فقلت لمحمّد ألّا قلت له: أنا أذهب الى الحير؟ ثمّ دخلت عليه و قلت له: جعلت فداك أنا أذهب الى الحير فقال: أنظروا في ذلك (الى أن قال): فذكرت ذلك لعليّ بن بلال «5»، فقال: ما كان يصنع بالحير و هو الحير، فقدمت العسكر فدخلت عليه، فقال لي: اجلس حين أردت القيام، فلمّا رأيته آنس بي ذكرت قول علي

______________________________

(1) ما تحيّر عنده الماء.

(2) هو الثالث.

(3) عن المجلسي عليه الرحمة أنّه من أولاد جعفر الطيّار، ثقة، عظيم الشأن.

(4) عن المجلسي عليه الرحمة أنّه من أولاد زيد بن على بن الحسين عليهما السلام منسوب الى جدّه حمزة و هما (أبو هاشم، محمّد بن حمزة من خواصّه.

(5) من أصحاب الجواد و

الهادي و العسكري عليهم السلام، ثقة.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 516

بن هلال، فقال لي: إلّا قلت له: انّ رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه و آله كان يطوف بالبيت و يقبّل الحجر و حرمة النبي صلّى اللّٰه عليه و آله و المؤمن أعظم من حرمة البيت و أمره اللّٰه عزّ و جلّ أن يقف بعرفة، و انّما هي مواطن يحبّ اللّٰه أن يعبد فيها، فانا أحبّ أن يدعى لي حيث يحبّ اللّٰه أن يدعى فيها و ذكر عنه أنّه قال و لم أحفظ عنه، قال: انّما هذه مواضع يحبّ اللّٰه أن يعبد فيها، فانا أحبّ أن يدعى لي حيث يحبّ اللّٰه أن يعبد هلا قلت له كذا؟ قال: قلت: جعلت فداك لو كنت أحسن مثل هذا لم أردّ الأمر إليك، هذه «1» ألفاظ أبي هاشم ليست ألفاظه «2» و أمّا حدّ الحرم الحسيني عليه السلام، فالأخبار مختلفة، ففي مرفوعة منصور بن العبّاس- التي رواه الشيخ (ره)- الى أبى عبد اللّٰه عليه السلام قال:

حرم الحسين عليه السلام خمس فراسخ من أربع جوانبه «3».

______________________________

(1) في هامش فروع الكافي باب 14 من أبواب الزيارات نقلا عن المجلسي هكذا: أعلم أنّ هذا الخبر من مشكلات أخبار هذا الكتاب و من مطارح الأزكياء من الأصحاب، و أفيد في حلّه أنّ الغرض منه الاستشفاء بحائر مولانا الشهيد أبى عبد اللّٰه الحسين عليه السلام (الى أن قال بعد كلام طويل): و قوله: هذه ألفاظ أبي هاشم أى قوله: (جعلت فداك إلخ) ألفاظ أبي هاشم لا ألفاظ ذلك الغير، أو انّ هذا الخبر من ألفاظ أبي هاشم لا ألفاظ أبي الحسن عليه السلام فكأنّه نقله بالمعنى و اللّٰه أعلم مجلسي عليه الرحمة

(انتهى ما نقلناه عن الهامش).

(2) الوسائل باب 76 من أبواب المزار من كتاب الحج، ج 10 ص 421، حديث 3.

(3) الوسائل باب 67 حديث 1 من أبواب المزار، ج 10 ص 399.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 517

و في مرسلة محمّد بن إسماعيل البصري، عن أبى عبد اللّٰه عليه السلام، قال: حرم الحسين عليه السلام فرسخ في فرسخ من أربع جوانب القبر «1».

و في رواية إسحاق بن عمّار، قال: سمعت أبا عبد الهّٰ عليه السلام يقول: انّ لموضع قبر الحسين عليه السلام حرمة من عرفها و استجار بها أجير، قلت: فصف لي موضعها، قال: امسح من موضع قبره، اليوم خمسة و عشرين ذراعا من ناحية رجليه، و خمسة و عشرين ذراعا من ناحية رأسه و موضع قبره من يوم دفن روضة من رياض الجنّة الحديث.

و رواه ابن قولويه في المزار، و رواه الكليني (ره) عن عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد و أحمد بن محمّد جميعا، عن الحسن بن محبوب مثله و رواه الصدوق في ثواب الأعمال مثله الّا أنّه زاد: و خمسة و عشرين ذراعا ممّا يلي وجهه كما في الوسائل «2».

و في الصحيح، عن عبد اللّٰه بن سنان، عن أبى عبد اللّٰه عليه السلام، قال: سمعته يقول: قبر الحسين عليه السلام عشرون ذراعا مكسرا روضة من رياض الجنّة.

فمع اختلاف التعابير لا يعلم أنّ المراد أىّ مقدار من هذه هو المراد و ان كانت هذه الروايات لا تعارض بينها، لا مكان حملها على اختلاف المراتب، فالمقدار المتيقّن هو الأخير، و هو عشرون ذراعا.

و هل هو ما فعلا محاط بالضريح الشريف، أو بقي منه شي ء؟ كل محتمل، فحيث أنّ الحكم استحبابي فإنّ الاحتياط

في كل مورد شك فيه

______________________________

(1) المصدر الحديث 2.

(2) المصدر الحديث 4.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2، ص: 518

متعيّن لتحصيل اليقين بالبراءة.

هذا تمام الكلام في بيان رءوس ما هو معتبر أن يكون محلّا للكلام في أحكام المسافر، و عليك باستخراج ما لم نذكره، ممّا ذكرناه.

اللّٰهمّ اغفر لاساتيذنا، و لأبوينا، و للمؤمنين و المؤمنات بحق النبي صلّى اللّٰه عليه و آله 1369 ق ه.

________________________________________

بروجردى، آقا حسين طباطبايى، تقرير بحث السيد البروجردي، 2 جلد، دفتر انتشارات اسلامى وابسته به جامعه مدرسين حوزه علميه قم، قم - ايران، اول، 1416 ه ق

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.